مدرسة الاستشراق الإسپاني
نشأ الاستشراق الإسباني في أحضان حركة عدائية لكل ما هو عربي ومسلم، وكان هدفها التحقير والانتقام والتشويه، وقد وصف المستعرب الإسباني خوان گويتسولو في كتابه (في الاستشراق الإسباني) [1] نماذجاً من هذا النوع حين يكتبون عن الإسلام والمسلمين بقوله إنهم "إنما يكتبون ويتصرفون وينطقون باسم المسيحية في مواجهة حضارة متدنية، وفي أفضل الأحوال، فإن استحضار الماضي المجيد الذي عرفه العالم الإسلامي يدفعهم إلى التفجع على نحو متحذلق على الانحطاط الحالي (انحطاطا كان في رأيهم محتما ولا مناص منه) وعلى عجزه الطبيعي عن هضم التقدم الأوروبي" ووصف گويتسولو دراسات المستشرقين الأسبان للغات الإسلامية بأنهم يدرسونها كما لو كانت "لغات حضارات منقرضة، ومقطوعة عن اللغات الحالية التي هي وريثها الشرعي، حاكمين عليها بذلك بأن تشكل عدماً أو ما هو أقل من العدم".[1]
واختلط الدافع الديني الحاقد بدافع استعماري سياسي حينما بدأت حركات الاحتلال الأوروبي للعالم الإسلامي وطمعت إسبانيا في المناطق المجاورة لها فجندت مستشرقيها لإعداد الدراسات لمعرفة مواصفات السكان وطبائعهم وتجارتهم وزراعتهم، وكذلك معرفة اللغات واللهجات المحلية، وقد أنشأت الحكومة الأسبانية العديد من المراكز لتعليم العربية العامية والمغربية، وقد تجاوزت خمسين مدرسة .
وما تزال إسبانيا تحتفظ بالكثير من المخطوطات العربية في مكتباتها الكبرى كمكتبة الاسكوريال ومكتبة مدريد الوطنية، ومكتبة جمعية الأبحاث الوطنية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
منطلقات الدراسات الاستشراقية الإسبانية
1- التحليل العرقي:
إذ انطلقت الأيديولوجيات التي كانت سائدة في أوربا لتناول مجموعة من المواضيع، من بينها: العمارة، المدينة... وكان دائما المعتمد أو السند هو البحث عن الأصل الإغريقي الروماني فنجد على سبيل المثال "كلوديو سانشيز" يحلل المجتمع الأندلسي بتحليل عرقي منطلقا من دعوى مفادها أن التركيبة السكانية في الفتوحات الإسلامية الأولى كانت قليلة من حيث العدد وهذه القلة العددية لم تستطع أن تأثر الأثر الكبير في السلالة الأسبانية التي كانت كبيرة وواسعة الانتشار، وقد قاد هذا التعصب إلى حد اعتبار عمالقة الفكر الأندلسي كابن حزم إسبانياً، لأن الإسلام – في نظرهم- دين شبقي عاجز عن إنتاج مثل أولئك العمالقة، وحتى ابن الحاج القرطبي واضع أكبر ناعورة في فاس أرجعوا ذكاءه وألمعيته إلى تكوينه في وسط أسرة مسيحية، رغم أنه كان من الفقهاء الذي خلفو ثروة نوازلية هامة.
2-الدراسات الاستشراقية الاسبانية تتحدث بالأساس حول استبداد الشرق وعدم استقلاله وهذا النمط من التحليل ساد في معظم الدراسات .
3- قضية إلغاء الفرد أو الفردية، وهي ظاهرة موجودة في جل الدراسات الاستشراقية، ومفاد هذه النظرة التركيز على بعض القبائل التي كانت لها القدرة على التسيير الذاتي، و هو أمر استعمل في تحليل جل المجتمعات ومثال ذلك التركيز على المجتمع المغربي من خلال إبراز الفسيفساء الاجتماعية التي كانت عائقا أمام الوحدة السياسية، في بعض الفترات التاريخية.
وجدير بالذكر أن هذه المنطلقات التي تحكمت في الدراسات الاستشراقية الاسبانية، هدفت بالأساس ترسيخ مجموعة من المفاهيم في ذهن المتلقي، من بينها:
- - إن الوجود الإسلامي في الأندلس كان بمثابة وجود كارثي، لكن سرعان ما انمحى مع حروب الاسترداد بالأندلس،..
- - إن قيم الجدة والنبوغ في العطاءات الأندلسية لا يمكن فهمها إلا بالدم الاسباني، فابن القوطية مثلا في نظرهم كان مرتبطا بالفكر الهيليني. وابن حزم في طوق الحمامة كان من المتأثرين بالروح المسيحية أكثر من تأثره بالروح الإسلامي لأنها في نظرهم روح عاجزة عن إبداع مثل تلك الأحاسيس الجياشة.
- - تميز المسلمين باللاعقلانية، وبعقيدة جبرية، وبشبقية حيوانية....
خصوصيات المدرسة الاستشراقية الاسبانية
يرى المستشرق الاسباني "ميكال بارسو" أنه لا يمكن إدراج الدراسات الاسبانية ضمن الكم الهائل من الدراسات الاستشراقية، فقد تم تقدير حوالي 62 ألف عنوان أنجز ما بين 1800-1950، كان فقط حول الإسلام والمسلمين. لكن لا يمكن الوقوف على خصوصيات الدراسات الاستشراقية الاسبانية إلا من خلال معرفة المحيط السياسي المؤثر فيها، ومنه تقسيم هذا الخطاب إلى ما يلي:
1- هناك خطاب رجعي عدمي تعود جذور إلى مرحلة طرد المورسكيين، ويهدف هذا الخطاب إلى محاولة محو الوجود الثقافي للعرب والمسلمين في الأندلس..
2- وفي المقابل هناك خطاب لبيرالي متعاطف مع المورسكيين، وهي طبقة تقليدية محافظة ومن أمثالها كوندي، ساڤيدرا...
3-وهناك أيضا خطاب مدافع ومنافح عن الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس، ومن هؤلاء أذكر على سبيل المثال: أمريكو كاسترو، الذي أكد في غير ما مرة على الخصوصية الثقافية الإسلامية ومساهمتها في تاريخ الأندلس، ودافع عن الحضور الإيجابي للمسلمين في تاريخ الأندلس.
تصنيف حسب الموقف من الإسلام
ومن الباحثين من قسم رواد المدرسة الإستشراقية الإسبانية إلى ثلاثة أقسام:
1. مغرضون: ونموذج هذه الفئة المستشرق كلاوديو سانشيث البرنوث وله كتابان: إسبانيا الإسلامية، إسبانيا الإسلامية والغرب.
2. معتدلون... ولكن؟؟: ونموذج هذه الفئة المستشرق إميليو گاريا گومث،..
3. منصفون: وتتكون من مجموعة من الشبان الذين تخلصوا من كابوس محاكم التفتيش ومن عقدة نقاوة الدم. ففي المجال الأدبي نذكر: "خوان گويتسولو" ، "أنطونيو گالا"، "أنطونيو مونيوز مولينا"، "رامون مايراتا" في روايته :"علي باي العباسي"[8] ...
لكن رغم اتصاف هؤلاء بالإنصاف (ونموذج ذلك گالا) نجد الصورة التي رسمت بها الشخصية الإسلامية في روايته المخطوط القرمزي[9] كانت صورة سلبية جدا فهي تمثل أخلاقيات ومعايير مجد زائل. وذلك في مقابل الشخصيات المسيحية تمثل إرهصات ملك في طريقه إلى الوقوف على قدميه، وإن كان ذلك يستند إلى دعائم واهية.[10] و"الوله التركي" لا يقل سلبية في وصفه للمرأة المسلمة، -(والصورتان السابقتان لغلاف الروايتين)-.
أشهر المستشرقين الإسبانيين
1- ميگل آسين پلاثيوس Miguel Asin Placios ء (1871م-1944م)
ولد في 5 يوليو 1871 بمدينة سرقسطة والتحق بكلية الآداب بجامعة سرقسطة بالإضافة إلى دراسته في المعهد المجمعي فتخرج فيه قسيساً، درس اللغة العربية على يد المستشرق ربيرا، التحق بجامعة مدريد للحصول على درجة الدكتوراه وكانت عن الغزالي، تولى كرسي اللغة العربية في جامعة مدريد، من أبرز إنتاجه العلمي بحثه المعنون (الرشدية اللاهوتيه في مذهب القديس توما الإكويني) وبحثه عن تأثر الشاعر الإيطالي دانته بعنوان (الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية)، وأبدى اهتماماً بابن حزم والقرطبي وأبي حامد الغزالي، ومحيي الدين بن عربي.
شارك مع المستشرق ربيرا في إصدار مجلة الثقافة الإسبانية 1906م-1909م واختير عضواً في الأكاديمية الملكية للعلوم الأخلاقية سنة 1912م وعيّن عضواً في الأكاديمة الإسبانية عام 1919م.
1- سكوده لوثنا پاردس Secode Lucena Paredes
ولد في غرناطة ودرس الفلسفة في كلية الآداب في جامعة غرناطة،عمل مستشاراً للثقافة والتعليم في الإقامة الإسبانية في المغرب، عيّن أستاذاً للغة العربية بجامعة غرناطة عام 1942م، عيّن مديراً لمعهد الدراسات العربية بغرناطة وعمل رئيساً لقسم الدراسات العربية في معهد الدراسات الإفريقية بمدريد، انتخب عضواً في مجمع الفنون الجميلة، له إنتاج غزير في مجال تحقيق المخطوطات وفي البحوث حول الشريعة الإسلامية وكذلك التاريخ الإسلامي والآثار الإسلامية.
2- إميليو گارثيا گومث Emilio Varcia Gomez
ولد في مدريد ودرس في جامعتها، عمل أستاذاً بجامعة غرناطة وبجامعة مدريد. تولى إدارة المعهد الثقافي الإسباني، زار سوريا ولبنان، انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق عام 1948م، عمل سفيراً لبلاده في بغداد وفي لبنان، له دراسات عديدة في الأدب العربي وترجمات لبعض الشعر العربي إلى الإسبانية.
3- بوش ڤيلا Bosch Villa
ولد في فيجراس عام 1922م، درس في جامعة برشلونة فقه اللغات السامية وحصل على الدكتوراه من جامعة مدريد بعنوان (الإقطاع، مملكة الطوائف على عهد بنو رزين) عمل في تدريس اللغة العربية في كل من جامعتي برشلونة وجامعة سرقسطة، تولى منصب أستاذ مساعد للتاريخ والنظم الإسلامية بجامعة مدريد وعمل أمين مكتبة معهد الدراسات العربية بمدريد ودرّس التاريخ والنظم الإسلامية بجامعة غرناطة.
تولى رئاسة الجمعية الإسبانية للمستشرقين، وهو عضو جمعية أمريكا الشمالية لدراسات الشرق الأوسط، تركزت بحوثه في مجال الدراسات الإسلامية والجغرافيا والتاريخ كما اهتم بقضايا العالم العربي المعاصرة.
4- فدريكو كورينته Fedrico Coriente
ولد في غرناطة في 14/11/1940م درس اللغات الشرقية في جامعة مدريد، حصل على الدكتوراه في علم اللغة، عمل مديراً للمركز الثقافي في القاهرة 1962م-1965م، تولى منصب أستاذ اللغة الإسبانية في مدرسة الألسن العليا بجامعة عين شمس في الفترة نفسها، وترأس قسم اللغة الاسبانية بجامعة محمد الخامس بالرباط عام 1965م-1968م، عمل في جامعة فيلادلفيا أستاذاً للغات الشرقية والعربية، أستاذ كرسي اللغة العربية بجامعة سرقسطة منذ عام 1976م.
الحواشي
[1] - خوان گويتسولو. في الاستشراق الاسباني. ترجمة كاظم جهاد (بيروت، 1987م) ص16
المصادر
مراجع
- - محمد عبد الواحد العسري، الفكر الإسلامي بالأندلس في تصورات الاستشراق الاسباني، - أعمال المؤتمر الدولي حول الأندلس قرون من التقلبات والعطاءات- ق:2- ص 253.
- - عبد الله علي العليان، الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف. المركز الثقافي العربي،ط:1- 1996. ص:9. وما بعدها.
- - إدوارد سعيد، الاستشراق المعرفة السلطة الإنشاء، ترجمة كمال أبو ديب ط:1 1981-
- - سالم يفوت، " حفريات الاستشراق: في نقد العقل الاستشراقي".