تاريخ ساحل العاج

كانت أراضي ساحل العاج جزءاً من ممالك غانا ومالي، وبدأ توافد تجار الرقيق إليها في القرن الخامس عشر الميلادي، إلى أن تحولت إلى مستعمرة فرنسية عام 1895، وصارت جزءاً من مستعمرة غربي إفريقيا الفرنسية. وبموجب استفتاء جرى عام 1958 اقتصر الاشتراك فيه على الجالية الفرنسية، منحت جمهورية ساحل العاج الحكم الذاتي، وفي عام 1960 أعلن استقلال ساحل العاج نهائياً، لكنها بقيت على روابط وثيقة بفرنسا. [1]

وكانت ساحل العاج في وقت من الأوقات عدة دويلات أسستها مجموعات إفريقية مختلفة. ففي عام 1483م بدأ البحارة الفرنسيون بالتجارة مع الأفارقة في تلك المنطقة. وبعد ذلك تحولت تجارة الرقيق إلى تجارة مهمة. وفي عام 1637م وصلت الحملات التنصيرية الفرنسية إلى هناك.

وفي عام 1842م اشترى الفرنسيون منطقة جراند ـ بسَّام ووضعوها تحت حمايتهم. وعززت المعاهدات التي أبرمها الفرنسيون مع رؤساء القبائل الإفريقية من نفوذ الفرنسيين في هذه المنطقة وتحولت منطقة ساحل العاج إلى مستعمرة فرنسية حتى عام 1895م وأصبحت جزءًا من مستعمرة غرب إفريقيا الفرنسية. وبعد الحرب العالمية الأولى بنى الفرنسيون الموانئ والسكك الحديدية، وعبّدوا الطرق، كما زرعوا البن وأشجار المطاط، وأنشأوا المراكز الطبية. وفي عام 1932م تحولت المستعمرة الفرنسية المعروفة باسم فولتا العليا (تسمى حاليا بوركينا فاسو) إلى جزء من جمهورية ساحل العاج. وفي عام 1947م جعل الفرنسيون من هاتين المنطقتين مستعمرتين منفصلتين.

بعد الحرب العالمية الثانية شرع الفرنسيون في تطوير المصادر الطبيعية في جمهورية ساحل العاج، وسرعان ما أصبحت هذه المستعمرة من أغنى مناطق غربي إفريقيا الفرنسية. وفي عام 1946م حول الفرنسيون منطقة ساحل العاج إلى مقاطعة داخل الاتحاد الفرنسي. وجرى في عام 1958م (داخل الجالية الفرنسية) تصويت جعل منطقة ساحل العاج جمهورية ذات حكم ذاتي، وكانت تلك الجاليات بمثابة تنظيم يربط فرنسا الأم بمستعمراتها فيما وراء البحار. وفي عام 1959م انضمت ساحل العاج إلى داهومي المعروفة حاليًا باسم بنين وإلى النيجر، وكذلك إلى فولتا العليا التي يطلق عليها حاليًا اسم بوركينا فاسو لتشكل مايعرف باسم مجلس التحالف؛ وهو اتحاد فيدرالي غير محدد المعالم. وفي السابع من أغسطس عام 1960م أعلنت ساحل العاج أنها جمهورية مستقلة. إلا أنها أبقت على روابط اقتصادية وثيقة مع فرنسا.

شغل فيليكس هوفيت بويجني ـ وهو الشخصية التي قادت حركة الاستقلال في المقاطعات الفرنسية الواقعة في غرب إفريقيا ـ منصب رئيس جمهورية ساحل العاج منذ عام 1960م حتى وفاته 1993م. والجدير بالذكر أن الرئيس فيليكس كان رئيس الحزب السياسي الكبير في البلاد الذي يسمى الحزب الديمقراطي في جمهورية ساحل العاج.

شهدت جمهورية ساحل العاج بعد الاستقلال الكثير من النمو الاقتصادي. حيث أصبحت المدن الرئيسية في البلاد أكثر ازدحاما بالسكان الذين يبحثون عن العمل في وظائف الحكومة أو في القطاعات الصناعية. وقد ارتفع عدد سكان أبيدجان من 180,000 نسمة في عام 1960م إلى حوالي 1,900,000 نسمة في عام 1990م. إن عدد مواطني ساحل العاج الذين يشغلون مناصب رفيعة المستوى في الحكومة والقطاع الصناعي يعد قليلاً جدًا. إذ أن العديد من الأشخاص غير الأفارقة يشغلون تلك المناصب، ولهذا فإن الكثيرين من أهالي ساحل العاج يشعرون بالاستياء نتيجة لذلك.

حدث في عام 1983م أن صادق المجلس التشريعي على اقتراح بنقل عاصمة البلاد من أبيدجان إلى مدينة ياموسوكرو. ونظرًا لعدم توافر الاعتمادات المالية الكافية ظلت معظم دوائر الحكومة في مدينة أبيدجان. ظل هوفيت بويجني رئيسًا لساحل العاج حتى وفاته عام 1993م فخلفه، بنص الدستور، رئيس المجلس الوطني هنري كونان بيديه. وفي عام 1995م، انتخب بيديه رئيساً للبلاد بعد أن استبعد الحسن وطارا الذي كان يمثل الشمال المسلم ولوران جباجيو الذي كان يمثل الجنوب والغرب النصرانيين. أطاح الجيش بقيادة روبير جي بالرئيس بيديه، وتم إجراء انتخابات رئاسية في 22 أكتوبر 2000م، وأعلن فوز جي بنسبة 52,72% وحل لوران جباجبو ثانياً بنسبة 41,20%. رفض جباجبو نتيجة الانتخابات، وطلب من مؤيديه الخروج في مظاهرات اضطر على إثرها جي للهرب إلى دولة بنين. أصبح جباجبو رئيساً للبلاد وطلب من وطارا المشاركة وحزبه في حكم البلاد.[2]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

دخول الإسلام

تعددت طرق دخول الإسلام إلى ساحل العاج وكان أسبقها وأنجعها طريق التجارة، مع تنقلات التجار المسلمين ورحلاتهم المستمرة إلى غرب أفريقيا سعيًا وراء الرزق، وشيئًا فشيئًا توغل التجار جنوبًا للحصول على العاج المستخرج من سن الفيل في ساحل العاج؛ حيث أدهش القبائل الوثنية صلاة المسلمين، ودفعهم للتعرف على دينهم.[3]

وكانت أخلاق المسلمين وصدقهم وأمانتهم الأساس في نشر الإسلام بين القبائل الوثنية التي حاز انتباهها كتاب "القرآن الكريم" الذي يحمله المسلمون في كل مكان، وظنوا أنه السر وراء ثرائهم، كما اعتمد الملوك الوثنيون على المسلمين في إدارة الشئون المالية والإدارية؛ ما ساهم في نشر الإسلام بالبلاد. واعتمد التجار في نشر الدعوة على أخلاقهم إلا أنهم عمدوا في القرن العاشر الميلادي إلى استقدام الفقهاء خاصة من المغرب لنشر الفقه الإسلامي في المناطق التي يكثر بها المسلمون، ولذلك ساد المذهب المالكي في ساحل العاج وغرب إفريقيا كما يسود في المغرب كله.

وشعرت القبائل الوثنية بعلاقات قريبة مع التاجر المسلم، خاصة أن الأخير مع تعدد رحلاته وطول إقامته كان يلجأ لبناء منزل على الطرز الإسلامية الحديثة، ويتزوج من أهل البلاد، فدعم ذلك وشائج المودة مع أصهاره، وساهم في دخولهم الإسلام.

وإذا كانت المدن وأسواقها قبلة التجار، فقد ارتحل إلى ساحل العاج العديد من الدعاة والمتصوفين قصدوا ريفها وغاباتها، بغرض الدعوة للإسلام والبعد عن شهوات وملذات الدنيا، فكان لهم أكبر الأثر في نشر الإسلام وتصحيح العقيدة، وحث القبائل على التخلي عن عادتها الوثنية. الماندينجو

أما الانقلاب الأكبر وسبب تحول ساحل العاج إلى الإسلام فيأتي عام 1025م حين اعتنق زعماء قبيلة الماندينجو الإسلام، والماندن أو الماندينجو إحدى أكبر وأهم قبائل إفريقيا الغربية، وينتشرون منذ القديم على ضفتي نهر النيجر وما حوله من حزام الصحراء الكبرى شمالاً وشرقًا، إلى ضفاف المحيط الأطلنطي غربًا وجنوبًا.

وهي المنطقة التي تتوزع اليوم بين كل من: غينيا، ومالي، وساحل العاج، وغامبيا، وسيراليون، وليبيريا، والسنغال، وغانا، وبوركينافاسو، والنيجر، ويطلق على لغتهم "أنكو"، وقد أدى اتساع رقعة المناطق التي يسكنونها إلى انقسام لغتهم إلى أربع لهجات رئيسية: ماندنكا، بمبارا، مندنكو، جولا، وتتفرع عن كل لهجة رئيسية بضع لهجات فرعية، ولكنها تدل على مسمى واحد وعلى شعب واحد.

واستطاعت قبائل الماندينجو المسلمة في شمال ساحل العاج من الاستقلال عن مملكة غانة 1050م، قبل أن تتمكن دولة المرابطين من احتلال عاصمة المملكة بعد حرب دامت نحو عشرين عامًا، والقضاء نهائيًّا على مملكة غانة عام 1076م على يد أمير المرابطين في الجنوب أبو بكر بن عمر.

وبعد دخول قبائل الماندنيجو في الإسلام، انطلق رجالها لنشر الدعوة الإسلامية، في غرب إفريقيا كلها، وإن لم يستطع الإسلام الانتشار في جنوب ساحل العاج؛ بسبب وجود الغابات الكثيفة التي تفصل بين الشمال المسلم والجنوب الوثني، كذلك بعد عواصم الممالك الإسلامية عن ساحل العاج.

واستطاع الإسلام بناء حضارات جديدة بالبلاد وغيَّر- على نطاق واسع- من عادات أهلها وثقافتهم، فاندثرت عادة العري وشيوعية الجنس، وتم تنظيم الزواج وتحديد عدد الزوجات مع منح المرأة حق اختيار زوجها، ووقف عادة توريث المرأة للابن أو الأخ، كما حدد الإسلام العلاقات الأسرية وأعطى المرأة حق الحضانة، وتم تقسيم الميراث على أساس الشرع، وعقاب المجرمين وفقًا لأحكام الإسلام في القصاص.

وتوالت الممالك الإسلامية في غرب إفريقيا وساحل العاج وأهمها مملكة مالي التي اشتهر ملوكها برحلات الحج، ثم صنغاي وكانم وبرنو وغيرها، حتى ظهرت الأساطيل الأوربية على شواطئ غرب إفريقيا أواسط القرن الخامس عشر الميلادي، وكان السبق للبرتغال ثم تلتها فرنسا وبريطانيا.

وبعد اكتشاف الأمريكتين عام 1492م، تعرضت ساحل العاج لهجمات أوربية واسعة لسلب ونهب ثرواتها واختطاف الأطفال والشباب والفتيات، وحمل ذلك كله على سفنهم المتجه إلى أمريكا، واستمرت هذه الجرائم البشعة حتى تم تحريم تجارة الرقيق عام 1848م، بعد ما تسببت في تفكيك قبائل الماندينجو ونشر الذعر والهلع في غرب أفريقيا كله.


ساموري توري

الإمام ساموري توري.

وفي عام 1835م ولد ساموري توري لوالدين مسلمين، وقيل كافرين ولكنه اعتنق الإسلام في زيارته لساحل العاج ليجلب منها السلاح، وتعلم القتال في جيش الملك الوثني سوري بيراما ملك بيساندوجو.

وفي عام 1861م، تحصن بالجبال وجمع حوله العديد من رجال قبائل الماندينجو المسلمين، وأسس أكبر إمبراطورية إسلامية وقتها في غرب إفريقيا، وكانت تضم أجزاء شاسعة من بلاد ساحل العاج.

وأعلن ساموري تطبيق الشريعة الإسلامية في مملكته عام 1884م، ولقب نفسه بأمير المؤمنين؛ وذلك بعد انتصاره على القوات الفرنسية التي بدأت الحرب ضده عام 1881م، ورغم هزيمتها إلا أنها واصلت الزحف نحو مملكته فواجهها ببسالة من جديد واستطاع تكبيد حملاتها خسائر فادحة على مدار 17 عامًا حتى لقبه الفرنسيون بـ"نابليون الإفريقي".

واستخدمت فرنسا كل قوتها المدفعية واستعانت بالقبائل الوثنية في الشرق، كما استمالت ملك غينيا المسلم تيبا لضرب ساموري؛ ما اضطر الأخير لعقد هدنة مع الفرنسيين عام 1887م، تخلى بموجبها عن بعض المناطق لفرنسا التي لم تكتف بذلك، وعادت لإعلان الحرب، حتى استولت على عاصمته كانان، فأسس عاصمة جديدة في مدينة داباقالا بساحل العاج 1891م لتكون بعيدة على الفرنسيين.

وبعد حروب طويلة قدم فيها ساموري ومسلمو ساحل العاج أروع صور الجهاد، استطاعت القوات الفرنسية محاصرتهم في غابات ساحل العاج، ووقع ساموري في الأسر بمنطقة جويلمو، ليتم سجنه في 29 سبتمبر 1898م، وترحيله إلى الجابون حيث لقي ربه عام 1900م.

الاحتلال الفرنسي

وكانت فرنسا قد خلفت البرتغال على جنوب ساحل العاج، وعقدت عام 1843م معاهدة مع ملك الأغني، قرب مدينة أبيدجان، وبموجبها بسطت الحماية على الجنوب، وبعد الانتصار على ساموري، دانت البلاد كلها لفرنسا، التي كانت تعرف أن الإسلام والمسلمين هم فقط من يهددون مشروعها الإستراتيجي في ساحل العاج.

وكان الشمال ذاخرًا بالمدارس الإسلامية التي تعلم الدين واللغة العربية، فاتجهت فرنسا لعلمنتها، وإبعاد الدين عنها، فيما نشرت البعثات التنصيرية خاصة الكاثوليكية التي تدين بها فرنسا، وأنشأت العديد من المدارس المسيحية لنشر تعاليمها، بينما دخلت البروتستانتية على يد واعظ ليبيري عام 1913م، يدعى وليام هاريس.

وفترت الأعمال الفرنسية مع نشوب الحرب العالمية الأولى، قبل أن تعود مجددًا بعد انتهائها لمواصلة المشروع الفرنسي بمسخ هوية البلاد، واستخدام ذهب المعز وسيفه لتحويل المسلمين عن دينهم، ولتعزيز الكاثوليكية، فأنشأت المدارس الفرنسية التي سمحت بالدراسة فيها للمسيحيين والوثنيين فقط، فيما حرمت المسلمين من شغل الوظائف الحساسة والمهمة في بلادهم، ومكنت الكاثوليك من السيطرة على الجهاز الإداري للدولة.

وفي عام 1939م صدر قانون غرضه وضع رموز وزعماء المسلمين تحت المراقبة، ليمكن وزارة الداخلية من التضييق على أصحاب الشعبية من المسلمين، وحصر أعمال الدعاة وتحديد أماكن تحركاتهم، لإفساح المجال أمام المنصرين فقط في الغابات الاستوائية جنوب ساحل العاج.

كما قررت سلطة الاحتلال منح مكافآت فورية لكل من يرتد عن الإسلام ومنحه الجنسية الفرنسية، ومنعت تدريس الإسلام في المدارس، وشمل الحظر لغة الأنكو الخاصة بقبائل الماندينجو المسلمة التي أصبحت لغة الإسلام في غرب أفريقيا، فيما حرصت على تعليم ضعاف العقيدة من المسلمين في مدارسها أو نقلهم إلى باريس، حتى يتشربوا بالثقافة الفرنسية، ويحتقروا هويتهم وتعاليمهم ومن ثم إشاعة ذلك بين أهاليهم وفي مناطقهم.

وحاول حاماله بن محمد بن عمر مواجهة الإفساد الفرنسي بعد قدومه لشمال ساحل العاج منفيًا من السودان عام1930م؛ حيث اشتغل بالوعظ والإصلاح ودعا لتغيير العادات الوثنية واستبدالها بالتقاليد الإسلامية، كما هاجم الصوفية المبتدعة، واستطاع أعداؤه إقناع السلطات الفرنسية في كوت ديفوار بأنه كان المسئول في وقت سابق عن الانتفاضات السياسية في السودان الفرنسية، فطردته السلطات من كوت ديفوار وحظرت تعاليمه.

ورغم كل الممارسات الفرنسية لبتر الإسلام والمسلمين من ساحل العاج، إلا أن انتشار الإسلام تنامى ليبلغ نحو 2.5%؛ وذلك بسبب تلاقي الإسلام مع الفطرة النقية لأغلب القبائل الوثنية، والخصوبة العالية للشماليين التي سجلت أعلى معدلات الخصوبة في غرب إفريقيا بنحو 8 مواليد لكل امرأة، وزاد من أعداد المسلمين الهجرات المتتالية من الدول الإسلامية المجاورة للعمل في ساحل العاج الغنية خاصة في فترات الجفاف، ثم الاستقرار بها، حتى أن بعض الدراسات تؤكد أن 20% من العاجيين مولودون خارج البلاد.

وارتفعت أعداد المسلمين حتى بلغت نحو 60% من السكان وتمثل السُنة نحو 95% من المسلمين، والباقون من الشيعة البالغ تعدادهم نحو نصف مليون؛ وذلك نظرًا لهجرة آلاف اللبنانيين من جنوب لبنان إلى ساحل العاج التي يقطن بها نحو 150 ألف من أصل لبناني، مع وجود ملحوظ للجماعة الأحمدية الضالة، ومبتدعها مرزا غلام أحمد والتي حكم العلماء بخروج معتنقها من الملة الإسلامية.

1- الحصون الفرنسية في ساحل العاج

اذا كانت منطقة ساحل العبيد قد جذبت التجار الفرنسيين فضغطوا على حكومتهم للاهتمام بها ولفت النظر اليها فان منطقة ساحل العاج كان لها نفس الظروف المشابهة فقد كانت جهود التجار الفرنسيين بالنجاح فيها بعد أن وافقت الحكومة الفرنسية على انشاء ثلاث حصون في منطقة ساحل غرب أفريقيا كان نصيب ساحل العاج فيها حصنان في كل مرة من جران بسام وأسيبي، أما الحصن الثالث فقد تم بناؤه في جابون التي أصبحت قاعدة بحرية للنشاط الفرنسي في المنطقة (1).

ويرجع الفضل الى بوبيه ويلوميه والكابتن بروكان في بناء الحصنين السابقين، فقد كلفا من قبل الحكومة الفرنسية للاتطلاع على المنطقة، ونجحا في عقد معاهدة تجارية مع زعماء منطقة جارواه الواقعة على بعد عدة أميال شمال غرب رأس النخيل (ليبريا). كذلك وقع بوبيه عدة معاهدات مع زعماء منطقة جران بسام وأسيني وأنشأ مركزين فرنسيين فيهما، وعاد الى فرنسا حاملات معه معلومات قيمة عن المنطقة (2). وقد أطلقت على هذه المراكز والحصون التجارية اسم وكالات الجنوب ولكن اهتمام الحكومة الحقيقي بها تأخر قليلا عن غيرها من المناطق (2). بسبب صعوبة الملاحة في أنهارها، ولذلك ظلت أماكن كثيرة منها مجهولة تماما بالنسبة للاوروبيين بالاضافة الى الحرارة والطقس، وصعوبة تأقلم الاوروبيين فيه كذلك الحروب الأهلية بين القبائل الوطنية في المنطقة (4) ولذلك قل اهتمام الحكومة الفرنسية بهذه المنطقة ولكن رحلة بوبيه لفتت أنظار فرنسا الى الساحل. كما أن وكالة ريجي التي مارست التجارة في داهومي كان لها نشاط أيضا في ساحل العاج وشجعت هذه الوكالات الحكومة على الاهتمام بالمنطقة (1).

معاهدة 1842

وفي 19 فبراير 1842 وقع الملك بيتر ملك جران بسان معاهدة مع الفونس فلوريو الملازم البحري وقائد السفينة لا ماليون عن اداورد بوبيه قائد المحطة البحرية لسواحل غرب أفريقيا جاء في المادة الأولى .. أن لحاكم فرنسا فيليب الأول السيادة المطلقة على بلاد وأنهار جران بسام وللفرنسيين الحق في انشاء الحصون التي يقررون أنها نافعة وضرورية ولهم الحق في شراء الأراضي وامتلاكها ولا يحق لأي دولة أن يكون لها سيادة في المنطقة غير فرنسا.

المادة الثانية .. يتنازل ملك جرام بسام بيتر وزعماء البلاد عن ألف متر من الأراضي لصالح فرنسا.

المادة الثالثة .. في مقابل هذه الامتيازات يدفع الفرنسيون لملك جران بسام بعد التصديق على المعاهدة الآتي: عشر قطع من الأقمشة الصناعية وعشر بنادق، كيسا من التبغ، مظلة، خمس قبعات بيضاء.

المادة الرابعة ... يكون لفرنسا حق الملاحة في الأنهار وروافدها.

المادة الخامسة .. في حالة حدوث خلاف بين الطرفين، يكون الاحتكام فيه لأول قائد سفينة حربية تصل الى البلاد وعليه الالتزام بالعدل في حكمه.

المادة السادسة .. يجب توفير الأمن للتجار.

المادة السابعة.. يسري مفعول المعهدة من اليوم الأول 19 فبراير 1842 (2) ، وهكذا نرى أن فرنسا أرادت تدعيم سيطرتها على جران بسام، والحصول على الامتيازات السابقة وحق استغلال الأراضي والأنهار في مقابل بعض الأقمشة ومظلة وبعض القبعات.

تشييد الحصون

وبعد التصديق على المعاهدة، انتشرت الوكالات الفرنسية في المنطقة وكتب الأميرال دوبريه في 19 ديسمبر 1842 بأن المنطقة تشهد بناء عدة وكالات تجارية فرنسية ، هي ثمرة النشاط الفرنسي وبفضل جهود هذه الوكالات دعمت فرنسا سيطرتها التجارية على المنطقة وطالب دوبريه من الحكومة تقديم المساعدة لهؤلاء التجار لتقوية نفوذهم، ودعم وكالاتهم التجارية، كذلك دعا الى قامة منشآت عسكرية في المنطقة لكي يشعر المواطنين بمدة السيطرة الفرنسية ، وفي نفس الوقت يتحقق الأمن للتجار الفرنسيين أثناء ممارستهم تجارتهم (1).

لم يقتصر النشاط الفرنسي على عقد المعاهدة وانشاء المراكز والوكالات التجارية، فقام بوبيه بالاتصال بالقبائل الوطنية، ونجح في بناء حصن دي جوانفيل عام 1843 في اسيني كذلك شيد حصن نيمور في جران بسام. وفي الفترة الواقعة ما بين 1844-1845 قام المكتشفون الفرنسيون خلال تلك الفترة باكتشاف الأنهار القريبة من البحر – كما اتصل الفرنسيون بزعماء مناطق ساسندرا – فرسكو، وجران لاهو (2).

ولكن الحكومة الفرنسية كانت على علم باحتياجات التجار البريطانيون فأرادت توضيح موقفها للحكومة البريطانية فأكدت لها بأن انشاء الحصون أو الوكالات الفرنسية لن يعرقل التجارة وأرسل جيزو وزير الخارجية الفرنسية الى اللورد كويلي في 11 نوفمبر 1844 يخبره بأن وجود فرنسا في عدة نقااط على الساحل لن يضر التجار البريطانيين بل سوف يعطيهم الأمان للعمل بحرية وأنه لا يوجد نوايا فرنسية لتغير الوضع القائم في غرب أفريقيا (3). وقد طمأنت الحكومة البريطانية التجار البريطنيين، وأكدت لهم بأنها حصلت على تأكيدات قطاعة من السفير البريطاني في باريس بأنه ليس هناك نوايا لفرنسا لعرقلة تجارتهم، وأن اقامة المنشآت الفرنسية ليس معناه تخلي التجار عن حقوقهم في المناطق التي يعملون فيها، ولا التخلي عن ممتلكاتهم ومنشآتهم فيها (4).

ولم تقتصر السيطرة الفرنسية على ساحل العاج وانما امتدت الى جابون فوقع التاجر الفرنسي امورو معاهدة مع ملك جابون جلاس اعترف فيها الأخير بالسيادة الفرنسية على أراضيه، وترجع أهمية جابون الى أنها اصبحت منطقة وقاعدة لمراقبة ساحل غينيا. وقد ارسل بوبيه تقريرا الى وزير المستعمرات في 23 مايو 1844 يطلعه فيه على موقف فرنسا في جابون وقبول الملك توقيع المعاهدة فقاموا باثارة الملك جلاس ضد الفرنسيين (1). واقنعوه بأن هذه المعاهدة التي وقعها للقضاء على سلطانه، ولتسليم أراضيه للفرنسيين فغضب جلاس وأرسل رسالة احتجاج الى القائد البحري بوبيه يلومه فيه على خداعه وتوقيع المعاهدة، مؤكدا له سيطرته على جابون (2). ولكن الحكومة الفرنسية أسرعت لتأكيد حقوقها ونفوذها في جابون وأرسل الكونت دي جرنك الى ايرل ابردين في 26 سبتمبر 1844، بأن المعاهدة التي تمت بين فرنسا وملك جابون قام بها ضباط فرنسيون مسئولون أمام الحكومة الفرنسية كما أرسل له نسخة من المعاهدة (3). كذلك أرسل جيزو وزير خارجية فرنسا الى السفير الفرنسي في لندن كونت أنولير في نوفمبر 1884 بأن وزارة البحرية الفرنسية ترد على شكوى التجار البريطانيين في خليج غينيا بأن التجار والضباط الفرنسيين هم الذين يشكون من تصرفات البريطانيين لأنهم حرضوا الملك جلاس على رفض المعاهدة، وقاموا بتأليب الوطنيين ضد الفرنسيين، ويطلب جيزو من السفير الفرنسي ابلاغ الحكومة البريطانية بضرورة احترام المنشآت الفرنسية في ساحل غرب أفريقيا (4). وقد دعا وزير الخارجية الفرنسي الى تأكيد حقوق فرنسا في جابون كما أبلغ السفير البريطاني في باريس المعاهدة المعقودة مع الملك جلاس لم تكن سرية وأنها أعلنت فور توقيعها، وأن رفض الملك جلاس لها بايعاز من التجار البريطانيين ويجرع السبب في تمسك الفرنسيون بجابون الى أنها قاعدة بحرية هامة في سواحل غينيا (1).

وبرعم كل الاحتجاجات التي أثيرت حول انشاء الحصون الفرنسية ومخاوف التجار البريطانيين على مصالحهم التجارية الا أن الحكومة الفرنسية والتجار الفرنسيين ظلوا يمارسون تجارتهم في ساحل العاج، ولكن في الواقع لم تهتم فرنسا بهذه المنطقة قدر اهتمامها بالسنغال مثلا، فنجد أن فيدريب حاكم السنغال ابدى استعداده لترك المنطقة لكي تعلن بريطانيا حمايتها عليها وقد لقيت رسائله ترحيبا من الحكومة البريطانية، وخاصة من اللورد أبردين الذي رأى ضرورة توفير الحماية للتجار البريطانيين (2).

وقد توالت احتجاجات التجار البريطانيين بعد انشاء الحصون الفرنسية في كل من جران بسام وجران لاهو، فأرسل التجار البريطاني لوكاس الى ايرل ابردين في 8 ـأغسطس 1844، يخبره بأن اقامة حصون فرنسية في هذه المناطق يشكل خطرا على التجارة البريطانية. وبلغ الأمر بلوكاس أن طالب من حكومته التدخل لحماية التجارة مذكرا اياها بأن التجار البريطانيين انما يتجارون في التجارة الشرعية ولا يتاجرون في الرقيق، وذلك لاثارة حماس حكومته للتدخل واتخاذ موقف حازم ازاء انشاء الحصون الفرنسية (3).

واذا كان التجار البريطانيون قد احتجوا لدى حكومتهم لانشاء حصن جران بسام، فأنهم احتجوا أيضا من قبل لانشاء حصن اسيني فأرسل بعض تجار بريستول الى وكيل المستعمرات اللور ستانلي في 7 يونيو 1842 محتجين على انشاء حصن فرنسي في المنطقة (4).

وقد استمرت احتجاجات التجار البريطانيين لمنع الفرنسيين من اقامة أية منشآت في اسيتي أو جران بسام أو عند نهر جابون بتدخل حكومتهم (1).

وجدير بالذكر أن انشاء الحصون الفرنسية قد قوبل بعدم الترحاب من جانب السلطات البريطانية وخاصة بعد رفع العلم الفرنسي عند مصب نهر أسيني فكتب المسئول عن الحصون البريطانية في ساحل الذهب تقريرا الى وكيل وزارة المستعمرات البريطانية يخبره بنشاط فرنسا وبمدى الاستياء الذي ابداه التجار البريطانيون من انشاء الحصون الفرنسية في كل من جران بسام وأسيني، بالاضافة الى جابون ولكن اللورد أبردين رد على هؤلاء التجار بأنه ليس من حق بريطانيا التدخل في شئون التجار الفرنسيين ومصالحهم التجارية (2) ولكن رغم ذلك كان لالحاح التجار البريطانيين ورجال البحرية دور في دفع الحكومة البريطانية لاتخاذ موقف ضد هذه الحصون فارسلت الى ادنجتون في 25 نوفمبر 1843 تندد بالاستقرار الفرنسي في أسيني، لأنه يمثل تهديد لمصالح البريطانيين في ساحل الذهب (3). كذلك أرسل المسئولون البريطانيون في المنطقة يحذرون حكومتهم من امتداد النشاط الفرنسي في المنطقة الممتدة بين نهر جابون وساحل الذهب وطالبوا الحكومة البريطانية في 30 يونيو 1843 بالتدخل لمنع الفرنسيين من اختيار أفضل النقاط على الساحل والاستقرار فيها، وخاصة وأنهم تقدموا بالفعل في منطقة راس النخيل (4).

وجدير بالذكر أنه كان وراء هذه الرسائل الى الحكومة البريطانية تيودور، كانوت وهو تجار بريطاني أقام فترة طويلة في كاب مونت وعمل بالتجارة، وأبدى استعداده لترك المنطقة لكي تعلن عليها بريطانيا حمايتها ولقيت رسالته ترحيبا من الحكومة البريطانية (5).

وعلى الرغم من كل الاحتجاجات التي أثيرت حول انشاء الحصون الفرنسية ومخاوف التجار البريطانيين ظل التجار الفرنسيون يمارسون تجارتهم في ساحل العاج ولكن الحكومة الفرنسية لم تهتم قدر اهتمامها بمستعمرة السنغال التي كانت في نظر فيديرب أفضل من وكالات الجنوب. وسرعان ما هجرت هذه المراكز تماما بعد الحرب السبعينية وسرعان ما أعادت فرنسا الاهتمام بها كغيرها من مناطق غرب أفريقيا (1).


اكتشاف امبراطورية موسي Mossi

رغم انسحاب فرنسا من مراكزها في ساحل العاج، الا أن النشاط التجاري لم يتوقف في المنطقة بفضل جهود التجار الفرنسي فردييه اذ ظل يعمل لمدة عشرين عاما، بنى خلالها العديد من المنشآت والوكالات وامتد نشاطه التجاري الى المناطق الداخلية. وتذكرنا جهود فردييه بنشاط وكالة ريجي في ساحل العبيد، وبفضل جهود التجار الفرنسيين احتفظت فرنسا بحقها في الادعاء بتبعية هذه المناطق لها، كذلك ظهرت في منطقة ساحل العاج محاولات فردية لاكتشاف المنطقة. فنجح بونات في اكتشاف 280 كم من مجرى نهر فولتا، كما أسس وكالة في سالاجا 1876 وظل بونات يعمل في المنطقة لمدة أربع عشرة عاما وكذلك وقع كرسبن عام 1868 عدة اتفاقيات مع زمعاء مناطق فرسكو وسان بدرو وافقوا بمقتضاها على السماح له باقامة مراكز تجارية في اراضيهم (2).

ومن الأسماء التي لمعت في المنطقة اسم تجار مارسيل 1861-1890، وقد عمل هذا التجار في خدمة فردييه حتى 1883 واكتسب منه الخبرة واستطاع التعرف على عادات وتقاليد السكان وكان لابلين طموحا في وضع اساس مستعمرة ساحل العاج. اذ حول مجموعة الوكالات التجارية الفرنسية الى مستعمرة حقيقية. وقام لابلين ببناء مدرسة في اسيني تولى ادارتها والتدريس فيها، وجعلها نواة لتخريج عملاء سياسييين انجزوا الخدمات العديدة لفرنسا. كما نجم لابلين في مد النفوذ الفرنسي خارج نطاق الوكالات التجارية ، ففي 1884 عقد معاهدة مع زعماء منطقة جران لاهو (3).

وفي 16 يونيو 1886، صدر مرسوم بوضع المنشآت الفرنسية في ساحل العاج تحت ادارة حاكم أنهار الجنوب (1) فأدت هذه الخطوة الى عرقلة جهود لابلين لأنه فقد السيطرة المطلقة، ولكن بايول حاكم أنهار الجنوب أدرك أهمية مركز لابلين وخبرته، وأراد الاستفادة منه للعمل في المنطقة، فكلفه بتفقد أحوالها ومراقبة المناطق الشمالية فيها، وخاصة وأنه تراءى له أن الادارة البريطانية في ساحل الذهب تزمع مد نشاطها الى المناطق الداخلية من ساحل العاج. ولذلك اتجه لابلين في 2 مايو 1887 نحو نهر كوميه، ووصل الى بيتيه وعقد مع زعماء المنطقة معاهدة حماية، كما وقع في 25 يونيو معاهدة وافق بمقتضاها على وضع أراضيه تحت الحماية الفرنسية (2).

وهكذا نجح لابلين حتى يوليو 1887 في توقيع عدة معاهدات في المناطق الواقعة بين وادي نهر كومويه وبيتيه وجران بسام وبذلك منع بريطانيا من الامتداد نحو المناطق الشمالية من ساحل العاج وأغلق الطريق أمامها في هذه الجهة (3).

أما عن رحلة لابلين الشهيرة التي قام بها مع القائد الفرنسي بنجر لاكتشاف المناطق الداخلية لساحل العاج، فقدجلبت هذا الرحلة الشهرة لكليهما، فقد قام بنجر برحلة لمدة عامين لاكتشاف البلاد والمدة الواقعة عند ثنية النيجر وحوض نهر فولتا ووصل الى ساحل العاج عن طريق نهر كوميه (4). وفي خلال هذه الفترة اصدر اوجين ايتيان وكيل وزارة المستعمرات 1887 الى لابلين أمرا بالقيام برحلة من ساحل العاج والالتقاء مع بنجر الذي رحل من باماكو ووصل كونج عام 1888 وكان أول اوروبي يصل هذه المدينة (5). وقد اشتهرت كونج بتجارتها وهي مدينة صغيرة في منطقة السافانا تقع شمال ساحل العاج وقد نمت واتسعت بفضل جهود زعماء الماندنجو الذين سيطروا على بوبو ديولاسو من الشمال حتى الحدود الجنوبية (1). وقد رافق بنجر الى كونج مونييه الذي كتب تقريرا عن كل ما شاهده فيها من صناعة وتجارة. على اعتبار أنها من أ÷م مدن السودان الغربية. وقد أحسن أهالي المنطقة استقبال بنجر وأعرب زعماؤهم عن رغبتهم في توطيد العلاقات التجارية بين كونج والمراكز الفرنسية على الساحل وخاصة وأن المدينة لها تجارة نشطة مع المناطق الشمالية وخاصة تمبكتو (2).

وجدير بالذكر أن مدينة كونج كانت مطمع الدول الاوروبية الأخرى، نظرا لموقعها الهام فحاول الألمان الوصول الياه كذلك البريطانيون غير أن كان أول اوروبي يدخل المدين، ولذلك حققت رحلته نجاحا منقطع النظير (3).

أما لابلين فقد اتجه الى سيكاسو ومنها الى تنجريلا ثم اتجه نحو كونج حيث تقابل مع بنجر ولعل أ÷م النتائج التي حققها لابلين، أن تعرف على أراضي جديدة، كما وقع معاهدة حماية مع ملك أبرون، كذلك أعلن وضع كونج وملحقاتها تحت الحماية الفرنسية (4). ولكن أهم كشف حققه بنجر من رحلته هو اكشتاف امبراطورية الموسى لأول مرة. فلقد كان الاوروبيين يجهلون تماما وجود امبارطورية كبيرة هي امبراطورية الموسي التي تقع في فولتا العليا وقد شملت أهم أقاليمها وجادوجو – دوري – بوبوديولاسو – ياتنجا – تجورما. وقد توحدت هذه الامبراطورية وأصبح لها جيش قوي واشتهرت بتجارة الرقيق فتاجرت مع المناطق الجنوبية ولكنها بقيت على عزلتاه وساعدها على ذلك وجود الغابات الكثيفة التي حالت دون الوصول الياه ، كما ظل أهلما على وثنيتهم حتى أوائل القرل التاسع عشر (5).

وجدير بالذكر أن الرحلات التي قام بها الاوروبيون لقيت تمجيدا كبيرا من قبل دولهم فقد اعتبر الفرنسيون بأن اكتشاف امبراطورية الموسى نصرا كبيرا يدل على عبقرية بنجر ولكنهم تناسوا بأن هذه المناطق اذا كانت مجهولة بالنسبة للاوروبيين الا أن العرب وصلوا الهيا كتجار منذ زمن بعيد فقد وجد في كونج عدد كبير من المسلمين الى جانب الوثنيين.

أعطى بنجر تفاصيل دقيقة عن امبراطورية الموسى ووصفها بأنها أقل تحضرا من البلدان الاسلامية في السودان الغربي ولكنه دعا الى تطويرها، والاستفادة من ثرواتها، وكتب بأن الطريق ممهدا أمام الفرنسيين لغزوها. ولكن على الرغم من زيارة بنجر لهذه المنطقة الا أن ملكها بوكاري رفضا استقباله في وجادوجو كما رفض السماح له بالسفر الى باتنجا لانه تشكك في نواياه، وأعلن له رأيه في الاوروبيين بأنهم يريدن أن يكونوا أسياد السود كذلك رفض الملك بوكاري قبول الحماية الفرنسية وطلب من بنجر مغادرة البلاد (1).

ترك لابلين وبنجر كونج 1889 وأثناء عودتهما وقعا معاهدات حماية مع زمعاء يونميني وأنو ثم وصلا جران بسام فزودت بتفاصيل هامة اقتصادية وسياسية عن المناطق التي قاما بزيارتها ولكن بنجر ظل يتمنى توقيع معاهدة حماية مع ملك موسى، ولذلك كتب الى حكومته بالاسراع في توقيع هذه المعاهدة خوفا من منافسة اي دولة اوروبية أخرى (2).

أما ملك موسى وباجو الذي خلف بوكاري – فقد خشى على دولته من النفوذ الفرنسي، وخاصة بعد تدمير الفرنسيين امبراطورية التوكولور وايقن بأنه سيواجه نفس المصير فرأى ضرورة اللجوء الى قوة اوروبية اخرى تتولى حمايته ولذلك وقع معاهدة في 2 يوليو 1894 مع الضابط البريطاني فرجسون الذي ارسلته الادارة البريطانية في ساحل الذهب ولكن السلطات الفرنسية رفضت الاعتراف بالمعاهدة وأرسل القائد الفرنسي دستناف عام 1895 الى واجادوجو لمقابلة الملك الموسى الذي صرح للقائد الفرنسي بأنه يعلم تماما بأن الفرنسيين يريدون قتله لادارة بلاده وأكد له بأنه ليس في حاجة الى التعاون معهم، وأنه يدرك تماما مصلحة بلاده وهدد الملك المبعوث الفرنسي بقطع راسه اذا لم يبادر بالرحيل (1).

وكانت الأوامر الصادرة للمبعوث الفرنسي عدم استخدام القوة ضد الموسى ومحاولة توقيع المعاهدة بالوسائل السلمية ولكن جهود الفرنسيين فشلت، اذ أصر الملك على عدم التفاوض معهم. ولم يعد أمام الفرنسيين سوى استخدام القوة وخاصة وان القائد العسكري المسئول في ذلك الوقت كان أرشيدار الذي عرف بميوله العسكرية ولذلك قرر اتخاذ سياسة أكثر حزما مع الملك، فطلب من المسئولين الفرنسيين ضرورة غزو امبراطورية الموسى، ولذلك ارسل الكابتن فوليه عام 1896 على رأس حملة عسكرية كبيرة نجحت في الاستيلاء على واجادوجو عاصمة الموسى ثم تحرك فولييه بقواته جنوبا واستولى على ساتي عاصمة اقليم جوارنو وأجبر الزعماء الوطنيين على توقيع معاهدة حماية مع فرنسا، وفر الملك وباجو الى ساحل الذهب حيث توفى 1897 وحل محله أخو نورو نابو سوجيري الذي قبل على الفور توقيع المعاهدة مع الفرنسيين، ورغم محاولات وباجو قبل وفاته احياء معاهدة فرجسون التي وقعها مع البريطانيين الا أنه لم ينصت اليه أحد. واصبحت أراضي الموسى تحت السيطرة الفرنسية (2).

وجدير بالذكر أن الادارة البريطانية في ساحل الذهب أدركت أنه من الصعب عليها احياء معاهدة فرجسونوخاصة وأن الفرنسيين دعموا سيطرتهم على المنطقة بتوقيع العديد من معاهدات الحماية.وقد أثيرت الاستفسارات في مجلس العموم البريطاني عن منطقة ساحل العاج وخاصة بلاد الموسى بعد توقيع معاهدة الحماية الفرنسية عليها، فخشى الأعضاء بأن تكون واجادوجو أو أراضي الموسى ضمن الأراضي التابعة لانجلترا، ولكن وكيل وزارة المستعمرات البريطانية أكد بأن هذه الأراضي كان بها مركز فرنسي، وأن الفرنسيين لهم سيطرة عليها (1).

أما عن لابلين فقد توجت جهوده باختياره مديرا ومندوبا لفرنسا فيها، اذ أصدر مرسوم 1889 فصل أنهار الجنوب عن ساحل العاج التي أصبحت مستعمرة مستقلة بذاتها وعين لابلين لادارتها (2).

وقد توالت الاكتشافات وانشاء المراكز الفرنسية في المنطقة، ففي 1890 انشأ الكابتن دي تفرنو مركزا في تيساليه وفي 1891 اكتشف الملازم مجرى نهر ساسندرا من مصبه حتى كواتي، كما اكتشف كل من الملازم كينكوريه ودي سوجنزاك الأراضي الداخلية فاغفلت الطريق أمام البعثات الالمانية والبريطانية (4).

وفي عام 1893 صدر مرسوم بتعيين بنجر حاكما على سواحل العاج فعمل على انشاء الحصون على طول الساحل كذلك عمل على تدعيم سيطرة فرنسا في المناطق الداخلية وأرسل العديد من البعثات (5) وهكذا نجحت فرنسا في وضع الملامح الفرنسية لمستعمرة ساحل العاج ففي الشرق استقر الفرنسيون في كل من أسيني وبوندوكو واندنيه وفي الشمال امتدت السيطرة الفرنسية الى المناطق الداخلية وتوغلت فرنسا في واجادوجو وبوبو ديولاسو (حاليا فولتا العليا ) (6).

وبتعيين أنجولفان حاكما في ساحل العاج عام 1908 انتهج سياسة أكثر حزما تجاه الوطنيين وتركزت خطته في ضرورة دعم السيطرة الفرنسية في المناطق المختلفة والقضاء على المنازعات بين القبائل واستخدام القوة العسكرية من أجل تحقيق هذا الغرض ولاجبار الوطنيين على الاعتراف بالفرنسيين كسادة لهم وكان يتهم الزنوج دائما بأنهم عاجزون عن التفكير ولابد من قيادتهم بشدة (1).

وقد نجح أنجولفان في تدعيم السيطرة الفرنسية في ساحل العاج فقضى على الثورات التي نشبت في المناطق الداخلية من البلاد كذلك في الجنوب وفي شرق اسيني، ولجأ الى العنف في اخماد الاضطرابات في مناطق مان، زيله، دان تونجوم وغيرها من المناطق (2). كما واجه ثورة قبائل أبه التي تقطن في شمال أبيدجان وكان السبب في ثورتها هو مد الخط الحديدي في اراضيها فكانت هذه القبائل تقوم بتدمير الخط والمحطات المقامة وفي 1910 هاجم أفراد القبائل قطارات كانت تحمل ركابا وذبحوا من فيها كما هجموا محطة أجيوفيل ولذلك اسرع الجولفان بارسال حملة عسكرية بقايدة داوم ولكنه فشل في القضاء عليهم واستمرت هذه القبائل تثير الاضطرابات أمام الفرنسيين وامتدت سيطرتهم حتى شمال ديمبروكو وقد حذي حذوهم الاقاليم الأخرى حتى احتدت الثورة في وادي نزي وعند نهر كومويه وأسرعت الفرق الفرنسية لاخمادها (3).

ولكن أنجولفان تمكن من اخماد هذه الثورات واتخذ عدة اجراءات للحيلولة دون نشوب ثورات مماثلة منها ما يلي:

(1) نزع سلاح الوطنيين حتى ولو كان من أجل لاصيد، وكان هدف انجولفان من هذا الاجراء تجريد الوطنيين من أسلحتهم كذلك اجبارهم بعد ذلك على العمل على الزراعة من أجل تنمية اقتصاد المستعمرة واجبارهم على التخلي الصيد في الغابات.

(2) قام لأنجولفان بنفي الزعماء المسئولين عن الثورة وتم نفي عشرين منهم.

(3) عاقب انجولفان الثوار بدفع غرامة حربية كبيرة مع الالتزام بدفع الضرائب.

(4) أجبر انجولفان الأهالي على فتح الطرق.

(5) عمل على انقضاء على تجمعات القرى. فقد كان سكان الغابات يعيشون في تجمعات تضم المنحدرين من عائلة واحدة.

وبفضل هذه الاجراءات التعسفية بدأ الهدوء يسود في المستعمرة نسبيا حتى عام 1916 (1). وفي عام 1919 انفصلت الأراضي الداخلية لمستعمرة ساحل العاج مكونة مستعمرة فولتا والتي أضيف اليها الأراضي المتقطعة من أعالي السنغال والنيجر (2).

وأخيرا يلاحظ مما سبق أن مقاومة الممالك الوثنية للتوسع العسكري الفرنسي في ساحل غينيا اختلف في داهومي عنه في مملكة الموسى. فقد واجه الفرنسيون في داهومي مقاومة عنيفة أما في مملكة الموسى فرغم مقاومة ملوكها للغزو الفرنسي الا أن تلك المقاومة لم تكن بنفس قوة داهومي وذلك أن مملكة الموسى لم تملك جيشا نظاميا بعكس الحال في داهومي التي اشتهر جيشها بالتنظيم القيق والمقدرة القتالية العالية.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

المجتمع المسلم

ويلتزم معظم المسلمين بالمذهب المالكي كشأن دول غرب إفريقيا، وفيما تجد تمثيلاً للعديد من الطرق الصوفية بين مسلمي ساحل العاج، وتستحوذ الطريقة القادرية التي تأسست في القرن الحادي عشر وتنتشر بالغرب، والتجانية التي تأسست في القرن الثامن عشر وتسود بالشرق، على النصيب الأكبر من الشعبية، كما تحظى السنوسية المدعومة من ليبيا بنصيب وافر.


وستجد بالشمال المرابطين ممن سكنوا ساحل العاج في عهد امتداد دولة المرابطين بالقرن الحادي عشر الميلادي، وللمرابط سلطة دينية مهمة؛ فهو ذلك الطبيب والصوفي وصاحب المعجزات وهو يملك سلطة سحرية وأخلاقية، وهو من يصنع التمائم التي تحمي من يرتديها مسلمًا أو غير مسلم ضد الشر.

وتأثير المرابطين أنتج عددًا من ردود الفعل في مجتمع ساحل العاج، من بينها سلسلة من الحركات الإصلاحية المرتبطة بالسعودية التي كانت ترسل مع الحجيج كتب حركتها الوهابية، أو تنشر فكرها عبر من يتعلمون في مكة والمدينة ويعودون إلى ساحل العاج، وهذه الحركات الإصلاحية في كثير من الأحيان تدين تصوف المرابطين وتصفه بأنه غير إسلامي، ولكن غالبية الفقراء يرون أن المرابطين يتحدثون بالنيابة عن المضطهدين، ويرون أن حركات الإصلاح الوهابية تسعى لدعم مصالح المسلمين الأكثر ثراء.

ويعد عيدي الفطر والأضحى من أهم وأشهر أيام البلاد؛ حيث يأخذ المسلمون إجازة رسمية ويقومون في نهاية شهر رمضان بإعداد ولائم ضخمة تجتمع حولها القبائل فرحة بتوفيق الله لهم للصيام، ويصلي المسلمون معًا في ساحات واسعة، ويقضون أيام العيد في زيارات الأصدقاء والأهل وتبادل الهدايا.

استقلال ساحل العاج

وفي عام 1955م؛ وافقت ساحل العاج على مشروع ديجول الذي قدمته باريس للمستعمرات الإفريقية، وكان يعطي للدول التي تقبله استقلالاً صوريًّا، فقامت حكومة وطنية تعمل تحت الحماية الفرنسية، وقبل منحها الاستقلال الكامل عام 1960م، عمدت فرنسا إلى ترك السلطة بيد "هوفي بوانيه" رئيس الحزب الديمقراطي ذي الغالبية الكاثوليكية.

ونشط بوانيه للبر بقسمه أمام بابا الفاتيكان بتحويل ساحل العاج إلى قلعة كاثوليكية، وأنفق ثروة ضخمة في بناء أكبر كنيسة في إفريقيا وهي كنيسة السيدة مريم العذراء في ياموسوكرو التي جعلها عاصمة البلاد، كما حول اسم ساحل العاج إلى الفرنسية ليصير كوت ديفوار.

وكان بوانيه- مزدوج الجنسية- عميلاً فرنسيًّا بامتياز فأصر على بقاء قوات فرنسية في مناطق متعددة بينها وسط البلاد، كما باشر بناء المدارس الكاثوليكية، ونقل الإشراف على مدارس المسلمين من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الداخلية، كما قام لأول مرة بطمس الاحتفالات الوطنية بعيدي المسلمين أو رفض اعتبارهما مناسبة احتفال وإجازة رسمية للبلاد.

مقاومة المسلمين

ومن جانبهم؛ واجه المسلمون الهجمات التنصيرية بإنشاء العديد من المدارس الإسلامية، واستعانوا بعلماء من غينيا المجاورة لتدريس العلوم الشرعية، كما أسسوا الجمعية الإسلامية لتنظيم الحج والعمرة، ومنظمة المجلس الإسلامي الأعلى لساحل العاج، الذي أنشأ المعهد العلمي العربي لتدريس اللغة العربية، كما دشنوا أكبر مركز اسلامي في ابيدجان اسمه مركز "ويليامزفيل" الإسلامي الثقافي، ولكن تأثيره قلَّ كثيرًا بعد رحيل مديره محمد لامين كابا.

وانتشرت مدارس تعليم القرآن واللغة العربية خاصة في الفترات المسائية، ورغم المشكلات التي عانت منها المدارس في البداية لضعف مستوى المدرسين وقلة رواتبهم ونقص الكتب الحاد وضعف الإقبال عليها لعدم خضوعها للتعليم الرسمي، إلا أنها نجحت في رفع مستوى التعليم بالشمال، حتى بلغت نسبة المدرسين المسلمين 55% في المدارس الابتدائية، و50% في المدارس الثانوية، و30% من أساتذة الجامعات، بينما يشكل الطلاب المسلمون 40% من طلبة جامعة أبيدجان، ويقرأ المسلمون معاني القرآن على لغة الماندنيجو؛ حيث قام بالترجمة الشيخ سليمان كانتي من غينيا.

كذلك استطاع المسلمون أبناء التجار السيطرة على التجارة؛ ما جعلهم يتمتعون بدرجة عالية من الغني والثراء، يدلل عليها امتلاكهم نحو 70% من المباني الفخمة في المدن وتحكمهم في رءوس الأموال التجارية الداخلية.

وحققت ساحل العاج- بفضل المسلمين- تقدمًا اقتصاديًّا كبيرًا، وبلغ معدل النمو حوالي 6% كما بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 2000 دولار، وتفوقت البلاد في إنتاج الكاكاو حتى بلغ 40% من الإنتاج العالمي، هذا فضلاً عن المشاريع الزراعية بالشمال خاصة للموز والأناناس.

وفي عام 1990م استدعى بوانييه الزعيم المسلم حسن أوطارا نائب رئيس صندوق النقد الدولي وقتها ليترأس الحكومة، والإشراف على تقدم اقتصادي للبلاد، وأعطاه تقريبًا كل صلاحيات رئيس الجمهورية؛ بسبب شيخوخته ومرضه.


الحروب الأهلية

وخافت فرنسا على مصالحها في ساحل العاج، فأعدت شخصية مسيحية أخرى وهو هانري كونان بيديه، رئيس البرلمان المخول من قِبَل الدستور لخلافة رئيس الدولة في حال وفاته، فلم يكن صعبًا لبيديه استلام الرئاسة بعد وفاة الرئيس عام 1993م، وسط تأييد داخلي وخارجي مسيحي.

ولكي يتفادى بيديه الخسارة أمام أوطارا في الانتخابات الرئاسية، أصدر قانونًا بمنع دخول الانتخابات إلا لأصحاب الجنسية العاجية النقية؛ ما كان يمنع دخول أوطارا الانتخابات لأن أمه كانت من بوركينافاسو، وبذلك يتخلص من الزعيم المسلم الذي يتمتع بأصوات الأغلبية المسلمة، إضافةً إلى أصوات البسطاء والمنصفين من النصارى والوثنيين الذين أعجبوا به من خلال إصلاحاته الاقتصادية في البلاد.

وفي 23 ديسمبر 1999م، دبر ضابط كاثوليكي هو (روبرت جيه) انقلابًا ضد بيديه مستغلاً الأزمات السياسية التي لاحقت البلاد جراء سياسات الرئيس وبرنامجه الاقتصادي للتكيف الهيكي، ووعد جيه بإجراء انتخابات رئاسية في سبتمبر 2000م، وأعلن السماح لأوطارا بخوضها.

إلا أنه رجع وقرر منع الزعيم المسلم من الانتخابات وقام بتحديد إقامته، وأجرى انتخابات شابها تزوير واسع، إلا أنه فوجئ بمنافس قوي هو (جباجبو)، الذي أعلن فوزه في الانتخابات ودعا إلى انتفاضة شعبية أدت في النهاية إلى فرار (جيه) خارج البلاد، وإعلان (جباجبو) نفسه رئيسًا لساحل العاج.


لوران گباگبو

ورفض لوران گباگبو التصالح مع زعماء المسلمين وإجراء انتخابات نزيهة، وعمد لتشكيل ميليشيات عسكرية باسم (كتائب الموت)، أغلبها من أفراد قبيلته (البيتي)، فقامت بارتكاب أبشع المذابح في صفوف المسلمين، وحرق مساجدهم، ولم تكتف فرق الموت باستهداف عامة المسلمين في ساحل العاج، بل شنت حملة التصفية على العلماء والأئمة ومحفظي القرآن؛ سعيًا لإيجاد حالة من الانفصام بين المسلمين ودينهم، وإفشال مساعي المؤسسات الإسلامية لتنمية الوعي الديني للمسلمين، وإفشال مخططات المنظمات التنصيرية لتجريف هويتهم.

وتوالت الحركات الانقلابية ضد جباجو، وكثرت الجرائم في المسلمين، حتى قامت باريس بدعوة كل الفصائل للمصالحة في ماركوسي بفرنسا؛ حيث تم التوقيع على اتفاقية ماركوسي التي تنص على أن يحتفظ الرئيس لوران جباجبو بالكرسي الرئاسية إلى نهاية ولايته عام 2005م، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يتولى المسلمون فيها رئاسة الوزراء، وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، وتتولى التحضير للانتخابات الرئاسية عام 2005م.

إلا أن جباجو لم ينفذ من الاتفاقية سوى استكمال فترة رئاسته، وقام بتعطيل الانتخابات الرئاسية حتى الآن بحجج مختلفة؛ ما أرجع الأمور للتوتر من جديد وقسم البلاد بين شمال وجنوب، في ظل غياب دور فاعل من الوطن الإسلامي لوقف نزيف مسلمي الشمال، الذين أعلنوا رفضهم التسليم حتى ينالوا جميع حقوقهم الوطنية والدينية، مهما كلفهم الثمن من غالٍ أو رخيص.


انظر أيضا

المصادر

قالب:LoC Country Studies

الأدب

وصلات خارجية