موشيه ساسون

(تم التحويل من موشه ساسون)
موشيه ساسون
משה ששון.jpg
سفير إسرائيل لدى تركيا
في المنصب
1960–1966
سبقه موريس فيشر
خلفه شاؤل بار-حاييم
سفير إسرائيل لدى إيطاليا
في المنصب
1973–1977
سبقه إميل نجار
خلفه زئيڤ شك
سفير إسرائيل لدى مصر
في المنصب
1981–1988
سبقه إلياهو بن إليسار
خلفه شيمون شامير
تفاصيل شخصية
وُلِد 15 ديسمبر 1925
دمشق، سوريا
توفي 16 سبتمبر 2006 (80 عاماً)
إسرائيل
الأقارب إلياهو ساسون (والده)
المهنة سياسي، دبلوماسي
الدين اليهودية


موشيه ساسون (بالعبرية: משה ששון‎، إنگليزية: Moshe Sasson؛ و. 1925 - ت. 16 سبتمبر 2006)، هو جندي ودبلوماسي إسرائيلي. وثاني سفير إسرائيلي لدى مصر، بين 1981 و1988، ليكون صاحب أطول فترة في المنصب.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

السنوات المبكرة

وُلد ساسون في دمشق، وانتقل إلى فلسطين في طفولته. كان والده إلياهو ساسون في طليعة اليهود الشرقيين الذين خدموا الصهيونية قبل قيام دولة إسرائيل وبعد قيامها. على الرغم من أنه من مواليد دمشق، فإن موشيه ساسون ليس يهودياً عربياً، كما يعتقد على الأرجح. وكذلك والده إلياهو ساسون ليس يهودياً عربياً أيضاً، على الرغم من كونه اليهودي الوحيد الذي تقلد منصباً وزارياً في الحكومة الإسرائيلية، وفي حكومة الملك فيصل في دمشق من عام 1918 حتى 1920.[1] هاجر إلياهو ساسون من سورية إلى فلسطين، تاركاً الصحافة ـ التي كان يعمل بها حتى عام 1928 ـ وانخرط في العمل بشركة كهرباء القدس، ومنها انتقل إلى مكتب أبراهام سيتون للعمل في البلدة القديمة كمحاسب في تجارة المانيفاتورة.[2]

انضم إلياهو ساسون إلى الوكالة اليهودية وأصبح مساعداً لموشيه شاريت في الاتصالات مع الدول العربية المجاورة واستمر في عمله حتى عام 1935.[2]

عقب قيام دولة إسرائيل أصبح إلياهو ساسون أول سفير إسرائيلي لدى تركيا. ثم تولى التفاوض مع الملك عبد الله ملك الأردن للإفراج عن أسرى اليهود لدى الجيش الأردني إثر حرب 1948.[2]

انتقل إلياهو ساسون بعد ذلك إلى روما، ثم إلى جنيف ليعمل سفيرًا لإسرائيل في المنظمات الدولية بها. إلى أن استدعاه بن گوريون وألحقه بحكومته وزيرًا للشرطة، ثم وزيرا للبريد والهاتف، قبل أن يصاب إلياهو ساسون بشلل نصفي ألزمه الفراش لسبع سنوات انتهت بوفاته، وقد قدر للابن فيما بعد أن يسير على نفس خطى والده تقريبًا؛ إذ عمل سفيرًا لإسرائيل في إيطاليا، ثم في تركيا، بالإضافة إلى عمله سفيرًا بمصر.[2]


العمل مع الهاگاناه

تطوع موشيه ساسون قبل قيام دولة إسرائيل في كتائب الاستخبارات في الهاگاناه في القدس، وكان يتمتع بمعلومات غزيرة عن العرب.[3]

كان ساسون حتى عام 1948 مكلفًا بتكوين خلايا التجسس، وقام في ذلك العام بالتخطيط لهجوم استهدف مسرح إديسون في القدس.[3] وفي عام 1949، تم استدعاء ساسون من أنشطته في جمع المعلومات الاستخباراتية في باريس للذهاب إلى لوزان، حيث شارك والده في مؤتمر المصالحة الفلسطينية المنعقد في ديسمبر 1948. رفضت الوفود العربية الحاضرة التحدث مع المندوبين الفلسطينيين الذين عينوا أنفسهم. ولم يكن لإسرائيل أي مسار رسمي في إطار المؤتمر أيضاً. وعلى هذا، أصبح ساسون وسيطاً غير رسمياً مع الفلسطينيين؛ وتطورت الصداقات. وبشكل غير رسمي، سأل ساسون هؤلاء المندوبين الفلسطينيين من مخيمات اللاجئين عما سيفعلونه إذا توصل الجانبان إلى اتفاق؛ فقال الفلسطينيون إنهم سيضطرون إلى بيعه إلى البلدان الأخرى قبل أن يتمكنوا من قبوله. وكانت هذه أول فرصة ضائعة للسلام من وجهة نظر ساسون.

مسيرته السياسية والدبلوماسية

يسار-يمين: موشيه ساسون، السفير الإسرائيلي في مصر، كمال حسن علي، وزير الخارجية المصري، سعد مرتضى، السفير المصري في إسرائيل، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحم بيگن، 16 مارس 1982، حنانيا هرمان، المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية.[4]

التحق ساسون بالسلك الدبلوماسي الإسرائيلي عام 1952[3]، وعمل سفيرًا لإسرائيل لدى تركيا بين عامي 1960 و1966، ثم مديرًا لشؤون الهدنة في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وفي 21 نوفمبر 1967 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي ليڤي أشكول ـ بإرسال ساسون، إلى رام الله عام 1967 لزيارة عزيز شحادة الذي كان في لوزان. وكان ساسون يساهم في تقرير لإشكول حول العلاقات العربية الفلسطينية الإسرائيلية. واغتنم الفرصة لدفع شحادة إلى القيام بشيء ما، الآن وقد أصبحت إسرائيل، وليس الأردن، في الصورة. ولكن مرة أخرى، لم يحدث شيء. ومرة ​​أخرى، كانت فرصة سلام ضائعة.

انتقل ساسون بعد ذلك إلى روما ليشغل منصب سفير إسرائيل في إيطاليا بين عامي 1973 و1977.


سفيراً لدى مصر

موشيه ساسون يتوسط المفاوضين الإسرائيليين أثناء توقيع اتفاق لإحالة النزاع الحدودي مع مصر إلى التحكيم الدولي 1986.

علاقته بالسادات

عام 1981 عُين ساسون سفيراً لإسرائيل لدى مصر خلفاً لإلياهو بن إليسار، وفي أكتوبر من نفس العام قدر له أن يشهد واقعة اغتيال الرئيس أنور السادات؛ إذ كان يجلس على مقربة من الرئيس في المنصة عند اغتياله. وقد كتب ساسون عن هذه الواقعة في كتابه سبع سنوات في أرض المصريين[3] (بالعبرية: שבע השנים בארץ המצרים، صدر عام 1992).

عندما يتحدث ساسون عن مصر، فهو لا يشارك السادات في حدة تفكيره فيما يتصل بكيفية اضطراره إلى الإبحار في مياه العلاقات مع سوريا والسعودية أثناء التقدم نحو اتفاقية السلام مع إسرائيل فحسب، بل وأيضاً كيف أدى قصف إسرائيل للمفاعل النووي العراقي عام 1981 وغزوها للبنان عام 1982 إلى تعقيد العلاقة. وفي تحليل ساسون، لو تم النظر إلى المعاهدة بين البلدين باعتبارها فرصة للتطبيع، أي لبناء علاقات يومية بين الشعبين وليس مجرد خطوة استراتيجية، لكان السادات قد ترأس شيئاً أكبر مما ترأسه. ولو نظر مبارك إلى دور مصر ليس كمدافع عن الفلسطينيين لكن كوسيط جدير بالثقة بين إسرائيل والفلسطينيين، لكان من الممكن تحقيق تقدم. ويقول ساسون: "كان من الممكن أن تلعب مصر دوراً استثنائياً لأنها الدولة العربية الوحيدة التي تربطنا بها علاقات".

ويؤكد ساسون على أهمية الثقة في القادة ـ وكذلك المعرفة. وقصته عن طلبه من إشكول قضاء ساعتين أسبوعياً مع عربي لا تقل أهمية عن رغبته المعلنة في أن يكون لدى العرب والإسرائيليين كتب مدرسية "تصف تطور الحركة الوطنية العربية والحركة الوطنية اليهودية. الصراعات، والتاريخ، والحقائق...". ولقد سعى هو نفسه إلى اغتنام الفرص لتعلم الدروس القابلة للتطبيق، على سبيل المثال، في أنقرة حول التنمية في العالم العربي وفي روما حول الاتفاق الخاص الذي أبرمه الڤاتيكان مع إيطاليا. وساعدته مهارات ساسون اللغوية على التقرب من القادة. ودفعه فضوله الفكري إلى التفكير في الاحتمالات. وحظي حضوره في المؤتمرات والقمم والمفاوضات في لوزان وجنيڤ والإسكندرية والقاهرة وعمان والقدس وخلال نقاط رئيسية لأكثر من أربعة عقود بمكانة في التاريخ.

كتاب سبع سنوات في أرض المصريين، تأليف موشيه ساسون. لتحميل الكتاب، اضغط على الصورة.

قبل بضعة أيام من قصف المفاعل النووي العراقي في يونيو 1981 كان هناك اجتماع قمة بين السادات وبيگن في شرم الشيخ. جاء ساسون مع السادات على متن طائرته الخاصة وعاد في نفس اليوم. بعد يومين من قصف إسرائيل المفاعل النووي العراقي تلقى ساسون برقية من گين قال فيها: "اذهب واشرح ما حدث". وكانت هناك شكوك في العالم العربي أن السادات كان على علم بالأمر وأن بيگن أخبره بتفاصيل العملية خلال الاجتماع. وبحسب ساسون فإن بيگن لم يخبر السادات، وذلك بحسب السادات نفسه. ذهب ساسون إلى السادات وكان في ذلك بالوقت في قصر المنتزه بالإسكندرية. سلم ساسون السادات رسالة مكتوبة من بيگن وجلس يقرأها ببطء. بعد لحظات من الصمت، بدأ السادات يستعرض وجهة نظره حول مضمون الرسالة. وبحسب جيهان السادات، في مذكراتها فإنها لم تسمع صوت السادات يرتفع إلى مرة واحدة، هي عند استقباله لموشيه ساسون بعد قصف المفاعل النووي العراقي. ويقول ساسون ظل السادات يتحدث موجهاً كلامه مرة إلى ساسون وأخرى إلى بيگن الذي لم يكن جالساً في الاجتماع، وأخرى إلى الله، مشيراً إلى استمرار هذه الحالة من التوتر لنحو ساعة، وبعدها طلب ساسون الانصراف إلا أن السادات طلب منه الجلوس لتبادل أطراف الحديث، ولم يتطرقا لأمر رسالة بيگن.

علاقته بأنيس منصور

ومن مذكرات موشيه ساسون يتضح أن الكاتب الصحفي أنيس منصور كان الأكثر تردداً عليه في منزله ويبدي السفير اعجابااً كبيراً به حيث قال ساسون: "هو الأديب الكبير والصحفي المتعمق صاحب الرؤيا الثاقبة ورجل المدارس الفكرية والمذاهب العقلية الخبير بحضارة اليونان والعالم القديم والفيلسوف اللامع المنعش للفكر والقادر على أن يكتب في عموده اليومي الثابت بصحيفة الأهرام دون أن يكرر نفسه ولو مرة واحدة ناقلاً خلاصة تجاربه للقراء كواحد من أهم معلمي هذا الجيل في مصر".

كان ساسون مولعاً باقتناء الأواني الفخارية بمنزله وكان يعتبر هذا الفخار من تراث أجداده اليهود القدامى وذات مرة رأى أنيس منصور إناء غريب الشكل في المنزل فسأله عنه، فقال له أنه اشتراه من طهران عام 1960 حين كان يعمل بالسفارة الاسرائيلية في إيران واشتراه لأن طرازه يعود الى الملك قورش واستفسر أنيس عن السبب في احتفاظه بإناء يعود الى طراز عصر قورش فرد السفير قائلاً: "لأن قورش كان صاحب وعد بلفور الأول·· ألم يكن أول من أعطانا عن طيب خاطر الاشارة والاذن الملكي بالعودة الى بيتنا، ووطننا؟". ذهل انيس من هذا الكلام ورد عليه: "عجيب أمركم يا بني اسرائيل وصلتم إلى قورش؟ ألا يكفيك بلفور القرن العشرين؟". وبعد عدة سنوات حين تبنى الرئيس حسني مبارك شعار صنع في مصر لتنمية الصناعات المصرية كان أنيس في منزل السفير فقال له الأخير: "إن الصهيونية هي الأخرى، في الأصل صنعت في مصر لأن موسى تربى في بيت فرعون وهناك تعلم الكثير، ونحن -كأمة- ولدنا على أرض مصر، تحت سفح جبل سيناء· كيف تتنكرون إذن بل وتحاربون 'منتجاً' ظهرت براعمه ونما وكبر هنا على أرضكم؟·· وكان أنيس يستمع الى هذا التحليل ويقول السفير الاسرائيلي كان كما لو ركبه عفريت·· ورد عليه بتردد واضح "لا أعرف·· ربما كانت هذه حقيقة تاريخية، لكن ارجوك لا تكرر ذلك هنا في مصر وفي هذا الوقت إنها سابقة لأوانها"·

ويبدي السفير امتنانه الشديد لأنيس لأنه في عام 1987 كان كاتب العمود اليومي الوحيد الذي تذكر مرور عشر سنوات على رحلة السادات الى القدس وكتب عن هذه المناسبة محيياً السادات ومشيداً بعملية السلام التي بدأها· ويبدو أن السفير ساسون كان يعرف أنيس منصور قبل أن يأتي الى مصر للعمل، ففي مايو 1981 وبعد أن قدم أوراق اعتماده للرئيس السادات وقف يتحدث أمام الرئيس باللغة العربية الفصحى، ويبدو أنه كان يريد ان يبرهن للسادات على إجادته للعربية لكنه اخطأ في إحدى الجمل ولم يسكت السادات فقد قال له لو أن إلياس ساسون (إلياهو، والد موشيه) سمعك ترتكب هذا الخطأ لضربك بالخيرزانة على مؤخرتك·· وذُهل السفير من رد الرئيس، وماذا يقصد وماذا يعرف بالضبط عن والده وعنه، وانتابه القلق الشديد وفي مساء اليوم نفسه كان على موعد مع أنيس وفوجيء به يعرف تفاصيل الواقعة مع الرئيس رغم أنه لم يكن حاضراً اللقاء وطمأنه أنيس فالرئيس يريد أن يثبت للسفير أنه يعرف والده من قبل وأننا في مصر نعرفه وبعد ذلك تكررت لقاءاته وجلساته مع السادات قبل إغتياله·

وكان ساسون قبل مجيئه الى القاهرة قد زار صديقه رئيس إسرائيل إسحاق ناڤون وكان ناڤون صديقاً للسادات وقد زار مصر بدعوة شخصية من السادات وزوجته ونجحت الزيارة، وكان ناڤون يجيد العربية أيضاً وقال له ناڤون: "تعرف، لو لم أكن محجوزاً الآن في منصب رئيس الدولة لأسعدني للغاية أن أكون سفيراً لأسرائيل في القاهرة' وذات مرة قالت له السيدة جيهان السادات إن الرئيس الإسرائيلي يتقن اللغة العربية أفضل بكثير من مدرسها لهذه اللغة· وحمله ناڤون رسالة شفهية إلى السادات المهم فيها: آمل أن يقوم بتشجيع أوساط المثقفين على زيارة إسرائيل··".


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

علاقته بنجيب محفوظ

ويبدو أن هذا الأمر كان هاجساً لدى السفير طوال عمله في مصر وقد التقى نجيب محفوظ ليناقش معه هذه القضية، والسفير ساسون من المعجبين بأدب محفوظ وأثناء وجوده بالقاهرة صدرت رواية محفوظ أمام العرش وقد قرأها ساسون وأعجب بها، وقال: "يخيل إلي أنه في الأدب المصري الحديث لا يوجد عمل أدبي سياسي أجمل من هذا المؤلف الذي يعد قصيدة مدح لمشروع حياة أنور السادات: استعادة الأرض وإحلال السلام". وفي أحد لقاءاته بالسيدة جيهان السادات سألها عما اذا كانت قد قرأت هذا العمل، وقام في نفس اليوم بارسال نسخة إليها فقد أتضح له أنها لم تكن تعلم بصدوره وعندما زارها مرة ثانية قالت له أنها إلتهمت الرواية وأنها في اليوم التالي مباشرة دعت محفوظ وحيته على الرواية، وأنه لم يفاجأ حين قالت له أن أول سفير قرأ الرواية كان هو سفير إسرائيل وأضافت هي من جانبها للسفير: "نجيب محفوظ أحد عظماء جيلنا، وهو أحد المؤيدين المتحمسين للخطوة التاريخية التي اتخذها أنور السادات· وهو على قناعة تامة -مثل أنور- أنه حتما سيجيء اليوم الذي يحل فيه السلام بين كافة الدول العربية وإسرائيل"·

وفي مايو 1982 ذهب السفير ساسون لزيارة محفوظ في مكتبه بالأهرام ليشكره على مقال نشره فور اتمام إسرائيل انسحابها من سيناء في 25 ابريل من نفس السنة، ويقدم السفير وصفاً دقيقاً للغرفة التي كان يجلس فيها محفوظ ووصفاً لمحفوظ نفسه فقال: "يرتدي ملابس بسيطة باهمال بعض الشيء وأدبه أيضاً بسيط وشعبي إلا أن عينيه ترصدان بعمق وتدوران بلا توقف·· وتخترقان وتستوعبان كل ما يدور". وبدأ الحديث بينهما حول قضية السلام وموقف المثقفين وقال له محفوظ بالحرف: "إننا نظلم شعبينا، في الماضي أبرزنا نحن وأنتم ما يفرق بيننا ومن الآن فصاعداً يجب أن نركز على ما يجمع بيننا وبعد أن وفيتم بإلتزاماتكم واحترمتم توقيعكم وأعدتم سيناء لم يبق هناك اي جرح· إن الشعب المصري يقدر للغاية حقيقة أن إسرائيل كانت عند كلمتها ومن الآن فصاعداً لن تجد أي صعوبة مع المصريين وعلينا من الآن أن نرعى السلام معاً ونثري مضمونه"·

بدأ السفير يتحدث ويشكو إلى جميع المسؤولين المصريين، قائلاً: في إسرائيل يقابل الطفل وهو يتعلم التوراة اسم مصر 680 مرة وأول بلد يتعلم اسمه وهو في المدرسة هو "مصر"، وهناك تاريخ قديم بين البلدين من أيام موسى ويوسف وغيرهما وفي التوراة والقرآن حديث طيب عن مصر وعن اليهود، والمصريون كمسلمين يقدرون سيدنا موسى". ولكن يقول السفير: "·· حتى في فترة السلام بين مصر وإسرائيل، لا نعمل على إيجاد نشاط ثقافي وحضاري مشترك رغم الجيرة ورغم الماضي المشترك الثري بين الشعبين، على سبيل المثال هناك ظمأ لدى أدباء اسرائيل للاتصال والحوار والتعارف مع الأدباء المصريين لكن الأدباء ورجال الفن والثقافة بالذات في مصر يعربون عن تحفظهم تجاه مثل هذه الاتصالات فهل يعقل أنه في الوقت الذي يريد فيه العسكريون والسياسيون السلام ويعملون من أجله، يتحفظ عليه الأدباء والفنانون والمثقفون؟ هل انقلبت الأمور في مصر؟ هل من الممكن أن يحمل الأدباء والفنانون بالذات العداء في صدورهم ويؤيدون استمرار المغامرات والحروب؟"

ويحاول محفوظ الرد والدفاع عن هذا الاتهام: "لا توجد كراهية لإسرائيل وهذا الأمر ينطبق على الأدباء والفنانين أيضاً، الحقيقة أنهم في ضائقة، وهذه الضائقة لا دخل لإسرائيل فيها·· ضائقتهم مادية وليست روحانية··' وجهة نظر محفوظ كما أوردها ساسون أن الكتاب والفنانين سيلتزمون بقرار المقاطعة، لكي تدخل أعمالهم العالم العربي ولو خرقوا تلك المقاطعة فسيتعرضون هم أيضاً لمقاطعة، وهو قول مبرر غير كاف. جوهر المسألة أن إسرائيل لم تخرج من الأاضي المحتلة، وما تزال تقف ضد قيام دولة فلسطينية مستقلة، وسوف يبقى الحال هكذا ما لم تقم الدولة الفلسطينية". كان الحديث طويلاً بين محفوظ وساسون، وطلب محفوظ الاهتمام بالشعب لأن الشعب المصري يريد السلام ويحب السلام ويسعى اليه، وحضر جزءاً من الحوار كما يذكر ساسون ثروت أباظة والشاعر محمد التهامي·

ويبدي ساسون إعجابه بتوفيق الحكيم لأن الحكيم لم يكن يشجع الحرب وكان يدعو إلى السلام ويطالب به ويكشف اهتمام طاقم السفارة بالانتاج الأدبي المصري لأنه إنعكاس لكل ما يجري في مصر، ومن خلاله يمكن التعرف على تفكير طبقات وفئات الشعب لذا كانوا يتابعون الانتاج الروائي لمحفوظ وغيره من الأدباء فضلاً عن الشبان الواعدين منهم وكذلك الشعراء وكتاب المسرح وكان كل منهم ينبه الاخرين إلى قصيدة قرأها أو رواية وفي بعض الحالات اعتادوا أن يبعثوا إلى وزارة الخارجية بالقدس بملخص إبداع أدبي ظهر في القاهرة ويكون مثيراً وكان أكثر المنشغلين بهذا الأمر إسحق بر موشيه، وهو صحفي وأديب يكتب باللغة العربية وعمل مستشاراً صحفياً وأديباً بالسفارة، ومن بين الرسائل التي بعث بها إلى الخارجية بالقدس ملخص لمسرحية ظهرت عام 1985 لنجيب سرور والمسرحية تدين وتنتقد الأوضاع السياسية في مصر، وينقل السفير في مذكراته نصوصاً كاملة من عمل نجيب سرور: "انصت يا قلبي وانع تلك الأرض التي منها نشأت·· لقد اصبحت تلك البلاد خراباً فلا من يهتم بها ولا من يتكلم عنها ولا من يذرف الدمع·· فأية حال تلك التي عليها البلاد؟ لقد حجبت الشمس فلا تضيء حتى يبصر الناس·· وصارت البلاد طريحة الشقاء··". وطبعا مثل هذه النصوص تعزز الرأي الاسرائيلي في فترة حكم الرئيس عبد الناصر ولم تكن المسرحية قد نشرت من قبل، بل عثر عليها في الثمانينيات بين أوراق الشاعر الراحل·

علاقته بالجالية اليهودية في مصر

عندما جاء ساسون إلى القاهرة لم يخطر بباله أنه سيعمل أيضاً مصلياً على رأس الجماعة، فالجالية اليهودية في القاهرة كانت صغيرة العدد، ولم يكن لديها من يصلي بها على رأس الجماعة وكما لم يكن هناك من يختن الذكور، وفي كثير من الأحيان لم يكن العدد يكتمل لأداء الصلوات لذا أخذ على عاتقه أن يشارك في الصلوات، ولكي يضمن ان يكون نصاب الصلاة مكتملاً كان يطلب من أعضاء السفارة المشاركة في الصلاة، خاصة في أيام الاعياد رغم علمه أنه بذلك يثقل على رجال الأمن الاسرائيليين أو المصريين· وفي عام 1982 كان مكتب منظمة التحرير الفلسطينية بالقاهرة يقع أمام المعبد اليهودي بشارع عدلي، وهو المعبد الذي قام بتجديده بسخاء المليونير السويسري نسيم جاعون، ويصف السفير الارتباك الأمني الذي كان يحدث في الشارع، سواء عند دخوله المعبد أو عند الخروج، لكن في داخل المعبد كان أبناء الجالية "يمطروننا بالقبلات ويتحسسوننا بأيديهم"·

وعند وصوله إلى القاهرة كان يوجد بها 34 معبداً، وكانت كلها باستثناء ثلاثة فقط مغلقة ومهجورة وكان معبد شعار هشمايم الذي يقع في شارع عدلي هو الوحيد المفتوح للصلاة أيام السبت والأعياد أما معبد حنان القديم ذو الطابع المعماري الجميل·· فقد كانت تحرسه سيدة مصرية مسلمة، هي أم رمضان التي ولدت في نفس المكان وورثت عن والدتها عملية تنظيف هذا المعبد الذي تهتم بكل شؤونه حتى اليوم، وتساعدها في ذلك ابنتها فوزية، وتعجب ساسون من هذه السيدة وابنتها ووالدتها يدرك أنه لم يستوعب المخزون الحضاري والتسامح الديني لدى بسطاء هذه الأمة، بحسب قول ساسون في مذكراته.

أما معبد بن عزرا الذي يقع في الفسطاط بجوار جامع عمرو بن العاص فيقوم عليه مصري مسلم هو شحاته الذي يقوم بفتحه امام السائحين، وقد سمح الحاخام الأكبر لفرنسا لرئيس الجالية اليهودية بالقاهرة، ببيع المعابد التي لا تستخدم ولا توجد لها قيمة تاريخية أو فنية، على أن تستخدم الايرادات في أعمال الخير والتقديس، وهكذا لم يبق سوى 14 معبداً بالقاهرة، وفي عام 1984 طبع كتاب يهودي في القاهرة وفي الإسكندرية عنوانه "ليكوتي أو ماريم" وضعه الحاخام شنيؤر زلمان ميلاوي، وطبع من الكتاب 2000 نسخة في القاهرة ومثلها في الإسكندرية وطبقاً لشهادة الحاخام يوسف هاخت فإن البركة سوف تحل على سكان كل مدينة من مدن العالم تحظى بطبع هذا الكتاب فيها وأضاف الحاخام: "بما أننا وقعنا حلف سلام مع مصر، فلماذا نمنع البركة عن أهم مدينتين فيها؟". والمعنى أنهم هم الذين تفضلوا وقبلوا طبع الكتاب هنا، لكن وفقا لرواية ساسون فإن الأمر اقتضى موافقة الخارجية المصرية واستغرق وقتاً ثم جاء وفد ديني إلى مصر لأداء الصلوات وقراءة الكتاب بها، وصار ذلك تقليداً سنوياً لديهم.

رفض التطبيع في مصر

في مذكراته، يكرر ساسون شكواه المريرة من موقف النقابات المهنية المصرية من عملية التطبيع، خصوصاً نقابتي المحامين والصحافيين والنقابات الفنية· وكان يتكرر أمام نقابة المحامين ما يسميه "المشهد القبيح" وهو إحراق العلم الاسرائيلي، فقد كانت المظاهرات المنددة باسرائيل تندلع وسط المدينة ويتهم هنا أجهزة الأمن المصرية: "عندما كانت تنظم مسيرات أو مظاهرات من هذا النوع، كان النظام بصفة عامة' لا يعمل على إيقافها أو تفريقها، وكل ما كان يحرص عليه ممثلو السلطة هي تأميني··"· وغضبه أشد على نقابة الصحافيين وعلى الصحف المصرية، فقد منعت النقابة أعضاءها من السفر إلى إسرائيل والكتابة عنها، ولم يكن يذهب إلا كبار الصحفيين وهؤلاء كانوا يقولون لزملائهم وللنقابة أنهم كانوا في "مهمة خاصة وأن الأمر تم باستئذان جهات الدولة وأحياناً كان الامر يقتضي استئذان الرئيس شخصياً، والأهم من ذلك أن هؤلاء بعد العودة ما كانوا يكتبون عن إسرائيل ومن يكتب منهم يقدم الرؤية السلبية فقط، وكان يحرص على الاتصال بهم مطالباً بضرورة إبراز الجانب الايجابي إلى جوار السلبي ولكن لم تتم الاستجابة وبالنسبة له هو فحينما كان يذهب لمقابلة وزير الخارجية كان يخرج من عنده ليجد جيشاً من الصحفيين ينتظرون وكان يدلي بتصريحات وبيانات ولم يحدث مرة واحدة أن نشرت صحيفة مصرية له تصريحاً بينما ينشر بيان الخارجية المصرية كاملاً عن اللقاء، وكان يضطر إلى أن يتصل من مكتبه بالقاهرة بإذاعة اسرائيل التي تبث بالعربية كي يملي عليها البيان الذي يريده. وقد شكا كثيراً مما يكتب في الصحف المصرية عن إسرائيل والذي اعتبره تحريضاً على الكراهية وضد السلام، وشكا إلى الخارجية المصرية وإلى وزير الاعلام ورئيس الوزراء بل وتحدث مرة في هذا الموضوع مع الرئيس مبارك وعبر عن خشيته أن الشعب قد يسأله يوماً: "سيادة الرئيس، إذا كانت إسرائيل بهذه الصورة فلماذا قررتم عقد معاهدة سلام معها؟". وذات مرة كان رئيس الوزراء كمال حسن علي يفتتح معرض القاهرة للكتاب، وحين دخل رئيس الوزراء الجناح الإسرائيلي بالمعرض وكان يرافقه نقيب الصحفيين المصريين إبراهيم نافع ترك نافع رئيس الوزراء يدخل الجناح وحده واعتبرها السفير إهانة لرئيس الوزراء وليست لهم.

وذات مرة ذهب هو وزوجته إلى إحدى المسرحيات بالقاهرة وبعد قطع التذاكر والدخول انتبه الممثلون إلى وجودهم وبعد العرض حرصوا على تحيتهم وهو يعرف أن الفنانين يقاطعون إسرائيل، وكان تفسيره لهذا الاستقبال الذي أدهش زوجته ومرافقيه أن "المقاطعة شيء والأدب المصري شيء آخر"·


أكبر هزة واجهت العلاقة بين مصر واسرائيل، كما يرصدها موشيه ساسون هي اغتيال السادات في 6 اكتوبر ،1981 فقد ولد لديه سؤال لحظي: هل تستمر معاهدة السلام أم يأتي الحاكم الجديد ويلغي المعاهدة؟ ولم يجد إجابة في يوم 6 أكتوبر ولكن في اليوم التالي طمأنته جيهان السادات إلى أن النائب حسني مبارك مؤمن بالسلام وأن السادات قد أعده لتحمل المسؤولية وشعر بالاطمئنان حين جاء رئيس وزراء إسرائيل مناحم بيگن للمشاركة في العزاء والتقى بالنائب حسني مبارك وقالا معاً في لحظة المصافحة بينهما بالإنگليزية سلام دائم!! لكن بعد أيام شعر هو بقلق في إسرائيل من إحتمال إلغاء المعاهدة وقلق في مصر ألا تلتزم اسرائيل بتنفيذ التزاماتها وقد سمع من الرئيس الجديد مبارك تأكيدا على الالتزام بالمعاهدة وكل المعاهدات التي وقعتها مصر وأبلغ المسؤولون المصريون الولايات المتحدة باعتبارها الشريك في عملية السلام بذلك واضطر هو أن يركب سيارته ويتجه إلى القدس وينقل إلى بيگن قلق المصريين وأرسل معه بيگن رسالة في جملتين بالإنگليزية طلب إليه أن يقولها بالإنگليزية وليس بالعربية: "إن إسرائيل سوف تلتزم بالمعاهدة في الوقت المحدد وعند الحد المطلوب"·· وحين عاد وأبلغ المسؤولين المصريين بذلك شعر بارتياح كبير لديهم·

ويذكر السفير ان هناك في اسرائيل امتناناً شديداً للرئيس مبارك فقد كان يمكن أن يلغي المعاهدة مع إسرائيل بجرة قلم وكان سيجد تأييداً كبيراً لذلك من العالم العربي ومن العالم الاسلامي أيضاً، لكنه تعامل بهدوء واختار السلام والاستمرار فيه· وبعد الانسحاب من سيناء في 25 أبريل 1982، كانت اجراءات التطبيع تتم بين البلدين على قدم وساق، لكن وقع اجتياح إسرائيل للبنان أحبط المصريين ووضعهم في موقف حرج وتم استدعاء السفير المصري بتل ابيب لمشاورات وكان المفهوم أنه احتجاج وتفهمت اسرائيل الموقف لكن سحب السفير صار سلوكاً مصرياً كلما تأزمت عملية السلام بين البلدين أو في المنطقة وكان ذلك يؤدي الى حل بعض المشاكل فعلياً·

عملية السلام العربية الإسرائيلية

وبعد أن أنهى ساسون دراسته في جامعة إيموري، التقى جيمي كارتر عام 1982، حيث كان كارتر أستاذاً في الجامعة. ثم ساعده ساسون في تأسيس معهده في إيموري. ومنذ ذلك الحين، عمل معه كمستشاراً لشؤون الشرق الأوسط. بعدها انخرط ساسون في فكرة مقارنة مؤتمرات السلام في الشرق الأوسط. واستناداً إلى معرفته بقصر سانت جيمس ومؤتمر لندن 1946-1947 ومؤتمر لوزان، كتب ساسون اقتراحاً إلى معهد الولايات المتحدة للسلام، الذي يرأسه سام لويس. وحصل على منحة. وبدأ ساسون في تحضير بحثاً عن مؤتمرات السلام، وفي هذا الإطار أجرى مقابلات مع أشخاص في إسرائيل، مثل مردخاي گازيت، إيپي إيڤرون، دان پاتير، أبا إيبان، وآرييل ياريڤ. كما طلب منه سام لويس عقد اجتماعات مع مجموعة من صناع السياسة الخارجية الأمريكية. مثل ألفريد أثرتون، وليام كواندت، هال سوندرز، رتشارد ميرفي، وسول لينوڤيتز. وبالفعل، اجتماع ساسون بهم في واشنطن للنظر في ما نجح في الدبلوماسية العربية الإسرائيلية على مدى السنوات الخمسين الماضية. لذا فهي بمثابة لمحة سريعة عبر التاريخ. لأننا لا نملك ذاكرة تاريخية في أمريكا. لأن كل إدارة تأتي وترحل.

وفاته

توفي ساسون يوم السبت 16 سبتمبر 2006 عن عمر يناهز 81 عامًا. وقد ظل حتى أخريات حياته متابعًا للقنوات التلفزيونية العربية ومهتمًا بالسياسة.[3]

مؤلفاته

  • سبع سنوات في أرض المصريين (تل أبيب، 1992)
  • بلا مائدة مستديرة (بالعبرية: ללא שולחן עגול، صدر سنة 2004): يتناول فيه تاريخ العلاقة بين العرب وإسرائيل.[3]

انظر أيضاً



. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الهامش

  1. ^ "Hero of the Crossing: How Anwar Sadat and the 1973 War Changed the World". Middle East Journal. 2024-09-17. Retrieved 2024-09-17.
  2. ^ أ ب ت ث ناصر الدين النشاشيبي: سبع سنوات في مصر: السادات لم يكن أول المعترفين بإسرائيل! جريدة الشرق الأوسط، 12 سبتمبر 2001
  3. ^ أ ب ت ث ج ح Haaretz: Moshe Sasson, former Israeli envoy to Egypt, dies at age 81; Sep.19, 2006 Archived 2020-03-06 at the Wayback Machine
  4. ^ Ken Stein (1992-08-06). "Ken Stein Interview with Ambassador Moshe Sasson, Jerusalem, Israel, August 6, 1992". مركز تعليم إسرائيل.