تاريخ فرنسا الاقتصادي
جزء من سلسلة عن |
---|
تاريخ فرنسا |
خط زمني |
بوابة فرنسا |
This is a history of the economy of France. For more information on historical, cultural, demographic and sociological developments in France, see the chronological era articles in the template to the right. For more information on specific political and governmental regimes in France, see the dynasty and regime articles.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
Medieval France
The collapse of the Roman Empire unlinked the French economy from Europe. Town life and trade declined and society became based on the self-sufficient manor. What limited international trade existed in the Merovingian age — primarily in luxury goods such as silk, papyrus, and silver — was carried out by foreign merchants such as the Radanites.
Early Modern France
عصر النهضة
القرن السابع عشر
القرن الثامن عشر
فرنسا قبل الثورة
كانت فرنسا هي أكثر أمم أوروبا سكاناً وأشدها ازدهاراً، فقد كان عدد سكان روسيا في سنة 1780 هو 24 مليون نفس، وإيطاليا 17 مليونا، وأسبانيا 10 ملايين وبريطانيا العظمى 9 ملايين، وبروسيا 8.6 ملايين، والنمسا 7.9 ملايين، وأيرلندا 4 ملايين، وبلجيكا، 2.2 مليون، والبرتغال 2.1مليون، والسويد 2مليون، وهولندا 1.9 مليون، وسويسرا 1.4 مليون، والدنمرك 800.000، والنرويج 700.000 بينما كان عدد سكان فرنسا 25 مليوناً(1). وكانت باريس هي أكبر مدن أوروبا إذ بلغ عدد سكانها حوالي 650.000 نفساً، كانوا هم الأفضل تعليما في أوروبا كلها، كما كانوا أكثر أهل أوروبا قابلية للهياج والثورة.
وكان الشعب الفرنسي مقسما إلى ثلاث طبقات: طبقة الإكليروس أو رجال الدين وكان عددهم يبلغ نحو 130.000 نفساً(2)، وطبقة النبلاء(ü) وكان عددهم يبلغ نحو 400.000، وطبقة العامة وهي الطبقة التي لا ينتمي أفرادها لواحدة من الطبقتين الآنف ذكرهما. وكانت الثورة الفرنسية هي المحاولة التي بذلتها هذه الطبقة الثالثة (العوام) التي كانت مغموطة الحقوق السياسية رغم ازدهارها الاقتصادي، بغية الوصول إلى ما يتلاءم مع ثروتها النامية من سلطان سياسي وقبول اجتماعي. وكانت كل طبقة من هذه الطبقات الآنف ذكرها منقسمة بدورها إلى طبقات أو شرائح يعلو بعضها الآخر حتى إن كل فردٍ تقريبا كان يمكنه أن ينعم بالنظر إلى من هم دونه، أو بتعبير آخر كان في مكنة كل شخص تقريبا أن ينظر من عَلِ إلى أشخاص هم دونه.
وكانت طبقة الهيئة الكهنوتية الكنسية - من كاردينالات ورؤساء أساقفة وأساقفة ورؤساء أديرة - هي أغنى الطبقات جميعاً، بينما كان القسس ومساعدوهم Pastors & Curatcs في الريف الفرنسي من بين أفقر خلق الله. ومن هنا وجدنا أنه في أثناء الثورة انضم الإكليروس من الرتب الأدنى درجة (كالقسس والرعاة الآنف ذكرهم) إلى عامة الشعب ضد سادتهم، وبذا طغى العامل الاقتصادي على العامل الديني(üü). وكانت الحياة في الأديرة (حياة الرهبنة) قد فقدت بريقها، فطائفة الرهبان البنيدكتيين Benedictines الذين بلغوا في فرنسا في سنة 1770م، 6434 راهبا قد تقلص عددهم في سنة 1790 ليصبح 4300، وفي سنة 1780 كانت تسع [أخويات] دينية (روابط أو تجمعات قائمة على أسس دينية) قد حلّت، وفي سنة 1773 كان جماعة الجزويت( جماعة يسوع) قد تفككت وتدهورت أحوال الدين بشكل عام في المدن الفرنسية، فكانت الكنائس في كثير من المدن نصف خاوية، وفي الريف زاحمت العادات الوثنية والخرافات القديمة عقائد الكنيسة وطقوسها(3)، مزاحمةً فعالة. وعلى أية حال فقد كانت الراهبات لا يزلن يكرســـن أنفســهن لتعليـــم الدين والتمريض بحماس، وكن يحظين بتقدير الأغنياء والفقراء على سواء. وحتى في هذا العصر المتسم بالنـــزوع للشك والاتجاهات العملية كان هناك الآلاف من النسوة والأطفال والرجال الذيـــن استعانوا على قسوة الحياة بالتقوى فراحوا يعزون أنفسهم بحكايات القديسين(ü) وراحوا يخففون من حدة أيامهم الرتيبة المرهقة بممارسة الشعائر في الأعياد الدينية، وفي الاسترخاء، ووجدوا في الآمال الدينية ملاذاً يلوذون به ضد ما اعتراهم من ارتباك وقنوط.
وكانت الدولة تدعم الكنيسة لأن رجال الحكم بشكل عام كانوا متفقين على أن رجال الدين (الإكليروس) إنما يقدمون لهم عوناً لا غنىً عنه لحفظ النظام الاجتماعي. فقد كان رجال الدين (الإكليروس) يرون أن الاختلاف الخلْقي Natural بين الناس فيما يتمتعون به من مواهب، يجعل مما لا مناص منه أن تختلف حظوظهم من حيث الثراء، فقد بدا مهما لطبقة الملاك أن يستمر رجال الدين في تقديم نصائحهم للفقراء، تلك النصائــح التي تحثهم على الإذعان المسالم لقاء دخول الفردوس تعويضا لهم عما يلاقون. وكان مما يعني كثيرا لفرنسا أن نظام الاسرة - وهو النظام الذي يدعمه الدين ويكثف أهميته - ظل كمرتكز للاستقرار الوطني في أثناء التقلبات كلها التي شهدتها الدولة. وأكثر من هذا فقد جرى الحث على الطاعة باستخدام عقيدة الحق الإلهي للملوك - سواء في تعيينهم ملوكا أم في مباشرتهم لسلطاتهم. وكان رجال الدين يغرسون هذه العقيدة في نفوس الناس، وشعر الملوك أن هذه الخرافة (الحق الإلهي للملوك) كانت عوناً ذا قيمة غالية لهم لضمان سلامتهم الشخصية ولاستقرار حكمهم. لذا فقد تركوا لرجال الدين الكاثوليك معظم مؤسسات التعليم العامة، وعندما هدد ازدهار البروتستانتية في فرنسا، بإضعاف سلطان الكنيسة الكاثوليكية وما يتمخض عنه من فوائد، جرى طرد الهوجونوت (البروتستانت الفرنسيين) بلا رحمة.
وعرفاناً من الدولة بأهمية هذه الخدمات التي تقدمها الكنيسة، سمحت لها بجمع العشور وسمحت لها بدخول مالية أخرى تجبيها من أبناء كل أبرشية وسمحت لها بتقديم الوعود بتحقيق الأماني التي يرنو إليها العصاة الغافلون بتشجيعهم على شراء نعيم الآخرة لقاء تنازلهم عن ممتلكاتهم في الدنيا لصالح الكنيسة.
وأعفت الحكومة رجال الدين من الضرائب واكتفت بالحصول من الكنيسة بين الحين والآخر على منحةٍ كبيرة بلا مقابل. ونظراً لهذه المزايا المختلفة فقد جمعت الكنيسة مقاطعات شاسعة قدرها البعض بأنها تبلغ خمس الأراضي الزراعية في فرنسا(4). وكانت الكنيسة تدير هذه الأراضي باعتبارها ممتلكات إقطاعية وراحت تجمع منها العوائد الإقطاعية. لقد حولت الكنيسة إيمان المؤمنين إلى حليٍ من ذهب وفضة - كجواهر التاج الملكي - أصبحت كحاجز أو كمنطقة محرمة ذات مناعة، وقداسة وتخصيص لمواجهة أي ادعاء أو تطاول فبدت هذه المكاسب الكنسية راسخة عبر التاريخ عميقة الجذور.
وتلاعب كثير من الكهنة والقسس في عوائد العشور واحتالوا ليحصلوا منها على شيء، وعاشوا في فقر تغلفه التقوى بينما كان كثيرون من الأساقفة يعيشون عيشة مترفة فخمة وكان رؤساء الأساقفة يعيشون بعيدا عن مقارهم الأسقفية وراحوا يحومون حول البلاط الملكي. وفي وقت كانت الحكومة على حافة الإفلاس وجدنا الكنيسة الفرنسية (على وفق تقديرات تاليران (Talleyrand تنعم بدخل سنوي مقداره 150 مليون ليفر (فرنك)(ü)، وكانت طبقة العـوام التي أنهكت الضرائب كاهلها في حالة عجب لعدم إرغام الكنيسة على إشراك الدولة معها في ثروتها. وعندما انتشرت كتابات غير المؤمنين (غير المتمسكين بتعاليم الكنيسة)(ü) تخلى الآلاف من أفراد الطبقة الوسطى والمئات من أفراد الطبقة الأرستقراطية - عن العقيدة المسيحية، وكانوا مستعدين لأن ينظروا بهدوء فلسفي إلى غارات الثورة على الموروثات المقدسة والمصونة.
وكان النبلاء على وعي يشوبه غموض أن النبالة قد فقدت كثيراً من أسباب وجودها أو بتعبير آخر قد ظلت باقية رغم أن المهام المنوطة بها والتي كانت سبب وجودها قد انتهت. فعنصر الفخر في هذه النبالة (أوالشرف) متمثلا في القيام بدور الحماية العسكرية للمجتمعات الزراعية، أو التوجيه الاقتصادي لها أو الرياسة القضائية، لم يعد قائما كما كان، فكثير من هذه الخدمات قد حلت محلها السلطة المركزية والإدارية القوية في ظل ريشليو Richelieu ولويس الرابع عشر. لقد أصبح كثيرون من السادة الإقطاعيين الآن يعيشون في البلاط الملكي وأهملوا إقطاعاتهم، وفي سنة 1789 بدا أن أثوابهم الفخمة ورقتهم في التعامل ولطفهم(5) لم تعد أمورا كافية لتبرير امتلاكهم لربع الأرض الزراعية وابتزازهم للعوائد الإقطاعية.
وادعت الأسر الأقدم من بين أسر النبلاء أنها من جنس أكثر نبالة (نبالة الجنس La Nablesse de race أو أصالة العرق) إذ أرجعت هذه الأسر أصولها إلى الفرنجة الجرمان (الفرنك الجرمانيين) الغزاة الذين تسموا في القرن الخامس باسم الغال Gaul لكن كاميل ديمولين Camile Desmoulins أحال فخرهم إلى منقصة في سنة 1789 باعتبارهم غزاة أجانب، عندما دعا إلى الثورة باعتبارها ثأرا تأخر كثيراً من أعراق وافدة. ومن الناحية الفعلية كان نحو 95% من طبقة النبلاء الفرنسية قد أصبحوا بشكل متزايد بورجوازيين وسلتيين Celtic قد تركوا أفراد الطبقة الوسطى - ذوي العقول الذكية والثروة التي حازوها مؤخرا - يشاركونهم أراضيهم وألقابهم . وكان ثمة قسم من الأرستقراطية - عرفوا بنبلاء >الروب< أو النبلاء بحكم المنصب Noblesse de robe وكانوا يكونون نحو أربعة آلاف أسرة شغل أربابها مناصب قضائية أو إدارية رفعت شاغليها - تلقائيا - إلى مرتبة النبالة.
ولأن معظم مثل هذه المناصب كان يمكن الحصول عليها بشرائها من الملك أو وزرائه الذين كانوا يبيعونها لزيادة دخل الدولة، فقد شعر كثيرون من المشترين لهذه المناصب بأحقيتهم في استرداد ما دفعوه فأصبحوا أكثر ميلاً إلى قبول الرشوة(6). لذا فقد انتشر الفساد (عدم طهارة اليد) بين شاغلي المناصب في فرنسا بشكل غير عادي(7) وكان هذا واحدة من مئات الشكاوى والأسباب الداعية إلى التذمر من نظام حكم يموت. وكانت بعض هذه المناصب والرتب وراثية، ولأن شاغليها والحائزين عليها قد تضاعف عددهم خاصة في البرلمانات أو المحاكم القانونية في مختلف المديريات districts (أو المحافظات أو الدوائر) فقد تنافى شعورهم بالقوة والفخر حتى إن برلمان باريس في سنة 1787 ادعى لنفسه الحق في الاعتراض على المراسيم الملكية (التي لها قوة القانون). لقد بدأت الثورة قرب القمة.
وفي نشرة بعنوان "ما هي طبقة العوام أو الطبقة الثالثة؟" صدرت في شهر يناير سنة 1789 طرح الراهب الفرنسي عمانوئيل جوزيف سييز Emmanael Joseph Sieyés ثلاثة أسئلة وأجاب عنها: ما هي الطبقة الثالثة أو طبقة العوام؟ إنها كل شيء. ما حالها حتى الآن؟ لاشيء. ماذا تود هذه الطبقة أن تكون؟ تريد أن تكون شيئاً ما(8) - أو على وفق لتصحيح شامفورت Chamfort - كل شيء. لقد كانت تقريبا كل شيء فقد ضمت البرجوازية أو الطبقة الوسطى التي تتكون من 100.000 أسرة(9) وطبقاتها (شرائحها (layers العديدة - رجال البنوك والسماسرة والوسطاء والصناع والتجار والمديرون والمحامون والأطباء والعلماء والمدرسون والحرفيون والصحفيون (تشكل الصحافة السلطة الرابعة) وطبقة عامة الشعب Menu peuple والعبارة تعني قليلي الأهمية (وأحيانا يطلق عليهم لفظ عام هو الشعب) ويقصد بهم البروليتاريا وحرفيي المدن وعمال النقل البري والبحري والفلاحين .
وكانت الطبقة الوسطى العليا تقبض على زمام السلطة الصاعدة متسعة المدى وتديرها: كان لها السلطان على عملية انتقال الأموال وحركتها ورؤوس الأموال، وكانت تمارس هذه العملية بشدة وجرأة تتسم بالمغامرة، وكانت - في ذلك - تدخل في منافسة واسعة المدى مع الذين يمتلكون السلطان على الاقتصاد الزراعي الإستاتيكي (المتسم بالسكون (Static ومع العقيدة الآفلة. لقد دخلوا في مضاربات تجارية في أسواق الأوراق المالية في باريس ولندن وأمستردام، فتحكموا - على وفق لتقديرات نيكر Necker - في نصف أموال أوروبا(10). وكانوا يمدون الحكومة الفرنسية بالقروض ذوات الفوائد وكانوا يهددون بإسقاطها في حالة عدم سداد هذه الديون وعدم سداد ما اشترته الحكومة بالديون. وكانوا يمتلكون - أو يديرون - صناعة استخراج المعادن وتعدينها في شمال فرنسا، وصناعة النسيج في ليون Lyons وتروي Troyes وأبيفيل Abbeville وليل Lille ورون Rouen ، وأعمال استخراج الحديد والملح في اللورين Lorraine ومصانع الصابون في مارسيليا Masrseilles ومدابغ الجلود في باريس.
لقد أداروا الصناعة الرأسمالية التي حلت محل دكاكين الحرف والنقابات الحرفية التي كانت سائدة في الماضي، وكانوا من أنصار المذهب الفزيوقراطي(11)(ü) المنادي بأن المشروع الحر (غير المرتبط بالدولة) أكثر إنتاجية ولدى القائمين عليه حوافز أقوى ودوافع أشد من المشروع التقليدي المرتبط بالتنظيمات والقواعد التقليدية التي تفرضها الدولة؛ سواء كان مشروعاً صناعيا أم تجاريا. لقد مولوا ونظموا الصناعات التحويلية (تحويل المواد الخام إلى بضائع) وراحوا ينقلون هذه البضائع من المنتج إلى المستهلك ليحققوا من كليهما ربحا. لقد استفادوا من ثلاثين ألف ميل من أفضل الطرق في أوربا لكنهم اعترضوا على الرسوم المعوقة التي كانت تفرض على استخدام طرق فرنسا وقنواتها، كما اعترضوا على اختلاف الموازين والمقاييس نتيجة تمسك بعض الولايات (المقاطعات (Provinces بها بسبب عوامل الغيرة. لقد تحكموا في التجارة التي كانت سبب ثراء بوردو Bordoaux ومارسيليا ونانت Nantes، وكونوا شركات مساهمة كشركتي : Compagnie des Eaux , Compagnie des Indes ووسعوا مجال سوقهم ومدوه. فلم يعد قاصرا على المدينة وإنما شمل العالم، وعن طريق مثل هذه التجارة جعلوا لفرنسا إمبراطورية فيما وراء البحار لا يبزها في المضمار سوى إنجلترا. لقد شعر أفراد هذه الطبقة أنهم - وليس طبقة الأشراف - هم صانعو الثروة الفرنسية النامية، ومن ثم صمموا على مشاركة النبلاء ورجال الدين في المزايا التي تُسْبغها الحكومة عليهم وفي التعيينات وصمموا على أن يكون لهم الوضعية نفسها التي للنبلاء أمام القانون وفي البلاط الملكي وأن يستمتعوا بالمزايا كلها ويتسنموا مراتب الشرف كلها في المجتمع الفرنسي، فعندما دعيت مانون رولاند Manon Roland وهي سيدة رقيقة كيسة - لكنها بورجوازية - لزيارة سيدة من النبيلات، وطلب منها أن تأكل مع الخدم وألا تجلس إلى المائدة مع الضيوف النبلاء صاحت محتجة وتغلغلت صيحتها في قلوب أفراد الطبقة الوسطى(12). لقد كان هذا الامتعاض وذلك الطموح منغرساً في أفكار هذه الطبقة عندما رفعوا مع الثورة الفرنسية شعارها "حرية ومساواة وإخاء"، إنهم لم يكونوا يعنون بهذا "دونية" أو "رفعة" لكن هذا الشعار خدم أغراض هذه الطبقة حتى يجري تصحيح الأمور. وفي هذه الأثناء أصبحت الطبقة البورجوازية هي أقوى القوى التي تعمل على قيام الثورة.
لقد كان أفراد الطبقة الوسطى هم الذين يملأون المسارح وهم الذي يصفقون لقصائد بومارشيه Beaumarchais التي يهجو فيها الأرستقراطيين. لقد كان أفراد الطبقة الوسطى هم الذين التحقوا - أكثر من أفراد طبقة النبلاء - بالمحافل الماسونية ليعملوا على تحقيق الحرية في الحياة والفكر، لقد كانوا هم الذين يقرأون فولتير Voltaire ويستطيبون سخريته اللاذعة، ويتفقون مع جيبون Gibbon فيما ذهب إليه من أن الأديان كلها - بالنسبة للفيلسوف - زائفة(ü)، وهي - أي الأديان بالنسبة للحكومات (رجال الدولة) مفيدة. وكانوا في السر يبدون إعجابا بالمذهب المادي الذي قال به دولباش وهيلفيتيوس d` Holbach and Helvétius وقد لا يكون هذا المذهب صحيحا تماما أمام أسرار الحياة والنفس البشرية، لكنه كان سلاحا جاهزا يمكن شهره في وجه الكنيسة التي تتحكم في عقول ونفوس معظم الفرنسيين وفي نصف ثروة فرنسا. وكانوا متفقين مع ديدرو Diderot، ولم يكونوا مولعين بروسو Rousseau الذي يشتم منه طعم الاشتراكية ويفوح منه معنى اليقين لكنهم هم - أكثر من أي شريحة أخرى في المجتمع الفرنسي - الذين شعروا بتأثير الآداب والفلسفة وعملوا على نشرهما.
وكان الفلاسفة(ü) بشكل عام معتدلين في سياساتهم. لقد قبلوا الملكية ولم يرفضوا عطايا الملك، وولوا وجوههم شطر الحكام المتنورين مثل فريدريك الثاني Frederick II في بروسيا، وجوزيف الثاني Joseph II في النمسا بل وحتى كاترين الثانية Catherine II في روسيا، أكثر مما ولوا وجوههم شطر الجماهير الأمية العاطفية، واعتبر الفلاسفةُ (المفكرون) هؤلاء الحكامَ المتنورين هم مهندسى الإصلاح. ووضع الفلاسفة ثقتهم في العقل رغم إدراكهم قصوره. لقد كسر هؤلاء الفلاسفة (المفكرون عامة) وصاية الكنيسة والدولة ورقابتهما على الفكر وفتحوا ملايين العقول ووسعوا من آفاقها، لقد مهدوا لانتصارات العلم في القرن التاسع عشر، رغم أن لافوازيه Lavoisier ولابلاس Laplace ولامارك Lamarck شهدوا الهياج في أثناء الثورة وما صاحبها من حروب.
أما روسو Rousseau فقد فك ارتباطه بالفلاسفة. لقد كان يحترم العقل، ولكنه احتفى بالمشاعر وبالعقيدة (الإيمان) المريح. وقد طرح كتابه Savoyard Vicar`s Profession of Faith الموقف الديني لروبيسبير Robespierre، وأدى إصراره على توحيد العقيدة الوطنية إلى أن اعتبرت لجنة الأمن العام الهرطقة السياسية جريمة عقوبتها الإعدام - خاصة في زمن الحرب. وقد قبل يَعاقِبةُ الثورةِ مبادىء العقد الاجتماعي التي مؤداها أن الإنسان خير بطبعه وما جعله شريرا سوى تبعيته لمؤسسات فاسدة منحرفة وقوانين جائرة، وأن الناس قد خلقوا أحرارا ولم يستعبدهم سوى الحضارة الزائفة. وعندما كان القادة الثوريون في السلطة تبنوا أفكار روسو Rousseau التي مؤداها أن المواطن بتلقيه حماية الدولة يصبح مطيعا لها ضمنا. وقد كتب مالي دى بان Mallet du Pan "لقد سمعت مارا Marat في سنة 1788 يقرأ العقد الاجتماعي ويعلق عليه في الطرقات العامة وسط تصفيق المستمعين المتحمسين"(13). لقد تحولت سيادة الشعب العليا التي نادى بها روسو إلى سيادة لجنة الأمن العام التي لا معقب عليها بعد الثورة، ثم أصبحت سيادة عليا لرجل واحد.
وكان "الشعب" في مصطلح الثورة يعني الفلاحين وعمال المدن، فحتى موظفي المصانع في المدن كانوا أقلية سكانية. لقد كانت الصورة هناك بعيدة عن صورة المنشآت أو المؤسسات الصناعية، إذ كان مصطلح الشعب أقرب ما يكون إلى معنى الخليط غير المتناسق الذي يضم الجزارين والخبازين وصانعي الجعة (البيرة) والبقالين والطباخين والبائعين الجوالين والحلاقين وأصحاب المحلات والعاملين في الفنادق وتجار الخمور وصانعيها والنجارين والبنائين والذين يطلون البيوت والعاملين في مجال الزجاج وصانعي الجص وصانعي الآجر وصانعي الأحذية والخياطين والصباغين وعمال النظافة وصانعي الثياب والحدادين والخدم وصانعي الأثاث وصانعي السروج وصانعي العجلات والعربات والصاغة وصانعي السكاكين والنساجين والدباغين والعاملين في مجال الطباعة وبائعي الكتب والعاهرات (المومسات) واللصوص. وكان هؤلاء العمال يلبسون سراويل طويلة تصل إلى كعوب أقدامهم أكثر مما يرتدون السراويلات القصيرة التي تصل إلى الركبة والمعروفة باسم الكلتات Culottes والجوارب كما يفعل أبناء الطبقات العليا لذا فقد أطلق على هؤلاء العمال اسم "الطبقة التي لا ترتدي كلوتات Sans Culottes" وقد لعبت هذه الطبقة دورا فعالا (دراماتيا) في الثورة الفرنسية. وقد أدى تدفق الذهب والفضة من العالم الجديد وإصدار النقود الورقية بشكل متكرر إلى ارتفاع الأسعار في أنحاء أوروبا كلها، ففي فرنسا ارتفعت الأسعــار فيما بين عامـي 1741 و 1789 بمقدار 65% بينما لم ترتفع الأجور سوى 22%(14)، وفي ليون Lyons كان هناك 30.000 شخص معفون من الخدمة في سنة 1787، وكان في باريس 100.000 أسرة مدرجة باعتبارها في حالة عوز في سنة 1791 . وكان من الممنوع إنشاء اتحادات عمال ذوات أهداف اقتصادية ومن هنا تتالت الإضرابات. وكلما اقترب ميعاد الثورة كان مزاج العمال وحالتهم النفسية يزدادان توترا واكتئابا وميلاً إلى الثورة والتمرد، ولم يكن ينقصهم سوى بندقية وزعيم ليستولوا على الباستيل ويغزوا قصر التوليرى Tuileries ويعزلوا الملك.
ومن المسلم به أن الفلاحين في فرنسا في سنة 1789 كانت حالهم أفضل مما كانت عليه قبل قرن من الزمان عندما بالغ لا برويير La Bruyére قائلاً: إنه لا يكاد يميز بينهم وبين البهائم(15).
وكان حال الفلاحين الفرنسيين في سنة 1789 أفضل من حال الفلاحين في سائر أنحاء أوروبا، ربما باستثناء فلاحي شمال إيطاليا. وكان نحو ثلث الأراضي الزراعية مملوكا للفلاحين، وكان ثلث آخر تتم زراعته بتأجير الأرض من النبلاء والإكليروس (رجال الدين) وأفراد الطبقة البورجوازية، أو بنظام المزارعة (المشاركة في المحصول، هذا لقاء ملكيته للأرض وذاك لقاء عمله فيها) أما ثلث الأرض الزراعية الباقي فكان يقوم على زراعته أجراء تحت إشراف الملاك أو من ينوب عنهم. وشيئا فشيئا أصبح عدد الملاك محصوراً فلم يكن أمامهم سوى الزراعة أو الرعي، بينما تكاليفهما غدت مرهقة، وأصبحت المنافسة حادة بينهم خاصة مع وجود الأرض العامة (المشاع) Common Land التي كان من حق الفلاحين - سابقا - أن يرعوا فيها وأن يجمعوا منها الحطب .
وكان حائزو الأرض من الفلاحين كلهم ملزمين بدفع رسوم إقطاعية فيما عدا قلة قليلة كانوا يمتلكون أراضي معفاة من أي التزام أو واجب أمام السيد الإقطاعي، إذ كان الفلاحون - خلا هذه القلة الآنف ذكرها- ملزمين بناء على عقد بينهم وبين صاحب العزبة بأن يعملوا لديه عدة أيام كل عام بدون أجر (بنظام السخرة (Corvee) لمساعدته في زراعة أرضه وإصلاح الطرق في عزبته، ومع هذا فقد كانوا يدفعون له رسوم مرور عند استخدامهم هذه الطرق. وكانوا يدفعون له بدلية (رسما بدليا لقاء الإعفاء من أداء خدمات معينة) وكانت قيمة هذه البدلية معتدلة وكانوا يدفعونها كل سنة نقدا أو عينا، وإذا باع الواحد منهم ممتلكاته طالبه السيد الإقطاعي بمبلغ يساوي 10% أو 15% من الثمن الذي تقاضاه(16). وكانوا يدفعون له لقاء صيدهم الأسماك من المياه التابعة له، وإذا رعوا أنعامهم في حقله، وكانوا يدفعون له رسما في كل مرة يستخدمون فيه طاحونته أو مخبزه أو معصرته التي تستخدم في استخراج الزيت أو إعداد عصير العنب ليصير نبيذا.
ولأن هذه الرسوم كانت محددة على وفق القانون، فقد أصبحت قيمتها متدنية بسبب التضخم فشعر المالك أن لديه مسوغا في استنزاف هؤلاء الفلاحين بقسوة كلما ارتفعت الأسعار(17).
وكان على الفلاح أن يدعم الكنيسة التي تبارك محصوله وتهيء أطفاله للطاعة والإيمان وتشرف حياته بالطقوس والأسرار المقدسة، بأن يدفع لها سنويا العشور (Tith وإن كانت عادة ما تكون أقل من العشر) من محصوله وما ينتجه. وكانت الضرائب التي تفرضها الدولة عليه أشد وطأة من العشور والمستحقات الإقطاعية، فقد فرضت الدولة ضريبة الرأس كما فرضت عليه نصف العشر Vingtieme عن دخله السنوي، وفرضت عليه ضريبة المبيعات عن كل ما يشتريه من مشغولات ذهبية وفضية أو منتجات معدنية أو كحول أو ورق أو نشا..... وفرضت عليه مصلحة الملح أن يشترى كل عام كمية محددة من الملح من الحكومة بالسعر الذي تحدده (أي تحدده الحكومة). وعلى هذا فقد كان العبء الأساسي لدعم الدولة والكنيسة - زمن الحرب وزمن السلم - يقع على كاهل الفلاحين، أما النبلاء والإكليروس فقد كانوا يجدون طرائق قانونية أو غير قانونية للتخلص من كثير من هذه الضرائب وكان الشباب الأثرياء يمكنهم زمن الحرب أن يدفعوا "البدلية" (مبلغ لقاء عدم التحاقهم بالقوات المقاتلة) .
وكان من الممكن تحمل هذه الضرائب والعشور والمستحقات الإقطاعية طالما كان المحصول طيباً، لكن حالهم يصبح بائساً في أثناء الخراب الذي تسببه الحروب أو تقلبات المناخ فيصبح المحصول غير مجز ويضيع شقاء العام هباء، ساعتها يبيع الفلاحون الملاك أراضيهم أو عملهم أو كليهما للمغامرين المحظوظين المغرمين بشراء الأراضي الزراعية.
واتسم عام 1788 بكثرة مصائبه التي انهالت عليهم بلا رحمة، فقد أدى الجفاف الشديد إلى نقص شديد في المحصول ودمرت العواصف المصحوبة بالبَرَد 180 ميلا من الأراضي الزراعية الخصبة عادة من نورماندي Normandy إلى شامبني Champagne، وكان شتاء 1788slash1789 هو أقسى شتاء مر بالبلاد منذ ثمانين عاما، ففنيت آلاف من أشجار الفاكهة، وشهد ربيع سنة 1789 فيضانات مدمرة، أما الصيف فكان مصحوبا بمجاعة في المقاطعات تقريبا كلها. وبسبب الأعمال الخيرية التي قدمتها الدولة والكنيسة والأفراد حصل الجوعى على الطعام فلم يمت من الجوع إلا عدد قليل، لكن الملايين أنفقوا في هذه المجاعة كل ما يملكون، وشهدت كان Caen ورون Rouen وأورليان Orle`ans ونانسي Nancy وليون Lyons جماعات تتقاتل كالحيوانات للحصول على القمح، وشهدت مارسيليا 8000 جائع عند بواباتها يهددون بغزو المدينة وسلبها. وفي باريس شهد حي سان (القديس) أنطوان St.Antoine - حي الطبقة العاملة 30.000 معوز في حاجة إلى إعانة(81).
وفي هذه الأثناء أدت اتفاقية تيسير التجارة مع بريطانيا العظمى (1786) إلى إغراق فرنسا بالمنتجات الصناعية البريطانية الأرخص سعرا من المنتجات الفرنسية فأدى هذا إلى تعطل آلاف العمال الفرنسيين عن العمل - لقد فقد 25.000 عامل فرنسي عملهم في ليون، و 46.000 في إميان Amiens و 80.000 في باريس(91). وفي مارس سنة 1789 رفض الفلاحون دفع الضرائب بالإضافة إلى المخاوف من إفلاس الدولة .
وقد قابل آرثر يونگ Arthur Young الذي كان يقوم برحلة في مقاطعات فرنسا في يوليو سنة 1789 - فلاحة فرنسية كانت تشكو من الضرائب والمستحقات الإقطاعية اللتين تجعلانها دوما على حافة الإملاق ، لكنها أضافت قائلة إنها تعلم "أنه لا بد أن يقوم عدد كبير من الناس بعمل شيء من أجل هؤلاء البؤساء ... لأن الضرائب والرسوم تسحقنا"(20) لقد سمعوا أن الملك لويس السادس عشر Louis كان رجلاً طيبا راغبا في إصلاح الفساد وحماية الفقراء. لقد كانوا يتطلعون بأمل إلى فرساي Versailles ويدعون بطول العمر للملك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فرنسا الحديثة (to 1914)
French economic history since its late-18th century Revolution was tied to three major events and trends: the Napoleonic Era, the competition with Britain and its other neighbors in regards to 'industrialization', and the 'total wars' of the late-19th and early 20th centuries. The post-war period, since 1950, saw significant new departures in both economic development and the policies designed to affect it.
الثورة الفرنسية
عهد نابليون 1800-1814
الامبراطورية الأولى
رغم أنَّ نابليون نشأ ليكون رجلاً عسكرياً إلاَّ أنه كان ذا حِس صائب إزاء الحقائق الاقتصادية باعتبارها أساس تحديد مصائر الأسر وباعتبارها ركيزة للحضارة، وبها يكون الحُكُم على قوّة الدولة أو ضفعها. وبشكل عام فإنه رغم ميله الشديد للتنظيم كان مناصراً للحرية الاقتصادية، وفتح أبواب المنافسة، وحقوق الملكية الخاصّة. فلم يهتم كثيراً بالخطط الاشتراكية التي قال بها شارل فورييه Charles Fourier وغيره والمتعلقة بالانتاج الجماعي وتوزيع الناتج توزيعاً متساوياً. فقد كان يشعر شعوراً أكيداً أن الأقلية الأكثر مقدرة - في أي مجتمع - سرعان ما تحكم الأكثرية وتستوعب - أي هذه الأقلية النَّشِطة - القدر الأكبر من الثروة، وأكثر من هذا فإن المُثْل الشيوعية لا تستطيع على المدى الطويل بأساليبها المتباينة في تقديم الحوافز في حفز الناس على الكدح، ففي تحليل جانبي ورد أن الجوع هو الذي يجعل العالم يتحرك(1) وأكثر من هذا فإن الملكية الجماعية تمثّل إغراء مستمراً باللامبالاة. فبينما الملكية الفردية بما فيها من مصالح شخصية للمالك في ثروته - تدفع لليقظة الدائمة والانتباه المستمر مما يجعل خططه مثمرة محققة لأهدافها، فإن الملكية الجماعية تؤدي للخمول وعدم الانتاجية، لأن المشروع الفردي مسألة موهبة ومهارة بينما المشروع الجماعي مسألة روح عامة، وتوفر الروح العامة العالية لا يكون إلاّ نادراً(2). ومن هنا فقد فتح نابليون كل الأبواب وأتاح كل الفرص لكل الناس بصرف النظر عن ثرواتهم وأنسابهم. وقد نعمت فرنسا حتى سنوات حكمه الأخيرة بالرخاء الذي حقَّق السلام الاجتماعي بين كل الطبقات ولم تعد هناك بطالة(3) ولا اضطرابات سياسية. ولم يعد أحد مهتماً بالإطاحة بحكومة وظّفت أو أتاحت فُرصة عمل لكل محتاج(4).
لقد كان نابليون يؤمن بمبدأ أساسي هو أن دولة تقوم ماليتها على نظام زراعي جيد لا تسقط أبداً(5). لقد أدرك أنه بإشرافه على كل شيء وعدم إغفاله أي شيء أن التعريفات الحامية Protective tariffs والتمويل المالي الموثوق به وصيانة الطرق والقنوات بشكل جيد، كل ذلك لابد أن يشجع الفلاحين على العمل الجاد المتواصل وعلى شراء الأراضي واستصلاح المزيد منها، وتزويد جيوشه بالشباب الأقوياء. لقد كان عدد كبير جداً من الفلاحين الفرنسيين يعملون بنظام المزارعة (أي العمل في مزارع الآخرين لقاء المشاركة في المحصول) أو في أراضٍ مستأجرة لكن نصف مليون منهم أصبحوا بحلول عام 1814 يمتلكون الفدادين (الأكرات acres) التي يزروعونها. وقد وصفت سيدةٌ إنجليزية قامت برحلة إلى فرنسا في هذا العام الفلاحين الفرنسيين بأنهم يتمتعون بدرجة من الرخاء لم يصل إليها الفلاحون في أي مكان في أوروبا(6). وقد نظر هؤلاء الزرَّاع إلى نابليون باعتباره الضمان الحي لحُجج مليكاتهم وظلوا موالين له حتى وهنت أراضيهم نتيجة غياب أبنائهم المجندين في جيوشه.
واهتم نابليون أيضاً بالصناعة اهتماماً أساسياً. فجعل من مهامه زيارة المصانع وإظهار اهتمامه بعمليات الانتاج والمنتجات، وبالعمال والحرفيين والمديرين. وتطلّع إلى وضلع العِلْم في خدمة الصناعة. لقد أقام المعارض الصناعية - ففي سنة 1801 أقام معرضاً في اللوفر Louvre، وآخر في سنة 1806 في خيمة هائلة في ميدان الجنود المتقاعدين ومشوّهي الحرب Place des Invalides ونظم مدرسة الفنون والحِرَف، وكافأ المخترعين والعلماء. وأجريت التجارب في سنة 2081 لاستخدام طاقة البخار وبالفعل فقد تم تجريب آلة غير مُتقنة تعمل بالبخار لتسيير بارجة نقل بضائع في ترعة قرب باريس، لكن أمر استخدام الطاقة البخارية كان في حاجة إلى مزيد من الجهود. وفي سنة 1803 قدَّم روبرت فلتون Robert Fulton خطة لاستخدام الطاقة البخارية في الملاحة، فأحالها نابليون إلى المعهد الوطني الفرنسي Institute National الذي رفضها بعد شهرين من التجارب لكونها غير عملية. لقد كانت الصناعة الفرنسية تتقدم على نحو أبطأ من الصناعة البريطانية، فقد كانت أسواق تصريف منتجاتها أقل ورؤوس أموالها أقل، واستخدام الآلات فيها أقل. وعلى أية حال ففي سنة 1801 عرض جوزيف-ماري جاكار Joseph-Marie Jacquard آلة جديدة للنسج وفي سنة 1806 اشترت الحكومة الفرنسية اختراعه هذا ونشرته فأصبحت صناعة النسيج الفرنسية تنافس نظيرتها البريطانية. وزاد عدد الأنوال (جمع نول) المستخدمة في صناعة الحرير في ليون Lyons من 0053 نُول سنة 1800 إلى 10,057 في سنة 1808(7) وفي سنة 1810 كان يعمل في مصانع مورّد نسيج واحد أحد عشر ألف عامل(8). وفي هذه الأثناء كان الكيميائيون الفرنسيون يواصلون جهودهم لمواجهة منع المنتجات البريطانية من السكر والقطن والأصباغ (النيلة أو الأصباغ الزرقاء) فصنعوا السكّر من البنجر والأصباغ الزرقاء من نباتات الوَسمة Woaol، وطوّروا الكتان فجعلوا منسوجاته أفضل من المنسوجات القطنية(9)، وصنعوا البراندي (نوعاً من الخمور) من البطاطس.
وساعد نابليون الصناعة الفرنسية بالتعريفات الحامية Protective tariffs والحصار القاري المضاد وعاونها لتجاوز الصعاب المالية بالقروض بشروط مُيسَّرة وفتح أسواقاً جديدة للمنتجات الفرنسية في إمبراطوريته الواسعة، وكان يستوعب العمال في أشغال عامة على نطاق واسع إن شهدت البلاد ركوداً في عمليات التشغيل أو التوظيف. وكان بعضها شاهداً على عظمة نابليون وجيوشه مثل عمود فيندوم(ü) Vendome Column والمادلين Madeleine (الكلمة تعني حرفياً فواكه الصيف) وقوس النصر المرصّع بالنجوم وقوس نصر ميدان الفروسية، وشغَّل الشباب في بعض الأعمال الأخرى مثل إقامة تحصينات عسكرية أو أعمال تهدف لتسهيل التحركات العسكرية وغيرها كالأشغال التي جرت في ميناء شربورگ Cherbourg وحصنه وقناته، وبعض هذه الإنشاءات ذات النفع كانت مصمّمة بحيث يكون لها أبعاد فنية جمالية، كمبنى البورصة وبنك فرنسا ومبنى مكتب البريد العام ومسرح الأوديون Odeon (الكلمة تعني حرفياً مسرح إغريقي للموسيقا والغناء)، بل وحتى سوق القمح Bels أو سوق النبيذ Vins (1811) وبعض هذه الأشغال العامة كانت لتسهيل العمل الزراعي، كتجفيف المستنقعات بالإضافة لأعمال أخرى تُيسِّرالنقل والتجارة. وتم افتتاح شوارع جديدة في باريس مثل طرق ريفولي Rivoli وكاستينجليون Castinglione والبو Paix (السلام) وميلين من الأرصفة على طول نهر السين ومقر وزارة الخارجية الفرنسية المطل على هذا النهر ذاته، والأكثر أهمية إنشاء 005،33 ميل من الطرق الجديدة في فرنسا، وما لا حصر له من الجسور بما في ذلك جسر أوسترليتز في باريس وجسر لينا Lena في باريس أيضاً، أضف إلى هذا تطهير النهر ومد شبكة رائعة من الترع والقنوات. لقد تم حفر ترع كبرى لتربط باريس بليون Lyons وليون بستراسبورج Strasbourg وبوردو Bordeaux. وسقط نابليون قبل أن يستطيع إكمال مشروعين آخرين: قنوات تربط الراين بالدانوب والرون، وقنوات أخرى تربط البندقية (فينيسيا) بجنوة(01).
ولم يكن مسموحاً للعمال الذين يعملون في حفر القنوات وإقامة أقواس النصر وتشغيل المصانع بالاشتراك في أي إضراب أو تكوين اتحادات للمطالبة بتحسين ظروف العمل أو رفع الأجور. وعلى أية حال فإن حكومة نابليون عملت على أن تكون الأجور متمشية مع الأسعار وأن يخضع الخبَّازون والجزارون (اللحّامون) والمنتجون لتنظيم الدولة وأن تتوفّر ضروريات الحياة خاصة في باريس. وحتى الأعوام الأخيرة من حكم نابليون كانت الأجور تزداد بمعدّل أسرع من ازدياد الأسعار وشاركت البروليتاريا (الطبقة العاملة) على نحو معتدل في الرخاء العام وفي مجد انتصارات نابليون، فأصبحوا أكثر وطنية من البورجوازية. فأعطوا أذناً غير مصغية للبورجوازيين الليبراليين مثل مدام دي ستيل Stael وبنيامين كونستات (قستنطين) Benjamin Constant في تبشيرهم بالحرية.
ومع هذا كانت هناك أصوات مستاءة، وأسباب للاحتجاج. فلأن الاقتصاد الحر كلما تقدَّم أصبح النشيطون أثرياء، فقد أدرك بعض الناس أن المساواة تتدهور في ظل الحرية، وعلى هذا فقد كان رأيهم أن الحكومة تقوم بعمل مُنكر بسماحها بتركيز الثروة لتستثني بذلك نصف السكان من ثمار الاختراعات ومزايا الحضارة، ففي سنة 1808 أصدر فرانسوا-ماري فورييه Fourier كتابه نظرية الحركات الأربع ومصير العامة الذي يمثل أول مثال تقليدي للاشتراكية المالية Utopian. لقد اقترح على غير الراضين بأوضاعهم في ظل النظام الصناعي القائم أن يتَّحدوا في كتائب تعاونية Phalages بمعنى أن تعيش حوالي أربعمائة أسرة معاً في مستعمرات تعاونية (تستخدم بعض الكتب والقواميس العربية مصطلح كتائب تعاونية أو كتائبية تعاونية) أو مبنى واحداً مُشاعاً بينهم بحيث يقضي كل الأعضاء جزءاً من العمل اليومي في مجال الزراعة (بحيث يكون هذا العمل منظماً تنظيماً جماعياً) وجزءاً آخر في الصناعة الجماعية أو المنزلية، ويقضون الجزء الثالث في الترفيه أو التثقيف، وفي نظامه هذا يتحتم أن يقوم الفرد بمهام مختلفة وأن يُغير موقعه في العمل بين الحين والحين، بمعنى أن يساهم كل فرد على قدم المساواة في انتاج أو أرباح هذه المستعمرة التعاونية (أو الكتيبة التعاونة Phalanx) ووفقا لهذا النظام يكون في كل مستعمرة تعاونية مركز اجتماعي ومدرسة ومكتبة وفندق وبنك. وسرعان ما كانت هذه الخطة مصدر إلهام في شطري الكرة الأرضية وكانت مزرعة بروك Brook Farm بالقرب من بوسطون Boston هي الوحيدة التي تكوّنت من عدّة مجتمعات مثالية (يوتوبية Utopian) سرعان ما تناقص عددها نتيجة النزعات الفردية الطبيعية للبشر.
ولم يكن نابليون نفسه مولعاً ولعاً شديداً بالرأسمالية. فقد كان يقول عن الأمريكيين أنهم مجرّد تجّار فهم يكرّسون كل همهم لجمع المال الذي هو مجدهم(11) وقد شجّع نابليون التجارة الفرنسية بمضاعفة وسائل النقل وصيانة الطرق بشكل مستمر، وبالتمويل المالي وضخ الأموال بشكل ثابت لكنه عوّقها بألف مرسوم ومرسوم لإحكام الحصار القاري المضاد، وأخيراً اضطر للتسليم نتيجة شكاوى التجار (1810 - 1811) وسمح بتصدير بضائع معينة لبريطانيا وباستيراد السكر والبن ومنتجات أجنبية أخرى. لقد أرهقته هذه التراخيص (بالاستيراد أو بالتصدير) فقد عملت المحسوبية عملها وظهر الفساد من خلالها(21). فكلما نمت الصناعة في فرنسا كانت استفادة التجارة والحرفيين الصغار أكبر من استفادة تجارة الجملة فكلما توسعت الزراعة والصناعة ووسائل النقل أصبحت بضائع المخازن غير متاحة لتجار الجملة الفرنسيين. حقاً إن عدداً كبيراً من الشوارع قد انتعش بالبوتيكات (المحلات) العامرة، لكن الموانئ الكبرى - مارسيليا وبوردو ونانت Nantes ولا هافر La Havre وأنتورب Antwerp وأمستردام - كلها كانت تعاني الكساد الذي أرجع التجار سببه لنابليون وحصاره القاري (المضاد).
وكان أعظم نجاحات نابليون كإداري في مجال المالية. ومن الغريب أن نقول إن حروبه حتى سنة 2181 عادة ما كانت تدر عائداً أكثر من تكاليفها. لقد حمّل أعداءه مسؤولية بدء الحرب وعندما هزمهم فرض عليهم وعلى حُكامهم السابقين دفع مبالغ طائلة تأديباً لهم، وكان نابليون يحتفظ بجانب من هذه الغرامات تحت إشرافه الشخصي كملك استثنائي Domaine extraordinaire وقد تباهى في سنة 1181 أن لديه 000،000،003 فرنك ذهبي في أقبية (جمع قبو) قصر التويلري(31) وكان يستخدم هذه الميزانية في تذليل صعوبات الخزانة الفرنسية، وفي تصحيح التحوّلات الخطرة في سوق الأوراق المالية وتمويل الأشغال العامة أو التحسينات البلدية والقروية، وللمكافأة على الخدمات البارزة ولتمييز الفنانين والكتاب ولإنقاذ الصناعات المتعثرة ولرشوة صديق أو عدو، ولتنفيذ سياساته السرّية. ويتبقي جزء كافٍ للاستعداد للحرب التالية وليجعل الضرائب أقل بكثير مما كانت عليه في ظل لويس السادس عشر أو أثناء الثورة الفرنسية(41).
يقول تين Taine قبل سنة 1789 كان الفلاح الفرنسي يدفع من كل مئة فرنك يكسبها 41 فرنكاً للسيد الإقطاعي و 41 فرنكاً للإكليروس (رجال الدين) و 35 فرنكاً للدولة ولا يبقى له سوى 81 أو 91 فرنكاً. وبعد سنة 1800 لم يعد يدفع للسيد الإقطاعي أو للإكليروس وإنما أصبح يدفع قدراً قليلاً للدولة و 52 فرنكاً لمجلس الدائرة أو المحافظة ويحتفظ لنفسه بسبعين فرنكاً من مئة لنفسه(51). وقبل سنة 1789 كان العامل اليدوي يدفع ما يعادل أجر أيام عمل تتراوح ما بين عشرين يوماً إلى تسعة وثلاثين يوماً ليسدّد ما عليه من ضرائب كل عام، وبعد سنة 1800 أصبحت هذه الفترة تتراوح ما بين ستة أيام إلى تسعة عشر يوماً. وكاد عبء الضرائب المباشرة يقع كله على كاهل من يملكون مقابل الاعفاء شبه الكامل (من الضرائب) لمن لا يملكون(61) وعلى أية حال فقد كانت هناك ضرائب كثيرة معتدلة تماماً غير مباشرة أو ضرائب مبيعات كان يتحملها كل الناس على نحو سواء ومن ثم كان الفقراء يعانون منها أكثر من الأثرياء. وقرب نهاية الحكم الإمبراطوري زادت تكاليف الحرب عن عوائدها فارتفعت الضرائب والأسعار وعمّ السخط. ودفعت الأزمة المالية في سنة 5081 نابليون إلى إعادة تنظيم بنك فرنسا الذي كان قد أنشئ في سنة 1800 في ظل إدارة خاصة. وبينما كان نابليون يحارب دفاعاً عن وجوده السياسي في مارنجو Marengo أحكمت مجموعة من المضاربين سيطرتها على إمدادات Supplies القوات المسلحة وكان على رأس هؤلاء المضاربين گابرييل-جوليان أوڤرار Gabriel-Julien Ouvrard وقد طلب هؤلاء المضاربون - أثناء مرورهم بمصاعب - من البنك قرضاً كبيراً، ولكي يقدم البنك هذه المبالغ أصدر - بعد استئنان وزارة الخزانة - عملته النقدية كعملة رسمية معترف بها، وفشل هذا الإجراء فلم تُقبل هذه الأوراق النقدية عند إجراء الصفقات وتدنَّت قيمتها الفعلية إلى نحو 09% من قيمتها المدونة عليها (الاسميّة). وواجه البنك وجماعة المضاربين الإفلاس. وعند عودة نابليون إلى باريس أنقذ البنك بجزء من التعويضات التي تسلَّمها من النمسا، لكنه أصر - أي نابليون - أن يصبح البنك من الآن قصاعداً تحت إشراف الدولة لكن على الدولة ألاَّ تتجاوز الحد في هذا الإشراف وفي 22 أبريل سنة 1806 وضعه تحت إشراف محافظ governer واثنين من المساعدين تُعينهم الحكومة، وخمسة عشر وصى يختارهم المساهمون، وافتتح هذا البنك الجديد (المقصود بنظامه الجديد) فروعاً له في ليون Lyons وروان Rouen وليل Lille وبدأ مهمته التي طال أمدها في خدمة الاقتصاد الفرنسي والدولة. وظلت الحكومة لا تمتلك إلاّ القليل من أسهم هذا البنك.
ولم يكن نابليون يحترم كثيراً أولئك الذين يبيعون المؤن لجيشه ووزاراته. فقد كان كل متعاقد من المتعاقدين يحشو فواتيره وكان بعضهم يُقدم مواد زائفة (مغشوشة) مقرونة بأسعار تشير إلى أنها (أي هذه المواد) ممتازة. وأصدر تعليماته لموظَّفيه ليراجعوا بحزم كل الفواتير المقدمة لهم بل لقد كان يراجعها بنفسه في بعض الأحيان. لقد قال لبورين إن كل المتعاقدين (المورّدين) وكل وكلاء التمويل محتالون.. إنهم يمتلكون الملايين ويتمرغون في النعمة، بينما جنودي ليس لديهم خبز ولا أحذية..(71) وفي فيينا تلقي سنة 1809 شكايات من رداءة الملابس والمعدّات التي بيعت لجيشه، فأمر بإجراء تحقيق تبيّن منه أن المتعاقدين حققوا أرباحاً طائلة من هذه المبيعات بغير وجه حق، فأمر بتشكيل محكمة عسكرية حكمت على المختلسين بالإعدام، وتم تنفيذ الحكم رغم كل الوساطات التي بُذلت لإنقاذهم والتي رفضها نابليون(81).
وعلى العموم فحتى ناقدو نابليون المعادون يعترفون(91) أنه في السنوات الثلاث عشرة الأولى من حكم نابليون شهدت فرنسا أقصى درجات الرخاء والازدهار لم تعرفه قبل ذلك أبداً. وعندما عاد لا كاس Las Cases إلى فرنسا سنة 1805 من جولة في ستين دائرة (محافظة) ذكر في تقرير له أن فرنسا لم تكن في أي فترة في تاريخها أكثر قوة وانتعاشا وسعادة، وأفضل حكما مما هي عليه الآن(02) وكان لا كاس أحد الذين هاجروا من فرنسا عقب أحداث الثورة الفرنسية لكنه عاد إليها بعد العفو عنه. وفي سنة 3181 زعم وزير الداخلية الكونت دي مونتاليڤه Montalivet أن هذا الرخاء المستمر راجع إلى القضاء على النظام الاقطاعي، والنظام الطبقي والنظم الدّيرية... والاتجاه بشكل أكثر نحو توزيع أكثر عدالة للثروة وتبسيط القوانين وجعلها أكثر وضوحاً(12) وفي سنة 1800 كان تعداد سكان فرنسا حوالي 28 مليون، أصبحوا في سنة 1813 ثلاثين مليوناً. ولا تبدو هذه الزيارة مروّعة لكن لو كانت هذه النسبة في الزيادة قد استمرت حتى سنة 1870 (حتى بدون حساب الزيادة المركبة) لكان على ابن أخي نابليون أن يحكم خمسين مليوناً ليواجه بهم تحدي ألمانيا بزعامة بسمارك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فرنسا في حالة ركود اقتصادي 1811
وفجأة - كما لو أن بعض القوى الشريرة كانت تُنسّق لإحداث كوارث - بدا كل الاقتصاد المتعدد الأوجه ينهار متمزقا إربا غارقاً في دوامات الفشل البنكي، والاضطرابات في الأسواق، وإغلاق المصانع والبطالة والإضرابات والتمرد بل وخطر المجاعة - كان كل هذا والإمبراطور الأعجوبة الذي لا يمل يخطط لجمع الأموال والجنود ورفع الروح المعنوية لخوض معركة حياة أو موت مع روسيا البعيدة المجهولة الواسعة.
إن أسباب ركود اقتصادي حديث يصعب تحديدها، فكيف سنحلِّل أسباب الركود الاقتصادي في فرنسا في سنة 1181؟ إنه لأمر أشد صعوبة، مما يظن أكبرنا سناً (ممن شهدوا الركود الاقتصادي الحديث)، وهناك مؤرخ نابه(6) أرجع الركود الاقتصادي الفرنسي الآنف ذكره إلى سببين: (1) فشل صناعة الغزل والنسيج في فرنسا في تدبير المواد الخام ورأس المال. (2) وفشل شركات الصرافة في لوبك Lûbeck. لقد كانت مصانع الغزل في فرنسا تعتمد على استيراد القطن الخام إلا أن سياسة حماية المنتجات المحلية التي اتخذتها الحكومة الفرنسية قضت بوضع تعريفة جمركية عالية على مثل هذه الواردات فقلَّ الوارد وارتفعت أثمان القطن، ولم يستطع أصحاب مصانع الغزل دفع المبالغ اللازمة لتشغيل كل أنوالهم، ولم يستطيعوا دفع نسبة الربح العالية التي تفرضها البنوك الفرنسية على القروض. وشعر أصحاب هذه المصانع بضرورة الاستغناء عن المزيد والمزيد من العاملين لديهم. وسرعان ما أعقب فشل بنك لوبك إفلاسات مماثلة في هامبورج وأمستردام أثرت في الشركات والمؤسسات الباريسية. لقد زاد عدد البنوك المفلسة في فرنسا من 71 بنكا في أكتوبر سنة 0181 إلى 14 في نوفمبر من السنة نفسها، إلى 16 في يناير 1181، وأدت ندرة القروض البنكية وارتفاع فوائدها إلى اضطرار الشركات شركة إثر أخرى إلى تقليص عدد العاملين فيها، بل وإيقاف أعمالها، وسرعان ما ازدحمت شوارع المدن الفرنسية بالعاطلين الذين راحوا يعرضون ممتلكاتهم للبيع أو راحوا يتسولون الخبز، بل وانتحر بعضهم(7). وتكوّنت عصابات من العاطلين في المناطق الشمالية أغارت على المزارع واستولت على الغلال، وفي المدن هاجم العاطلون الأسواق والمخازن واعترضوا حمولات الطعام في الطرق والأنهار ونهبوها. لقد بدت الفوضى التي سادت عام 3971 تعود من جديد.
وأصدر نابليون قرارات بعقوبات قاسية ضد جرائم الإخلال بالنظام العام، وأرسل الجنود لقمع المضربين، ونظم أمر توزيع الطعام مجانا. وأصدر قرارا في 82 أغسطس بإرسال 000،005 هندريدويت من القمح و 000،03 جوال من الدقيق للمراكز ذوات الوضع الحرج. وفي هذه الأثناء خرق هو نفسه الحصار القاري بالسماح باستيراد الغلال من الخارج، ورفع التعريفة الجمركية عن المنتجات الأجنبية التي تنافس الصناعات الفرنسية، ونظّم أمر القروض الحكومية لتمكين الشركات من مواصلة التعيين (التوظيف) والإنتاج، وفي مايو سنة 2181 وضع حدا أعلى لسعر القمح تأسِّياً بسوابق ثورية، لكن هذه المحاولة فشلت لأن الفلاحين منعوا منتجاتهم منه عن السوق حتى ترتفع الأسعار فيحصلوا على السعر الذي يطلبونه. وساعدت الأعمال الخيرية الخاصة الحكومة على تجنب هيجان على مستوى الأمة، فالكونت رمفورت Rumfort العالم الأمريكي البريطاني الذي كان يعيش آنئذ في فرنسا رتب نوعاً من الحساء هو (حساء رمفورت) مكوَّناً أساساً من اللوبيا أو الفاصوليا، والبسلَّة أو الفول، وهو حساء لا تقتصر فائدته على احتوائه على البروتينات النباتية وإنما تُقلل من الحاجة إلى الخبز.
وكانت الأزمة الاقتصادية التي أطلت في أثناء استعدادات نابليون لغزو روسيا اختباراً لقوة أعصابه وربما أسهمت في إضعاف ثقته في نفسه وإضعاف قراراته، ومع هذا فلم يتخل عنه حظه الطيب، فقد كانت البشائر تشير إلى محصول وفير في سنة 2181 وثبت هذا بالفعل، فأصبح الخبز أرخص سعراً، وأصبح يمكن العاطلين - على الأقل - من أن يجدوا ما يسد رمقهم. وفتحت البنوك أبوابها مرة أخرى أو حلت محلها بنوك أخرى وتدفقت القروض وواصلت العاصمة دورها في المصانع وكان لابد من هذا وأصبح من الممكن دفع الأجور بالعمل في إنتاج بضائع قد يستغرق وصولها إلى المشتري نصف عام. وأصبحت الأسواق عامرة مرة أخرى. والآن كان في مقدور نابليون أن يكرس نفسه لحرب لإحكام الحصار القاري الذي كان قد بدأ فعلاً في الإخفاق بسبب تصرفات الأمم وطبيعة البشر.
الصرافة والتمويل
التصنيع
السكك الحديدية
الحرب الشاملة
عصرنة الفلاحين
Consumerism and the city department store
Modern France (since 1914)
Decade | average annual growth rate |
---|---|
1900s | 2.27% |
1910s | 1.89% |
1920s | 4.43% |
1930s | 0.63% |
1945-49 | 2.16% |
1950s | 3.85% |
1960s | 4.98% |
1970s | 3.10% |
1980s | 2.02% |
1990s | 1.30% |
Source: Jean-Pierre Dormois, The French Economy in the Twentieth Century (2004) p 31 |
The overall growth rate of the French economy shows a very strong performance in the 1920s and again in the 1960s, with poor performances in the 1910s, 1930s, and 1990s.[1]
First World War
Great Depression
Popular Front: 1936
Hardship and unemployment were high enough to lead to rioting and the rise of the socialist Popular Front, which won the 1936 elections with a coalition of Socialists and Radicals, and support from the Communists. Léon Blum became the first Socialist prime minister.
The election brought a massive wave of strikes, with involving 2 million workers, and their seizure of many factories and stores. The strikes were spontaneous and unorganized, but nevertheless the business community panicked and met secretly with Blum, Who negotiated a series of reforms, and then gave labor unions the credit for the Matignon Accords.[2][3] The new laws:
- created the right to strike
- created collective bargaining
- enacted the law mandating 12 days of paid annual leave
- enacted the law limiting the working week to 40 hours (outside of overtime)
- raised wages (15% for the lowest-paid workers, and 7% for the relatively well-paid)
- stipulated that employers would recognise shop stewards.
- ensured that there would be no retaliation against strikers.
- created a national Office du blé (Grain Board or Wheat Office, through which the government helped to market agricultural produce at fair prices for farmers) to stabilise prices and curb speculation
- nationalised the arms industries
- made loans to small and medium-sized industries
- began a major public works programme
- raised the pay, pensions, and allowances of public-sector workers
- The 1920 Sales Tax, opposed by the Left as a tax on consumers, was abolished and replaced by a production tax, which was considered to be a tax on the producer instead of the consumer.
Blum persuaded the workers to accept pay raises and go back to work. Wages increased sharply, in two years the national average was up 48 percent. However inflation also rose 46%. The imposition of the 40-hour week proved highly inefficient, as industry had a difficult time adjusting to it.[4] The economic confusion hindered the rearmament effort, and the rapid growth of German armaments alarmed Blum. He launched a major program to speed up arms production. The cost forced the abandonment of the social reform programs of the popular front had counted heavily on.[5]
Vichy France, 1940-44
Conditions in Vichy France under German occupation were very harsh, because the Germans stripped France of millions of workers (as prisoners of war and "voluntary" workers), and as well stripped much of the food supply, while demanding heavy cash payments. It was a period of severe economic hardship under a totalitarian government.
ما بعد الحرب
إعادة البناء ودولة الرفاه
Monnet Plan
Les Trente Glorieuses
Marshall Plan
المراجع
- ^ Jean-Pierre Dormois, The French Economy in the Twentieth Century (2004) p 31
- ^ Adrian Rossiter, "Popular Front economic policy and the Matignon negotiations." Historical Journal 30#3 (1987): 663-684. in JSTOR
- ^ Julian Jackson, Popular Front in France (1988) p 288
- ^ Maurice Larkin, France since the popular front: government and people, 1936-1996 (1997) pp. 55-57
- ^ Martin Thomas, "French Economic Affairs and Rearmament: The First Crucial Months, June–September 1936." Journal of Contemporary History 27#4 (1992) pp: 659-670 in JSTOR.
للاستزادة
- Price, Roger. A Concise History of France (1993)
Medieval
- Beech, George T. Rural Society in Medieval France (1964)
- Bloch, Marc. Feudal society (Société féodale) (1961) ISBN 0-415-03917-7
- Bois, G. The Crisis of Feudalism: Economy and Society in Eastern Normandy, c. 1300- 1500 (1984)
- Bouchard, Constance Brittain. Holy entrepreneurs : Cistercians, knights, and economic exchange in twelfth-century Burgundy (Ithaca, N.Y. : Cornell University Press, 1991) ISBN 0-8014-2527-1.
- Evergates, Theodore. Feudal Society in Medieval France: Documents from the County of Champagne (1993) online edition
- Farmer, Sharon A.. Surviving poverty in medieval Paris : gender, ideology, and the daily lives of the poor (Ithaca, N.Y. : Cornell University Press, 2002) ISBN 0-8014-3836-5.
- Kibler, William W. et al. Medieval France: An Encyclopedia (1995) excerpt and text search
- Nicholas, D. M. Town and Countryside: Social, Economic, and Political Tensions in Fourteenth-Century Flanders (Bruges, 1971)
- Pirenne, Henri. Economic and social history of medieval Europe (New York : Harcourt, Brace & World, [1966]).
Early Modern
- Braudel, Fernand. Civilization and capitalism, 15th-18th century (Civilisation matérielle, économie et capitalisme) (Berkeley : University of California Press, 1992) ISBN 0-520-08114-5 (v. 1), ISBN 0-520-08115-3 (v. 2), ISBN 0-520-08116-1 (v. 3).
- Braudel, Fernand. The wheels of commerce (Jeux de l'Echange) translation from the French by Siân Reynolds (London : Fontana Press, 1985) ISBN 0-00-686078-8.
- Doyle, William, ed. The Oxford Handbook of the Ancien Régime (2012) 656pp excerpt and text search; 32 topical chapters by experts
- Gwynne, Lewis. France, 1715-1804: power and the people (Pearson/Longman, 2005) ISBN 0-582-23925-7.
- Harris, Robert D., "French Finances and the American War, 1777-1783," Journal of Modern History (1976) 48#2 pp. 233–58 in JSTOR
- Heller, Henry. Labour, science and technology in France, 1500-1620 (Cambridge University Press, 1996) ISBN 0-521-55031-9.
- Hoffman, Philip T. Growth in a traditional society : the French countryside, 1450-1815 (Princeton University Press, 1996) ISBN 0-691-02983-0.
- Le Roy Ladurie, Emmanuel. The peasants of Languedoc (Paysans de Languedoc) (University of Illinois Press, 1974) ISBN 0-252-00411-6.
- Riley, James C. "French Finances, 1727-1768," Journal of Modern History (1987) 59#2 pp. 209–243 in JSTOR
- Schaeper, T.J. The Economy of France in the Second Half of the Reign of Louis XIV (Montreal, 1980).
- White, Eugene. "France and the Failure to Modernize Macroeconomic Institutions," in Transferring wealth and power from the Old to the New World: Monetary and fiscal institutions in the seventeenth through the nineteenth centuries (2001) pp 59–99.
- White, Eugene Nelson. "Was there a solution to the Ancien Régime’s financial dilemma," Journal of Economic History (1989) 49#3 pp 545–568. in JSTOR
French Revolution and Napoleon
- Bordo, Michael D., and Eugene N. White, "A Tale of Two Currencies: British and French Finance during the Napoleonic Wars," Journal of Economic History (1991) 51#2 pp 303–16 in JSTOR
- Bosher, John F. French Finances, 1770-1795: From Business to Bureaucracy (1970)
- Harris, Seymour E. The Assignats (1930)
- Heywood, Colin. The Development of the French Economy 1750-1914 (1995) excerpt and text search
- Price, Roger. An economic history of modern France, 1730-1914 (London: Macmillan, 1981) ISBN 0-333-30545-0, ISBN 0-333-29321-5 ; revised edition of The economic modernisation of France, 1730-1880 (1975)
- Rudé, George E. "Prices, Wages and Popular Movements in Paris during the French Revolution," Economic History Review (1954) 6#3 pp. 246–267 in JSTOR
- Sargent, Thomas J. and François R. Velde. "Macroeconomic Features of the French Revolution," Journal of Political Economy (1995) 103#3 pp. 474–518 in JSTOR
- Sutherland, D. M. G. "Peasants, Lords, and Leviathan: Winners and Losers from the Abolition of French Feudalism, 1780-1820," Journal of Economic History (2002) 62#1 pp. 1–24 in JSTOR
- Velde, Francois R., and Weir, David R. "The Financial Market and Government Debt Policy in France, 1746-1793," Journal of Economic History (1992) 52#1 pp 1–39. in JSTOR
- White, Eugene N. "Free Banking during the French Revolution," Explorations in Economic History (1990) 27#2 pp 251–76.
- White, Eugene Nelson. "The French Revolution and the Politics of Government Finance, 1770-1815," Journal of Economic History, (1995) 55#2 pp. 227–255 in JSTOR
Modern
- Askenazy, Philippe. The Blind Decades: Employment and Growth in France, 1974-2014 (University of California Press; 2014) 252 pages; studies France's mediocre performance in recent decades, including the Eurozone crisis and Great Recession.
- Boltho, Andrea. "Economic Policy in France and Italy since the War: Different Stances, Different Outcomes?," Journal of Economic Issues 35#3 (2001) pp 713+ online
- Bouvier, Jean. "The Banque de France and the State from 1850 to the Present Day." in Fausto Vicarelli, et al. eds., Central banks' independence in historical perspective (Walter de Gruyter, 1988) pp 73–104.
- Broadberry, Stephen, and Kevin H. O'Rourke, eds. The Cambridge Economic History of Modern Europe: Volume 2, 1870 to the Present (2010) excerpt and text search
- Cameron, Rondo E. France and the economic development of Europe, 1800-1914 (2000).
- Cameron, R. C. Banking in the Early Stages of Industrialization (1967).
- Cameron, Rondo and Charles E. Freedeman. "'French Economic Growth: A Radical Revision," Social Science History (1983) 7#1 pp. 3–30 in JSTOR
- Caron, Francois. An Economic History of Modern France (1979), since 1815 excerpt and text search; full text online
- Clapham, John H. The Economic Development of France and Germany: 1815-1914 (1936).
- Clough, S.P. France: A History of National Economics (1970)
- Fohlen, Claude. "France, 1920-1970," in C. M. Cipolla, ed. The Fontana Economic History of Europe: Contemporary Economics Part One (1976) pp 72–127
- Lebovics, Herman. Bringing the Empire back home: France in the global age (Duke University Press, 2004) ISBN 0-8223-3260-4.
- Hancké, Bob. Large firms and institutional change: industrial renewal and economic restructuring in France (Oxford University Press, 2002)
- Heywood, Colin. The Development of the French Economy 1750-1914 (1995) excerpt and text search
- Johnson, H. Clark. Gold, France, and the Great Depression, 1919-1932 (Yale University Press, c1997) ISBN 0-300-06986-3.
- Kindelberger, C. P. Economic Growth in France and Britain, 1851-1950 (Harvard University Press, 1964)
- Landes, David S. "French Entrepreneurship and Industrial Growth in the Nineteenth Century,"Journal of Economic History (1949) 9#1 pp. 45–61 in JSTOR
- Lynch, Frances M. B. "Finance and Welfare: The Impact of Two World Wars on Domestic Policy in France," Historical Journal, June 2006, Vol. 49 Issue 2, pp 625–633
- Milward, Alan S. and S. B. Saul. The Development of the Economies of Continental Europe: 1850-1914 (1977) pp 71–141
- Milward, Alan S. and S. B. Saul. The Economic Development of Continental Europe 1780-1870 (1973)
- Plessis, Alain. "The history of banks in France." in Pohl, Manfred, and Sabine Freitag, eds. Handbook on the history of European banks (Edward Elgar Publishing, 1994) pp: 185-296. online
- Mathias, Peter, and M. M. Postan, eds. Cambridge Economic History of Europe. Vol. 7: Industrial Economies. Capital, Labour and Enterprise. Part 1 Britain, France, Germany and Scandinavia (1978) pp 231–81.
- Price, Roger. An economic history of modern France, 1730-1914 (London: Macmillan, 1981) ISBN 0-333-30545-0, ISBN 0-333-29321-5 ; revised edition of The economic modernisation of France, 1730-1880 (1975)
- Sicsic, P., and C. Wyplosz. "France: 1945-92." in Economic Growth in Europe since 1945, edited by N. Crafts and G. Toniolo. (Cambridge University Press, 1996)
- Smith, Michael Stephen (2006). The Emergence of Modern Business Enterprise in France, 1800-1930. Harvard University Press.
- Szostak, Rick. The role of transportation in the Industrial Revolution : a comparison of England and France (McGill-Queen's University Press, 1991)
- Vail, Mark I. Recasting Welfare Capitalism: Economic Adjustment in Contemporary France and Germany (2010)