استغماية في المياه المصرية
بدء مد خط أنابيب من الحقول الإسرائيلية إلى مصر، قبل اعلان إسرائيل ونفي مصر
المنشور في صحيفة السفير اللبنانية في 7 يونيو 2014
نائل الشافعي
Shafei@marefa.org
منذ خريف 2010 وأنا أنبه إلى مسلسل ضياع الحقوق البحرية والغازية لمصر والعرب في شرق المتوسط. وآثاره المدمرة.
في 2 مايو 2014، أعلنت صحيفة ميگناتيو القبرصية عن وصول كاستورونه، أكبر سفينة مد أنابيب تحت البحر إلى ميناء ليماسول وبدء العمل فورا في مد أنبوب لنقل الغاز الطبيعي من الحقول الإسرائيلية إلى مصر.[2] الغرض من مد الأنبوب من الحقول الإسرائيلية إلى مصر هو إسالة الغاز الإسرائيلي في معملي الإسالة "سيجاس" في دمياط و"مصر للغاز المسال" في إدكو، ثم تصديره. الخبر ووصول السفينة سبقا إعلان شركتي دلك ونوبل إنرجي في 5 مايو توصلهما لخطاب نوايا غير ملزم مع شركة يونيون فنوسا جاز الإسبانية لإمدادها على مدى 15 عاما بكمية من الغاز الطبيعي قدرها 2.5 تريليون قدم مكعب من حقل تمار الإسرائيلي إلى منشأة الإسالة في دمياط. وفي 15 مايو أعلنت الشركتان توقيع عقد مماثل مع شركة بريتش جاس، صاحب معمل الإسالة على الفرع الآخر من النيل، بإدكو. وحتى اليوم (31 مايو) تنفي الحكومة المصرية أنها قد وافقت على أي تعاقد يسمح للغاز الإسرائيلي بالمجيء لمصر لإسالته أو لبيعه في السوق المحلية.
كاستورونه تملكها سايپم شقيقة شركة إني، الشريك الإيطالي بحصة 40% في سيجاس. وطاقمها 700 شخص، وتمد أنابيب زنة 4000 طن. معمل إسالة الغاز الطبيعي في دمياط (سيجاس) تنقسم ملكيته كالتالي: 40% يونيون فنوسا الإسبانية، 40% إني الإيطالية و20% الهيئة المصرية العامة للبترول.
وللتأكد من الخبر وأنه ليس في سياق حملة إعلامية، ولتفادي اللغط، حول عمل السفينة، كما أثير في حالة عمل غواصتي نوتيلوس في المياه المصرية وحتى دخلتا مصب النيل في أغسطس 2010 حسب موقع المسح الجيولوجي الإسرائيلي، بإمكانكم تتبع تحرك السفينة كاستورونه أثناء مدها الأنبوب، كل خمس دقائق، على موقع مارين ترافيك.كوم .
ومنذ يوم 2 مايو، تبدو السفينة كاستورونه راسية في ميناء ليماسول القبرصي ولا تغادره، حسب احداثياته التي يرصدها الموقع الإلكتروني كل خمس دقائق. وظلت السفيبة راسية في الميناء حتى يوم 20 مايو، وهو أمر غير مفهوم، لأكبر وأحدث سفينة مد أنابيب تحت الماء في العالم، تم تدشينها في 2013، ويبلغ طولها 330 متر، ويعمل عليها 700 شخص. فالوقت الضائع اهدار لما يزيد عن مليون دولار يومياً.
كنت أزور الموقع الإلكتروني يومياً وأجد كاستورونه راسية في ميناء ليماسول، حتى كان يوم 22 مايو، فإذا بالموقع يُظهر السفينة داخل المياه المصرية على بعد نحو 65 كيلومتر شمال بلطيم، ومتجهة إلى الجنوب الغربي، كما يظهر في الخريطة (2).
وظلت السفينة تتحرك بسرعة أقل من عقدة في الساعة حتى أصبحت على بعد 60 كم شمال بلدة سيدي سالم، بمحافظة كفر الشيخ في يوم 23 مايو، ثم بدأت في الانحراف إلى الشمال الغربي ثم الشمال الخالص منذ 25 مايو، مبتعدة عن الساحل المصري.
في يوم 25 مايو، قمت بزيارة تاريخ مسار السفينة على الموقع، فوجدت لديهم سجل لآخر 1,600 موقع للسفينة (يفصل بين كل منهم 5 دقائق). ففوجئت بأن كاستورونه تحركت من ليماسول في الثامن من مايو بأقصى سرعة لها، 12 عقدة (22 كم/س)، باتجاه الجنوب الغربي، أي تقريباً باتجاه إدكو، بمحافظة البحيرة المصرية، حيث يوجد معمل الغاز المسال التابع لشركة بريتش جاس، كما يظهر في الخريطة (3). والغريب أن كاستورونه كانت من قبل تظهر راسية في ليماسول حين زرت الموقع الإلكتروني في ذلك اليوم وكل الأيام من 2-20 مايو. ثم يختفي مسار السفينة لأربعة أيام لتعاود الظهور في مساء 12 مايو على بعد 80 كم شمال إدكو/رشيد.
نعود للفترة الزمنية من 24-31 مايو، حيث كانت السفينة تقف لساعات ثم تتحرك بسرعة 0.2 عقدة حتى الساعة 6:18 بتوقيت جرينتش صباح السبت 31 مايو، حين كانت على بعد نحو 80 كم شمال رشيد. وحينئذ توقفت اشارات تحديد الموقع من السفينة، حسب الموقع الإلكتروني.
فجوات انقطاع بث الإحداثيات تكررت ست مرات في الفترة من 8-31 مايو. أحداها استمرت أربعة أيام. وغالباً ما يحدثون في نفس المنطقة الجغرافية 80 كم شمال إدكو/رشيد. لعلها منطقة تفتقد التغطية الساتلية، ولعل السبب غير ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تساؤلات ومحاولة للتفسير
يبدو من المسار المعلن أن الأنبوب الجاري مده هو من معمل الإسالة في إدكو بمصر إلى حقول شرق المتوسط بهدف إسالة الغاز الإسرائيلي في معمل الإسالة التابع لشركة بريتش جاس في إدكو، ثم تصديره. هذا يعني أن هذا الأنبوب لعله لن يصل إلى محطة الإسالة "سيجاس" في دمياط. وفي تلك الحالة نعود للسيناريو المطروح منذ عام وهو استخدام أنبوب حسين سالم (شركة غاز شرق المتوسط) لضخ الغاز الإسرائيلي في الاتجاه العكسي إلى دمياط. تساؤلات
يا ترى هذه السفينة تمد الأنبوب من الحقول الإسرائيلية إلى داخل المياه المصرية بدون اتفاق وبدون ترخيص؟ أين اتفاقية مد خط أنابيب إسرائيلي في المياه المصرية؟ ومتى ومن وقعها؟ ومن يملك الجزء الواقع في المياه المصرية؟ وكم يدفع هذا الخط مقابل المرور؟ ولو وقع خلاف في المستقبل، لأي سبب من الأسباب، فمن له حق تشغيل أو وقف الأنبوب؟
إسرائيل سيعتمد اقتصادها على 20 مليار دولار من غازها المسال في دمياط وإدكو في السنة. فهل سيرى ساحل الدلتا اجراءات أمنية، تكون بمثابة نوع من الفصل لها عن مصر؟
مصر ليس لديها أي سيطرة أو حتى اطلاع على معملي الإسالة في دمياط وإدكو. لن تعرف حجم الغاز المسال. وكما في معمل إسالة إدكو، فحصتها البالغة 50% تكون خاسرة دوماً لأن بريتش جاس اختارت أن تبيعه في أمريكا بسعر 6 دولار للمليون وحدة حرارية (حسب الدكتور ابراهيم زهران، وكيل وزارة البترول السابق)، مما راكم على مصر ديوناً وهمية قدرها 4 مليار دولار، بينما الشريك البريطاني يبيع النصف الآخر من انتاج نفس المعمل لحسابه بسعر 24 دولار للمليون وحدة حرارية، يعني بأربعة أضعاف سعر بيعه للحصة التي قرر هو أنها حصة مصر!
لذلك ما هي الاجراءات الاحترازية التي ستتخذها مصر لضمان أن حصتها البالغة 20% من معمل دمياط لن ينتهي بها الأمر أن تكون مصدر ديون (وهمية) اضافية على مصر، بدلاً من أن تكون مصدر دخل؟
هل توجد أي مراقبة هندسية أو أمنية على عملية مد الأنبوب؟ أي نوع من المواصفات تتبعها عملية المد؟ هل يتعارض مسار الأنبوب مع عمليات الجس السيزمي المستقبلية والتنقيب؟ هل هناك مجسات استشعار (تليمتري) مع الأنبوب قد تستخدم في كشف الأعطال وأخرى قد تُستخدم في التجسس على الأنشطة في قاع مياه مصر الإقليمية والخالصة؟ أود التنبيه لأن موقع مارين ترافيك، وغيره كثيرون، يتيح تتبع أي سفينة في العالم، كما يتيح معرفة إن كان هناك سفن أخرى على مقربة من السفينة محط الاهتمام، وهويات وتخصصات تلك السفن القريبة.
السيناريو البنهاوي
أرجو ألا تتبع السلطات المصرية، في العهد الجديد، السيناريو البنهاوي (نسبة إلى مدينة بنها) الذي درج النظام السابق على اتباعه، فينكر حدوث أي مد للأنابيب في المياه المصرية، أو علمها بأي شيء. بل وتدلف إلى التشكيك في نوايا من جاء بالخبر أو بالسؤال. فالموقع الإلكتروني آنف الذكر يتيح متابعة ماضي وحاضر تحركات السفينة المتخصصة في مد الأنابيب فقط.
كما نرجو ألا يكون رد الدولة المصرية أن هذا النشاط هو خارج المياه الإقليمية المصرية. إذا أنه يقع في قلب المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر (200 ميل بحري من الساحل)، التي يُحظر على أي طرف غير الدولة المصرية القيام بأي نشاط فيها عدا المرور البريء للسفن، فالانتفاع الاقتصادي بكل أوجهه في تلك المنطقة محصور على الدولة المصرية.
المسارات المحتملة
هل السفينة كاستورونه سينحصر عملها في مد أنبوب من حقول شرق المتوسط إلى معامل الإسالة في مصر، أم أن هدفها هو مد الأنبوب الأوروبي من حقول شرق المتوسط إلى كريت؟ العقبات التقنية هائلة، فقاع المتوسط في سهل هيرودوت السحيق، بين قبرص وكريت يصل عمقه إلى 4200 متر تحت سطح الماء. إلا أنه هناك حافة رفيعة، مرتفع فلورنس، يقل العمق فيها إلى 2100 متر، ولا يزيد عرضها عن 15 كم تمتد من شمال غرب الدلتا المصرية. إلا أن مرتفع فلورنس يمتد بحذى جنوب الساحل التركي. وهذه هي المنطقة التي تضغط اليونان على مصر للحصول على تنازل عن جزء من مياهها الاقتصادية الخالصة، يبلغ ضعف مساحة الدلتا، حتى تتواصل اليونان وقبرص ويمكنهما مد أنبوب فوق مرتفع فلورنس.
طبعا نجاح مد خط أنابيب مباشر من حقول شرق المتوسط إلى اليونان، سيعني أن لا حاجة لمعامل الإسالة في مصر. إلا أن ذلك لن يحدث قبل حل مشكلة قبرص ومشاكل جزر بحر إيجة بين اليونان وتركيا. ويجب على مصر ألا تتعجل ترسيم حدودها مع اليونان قبل تحديد نقطة البدء الثلاثية مع تركيا.
وأخيراً وليس آخراً: لا مشكلة في مد أية أنابيب للغاز في المياه المصرية، طالما تراعي سيادة مصر، وطالما تحصل مصر على حصة من العائد التجاري للأنبوب، كما هو مرعي في كل الأعراف الدولية.
انظر أيضاً
- ثروات مصر الضائعة في البحر المتوسط (فبراير 2012)
- مصر والمتوسط: أربعة مشاهد (نوفمبر 2013)
الهامش
- ^ كاستورونه على مارين ترافيك
- ^ ARISTEIDIS Viketos, ANA-MPA (2014-05-02). "American companies support mining hydrocarbons settle in Cyprus (مترجم من اليونانية)". Mignatiou.
{{cite web}}
: Unknown parameter|acess_date=
ignored (help)