تاريخ الپاپوية
هذا المقال جزء من سلسة مقالات عن |
مدينة الڤاتيكان
|
---|
مشروع معرفة مدينة الڤاتيكان |
تاريخ الپاپوية، منصب يتقلده الپاپا كرأس لكنيسة الروم الكاثوليك، حسب المذهب الكاثوليكي، والذي يمتد من زمن القديس بطرس حتى اليوم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشئون السياسية للبابوية 604-867
وجد البابوات الأولون الذين جاءوا بعده أن من أشق الأمور عليهم أن يستمسكوا بكل ما كان يستمسك به من أهداب الفضيلة، أو يحتفظوا بكل ما كان له من سلطان. بل ارتضت الكثرة الغالبة منهم أن تخضع لسلطان حكام الولايات أو للإمبراطور، وكثيراً ما لاقوا المهانة وهم يحاولون أن يقاوموا هذا السلطان. وكان الإمبراطور هرقل Heraclius يتوق إلى توحيد إمبراطوريته التي أنقذها من أعداء الفرس، فسعى إلى التوفيق بين الشرق ذي المذهب اليعقوبي-القائل بأن ليس للمسيح إلا طبيعة واحدة،-وبين الغرب المتمسك بمبادئ الكثلكة الأساسية والقائل بأن للمسيح طبيعتين. ومن أجل هذا أصدر في عام 638 منشوراً يعرض فيه التوفيق بين المذهبين بالاعتقاد أن للمسيح مشيئة واحدة وطبيعة واحدة. ووافق البابا هونوريوس Honorius الأول على هذا الاقتراح وأضاف إلى ذلك قوله إن مسألة الإرادة الواحدة أو الإرادتين "مسألة اتركها للنحويين لأنها من المسائل القليلة الخطر"(24). ولكن رجال الدين في الغرب نددوا بموقفه هذا؛ ولما أصدر الإمبراطور كنستانس Constans الثاني منشوراً (648) يبدي فيه ميله إلى هذا المذهب رفضه البابا مارتن Martin الأول. فأمر الإمبراطور حاكم رافنا أن يقبض على البابا ويأتي به إلى القسطنطينية، ولما لم يذعن البابا لرغبة الإمبراطور نفي إلى شبه جزيرة القرم، وبقي فيها إلى أن مات في عام 655. ورفض المجلس المسكوني السادس الذي اجتمع في القسطنطينية عام 680 المذهب الجديد وحكم على البابا هونوريوس بأنه يحابي الخارجين على الدين(25)، ووافقت الكنيسة الشرقية التي آلمها استيلاء المسلمين على بلاد الشام ومصر التي تدين بمذهب اليعقوبيين، على هذا الحكم، وخفقت راية السلام الدينية لحظة وجيزة في سماء الشرق والغرب جميعاً.[1]
ولكن إذلال البابوية المتكرر على أيدي أباطرة الشرق، وما حل بيزنطية من الضعف بسبب اتساع أملاك المسلمين في آسية وأفريقية وأسبانيا، وسيطرة المسلمين على البحر المتوسط، وعجز القسطنطينية أو رافنا عن أن تحمي الولايات البابوية بإيطاليا من هجمات للمبارد، كل هذا اضطر إلى البابوية إلى أن تدير ظهرها إلى الإمبراطورية المتداعية وتطلب معونة دولة الفرنجة الآخذة في النماء والقوة. وخشن البابا استيفن الثاني (752-757) أن يستولي اللمبارد على روما فيحط ذلك من شأن البابوية ويجعلها مجرد أسقفية محلية يسيطر عليها ملوك اللمبارد، فاستغاث بالإمبراطور قسطنطين الخامس، ولكن الإمبراطور لم يغثه، فولى البابا وجهه شطر الفرنجة، وأسفرت هذه الحركة عن نتائج سياسية غاية في الخطر. فقد لي بيبين القصير نداءه، وأخضع اللمبارد، ونفح البابوية "بهبة بيبين" التي أغنتها إذ منحتها جميع إيطاليا الوسطى (756)؛ وبفضلها قامت سلطة البابوية الزمنية. وبلغت هذه السياسة البابوية ذروتها حين وضع ليو الثالث التاج على رأس شارلمان، ولم يعد يعترف لشخص ما أنه إمبراطور على الغرب إلا إذا مسحه أحد البابوات. وهكذا أضحت أسقفية جريجوري الأول التي لا حول لها ولا طول من أعظم الدول في أوربا. ولما مات شارلمان (814)، انقلبت عطية الفرنجة للكنيسة ظهراً لبطن، فأخضع رجال الدين في فرنسا ملوكها شيئاً فشيئاً لسلطانهم، وبينما كانت إمبراطورية شارلمان تتدهور كان نفوذ البابوية وسلطانها يتزايدان. وكان الأساقفة في بادئ الأمر أكثر الناس إفادة من ضعف الملوك الفرنسيين والألمان ومنازعاتهم ذلك أن رؤساء الأساقفة تحالفوا مع الملوك في ألمانيا، فنالوا بفضل هذا التحالف أملاكاً واسعة، وحصل الأساقفة والقساوسة على سلطات إقطاعية كادوا يستقلون بها عن البابوات. ويلوح أن غضب الأساقفة الألمان واستياءهم من استبداد ورؤسائهم كان هو منشأ "الأحكام البابوية الكاذبة"، وهي مجموعة الأحكام التي قوت فيما بعد سلطان البابوية، والتي كانت تهدف في بادئ الأمر إلى تقرير حق الأساقفة في أن يستأنفوا أحكام مطارنتهم إلى البابوات أنفسهم.ولسنا نعرف متى صدرت هذه الأحكام ولا أين صدرت، ولكن أغلب الظن أنها جمعت في مدينة متز عام 842. وكان واضعها قس فرنسي تسمى باسم إزدورس مركاتور lsdorus Mercator. وكانت هذه المجموعة غاية في البراعة تشمل بالإضافة إلى طائفة كبيرة من القرارات الموثوق بها الصادرة من المجامع الدينية أو البابوات، عدداً من المراسيم والخطابات تعزوها إلى البابوات مبتدئة من كلمنت الأول (91-100) إلى ملخيادس Melchiades (311-314). وكان الغرض الذي تهدف إليه هذه الوثائق أن ما جرت عليه الكنيسة من تقاليد وعادات قديمة تقضي بألا يخلع أي أسقف من منصبه، وألا يدعى أن مجلس من مجالس الكنيسة إلى الاجتماع، وألا يفصل أية مسألة من المسائل الكبرى، إلا بعد موافقة البابا. وتدل هذه الشواهد على أن البابوات جميعاً، حتى الأولين منهم، كانوا يدعون أنهم أصحاب السلطان العالمي المطلق بوصفهم خلفاء المسيح في الأرض. وكان البابا سلفستر الأول (314-335) يوصف في هذه الأحكام بأنه قد أصبحت له بمقتضى "هبة قسطنطين" السلطة الزمنية والدينية الكاملتين على جميع أوربا الغربية، وأن "هبة بيبين" بناء على هذا لم تكن إلا استرداداً أعرج لحق مختلس، وبدا أن خروج البابا عن سيادة بيزنطية بتتويجه شارلمان لم يكن إلا تقريراً مرتقياً من زمن بعيداً لحق يرجع في أصله إلى مؤسس الإمبراطورية الشرقية نفسه. ومما يؤسف له أن كثيراً من الوثائق المزورة تنقل نصوصاً من ترجمة القديس جيروم للكتاب المقدس ومن المعروف أن جيروم قد ولد بعد ستة وعشرين عاماً من وفاة ملخيادس.
ولقد كان في وسع كل من أوتي قدراً من العلم أن يكشف عن هذا التزوير، ولكن البحث العلمي كان قد انحط كثيراً خلال القرنين التاسع والعاشر، وكان مجرد القول بأن كثرة الادعاءات التي تعزوها هذه الأحكام البابوية إلى أساقفة روما الأولين قد صدرت من هذا البابا أو ذلك من البابوات المتأخرين، كان هذا القول وحده كافياً لإضعاف حجة النقاد، ولهذا ظل البابوات ثمانية قرون كاملة يفترضون صحة هذه الوثائق ويستخدمونها لتوطيد أركان سياستهم .
وكان من المصادفات الطيبة أن كان ظهور "الأحكام الكاذبة" قبيل انتخاب شخصية من أعظم الشخصيات شأناً في تاريخ البابوية، تلك هي شخصية نقولاس Nicholas الأول (858-867) وكان نقولاس قد تلقى تعليماً عالياً فذاً في قانون الكنيسة وتقاليدها، وتدرب على مهام منصبه السامي بأن كان مساعداً محبوباً لطائفة من البابوات. وكان يضارع جريجوري الأول والثاني العظيمين في قوة الإرادة، ويفوقها في سعة مطامعه ونجاحه في الوصول إليها. وقد أقام منطقه على قضيتين يقبلهما وقتئذ جميع المسيحيين: وهما أن ابن الله أنشأ الكنيسة بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس لها، وأن أساقفة روما ورثوا سلطات بطرس واحداً بعد واحد في تسلسل متصل، ثم استنتج من هاتين القضيتين استنتاجاً يقبله العقل وهو أن البابا، ممثل الله على ظهر الأرض، يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على جميع المسيحيين-حكاماً كانوا أو محكومين-في شئون الدنيا والأخلاق إن لم تكن في جميع الشئون. ونشر نقولاس بفصاحته هذه الحجة السهلة، ولم يجرؤ أحد في البلاد المسيحية اللاتينية على معارضتها، وكل ما كان يرجوه الملك ورؤساء الأساقفة ألا يحملها محمل الجد أكثر مما يجب.
لكنه خيب رجاءهم: ذلك أنه لما أراد لوثير الثاني ملك لورين أن يطلق زوجته ثيوثيرجا Thentherga ويتزوج عشيقه ولدرادا حقق الرؤساء الدينيون في مملكته رغبته، فلجأت ثيوثيرجا إلى البابا نقولاس، وأرسل للبابا مبعوثيه إلى متز لينظروا في الأمر. ونفح لوثير أولئك المبعوثين برشا سخية ليؤيدوا الطلاق، وحمل كبير أساقفة تريير وكولوني هذا القرار إلى الهابا؛ ولكن نقولاس كشف ما فيه من تدليس، وأصدر قراراً بحرمان كبيري الأساقفة، وأمر لوثير أن يطرد عشيقته ويعيد زوجته إلى عاصمة؛ فعصى لوثير الأمر وزحف على روما بجيشه. وأقام نقولاس ثماني وأربعين ساعة صائماً مصلياً، وخانت لوثير على أثرها شجاعته فخضع لأوامر البابا. وحدث أن هنكمار كبير أساقفة ريمس وأعظم الرؤساء الدينيين في أوربا اللاتينية بعد البابا وحده عزل أسقفاً يدعى راثراد Ratherad من منصبه، فلجأ الأسقف إلى نقولاس (863)؛ فأعاد البابا النظر في قضيته، وأمر بإعادة راثراد إلى منصبه؛ ولما تردد هنكمار في تنفيذ حكم البابا هدده بأن يصدر قرار الحرمان على جميع أبرشيته، وهو قرار يقضي بوقف الصلوات في جميع كنائسها. واستشاط هنكمار غضباً، ولكنه خضع. وكان نقولاس يكتب للملوك ولرجال الدين كأنه صاحب السلطان الأعلى. ولم يجرؤ أحد على معارضته إلا فوتيوس بطريق القسطنطينية. وقد ثبت من التطورات المقبلة أن الأحكام التي أصدرها البابا كانت كلها تقريباً في جانب العدالة، وأن دفاعه الصارم عن الأخلاق الفاضلة كان هو السراج الوهاج الذي أنار دياجير الظلام والملجأ الحصين في ذلك العصر المنحل، وكانت سلطة البابوية عند وفاته معترفاً بها في أقاليم أوسع رقعة من التي كان يعترف بها فيها قبل أن يتولى شئونها.
انظر أيضاً
الهامش
- ^ ديورانت, ول; ديورانت, أرييل. قصة الحضارة. ترجمة بقيادة زكي نجيب محمود.
المراجع
- Collins, Roger (2009). Keepers of the Keys: A History of the Papacy. Basic Books. ISBN 0-465-01195-0.
- Pennington, Arthur Robert (1882). Epochs of the Papacy: From Its Rise to the Death of Pope Pius IX. in 1878. G. Bell and Sons.
- Duffy, Eamon (2006). Saints & Sinners (3 ed.). New Haven Ct: Yale Nota Bene/Yale University Press. ISBN 0-300-11597-0.
- Mcbrien, Richard (1997). Lives of the Popes: The Pontiffs from St. Peter to John Paul II. San Francisco: Harper SanFrancisco. ISBN 0-06-065304-3.
- Maxwell-Stuart, P. (1997). Chronicle of the Popes: The Reign-by-Reign Record of the Papacy over 2000 Years. London: Thames and Hudson. ISBN 0-500-01798-0.
- Rendina, Claudio (2002). The Popes: Histories and Secrets. Washington: Seven Locks Press. ISBN 1-931643-13-X.
- Barraclough, Geoffrey (1979). The Medieval Papacy. New York: Norton. ISBN 0-393-95100-6.
- Buttler, Scott; Norman Dahlgren; David Hess (1997). Jesus, Peter & the Keys: A Scriptural Handbook on the Papacy. Santa Barbara: Queenship Publishing Company. ISBN 1-882972-54-6.
- Toropov, Brandon (2002). The Complete Idiot's Guide to the Popes and the Papacy. Indianapolis: Alpha Books. ISBN 0-02-864290-2.
- Sullivan, Francis (2001). From Apostles to Bishops: The Development of the Episcopacy in the Early Church. New York: Newman Press. ISBN 0-8091-0534-9.
- McCabe, Joseph (1939). A History of the Popes. London.: Watts & Co.