مسجد السلطان حسن
مسجد ومدرسة السلطان حسن بالقاهرة. يعد المسجد أكثر آثار القاهرة تناسقا وانسجاما، ويمثل مرحلة نضوج العمارة المملوكيّة. وتم ترميم وإصلاح المسجد من قبل لجنة حفظ الآثار المصرية عام 1915م.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النشأة
أنشأ المسجد السلطان حسن بن محمد بن قلاوون. بدأ البناء في سنة 1356 ميلادية واكتمل بعدها بسبع سنوات في 1363. قتل السلطان قبل انتهاء البناء ولم يعثر على جثمانه، ولم يدفن في الضريح الذي بناه في المسجد خصيصا بل دفن فيه ولداه فيما بعد.
جامع الملك الناصر حسن هذا الجامع يُعرف بمدرسة السلطان حسن وهو تجاه قلعة الجبل فيما بين القلعة وبركة الفيل وكان موضعه بيت الأمير يلبغا اليحياوي الذي تقدّم ذكره عند ذكر الدور وابتدأ السلطان عمارته في سنة سبع وخمسين وسبعمائة وأوسع دوره وعمله في أْكبر قالب وأحسن هندام وأضخم شكل فلا يُعرف في بلاد الإسلام معبد من معابد المسلمين يحكي هذا الجامع أقامت العمارة فيه مدّة ثلاث سنين لا تبطل يومًا واحدًا وأرصد لمصروفها في كل يوم عشرون ألف درهم عنها نحو ألف مثقال ذهبًا.
ولقد أخبرني الطواشي مقبل الشاميّ: أنه سمع السلطان حسنًا يقول: انصرف على القالب الذي بني عْليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم نقرة وهذاالقالب مما رمي محلى الكيمان بعد فراغ العقد المذكور.
قال: وسمعت السلطان يقول لولا أن يُقال ملك مصر عجز عن إتمام بناء بناه لتركت بناء هذا الجامع من كثرة ما صُرف عليه وفي هذا الجامع عجائب من البنيان منها: أن ذراع إيوانه الكبير خمسة وستون ذراعًا في مثلها ويقال أنه أكبر من إيوان كسرى الذي بالمدائن من العراق بخمسة أذرع ومنه القبة العظيمة التي لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها ومنها المنبر الرخام الذي لا نظير له ومنها البوابة العظيمهّ ومنها المدارس الأربع التي بدور قاعة الجامع إلى غير ذلك.
وكان السلطان قد عزم على أن يبني أربع منابر يؤذن عليها فتمت ثلاث منابر إلى أن كان يوم السبت سادس شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة فسقطت المنارة التي على الباب فهلك تحتها نحو ثلاثمائة نفس من الأيتام الذين كانوا قد رتبوا بمكتب السبيل الذي هناك ومن غير الأيتام وسلم من الأيتام ستة أطفال فأبطل السلطان بناء هذه المنارة وبناء نظيرتها وتأخر هناك منارتان هما قائمتان إلى اليوم ولما سقطت المنارة المذكورة لهجت عامّة مصر والقاهرة بأن ذلك منذر بزوال الدولة فقال الشيخ بهاء الدين أبوحامد أحمد بن علي بن محمد السبكيّ في سقوطها: أبشِرْ فسعدُكَ يا سلطانُ مصرَ أتى بشيرُهُ بمقالٍ سارَكالمثل.
إن المنارةَ لمْ تَسْقُط لمنقَصة لكن لسرخفيّ قدتبينَ لي.
من تحتها قُرىء القرآن فاستمَعَت فالوجدُ في الحالِ أدّها إلى الميل.
لو أنزلَ اللهُ قرآنًا على جبل تصدعت رأسُهُ من شدّةِ الوجل.
تلكَ الحجارةُ لم تنقَضُّ بل هبطَت من خشيةِ الله للضعفِ والخلل.
وغابَ سلطانُها فاستوحشت ورمَت بنفسها لجوى في القلبِ مشتعل.
فالحمدُ للهِ حظُ العينٍ زاالَ بما قد كان قدّرَهُ الرحمنُ في الأزلِ.
لا يعتري البؤسَ بعد اليوم مدرسةً شيدَت بنيانها بالعلمِ والعمل.
ودمتَ حتى ترى الدنيا بها امتلأت علمًا فليسَ بمصرَ غيرُ مشتغل.
رخام هذا الجامع فأتمه من بعده الطواشي بشير الجمدار وكان قد جعل السلطان على هذا الجامع أوقافًا عظيمة جدًّا فلم يترك منها إلاّ شيء يسير وأقطع أكثر البلاد التي وقفت عليه بديار مصر والشام لجماعة من الأمراء وغيرهم وصار هذا الجامع ضدًّا لقلعة الجبل قلما تكون فتنة بين أهل الدولة إلاّ ويصعد عدّة من الأمراء وغيرهم إلى أعلاه ويصير الرمي منه على القلعة فلم يحتمل ذلك الملك الظاهر برقوق وأمر فهدمت المرج التي كان يُصعد منها.
إلى المنارتين والبيوت التي كان يسكنها الفقهاء ويتوصل من هذه الدرج إلى السطح الذي كان يُرمى منه على القلعة وهدمت البسطة العظيمة والدرج التي كانت بجانبي هذه البسطة التي كانت قدّام باب الجامع حتى لا يمكن الصعود إلى الجامع وسدّ من وراء الباب النحاس الذي لم يعمل فيما عهد باب مثله وفتح شباك من شبابيك أحد مدارس هذا الجامع ليتوصل منه إلى داخل الجامع عوضًا عن الباب المسدود فصار هذا الجامع تجاه باب القلعة المعروف بباب السلسلة وامتنع صعود المؤذنين إلى المنارتين وبقي الأذان على درج هذا الباب وكان ابتداء هدم ما ذكر في يوم الأحد ثامن صفر سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ثم لما شرع السلطان الملك المؤيد شيخ في عمارة الجامع بجوار باب زويلة اشترى هذا الباب النحاس والتنور النحاس الذي كان معلقًا هناك بخمسمائة دينار ونقلًا في يوم الخميس سابع عشري شوال سنة تسع عشرة وثمانمائة فركب الباب على البوابة وعلق التنور تجاه المحراب فلما كان في يوم الخميس تاسع شهر رمضان سنة خمس وعشرين وثمانمائة أعيد الأذان في المئذنتين كما كان وأعيد بناء المرج والبسطة وركب باب بدل الباب الذي أخذه المؤيد واستمرّ الأمر على ذلك.
تكوين المسجد
يتكون البناء من مسجد مدرسة لكل مذهب من المذاهب الأربعة (الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي).
جماليات البناء
يصف المستشرق الفرنسي جاستون فييت هذا الأثر الخالد بقوله: "هذا الجامع هو الوحيد بين جوامع القاهرة الذي يجمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، وأثره قوي في نفوسنا؛ إذ له خصائصه التي لا يشترك معه فيها غيره"، ويقول "جومار" في كتاب وصف مصر: "إنه من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في الرتبة الأولى من مراتب العمارة العربية بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنتيه، وعظم اتساعه وفخامة وكثرة زخارفه…".
المسجد
يتكون المسجد من أربعة إيوانات متعامدة متواجهة مشرفة أكبرها الشرقى، حيث التمهيد المؤدى إلى القبة، ويبلغ طول الدهليز المؤدي إلى القبة 28 متر.
ويأخذ المسجد في بناءه طراز المساجد الفارسية حيث يمكن للنظار استيعاب مساحته من أي زاوية. وتوجد نقوش محدودة على جدران البناء ، مثل شريط الجس الموجود في الإيوان الشرقي وقد كتب عليه جمل بالخط الكوفي مستوحاة من أوراق النبات نصها: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا، هو الذى أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزاً عظيماً». [1].
النص القرآنى هنا جزء رئيسى من البناء، ويسهم في إبراز الهدف منه، وبث السكينة في النفوس، وأرواح الموتى المفترض رقودهم تحت القبة، خاصة روح من أمر بتشييد المسجد، السلطان نفسه.
وصحن المسجد على هيئة مربع تقريبا، طوله 34.60 متر وعرضه 37.5 متر، الأرضية مفروشة بالرخام، في المركز تماما فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم على ثمانية أعمدة، كتب على القبة آية الكرسى وتاريخ الفراغ منها، هذه الميضأة تذكرنى بأخرى تتوسط مسجد السلطان برقوق في النحاسين، والذى يكون ملخصاً معماريًا جميلاً لمدرسة ومسجد السلطان حسن.
مدرسة السلطان حسن
بدأ السلطان حسن في بناء مدرسته الشهيرة سنة (757 هـ =1356م) بعد أن استتب له الأمر وأصبحت مقاليد الأمور في يديه، واستمر العمل بها ثلاث سنوات دون انقطاع حتى خرجت على النحو البديع في البناء والعمارة.
والمدرسة أو مسجد السلطان حسن تقع على مساحة 7906 أمتار مربعة، أي ما يقرب من فدانين، وهي على شكل مستطيل غير منتظم الأضلاع، ويبلغ امتداد أكبر طول له 150 مترا، وأطول عرض 68 مترا، وهو خال من جميع الجهات؛ ولذلك فللمسجد أربع واجهات، وتقع الواجهة الرئيسية في الضلع الشمالي الذي يبلغ طوله 145 مترا، وارتفاعه 37.80 مترا، ويؤدي الباب الرئيسي للمسجد إلى مدخل يؤدي إلى الصحن وهو مربع الشكل تقريبا يبلغ طوله 34.60 مترا، وهو مفروش بالرخام، ويتوسطه فسقية للوضوء تعلوها قبة خشبية تقوم على ثمانية أعمدة.
وحول الصحن من جهاته الأربع إيوانات المدرسة، أكبرها إيوان القبلة، وتبلغ فتحته 19.20 مترا، وعمقه 28 مترا، ويتوسط الإيوان دكة المبلغ، وهي من الرخام، ويوجد في صدر الإيوان محراب كبير مغطى بالرخام الملون والمحلى بالزخارف مورقة تتخللها عناقيد العنب، ويجاور المحراب منبر من الرخام له باب من النحاس المفرغ.
ويكتنف المحراب بابان يوصلان إلى القبة التي تقع خلف المحراب، وهي مربعة، طول كل ضلع من أضلاعها 21 مترا، وارتفاعها إلى ذروتها 48 مترا، وبها محراب من الرخام محلى بزخارف دقيقة، وبالجانب القبلي الشرقي المنارتان العظيمتان، ويبلغ ارتفاع كبراهما 81.50 مترا.
ويحيط بالصحن أربع مدارس للمذاهب الأربعة تعد مساجد صغيرة محدقة بالجامع الكبير، وتتكون كل مدرسة من إيوان وصحن تتوسطه فسقية، وتحتوي كل مدرسة على ثلاثة طوابق تشتمل على غرف الطلبة والدرس، ويطل بعضها على صحن المدرسة وبعضها الآخر يطل على الواجهات الخارجية، وتعد المدرسة الحنفية أكبر المدارس؛ إذ تبلغ مساحتها 898 مترا.
نظام التدريس
وقد قرر حسن لكل مذهب من المذاهب الأربعة شيخا ومائة طالب، في كل فرقة خمسة وعشرون متقدمون، وثلاثة معيدون، وحدد لكل منهم راتبا حسب وظيفته، وعين مدرسا لتفسير القرآن، وعين معه ثلاثين طالبا، عهد إلى بعضهم أن يقوموا بعمل الملاحظة، وعين مدرسا للحديث النبوي، وخصص له راتبا قدره 300 درهم، ورتب له قارئا للحديث.
وعين بإيوان مدرسة الشافعية شيخا مفتيا، ورتب معه قارئا، يحضر أربعة أيام من كل أسبوع، منها يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة، ويقرأ القارئ ما تيسر من القرآن والحديث النبوي، كما عين مدرسا حافظا لكتاب الله عالما بالقراءات السبع، يجلس كل يوم ما بين صلاة الصبح والزوال بإيوان الشافعية، وجعل معه قارئا يحفظ من يحضر عنده من الناس.
ولضمان انتظام العمل بالمدرسة عين السلطان حسن اثنين لمراقبة الحضور والغياب، أحدهما بالليل والآخر بالنهار، وأعد مكتبة وعين لها أمينا، وألحق بالمدرسة مكتبين لتعليم الأيتام القرآن والخط، وقرر لهم الكسوة والطعام؛ فكان إذا أتم اليتيم القرآن حفظا يعطى 50 درهما، ويمنح مؤدبه مثلها ومكافأة له.
وعين السلطان طبيبين: أحدهما باطني والآخر للعيون، يحضر كل منهما كل يوم بالمسجد لعلاج من يحتاج من الموظفين والطلبة.
وقد احتفل السلطان حسن بافتتاح مدرسته قبل إجراء باقي الأعمال التكميلية، وصلى بها الجمعة، وأنعم على البناءين والمهندسين، وقد ظل اسم المهندس الفنان الذي أبدع هذا العمل مجهولا قرونا طويلا حتى كشف عنه الأستاذ "حسن عبد الوهاب"، وتوصل إليه وهو "محمد بن بيليك المحسني" من خلال الكتابة الجصية الموجودة في المدرسة الحنفية. ولا يزال هذا الأثر الخالد يثير الدهشة والإعجاب في نفوس زائريه، كما أثارها من ساعة تشييده على معاصريه وزائريه من الرحالة والمؤرخين.
يعتمد تخطيط مسجد السلطان حسن على التخطيط المتعامد، ويتوسطه صحن مفتوح محاط بأربعة إيوانات؛ كل منها مغطى بقبو. وأعمق هذه الإيوانات هو ذلك الذي يقع في اتجاه قبلة الصلاة، ويضم المحراب والمنبر ودكة المبلغ. وتوجد في وسط الصحن نافورة تعلوها قبة بنيت على ثمانية أعمدة. ويضم الصحن أربعة أبواب؛ بواقع واحد عند كل ركن، تفتح على أربعة مدارس تمثل المذاهب الأربعة التي أكبرها المذهب الحنفي. تضم كل مدرسة (لمذهب) صحنا وإيوانا مفتوحا، وفي وسط الصحن نافورة. وتطل على الصحن طبقات من الحجرات بعضها فوق بعض. وتقع غرفة الدفن خلف حائط القبلة. وللمدرسة مئذنتان تقعان عند الواجهة الشرقية، ويقع المدخل الرئيسي عند الركن الغربي للواجهة الشمالية. ويظهر نمط المدرسة التأثير السلجوقي على العمارة المصرية.
تكاليف البناء
يقول المؤرخون إن السلطان وجد كنزا فيه ذهب يوسخى، عند حفر الأساس، ومنه أنفق على البناء الهائل الذى يفوق إيوانه القبلى إيوان كسرى، ولكن قيل مثل هذا عن ابن طولون أيضا.
يقول الطواشى مقبل الشامى إنه سمع السلطان يقول: انصرف على القالب الذى بنى عليه عقد الإيوان الكبير مائة ألف درهم نقرة، وهذا القالب «أى الهيكل الخشبى الذى شيد حول الإيوان» مما رمى على الكيمان «أى على تلال القمامة».
قال الطواشى أيضا إن السلطان قال أيضا: لولا القول إن ملك نصر عجز عن إتمام بنائه لتركته لكثرة ما صرف عليه.
ويغطي منبر المسجد بالنحاس المشغول، وكذلك يوجد زخارف نحاسية وخشبية على باب المدرسة الخلفية والباب المركزب على النافذة المؤدية إلى قبة المسجد. وتوجد الزخارف أيضا أمام المحراب، العميق، المزخرف بالرخام الملون، على جانبية لوحتان نقش عليهما:
«جدد هذا المكان المبارك حسن أغا خزيندار الوزير إبراهيم باشا بيد الفقير محمد سنة ١٠٨٢هـ».
تحقيق عن مسجد ومدرسة "السلطان حسن"
قرأت الكثير عن الآثار الإسلامية ولم أرَ أثرًا أمتدحه مثلما أمتدح به مسجد ومدرسة "السلطان حسن" الواقع في ميدان صلاح الدين بالقاهرة، ذلك الأثر المملوكي الذي يعد من أعظم وأفخم الآثار الإسلامية.. وقد أنشأ المسجدَ والمدرسةَ السلطانُ الناصر "حسن بن محمد بن قلاوون" عام 1334م، وكان الغرض من إنشائه تدريس المذاهب الأربعة.. فقام السلطان بتعيين المدرسين والمراقبين، وعين لهم المرتبات، وحدد لكل مدرس 100 طالب يقوم بتدريسهم، وألحق بالمدرسة سكنا للطلبة المغتربين. تبلغ مساحة المسجد 8906م، وطوله 150م، وعرضه 68م، وارتفاعه 37.70م وبالمسجد مئذنتان رشيقتان بإيوان القبلة، كان من المقرر إنشاء أربع مآذن للمسجد إلا أنه سقطت الثالثة، ولم يشرع في بناء الرابعة.. ونظرًا لروعة ما قرأت عن ذلك الأثر قررت زيارته.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فن وخشوع وعظمة
حينما وطأت قدماي أرضه اكتشفت عظمة الأثر ولمست بيدي صناعة الأجداد وشعرت برئتي ترتد إليهما الحياة حينما استنشقت ذلك العبق التاريخي العطر.. حينما صعدت الدرج المؤدي لباب المسجد وقفت بجوار دفتي الباب الضخم النحاسي الذي يشعرك –عفوًا- بالضآلة مهما كان حجمك، وحينما تتغاضى عن هذا الشعور وتدخل المسجد تجد أمامك مباشرة واجهة مصنوعة من الفسيفساء بأشكال هندسية إسلامية بديعة.. حين تشرع في الدخول إلى صحن المسجد تجد نفسك في ممر طويل منحن نسبيًا، عولج بحيث لا يشعر الداخل بوجود أي انحراف، وأخيرًا وصلت إلى صحن المسجد الذي ما إن يره أحد إلا فغر فاه، وحارت عيناه أين تستقر في تلك اللوحة الفنية؟
أخيرًا استقررت على الميضأة المحمولة على ثمانية أعمدة من الرخام، وحول الميضأة أربعة إيوانات متعامدة –غرف من ثلاثة ضلوع- وبجوار كل إيوان باب لأحد المدارس المذهبية الأربعة، وخلف كل باب أربعة طوابق تضم ما يقرب من 150 غرفة للتدريس.
لاحظت أن ثلاثة إيوانات متشابهة في بساطة التصميم وفي شكل المشكاوات التي كانت مكفنة بالذهب والفضة، لكنها نُقلت وحُفظت في المتحف الإسلامي بالقاهرة. أما عن الإيوان الرابع الإيوان الشرقي "إيوان القبلة"، وهو الإيوان الوحيد المكسو بالرخام والحجارة الفاخرة الملونة فمحاط بإطار من أعلى كُتب عليه بالخط الكوفي سورة الفتح، وقد بلغت فخامة هذا الإيوان أن قيل إنه أكبر من إيوان "كسرى" الموجود بالمدائن بالعراق.
وفي منتصف الإيوان تقريبًا "دكة المبلغ" –دكة عالية ذات سلالم صغيرة يصعد عليها المبلغ لترديد تكبيرات الصلاة خلف الإمام- وتميزت هذه الدكة بجمال أعمدتها الرخامية..
أما عن المحراب فوجدته رخاميا مزينا بقطع من النقوش الذهبية، وعلى يمين المحراب تجد المنبر الرخامي الأبيض وله باب من الخشب المصفح بالنحاس المضلع النجمي.
الضريح
يوجد ضريح مسجد السلطان حسن على يسار باب المحراب في المسجد، ودفن فيه الشهاب أحمد ابن السلطان حسن. يعلو الضريح قبة عالية تحفها المقرنصات – نقوش بارزة تشبه خلايا النحل توحي للناظر بالارتفاع، يكسو جدران الضريح الرخام الفاخر، وبه مكتبتان كانتا تضمان أمهات كتب المذاهب الأربعة، وبه أيضًا حامل للمصحف الشريف مصنوع من خشب الصندل، ومكسو بالصدف.
الأدب المملوكي
فى العصر المملوكي، ازدهرت الحركة الأدبية ازدهاراً كبيراً. فقد نشأت مدرسة مصرية شهيرة اختصت بتأليف الموسوعات في شتى النواحي الأدبية والسياسية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية. ورأس هذه المدرسة في مصر، شهاب الدين النويري، صاحب الموسوعة الشهيرة باسم "نهاية الإرب في فنون الأدب". وقد بلغ من قيمتها وموسوعاتها أن ترجمت للغة اللاتينية منذ القرن الثامن عشر. ويعد بن دانيال، الأديب والطبيب، من أشهر أدباء مصر في العصر المملوكي، (توفي عام 710هـ / 1310م)، وهو صاحب أول محاولة لمسرحيات خيال الظل في العصور الوسطى. حيث جمعت مثل هذه المسرحيات بين الشعر والنثر الفني. كما أن قصص ألف ليلة وليلة قد احتوت على مواد مصرية قصصية كثيرة يمكن تحديد تاريخها بالقرن 8 هـ/ 14 م.
وفي العصر المملوكي كان السلاطين والأمراء وكبار الجاه يرون تقريب العلماء والشعراء مظهراً من مظاهر الشرف والنبل. فكانت منازلهم وقصورهم موئلاً للأدباء والشعراء. وازدهر النثر الفني والشعر، حيث تم الاحتياج إلي الكتاب في ديوان الإنشاء، وبرع في ذلك الأديب بن عبد الظاهر (توفي 692 هـ/ 1293 م)، حيث عينه بيبرس كاتباً للسر بديوان الإنشاء. ويعكس شعر العصر المملوكي كافة جوانب المجتمع المملوكي السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة. كما ازدهرت المناظرات الأدبية والشعرية المختلفة، ومن أشهر شعراء العصر المملوكي بن الجزار وبن الوراق والمناوي المصري. واشتهر الصلاح الصفدي كأحد أهم مؤلفي الموشحات في العصر المملوكي. وارتبطت المناسبات التاريخية وآثار مصر في العصر المملوكي ارتباطاً وثيقاً بالشعر. فقد مدح السلطان بيبرس البندقداري عند افتتاح المدرسة الظاهرية، ومدح السلطان برقوق شعراً عندما تم افتتاح مدرسته في بين القصرين. وقال ابن إياس شعراً في السلطان الغوري بعد فراغه من بناء مصطبة وان لم يخل الشعراء حول الغوري من هجاء.
وعندما سقطت إحدى منارات مسجد السلطان حسن (762 هـ / 1361 م) واعتبر الناس ذلك نذيراً بزوال الدولة، حتى سارع الشاعر بهاء الدين السبكي (توفى 773 هـ / 1372 م) ليجعل من ذلك بشير سعد للسلطان والدولة إذا ما سقطت المئذنة إلا إجلالاً للقرآن الذى يقرأ تحتها.
ملخص عن المسجد و المدرسة
مسجد ومدرسة السلطان حسن 757-764 هجرية = 1356-1363م. أنشأ هذا المسجد العظيم السلطان حسن بن الناصر محمد قلاوون ولى الحكم سنة 748 هجرية = 1347م بعد أخيه الملك المظفر حاجى وعمره ثلاث عشرة سنة ولم يكن له في أمر الملك شيئا لصغر سنه بل كان الأمر بيد أمرائه وما لبث أن بلغ رشده فصفت له الدنيا واستبد بالملك إلى أن اعتقل سنة 752 هجرية = 1351م وظل في معتقله مشتغلا بالعلم حتى أعيد إلى السلطنة مرة أخرى في سنة 755 هجرية = 1354م وظل متربعا في دست الحكم إلى أن قتل سنة 762 هجرية = 1361م.
وكان البدء في بناء هذا المسجد سنة 757 هجرية = 1356م واستمر العمل فيه ثلاث سنوات بغير انقطاع ومات السلطان قبل أن يتم بناءه فأكمله من بعده أحد أمرائه - بشير الجمدار- سنة 764 هجرية1363م.
يعتبر هذا المسجد بحق أعظم المساجد المملوكية وأجلها شأنا فقد جمع بين ضخامة البناء وجلال الهندسة، وتوفرت فيه دقة الصناعة وتنوع الزخرف، كما تجمعت فيه شتى الفنون والصناعات فنرى دقة الحفر في الحجر ممثلة في زخارف المدخل ومقرنصاته العجيبة.
وبراعة صناعة الرخام ممثلة في وزرتى القبة وإيوان القبلة ومحرابيهما الرخاميين والمنبر ودكة المبلغ وكسوة مداخل المدارس الأربعة المشرفة على الصحن ومزررات أعتاب أبوابها كما نشاهد دقة صناعة النجارة العربية وتطعيمها مجسمة في كرسى السورة الموجود بالقبة.
أما باب المسجد النحاسى المركب الآن على باب جامع المؤيد فيعتبر مثلا رائعا لأجمل الأبواب المكسوة بالنحاس المشغول على هيئة أشكال هندسية تحصر بينها حشوات محفورة ومفرغة بزخارف دقيقة. وما يقال عن هذا الباب يقال عن باب المنبر.
وهناك على أحد مدخلى القبة بقى باب مصفح بالنحاس كفتت حشواته بالذهب والفضة على أشكال وهيئات زخرفية جميلة جديرة بإقناعنا بعظيم ما يحويه هذا المسجد من روائع الفن وما أنفق في سبيله من أموال طائلة.
وقد ازدحمت روائع الفن في هذا المسجد فاشتملت على كل ما فيه لا فرق في ذلك بين الثريات النحاسية والمشكاوات الزجاجية وقد احتفظت دار الآثار العربية بالقاهرة بالكثير من هذه التحف النادرة وهى تعتبر من أدق وأجمل ما صنع في هذا العصر.
أنشئ هذا المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد إذ يستطرق الإنسان من المدخل الرئيس إلى دركاة ثم ينثنى يسارا إلى طرقة توصل إلى صحن مكشوف مساحته 32 في 34.60 متر.
تشرف عليه أربع إيوانات متقابلة ومعقودة أكبرها وأهمها إيوان القبلة تحصر بينها أربع مدارس لتعليم المذاهب الأربعة الإسلامية كتب على كل من أبوابها أنه أمر بإنشائها السلطان الشهيد المرحوم الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون في شهور سنة 764 هجرية ويتكون كل منها من صحن مكشوف وإيوان القبلة ويحيط بالصحن مساكن للطلبة مكونة من عدة طبقات بارتفاع المسجد.
ويتوسط صحن المسجد قبة معقودة على مكان الوضوء تحملها ثمانية أعمدة رخامية كتب بدائرها آيات قرآنية في نهايتها تاريخ إنشائها 766 هجرية وتحيط بدائر إيوان القبلة وزرة رخامية يتوسطها المحراب وعلى يمينه المنبر الرخامى الذى يعد من المنابر الرخامية القليلة التى نشاهدها في بعض المساجد، ويعلو الوزرة الرخامية طراز من الجص محفور به سورة الفتح بالخط الكوفى المزخرف بلغ الذروة في الجمال والإتقان.
وتقوم القبة خلف جدار المحراب - بعد أن كانت تشغل أحد الأركان في المساجد الأخرى وهذا الوضع ظهر في هذا المسجد لأول مرة.
ويتوصل إليها من بابين على يمين ويسار المحراب بقى الأيمن منها بمصراعيه النحاسيين المكفتين بالذهب والفضة بينما فقد مصراعا الأيسر.
وتبلغ مساحة القبة 21 في 21 مترا وارتفاعها 48 مترا، ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن السابع عشر حيث حلت محل القبة القديمة، وبأركانها مقرنصات ضخمة من الخشب نقش أحدهما ليمثل ما كانت عليه باقى الأركان، وتكسو جدران القبة بارتفاع ثمانية أمتار وزرة رخامية يعلوها طراز خشبى كبير مكتوب في نهايته تاريخ الفراغ من بناء القبة القديمة سنة 764 هجرية.
ولهذا المسجد وجهتان هامتان أولاهما الوجهة العمومية وطولها 150 مترا تحليها صفف مستطيلة تنتهى بمقرنصات ومفتوح فيها شبابيك لمساكن الطلبة وتنتهى من أعلى كما تنتهى الوجهة الشرقية والمدخل بكرنيش ضخم من المقرنص المتعدد الحطات والذى يبلغ بروزة حوالى 1.50 متر وكان يعلوه شرفات مورقة أزيلت عن الواجهة العمومية والمدخل في السنين الأخيرة للتخفيف عنه.
وبالطرف الغربى لهذه الوجهة يقوم المدخل العظيم الذى يبلغ ارتفاعه 38 مترا والذى يمتاز بضخامه وزخارفه المتنوعة المحفورة في الحجر أو الملبسة بالرخام وبمقرنصاته الخلابة التى تغطى حجر الباب.
أما الواجهة الثانية فهى المشرفة على ميدان صلاح الدين وتتوسطها القبة تقوم على يمينها المنارة الكبيرة التى يبلغ ارتفاعها 84 مترا تقريبا وعلى يسارها منارة صغيرة أقل من الأولى ارتفاعا. ويرجع تاريخ إنشائها إلى سنة 1070 هجرية = 1659 / 60م.
معرض الصور
مسجد السلطان حسن على اليمين وبجواره مسجد الرفاعي علي اليسار وأسفلهم مسجدين عُثمانيين -القاهرة
صورة داخلية لإيوانات المسجد
انظر أيضاً
مرئيات
مسجد السلطان حسن. |
وصلات خارجية
30°01′55″N 31°15′22″E / 30.032°N 31.256°E
المصادر
http://www.afaqdubai.com/vb/showthread.php?t=11999
- ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة – طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية – القاهرة – بدون تاريخ.
- المقريزي: الخطط المقريزية طبعة مصورة عن طبعة بولاق– سلسلة الذخائر القاهرة- 1999م.
- حسن عبد الوهاب: تاريخ المساجد الأثرية في القاهرة– الدار العربية للكتاب- الطبعة الثانية- القاهرة- 1993م.
- سعاد ماهر: مساجد مصر وأولياؤها الصالحون- المجلس الأعلى للشئون الإسلامية- القاهرة- 1976م.
مجموعة من العلماء: تاريخ وآثار مصر الإسلامية- الهيئة العامة للاستعلامات- القاهرة- بدون تاريخ.