مؤتمر إرفورت
Congress of Erfurt Fürstenkongress Erfurt (ألمانية) | |
---|---|
البلد المضيف | الامبراطورية الفرنسية الأولى |
التاريخ | 27 سبتمبر – 14 أكتوبر 1808 |
مكان الانعقاد | de (Kurmainzische Statthalterei)، إمارة إرفورت |
المشاركون | |
يتبع | معاهدات تيلسيت |
مؤتمر إرفورت Congress of Erfurt (في 27 سبتمبر - 14 أكتوبر 1808) كان اجتماعاً بين الامبراطور ناپليون الأول من فرنسا والقيصر ألكسندر الأول من روسيا بغرض تأكيد التحالف المبرم بين البلدين في العام السابق في معاهدة تيلسيت التي تلت نهاية حرب التحالف الرابع.
لقد أعد نابليون لهذا المؤتمر بعناية فائقة كما لو كان يُعد لخوض حرب، فقد دعا كل الملوك والدوقات التابعين له للحضور مع حاشياتهم بأبهة ملكية فخمة، فأتى عدد كبير منهم حتى أن مذكرات تاليران المطبوعة ضمت ثلاث صفحات تحوي قوائم بهؤلاء الذين لبوا الدعوة(32). واصطحب نابليون معه كل أفراد أسرته، وليس هذا فحسب وإنما معظم جنرالاته وطلب من تاليران أن يترك معتزله وأن يساعد شامپاني Champagny في توجيه المفاوضات وصياغة النتائج، وأصدر تعليماته للكونت دي ريموزا Remusat أن ينقل إلى إرفورت Erfurt أفضل ممثلي المسرح الفرنسي بمن فيهم تالما Talma، وكل ما يلزم لإخراج التراجيديات الكلاسية في الدراما الفرنسية، وقال نابليون أريد أن أُبهر إمبراطور روسيا بمشاهد قوتي وسلطاني، فليس هناك مفاوضات أكثر عُرضة للفشل من تلك المفاوضات التي نحن مقبلون عليها(42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المؤتمر
ووصل نابليون إلى إرفورت Erfurt في 72 سبتمير، وفي اليوم التالي خرج لتحية اسكندر وحاشيته باستقبالهم على بعد خمسة أميال من المدينة، وجرى إعداد كل الترتيبات لبعث المسرّة في نفس القيصر باستثناء شيء واحد وهو أن نابليون تصرف على أنه المُضيف (صاحب الدار) في مدينة ألمانية كانت قد أصبحت جزءا من الإمبراطورية الفرنسية. ولم ينخدع إسكندر بالهدايا التي تلقاها والإطراء الذي كِيلَ له كَيْلا، فتظاهر هو أيضاً بكل ما يوحي بالصداقة أو بتعبير آخر كال لهم من الكيل نفسه، وقاوم محاولاً ألا يقع في شباك هذه المظاهر النابليونية ومما ساعده على ذلك أن تاليران نصحه سراً أن يدعم النمسا وأن يكون إليها أقرب منه إلى فرنسا، مقدماً له الدليل على أن النمسا - وليس فرنسا هي مرتكز الحضارة الأوروبية (فيما يرى تاليران) التي دمرها نابليون، وقال له تاليران ايضا إن فرنسا متحضرة ولكن السلطة فيها ليست كذلك(52) وأكثر من هذا فكيف يكون من صالح روسيا دعم فرنسا والشد من أزرها؟ وعندما سعى نابليون لتوثيق التحالف بأن يتزوج من أخت إسكندر - الدوقة الكبيرة أنّا Anna، أشار تاليران على القيصر بعدم القبول وأجّل الروسي الماكر الإجابة عن هذا الاقتراح متحجّجاً بأن القيصرة هي صاحبة الرأي في هذه الأمور(62). وقد كافأ اسكندر، تاليران بترتيب زواج ابن أخيه (أو ابن أخته) من دوقة دينو Dino وارثة دوقية كورلاند Courland، ودافع تاليران - في وقت لاحق - عن خيانته ذاكراً أن شهية نابليون لابتلاع الأمم لن تتوقف باستنزاف أوروبا بالحروب فحسب وإنما ستؤدي إلى انهيار فرنسا وتقطيع أوصالها، وعلى هذا فخيانته لنابليون - فيما يقول - كانت وفاء لفرنسا وإخلاصاً لها(72). لكن من الآن فصاعداً ستترك تصرفاته الكيّسة انطباعا سيئاً (سُمعة رديئة) في كل مكان.
الحفل مع گوته وڤيلاند
وخلال هذا المؤتمر دعا دوق ساكسه-ڤايمار أشهر رعاياه للحضور إلى إرفورت Erfurt، ففي 29 سبتمبر، طلب نابليون من الدوق - بعد أن رأى اسم گوته في قائمة الذين سيصلون - ترتيب لقاء مع هذا الفيلسوف الشاعر، فجاء جوته سعيداً (في 2 أكتوبر) فقد كان من رأيه أن العالم لم يشهد عقلية أعظم من عقلية نابليون(82) وكان موافقا تماماً (أي جوته) على توحيد أوروبا في ظل حكمه. والتقى جوته (جيته) بالإمبراطور نابليون على مائدة إفطار مع تاليران وبرثييه Berthier وساڤاري Savary والجنرال دارو Daru، وقد كتب تاليران في مذكراته، ما زعم أنه تسجيل دقيق لهذه المحادثة الشهيرة (فيلكس مولر Felix Muler قاضي فيمار الذي كان مصاحباً لجوته قدم تقريراً عن هذه المحادثة مختلفاً قليلاً عن رواية تاليران):
قال نابليون: السيد جوته، إنني مبتهج لرؤيتك. إنني أعلم أنك على رأس الشعراء المسرحيين في ألمانيا. - سيدي أنت تظلم بلدنا. فلابد أن عظمتكم تعرفون شيلر Schiller ولسنج Lessing وفيلاند Wieland. - اعترف أنني لا أعرفهم إلا بالكاد. لقد رأيت عمل شيلر (حرب الثلاثين عاماً). أنت بشكل عام تعيش في ڤايمار. إنه المكان الذي يلتقي فيه معظم مشاهير أدباء ومفكري ألمانيا. - إنهم يتمتعون بحماية في فايمار أكثر من سواها، لكن بالنسبة للوقت الحالي فليس هناك إلا رجل واحد في فايمار حقق شهرة على مستوى أوروبا، إنه فيلاند Wieland.
سأكون مبتهجاً لرؤية السيد فيلاند Wieland.
- إن سمحتُم لي عظمكتم أن أطلب منه الحضور، فعلتُ، فأنا متأكد من أنه سيحضر فورا...
- هل أنت مُعجب بتاكيتوس Tacitus؟
- نعم يا سيدي أنا معجب به جداً.
- حسنا إنني لستُ معجباً به، لكننا سنتحدث في هذا الموضوع في وقت آخر. اكتب إلى السيد فيلاند ليأتي هنا. وسأرد له الزيارة في فيمار لأن دوقها دعاني(92).
وبينما كان جوته يغادر الغرفة قيل أن نابليون أبدى ملاحظة لبرثييه Berthier ودارو Daru بشأن جوته قائلاً: هذا هو الرجل حقا!(03) Voila un homme!. وبعد أيام قليلة استضاف نابليون جوته وفيلاند مع رهط من ذوي المكانة. وربما قد أنعشَ ذاكرته بالمعلومات في هذه الأيام لأنه راح يتحدث كناقد أدبي واثق من معلوماته:
- السيد فيلاند، إننا نحب كتاباتك جداً في فرنسا. فأنت مؤلف أگاثون وأوبرون Agathon and Oberon إننا نسميك ڤولتير ألمانيا.
- سيدي إن الإطراء يسعد المرء إن كان يستحقه ...
- أخبرني أيها السيد فيلاند، لماذا كتبت أعمالك ديوجنيز Diogenes وآگاثون Agathon و پرگرينوس Peregrinus بأسلوب رمزي يحتمل أكثر من معنى تخلط فيه السرد الروائي بالتاريخ والتاريخ بالسرد الروائي. إن رجلاً متفوقاً مثلك يجب أن يفصل بين هذين النوعين من الكتابة.. لكنني أخشى أن أتحدث كثيراً في هذا الموضوع لأنني أتحدث مع شخص أكثر خبرة في هذه الأمور مني(13).
وفي 5 أكتوبر قطع نابليون حوالي خمسة عشر ميلاً إلى ڤايمار، وبعد أن مارس رياضة القنص في ينا Jena ومشاهدة مسرحية موت قيصر la Morte de Cesar في مسرح ڤايمار، حضر الداعون والمدعوون حفلاً راقصاً فأنستهم النسوة الجميلات المتألقات ذِكْر أشعار فولتير. وعلى أية حال فقد انسحب نابليون إلى أحد الأركان وطلب جوته وفيلاند Wieland، فحضرا ومعهما ثلّة من رجال الأدب، فتحدث نابليون موجها حديثه على نحو خاص إلى ڤيلاند، وكان موضوع حديثه يدور حول المجالين الأثيرين عنده: التاريخ وتاكيتوس Tacitus:
لابد من اعتبار المسرح التراجيدي الجيد مجالا لا يجدر إلا بالرجال المتفوقين. إنه فوق التاريخ إذا نظرنا إليه من وجهة نظر معينة. ففي أفضل وقائع التاريخ لا يمكن ان يُحدث إلا أثراً قليلا، فالإنسان إذا كان وحيداً لا يتأثر إلا قليلا، ويختلف الحال إن كان في جَمْع، فهنا يكون التأثير أقوى وأكثر ديمومة.
إنني أؤكد لك أن المؤرخ تاكيتوس Tacitus الذي تستشهد دائما بفقرات من كتاباته لم يعلّمني أي شيء أيمكنك أن تجد كاتبا ينتقص من قدر الجنس البشري مثله؟ بالإضافة إلى أن أحكامه في بعض الأحيان غير عادلة فهو يجد في كل فعل - ولو كان بسيطاً - دافعاً إجرامياً. لقد أظهر الأباطرة كأجلاف أنذال، وعمّق هذه المعاني في نفس قارئه. إن حولياته ليست تاريخاً للإمبراطورية وإنما ملخصاً لسجلات سجن روما، إن هذه الحوليات تتعامل دائماً مع تُهم وإدانات، ومع أناس يقطعون أوردتهم في الحمامات.. يا له من أسلوب ملتوِ! يا له من غموض! ألستُ على حق أيها السيد فيلاند؟ لكن ... إننا لسنا هنا لنتحدث عن تاسيتوس. انظر، إلى أي حد يُتقن القيصر إسكندر فن الرقص.(23)
ولم يقتنع فيلاند فقد دافع عن تاكيتوس بشجاعة وتعاطف، فقد أشار إلى أن سوتونيوس Suetonius وديوكاسيوس Dio Cassius قد رويا من الجرائم أكثر بكثير مما روى تاسيتوس لكن أسلوبهما تعوزه الحيوية، أما تاسيتوس فما أشد تأثير أسلوبه وفي غمزة جسورة قال لنابليون: إنه بلمسة عبقريته، يمكن للمرء أن يعتقد أنه لا مجال لأن يحب سوى الجمهورية.. لكنه عندما يتحدث عمن يحبهم من الأباطرة، والحرية والإمبراطورية، فإن المرء يشعر أن فن الحكم يبدو له أجمل اكتشاف على ظهر البسيطة... يا سيدي إن كان حقا قولنا أن تاكيتوس يُعاقب الأباطرة بتصويرهم على هذا النحو فحقاً أيضاً قولنا أنه كافأ الأمراء (الملوك) الصالحين عندما تتبّع أعمالهم وصورهم وأهداهم لمن يصنعون المجد في الزمن الآتي.
وكان المنصتون المتجمعون مبتهجين بهذا الجواب اللاذع والخاطرة السريعة، وحار نابليون جوابا وقال: إن لديّ حججا قوية جداً لمناقشتك والاختلاف معك أيها السيد فيلاند. وأنت لم تُغفِل أي عنصر مما يدعّم رأيك. لا أحب أن أقول أنني هُزِمت في هذه المناقشة. فمن الصعب أن أتفق مع هذا الرأي. غداً أعود إلى إرفورت، وسنواصل مناقشاتنا(33) وليس لدينا كتابات عن هذه المناقشات التي تمت بعد ذلك.
وفي 7 أكتوبر عاد معظم الزوّار إلى إرفورت، وحث نابليون جوته على الإقامة في باريس قائلاً له هناك في باريس ستجد دائرة أوسع لتنشر فيها أفكار ... ، ومادة هائلة لابداعاتك الشعرية(43). وفي 41 أكتوبر منح نابليون وسامَ صليب فيلق الشرفِ لكل من گوته وڤيلاند.
وفي هذه الأثناء وقَّع وزراء خارجية فرنسا وروسيا اتفاقية تُجدد التحالف بينهما ويتعهد كل طرف بتقديم المساعدة للطرف الآخر في حال تعرضه لهجوم وأصبح اسكندر - بناء على الاتفاق - مُطلق اليد في الاستيلاء على ولاخيا ومولداڤيا، لكن ليس تركيا. وأصبح نابليون يستطيع التوجه إلى أسبانيا بمباركة قيصر روسيا وفي 21 أكتوبر تم توقيع وثيقة الاتفاق. وبعد ذلك بيومين غادر الإمبراطوران إرفورت، وقبل أن يفترقا سارا للحظات جنبا إلي جنب وتعانقا وتعاهدا أن يلتقيا ثانية. (لكن هذا لم يحدث) وعاد نابليون إلى باريس أقل تعطشاً للدماء لكنه قرر أن يتوجه بجيش الأساسي (الجيش العظيم) إلى أسبانيا ليفرض أخاه جوزيف مرة أخرى على عرش اسبانيا رغم إرادة الأسبان.
في الثقافة الشعبية
المؤتمر أشار إليه ليو تولستوي في روايته الحرب والسلام (الكتاب الثاني الجزء الثالث الفصل الأول).[1]
الهامش
- ^ Tolstoy, Leo (1949). War and Peace. Garden City: International Collectors Library.