العصر الثالث
الحقب الثالث Tertiary هو ثالث حقب من أحقاب دهر الحياة الظاهرة (الفانروزوي). ويُمثِّل الحقبة الزمنية التي تقع بين 66 مليون سنة و1.6 مليون سنة تقريباً (وفي مراجع أخرى حتى 2.5 مليون سنة)، أي إنه دام نحو 65 مليون سنة، وهذا يُمثِّل نحو 9% من مدة دهر الحياة الظاهرة.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الاستخدام التاريخي للمصطلح
تغطي صخور الحقب الثالث مساحات واسعة من سطح القارات وقيعان البحار والمحيطات، لذلك كان الوصول إلى هذه الصخور أكثر سهولة من الوصول إلى صخور الأحقاب الأخرى التي سبقتها. وهذا ما سَّهل دراستها ومهّد السبيل إلى تقسيمها إلى عصور epochs ونطاقات أحيائية biozones.
كان شارلز ليل Charles Lyellأول من قسّم الحقب الثالث في الحوض الباريسي في النصف الأول من القرن التاسع عشر. فقد ميَّز، اعتماداً على نسبة ما تحوي رواسبه من أصداف الرخويات الحالية، ثلاثة عصور: وهي عصر الإيوسين Eocene وعصر الميوسين Miocene وعصر الپليوسين Pliocene، ووجد أنّ نسبتها هي على التتالي 3.5% و18% و50-67%. وقد أطلق هنريش إرنست بيريتش Heinrich Ernst Beyrich على القسم الأعلى من الإيوسين تسمية الاوليگوسين Oligocene، واقترح شيمبر Schimpers إطلاق تسمية الپاليوسين Paleocene على قسمه الأسفل. وقد أطلقت تسمية دور الباليوجين لتدل على عصور الحقب الثالث الأقدم، وهي الپاليوسين والإيوسين والاوليگوسين، وأطلقت تسمية دور النيوجين Neogene على العصرين الأحدث: الميوسين والپليوسين. ويفضل المؤلفون اليوم في مؤلفاتهم الحديثة استخدام التقسيم الذي اقترحه فيليپس Phililips عام 1818، والمعتمد على إدخال الجذر Zoic، في تسمية الأحقاب، إذ يجمعون الحقبين الثالث والرابع باسم حقب الكينوزوي أو حقب الحياة الحديثة.
الأحداث الجيولوجية
إن ما يميز هذا الحقب هو تباعد القارات، نتيجة لتحرك صفائح الغلاف الصخري وتوسُّع معظم المحيطات، ووصول جغرافية العالم القديمة إلى شكلها الحالي تقريباً. فقد أدّى توسع المحيط الأطلسي، على سبيل المثال في الحقب الثالث، إلى ابتعاد الصفيحتين الأمريكيتين التدريجي نحو الغرب. وقد رافق هذا تصادم هذه الصفائح، حدوث نشاط تكتوني وبركاني أدى إلى تكوين سلسلة الجبال الممتدة على طول الشاطئ الغربي للأمريكيتين، وإلى انبثاق اندفاعات بركانية في منطقة بنمة، أدّت إلى اتصال أمريكا الشمالية مع أمريكا الجنوبية اللتين بقيتا منفصلتين حتى بداية عصر الميوسين. ولقد أدى امتداد الوادي الغوري (الانهدامي) rift valley في وسط المحيط الأطلسي نحو الشمال إلى تباعد غرينلند عن شبه الجزيرة الاسكندينافية وإلى قطع الاتصال بين أوربة وأمريكا الشمالية في نهاية الأوليغوسين. وهذا ما أدّى إلى اتّصال المحيط الأطلسي مع المحيط القطبي الشمالي Arctic Ocean. أما في الجنوب فقد انفصلت أستراليا عن قارة القطب الجنوبي Antarctica، واتجهت نحو الشمال الشرقي إلى موقعها الحالي، وتحركت قارة القطب الجنوبي لتحتل القطب الجنوبي الحالي من الكرة الأرضية. وهذا ما أدّى، إضافة إلى استمرار ابتعاد شبه القارة الهندية نحو الشمال الشرقي، إلى توسّع المحيط الهندي.
حدث في هذا الحقب انكسارات وصدوع مع انبثاق اندفاعات بركانية في شرقي إفريقيا في حقب البليوسين، أدت إلى انفصال شبه الجزيرة العربية وابتعادها عن إفريقيا، مما أدّى إلى تكوين خليج عدن والبحر الأحمر وجملة الصدوع الممتدة من خليج العقبة حتى شمال غربي سورية مروراً بغور الأردن ومنطقتي البقاع والغاب في لبنان وسورية. والشيء الأكثر إثارة هو تصادم شبه الجزيرة الهندية وقارة إفريقيا مع قارة أوراسيا، الذي أدّى إلى تكوين السلاسل الجبلية في الموقع الذي كان يحتله بحر التيتس Tethys، وهذه السلاسل تمتد من جبال البيرينّه وجبال الأطلس في الغرب إلى جبال جنوب شرقي آسيا مروراً بجبال الألب والكاربات والقوقاز والهيملايا، وهي كلها تنتمي إلى الحركة الألبية المكونة للجبال Alpine Orogeny. ويعدّ اليوم البحر الأسود وبحر قزوين وبحر آرال والبحر المتوسط من بقايا بحر التيتيس، الذي كان يحتل مواقع هذه الجبال.
المناخ
أما المناخ الذي كان سائداً في الحقب الثالث، فيبدو أن درجة حرارة الجو كانت بصورة عامة أكثر ارتفاعاً في الباليوجين من درجة حرارة العصر الحالي. غير أن الأوضاع تبدلت في نهاية الباليوجين وبداية النيوجين وأصبحت درجة الحرارة أكثر انخفاضاً في النيوجين لدرجة أدت إلى تغطية القطب الجنوبي والمناطق المجاورة في نهاية البليوسين بجليديات قارية، وهذا ما أثّر تأثيراً واضحاً في المناخ وفي حركة التيارات البحرية والجوية.
ولقد ظُنّ أن هذه الجليديات التي تكونت في نهاية البليوسين، أي منذ 2.5 مليون سنة، كانت تُمثل بدايةً لعصر البليستوسين اللاحق، الذي ينتمي إلى الحقب الرابع، ولذلك كان الاختلاف في تحديد بداية هذا الحقب الأخير.
التنوع الحيوي
إنّ الذي يميز الحقب الثالث من الحقب الثاني هو الاختلاف الواضح في المجموع الحيواني fauna، الذي كان في نهاية الدور الكريتاسي عن الذي ظهر في بداية الحقب الثالث، فقد انقرضت فجأة على اليابسة في نهاية الدور الكريتاسي العظايا الرهيبة (الديناصورات) والعظايا المجنحة البتيصورات، كما انقرضت في البحار العمونانيات (من الرخويات) ومجموعات أخرى من الحيوانات الفقارية البحرية كالزواحف البحرية، والكثير من مجموعات المنخربات.
وقد دلت أيضاً دراسة الحدود الفاصلة بين الحقب الثاني والحقب الثالث، في الأماكن التي استمر فيها الترسيب في البحار، على انقراض كثير من المنخربات المعلّقة التي كانت تُميز الكريتاسي الأعلى، مثل مجموعة الگلوبوترانكانيده Globotruncanidae، وظهور مجموعات جديدة من هذه المنخربات في بداية الحقب الثالث، مثل مجموعة الغلوبورتالئيد Globortaliidae. لذلك استخدمت أجناس هذه المجموعة وأنواعها، مع مجموعات أخرى ظهرت أيضاً في بداية الحقب الثالث، هي (النوموليتات) Nummulites، في تقسيم الحقب الثالث إلى عصوره وطوابقه، حتى إلى نطاقاته الأحيائية biozones.
وتعدّ مجموعة النوموليتات التي ازدهرت أنواعها في دور الباليوجين من أهم المستحاثات التي استخدمت في تقسيم الباليوجين إلى عصوره الثلاثة. ولذلك دُعي أيضاً (الدور النوموليتي) Nummulitic period. وقد تبيّن من دراسة صخور الحقب الثالث البحرية أن محتواها المستحاثي الذي حلّ محل المحتوى المستحاثي لصخور الكريتاسي يشابه المجموع الحيواني الحالي. وقد ازدهرت الرخويات في الحقب الثالث، ولاسيما معديات الأرجل وصفيحيات الغلاصم. وتدلّ الصخور أيضاً على انتشار المرجانيات السداسية، على الأقل في الباليوجين، ذلك لأنها تقهقرت فيما بعد في النيوجين نتيجة لتبرّد المناخ التدريجي. ومن الحيوانات التي ازدهرت أيضاً القنفذانيات (من شوكيات الجلد)، التي وصلت إلى أوج ازدهارها في النيوجين، ولاسيما القنفذانيات اللامنتظمة المختبئة التي أدّت طبيعة حياتها إلى حفظ هياكلها جيداً على هيئة مستحاثات.
أمّا الحيوانات الفقارية فقد تابعت الأسماك في البيئات البحرية تطورها وتنوعها بمختلف مجموعاتها الغضروفية والعظمية، كما نجحت بعض الثدييات في غزو البحار كالحيتان والدلافين لتحتل الفراغ الذي خلفته الزواحف البحرية بعد انقراضها في نهاية الحقب الثاني. وتُمثّل الثدييات أهم الحيوانات الفقارية التي قامت بدور كبير في هذا الحقب، ولذلك يدعى عهد الثدييات. لقد نشأت ثدييات الحقب الثالث من الثدييات التي عاشت في الحقب الثاني والتي كانت غير ناجحة، وأعطت قبل انقراضها مجموعتين أصبح لهما السيادة على الأرض في الحقب الثالث والرابع اللاحق بعد اختفاء معظم الزواحف في نهاية الحقب الثاني. إن للثدييات الجرابية marsupial mammals، التي تمثل 5% من مجموع ثدييات الحقب الثالث، أهمية تطورية كبيرة في أمريكا الجنوبية وأستراليا، بسبب انعزال هاتين القارتين عن باقي قارات العالم في معظم عصور الحقب الثالث. وأما الثدييات المشيمية فيبدو أنّ رتبتها البدائية التي ظهرت في الكريتاسي الأعلى، قد تعرضت إلى تشعب تطوري هام أعطت جميع رتب الثدييات الحالية من آكلات اللحم وآكلات النبات وآكلات الحشرات والحافريات والرتب التي انقرضت في الحقب الرابع، ويمثّلها الماموث Mammoth والماستودون Mastodon.
ويبدو أن النباتات مغلفات البذور قد سيطرت على نباتات الحقب الثالث، فقد عثر على انطباعات أوراقها وبذورها وسوقها محفوظة على هيئة مستحاثات. وتدل غزارة حبوب طلع أزهارها التي حفظت في رواسب الحقب الثالث القارية على انتشار هذه المجموعة من النباتات البريّة بصورة تفوق انتشار معراة البذور التي أخذت أعداد أنواعها بالتقهقر، واقتصر وجودها على المناطق الباردة والجافة نسبياً.
المصادر
- ^ فؤاد العجل. "الحقب الثالث". الموسوعة العربية.
للإستزادة
- J.Auboin, R.Brousse,& J.Lehmon, Précis de géologie, Tome 2 (Paléontologie Stratigraphie Dunond Uneversité 1978).
- H.L.Levin, Essentials of Earth Sciences (Sounders College Publishing1985).
- F.Press & R.Siever, Earth, 4th ed. (W.H. Freeman & Company1986).