العلاقات الإثيوپية الفرنسية

العلاقات French-Ethiopian

فرنسا

إثيوپيا

العلاقات الإثيوپية الفرنسية، هي العلاقات الثنائية بين إثيوپيا وفرنسا.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التاريخ

1843-1936

الاتصالات الفرنسية بالحبشة حتى عام 1843

تعد إثيوپيا اقليما فريدا في مظاهره الطبيعية والبشرية، يختلف عما يحيط به من الاقاليم، بحيث يبدو كجزيرة قائمة وسط محيط يغايرها تماما، كما أنها تضم بين أرجائها المتباعدة تنوعا شديدا، فهناك اختلاف ملموس بين الجهات الساحلية المجاورة (في الصومال)، وبين هضبة الحبشة، وقد أدى وجود الأخاديد العميقة كالفرع الشرقي في الأخدود الكبير الذي يجري فيه نهر هواش وأودية الأنهار السحيقة التي تتحللها الربى، جعلت التفكك والتمزق والعزلة بين الجهات المختلفة من أهم المظاهر التي تميز العلاقات البشرية السائدة في أنحاء الهضبة، فتعددت عناصر السكان بين زنوج حاميين وساميين اختلطوا حينا ولكنهم ظلوا في عزلتهم أحيانا وهكذا ضعف الشعور بالوحدة، وأزكت هذه الظروف الروح الاقليمية فاصبح الامبراطور ينظر الى حكام الاقاليم أو الرؤوس نظرته الى ملوك ليسوا دونه مقامان، وهكذا صار التعدد والتنوع جنبا الى جنب مع العزلة والانطوار والتفكك، واستطاعت أمهارا التي تمتاز بغناها وتأثرها العميق بالحضارة السامية أن تجعل من الجهات المجاورة فيها تدريجيا دولة تدين بالولاء لحاكم أمهارا، فمثلت النوارة التي نمت حولها الوحدة السياسية في البلاد.[1]

فلم تعرف إثيوپيا الوحدة السياسية الا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، الذي شهدت أيضا فيه البلاد التكالب والتنافس الاستعماري الاوروبي خاصة من قبل بريطانيا وايطاليا، فاستغلت غريمتهما فرنسا الفرصة، وعملت على ارتباط بأوثق الروابط مع حكام إثيوپيا.

هذا وقد حرصت فرنسا على الاتصال بإثيوپيا منذ أواخر القرن السابع عشر، عندما بدأ الاهتمام الفرنسي بالشرق ودراسته ودراسة امبراطورياته المتنوعة، كذلك ارتبطت في نشر مذهبها الكاثوليكي، فتم ارسال البعثات الدينية وتحويل السكان عن مذهبهم الأرثوذكسي، ومن أشهر هذه البعثات بعثة الطبيب الفرنسي شارل جاك بونسييه، الذي اقام في القاهرة منذ أواخر القرن السابع عشر، وقد كلفه القنصل الفرنسي بينو ده ميليه بالسفر الى إثيوپيا لاقامة علاقات تجارية بينها وبين فرنسا، والعمل على نشر المذهب الكاثوليكي، وتحقيق الآمال ومشروعات اليسوعيين (الجزويت) فيها .

وقد سنحت الظروف للقنصل الفرنسي لارسال بعثة بونسييه عندما طلب ملك الحبشة من الحاج علي رئيس قافلة تجارة القاهرة ارسال طبيب فرنسي من مصر لمعالجته من الجذام، فتوجه بونسييه في عام 1698 وبصحبته أحد اليسوعيين ويدعى بريد فان الى اثيوبيا، وبينما توفى الأخير في جوندار عام 1699 الا أن بونسييه أكمل رحلته حيث قابل ملك الحبشة وأقنعه بارسال بعثة الى باريس، وقد سافرت البعثة بالفعل بصحبة بونسييه في عام 1703 يدس له لدى السلطات في فرنسا.

وجدير بالذكر أن بعثة بونسييه لم تكن الأولى وانما سبقتها بعثة الأب فرزيان في عام 1697 وكان من اليسوعيين، أراد نشر المذهب الكاثوليكي، وقد أوضح هذه الحقيقة في كتاباته الى غرفة تجارة مرسيليا، حيث ذكر أمرني الملك أن أقيم المنشآت في القاهرة لأسهل الخطط التي يجب تنفيذها في بلاد الحبشة البعيدة من أجل نشر المسيحية، ولكن لم يقدر لبعثة فرزيان النجاح بسبب مقاومة رجال الدين الأرثوذكسي في الحبشة للبعثات اليسوعية، أضف الى ذلك مقاومة بعثات الفرنسيسكان الايطالية للبعثات اليسوعية، خاصة وأنهم اتخذوا من أخميم في صعيد مصر محطة لهم في الطريق الى الحبشة بعد أن سمحت لهم السلطات المصرية باقامة مستشفى خاص بهم فيها.

وتبع بعثة بونسييه الى الحبشة بعثة لي نوار رول وكان يعمل نائبا للقنصل الفرنسي في طرابلس، ثم عمل في دمياط في عام 1701، وقد كلفته الحكومة الفرنسية بالاتصال بالحبشة لاقامة علاقات بين البلدين، وقد سافر لتصريف المنتجات الفرنسية الصناعية الى جانب نشر المذهب الكاثوليكي وفتح أسواق تجارية، وقد سافر لي نوار في عام 1704 بصحبة الطبيب الفرنسي ليبي، في قافلة مؤلفة من ستين جملا الى أسيوطة ومنها الى الواحات الخارجة وموها الى الشلال الثاني جنوب وادي حلفا، وعبرا النهر الى دنقلة ومنها الى كورتي ومروي، وفي عام 1705 وصلت البعثة الى سنارتم وتم ابادة معظمها بتحريض من الفرنسيسكان الذين حرصواعلى الدس للبعثة لدى حكام سنار.

والحقيقة أن البعثات التنصيرية الفرنيسة خاصة اليسوعية قد واجهت مصاعب عنيفة من أجل نشر مذهبها في الحبشة لتمسك الأحباش بمذهبهم، كذلك تواجد البعثات الايطالية خاصة الفرنسيسكان الذين اعتبروا أنفسهم أحق من الفرنسيين في مجال التنصير لأنهم سبقوهم في دخول الحبشة والاقامة فيها، وقد أوضح لي رول هذه الحقيقة قبل مقتله، فكتب الى الوزير الفنرسي بونشرتران ان مسألة التنصير اليسوعي في الحبشة أمر شائك مظلم مثل الدخول في قصر التيه.

وهكذا انصب الاهتمام الفرنسي بالحبشة والاتصال بها حتى نهاية القرن الثامن عشر لاسباب دينية تمثلت في رغبة فرنسا في نشر مذهبها الكاثوليكي، ورغم ارسال البعثات الى الحبشة الا أن جيمس بروس يعتبر من أهم الشخصيات التي لفتت الأنظار الى الحبشة، وقد تضمنت ملاحظاته عنها معلومات هائلة في الجغرافيا والتارخي والأنثروجرافية والعلوم، قام بزيارة شمال اثيوبيا بما فيها أكسوم وجوندار وكان بصحبته سكرتيره الايطالي ليوجي بالوجاني وقدم بروس مؤلفات رحلته الى جورج الثالث ملك بريطانيا، وأهم ما تضمنته رحلته أنه جمع مخطوطات هائلة عن البلاد فتحت الباب أمام دراسة لغتها وتاريخها، وأصبح لاثيوبيا فرع من المدرسة الشرقية، كذلك لا ننسى الأهمية الكبرى لرحلته باكتشافه منابع النيل.

وقد عاصر بروس فترة الاضطرابات في إثيوپيا والمنازعات على السلطة، فسجل في عام 1772 قبل مغادرتها أخيرا "سأهرب من هذه البلاد الدموية".

وقد أدى معرفته بالطب الى تقربه من حاكم الحبشة الذي أنعم عليه باحدى القرى وجعله رئيسا للخيالة وحاكما لاحدى المقاطعات واعطاه حرية التجول في أنحاء البلاد، وقد نشر روس رحلته في سبع مجلدات مدعمة بالخرائط وأعطى وصفا كاملا لبحيرة تاتا والجزر المنتشرة بها.

ومع مطلع القرن التاسع عشر ازدادت أهمية طريق البحر الأحمر كطريق تجاري ، خاصة بعد انتهاء الحملة الفرنسية على مصر وتزايد الاهتمام البريطاني باستخدام هذا الطريق الملاحي، وقد أوضح هذه الحقيقة اللورد فالنشيا الذي وصل الهند على رأس بعثة بريطانية، وأكد في تقرير له الى وزارة الخارجية ضرورة العمل على ايجاد السبل لتدعيم السيطرة البريطانية على هذا البحر، وقام بزيارة معظم الموانئ الهامة في البحر الأحمر، وأوصى بالتفاوض مع الأحباش لضمان المصالح التجارية البريطانية في البحر الأحمر، ووضع مؤلفا تضمن رحلته الى هذه المناطق.

ثم ارسل فالنشيا خنري صولت في بعثة الى الحبشة عاد بعدها ليوصي بضرورة بذل الجهود لكي يحصل الأحباش على منفذ بحري لبلادهم على البحر الأحمر يتيح لهم الاتصال بالمستعمرات البريطانية في الشرق، وقد وصل صولت الى مصوع مومها الى تيجري في الحبشة حيث قدم الهدايا الى بحر نيجوس حاكم المنطقة، غير أن صولت لم يجد ما يشجعه على اقامة علاقات تجارية مستقرة نتيجة لرفض الأحباش هذا الاتجاه ولضعفهم في السيطرة على المنطقة الساحلية.

ثم توالت الرحلات والبعثات البريطانية الى الحبشة، لعل أ÷ما رحلة هوسكنر الذي نشر مؤلفا عنها قدم فيها وصفا كاملا للبلاد.

ويمكننا القول أن هذه التحركات البريطانية منذ مطلع القرن التاسع عشر قد تمت بتوجيه من قبل شركة الهند الشرقية البريطانية ومن وزارة الخارجية بهدف الحصول على امتيازات بريطانيا في منطقة البحر الأحمر.

هذا ولم ينقطع اهتمام فرنسا بطريق البحر الأحمر بعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر، فقد اهتم بونابرت بمراقبة هذا الطريق، وأرسل بعثة سيستياني في مصر لدراسة الاوضاع فيها، كذلك أعاد البوريون الاهتمام بهذا الطريق خاصة في عهد ملكية يوليو، وفي عهد لويس فيليب ملك فرنسا الذي راى ضرورة الاهتمام بالتجارة واقرار السلام في البلاد لتحقيق أكبر الفوائد لفرنسا، وكان لابد من ارسال البعثات الكشفية الى المناطق المهمة وبحث أفضل الطرق لتطوير التجارة الفرنسية، فكانت اثيوبيا محط أنظار الفرنسيين خلال تلك الفترة.

ويمكننا القول أيضا أنه حتى عهد لويس فيليب لم يكن لفرنسا علاقات قوية مع منطقة البحر الأحمر وشرق افريقيا، بينما كان لشركة الهند الشرقية البريطانية نشاط ملحوظ في هذه الجهات منذ مطلع القرن التاسع عشر، أضف الى ذلك زيارة الرحالة البريطانيين الى أثيوبيا كما أوضحنا، ولذلك فكرت شركة نانت وبوردو الفرنسية في ارسال البعثات الى داخل الحبشة، ولعل أهما بعثة تاميزييه وكومب في الفترة ما بين عام 1835-1837، وترجع أهمية هذه البعثات أنها أتاحت لأول مرة للفرنسيين التوغل داخل الحبشة، وكانت من البعثات الرائدة، والحقيقة أن هدف البعثة لم يكن هدفا علميا بحتا أو للكشف عن أراضي مجهولة بالنسبة للفرنسيين، وانما كانت تعليمات وزارة البحرية الفرنسية واضحة، فالبعثة رسمية لاكتشاف الحبشة وسواحل البحر الأحمر، ولكن رغم هذا المظهر العلمي الا انه طلب من أعضائها تقرير يوضح مدى امكانية قيام الفرنسيين ببسط سيطرتهم على الحبشة.

ولكن لم يكتب النجاح تماما للبعثة، فقد حاول كومب اقامة منشأة تجارية فرنسية في مصوع، ولكنه قوبل بمعارضة من السلطات المصرية في زيلع الى جوندار حيث عتيش قبائل الجالا، وأوضح المبعوثان تفاصيل رحلتهما في كتاب صدر في باريس عام 1838 بعنوان رحلة الى الحبشة.

هذا وقد طلب كومب في تقرير له الى وزارة البحرية ضرورة ارسال بعثات اخرى الى الحبشة، كما أكد أنه أول من وصل الى الحبشة من الفرنسيين، ولذلك تم ارسال بعثة روجيه وجالينيه وفريه في الفترة ما بين 1839-1841، والذين أكدوا بضرورة العمل على زيادة الاتصالات بالحبشة، كما أكدوا بأن وجود البريطانيين في عدن قد ساعدها على الانطلق منه صوب سواحل البحر الأحمر، ووحذروا من نشاط شركة الهند الشرقية البريطانية، وأوضح الملازم فريه في تقريره بأنه من الممكن تفادي فشل بعثة كومب السابقة، ويمكن التغلب على رفض السلطات المصرية في زيلع باقامة منشأة فرنية في مصوع باقناع محمد علي والي مصر بالتنازل عن مصوع، خاصة وأن حصيلة الجمارك في ذلك الميناء بسيطة ولا يصل الى القاهرة منها الا خمسين ألف فرنك، كذلك أوضح فريه بأن البريطانيين لن يتخلوا عن عدن ولن يتراجعوا في سبيل دعم نفوذهم في البحر الأحمر، وأنهم قاموا بمحاولات لشراء مصوع وحنفيلة لكي يمنعوا الفرنسيين من الاقامة في هذين المينائين.

كذلك قدم فريه وجالينيه وصفا شالا لتجارة الحبشة ومدنها المختلفة وتجارتها الداخلية وأشهر المراكز التجارية فيها خاصة في تيجري وجودجام وبيجمدار وأنكوبار، وأكد أن جوندار هي مركز تجارة البحر الأحمر ولها تجارتها النشطة مع الهند والجزيرة العربية والسودان.

هذا كما عملت بعثة فريه وجالينيه في جوندار عمل الضابط البحري لوفيفر م عام 1839-1843، في مرتفعات أثيوبيا في الشمال الشرقي ووضع مؤلفا عنها دون فيه ملاحظاته عن البلاد، وقد قابل حاكم تيجري الذي أبدى استعداده للتنازل عن خليج حنيفلة للفرنسييين.

وكان من الطبيعي أن تعمل بريطانيا علىمراقبة نشاط فرنسا وذلك في قاعدتها البحرية في عدن، وتحركت اللجنة السرية التي تدير امور شركة الهند الشرقية في لندن وأبلغت هينز المقيم السياسي البريطاني في عدن بتحركات فريه وجالينيه، وطلبت منه اللجنة ارسال ضابط بريطاني الى زيلع للعمل على احباط محاولات الفرنسيين لبسط نفوذهم على أن يمنح كافة الصلاحيات لشراء محطة تتحكم في ميناء تاجورة، ولذلك بادر هينز بارسال الكابتن مورسبي عام 1840 الى ميناء تاجورة فنجح في شراء جزر موسى الواقعة في راس خليج تاجورة، وعقد معاهدة صداقة وتجارة مع القبائل المحلية.

على أن هذه البعثات الكشفية والتجارية من الجانبين الفرنسي والبريطاني أوضحت حقيقة مهمة في البلاد، الا وهي أن الحبشة مقسمة وان الفوضى تسود فيها، وقد ظهر في النصف الأول من القرن التاسع عشر ثلاث قوى رئيسية، هي الملك سهلا سلاسي ملك شوا، ثم الرأس علي في أمهارا (جوندار)، ثم رأس اوبي في تيجري، وقد تصارعت هذه القوى في البلاد، كذلك تنازع النبلاء فيما بينهم مما أدى الى اختفاء قوة وهيبة الدولة، وقد ساعد على هذا الانقسام كما أوضحنا الطبيعة الجبلية لأثيوبيا، والتي لعبت دورا في صنع تاريخها فلم تساعد هذه الطبيعة على قيام دولة متحدة ذات حكومة مركية، فالجبال منعت الاتصال بين الكسان وكنت الحواجز واعاقت أي سلطة للحكومة ان تبسط سيطرتها، كما ساعدت على استقلال السكان أنفسهم.

علاقة فرنسا بالحبشة 1868

ازداد النشاط الفرنسي في البحار الشرقية منذ الأربعينيات من القرن التاسع عشر، وخاصة بعد أن نجحت فرنسا في اعلان الحماية على جزيرة نوسي بي، الواقعة شمال غرب مدغشقر في عام 1841، وعلى جزيرة مايوت في عام 1843، وبذلك اوجدت قواعد لها في المحيط الهندي، أضف الى ذلك قاعدتها القديمة في ريونيون (بوريون)، كذلك كثفت فرنسا نشاطها التنصيري في الهند الصينية والشرق الأقصى، واستتبع ذلك الاهتمام بالبحر الاحمر وبالقوى السياسية المهمة فيه، فاتجهت فرنسا بنظرها الى الحبشة، وساعدها على ذلك أن رحلات ومؤلفات كومب وفريه فتحت الطريق أمامها الى الحبشة، وفي عام 1839 قام العالم الفرنسي روشيه ديركور بالسفر الى تاجورة ، ثم اتجه نحو أراضي الحبشة الداخلية فوصل شوا حيث أحسن ملكها سهلاسيلاس استقباله وارسل معه الهدايا الى لويس فيليب ملك فرنسا، وقد أكد روشيه بعد عودته لفرنسا على ضرورة الاتفاق مع شوا فهي قلب اثيوبيا وحاكمها من أقوى الحكام، وانه من الافضل لفرنسا اقامة علاقات تجارية معه.

راقبت السلطات البريطانية في عدت بعثة دير كور الى مملكة شوا وارادت احباط محاولات الفرنسيين لبسط نفوذهم فيها، ولذلك وافقت حكومة الهند الى ارسال بعثة الى شوا، فتم ارسال بعثة كرايف الى شوا في عام 1840، وأحسن سهلا سيلاس استقبالها وطلب مساعدة بريطانيا له بارسال الأسلحة الحديثة لقواته، كما ارسل الهدايا الى المقيم السياسي في عدن، هذا وقد أوصى كرايف بضرورة تدعيم النفوذ البريطاني في شوا باعتبارها تتحكم في واحد من أهم الطرق التجارية المهمة التي تخترق القارة الأفريقية، بل انه يمكن بالسيطرة عليها وقف تجارة الرقيق وبسط النفوذ البريطاني في وسط القاهرة وفي شرقها.

ونظرا لاستمرار النشاط الفرنسي في البحر الأحمر ارسلت الحكومة البريطانينة بعثة الكابتن وليم هاريس وهو أحد مهندسي شركة الهند الشرقية البريطانية وكان مزودا بسلطات كافية لعقد معاهدة الصداقة والتجارة باسم الملكة فيكتوريا مع سهلاسيلاسي ملك شوا والجالا، والتي تم توقيعها في 16 نوفمبر 1841 تعهد فيها كل من الملكة فيكتوريا وسهلاسيلاسي ببذل كل ما في وسعهما لكي تبقى طرق التجارة مفتوحة، ولتأمين المواصلات بين ساحل البحر الأحمر وبلاد الحبشة، وللمحافظة على سلامة التجار، وبضائعهم وأموالهم، كما تعهدت الحبشة بألا تقيم أية عقبات أمام المسافرين البريطانيين سواء منم كان يرغب منهم في الاقامة في الحبشة أو من كان يرغب في مواصلة السفر فيها، فيما وراء حدود تلك المنطقة.

لم تقف فرنسا موقف المتفرج من معاهدة وليم هاريس مع ملك شوا، فأسرعت بارسال روشيه في بعثة ثانية الى الحبشة عام 1842-1843، وكلف بمهمة رسمية وسياسية الا وهي عقد معاهدة مع شوا، وقد أحسن سهلاسيلاسي استقباله في أنجوليلا حيث عقدت المعاهدة في 7 يناير 1843 حصلت بمقتضاها فرنسا على امتيازات لرعاياها.

ونصت المعاهدة على أن يعتبر حاكم شوا أعداء فرنسا اعداء له سواء من المسلمين أو الاجانب، كذلك اقر بأن لويس فيليب هو حامي المسيحيين في القدس وعليه رعاية حجاج شوا أيضا، كذلك أعطت المعاهدة الفرنسيين حق شراء العقارات والبيع والتصرف فيها، وأن يكون للفرنسيين الأفضلية في التعامل.

وحققت معاهدة روشيه ديركور مع أثيوبيا امتيازات سياسية وتجارية لفرنسا، واعتبرت رحلته الثانية الى أثيوبيا مصدرا رسميا وهاما للمعلومات عن اقليم شوا لسنوات طويلة.

ورغم أن المعاهدة ظلت حبرا على ورق، فلم يحضر التجار الفرنسيين الى شوا للتجارة، الا أن فرنسا تمكت بها خاصة في عهد منليك الثاني.

لم تكتف فرنسا بتوقيع معاهدة عام 1842، وعملت على ارسال البعثات الى الحبشة، منها بعثة دي فوسييه في عام 1844، وهو قائد محطة يوريون ومدغشقر، وكلف باستكمال الدراسات الخاصة بالبحر الأحمر.

لم تشعر بريطانيا بالقلق بسبب تحركات الفرنسيين النشطة فحسب، وانما تخوفت من نشاط محمد علي في سواحل البحر الأحمر، فاذا ما شدد قبضته على سواكن ومصوع فانه سوف يتدخل في التجارة الأفريقية، وسوف ينشئ علاقات مع سكان المناطق الداخلية في القارة، مما يؤثر على التجارة والمصالح البريطانية، ولذلك قام بملرستون بتعيين والتر بلودن قنصلا لبريطانيا في مصوع في عام 1848، وكلف بتشجيع وتوسيع التجارة البريطانية مع الحبشة، وكلفه بتوقيع معاهدة تجارية مع الرأس علي حاكم جوندار.

ورغم أن مهمة بلودن في الحبشة تجارية بحتة، الا أنه اظهر نشاطا سياسية أكثر منه تجارية، وزج بنفسه في المنازعات القائمة بين الرؤوس الأحباش، فانضم الى جانب السلطة في جوندار ضد الرأس اوبي حاكم تيجري، واعتمد على الاسقف سلامة الذي كان يميل للتعاليم البروتستانتية في التخلص من الارسالية الكاثوليكية، التي كانت تؤيدها فرنسا في تيجري، هذا وقد نجح بلودون في عقد معاهدة للصداقة والتجارة مع الرأس علي في 2 نوفمبر 1849، ومع ذلك فقد بقيت حبرا على ورق طوال حكمه، الذي استمر حتى عام 1855، كما لم يعترف بها النجاشي تيودور بعد أن تولى الحكم.

أراد الراس اوبي وحاكم تيجري التقرب من السلطات البريطانية خوفا من مساندتها لغريمه الرأس علي في جوندار، كذلك أراي ايجاد منفذ لبلاده على ساحل البحر الأحمر خاصة في مصوع وسواكن التي تسيطر عليهما قوات محمد علي، ولذلك ارسل رسالة الى الملكة فيكتوريا عن طريق بلودن قنصل بريطانيا في مصوع يطلب منها المساعدة لتأييد حقوق أجداده في ساحل البحر الأحمر، مؤكدا أن العثمانيين انتهزوا فرصة تنازع رؤوس الأحباش لبسط سيطرتهم على هذه المناطق وعلى الرغم من أن بلودون أيد الرأس اوبي، الا أن السلطات البريطانية رفضت التدخل لصالحه خاصة وان عباس الأول اعادة ادارة مصوع وسواكن الى الباب العالي، ولذلك لم يجد الراس اوبي مفرا من الاتجاه نحو فرنسا، فعقد في أول أكتوبر عام 1849 معاهدة مع رولاند قنصل فرنسا في مصوع، تعهد فيها بأن يسمح للفرنسيين بفرض حمايتهم على ساحل البحر الأحمر الغربي، وقبل رولاند ان تبذل الحكومة الفرنسية جهدها لمساعدة أوبي حتى تنهي لصالحه النزاع القائم بينه وبين الباب العلاي حول امتلاك الساحل الافريقي للبحر الأحمر، ولكن رولاند ابرم هذه المعاهدة دون استشارة حكومته التي رفضت التوقيع عليها، وذلك لأن الباب العالي لن يوافق على التخلي عما يملكه على ساحل البحر الأحمر، كما أن فرنسا كانت حريصة على عدم التعرض لحقوق السيادة العثمانية.

وهكذا استمر ارسال البعثات الفرنسية الى الحبشة منذ توقيع روشيه ديركور معاهدة عام 1842 وحتى عام 1855 وهو تاريخ تولي الامبراطور تيودور الثاني السلطة في البلاد، وقد راقبت بريطانيا النشاط الفرنسي ولم تقف منه موقف المتفرج، فأرسلت بدورها البعثات الى حكام الحبشة، كما تدخل قناصل الدولتين في النزاع القائم بين الرؤوس، فأيد رولاند الرأس اوبي في تيجري، وايد بدون الراس علي في اجواندار، أما موقف رؤوس الحبشة فقد ارد كل منهم تقوية سلطاته ونفوذه وقواته عن طريق الحصول على الأسلحة الحديثة، والاعتمد على الدولتين في ايجاد منفذ للتجارة الحبشية على سواحل البحر الأحمر ولكن الدولتان رفضتا التعرض لسيادة الدولة العثمانية على سواحل البحر الأحمر.

اتبع نابليون الثالث سياسة استعمارية، واعتمدت حكومة الامبراطورية الثانية على انصار الحزب العسكري والحزب الكاثوليكي وكلا الحزبين من أنصار التوسع والاستعمار، وقد وجهت هذه العناصر سياسة فرنسا حتى الحرب السبعينية.

وتولى الامبارطور تيودور الثاني السلطة في اثيوبية (1855-1868)، واكبت فترة حكمه نشاط الامبراطورية الثانية في فرنسا والتي سعت للاتفاق مع غريمه نيوجسي في تيجري، مما شكل تهديدا خطيرا له، هذا وقد نجح تيودور في السيطرة على الحبشة ودعم نفوذه في جوندار بعد وفاة الرأس علي في عام 1847، كذلك سيطرة علةى جوجام بعد وفاة الرأس جوشو، كما نجح في الحاق الهزيمة بالرأس اوبي في تيجري في عام 1854.

أراد تيودور اقامة امبراطورية حبشية كبيرة عن طريق التوسع في الساحل الشمالي من اريتريا، كما تطلع لغزو الاراضي السودانية حتى سنار على النيل الأزرق، فحاول تقوية صلاته مع بريطانيا للحصول على منفذ على البحر الأحمر في مصوع ومرتفعات البوغوس، ولكن السلطات البريطانية رفضت باعتبار أن هذه المناطق تابعة للدولة العثمانية، ولذلك عندما حاولت بريطانيا تجديد المعاهدة التي وقعها بلودون عام 1849 رفضت تيودور رغم قوة العلاقات بينه وبين القنصل البريطاني.

ثم ظهرت بعض الاضطرابات في الحبشة شغلت تيودور عن خططه، بسبب منافسية نيجوسي الذي استطاع طرد الرأس اريا المعين من قبل تيودور من تيجري، ولكن ما ان استقرت الأمور في تيجري حتى أعلن نيجوسي العصيان، ورأى ضرورة استعانته بدولة أجنبية لمساندته ضد تيودور، ولذلك اتصل نابليون الثالث في عام 1856 وطلب منه الحماية الفرنسية، ولكي يرضى نابليون وحزبه الكاثوليكي عرض عليه تعيين الاسقف الكاثوليكي يعقوب مطرانا على الحبشة، كذلك عمل نيجوسي على تقوية صلاته بالقنصل الفرنسي في مصوع روسل، ولم يكتف نيجوسي بالاصتال بباريس بل ارسل الى البابا لويس التاسع برسالة يخبره فيها بأنه يؤيد نشر الكاثوليكية في الحبشة، وكان نيوجوسي يدرك تماما رغبة الدولة الاوروبية – ولاسيما فرنسا – في نشر مذهبها الديني في الحبسة بدلا من المذهب الارثوذكسي.

وفي عام 1859 ارسلت فرنسا بعثة الى ساحل البحر الاحمر برئاسة الكابتن ستانسلاسي روسل الذي وكل اليه مهمة جمع المعلومات عن الساحل الغربي للبحر الأحمر خاصة عند خليج زولا وجزيرة دبسي وميناء عبد وأراضي راس علي، وقد وصل روسل الى مصوع في ديسمبر عام 1859 حيث استقبله الأسقف يعقوب قم قام بجولة في زولا وديسي، ثم توغل في داخل الحبشة لمقابلة حاكم تيجري، ولكن الاضطرابات المنتشرة في الحبشة منعته من اكمال رحلته فعاد الى مصوع، وابرمع مع نائب نيجوسي معاهدة تم الاتفاق فيها على منح زولا لفرنسا مقبال صداقتها مع تيجري وتعهدها بامداده بالأسلحة للتغلب على تيودور.

ولكن لم يكتب للمعاهدة أن تخرج الى حيز التنفيذ بسبب دخول قوات تيودور تيجري وفرار نيجوسي الى جبال سيميني، واستعاضت فرنسا عن زولا بميناء اوبوك التي حصلت عليها عام 1862.

هذا ولم يحاول تيودور تحسين علاقته بفرنسا خاصة بعد سيطرته على تيجري، وذلك لأن فرنسا رفضت سياسته العدائية ضد مصر ورغبته في التوسع في سواحل البحر الأحمر، كذل رفضت بريطانيا ايضا الموافقة على هذه السياسة، فبدأ تيودور يتعرض للبعثات الدينية البريطانية والاوروبية في الحبشة، مما اثار الراي العام البريطاني ضده، كذلك ازداد الموقف سوءا بالقاءه القبض على القنصل البريطاني كامرون فحاولت بريطانيا التفاوض معه وارسلت بعثة رسام في عام 1866، ولكنه ألقى القبض عليه وسجن في مجدالا، فارسلت بريطانيا حملة نابيير الشهيرة على الحبشة عام 1867، والتي أنزلت الهزيمة الساحقة بالامبراطور في مجدالا في 10 أبريل عام 1868، فآثر تيودور الانتحار.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

موقف فرنسا من الأطماع الايطالية 1868-1889

تزايدت الأطماع الايطالية في شرق افريقيا في عهد يوحنا الرابع، وقد وقفت فرنسا موقف المؤيد للحبشة، وعملت على التصدي للنشاط الايطالي في المنطقة.

أردت ايطاليا بعد استكمال وحدتها ان تكون امبراطورية استعمارية اسوة بالدول الاوروبية، كذلك أرادت أن تعوض ما فاتها من احتلال فرنسا لتونس، وأراد وزير الخارجية الايطالي مانشيني نشر نفوذ ايطاليا السياسي على سواحل البحر الأحمر الغربي بالتعاون مع بريطانيا، والتوغل في السودان المصري غربا الى دارفور، ثم مد النفوذ الايطالي شمالا الى سواحل طرابلس.

وبفضل جهود الشركات التجارية والمنصرين أمثال سابيتو استطاعت ايطاليا ان تثبت نفوذها في شرق افريقيا. هذا وقد دعى سابيتو حكومته لشراب عصب في عام 1862 واقامة محطة تجارية فيها للملاحة بالقرب من باب المندب وانشاء خط ملاحي يربط ايطاليا بالهند والصين عبر البحر الأحمر وقناة السويس، وكان هدف سابيتو هو التشبه بفرنسا التي اشترت اوبرك ، ولذلك وافقت الغرفة التجارية في جنوة على انشاء المحطة.

لم تقف فرنسا موقف المتفرج من النشاط الايطالي، فعملت على مراقبة غريمتها ومراقبة محاولاتها التوغل في الحبشة، كذلك التقرب من منليك حاكم شوا والمنافس القوي ليوحنا الرابع، خاصة وان ايطاليا بدأت في ارسال البعثات الى شوا، فنظمت الجمعية الجغرافية عام 1876 بعثة برئاسة أنتيوري والمهندس كياريني والكابتن ماريتاني كان هدفها الوصول الى شوا عن طريق هرر، ولكن لم تقود البعثة على استكمال رحلحتها بسبب عداء الأهالي لأعضائطها ومنعهم من التوغل في اراضيهم، ولذلك أسرعت الجمعية الجغرافية ونظمت بعثة جديدة ضمت الكابتن مارتياني والقبطان البحري شيكي في عام 1877، خرجت من زيلع وتوجهت نحو شوا فأحسن منليك استقبالها وذلك بسبب وجود المنصر الايطالي ماسايا في شوا وكانت له حظوة كبيرة لدى منليك (1).

ولكن محاولات ايطاليا للتقرب من حاكم شوا لم تثمر خلال تلك الفترة فقد عقد يوحنا الرابع معه صلحا في عام 1878 قبل فيه منليك التنازل عن لقب ملك الملوك ودفع الضريبة ليوحنا، كما تم الاتفاق على زواج ابن يوحنا من ابنة منليك زاوديتو.

حاولت ايطاليا التوغل من عصب صوب الحبشة التي تضاعفت أهميتها بعد افتتاح قناة السويس فحاولت التقرب من الامبراطور يوحنا الرابع بعد أن فشلت سياستها في الدس بينه وبين خصمه منليك الذي قبل التصالح معه.

ولذلك عينت برانكي مفوضا سياسيا في عصب، وعهدت اليه بتقوية العلاقات مع يوحنا وكان لبرانكي قدرة على قامة العلاقات الشخصية كما أن له دراية وخبرة بشئون الشرق وكان يعمل مع جمعية ميلانو الكشفية وعهدت اليه ايجاد طريق تجاري عبر بلاد الدناكل لربط اقاليم الحبشة الداخلية بموانئ البحر الأحمر عن طريق عصب.

وتحقيقا لهذا الهدف خرجت بعثته من عصب برئاسة جيوليتي عام 1881 ومعه الضابط البحري بلجيزري كان هدفها الاتصال بأقاليم الحبشة الداخلية عبر بلاد الأوسا، وقد وصلت البعثة برا الى بيلوك في ابريل عام 1881، ثم تابعت سيرها غربا الى بلاد الأوسا، وأثارت البعثة استياء السلطات المصرية في مصوع وكذلك مشايخ المنطقة، ورفض برهان محمد شيخ رهيطة مرافقة البعثة الى سلطان الأوسا محمد الخفري، الا أن جوليتي أصر على استكمال رحلته، وبالقر بمن بيلول تعرضت البعثة للقتل في 2 مايو عام 1881 على يد الدناكل.

وكانت هذه المذبحة ذريعة لايطاليا للتدخل في شئون عصب وفي 5 يوليو عام 1882 أسست ايطاليا مستعمرة ايطالية في عصب وتنازلت شركة روياتينو التجارية عن حقوق ملكيتها.

وبعد أن دعمت ايطاليا سيطرتها على عصب أرادت التوغل صوب الحبشة، فتم ارسال بعثة الكونت أنتونللي الى الحبشة فوصل الى شوا ونجح في توقيع معاهدة مع منليك سمحت للايطاليين بتثبيت دعائم مستعمرتهم في عصب، ووافق فيها على التبادل التجاري بين مناطق شوا الغدية وعصب، كما أكدت المعاهدة حرية مرور التجارة الايطالية من عصب الى الحبشة عبر بلاد الأوسا التابعة للسلطان محمد الخفري، والذي قبل ايضا عقد معاهدة تجارية مع ايطاليا في 15 مارس 1883.

غضب يوحنا الرابع من اتفاق ايطاليا مع حاكم شوا لانه تم دون علمه ومع احد أتباعه، أما عن موقف فرنسا ففي الوقت الذي اتجه فيه أنتونللي الى حاكم شوا اتجه الكابتن لونوا الى المنطقة واخذ يدس للايطاليين لدى منليك، وأكد له عن عزمهم احتلال الحبشة.

كذلك حاولت الادارة الفرنسية في اوبوك جذب تجارة شوا اليها، خاصة وأنها انتعشت بين شوا وعصب الايطالية، وقامت السفن الفرنسي بالابحار حول سواحل المنطقة واخذت في اقناع السكان بالتجارة مع اوبوك وجيبوتي، مما أدى الى احتجاج ايطاليا، وأثمرت المحاولات الفرنسية ونجح التاجر الفرنسي بريمون في الحصول على موافقة منليك على مرور التجارة عبر بلاد الأوسا الى أوبوك ثم استكمال رحلتها الى عصب.

ثم جاءت الخطوة التالية لفرنسا ففتحت مخازن اوبوك لمنليك للتزويد بالأسلحة فأغدقت عليه بل ارسل اليه رئيس الجمهورية الفرنسية الهدايا الى منليك، وكان هدف فرنسا من ذلك هو اثارة العقبات أمام الايطاليين في عصب وتقوية الصلات بحاكم شوا.

واتخذت ايطاليا موقف مضادا من السياسة الفرنسية خاصة بعد التقارب الأخير مع منليك فعملت ايطاليا على تحسين علاقتها بيوحنا الرابع، فارسلت جمعية ميلانو في عام 1884 بعثة كشفية ضمت المكتشف الايطالي بيانكي وبرئاسة بورو. وزودت بخطابات رسمية ليوحنا الرابع من أجل تسهيل التبادل التجاري بين الطرفين، وبعد زيارة البعثة ليونحا الرابع وأثناء عودتها ذبح معظم أفرادها في أرتو شمال شرق جيلد ستر بناء على أوامر من عبد الله أمير هرر.

وروى شاهد عيان بأن الملازم ابراهيم حسن من قوات أمير هرر حذر البعثة من المضي في الطريق وقام بنزع أسلحة الايطاليين، وأصبحت البعثة محاصرة فأمر الكونت بورو الأعضاء بتسليم أسلحتهم قائلا، لم نحضر هنا لنحارب، وبعد القاء السلاح قامت القبائل بقتل أفراد البعثة، ولكن أمير هرر تنصل من المذبحة وأكد أنه استضاف أفرادها ورحب بهم.

انتهزت وزارة الخارجية الايطالية الفرصة وطالبت أمام مجلس النواب بارسال حملة عسكرية لتأديب قتلة بيانكي، ولكن البرلمان الايطالي وجه النقد للحكومة الايطالية باعتبارها المسئولة عن المذبحة، بينما أكد الكونت روبيلان بأن الخطأ من البعثة لأنها توغلت في بلاد مجهولة بالنسبة لها وظهرها مكشوف، وأن السبب في المذبحة هو أمير هرر الذي يجب توجيه حملة اليه لتأديبه.

ثم قامت القوات الايطالية باحتلال بيلول في يناير عام 1885، وأبرق مانشيني الى سفيره كورتي في الأستانة يبرر عملية الغزو بأنها بسبب مذبحة بيانكي التي وقعت بعد ثلاثة أعوام من حادثة اغتيال جيوليني، ولدعم نفوذ بلاده على البحر الأحمر، مطالبا بابلاغ الباب العالي بذلك حتى يمنع تدخل دولة ثالثة وهي فرنسا.

ثم أقدمت ايطاليا على الخطوة التالية وهي احتلال مصوع واعلان الحماية في 25 فباري 1885، وذلك لما يمكن أن تقدمه القوات الايطالية لبريطاينا أثناء الثورة المهدية من مساعدة، كذلك لكي تنشغل الحبشة بالتصدي لبريطانيا، واحتجت فرنسا علىا لحتلال مصوع وأكدت أن ذلك لا يتفق مع معاهدة باريس التي عقدت في عام 1856 والتي نصت على احترام استقلال أملاك الدولة العثمانية ، ولكن بريطانيا وقفت تساند ايطاليا.

هذا بينما اعترضت الدولة العثمانية على احتلال مصوع، فوقفت فرنسا موقف المساند للسلطان العثماني، وشنت الصحف الايطالية خاصة صحيفة بولولو رومانو حملة شعواء على تركيا وعلى فرنسا، وأعربت صحيفة بيريتو عن ابتهاجها لتخلص مصوع من السيطرة التركية.

ولكن ايطاليا تخوفت من رد فعل يوحنا الرابع، فارسل المبعوث الايطالي فيراري وكان يحمل رسالة من الملك أمبرتو ملك ايطاليا الذي أكد ليوحنا ان احتلال مصوع سيعود بالنفع على الحبشة لأن ايطاليا ستعمل علىتطوير تجارتها، هذا بينما اخذت فرنسا تدس للايطالييين لدى يوحنا، وشجع قنصل فرنسا في مصوع أعمال القرصنة ضد الايطاليين، فذكر مايا في تقرير الى الخارجية الايطالية في أبريل عام 1885، ان علاقتنا أصبحت معقدة مع الحبشة بسبب مصوع، وأعرب عن ضيقه من دسائس الفرنسيين خاصة قنصل مصوع الذي أخذ يؤكد ليوحنا أن نوايا ايطاليا الحقيقية هي غزو بلاده.

وشكا روبيلان لبريطانيا من مكائد الفرنسيين وسياسة القنصل الفرنسي في مصوع في اثارة الأحباش والتشكيك في نوايا ايطاليا وكذلك قدم الضباط الايطاليون عدد من التقارير عن نقل الأسلحة الى الحبشة عبر أوبوك.

أدركت ايطاليا كراهية الملك يوحنا لها خاصة بعد استيلائها على مصوع، فكتبت صحيفة ايطاليا "العالم كله فوجئ بغزو ايطاليا لمصوع ولكن الذين لا يعرفه الجميع هو عداء الملك جون لايطاليا وان الهدف الرئيسي لوجود القوات الايطالية في مصوع هو أن يكون لنا قدم في الحبشة فهي لؤلؤة أفريقيا، انها أجمل بلاد العالم وتربتها خصبة، سكانها أذكياء يتسمون بالنشاط، ان الاستيلاء على مصوع هو بداية الاستيلاء علىالحبشة نفسها، لكي يكون لايطاليا مخرج على البحر الأحمر وايجاد طريق الى الحبشة، لقد ارسل الملك ألبرتو الى النجاشي بعثة بوزيليني الرسمية التي تحركت من مصوع ولم تحاول اختراق الحبشة، وقد حدد الملك يوحنا مكان لمقابلة البعثة في عدوة ثم في مجالا، لأنه تخوف من دخول البلاد خوفا من اثارة السكان، وقد اعتبرت الحكومة الايطالية ممطالة يوحنا لاستقبال البعثة أمرا مهينا، ان أثيوبيا موقعها أفضل من مصوع ذات المناخ الرطب"، ودعت الصحيفة لاحتلال أراضي اثيوبيا بدلا من مصوع، فذكرت "إننا نضحي بأبنائنا في مصوع دون مقابل ودون مجد شخصي".

وهاجت صحيفة دي ريتو ارسال بعثة بوزيليني الى الحبشة لاسترضاء يوحنا خاصة وأنه رفض استقبالها.

وانتقدت عرض ايطاليا لخدماتها لملك الحبشة ووصفته بالتسول، وفي غرور واضح ذكرت الصحيفة "لابد أن فهم ملك الحبشة أن الايطاليين في مصوع ليسوا كالمصريين أو الأتراك، فسوف تعود عليهم الفوائد من وجودهم في مصوع، ويجب على يوحنا أن يدرج أهمية وفوائد التعاون معنا".

ظلت الحكومة الايطالية تحث النجائي على مقابلة بعثة بوزيليني. ولكنه ماطل في استقبالها بحجة أنه مازال بعيدا عن العاصمة لم يدخلها بعد، ولذلك أصدرت الحكومة الايطالية أوامرها للبعثة بالعودة.

وانتقدت الصحف الايطالية قرار سحب البعثة ، ولكن جريدة بوبولو روما أشادت بموقف الكونت روبيلان لأن الملك غائب عن العاصمة وخشي روبيلان من توغل البعثة في اراضي مجهولة حتى لا تتعرض للابادة.

ثم نشرت الصحف الايطالية في صراحة، ووضوع ضرورة اقامة علاقات مع الحبشة، فذكرت صحيفة ايطالية "أن هدفنا هو تقوية السيطرة الايطالية على البحر الأحمر، ولابد أن تصبح الحبشة لنا، لا بالوسائل العسكرية وانما بالوسائل السلمية، وان تفتح أبوابها أمام الحضارة الايطالية ".

أمر يوحنا الرابعة بعدم مقابلة البعثة الايطالية، وتشكك في نوايا الايطاليين فاصدر أوامره الى الرأس الولا بمراقبة نشاطهم الايطالي، هذا في الوقت الذي عملت فيه بريطانيا على تقديم النصح لايطاليا في تعاملها مع حكام الحبشة، خاصة وأن يوحنا وافق على استقبال المبعوث البريطاني هاريسون سميث الذي أوضح أن هدف بعثته هو تنمية التجارة بين البلدين، وقدم هاريسون النصح لروبيلان واقترح عليه تحسين العلاقات مع الحبشة والاكتفاء بارسال بعثة صغيرة تركز في مباحثاتها على النواحي التجارية فقط لتنال ثقة يوحنا.

ولكن سرعان ما تدهورت العلاقات بين الحبشة وايطاليا مرة أخرى وذلك بسبب تخوف الراس الولا من تحركات الجنرال جني في مصوع، وكان الأخير قد طلب من حكومته امداده بالأسلحة لاقرار الوضع في مصوع، وفسر الرأس الولا التحركات بأنها موجهة ضد الحبشة خاصة وأن قوات جني توجهت نحو المناطق الداخلية في مصوع واوساني، فطلب الرأس الولا اخلاء المنطقتين من الايطاليين، ورفض الجنرال جني فام الولا باحتجاز المهندس الايطالي الكونت ساليمبيني. وقام بحصار قلعة ساي ووا، وعندما حاولت القوات الايطالية تقديم العون للقوات المحاصرة قام الرأس الولا بحصار الايطاليين في سهل دوجالي عام 1887 وأنزل بهم هزيمة ساحقة.

فحاولت القوات الايطالية تتبع قوات الولا ولكنها فشلت، ثم لجأت ايطاليا لتشجيع منليك حاكم شوا على احتلال هرر عام 1877 انتقاما من يوحنا ولما فعلت بالايطاليين، وقد تخوفت بريطانيا من نتائج هذا الغزو، وكتب الميجور هنتر بأنه لا يستبعد وجود ضباط ايطاليين في صفوف منليك أثناء غزو هرر.

هذا وقد عملت بريطانيا على تحذير ايطاليا من التوغل داخل الحبشة بهدف القيام بعمليات انتقامية، لأن ذلك سيؤدي لكارثة، ونصح اللورد سالسبوري الحكومة الايطالية ببقاء قواتها وسط تحصيناتها لصد هجمات الأحباش المتوحشين على حد وصفه، وأكد أن هزيمة أخرى لايطاليا ستؤدي الى كارثة وتهدد مركز وهيبة اوروبا في القارة.

ولذلك بذل سالسبوري جهده لاقرار السلام بين الطرفين، وبدأت الحكومة الايطالية تقتنع في دخول المفاوضات مع النجاشي. ودارت المفاوضات بين الجنرال جني والراس ألولا الذي وافق على احلال السلام بين الطرفين واطلاق سراح ساليمبيني ورفاقه، ويرجع السبب في قبول البعثة مهادنة ايطاليا خلال تلك الفترة الى اشتباكها مع الدراويش وتفاقهم خطرهم على حدودها.

ورغم ما بذلته فرنسا لعرقلة النشاط الايطالي في ساحل شرق أفريقيا وتحريضها الدائم ليوحنا ملك الحبشة ومنليك حاكم شوا، الا أن ايطاليا نجحت في تثبيت أقدامها على الساحل، وفي عام 1890 صدر مرسوم بتوحيد الممتلكات الايطالية في ساحل البحر الأحمر (عصب ومصوع) باسم مستعمرة ارتريا.

واذا كانت بريطانيا قد وقفت موقف المؤيد لايطاليا في نشاطها في شرق افريقيا، فان روسيا وقفت ايضا موقف المؤيد لفرنسا وسياستها في أفريقيا، وتطلعت روسيا نفسها ليكون لها موضع قدم في افريقيا ، وقد لفت نظر روسيا الى الحبشة الراهب الروسي بروسبير أو سبنسكي الذي أراد نشر المذهب الأرثوذكسي وبسط النفوذ الروسي على الحبشة بحجة توحيد المذهبين، ولكن روسيا توقفت عن أي نشاط ديني أثناء حرب القرم ، ثم استنأفت مشروعاتها القديمة فأرسلت بعثة الى القدس برئاسة الاسقف سيريل ناؤموف الذي جدد الاتصال بالرهبان الأحباش، وأراد الدخول في علاقات مع امبراطور الحبشة في ذلك الوقت الامبراطور تيودور.

ثم تطلعت روسيا في عهد يوحنا الرابع لاقامة العلاقات مع الحبشة فتم تزويدها بالاسلحة وبالعسكريين الروس لتدريب القوات الحبشية، وفي عام 1886 أرسلت روسيا بعثة الى يوحنا برئاسة الكولونيل نيكولاي ايفانوفتش ولكن اعترضتها السلطات البريطانية في سواكن ، وأكد نيكولاي بأنه لا ينوي زيارة الحبشة وانما هو طبيب كان في طريقه من موسكو الى الصين.

ويبدو أن الكلونيل خدع السلطات البريطانية في مصوع، فقد ذكرت جريدة روسية تفيد وصول بعثة عسكرية في طريقها من موسكو الى الحبشة، وأن البعثة وصلت الأستناة برئاسة نيكولاي وقدمت الهدايا الى المسئولين، وان هدف البعثة الرئيسي هو اقامة علاقات قوية مع الحبشة.

هذا وقد تمثل النشاط الروسي في الحبشة والبحر الأحمر في ناحيتين، دينية وعسكرية، أما من الناحية الدينية فقد نشطت السفارات الدينية بين الطرفين، فوصل وفد حبشي من ميناء اوديسا يتكون من ثلاث قساوسة برفقتهم المغامر الروسي اشينوف، وقد ارسل الوفد من قبل يوحنا للمشاركة في الاحتفال الديني الذي سيقام في كييف بمناسبة مرور 900 سنة على دخول المسيحية روسيا، وكان أحد أعضاء الوفد الحبشي يتكلم الروسية وزار بطرسبورج، وقبل الاحتفال الديني تقابل مع رجال الكنيسة الروسية وأجريت عدة مقابلات صحفية مع الوفد الحبشي الكنسي اثناء وجوده في بطرسبورج، حيث أكد رئيس الوفد أنهم يمثلون النجاشي، وأن الهدف هو تقوية العلاقات بين البلدين، وأنه يزمع ارسال مائة طفل من أبناء العائلات الحبشية العريقة من أجل التعليم في روسيا، ويرغب في أن تبعث روسيا باسقف من كنيستها الى الحبشة، وفي المقابل تقدم الحبشة لروسيا ميناء على البحر الأحمر ليتمكن الأسطول الروسي من اقامة محطة للفحم، ومخازن للسلع في اطار المدد وتقوية الصلات الدينية بين الدولتين.

ومن الناحية العسكرية قام المغامر الروسي اتشينوف في عام 1888 بالنزول في زيلع في ساحل الصومال واسس محطة أطلق عليها اسم موسكفا، وذلك للقيام بعلاقات تجارية مع الحبشة وشوا، ثم وصلت بعثة عسكرية روسية الى الحبشة برئاسة ليونتينف لتدريب القوات الحبشية.

ويمكن تبرير هذا الاهتمام الروسي بالحبشة لاسباب دينية وتجارية وسياسية فحسب، ولانما لان روسيا خرجت من مؤتمر برلين الاستعماري عام 1884/1885 دون أن تحصل على شيء من الغنيمة في افريقيا.

أما عن موقف فرنسا فقد شجعت النشاط الروسي لأنها أرادت كسر الحصار وتقويض الوجود الايطالي في غرب البحر الأحمر، ولذلك كانت فرنسا تحسن استقبال البعثات الفرنسية في اوبوك، بينما كانت السلطات البريطانية ترفض نزولها في زيلع. كذلك السلطات الايطالية في مصوع رفضت في عام 1888 نزول بعثة قادمة من موسكو، وقد تابعت روسيا ارسال البعثات في عهد منليك الثاني عندما أصبح امبراطورا.


مظاهر التقارب والتعاون بين فرنسا ومنليك الثاني

بعد مقتل يوحنا الرابع تولى منليك الثاني السلطة في البلاد وأعلن عن رغبته في مد نفوذ الحبشة الى السودان واستعادة أراضي الامبراطورية الاثيوبية القديمة والوصول الى الخرطوم وبحيرة نيانزا، ولتحقيق هذا الهدف عمل منليك على اقرار الأوضاع الداخلية في البلاد، فبسط سيطرته على كل الرؤوس وحرص على مصاهرة النبلاء والقبائل القوية.

ومنذ تولي منليك السلطة وفرنسا حريصة على استمرار صداقتها معه وقد ازداد التقارب بين البلدين في عهده، ولعب حاكم مستعمرة الصومال الفرنسي لاجارد دورا بارزا في هذا التقارب.

هذا وقد حاولت ايطاليا تحسين علاقتها مع أثيوبيا واستغلت حالة الفوضى التي مرت بها البلاد في أعقاب مقتل يوحنا فاحتلت أراضي كيرن واسمرة هذا في الوقت الذي كان فيه منليك يعمل على تقوية نفوذه في الداخل فعرض عليه الكونت پيترو أنتونلي مساعدة ايطاليا في محاربة أعداءه في تيجري ومنع وصول الاسلحة الى منافسه الرأس منجاشا مقابل اعترافه بنفوذ ايطاليا في الساحل ويرجع السبب في اسراع أنتونللي بالاتفاق مع منليك الى خوف ايطاليا من أن يطلب منليك المساعدة من فرنسا فاراد قطع الطريق عليها.

ولذلك أسرعت ايطاليا بعقد معاهدة أوتشيالي مع منليك واعترفت فيها بمنليك امبراطورا على الحبشة في مقابل اعترافه بالسيادة الايطالية على البحر الأحمر كذلك وافق على امتداد النفوذ الايطالي الى حدود اقليمي قوزاي والحماسني ودعمت المعاهدة نفوذ ايطاليا السياسي والتجاري.

وبذلك نجحت ايطاليا في ضم منطقة امتدت من جنوب مصوع إلى كسلا بما في ذلك أسمرة وكيرن وهي التي كونت فيما بعد مستعمرة إرتريا عام 1890 والتي أصبحت قاعدة لغزو الحبشة مرتين في العصر الحديث، الأولى في عهد منليك والثانية في عهد هيلاسلاسي.

ولعبت فرنسا دورا في الغاء المعاهدة فقد قامت باطلاع وتنبيه الملك منليك للمادة السابعة عشرة منها، والتي اختلفت في النص الأمهري عنها في الترجمة الايطالية ففي النص الأخير ذكر بأنها معاهدة حماية أما في النص الأمهري فذكر أنه يمكن لاثيوبيا استخدام وساطة ايطاليا.

وبايعاز من فرنسا رفض منليك المعاهدة وأرسل عدة رسائل الى حكومات بريطانيا واسبانيا وروسيا، والنمسا والمجر محتجا على الحماية كما نشرت جريدة تربونا رسالة منليك عن رفض المعاهدة والمعروف أن هذه الصحيفة تتحدث باسم الداخلية وذكرت الصحيفة أن الحماية الايطالية لم تكن موجودة ولم توجد أساسا واكدت استقلال منليك واكد شفنيه وهو تاجر فرنسي من الشخصيات المقربة لمنليك بأن سبب رفض الامبراطور المعاهدة هورغبته في اقامة امبراطورية في افريقيا.

هذا بينما شنت الصحف الايطالية حملة شعواء ضد الصحف الفرنسية وضد سياسة فرنسا ووصفت تقرب شفنيه من منليك بأنه السبب والمسئول عن الدسائس لدى الامبراطور واكدت أن منليك تراجع عن المعاهدة بعد موافقته على الحماية.

وظل المسئولون الايطاليون يؤكدون أن لفرنسا نفوذ كبير لدى منليك وزوجته وقد أعربت جريدة ريفورما الايطالية عن موقفها من ارسال بعثة اثيوبية الى باريس كذلك ذكرت أن الامبراطور على وشك ارسال بعثة الى باريس برئاسة ماكونن.

هذا وقد حاولت الحكومة الايطالية احتواء الموقف لمنع منليك من ارتباطه بالفرنسيين أكثر فأعربت عن استعدادها لاضافة بعض البنود للمعاهدة ولكنها أكدت بأن المعاهدة غير قابلة للالغاء بينما أخذت الصحف الفرنسية تحبط محاولات الايطاليين فأخذت تؤكد بأن منليك ألغى المعاهدة بالفعل منذ ثلاة شهور وان الحكومة الايطالية تعلم بذلك. وأكد دوفال وزير الخارجية الفرنسي بأن فرنسا تلقت رسالة من منليك بالغاء المعاهدة ولكن كان ردها بأنها لم تعترف رسميا بالمعاهدة ولم تحضر المفاوضات التي دارت بين الدولتين (4)، وأكد منليك في رسائلة الى كارنو رئيس الجمهورية الفرنسي رفضه للمعاهدة فكتب (إن مملكتي ليست في حاجة الى حماية وسوف تعيش مستقلة).

هذا ولم يتردد كارنو في اجابة منليك فارسل له رسالة ودية، وأكد له تفهم فرنسا لموقفه وحرصه على استقلال برده وحرصه على دوام الصلات بين فرنسا وأثيوبيا واجاب منليك برسالة ودية بأنه يقدر تفهم الحكومة الفرنسية حرصها على استقلال اثيوبيا ويأمل في الابقاء على العلاقات الودية مع فرنسا وأكد صداقته للحاكم الفرنسي في أوبوك لاجارد.

وقد حاولت الحكومة الايطالية احتواء الموقف فارسلت بعثة الدكتور ترافرسيا الذي قابل منليك ولكن الأخير صمم على رفض المعاهدة فشنت الصحف الايطالية هجوما عنيفا على الحكومة الفرنسية وممثلها لاجارد في أوبوك.

ولما وجدت ايطاليا اصرار منليك على ارتماء في أحضان فرنسا بدأت في التقرب من غريمه السابق منجاشا في تيجري واعترفه به حاكما مستقلال في تيجري وقابل الجنرال جوندوفلي منجاشا الذي وجه رسالة ودية الى الملك أمبرنو ملك ايطاليا وقبل توقيع اتفاقا مع الايطاليين فاعتبر منليك ذلك الاتفاق موجها ضده، ولذلك فشلت المباحثات بين الطرفين، وفشلت بعثة ترافرسيا في تحقيق هدفها وتدهور الموقف بينهما مما أدى الى الصدام المسلح في نهاية الأمر بين الطرفين في معركة عدوة الشهيرة عام 1896.

وتوترت العلاقات بين منليك وايطاليا خاصة عندما رفضت امداده بالأسلحة في عصب، ورغم أن الحبشة اشتركت في مؤتمر بروكسل عام 1890 وصار لها الحق في الحصول على الأسلحة النارية وسحمت بريطانيا لمنليك باستيراد الأسلحة في زيلع وأرسلت له الملكة فيكتوريا رسالة تشاركه فيها العطف في الصعوبات التي يلاقيها من أجل محاربة اعدائه وأكد له ان الاتفاق الفرنسي البريطاني الخاص بمنع تسليح أثيوبيا يعتبر لاغيا.

استغل لاجارد رفض ايطاليا امداد منليك بالأسلحة فعمل على تزويده بما يحتاج اليه، كما لعب شفنيه دورا أيضا في مساعدة منليك بل وعده بضرب النفوذ باسمه في البلاد، وتجاهلت الحكومة الفرنسية فتح مخازن أوبوك على مصراعيها بالأسلحة لمنليك وباعها شفنيه بأرخص الأسعار كذلك أرسلت فرنسا الضباط والبعثات العسكرية لتحديث وتطوير الجيش الاثيوبي.

وانتهزت فرنسا فرصة حدوث خلاف حول المعاهدة بين منليك وايطاليا فأخذت تشجعه على اتخاذ موقف حاسم فبعث الى الملك امبرتو برسالة شديدة اللهجة مؤكدا أن الأراضي الواقعة شرق نهر المأرب تدخل في نطاق أثيوبيا غير أن ايطاليا رفضت وتمسكت باعتبار النهر كحد فاصل بين الأملاك الايطالية والاثيوبية ورفضت الحكومة الايطالية الرد على خطاب منلكي الا بشرطين، الاعتراف بالحماية الايطالية والاعتراف بتبعية الأراضي التي احتلها القوات الايطالية في تيجري لصالح مستعمرة ايطاليا ولكن منليك رفض.

أرادت ايطاليا تأديب منليك فارسلت حملة باراتيري الذي اعتقد بأن الرأس منجاشا سوف يقدم المساعدات للايطاليين من تيجري ولكن الأخير أقسم على التحالف مع منليك ضد الغزو الايطالي فتقدمت القوات الايطالية نحو تيجري ودخلتها في 26 ديسمبر 1894 ولكنها اضطرت للتراجع الى اودي اوجري، ثم ألحق الهزيمة بمنجاشا في سيفيه، وتملك الزهو القوات الايطالية واعتقدوا حسب ما ذكره كرسبي أن تيجري مفتوحة أمامهم.

هذا وقد عاد بارتيري الى روما عام 1895 واثار الحكومة الايطالية ضد منليك ولكنه وقع في خطأ وهو أنه لم يقدر قوة منليك ولا رجاله وارتفعت الروح الوطنية خاصة بعد انضمام الرأس مكونن الى منلكي كذلك منجاشا في تيجري وجيش جوجام وفرسان الجالا، وتخلى منجاشا عن تحالفه مع الايطاليين واختار باراتيري يوم الأحد الأول من مارس عام 1896 للهجوم على عدوة عاصمة تيجري وهو يوم عيد الكنيسة الأثيوبية وكان يأمل أن يكون الجنود قد ذهبوا الى أكسوم المدينة المقدسة بالنسبة لهم ولكنه أخطأ في تقدير حجم قوات منليك واعتقد بتفوق قواته كما تفوقت قوات نايير ابان الحملة البريطانية من قبل، كذلك لم يقدر باراتيري قوة الأسلحة الأثيوبية والتي حصل عليها منليك من أوبوك.

واستطاعت قوات منليك الحاق الهزيمة بجناح الجيش الايسر بقيادة ألبرتون الذي اضطر للاستسلام أمام باراتيري فقد قتل فاصيبت قواته بالذعر وقتل ثمانية آلاف ايطالي واربعة آلاف من الوطنيين، كانوا يحاربون معهم وفر الناجون الى ارتريا واضطرت الحكومة الايطالية لعقد صلح في أكتوبر عام 1896 واعترفت فيه بالغاء معاهدة اوتشيالي كما اعترفت باستقلال أثيوبيا ونجح منليك الثاني في السيطرة على شمال الحبشة خاصة جوجام وتيجري وبجموار ووصلت البعثات الفرنسية الى بلاطه للتهنئة منها بعثة لاجارد حاكم الصومال والدوق دي فالوا والأمير هنري دوليان.

وعلقت صحيفة لو ليليت الفرنسية على انتصار منليك في عدوة على كل الدول الاوروبية أن تنتبه لهؤلاء الأخوة الجدد الذين سيلعبون دورا بارزا في القارة السمراء وهو نفس الدور الذي لعبته اليابان في الشرق الاقصى.

وأدت معركة عدوة الى مزيد من التقارب الفرنسي الأثيوبي بدأت المشاريع الاقتصادية بين الطرفين وفي عام 1897 جدد لاجارد حاكم أوبوك معاهدة روشيه الاقتصادية بين الرطفين وفي عام 1897 جدد لاجارد حاكم أوبوك معاهدة روشيه ديركور واعترف بمنليك حاكما مستقلا واعتبرت جيبوتي محطة رئيسية لتجارة الحبشة كذلك تزايدت أطماع فرنسا الاستعمارية وأرادت مد نفوذها الى أعالي النيل، وأن يكون لهم موضع قدم في السودان تساوم عليه بريطانيا، وهو ما عرف بحادثة فاشودة.

واذا كانت فرنسا قد قدمت الخدمات لمنليك في نزاعه مع الايطاليين فقد أراد بدوره تقديم المساعدات لفرنسا لتحقيق هدفها في أعالي النيل ، فسمح للبعثات الفرنسية بعبور بلاده كما قدم لهم التسهيلات وزودها بما يحتاج اليه من معدات ومئونة.

وكان غرض فرنسا من التقدم لأعالي النيل ليس فقط الضغط على بريطانيا لاعادة فتح المسألة المصرية وانما أرادت ربط مستعمراتها في غرب القارة بشرقها وكان شعارها من السنغال حتى جيبوي أي أرادت أن تقطع مستعمراتها القارة عرضيا.

وفي 5 مايو 1893 عقد الرئيس الفرنسي كارنو اجتماعا في قصر الاليزيه حضره ديلكاسيه وكيل وزارة المستعمرات ومعه الضابط الفرنسي مونتي، وكذلك رئيس الجمهورية أنه ينوي اعادة فتح المسألة المصرية ومن اجل هذا الغرض لابد وان تضع فرنسا يدها على نقط معينة من الأراضي المصرية وتم اختيار فاشودة لهذا الغرض باعتبارها مفتاحا لمصر لموقعها الجغرافي عند ملتقى نهر السوباط بالنيل، كذلك لأنها تقع على امتداد الممتلكات المصرية بحيث يمكن الوصول اليها.

ولتحقيق ذلك تم ارسال بعثتين للزحف صوب النيل، واحدة من الشرق عبر أراضي الحبشة والثانية من الغرب من منطقة الأوبانجي على النيل، وفي الوقت الذي تقدم فيه القائد الفرنسي من لوانجو بالكونغو صوب فاشودة واضطر لاجتياز المستنقعات في بحر الغزال حتى وصل المنطقة في 10 يوليو عام 1898 تقدمت قوات الكابتن كلوشن من الصومال الفرنسي ، واخترقت أراضي الحبشة وقدم لها منليك كل التسهيلات ولكن موسم الفيضان أدى الى صعوبة تقدم كلوشن والوصول الى هدفه فاضطر للتراجع.

والذي يهمنا هنا هو موقف منليك فلم يكتف بتقديم المساعدات للقوات الفرنسية وانما أسرع بعقد اتفاقا سريا مع لاجارد عام 1897، بأن تتعهد فرنسا بتأييد النجاشي في تدعيم سيطرته على الضفة اليمنى للنيل، مقابل أن يعاون فرنسا في تثبيت نفوذها على الضفة اليسرى للنيل الأبيض، بذلك يتحقق حلم منليك بتوسيع حدود امبراطوريته على حساب السودان بينما تحقق فرنسا هدفها الاستعماري في ربط مستعمراتها من الغرب الى الشرق، وتثير العقبات أمام إنجلترا في مصر ولا جدال أن وجود الاحتلال البريطاني لمصر واضطراب أوضاع السودان في عهد الدراويش كان فرصة سانحة وذهبية للطرفين لتحقيق أطماعهما.

ولكن لم يكتب لهذا الاتفاق التنفيذ رغم أن هذه الاتفاقية صدق عليها فيلكس فور رئيس الجمهورية الفرنسية وذلك لأن قوات كتشنر اكتسحت السودان وتوتر الموقف بينه وبين مارشان الذي اضطر للانسحاب كما ذكرنا من قبل.

وفي 20 مارس عام 1897 تم الاتفاق بين منليك ولاجارد على تحديد حدود مستعمرة الصومال الفرنسية وأراضي الحبشة ووقع الاتفاق في أديس أبابا واعترفت فرنسا بمنليك حاكم مستقلا على بلاده.

هذا ويعتبر تنفيذ مشروع خط حديد أديس أبابا جيبوتي من أهم مظاهر التعاون وأنجحها بين فرنسا والحبشة وقد ساعد على تحقيق هذا المشروع تعيين لاجارد وزيرا لفرنسا في أديس ابابا نظرا لصلاته القوية مع منليك.

توثقت العلاقات مع الفرنسيين في أديس أبابا خاصة بين منليك وشفتيه واليج اللذين وصلا الى أديس أبابا وأصبحا من مستشاري الامبراطور هذا وقد لعب الاثنان دورا مهما في مقاومة نفوذ الكونت أنطوللي في الحبشة كما لعبا دورا في الغاء ومهاجمة معاهدة أوتشياللي بالحصول على امتياز خط سكة حديد جيبوتي أديس أبابا ، وقد أغضب نشاط شفنيه الايطاليين خاصة وان معظم اتصالاته كانت غير رسمية وكان يتنقل بسهولة بين باريس وأديس أبابا.

هذا وقد عمل شفنيه فترة طويلة في الحبشة أكثر من عشر سنوات نال خلالها اعجاب منليك وأصبح له نفوذ كبير الى درجة ان رؤساء الدول كانوا يستفسرون منه عن أحوال الحبشة الداخلية.

وقد عرض ايلج فكرة الخط الحديدي على منليك عام 1893 ثم تبع ذلك ان امد الشركة الامبرطورية لخطوط السكك الحديدية برأسمال قدره أربعة ملايين فرنك وتم الاتفاق على مد خط حديدي من جيبوتي الى هرر الى أنتوتو، ومن الأخيرة حتى كونا على النيل الأبيض، كما تم الاتفاق على انشاء خطوط للبرق على طول الخط الحديدي، وتعهدت الشركة بعدم نقل الأسلحة الى المنطقة الا بموافقة منليك.

ثم بدأت الشركة الفرنسية في تنفيذ الجزء الأول من المشروع الممتد من جيبوتي الى ديرداو منذ عام 1897 أي بعد هزيمة الايطاليين في عدوة.

واذا كان المشروع قد واجه الاعتراض من قبل ايطاليا فان بريطانيا عارضته اياض فزار البريطاني ألفريد بيس الحبشة ونشر نتائج حملته في الصحف البريطانية واوضح أن لفرنسا نفوذ كبير لدى منليك وحاول بيس اقناعه بجدوى تحالفه مع بريطانيا ولكن الامبراطور أوضح له أن فرنسا هي التي قامت بمساعدته أثناء حربه ضد ايطاليا وامدته بالأسلحة من جيبوتي على عكس موقف بريطانيا المتعاطف مع ايطاليا.

كذلك أثار المشروع مخاوف الضباط الأثيوبيين فحاولوا اقناع منليك بعدم الموافقة خوفا من تزايد النفوذ الفرنسي في أراضيه ولكن لاجارد لعب دورا هاما في اقناع المحيطين بمنليك بالمشروع.

ورغم افتتاح الجزء الأول من الخط الحديدي في أغسطس عام 1900 الا أن بريطانيا حاولت التدخل في المشروع وايقاف العمل به، وسعت لكسب ود منليك وأخذ مبعوثوها يوضحون له الاخطار التي تهدد بلاده من امتداد الخط كما الحوا عليه في عدم استئثار فرنسا باتمام المشروع لان ذلك سوف يؤدي الى تدمير زيلع اقتصاديا وايقاف التجارة بين الصومال البريطاني والحبشة وضغط الوزير البريطاني هارنجتون على منليك كذلك حاولت ايطاليا نفس المحاولات التي بذلتها بريطانيا من قبل وتزعم الايطالي كيكو ديكولا عملية اقناع منليك بعدم اتمام الخط الحديدي.

وقد تخوفت فرنسا من كل هذه المحاولات خاصة المحاولات المبذولة من قبل بريطانيا لأنها لو نجحت فهذا معناه تزايد نشاط رجال الأعمال البريطانيين والشركات التجارية في الحبشة خاصة اذا وافق منليك على مد فرع من الخط الى زيلع.

وأخيرا ساعدت الظروف الدولية فرنسا على اتمام المشروع فقد حدث تقارب بين الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا وايطاليا فوافقت الأخيرة على عدم معارضة فرنسا في مراكش في مقابل اعتراف فرنسا بعدم معارضة ايطاليا في برقة وطرابلس كذلك تم الاتفاق الودي الشهير بين فرنسا وبريطانيا في عام 1904 وفي عام 1906 تم الاتفاق على حق فرنسا في اتمام الخط من جيبوتي الى أديس أبابا.

ورغم المصاعب المالية والمصاعب الطبيعية التي واجهت فرنسا اثناء مد الخط الا أنه تم الانتهاء منه في عام 1917 بوصوله الى أديس أبابا وبلغ طوله 793 كم منها 105 كم في الصومال الفرنسي وأضاف الخط أهمية كبيرة لجيبوتي بالاضافة الى موقعها المهم وأصبحت منفذ إثيوبيا الحبيسة الذي تطل منه على العالم.

ولم تكتف الدول الثلاث بالاتفاق على نفوذهم الاستعماري وانما انعكس هذا التحالف والتفاهم على الحبشة ايضا فعندما مرض منليك خشيت الدول الثلاث من انهيار الأوضاع في الحبشة بعد وفاته فعقدت هذه الدول ما عرف بالاتفاقية الثلاثية في عام 1906 بهدف المحافظة على الوضع الراهن في الحبشة من الناحيتين السياسية والاقليمية واكدت الدول الثلاث المحافظة على المصالح الأثيوبية وكان الغرض الرئيسي من الاتفاق هو الحيلولة دون تصادم الدول الثلاث في حالة وفاة منليك.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تغير الموقف الفرنسي تجاه أثيوبيا 1913-1936

اختلف علاقت فرنسا بالحبشة بعد وفاة منليك الثاني عام 1913 وأيدت فرنسا أطماع ايطاليا الاستعمارية والتوسعية في الحبشة كذلك التقت مصالح الدولتين خلال تلك الفترة التي أعقبت وفاة منليك فبعد تعيين ليدج ياسو امبراطورا على الحبشة عام 1913 ارتبط بعلاقات ودية مع تركيا وألمانيا مما أثار غضب الدول الاوروبية خاصة بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى.

ثم ازدادت العلاقات سوءا بين الامبراطور الجديد والقوى الاوروبية بما فيها فرنسا باعتناقه الاسلام فأعلن نبذه الديانة المسيحية، وتزوج بزوجة مسلمة وتردد على المساجد وقوى صلاته بمسمي هرر، كما أنه أصر على كتابة الشهادتين على العلم الأثيوبي بحروف أمهرية، وأحسن استقبال القنصل التركي عند زيارته للحبشة.

وقد أثارت هذه العلاقات تخوف الدول الاوروبية خاصة في المراحل الأولى من الحرب العالمية الأولى توالت فيها الانتصارات الألمانية والتركية ورأت فرنسا ضرورة اتخاذ موقف حازم ضد ليدج ياسو، خاصة ان الظروف كانت مهيأة بوجود مستعمرة جيبوتي فتجمعت القوات الفنرسية فيها وتعاونت مع القوات البريطانية في بربرة والايطالية في مصوع.

هذا بنيما كان هناك تنسيق داخلي في جبهة داخلية معارضة للامبراطور فاجتمع الزعماء برئاسة (الرأس تجري)، واتجهوا الى قصر المطران مطالبين أن يحلهم من يمين الولاء للامبراطور كما طالبوه باصدار قرار الحرمان الذي أصدره بالفعل في عام 1916، وتم تعيين راودينو ابنة الامبراطور منليك الثاني امبراطورة على البلاد والرأس تجري وصيا على الحكم.

أما مصير ليدج ياسو فقد انسحب من العاصمة أديس أبابا متجها الى اقليم والو ذي الأغلبية المسلمة من الجالا واتصل بمسلمي الصومال وكان يأمل في القيام بحركة إسلامية في شرق افريقيا مستعيدا حكمه ولكن مقاومته لم تستمر طويلا فقد قبض عليه أما زاوديتو فقد تمت مراسيم تتويجها في عام 1917.

وهكذا لعبت فرنسا دورا مغايرا في الحبشة لما كانت تلعبة قبل عام 1913 اذا شاركت في عزل الامبراطور وترجع الاسباب الرئيسية لذلك لتخوف فرنسا والدول الاوروبية من تحول الحبشة الى الإسلام فيصبح المسلمون قوة كبيرة في شرق افريقيا ولاسيما وأن معظم الجهات الساحلية يتركز فيها المسلمون فخشيت الدول اعلان الجهاد ضد المسيحيين وكان لفرنسا تجربتها القاسية والعنيفة مع مسلمي غرب أفريقيا الذين قاموا بحركة جهاد واسعة ونجحوا في عرقلة التقديم الفرنسي للمنطقة لعدة سنوات.

ظهرت الأطماع التوسعية الايطالية في الحبشة في أعقاب الحرب العالمية الأولى اذ أعربت الحكومة الايطالية عن رغبتها في توحيد الصومال الايطالي مع اريتريا عبر أراضي اثيوبيا وبوصول الحزب الفاشي للحكم تبنى فكرة احياء مجد الامبراطورية الرومانية وكانت هذه الاهداف يمكن تحقيقها في الحبشة بل سعت ايطاليا لأكثر من ذلك فعرضت على فرنسا أن تتنازل لها عن ميناء جيبوتي في مستعمرة الصومال الفرنسية ، ولكن فرنسا رفضت لا لأنها مخرج لتجارة الحبشة فقط أو لالمتداد الخط الحديدي منها صوب أديس أبابا وكان الخط الوحيد بين الساحل والمناطق الداخلية في شرق أفريقيا ولكن لأن جيبوتي كانت محطة مهمة للفحم ولتزويد السفن بالوقود ومحطة لفرنسا في الطريق الى الهند الصينية والى الشرق الأقصى والى مستعمراتها في المحيط الهندي في مدغشقر وجزر القمر كما تضاعفت اهميتها منذ افتتاح قناة السويس كذلك حاولت ايطاليا اقناع الرأس تفري ولي العهد بالتنازل عنها ولكنه رفض فأخذت ايطاليا تجسم من خطورة جيبوتي واطلقت الدعاية ضد الميناء مؤكدة بأنه مركز رئيسي لتهريب الأسلحة في المنطقة.

أراد موسوليني التوسع في شرق افريقيا خاصة بعد أن أثبتت التجربة عدم جدوى التوسع في ليبيا كما ان اريتريا قيمتها الاقتصادية ضعيفة بالمقارنة بالصومال الايطالي، ورأى أنه لابد لايطاليا أن تحقق هيبتها بين الدول الاوروبية وان امتداد مستعمراتها في شرق افريقيا الى اثيوبيا هو الامتداد الطبيعي كما أراد صرف أنظار الشعب الايطالي عن مشاكل النظام الفاشي.

ورغم قبول اثيوبيا في عصبة الأمم عام 1923 ورغم توقيعها معاهدة عام 1928 لمدة عشرين عاما ليسود السلام والصداقة بين الدولتين وتنمية العلاقات التجارية بين البلدين، وعدم اتخاذ أي اجراء يمس استقلال الحبشة (3) ومنح ايطاليا امتياز طريق للسيارات الى أديس أبابا الا أن ذلك كله لم يمنع موسوليني من الاعتداء على استقلال الحبشة فاتخذ من حادثة ولوال الصدام بين فصيلة إثيوبية وبعض القوات الايطالية ذريعة لغزو البلاد هذا وقد حاولت الحبشة الاستنجاد بعصبة الأمم والدول الاوروبية ولكن محاولاتها ذهبت أدراج الرياح (4).

وكانت سياسة فرنسا في ذلك الوقت هي التقرب الى ايطاليا وحل مشاكل المستعمرات والتحالف معها ضد ألمانيا، وكانت فرنسا تخشى محاولة هتلر التنصل من معاهدة فرساي، وكان شبح الحرب العالمية الثانية يقترب ولذلك بدأ التغيير واضحا في سياسة فرنسا فأرادت التودد الى ايطاليا فرفضت طلبا تقدمت بها الحكومة الأثيوبية لشراء الأسلحة الحديثة كذلك رفضت عقد معاهدة سرية مع هيلاسلاسي الذي أدرك حقيقة موقفها فأعلن أن فرنسا قدمت أثيوبيا لقمة سائغة لايطاليا.

ثم بدأت الصحف الفرنسية تؤيد النظام الفاشي بل عضدت فرنسا مطالب ايطاليا في عصبة الأمم والخاصة بطرد إثيوبيا من العصبة بسبب حادث والوال.

وفي يناير عام 1935 قام لافال الوزير الفرنسي بزيارة روما وتم الاتفاق على حل مشكلات الحدود وعلى وضع الايطاليين في تونس ووافقت على التنازل عن أراضي بين ارتريا والصومال الفرنسي لصالح ايطاليا كذلك التنازل عن أراضي بين تونس وليبيا وتضمن الاتفاق بعض البنود السرية مثل القيام بعمل مشترك ضد ألمانيا والحفاظ على الوضع الراهن في البحر الأحمر وضمنت المادة الثانية من الاتفاق أن الحكومة الفرنسية لا تفكر الا في مصالحها الاقتصادية في أثيوبيا كذلك منحت فرنسا ايطاليا 250 سهما من أسهم خط حديد جيبوتي بل تعهد لافال بعدم تدخل فرنسا عند غزو ايطاليا للحبشة.

لم تكتف فرنسا بمنح موسوليني حرية الحركة في الحبشة وانما قدمت له النصح فاقترح لافال على السفير الايطاليا في باريس فيتوريو سيروتي في 7 يناير 1935 بأنه من الممكن أن يتجنب موسوليني الحرب وعليه أن يطلب من هيلاسلاسي التعهدات الكافية لتنمية التجارة مع الحبشة مع بقاء قوات ايطالية في البلاد لحماية المصالح الايطالية.

وفي 11-14 أبريل 1935 تم اجتماع الدول الثلاث فرنسا وبريطانيا وايطايا لبحث اتخاذ موقف موحد ضد هتلر وأدركت الدولتان نوايا ايطاليا في غزو الحبشة خلال هذا الاجتماع فلم تحرك فرنسا ساكنا.

أما هيلاسي فقد ألقى خطبة في البرلمان الأثيوبي، ناشد فيها شعبه بالتضامن وشراء الأسلحة والاستعداد للقتال ثم ارسل في 25 مايو مذكرة الى سكرتير عام عصبة الأمم متضمنة التهديدات الايطالية الموجهة ضد بلاده، وكانت بريطانيا ترغب في حل الأزمة على حساب مستعمراتها في شرق أفريقيا وذلك للعمل على الاحتفاظ بموسوليني بعيدا عن هتلرا فتقدم أنتوني ايدن وزير الخارجية البريطانية لأثيوبيا يدخل فيها ميناء زيلع على البحر الأحمر مقابل أن تعطي أثيوبيا امتيازات معينة خاصة اقتصادية لايطاليا ولكن موسوليني رفض الاقتراح وانتهى الأمر بتكوين لجنة خماسية من فرنسا وايطاليا واسبانيا وبولندا وتركيا لبحث المسألة الأثيوبية فرأت اللجنة أن تتخلي فرنسا وبريطانيا عن جزء من أراضي الصومال الفرنسي لايطاليا ومنح أثيوبيا منفذا على الساحل ولكن ايطاليا رفضت الاقتراح في 21 سبتمبر عام 1935.

تقدمت القوات الايطالية من اريتريا والصومال الايطالي بقيادة دي بونو واحتلت عدوة وكان موسوليني متعجلا النصر وأراد غسل عار عدوة فعزل دي بورنو وعين بادوليو في 15 نوفمبر 1935 توغلت القوات الايطالية داخل البلاد وفي 2 مارس عام 1936 اكتسحت تيجري ووصلت جوندار العاصمة القديمة في الشمال فتقهقرت القوات الأثيوبية الى ديس التي اتخذ منها بادوليو مركزا للقيادة وبينما كانت قوات جزرياني تتقدم من الجنوب ومن ديس تقدم بادوليو حتى دخل أديس أبابا في 5م ايو عام 1936.

أما فرنسا فقد أعلنت بعد الغزو حيادها التام وفي الحقيقة ان استيلاء القوات الايطالية على أديس أبابا أنعش مستعمرة الصومال الفرنسي اذ استخدم الايطاليون الخط الحديدي لنقل معداتهم والمؤمن اللازمة لهم بل عقدت فرنسا اتفاقا تجارية في روما عام 1936 منحت فيه ايطاليا تخفيضات هائلة في أسعار السكك الحديدية.

وهذا يتضح اختلاف الموقف الفرنسي تماما عما كان عليه في معركة عدوة عندما فتحت فرنسا مخازن الأسلحة في أوبوك وأمدت بها الحبشة وارسلت الضباط الفرنسيين لتدريب القوات الحبشية بينما في عام 1936 تجاهلت الغزو الايطالي بل كانت على علم مسبق به ومنعت توريد الأسلحة للحبشة بل سخرت الخط الحديدي من أديس أبابا الى جيبوتي لخدمة القوات الايطالية وكان دافع فرنسا الرئيسي هو خوفها من تحالف موسوليني مع هتلر.

وأخيرا يتضح لنا أن فرنسا كونت علاقة خاصة مع أثيوبيا ووقفت تؤيد حكامها ضد أطماع القوى الاستعمارية المجاورة لها ورأت فرنسا أنه من الافضل الارتباط مع حكامها بالمعاهدات السياسية والتجارية واقامة المشروعات الاقتصادية اذ كان من الصعب عليها التفكير في غزوها نظرا لطبيعتها الجبلية وهذا اختلف موقف فرنسا من الحبشة عن موقفها وسياستها في ساحل شرق افريقيا حيث كونت مستعمرة الصومال الفرنسي ، كما سيطرت على جزر القمر الأربع وجزيرة مدغشقر في المحيط الهندي، ولكن هذه المستعمرة خدمت أهداف فرنسا التجارية وكانت بمثابة مراكز ومحطات في الطريق الى الهند الصينية الفرنسية.

كما لعبت فرنسا، دورا مهما في التصدي للأطماع الايطالية في الحبشة ونجحت في استقطاب حكام الحبشة فوقفت تؤيد منليك في الغاء معاهدة أوتشيالي بل أمدته بالأسلحة والذخيرة أثناء معركة عدوة.

ومع بداية القرن العشرين تغير الموقف الفرنسي مع الحبشة خاصة بعد أن اتفقت فرنسا مع غريمتها ايطاليا وعندما اعتنق الامبارطور ليدج ياسو الاسلام، استشاطت فرنسا غضبا وزيدت الدول الاوروبية في ضرورة عزله فقد كان لفرنسا ذكريات مؤلمة مع حركات الجهاد الاسلامي في غرب أفريقيا ولذلك خشيت أن تتحالف الحبشة مع مسلمي شرق أفريقيا فتأمرت على خلعه ثم تبدلت سياسية فرنسا تماما خاصة في عهد هيلاسلاسي فوافقت على مشاريع موسوليني التوسعية بل أغمضت عينيها عن عملية الغزو وهي في ذلك شأنها شأن الدول الاستعمارية التي تحرص على مصالحها فقط.

المصادر

  1. ^ إلهام محمد علي ذهني (2009). بحوث ودراسات وثائقية في تاريخ أفريقيا الحديث . مكتبة الأنجلو المصري.