نقولا الترك
نقولا بن يوسف الترك الإسطمبولي (1176-1244 هـ/1763-1828 م) هو شاعر له عناية بالتاريخ، أصله من بلاد الترك من أسرة يونانية ومولده ووفاته في دير القمر في لبنان. سافر إلى مصر واستخدم كاتباً في حملة نابليون الأول، وعاد إلى لبنان فخدم الأمير بشير الشهابي، وله في مدحه قصائد. وعمي في أواخر أعوامه، فكان يملي ما ينظمه على ابنته وردة. [1]
نقولا بن يوسف بن ناصيف الترك، ولد في دير القمر (1763-1828) من أسرة يونانية الاصل جاءت من اسطنبول فنالت بداية لقب "اسطنبولي" ومن ثم "ترك". وقد حذا كريمسكي حذو التقليد المتبع في المصادر اللبنانية والأدبيات الاستعرابية، فاعتبر والده من أصل ملكي، وبمعنى آخر سليل أسرة من الروم الأرثوذكس تعربت واعتنقت المذهب الكاثوليكي (ربما في أواخر القرن 18). لكن المؤرخ الأديب فيليب الطرزي العلامة في تاريخ الفكر والثقافة العربي، ولاسيما اللبناني، أكد أن أسرة الترك لم تكن ملكية، وانما من طائفة الأرمن الكاثوليك وأن واحد من أحفاد نقولا الترك المدعو بالأسقف اويديس تركيان استشهد في مذبحة مدينة مرعش التي نظمها الأتراك.
عمل الشاب نقولا الترك في خدمة الأمير بشير الكبير فكان شاعره ونديمه وكاتبه المقرب ومعلم أولاده في نهاية القرن الثامن عشر. ومن المحتمل أن يكون المطران هاكوب هولاسيان الارمني الكاثوليكي، أب الاستغفار في البلاط الأميري، قد لعب دورا بارزا في هذا الاختيار. وبعد حين من الزمن، وبتكليف من الأمير بشير الثاني، سافر نقولا الترك الى دمياط ليراقبط عن كثب تطورات الأحداث السياسية العسكرية الناجمة عن الحملة البونابرتية على مصر، وليرسل تقارير بشأنها الى سيده في لبنان، بقى الترك في مصر حتى سنة 1804 واضعا مصنفات تاريخية عيانية عدها جرجي زيدان من "أهم ما ألف في التاريخ عن تاريخ الاحتلال الفرنسي" مع ترجمة الى اللغة الفرنسية للمسيو غاردين دبلوماسي البعثة الفرنسية في القاهرة (جزء أول "مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس". تلك التقارير والشهادات العيانية التي أرسلها الترك عرفت في الأوساط الأدبية العربية باسم جامعة هو "تاريخ نابليون" طبع الجزء الاول الذي ينتهي بخروج الفرنسيين من مصر مع ترجمة فرنسية بعانية مترجمة وكاتب البلاد المستشرق ديغرانج الكبير الذي تعرف على نقولا الترك في دير القمر، تحت عنوان "تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية".
نشير في هذا السياق الى أن جرجي زيدان نسب الى نقولا الترك تاريخا آخر هو: "تاريخ أحمد باشا الجزار". ويظن الأب لويس شيخو أن لنقولا المذكور كتابين آخرين: أحدهما في حوادث حرب فرنسة والنمسة سنة 1815 ، طبع في باريس سنة 1807، والآخر "نزهة الزمان في حوادث لبنان" في تاريخ الأمراء الشهابيين، منه نسخة خطية في باريس، ويعتقد زيدان أن الكتاب الأخير هو القسم الثاني من "تاريخ حيدر الشهابي" المؤلف من ثلاث أقسام. وقد اشار فؤاد أفرام ابتساني الى أن الامير حيدر استفاد كثيرا من تاريخ الترك، ولعله اقتبس منه مقاطع كاملة في القسم الثاني سنة 1933 في بيروت واتلذي تطابقت صفحاته 213-340 تطابقا كاملا مع تاريخ الترك.
لم يكن نقولا الترك مؤرخا واقعيا وموضوعيا وحسب، بل كان من أتباع النهج الأوربي في كتابة التاريخ. مما لا شك فيه أن الكاتب الذي كان متخفيا في دمياط لم يكن بمستطاعه الاطلاع أو استيعاب أفكار الثورة الفرنسية. فضلا عن أسرارها السياسية ، ولذلك استقطب جل اهتمامه على الظواهر الخارجية للأحداث والوقائع التاريخية. لذلك العصر. ومن الدلالة بمكان أن الحركة التي استهدفت "سن قوانين جديدة (الدستور" و"ارساء أسس نظام جديد (عصري)" باسقاط الحكم الملكي المطلق الذي سبب الكثير من الأضرار للشعب، وتوطيد النظام الجمهوري (المشيخة). هذه الحركة الشعبية جعها المؤرخ في قطب المعارض الملك والأمراء والأعيان (الأرستقراطية). وفيما يخص موقف الكاتب العادي من مسألة العنف الثوري للحركة (وخاصة قطع رأس الملك الذي أبدى شجاعة وبسالة أمام المقصلة) وميولها المعادية للأكيلروس والكنيسة (وخاصة نهب وتنديس العتبات المقدسة). فما كان بالامكان أن يكون مغايرا لذلك. فالترك الذي حافظ على اعتقاده بالمذهب الكاثوليكي كان يوجه كتابته الى سيده الكاثوليكي الأمير المطلق الارادة.
علاوة على ذلك ان نقولا الترك شاعرا وأديبا نبغ في قصر الأمير بشير، وخلف لنا ديوانا مخطوطا. من المعروف أن هناك ست نسخ مخطوطة من ديوانه أقدمها مخطوط سنة 1858، الذي يضم الأبواب التالية: قصائد عامة، قصائد هزلية ساخرة، الأماديح المكرسة للأمير بشير وقصره، ومزامير النبي داود، واحدى عشرة مقامة، ومدائح الشيخ بشير جنبلاط، ويعد الديوان من أوثق المصادر في تلك الفترة من تاريخ لبنان. يصور الترك في أشعاره الحياة اليومية لسيده الأمير بشير، ويقدم لنا أدق التفاصيل عن صفاته الشخصية وحملات العسكرية ومعاركه وأخلاقه وسجاياه (عدله وشجاعته، بره واسحانه، أعماله الانشائية والعمرانية).
ومن البدائع الفريدة في الديوان الوصف الرائع لبلاط الأمير، المراسم والاحتفالات، الأفراح والمسرات، الأحزان والملمات، فضلا عن طبقات الناس (الأمراء والمشايخ، والحرس والشعراء والكتاب وأمناء السر ورجال الأعمال والبناؤون والعمال وغيرهم). كما لا يتواني الشاعر عن ذكر مجرى الحياة اليومية (الصيد ، الجريد، سجالات الشعر، لعب الورق...).وحتى الالتماسات التي كان يتقدم بها الشاعر الى سيده في الظروف العادية والطارئة (ومما يذكر هنا طلبه الحصول على دار جميلة من الحجر المصقول في الحي الأميري قرب حرش الشوح الخلاب الذي غرسه فخر الدين المعني لحماية الحدائق والمشاتل من هجوم رمال البحر). فضلا عن الحوادث والوقائع اليومية في لبنان (الزلازل، الطقس، القحط، الأوبئة وغيرها).
والأهم من كل ذلك طبعا أن نقولا الترك يعد أحد سابقي النهضة الفكرية الثقافية في العصر الحديث، ومن المهدرين لها. برز في تلك الحقبة الحافلة بمظاهر الاجتماع الفكري والأدبي في الشرق الأودنى. وهو من أوائل المجددين في الشعر العربي الحديث، اذ تخطى التقاليد الموروثة في التراث الشعري، وخالف السلف في الأساليب والصنعة ولغة الشعر ، فأقبل على الحياة اليومية يختار منها بسليقته اللفظ الجميل المرن الموحي فربط ربطا شديدا بين الشعر نفسه وبين الحياة. ولاسيما في مقاماته (وقد عز فؤاد أفرام البستاني ذلك الى أن لغة الشعر العربي ظلت عصية على سلسل الأسرة اليونانية). ولكن محاولة الترك هذه لم تؤد الى فصل لغة الشعر عن لغة الحياة، بل على العكس من ذلك ساهمت في نشر الشعر وذيوعه بين الناس، لأن استخدام الألفاظ لغة الحياة اليومية كان لها ايحاء معين أو جرس واضح في أذهان الناس وعقولهم. لقد أجاد الترك أيما اجادة في وصف الحياة البائسة والعمل الشاق الذي يقوم به الجبليون اللبنانيون، فيقدم تفسيرا لأمور الكون والمصير والمجتمع والانسان من خلال تجاربه وعواطفه. وقد شعر نقولا الترك في أنه صاحب رسالة في ارشاد الناس الى خيرهم وغرس روح التفاؤل في نفوسهم دون مبالاة بالتنميق والزخرفة والتزيين لأن الغاية أسمى من ذلك وأكبر، وكانت مقاماته (نشرها ابراهيم صادر ضمن كتاب "حكايا عن عالية") مختلفة في المضمون عن مقامات ناصيف اليازجي (الذي تردد أيضا على قصر الأمير بشير الثاني مادحا أياه في منظماته المعروفة باسم "المحبوكات الشهابية"). اذ تركت أثرا بالغا في الجيل الصاعد من الشعراء. داعية اياهم للاسهام في عملية تجديد الأدب العربي وترويحه بين أبناء الشعب.
من كتبه:
- تاريخ نابليون جزء منه، وتاريخ أحمد باشا الجزار، وديوان شعره، وحوادث الزمان في جبل لبنان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
- ^ نجاريان, يغيا (2005). النهضة القومية-الثقافية العربية. دمشق، سوريا: أكاديمية العلوم الأرمنية - الدار الوطنية الجديدة.