الحجاج بن يوسف الثقفي

(تم التحويل من الحجاج بن يوسف)
الحجاج بن يوسف الثقفي

الثقفي
Seal of al-Hajjaj ibn Yusuf.jpg
ختم الحجاج بن يوسف الثقفي
وُلِدَ
كليب بن يوسف

أوائل يونيو 661م/40 هـ.
توفي714 (عمره 53)
المهنةوزير الدفاع سياسي، حاكم ومعلم
اللقبحاكم العراق
الديانةالإسلام

الحجاج بن يوسف الثقفي (40 - 95 هـ = 660 - 714 م)، هو سياسي أموي، وقائد عسكري، من أشهر الشخصيات في التاريخ الإسلامي والعربي، طاغية متجبر عُرف بـ (المبير). وخطيب بليغ.
لعب دوراً كبيراً في تثبيت أركان الدولة الأموية، سير الفتوح، خطط المدن، وبنى واسط. وحاصر مكة وهدم الكعبة بالمنجنيق. واختلط في المخيلة الشعبية بروايات مبالغ فيها تدل على ميراث الرعب الهائل الذي خلفه.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

نسبه

هو أبو محمد الحجاج بن يوسف بن الحكم بن أبي عقيل بن مسعود بن عامر بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، السفياني الثقفي.[1]


حياته المبكرة

وُلد أبو محمد الحجاج بن يوسف بن أبي عقيل بن الحكم الثقفي في منازل ثقيف بمدينة الطائف، في عام الجماعة 41هـ. و كان اسمه كليب ثم أبدله بالحجاج. و أمه الفارعة بنت همام بن عروة بن مسعود الثقفي الصحابي الشهيد.
نشأ في الطائف، و تعلم القرآن و الحديث و الفصاحة، ثم عمل في مطلع شبابه معلم صبيان مع أبيه، يعلم الفتية القرآن و الحديث، و يفقههم في الدين، لكنه لم يكن راضياً بعمله هذا، على الرغم من تأثيره الكبير عليه، فقد اشتهر بتعظيمه للقرآن.
كانت الطائف تلك الأيام بين ولاية عبد الله بن الزبير، و بين ولاية الأمويين، لكن أصحاب عبد الله بن الزبير تجبروا على أهل الطائف، فقرر الحجاج الإنطلاق إلى الشام، حاضرة الخلافة الأموية المتعثرة، التي تركها مروان بن الحكم نهباً بين المتحاربين. و قد تختلف الأسباب التي دفعت الحجاج إلى اختيار الشام مكاناً ليبدأ طموحه السياسي منه رغم بعد المسافة بينها و بين الطائف، و قرب مكة إليه، لكن يُعتقد أن السبب الأكبر كراهته لولاية عبد الله بن الزبير.
و في الشام، التحق بـ شرطة الإمارة التي كانت تعاني من مشاكل جمة، منها سوء التنظيم، و استخفاف أفراد الشرطة بالنظام، و قلة المجندين. فأبدى حماسة و انضباطاً، و سارع إلى تنبيه أولياء الأمر لكل خطأ أو خلل، و أخذ نفسه بالشدة، فقربه روح بن زنباع قائد الشرطة إليه، و رفع مكانته، و رقاه فوق أصحابه، فأخذهم بالشدة، و عاقبهم لأدنى خلل، فضبطهم، و سير أمورهم بالطاعة المطلقة لأولياء الأمر.
لمس فيه روح بن زنباع العزيمة و القوة الماضية، فقدمه إلى الخليفة عبد الملك بن مروان، و كان داهية مقداماً، جمع الدولة الأموية و حماها من السقوط، فأسسها من جديد.
إذ أن الشرطة كانت في حالة سيئة، و قد استهون جند الإمارة عملهم فتهاونوا، فأهم أمرهم عبد الملك بن مروان، و عندها أشار عليه روح بن زنباع بتعيين الحجاج عليهم، فلما عينه، أسرف في عقوبة المخالفين، و ضبط أمور الشرطة، فما عاد منهم تراخ، و لا لهو. إلا جماعة روح بن زنباع، فجاء الحجاج يوماً على رؤوسهم و هم يأكلون، فنهاهم عن ذلك في عملهم، لكنهم لم ينتهوا، و دعوه معهم إلى طعامهم، فأمر بهم، فحبسوا، و أحرقت سرادقهم. فشكاه روح بن زنباع إلى الخليفة، فدعا الحجاج و سأله عما حمله على فعله هذا، فقال إنما أنت من فعل يا أمير المؤمنين، فأنا يدك و سوطك، و أشار عليه بتعويض روح بن زنباع دون كسر أمره.
و كان عبد الملك بن مروان قد قرر تسيير الجيوش لمحاربة الخارجين على الدولة، فضم الحجاج إلى الجيش الذي قاده بنفسه لحرب مصعب بن الزبير.
و لم يكن أهل الشام يخرجون في الجيوش، فطلب الحجاج من الخليفة أن يسلطه عليهم، ففعل. فأعلن الحجاج أن أيما رجل قدر على حمل السلاح و لم يخرج معه، أمهله ثلاثاً، ثم قتله، و أحرق داره، و انتهب ماله، ثم طاف بالبيوت باحثاًً عن المتخلفين.
وبدأ الحجاج بقتل أحد المعترضين عليه، فأطاع الجميع، و خرجوا معه، بالجبر لا الإختيار.

حرب مكة

لفت الحجاج أنظار الخليفة عبد الملك بن مروان، ورأى فيه شدة وحزما وقدرة وكفاءة، وكان في حاجة إليه؛ حتى ينهي الصراع الدائر بينه وبين عبد الله بن الزبير الذي كان قد أعلن نفسه خليفة سنة (64هـ/683م) بعد وفاة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ودان له بالولاء معظم أنحاء العالم الإسلامي، ولم يبق سوى الأردن التي ظلت على ولائها للأمويين، وبايعت مروان بن الحكم بالخلافة، فنجح في استعادة مصر من قبضة ابن الزبير، ثم توفي تاركا لابنه عبد الملك استكمال المهمة، فانتزع العراق، ولم يبق في يد عبد الله بن الزبير سوى الحجاز؛ فجهز عبد الملك حملة بقيادة الحجاج؛ للقضاء على دولته تماما.

حاصر الحجاج مكة المشرفة، وضيّق الخناق على ابن الزبير المحتمي بالبيت، وكان أصحابه قد تفرقوا عنه وخذلوه، ولم يبق سوى قلة صابرة، لم تغنِ عنه شيئا، ولم تستطع الدفاع عن المدينة المقدسة التي يضربها الحجاج بالمنجنيق دون مراعاة لحرمتها وقداستها؛ حتى تهدمت بعض أجزاء من الكعبة، وانتهى القتال باستشهاد ابن الزبير (وعمره 72 عاماً) والقضاء على دولته، وعودة الوحدة للأمة الإسلامية التي أصبحت في ذلك العام (73 هـ = 693م) تدين بالطاعة لخليفة واحد، وهو عبد الملك بن مروان.

وكان من أثر هذا الظفر أن أسند الخليفة إلى الحجاج ولاية الحجاز مكافأة له على نجاحه، وكانت تضم مكة والمدينة والطائف، ثم أضاف إليه اليمن واليمامة فكان عند حسن ظن الخليفة وأظهر حزما وعزما في إدارته؛ حتى تحسنت أحوال الحجاز، فأعاد بناء الكعبة، وبنى مسجد ابن سلمة بالمدينة المنورة، وحفر الآبار، وشيد السدود.

ولاية الحجاج على الحجاز

بعد أن انتصر الحجاج في حربه على ابن الزبير، أقره عبد الملك بن مروان على ولاية مكة، و على ولاية الحجاز كله، فكرهه أهل مكة.
و كان الحجاج و أهل مكة و المدينة على خلاف كبير، و قيل أن عبد الله بن عمر توفي في عام 74هـ، و قبل ذلك أمر أن يدفنوه ليلاً، و لا يعلموا الحجاج لئلا يصلي عليه.
و في 75 هـ حج عبد الملك بن مروان، و خطب على منبر النبي، فعزل الحجاج عن الحجاز لكثرة الشكايات فيه، و أقره على العراق.

أوج الحجاج: ولاية العراق

دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، و فيها مات.
و كانت العراق عراقين، البصرة و الكوفة، فنزل الحجاج بالكوفة، و كان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماًً بعمامة حمراء، و اعتلى المنبر فجلس و اصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة و قال خطبته المشهورة التي بدأها بقول ثمامة بن سحيل:
أنا ابن جلا و طلاع الثنايا/ متى أضع العمامة تعرفوني
ثم قال:
أما و الله فإني لأحمل الشر بثقله و أحذوه بنعله و أجزيه بمثله، أما و الله إني لأرى رؤوساً قد أينعت و حان قطافها، و إني لصاحبها، و كأنني أرى الدم بين العمائم و اللحى.
إلى آخر خطبته التي بين فيها سياسته الشديدة، و بين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق.
و من العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن و البحرين و الحجاز، و أيضاً خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، و الثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة، و كانت له الغلبة عليهم في كل الحروب.
و أمعن في الظلم و التجبر، فصادر كل الحريات، بما فيها حرية الكلام عن طريق استخباراته، و حبس الناس، و أمعن في تشريدهم و قتلهم، و منع الأعراب من الهجرة إلى المدن، و بنى واسط، فجعلها عاصمته.

حروب الخوارج

في عام 76هـ وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي لقتال شبيب الشيباني، فكانت الغلبة لشبيب. و في السنة التي تليها بعث الحجاج لحرب شبيب: عتاب بن ورقاء الرباحي، الحارث بن معاوية الثقفي، أبو الورد البصري، طهمان مولى عثمان. فاقتتلوا مع شبيب في سواد الكوفة، فقتلوا جميعاً، و عندها قرر الحجاج الخروج بنفسه، فاقتتل مع شبيب أشد القتال، و تكاثروا على شبيب فانهزم و قتلت زوجته غزالة، فهرب شبيب إلى الأهواز، و تقوى فيها، غير أن فرسه تعثر به في الماء و عليه الدروع الثقيلة فغرق. و قضى الحجاج على من بقي من أصحابه.
و في 79 أو 80 هـ قُتل قطري بن الفجاءة رأس الخوارج، و أُتي الحجاج برأسه، بعد حرب طويلة.

ثورة الأشعث

في 80هـ ولى الحجاج عبد الرحمن بن محمد الأشعث على سجستان، فلما استقر بها خلع الحجاج، و خرج عليه، و كان ذلك ابتداء حرب طويلة بينهما. و في 81هـ قام مع الأشعث أهل البصرة، و قاتلوا الحجاج يوم عيد الأضحى، و انهزم الحجاج، فقيل كانت أربع و ثمانون وقعة في مائة يوم، ثلاث و ثمانون على الحجاج و الباقية له.
و في 82هـ استعرت الحرب بين الحجاج و ابن الأشعث، و بلغ جيش ابن الأشعث مبلغاً كبيراً من القوة و الكثرة، ثم جاءت سنة 83هـ و فيها وقعة دير الجماجم بين الحجاج و ابن الأشعث. و كانت من أكثر الوقائع هولاً في تاريخ الحجاج، و فيها كان له النصر على الثوار من أصحاب ابن الأشعث.و قُتل خلق كثير فيها، و غنم الحجاج شيئاً كثيراً.
و فيها ظفر الحجاج بكل أصحاب ابن الأشعث، بين قتيل و أسير، إلا ابن الأشعث، فقد هرب، لكن أصحاب الحجاج ظفروا به في سجستان فقتلوه، و طيف برأسه في البلدان.
و بعد وقعة دير الجماجم، كان هناك من حاولوا الدس للحجاج عند عبد الملك بن مروان، لكن الحجاج احتج على عبد الملك بحسن بلاغته.

ولاية الحجاج على العراق

درهم عربي ساساني نقش فيه اسم الحجاج باللغة الفَهلَوِيّة
اسم الحجاج بن يوسف منقوش على العملة باللغة العربية في عام 695 م

دامت ولاية الحجاج على العراق عشرين عاماً، وفيها مات. وكانت العراق عراقين، عراق العرب وعراق العجم، فنزل الحجاج بالكوفة، وكان قد أرسل من أمر الناس بالاجتماع في المسجد، ثم دخل المسجد ملثماً بعمامة حمراء، وأعتلى المنبر فجلس وأصبعه على فمه ناظراً إلى المجتمعين في المسجد فلما ضجوا من سكوته خلع عمامته فجأة وقال خطبته المشهورة التي بدأها بقول:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني

ومنها:

Cquote2.png

أما والله فإني لأحمل الشر بثقله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله، والله يا أهل العراق إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، والله لكأني أنظر إلى الدماء بين العمائم واللحى. ثم قال: والله يا أهل العراق، إن أمير المؤمنين عبد الملك نثل كنانة بين يديه، فعجم عيدانها عوداً عوداً، فوجدني أمرّها عوداً، وأشدها مكسراً، فوجهني إليكم، ورماكم بي. يا أهل العراق، يا أهل النفاق والشقاق ومساوئ الأخلاق، إنكم طالما أوضعتم في الفتنة، واضطجعتم في مناخ الضلال، وسننتم سنن الغي، وأيم الله لألحونكم لحو العود، ولأقرعنكم قرع المروة، ولأعصبنكم عصب السلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، إني والله لا أحلق إلا فريت، ولا أعد إلا وفيت، إياي وهذه الزرافات، وقال وما يقول، وكان وما يكون، وما أنتم وذاك؟. يا أهل العراق! إنما أنتم أهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان، فكفرتم بأنعم الله، فأتاها وعيد القرى من ربها، فاستوسقوا واعتدلوا، ولا تميلوا، واسمعوا وأطيعوا، وشايعوا وبايعوا، واعلموا أنه ليس مني الإكثار والإبذار والأهذار، ولا مع ذلك النفار والفرار، إنما هو انتضاء هذا السيف، ثم لا يغمد في الشتاء والصيف، حتى يذل الله لأمير المؤمنين صعبكم، ويقيم له أودكم، وصغركم، ثم إني وجدت الصدق من البر، ووجدت البر في الجنة، ووجدت الكذب من الفجور، ووجدت الفجور في النار، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وإشخاصكم لمجاهدة عدوكم وعدو أمير المؤمنين، وقد أمرت لكم بذلك، وأجلتكم ثلاثة أيام، وأعطيت الله عهداً يؤاخذني به، ويستوفيه مني، لئن تخلف منكم بعد قبض عطائه أحد لأضربن عنقه. ولينهبن ماله. ثم التفت إلى أهل الشام فقال: يا أهل الشام! أنتم البطانة والعشيرة، والله لريحكم أطيب من ريح المسك الأزفر، وإنما أنتم كما قال الله: "ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء" والتفت إلى أهل العراق فقال: لريحكم أنتن من ريح الأبخر، وإنما أنتم كما قال الله: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار". اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام: فقال القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله، فسكتوا فقال الحجاج من فوق المنبر: "أسكت يا غلام"، فسكت، فقال:" يا أهل الشقاق، ويا أهل النفاق ومساوئ الأخلاق. يسلم عليكم أمير المؤمنين فلا تردون السلام؟ هذا أدب ابن أبيه؟ والله لئن بقيت لكم لأؤدبنكم أدباً سوى أدب ابن أبيه، ولتستقيمن لي أو لأجعلن لكل امرئ منكم في جسده وفي نفسه شغلاً، اقرأ كتاب أمير المؤمنين يا غلام"، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم فلما بلغ إلى موضع السلام صاحوا وعلى أمير المؤمنين السلام ورحمة الله وبركاته، فأنهاه ودخل قصر الإمارة." .

Cquote1.png

—الحجاج بن يوسف[2]

وبين في خطبته سياسته الشديدة، وبين فيها شخصيته، كما ألقى بها الرعب في قلوب أهل العراق. ومن العراق حكم الحجاج الجزيرة العربية، فكانت اليمن والبحرين والحجاز، وكذلك خراسان من المشرق تتبعه، فقاتل الخوارج، والثائرين على الدولة الأموية في معارك كثيرة، فكانت له الغلبة عليهم في كل الحروب، وبنى واسط، فجعلها عاصمته.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حروب الخوارج

في عام 76 هـ وجه الحجاج زائدة بن قدامة الثقفي لقتال شبيب الشيباني البكري الوائلي، فكانت الغلبة لشبيب. وفي السنة التي تلتها بعث الحجاج لحرب شبيب: عتاب بن ورقاء الرباحي، الحارث بن معاوية الثقفي، أبو الورد البصري، طهمان مولى عثمان. فاقتتلوا مع شبيب في سواد الكوفة، فقتلوا جميعاً، وعندها قرر الحجاج الخروج بنفسه، فاقتتل مع شبيب أشد القتال، وتكاثروا على شبيب فانهزم وقتلت زوجته غزالة الحرورية وكانت تقود النساء الخارجيات ويروى أنها نذرت أن تصلي ركعتين في مسجد الكوفة والحجاج بها تقرأ فيهما سورتي البقرة وآل عمران ووفت بنذرها في حماية 70 من جند الخوارج ولم يستطع الحجاج منعها وقيل في ذلك الكثير من أبيات الشعر ومن أشهرها: "وفت غزالة نذرها رب لا تغفر لها"، فهرب شبيب إلى الأهواز، وتقوى فيها، غير أن فرسه تعثر به في الماء وعليه الدروع الثقيلة فغرق. وقضى الحجاج على من بقي من أصحابه.

في 79 هـ أو 80 هـ قُتل قطري بن الفجاءة رأس الخوارج، وأُتي الحجاج برأسه، بعد حرب طويلة.

ولاية الوليد

ثم مات عبد الملك بن مروان في 86 هـ، وتولى ابنه الوليد بعده، فأقر الحجاج على كل ما أقره عليه أبوه، وقربه منه أكثر، فاعتمد عليه. كان ذلك على كره من أخيه وولي عهده سليمان بن عبد الملك، وابن عمه عمر بن عبد العزيز. وفي ولاية الوليد هدد سليمان بن عبد الملك الحجاج إذا ما تولى الحكم بعد أخيه، فرد عليه الحجاج مستخفاً مما زاد في كره سليمان له ولمظالمه، وإذ ذاك كان قتيبة بن مسلم يواصل فتوحه في المشرق، ففتح بلاداً كثيرة في تركستان الشرقية وتركستان الغربية واشتبكت جيوشه مع جيوش الصين وكان الحجاج من سيره إلى تلك البلاد. وفي نفس الوقت قام ابن أخ الحجاج بفتح بلاد السند (باكستان اليوم).

وفاة الحجاج

أصيب الحجاج في آخر عمره بما يظهر أنه سرطان المعدة. وتوفي بمدينة واسط في العشر الأخير من رمضان 95 هـ (714 م)، قال محمد بن المنكدر: كان عمر بن عبد العزيز يبغض الحجاج فنفس عليه بكلمة قالها عند الموت: «اللهم اغفر لي فإنهم زعموا أنك لا تفعل». وروى الغساني (لم أعرفه) عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: «ما حسدت الحجاج عدو الله على شيء حسدي إياه على: حبه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة: "اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل"». وقال الأصمعي: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول:

يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ؟

ترك الحجاج وصيته، وفيها قال: بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحجاج بن يوسف: أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنه لا يعرف إلا طاعة الوليد بن عبد الملك، عليها يحيا وعليها يموت وعليها يبعث.. الخ.[3]

ويروى أنه قيل له قبل وفاته: ألا تتوب؟ فقال: إن كنت مسيئاً فليست هذه ساعة التوبة، وإن كنت محسناً فليست ساعة الفزع.[4] وقد ورد أيضاً أنه دعا فقال: اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل.[5][6]

دُفن في قبر غير معروف المحلة في واسط، فتفجع عليه الوليد، وجاء إليه الناس من كل الأمصار يعزونه في موته، وكان يقول: كان أبي يقول أن الحجاج جلدة ما بين عينيه، أما أنا فأقول أنه جلدة وجهي كله.


الفتوحات الإسلامية

فتوحات قتيبة بن مسلم

تطلع الحجاج بعد أن قطع دابر الفتنة، وأحل الأمن والسلام إلى استئناف حركة الفتوحات الإسلامية التي توقفت بسبب الفتن والثورات التي غلت يد الدولة، وكان يأمل في أن يقوم الجيش الذي بعثه تحت قيادة ابن الأشعث بهذه المهمة، وكان جيشا عظيما أنفق في إعداده وتجهيزه أموالا طائلة حتى أُطلق عليه جيش الطواويس، لكنه نكص على عقبيه وأعلن الثورة، واحتاج الحجاج إلى سنوات ثلاثة حتى أخمد هذه الفتنة العمياء.

ثم عاود الحجاج سياسة الفتح، وأرسل الجيوش المتتابعة، واختار لها القادة الأكفاء، مثل قتيبة بن مسلم الباهلي، الذي ولاه الحجاج خراسان سنة (85هـ = 704م)، وعهد إليه بمواصلة الفتح وحركة الجهاد؛ فأبلى بلاء حسنا، ونجح في فتح العديد من النواحي والممالك والمدن الحصينة، مثل: بلخ، وبيكند، وبخارى، وشومان، وكش، والطالقان، وخوارزم، وكاشان، وفرغانة، والشاس، وكشغر الواقعة على حدود الصين المتاخمة لإقليم ما وراء النهر وانتشر الإسلام في هذه المناطق وأصبح كثير من مدنها مراكز هامة للحضارة الإسلامية مثل بخارى وسمرقند.

وبعث الحجاج بابن عمه محمد بن القاسم الثقفي لفتح بلاد السند، وكان شابا صغير السن لا يتجاوز العشرين من عمره، ولكنه كان قائدا عظيما موفور القدرة، نجح خلال فترة قصيرة لا تزيد عن خمس سنوات (89-95هـ = 707-713م) في أن يفتح مدن وادي السند، وكتب إلى الحجاج يستأذنه في فتح قنوج أعظم إمارات الهند التي كانت تمتد بين السند والبنغال فأجابه إلى طلبه وشجعه على المضي، وكتب إليه أن "سر فأنت أمير ما افتتحته"، وكتب إلى قتيبة بن مسلم عامله على خراسان يقول له: "أيكما سبق إلى الصين فهو عامل عليها".

وكان الحجاج يتابع سير حملات قادته يوفر لها ما تحتاجه من مؤن وإمدادات، ولم يبخل على قادتها بالنصح والإرشاد؛ حتى حققت هذه النتائج العظيمة ووصلت رايات الإسلام إلى حدود الصين والهند.

إصلاحات الحجاج

وفي الفترة التي قضاها الحجاج في ولايته على العراق قام بجهود إصلاحية عظيمة، ولم تشغله الفترة الأولى من ولايته عن القيام بها، وشملت هذه الإصلاحات النواحي الاجتماعية والصحية والإدارية وغيرها؛ فأمر بعدم النوح على الموتى في البيوت، وبقتل الكلاب الضالة، ومنع التبول أو التغوط في الأماكن العامة، ومنع بيع الخمور، وأمر بإهراق ما يوجد منها، وعندما قدم إلى العراق لم يكن لأنهاره جسور فأمر ببنائها، وأنشأ عدة صهاريج بالقرب من البصرة لتخزين مياه الأمطار وتجميعها لتوفير مياه الشرب لأهل المواسم والقوافل، وكان يأمر بحفر الآبار في المناطق المقطوعة لتوفير مياه الشرب للمسافرين.

ومن أعماله الكبيرة بناء مدينة واسط بين الكوفة والبصرة، واختار لها مكانا مناسبا، وشرع في بنائها سنة (83هـ = 702م)، واستغرق بناؤها ثلاث سنوات، واتخذها مقرا لحكمه.

وكان الحجاج يدقق في اختيار ولاته وعماله، ويختارهم من ذوي القدرة والكفاءة، ويراقب أعمالهم، ويمنع تجاوزاتهم على الناس، وقد أسفرت سياسته الحازمة عن إقرار الأمن الداخلي والضرب على أيدي اللصوص وقطاع الطرق.

ويذكر التاريخ للحجاج أنه ساعد في تعريب الدواوين، وفي الإصلاح النقدي للعملة، وضبط معيارها، وإصلاح حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية، واهتم بالفلاحين، وأقرضهم، ووفر لهم الحيوانات التي تقوم بمهمة الحرث؛ وذلك ليعينهم على الاستمرار في الزراعة.

نقط المصحف

ومن أجلِّ الأعمال التي تنسب إلى الحجاج اهتمامه بنقط حروف المصحف وإعجامه بوضع علامات الإعراب على كلماته، وذلك بعد أن انتشر التصحيف؛ فقام "نصر بن عاصم" بهذه المهمة العظيمة، ونُسب إليه تجزئة القرآن، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّب في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأخذ الناس بقراءة عثمان بن عفان، وترك غيرها من القراءات، وكتب مصاحف عديدة موحدة وبعث بها إلى الأمصار.

ولاية الوليد

مات عبد الملك بن مروان في 86هـ، و تولى ابنه الوليد بعده، فأقر الحجاج على كل ما أقره عليه أبوه، و قربه منه أكثر، فاعتمد عليه، و كان الوليد ميالاً إلى البطش بالناس و سفك الدماء، فوافقت سياسته سياسة الحجاج، و كان ذلك على كره من أخيه و ولي عهده سليمان بن عبد الملك، و ابن عمه عمر بن عبد العزيز.
و في ولاية الوليد هدد سليمان بن عبد الملك الحجاج إذا ما تولى الحكم بعد أخيه، فرد عليه الحجاج مستخفاً مما زاد في كره سليمان له، و لمظالمه.
و إذ ذاك كان قتيبة بن مسلم يواصل فتوحه في المشرق، فظفر بأهل طالقان و قتل منهم مقتلة لم يسمع بمثلها من قبل، و كان الحجاج من سيره إلى تلك البلاد.

اتهامه لسعيد بن جبير

اتهم الحجاج سعيد بن جبير بالاشتراك مع عبد الرحمن بن الأشعث فى مؤامرة ضد الخلافة الأموية، ولقد تمكن الحجاج من أسر سعيد بن جبير حيث أتي به إليه ودار حوارا طويلا انتهى بنداء لله من سعيد بن جبير على الحجاج بن يوسف حينما قال: "اللّهم لا تسلطه على أحدٍ من بعدي".

لم يلبث الحجاج بن يوسف بعد قتله سعيد بن جبير إلا خمسة عشر يوما حيث ظهرت في جسده بثرة يخرج منها الدم والقيح سبب له الألم الشديد حيث أستمر في هذه الحال شهرا كاملا وقد كان في آخر أيامه يرى في نومه أنه يسبح في أنهار من الدماء فيستيقظ من نومه فزعاويقول «مالي ولسعيد بن جبير».

ثم مرض الحجاج مرضا شديدا ، وقد ذكر المؤرخون اسم هذا المرض (بالأكلة) والذي أصاب بطنه، وعندما دُعي الطبيب لينظر إليه أخذ لحما وعلقه في خيط، ثم وضعه في حلقه لمدة ساعة، وعندما أخرجه وجده وقد علق به الكثير من الدود.

كما سلط الله على الحجاج البرد الشديد المعروف باسم الزمهرير، حتى أن النار كانت تمس جلده من الكوانين (المواقد) المشتعلة حوله ولم يكن يشعر بالحرارة أبدا، وعندما شكى الحجاج ما يحدث له إلى الحسن البصري كان رده عليه أنه قد نهاه عن التعرض للصالحين إلا أنه أعرض وأبى، أما رد الحجاج على الحسن البصري فكان أنه لا يريد منه دعاء الله بالتفريج عنه، وإنما أن يدعو الله أن يعجل في موته ولا يطيل عذابه.

عاش الحجاج مريضا لمدة خمسة عشر يوماً، وتوفي في مدينة واسط بالعراق ودفن بها، وكان الحجاج يشعر بقرب موته، كما كان يستشعر شماتة الناس واعتبارهم بخلوده في النار.[7]

موت الحجاج

مات الحجاج ليلة السابع و العشرين من رمضان عام 95هـ في الروايات المجمع عليها، و كان موت الحجاج بسرطان المعدة، و قبلها مرض مرضاً شديداً، حتى كان يشعر بالبرد و لو قربوه من النار حتى تكاد تحرق بعض ثيابه، و قيل أن الدود أكل بطنه، فأمر الوليد بن عبد الملك أن يُدعى للحجاج بالشفاء على المنابر في كل الدولة.
ترك الحجاج وصيته، و فيها قال أنه لا يعرف سوى طاعة الله و الوليد عليها يحيا، و عليها يموت.<br و تمثل عند احتضاره بهذين البيتين:
يا رب قد حلف الأعداء و اجتهدوا/ أيمانهم أنني من ساكني النار
أيحلفون على عمياء ويحهم/ ما ظنهم بعظيم العفو غفار
و دُفن في قبر غير معروف المحلة في واسط، فتفجع عليه الوليد، و جاء إليه الناس من كل الأمصار يعزونه في موته، و كان يقول: كان أبي يقول أن الحجاج جلدة ما بين عينيه، أما أنا فأقول أنه جلدة وجهي كله.


. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ميراث الحجاج

بنى الحجاج واسط، و سير الفتوح لفتح المشرق، أمر بتنقيط المصحف، خطط الدولة، و حفظ أركانها قامعاً كل الفتن.
غير أن الحجاج خلف أيضاً ميراثاً من الظلم وسفك الدماء لم يسبق له مثيل.
كما خلف في قلوب الناس، حتى الأمويين، كرهاً له وحقداً عليه لأفعاله، ومنها حرب ابن الزبير وقتله إياه في مكة، وما فعله في وقعة دير الجماجم.
وحقد عليه الخوارج لعظيم فعله بهم، و الشيعة لعدم احترامه آل البيت، وقالوا فيه الكثير حتى لبسوا سيرته بالخوارق، والأمور المغلوطة، و أمعنوا في تقبيحه، و النيل منه، حتى لقد صوروه شيطاناً.
أمر الخليفة سليمان بن عبد الملك عامله على الطائف بقتل آل أبي عقيل، و هم عشيرة الحجاج الأقربون، ظلماً، لأنهم من آله.
ثم أمر عمر بن عبد العزيز بنفي من بقي منهم و تشريدهم جزاء لأفعال الحجاج، و انتقاماً منه بعد موته.
و لم يُنس الحجاج و أفعاله بسهولة، فقيل أن رجلاً حلف بالطلاق أن الحجاج في النار، فلما أتى امرأته امتنعت عنه، فسأل الحسن البصري أن يفتيه في أمره فقال له: إذا لم يكن الحجاج من أهل النار، فما يضيرك أن تكون مع امرأتك على زنى.
كذلك أمر سليمان بن عبد الملك بذم الحجاج و سبه على المنابر، فذمه كل الولاة إلا خالد بن عبد الله القسري، فأرسل إليه سليمان يأمره بذلك، فتكلم على المنبر و قال: إن إبليس كان من الملائكة ففسق، و كذلك الحجاج.
و بقي ميراث الحجاج حياً إلى الآن، فلا يزال موضع حرب و تطاحن بين المختلفين، و لا تزال الأخبار المختلقة تخالط سيرته، و لا زال يُلعن، و يُسب.
و يراه الباحثون في التاريخ السياسي نموذجاً للطاغية الظالم سفاك الدماء، و يرى المؤرخون في هذا أنه كان يتشبه بـ زياد بن أبيه في حزمه، فأبار و أهلك.

مذهبه في الحكم

كان الحجاج يرى بتكفير الخارج على السلطان، و طرده من الملة، و في ذلك قال لـ قطري بن الفجاءة في رسالة أرسلها له:
"فإنك قد مرقت من الدين مروق السهم من الرمية"
و قيل بعد موته أن رجلاً رفض الصلاة خلف إمامه، و قال ما أصلي خلف خارجي، فقال له أحد أئمة البصرة: إنما تصلي لله ليس له، و إنما كنا نصلي خلف الحروري الأزرقي.
قال: و من ذاك؟
قال: الحجاج بن يوسف، فإنك إن خالفته سماك كافراً و أخرجك من الملة، فذاك مذهب الحرورية الأزارقة. و بالغ الحجاج في شأن الطاعة، و قمع همم الناس، و نفوسهم، و غاياتهم، فوافق الأمويين في أعمالهم، و أذهب بين الناس أن الخلافة اصطفاء من الله، فلا يجوز الخروج على السلطان، و أما من خرج فقد حل دمه، و سُمي كافراً.
و شاع مذهب الحجاج في تكفير الخارج على السلطان بعده شيوعاً كبيراً، و كان قد ابتدأ قبله، لكنه ثبته. و ثبت فكرة الإصطفاء، و الحق الإلهي، و بالغ في تعظيم السلطان.

الحجاج و أهل العراق و الشام

اقرأ نصاً ذا علاقة في

خطبة الحجاج في العراق


العلاقة بين الحجاج و أهل العراق هي من أكثر العلاقات تعقيداً و طرافة، و من أكثرها ترويعاً في التاريخ الإسلامي، فالحجاج وُلي على العراق كارهاً لأهلها، و هُم له كارهون، و استمرت العلاقة بينهم كزواج كاثوليكي بالإجبار، لا يجوز فيه الطلاق، و لا أمل للفكاك منه إلا بموت أحد الزوجين.
و كان الحجاج دائم السب لأهل العراق في خطبه، فكثيرة خطبه التي يذكر فيها أهل العراق بشكل سيئ، و التي يرى فيها العراقيون إساءة إلى اليوم.
فدائماً كان يذكرهم:
"يا أهل العراق، يا أهل الشقاق و النفاق...." إلى آخر خطبه، و التي يمعن فيها في ذكر صفاتهم:
"فإنكم قد اضجعتم في مراقد الضلالة..." ، و غير ذلك من الخطب الكثيرة فيهم، كراهة منه لهم، و كراهة منه لهم.
و من ذلك أنه لما أراد الحج استخلف ابنه محمد عليهم، و خطب فيهم أنه أوصى ولده بهم بغير وصية الرسول في الأنصار، أن يقبل من محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم، فقد أوصاه ألا يقبل من محسنهم، و لا يتجاوز عن مسيئهم، و قال لهم: أعلم أنكم تقولون مقالة لا يمنعكم من إظهارها إلا خوفكم لي، لا أحسن الله لك الصحابة، و أرد عليكم: لا أحسن الله عليكم الخلافة.
و أنهم شمتوا به يوم فُجع بولده محمد، و أخيه محمد في نفس اليوم، فخطب فيهم متوعداً إياهم.
و من ذلك أنه مرض فشاع بين الناس موته، فخرج أهل العراق محتفلين بموته، غير أنه قام من مرضه ليخطب فيهم خطبة قال فيها: "و هل أرجو الخير كله إلا بعد الموت"
أما أهل الشام فكانوا أكثر الناس محبة للحجاج، و أكثرهم نصرة له، و بكاء عليه بعد مماته، و قيل أنهم كانوا يقفون على قبره فيقولون رحم الله أبا محمد.
و كان الحجاج محباً له، دائم الإشادة بخصالهم، و الرفع من مكانتهم، و كان كثير الاستنصار بهم، و معظم جيشه كان منهم، و كان رفيقاً بهم.

وصف تاريخي

كان الحجاج بن يوسف بليغاً فصيحاً، محباً للشعر كثير الاستشهاد به، تقياً، مُعظماً للقرآن و آياته، كريماً، شجاعاً، و له مقحمات عظام و أخبار مهولة.
كان أخفش العينين، أضفعت بصره كثرة النظر في الدفاتر، كان يتزيا بزي الشطار، فيرجل شعره و يخضب أطرافه.
و كان يصعد على المنبر فيتكلم بكلام الملائكة، و ينزل فيفعل فعل الشياطين.

الحجاج في الذاكرة

كان للحجاج الكثير من المواقف، و الحكايات الشهيرة، و الأقوال الفصيحة، و الرسائل، و الخطب، و التوقيعات، و له مجموعة أشعار متفرقة.
فقصص الحجاج و أخباره كثيرة جداً، و موجودة في كتب التاريخ، ما يدل على عظم نفوذه، و لا زالت أقواله باقية إلى اليوم، و مذهبه في الحكم باق إلى اليوم.
و قيلت فيه الكثير من الأبيات بعد موته، و التي تذمه، كما قيل في حياته.
كما دخل الحجاج في القصص الشعبي، و المخيلة الشعبية، فظهر جشعاً طماعاً خاطف نساء في حكايات ألف ليلة و ليلة، كما صورته المخيلة الشعبية أعور، أعرج، أغن الصوت.
و من ذلك ما قيل في حكاية مولده، فقد قيل أن أمه ولدته مشوهاً لا دبر له فثقب له دبر و أبى أن يقبل ثدي أمه و لا غيرها فيقال أن الشيطان تصور لهم في صورة الحارث بن كلدة، و كان قد تزوج الفارعة قبل أبي الحجاج، و كان حكيم العرب فقال لهم: ألعقوه دم جدي يومين، و اليوم الثالث ألعقوه دم تيس أسود، ثم دم ثعبان سالخ أسود، و أطلو وجهه، و أخبرهم أنه يقبل الثدي في اليوم الرابع.
كما ظهر في الكتب الحديثة كشخصية أدبية و من ذلك ديوان الكتاب لـ أدونيس، و رواية ملوك لسماء الأحلام و الأماني لـ هند هيثم.
و ظهر في العديد من المسلسلات التلفزيونية منها المسلسل المصري عمر بن عبد العزيز، و أخيراً أُخرج عنه مسلسل عربي اسمه الحجاج نجح نجاحاً كبيراً، و أثار ضجة كبيرة أحيت الخلافات بشأن شخصية الحجاج.

مأثورات

"من تكلم قتلناه ومن سكت مات بدائِه غما"

— الحجاج بن يوسف

الهوامش

  1. ^ أنساب الأشراف (4/302)
  2. ^ ابن عبد ربه. العقد الفريد. ووردت الخطبة، بمضمونها، وباختلافات يسيرة في النص في مراجع كثيرة.
  3. ^ تهذيب تاريخ دمشق (4|68).
  4. ^ محاضرات الأدباء (4|495).
  5. ^ تاريخ دمشق (4|82).
  6. ^ البداية والنهاية (9|138).
  7. ^ "« ما لي ولسعيد بن جبير كلَّما أردت النوم أخذ برجلي»". Hassan Alzaem. 2024-02-25. Retrieved 2024-02-25.

المراجع