العصر الحجري الحديث
الفترة | الفترة الأخيرة من العصر الحجري |
---|---|
التواريخ | 10,000–4,500 ق.م. |
سبقها | العصر الحجري الوسيط، حول العصر الحجري القديم |
تلاها | العصر النحاسي |
عصر ما قبل التاريخ هو تعبير عن الأزمنة التي سبقت إكتشاف الإنسان للكتابة حيث لا يوجد اي مدونات أو وثائق تاريخية أو رسوم تشير عليه. وينتهي عصر ما قبل التاريخ عند بداية العصور التاريخية حيث بدأ الإنسان يؤرخ مشاهد من حياته بالرسوم و الكتابة والرموز.
العصر الحجري الحديث أو «النيوليت» neolithique مصطلح يوناني الأصل، يتألف من neos وتعني حديث وlithos وتعني حجر، استخدم منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريباً للدلالة على العصر الذي يؤرخ في الشرق الأوسط، في المرحلة الواقعة بين الألف العاشرة والألف السادسة ق.م. ويقسم إلى قسمين رئيسين، العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار pre-pottery neolithic الواقع بين 10000-8000 سنة ق.م، والعصر الحجري الحديث الفخاري pottery neolithic الواقع بين 7000-6000 سنة ق.م.[1]
اتسع مفهوم هذا المصطلح ليدل على تحول حضاري كان الأهم من نوعه في تاريخ البشرية، تجسد في انتقال مجتمعات العصر الحجري القديم (الباليوليت) من حياة التنقل والصيد والالتقاط إلى الاستقرار وممارسة الزراعة وتدجين الحيوانات، مما قاد إلى نشوء القرى الزراعية الأولى التي ميزت مجتمعات العصر الحجري الحديث، التي أنتجت طعامها بنفسها بعد أن كان أسلافها مستهلكين لخيرات الطبيعة البرية، مما شكل انعطافاً جذرياً في التاريخ الإنساني، أطلق عليه الباحثون اسم الثورة الزراعية أو ثورة العصر الحجري الحديث neolithic revolution.
ليس المقصود بتعبير «ثورة» هنا الانقلاب المفاجئ والسريع الذي أطاح بنمط اقتصادي - اجتماعي قديم، ليأتي بنمط جديد، بل استُخدم مصطلح الثورة للدلالة على عمق وشمولية التحول وأهميته ونتائجه على تاريخ الإنسان والحضارة عامة، مع أنه تحوّل تدريجي ومترابط في مختلف مراحله. لقد تجسدت الثورة الزراعية من خلال إبداعات جديدة في مختلف الميادين، دلت عليها القرى الزراعية الأولى التي بُنيت وفق مخططات محددة، وتألفت من بيوت كبيرة وقوية، فيها الشوارع والساحات والمدافن والمعابد والمشاغل وغير ذلك من أنماط الأبنية الفردية والجماعية التي تدل على تبلور سلطة اجتماعية جديدة تنظم وتدير شؤون تلك القرى.
لم تحدث ابتكارات العصر الحجري الحديث في الوقت والشكل نفسهما في جميع المناطق، وإنما أخذت مظاهر مختلفة في أزمنة مختلفة من العالم. لقد كانت بعض المناطق مهداً أصلاً للتحولات النيوليتية التي انتقلت منها إلى بقية الأرجاء، وقد دلت المكتشفات الأثرية التي أتت على امتداد القرن العشرين أن الشرق الأوسط ،الهلال الخصيب تحديداً، كان الموطن الأول والأقدم الذي حصل فيه البناء والاستقرار وزرعت فيه نباتات القمح والشعير، ودُجنت حيوانات الماعز والغنم والبقر والخنازير، كما دلت على ذلك المواقع الأثرية التي انتشرت من حوض الفرات شمالاً، المريبط وجرف الأحمر في سورية، إلى حوض الأردن جنوباً، أريحا في فلسطين. وقد رافق هذا التحول الاقتصادي تحول اجتماعي عميق آخر دلت عليه الفنون والمعتقدات التي تجسدت بالرسوم الجدارية والحلي والأدوات والتماثيل الإنسانية والحيوانية التي عكست ممارسات عقائد جديدة بينها عقيدة «الربة الأم» و«تقديس الأجداد» و«عبادة الثور» التي استمرت زمناً طويلاً في حضارات الشرق القديم. كما حصل تطور تقني دلت عليه الأسلحة، ولاسيما رؤوس النبال، والأدوات الزراعية كالمناجل والفؤوس والرحى والأجران، تلا ذلك ابتكار الفخار الذي عُدَّ من أهم إنجازات المجتمعات الزراعية في الجزء الثاني من العصر الحجري الحديث، وأصبح من أهم الخصائص التي تميز الشعوب والحضارات على امتداد العصور اللاحقة، إضافة إلى نشوء التجارة وقيام علاقات تبادل بين مختلف المناطق.
يختلف الباحثون حول حقيقة الأسباب التي أدت إلى نشوء القرى الزراعية التي جسدت الحضارة الإنسانية بمعناها الشامل والمركب، فمنهم من يربطها بالجفاف البيئي الذي تبناه الباحث أرنولد توينبي A.Toyenbee، بينما يرى آخرون أن الزيادة السكانية كانت الدافع الأهم للزراعة، ويعتقد بعضهم أن ابتكار الزراعة يعود إلى التقدم التقني لإنسان العصر الحجري الحديث الذي عاش في بيئة غنية بالخيرات الطبيعية التي أحسن استغلالها (R.Braidwood)، وهناك من يقول إن الزراعة كانت نتيجة دوافع اجتماعية - فكرية (J.Cauvin)، ولكن يتفق هؤلاء على أنه كان للبيئة الغنية بالنباتات والحيوانات البرية، وللمستوى التقني والاجتماعي المتطور لمجتمعات ذلك العصر، الدور الحاسم في ظهور المجتمعات الزراعية الأولى منذ الألفين العاشرة والتاسعة ق.م، ثم انتقلت الزراعة من المشرق العربي القديم إلى شمالي إفريقيا في الألفية التاسعة ق.م.، وإلى جنوبي ووسط ثم شمالي أوربا على امتداد الألفية السادسة والخامسة والرابعة ق.م. تباعاً.
وهناك مناطق أخرى من العالم عرفت الزراعة بشكل مستقل، نتيجة تطور محلي أصيل، فقد زرع الأرز في الصين منذ الألفية الثامنة ق.م.، بينما لم تعرف بعض المجتمعات في آسيا وإفريقيا الزراعة حتى العصور الميلادية، مما أوجد تبايناً زمنياً وحضارياً شديداً في مفهوم العصر الحجري الحديث على امتداد المعمورة.
في نهاية الألف السادسة ق.م بدأ الإنسان باستعمال النحاس، وبذلك ينتهي عصر النيوليت ويبدأ عصر «الكالكوليت» chalcolithique أي العصر الحجري النحاسي الذي يمثل المرحلة الأخيرة في عصور ما قبل التاريخ التي تنتهي نحو الألف الرابعة ق.م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تعريف العصر الحجري الحديث
تعتبر مرحلة العصر الحجري الحديث من أهم المراحل في حياة الإنسان حيث أستطاع من مرحلة أنتاج الطعام إلي تكوين تقاليد صناعية جديدة تتصل بحياته الزراعية وادي توصلة إلي الزراعة إلي أستقرار وظهور المجتمع القروي مما أدي إلي نشأة نوع جديد من تفكير الإنسان وسلوكه في مختلف مظاهر حياته .
فترته الزمنية
وتتباين اراء الباحثيين حول بداية العصر الحجري الحديث ونهايته فهناك من يقترح أنه قد بدء في الألف العاشر او الثامن ق.م بينما يري رائ ثاني أنه كان حوالي عام 6500 ق. م بينما رائ ثالث أنه كان حوالي 5000 ق.م , ورائ رابع أنه بدء في النصف الأول من الألف الخامس ق.م وآخر أنه كان في النصف الثاني من الألف الخامس ق.م .
الفترات حسب المنطقة
الهلال الخصيب
جنوب الرافدين
السهول الطميية (سومر/عيلام). قلة هطول الأمطار جعل أنظمة الري ضرورية. حضارة عبيد من 5500 ق.م.
أفريقيا
وتعددت حضارات العصر الحجري الحديث في مصر , واختلفت آراء الباحثيين حول ترتيبها وذلك من الناحية الزمنية , فهناك من يرتبها علي أساس أن أقدمها هي حضارة الفيوم وأن احدثها حضارة دير تاسا وذلك علي أساس الدراسة المقارنة للدلالة الأثرية , الا أن هذا الترتيب ليس ثابتاً .
أوروبا
جنوب وشرق آسيا
الأمريكتان
حضارات العصر الحجري الحديث
فضلات المطبخ - سكان البحيرة - ظهور الزراعة - استئناس الحيوان - الأساليب الفنية - النسيج في العصر الحجري الحديث - صناعة الخزف - البناء - النقل - الدين - العلم - موجز لما تم فيما قبل التاريخ من تمهيد للمدنية
حدث في فترات مختلفة من القرن الأخير أن وُجِدت أكداس هائلة مما يرجح أنها من فضلات ما قبل التاريخ، وجدت في فرنسا وساردينيا والبرتغال والبرازيل واليابان ومنشوريا، ثم وُجدت فوق ذلك كله في الدانمركه حيث أطلق عليها هذا الاسم العجيب "فضلات المطبخ" التي أصبحت تعرف به أمثال هذه الأكداس من آثار القديم؛ وتتألف أكداس الفضلات هذه من قواقع، خصوصاً قواقع المحار وبلح البحر وحلزون البحر، ومن عظام كثير من الحيوانات البرية والبحرية، ومن آلات وأسلحة صنعت من العظم والقرن والحجر غير المصقول، ومن بقايا أرضية مثل الفحم والرماد والخزف المكسور؛ وهذه الآثار التي لا تأخذ العين بجمالها- دلائل واضحةُّ على ثقافة تكونت في تاريخ يقع حول سنة ثمانية آلاف ق.م؛ وهو تاريخ أَحدث من العصر الحجري القديم بالمعنى الدقيق، لكنه كذلك لا يبلغ من الحداثة أن يكون من العصر الحجري الحديث، لأنه لم يكن قد وصل بعد إلى عصر استخدام الحجر المصقول؛ ولا نكاد نعلم شيئا عَمَّن خَلفَّوُا لنا هذه الآثار، سوى أن ذوقهم كان أصيلا إلى حدٍ ما؛ ويمكن اعتبار "فضلات المطبخ"- بالإضافة إلى ثقافة "مادزيل" Mas dazil في فرنسا، وهي أقدم من الفضلات قليلا ممثلة لعصر حجري وسيط، هو بمثابة مرحلة انتقال بين العصرين الحجريين القديم والحديث.
وفي عام 1854 حيث كان الشتاء من الجفاف بدرجة خارقة للمألوف، هبط مستوى الماء في البحيرات السويسرية، فكشف عن عصر آخر من عصور ما قبل التاريخ؛ فوجدت أكوام فيما يقرب من مائتي موضع في هذه البحيرات؛ ووجد أن هذه الأكوام ظلت مكانها تحت الماء زمنا يتراوح بين ثلاثين قرنا وسبعين؛ ولقد كانت تلك الأكوام مصفوفة على نحو يبيّن أن قد شيدت فوقها قُرَّى صغيرة، وربما شيدت هناك رغبة في العزلة أو في الدفاع؛ وأن كل قرية كانت تتصل باليابس بجسر ضيق لم تزل أساس بعضها في أماكنها؛ وكانت قوائم المنازل نفسها ما تزال باقية هنا وهناك، لم تُزِلِها الأمواج بفعلها الدءوب وبين هذه الخرائب الباقية وجدت آلات من العظم والحجر المصقول الذي أصبح في رأي علماء الآثار علامة مميزة للعصر الحجري الجديد الذي ازدهر حول سنة 000ر10 ق.م في آسيا، وحول سنة 5000 ق.م في أوربا(28): وشبيه بهذه الآثار ما تركه الجنس البشري العجيب الذي نسميه باسم "بُنَاة الجبال" من بقايا هائلة ضخمة في وديان المسسبي وفروعه؛ ولسنا ندري عن ذلك الجنس من أجناس البشر إلا أنه في هذه الجبال التي بنوها وتركوها على هيئة مذابح القربان أو على أشكال هندسية مختلفة أو على هيئة حيوانات الطوطم، وجدت أشياء صنعوها من حجر وقوقع وعظم ومعدن مطروق، مما يضع هؤلاء الناس الملغزين في خاتمة العصر الحجري الجديد.
فلو حاولنا أن نلفّق صورة من هذه الأشتات الأثرية عن العصر الحجري الجديد، لرأينا في الصورة على الفور خطوة جديدة خطاها الإنسان، تثير فيك الدهشة عند رؤيتها، ألا وهي الزراعة؛ إنك تستطيع أن تقول إن التاريخ الإنساني كله- بمعنى من معانيه- يدور حول انقلابين: الانقلاب الذي حدث في العصر الحجري الحديث فنقل الإنسان من الصيد إلى الزراعة، والانقلاب الذي حدث أخيراً فنقله من الزراعة إلى الصناعة؛ ولن تجد فيما شهد الإنسان من ضروب الانقلاب ما هو حقيقي أساسيّ كهذين الانقلابين؛ فالآثار تدلنا على أن "سكان البحيرة" كانوا يأكلون القمح والذرة والجويدار والشعير والشوفان، فضلا عن مائة وعشرين نوعاً من أنواع الفاكهة، وأنواع كثيرة من البندق(29)؛ ولم نجد في هذه الآثار محراثاً، ويجوز أن تكون علة ذلك هي أن سنان المحاريث كانت تصنع من خشب، فيُدَقَّ جذع شجرة إلى فرع بمسمار من حجر الصَّوان؛ لكن نقشا محفورا على الصخر من العصر الحجري الحديث يدل دلالة لا يأتيها الشك على أنها صورة فلاح يسوق محراثاً يَشُدُّه ثوران(30) وهذا يحدد لنا اختراعا جاء بمثابة بداية لعصر جديد من عصور التاريخ؛ إن الأرض قبل أن تدخلها الزراعة كان في مستطاعها أن تهيئ أسباب العيش لما يقرب من عشرين مليوناً من الأنفس البشرية "في تقدير سير آرثر كيث غير الدقيق"، وحياة هؤلاء الملايين العشرين كانت معرضة لموت سريع بسبب الصيد والحرب(31)، أما بعد الزراعة فقد بدأ تكاثر الناس تكاثراً أيَّدَ سيادة الإنسان على الأرض سيادة مكينة لا شك فيها.
وفي الوقت نفسه كان أهل العصر الحجري الحديث يقيمون أساسا آخر من أسس الحضارة، وهو استئناس الحيوان وتربيته؛ ولا شك أن قد استغرق هذا العمل حينا طويلا من الدهر، قد تكون بدايته أسبق تاريخاً من العصر الحجري الحديث؛ فحب الإنسان بغريزته للاجتماع بغيره ربما كان عاملا مساعدا على اتصال الإنسان والحيوان، كما لا نزال نرى علائم ذلك واضحة في فرحة البدائيين بتدريب الوحوش المفترسة، وفي ملء أكواخهم بالقردة والببغاوات وأمثالها من سائر الزملاء(32) وأقدم العظام في آثار العصر الحجري الحديث (حوالي 000ر8 ق.م) هي عظام الكلب- الذي هو أقدم زملاء الجنس البشري عهداً وأشرفها خلقاً؛ ثم جاءت بعد ذلك (حوالي 6000 ق.م) الماعز والخروف والخنزير والثور(33) وأخيرا جاء الحصان الذي لم يكن عند أهل العصر الحجري القديم إلا حيوانا يصاد، إذا حكمنا من الرسوم التي في الكهوف؛ أما في هذا العصر الحجري الحديث فقد أخذه الناس إلى حيث يسكنون واستأنسوه وجعلوا منه عبداً محبباً إلى نفوسهم(34) إذ استخدموه على شتى العصور ليزيد من ثروة الإنسان وفراغه وقوته؛ وهكذا أخذ هذا الإنسان الذي بسط سيادته على الأرض آخر الأمر، في الإكثار من موارد طعامه بتربية الحيوان إلى جانب صيده له؛ وربما عرف الإنسان كذلك- في هذا العصر الحجري الحديث- كيف يستخدم لبن البقرة طعاماً.
وأخذ المخترعون في العصر الحجري الجديد شيئاً فشيئاً يوسّعون ويحسنون آلاتهم وأسلحتهم، فها هنا ترى بين مخَلفّاتهم بَكَرات ورافعات ومُرهِفّات ومغارز وملاقط وفؤوساً ومعازيق وسلالم وأزاميل ومغازل ومناسج ومناجل ومناشير وأشصاص السمك وقباقيب للانزلاق على الثلج وإبرا ومشابك صَدر ودبابيس(35) ثم هاهنا فوق هذا كله ترى العجلة، وهي مخترع آخر من مخترعات الإنسان الأساسية، وضرورة متواضعة من ضرورات الصناعة والمدنيَّة؛ فهي في هذه المرحلة من العصر الحجري كانت قد تطورت إلى قرص وإلى أنواع أخرى من العجلات ذوات الأقطار؛ وكذلك استعملوا كل صنوف الحجر في هذه المرحلة- حتى العِصِيّ منها كالحجر الزجاجي الأسود- فطحنوه وثقبوه وصقلوه، واحتُفِرت الصَّوانات على نطاق واسع؛ فوجدت في أحد محافر العصر الحجري الحديث، في مدينة براندُن بإنجلترا، ثمان حافرات من قرن الغزال، ورؤيت على أسطحها المعفّرة بصمات العمّال الذين وضعوها هناك منذ عشرة آلاف من السنين؛ وفي بلجيكا كشف عن هيكل عظمي لعامل من عمال المناجم في العصر الحجري الحديث، سقط عليه حجر فأرداه، كُشف عنه ولا تزال الحافرة في قبضة يده(36) فعلى الرغم من مائة قرن تفصلنا عنه، نحسّ كأنه واحد منا ونشاطره بخيالنا الضعيف فَزَعَه وآلامه؛ فكم من آلاف السنين قضاها الإنسان وهو يمزق أحشاء الأرض يستخرج الأسس المعدنية التي قامت عليها المدنية!
فلما أن صنع الإنسان الإبر والدبابيس، بدأ ينسج، أو إن شئت فقل إنه لما بدأ ينسج حَرَّكَتْه الضرورة إلى صناعة الإبر والدبابيس؛ ذلك أن الإنسان لم يعد يرضيه أن يدثّر نفسه بفراء الحيوان وجلوده، فنسج صوف خرافه وألياف النبات أردية كانت هي أساس الثوب الذي يلبسه الهندوسيّ، والشَملة التي كان يلبسها اليوناني، والثوب الذي يغطي أسفل الجسم الذي كان يرتديه المصري، وسائر الصنوف الخلابة التي تراها في الثياب عند الإنسان، ثم اصطنع الناس صبغة استخرجوها صنوفا من أخلاط عصير النبات أو مستخرجا الأرض، وصبغوا بها الثياب لتكون علامة ترف ينفرد بها الملوك؛ والظاهر أن الإنسان أو ما نسج جعل يضفر الخيوط على نحو ما يضفر القشَّ بأنه يجدل خيطا مع خيط؛ ثم انتقل بعد ذلك إلى ثَقب جلود الحيوان وربطها من هذه الثقوب بألياف غليظة تتخللها، كالمِشدَّات التي كان يستعملها النساء حديثاً، وكالأحذية التي نلبسها اليوم؛ ثم أخذت الألياف تتهذب تدريجياً حتى أصبحت خيط، وعندئذ أصبحت الحياكة من أهم الفنون عند المرأة؛ فالمغازل التي بين آثار العصر الحجري الحديث تكشف عن أصل من الأصول العظمى للصناعة الإنسانية بل أنك لتجد في هذه الآثار حتى المرايا(37)، وإذن فقد اصبح كل شيء مُعَدًّا للمدنيَّة.
ولم نجد آثاراً خزفية في قبور الجزء الأول من العصر الحجري العظيم، وإنما ظهرت منه قِطَع قليلة في آثار الثقافة المجدلية في بلجيكا(38)؛ لكنه في العصر الحجري الحديث الذي خَلَّفَ لنا "فضلات المطبخ" هو الذي نجد في آثاره خزفاً على شيء من التقدم في الصناعة؛ ونحن بالطبع لا نعلم كيف نشأت هذه الصناعة؛ فيجوز أن قد لاحظ الإنسان البدائي أن الفجوة التي تصنعها قدمه في الطين، كانت تحتفظ في جوفها بالماء دون أن يتسرب(39)؛ ويجوز أن قد شاءت المصادفة أن تلقى قطعة من الطين إلى جانب نار موقدة فتجف، فتوحي بجفافها هذا إلى الإنسان الأول بالفكرة التي أفرزت في النهاية هذا المخترع، وكشفت له عما يمكنه استغلاله من هذه المادة التي توجد بكثرة، والتي تطاوع يده في تشكيلها، والتي يسهل تجفيفها في النار أو في الشمس؛ ولا شك في أن الإنسان قد لبث آلاف السنين يحفظ طعامه وشرابه في آنية طبيعية كهذه، إلى جانب كؤوس القَرع وجوز الهند وقواقع البحر؛ ثم صنع لنفسه أقداحاً ومغارف من الخشب أو الحجر؛ كما صنع السلال والمقاطف من الحلفاء والقش، وهاهو ذا قد صنع لنفسه كذلك آنية أدوم بقاء من الطين المجفف وبه ابتدع مخترعاً جديداً يُعَدُّ من أعظم الصناعات التي عرفها الإنسان، لكن إنسان العصر الحجري الجديد لم يعرف عجلة الخزَّاف، فيما تدل الآثار الباقية لنا؛ إنما صنع بيديه هذا الطين أشكالا ذات جمال ونفع في آن معاً؛ وزخرفة الآنية برسوم ساذجة(40) وهكذا جعل صناعة الخزف منذ بدايتها تقريباً لا تقف عند حد كونها صناعة فحسب، بل جعل منها فنًّا كذلك.
وهاهنا كذلك نجد العلامات الأولى لصناعة أخرى من كبُرى الصناعات الأولى: صناعة البناء؛ فإنسان العصر الحجري القديم لم يخلّف لنا أثراً كائناً ما كان لمسكن غير الكهوف؛ حتى إذا ما بلغنا العصر الحجري الحديث، ألقينا بعض وسائل البناء مثل السلمّ الخشبّي والبكرة والرافعة والمقصلة(41)؛ فقد كان "سكان البحيرة" نجارين مهرة يربطون أعمدة الخشب إلى أساس البناء بخوابير ثابتة من الخشب؛ أو يصلونها وهي موضوعة رأساً لرأس، أو يزيدونها قوة بدقّ عوارض تتطلب معها على الجوانب؛ وكانت أرضيَّة الغرفة عندهم من الطين، وجدرانها من الغصون المجدولة مغطاة بطبقة من الطين، والسقف من اللحاء والقش والحلفاء والغاب؛ ثم بمعونة البكرة والعجلة استطاع الإنسان أن ينقل مواد البناء من مكان إلى مكان، وبدأ في وضع أسس ضخمة من الحجر لقُراه؛ وكذلك أصبح النقل صناعة من الصناعات، فصُنِعت الزوارق التي لا بد أن تكون قد ملأت البحيرات حركة؛ ونُقِلت التجارة عبر الجبال وإلى القارات البعيدة(42)، وأخذت أوربا تستورد من البلاد النائية أحجاراً نادرة كالعنير والبَشم والحجر الزجاجي الأسود(43) وأنك لتجد في أصقاع مختلفة من الأرض تشابها في كلمات أو حروف أو أساطير أو خزف أو رسوم، مما يدلك على ما كان بين جماعات البشر قبل التاريخ من اتصال ثقافي(44).
ولو استثنيت الخزف، وجدت أن العصر الحجري الجديد لم يخلّف لنا فنا نستطيع مقارنته إلى ما كان عند إنسان العصر الحجري القديم من تصوير وصناعة تماثيل؛ فهنا وهناك بين مشاهد الحياة في هذا العصر الحجري الحديث، من إنجلترا إلى الصين، ترى أكواما مستديرة من الحجر، أو أعمدة قائمة أو آثاراً ضخمة من البناء لا نعرف الغاية من بنائها، كالتي تراها في "ستوُنهِنج" أو "موربهان"، والراجح أننا لن نعرف معنى هذه الآثار البنائية أو وظائفها، وربما كانت بقايا مذابح للقرابين أو معابد(45) ذلك لأن إنسان العصر الحجري الجديد لابد أن قد كانت له ديانات وأساطير يصوّر بها ما يعتور الشمس كل يوم من مأساة ونصر، وما تصيب التربة من موت وبعث، كما يصور بها تأثير القمر تأثيراً عجيباً على الأرض؛ إنه ليستحيل علينا أن نفهم عقائد الإنسان في عصور التاريخ بغير افتراض أصول كهذه تمتد إلى ما قبل التاريخ(46)؛ ويجوز أن يكون ترتيب الأحجار في هذه الأبنية نتيجة لاعتبارات فلكية، ويدل على معرفتهم بالتقويم- كما يظن "شنيدر" Shneider (47)؛ وكان للناس في ذلك العصر أيضاً بعض المعرفة العلمية، لأن بعض الجماجم من العصر الحجري الجديد وجدت بها آثار تَربَنَة، وبعض الهياكل العظيمة فيها أعضاء يظهر أنها كُسِرَت ثم جُبِرَت(48).
ليس في وسعنا أن نقدر ما أداه الإنسان فيما قبل التاريخ تقديراً تاماً، لأننا من جهة لا ينبغي أن ننساق وراء الخيال في تصوير حياتهم بحيث نجاوز ما تبرره الشواهد، ولكننا قد نشك من جهة أخرى أن الدهر قد محا آثاراً لو بقيت لضيَّقَت مسافة الحُلف بين الإنسان الأول والإنسان الحديث؛ ومع ذلك فما قد بقى لنا من أدلة على خطوات التقدم التي خطاها إنسان العصور الحجرية، يكفي وحده لتقديره: فحسبنا ما تم في العصر الحجري القديم من صناعة الآلات واكتشاف النار وتقدم الفنون، وحسبنا ما ظهر في العصر الحجري الحديث من زراعة وتربية حيوان ونسج وخزف وبناء ونقل وطب. وسيادة الإنسان على الأرض سيادة لم يَعُد منازَعاً فيها، والتوسع في عمرانها بأبناء الجنس البشري؛ هكذا وُضعت للمدنية كل أساسها؛ كل شيء قد تم إعداده للمدنيات التاريخية إلا المعادن "فيما نظن" والكتاب والدولة؛ فهيأ للإنسان سبيلا لتسجيل أفكاره وأعماله، بحيث يمكن نقلها كاملةً آمنة من جيل إلى جيل، تبدأ له المدنية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المستوطنات المبكرة
المستوطنات البشرية من العصر الحجري الحديث تضم:
- مجمع كهوف تابون في كويزون، پلاوان، الفلپين 5000–2000 ق.م.
- Spirit Cave في تايلند، 9000–5500 ق.م.
- Padah-Lin Caves في ميانمار، ح. 11000 ق.م.
- Franchthi Cave في اليونان، من حول العصر الحجري القديم (ح. 10,000 ق.م.) مستوطنة، أعيد استيطانها بين 7500–6000 ق.م.
- Göbekli Tepe في تركيا، ح. 9000 ق.م.
- أريحا في الضفة الغربية، العصر الحجري الحديث من حوالي 8350 ق.م.، نشأت من الحضارة النطوفية الأقدم من حول العصر الحجري القديم
- Nevali Cori في تركيا، ح. 8000 ق.م.
- Ganj Dareh في إيران، ح. 7000 ق.م.
- Çatalhöyük في تركيا، 7500 ق.م.
- Pengtoushan culture في الصين، 7500–6100 ق.م.
- عين غزال في الأردن، 7250–5000 ق.م.
- Jhusi في الهند، 7100 ق.م.
- Petnica في صربيا،6000 ق.م.
- Sesklo في اليونان، 6850 ق.م. (مع ±660 عام هامش خطأ)
- Dispilio في اليونان، ح. 5500 ق.م.
- جياهو في الصين، 7000 to 5800 ق.م.
- مهرگره في پاكستان، 7000 ق.م.
- كنوسوس في كريت، ح. 7000 ق.م.
- Lahuradewa في الهند، 9000 ق.م.
- پورودين في جمهورية مقدونيا، 6500 ق.م.[2]
- Vrshnik (Anzabegovo) في جمهورية مقدونيا، 6500 ق.م.[2]
- Pizzo di Bodi (Varese), لومبارديا في إيطاليا، ca 6320 ±80 ق.م.
- Sammardenchia في فريولي، إيطاليا، حوالي 6050 ±90 ق.م.،
- Cucuteni-Trypillian culture، ح. 5500 ق.م.، في اوكرانيا ورومانيا
- حضارة همودو في الصين، 5000–4500 ق.م.، مزرعة أرز على نطاق واسع
- حوالي 2000 مستوطنات Trypillian culture، 5400–2800 ق.م.
- Megalithic Temples في مالطا، 3600 ق.م.
- Knap of Howar وسكارا براي، اوركني، اسكتلندا، من 3500 ق.م. و 3100 ق.م. بالترتيب
- Brú na Bóinne في أيرلندا، ح. 3500 ق.م.
- Lough Gur في أيرلندا من نحو 3000 ق.م.
- لاجيا في الصين، 2000 ق.م.
أقدم طريق مُهندَس في العالم، Sweet Track في إنگلترة، يعود إلى 3800 ق.م. وأقدم منشأ قائم بذاته في العالم هو المعبد من العصر الحجري الحديث في گانتيا في گوزو، مالطا.
حضارات العصر الحجري الحديث
ثقافة العصر الحجري المتأخر late Neolithic culture، هو أدوات ثقافة الجنس البشري المبكرة.[3]
انظر أيضاً
|
الهامش
وصلات خارجية
- Romeo, Nick (Feb. 2015). Embracing Stone Age Couple Found in Greek Cave. "Rare double burials discovered at one of the largest Neolithic burial sites in Europe." National Geographic Society
- McNamara, John (2005). "Neolithic Period". World Museum of Man. Archived from the original on 2008-04-30. Retrieved 2008-04-14.
- Affonso, T.; Pernicka, E. (2000). "Pre-Pottery Neolithic Clay Figurines from Nevali Çori". Internet Archaeology (9). doi:10.11141/ia.9.4.
- Rincon, Paul (11 May 2006). "Brutal lives of Stone Age Britons". BBC News. Retrieved 2008-04-14.
- Current Directions in West African Prehistory – McIntosh & McIntosh (1983)
- Chisholm, Hugh, ed. (1911). . دائرة المعارف البريطانية (eleventh ed.). Cambridge University Press.
{{cite encyclopedia}}
: Cite has empty unknown parameter:|coauthors=
(help)