الأدب في العصر العباسي
الأدب في العصر العباسي
كان مفهوم العلماء للثقافة واسعًا يمثل المعرفة بأسرها ومن هنا كان تعريف الأديب والمثقف في عرفهم بأنه: "الشخص الذى يعرف طرفًا من كل علم"، وتظهر هذه الصفة في المؤلفات الأدبية عامة، فلم تقتصر هذه الكتب على نوع واحد من الأدب، فقد كان الأديب لغويًا، ومؤرخًا، وجغرافيًا وملمًا بأطراف المعارف الأخرى. وقد كان هذا العصر عصر قيام نهضة أدبية علمية وخاصة في الشعر ، ولم تستقل بغداد وحدها ولا قرطبة وحدها بهذه الظاهرة، بل وجدنا كثيرًا من الدول التى انبثقت عن الدولة العباسية أو قامت في ظلالها يتنافس بعضها مع بعض في رفع منار الأدب والعلم، حتى ولو كان ملوكها وأمراؤها من الأعاجم، فإن هؤلاء الأمراء الأعاجم قد شجعوا العربية في معرض تشجيعهم للعلم والثقافة، فقد كانت لغة الضاد وهى لغة العلم المشتركة تنتشر في تلك الأصقاع والدويلات، بل شجعوا الشعر العربىّ، وأثابوا على نظمه، وأجزلوا العطايا لقائليه على حين كان بعض هؤلاء الأمراء الأعاجم ينظمون الشعر ويتذوقونه، ويفرقون بين جيده ورديئه، فما بالك إذا كان هذا الأمير الذى على دويلة تابعة عربي الأصل. ومن أمثلة ذلك أن ملوك بني بويه كانوا يحبون العلماء والأدباء، ويقربونهم إلى أبوابهم، ولا يعينون في الوزارة والكتابة إلا الشعراء، والكتاب، والعلماء كالصاحب بن عباد، وابن العميد، و"سابور بن أردشير"، وقد كان لأكثر ملوك بنى بويه أنفسهم شهرة في الأدب والشعر حيث كان عضد الدولة بن بويه مشاركًا في فنون أدبية مختلفة وكان ينظم الشعر الحسن. أما الدولة الغزنوية بأفغانستان و الهند فكان محمود الغزنوي أشهر سلاطينها يقرب إليه العلماء، والشعراء، والأدباء، وكان لا يسمع بشاعر أو عالم إلا استقدمه. هؤلاء هم بعض ملوك الأعاجم الذين شجعوا الأدب العربي، والشعر العربي، ولو لم يكن ذلك إلا على سبيل التباهى والتكاثر على غيرهم من الملوك، وكان ذلك في حد ذاته كافيًا لتسجيل فضلهم على الأدب العربي. على أن ملوك الدويلات العربية، وأمراءها كان عندهم حوافز أصيلة لرعاية الأدب، والعلم، وتقدمهما، فقد كان الحمدانيون عربًا من قبيلة تغلب، حكموا الموصل وحلب وما والاهما، وكان سيف الدولة بن حمدان ممدوح الشاعر المتنبى أبعدهم حينًا في تشجيع الشعراء والأدباء على أنه هو نفسه كان شاعرًا مجيدًا. وقد كان لتشجيع الأمراء والملوك العرب والأعاجم- أيًا كانت الدوافع - نتائج طيبة في ازدهار الأدب العربي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الشعر في العصر العباسى
حين ازداد تمزق الخلافة؛ تعددت العواصم التى حاولت احتضان الشعراء والأدباء وشجعتهم على القول. فإلى جانب بغداد تنهض حلب عاصمة الحمدانيين، وبخارى و سمرقند مركزا الحكم الساماني.
وقد طرأت على الشعر تغيرات عديدة، فقد ضعفت فيه مواضيع وقويت مواضيع أخرى، ونشأت فيه أغراض لم تكن موجودة من قبل أو كانت ضئيلة محددة المجال، وتغيرت معانيه، وأخيلته، والألفاظ المستعملة فيه. لقد ضعف الشعر السياسىّ الحماسىّ، والغزل العذرىّ، وفى المقابل قوى شعر المدح، وازداد الشعر الحكمىّ عمقًا، وحظى شعر البطولة بقمة ازدهاره على يد شاعره الأكبر أبي الطيب المتنبي، الذى كان كثير التنقل والرحلة في أصقاع العالم العربي والإسلامي كله، فأضفت عليه خبراته وتجاربه في الحياة فيضًا من شعر الحكمة والمثل، ولم تكن حكمه وأمثاله نتيجة خبرات شخصية وحسب، ولكنه أفاد من ثقافته الواسعة المكتسبة من اطلاعه على مترجمات الإغريق والرومان. وقد أجاد المتنبي شعر الحكمة، والحماسة، والمدح، والفخر، والعتاب، وكان في ذلك كله مبرزًا لا يدانى، ووصفه للوقائع بين سيف الدولة والروم يعبر عن أروع لوحات التصوير لشعر المعارك، وفلسفته عملية مأخوذة من تجاربه مع الأيام.
كما بلغ الشعر الفلسفىّ أو الفكرىّ ذروته على يد أيى العلاء المعرىّ، الذى يتسم شعره كله بطابع فلسفىّ عميق، وهو ليس صاحب خطرات فلسفية عابرة وحسب؛ ولكنه فيلسوف يعالج قضايا من الفلسفة والفكر لم يكن للشعر العربي بها سابق عهد. والواقع أن فلسفة المعري لا تتمثل في شعره وحسب ولكنها تتمثل في رسائله الفلسفية وعلى رأسها "رسالة الغفران". ولم يكن المعري إمامًا في الشعر الفلسفى وحسب ولكنه إمام في اللغة والأدب، وقد بلغ من تمكنه اللغوىّ أنه لجأ إلى التزام ما لايلزم في القوافى، فكان بارعًا ولم تعجزه لفظة لغوية في مكانها الصحيح من القافية بدون قلق أو غربة وتلك مقدرة فائقة لا تتاح إلا للغوىّ متين. وقد شاع شعر المجون وانتقل وصف الخمر من كونه مجرد لمحات يعرض لها بعض الشعراء إلى كونه غرضًا مستقلاً وقائمًا بذاته يكتب فيه أبو نواس وحده بضعة آلاف بيت في مئات القصائد والمقاطع، وكثرت الجواري، وانتشرت دور القيان.
وكرد فعل لشعر المجون والخمر يظهر شعر الزهد والتأمل والإيمان ويمثل هذا الجانب كثرة كثيرة من المسلمين في ذلك العصر، بعضهم زهد تمردًا على ما كان يراه من مظاهر الخلاعة والعبث، وبعضهم نتيجة عزوف تلقائى عن الجاه والسلطان، وبعضهم إيمانًا بما في الزهد من قلة في متاع الحياة ومؤن العيش، ولعل أبرز من مثل هذا التيار في إطار الإبداع الشعرى هو أبو العتاهية، وقد أدرك بشارًا كما كان ممن عاصروا أبا نواس، وتجربته في الزهد تجربة جديرة بالتنويه، فهى لم تكن نتيجة نزوع فطرىّ أحسه الشاعر منذ البداية، بل كانت نتيجة سلسلة صعبة من الحيرة والقلق والتردد، شأن الذين يحلون أنفسهم من قيود الدين وينظرون فيه نظر الناقد، ثم استقر به الأمر في النهاية على إسلام راسخ، وزهد في الدنيا، وعزوف عن متع الحياة ومباهجها، ومن لطيف معانيه في تحقيق شأن المال والحث على التحرر من إساره بإنفاقه في وجوه الخير قوله:
- إذا المرء لم يعتق من المال نفسه
- تملكه المال الذى هو مالكه
- ألا إنما مالى الذى أنا منفق
- وليس لى المال الذى أنا تاركه
وقد اشتد ميل الشعر الوصفىّ إلى التعبير عن مظاهر المدينة والعمران؛ وذلك نتيجة الحضارة والترف والنعيم؛ فظهر شعر الحدائق والأزهار، وبعد وصف الشيح والقيصوم والعرار، أصبح الشاعر العباسي يصف الرياض والرياحين والحدائق الملتفة وأصبح مهواه القصور والعمائر والبنايات الشاهقة، فابن المعتز مثلاً يصف عود الريحان:
- قضيب من الريحان شابه لونه
- إذا مابدا للعين لون الزمرد
ولم تتطور الفنون الشعرية تطورًا كميًا فحسب، بل لقد نالها تغير كيفي لا يستهان به، حيث توليد المعانى وتشقيق الأفكار نتيجة شيوع الثقافة وازدهار الحضارة. أما الشعر العاطفىّ والدينىّ فقد تمثل في نتاج الشريف الرضي، ومن القصائد التي يعتبرها البعض من أروع ما في الشعر العربي سينية البحتري، التى يصف فيها إيوان كسرى بالمدائن وتتعزى به والتى مطلعها:
- صنت نفسى عما يدنس نفسى
- وترفعت عن جدا كل جبس
وقد كان أبو فراس الحمداني يمثل في شعره الفروسية العربية الأصيلة بتقاليدها الكريمة، كما يمتاز بحسن الديباجة، وقوة السبك، وقد أثمرت مشاركته في الوقائع والمعارك حصيلة من الشعر الحماسىّ وشعر الفخر، ومن شعره في الفخر.
- ولما ثار سيف الدين ثرنا
- كما هيجت آسادًا غضابا
- أسنته إذا لاقى طعانًا
- صوارمه إذا لاقى ضرابا
- دعانا والأسنة مشرعات
- فكنا عند دعوته الجوابا
وأما شاعر العربية الفذ علي بن عباس بن جريج المعروف بابن الرومي فكان يقول " شعرى شعر إذا تأمله الإنسان ذو العقل والحجا عبده"، فقد كان في شعره من ألوان التصوير كل ما هو باهر معجز، وفيه من توهج الحسن ويقظة الشعور بالطبيعة وعناصرها ما يضع صاحبه في مقدمة شعراء العربية من حيث القدرة على تشخيص مفردات الطبيعة، وإلباسها كيانًا بشريًا لا تنقصه الحرارة، ولا يعوزه الانفعال الفني وقد ظهر أيضًا في هذا العصر الشعر الصوفي والتعليمي والقصصي وغير ذلك من الموضوعات الجديدة، وحرص الشعراء على التناسب والترابط بين أجزاء القصيدة، وراعوا الترتيب في المعاني، واختاروا الأوزان الخفيفة، واستعملوا الألفاظ الواضحة اللطيفة، وأكثروا من المحسنات البيانية والبديعية، وقد أسرف الشعراء المتأخرون في استعمال ضروب البديع من جناس، وطباق، وتورية، وما إليها، واهتموا بتزويق اللفظ، وهكذا تدرج الشعر العربي من المعاني البسيطة الساذجة إلى المعاني المعقدة، ومن الخيال البسيط والصورة الواقعية إلى التكلف في الصنعة، والغلو في الوصف والاستعارة والتشبيه.
النثر في العصر العباسي
كان للعرب نثر فنىّ رائع مازالت نماذجه الحية تقرأ فتثير النفوس، وتمتع العقول، وقد بدأ النثر في صدر الإسلام بسيطًا، مباشرًا، موجز العبارة، واضح الألفاظ، وبتقدم الحياة الاجتماعية والعقلية تقدم النثر فتنوعت مواضيعه، وتعددت فنونه، ودقت معانيه، وظهرت الصنعة في أسلوبه، والإسهاب في عبارته، ومن كبار الكتاب الأولين عبد الحميد الكاتب، وعبد الله بن المقفع ، وجاء الجاحظ - شيخ أدباء البصرة والذى يعتبره الثعالبىّ أعظم كتاب النثر- فطور النثر المرسل، ووسع آفاقه، وصار إمامًا فيه يقتدى به المقتدون، ويحذو حذوه المنشئون، وقد كتب في كل شىء من الكتابة في المعلمين إلى الكلام عن بنى هاشم، ومن ذكر اللصوص إلى الكلام عن الضباب، ومن الكلام في صفات الله تعالى إلى الكلام في قبائح ما يحكى من كيد النساء، وكان أسلوب الجاحظ مستحدثًا، ولم يكن النثر قد تكون بعد، فكان مبتكرًا لأسلوبه على غير أساس من تجربة سابقة، وقد بلغ تطور النثر الفنى مداه في القرن الرابع الهجرى، ومن أشهر كتابه أبو حيان التوحيدىّ، ثم طغى بعد ذلك على النثر موجة الزخرفة اللفظية والإسراف في التأنق أو الإكثار من المحسنات البديعية على حساب دقة المعانى وعمق الموضوعات ويظهر ذلك في المقامات التى أبدع فيها الحريري وبديع الزمان الهمذاني.
والحق أن النثر العربىّ لا يقتصر على النثر الفنىّ من خطب ومقامات ورسائل.. إلخ، وإنما يتجلى أيضًا في مؤلفات كثير من المؤرخين، والجغرافيين، والفقهاء، والفلاسفة حيث يرى القارئ العبارة الرصينة، والمعانى الدقيقة، والوصف الحىّ الممتع، والتأليف المحكم. ومن أهم الأشكال الفنية للنثر: 1*- الرسائل: وهى تنقسم إلى نوعين:
- أ- رسمية أو عامة (ديوانية).
- ب- غير رسمية (إخوانية).
وقد كانت الرسائل الرسمية في الدولة العربية في البداية موجزة بسيطة واضحة لا تكلف فيها، ثم أخذ كتاب الدواوين يتأنقون في الرسائل حتى أصبحت معرضًا للصياغة اللفظية، والبراعة، والبلاغة، ومن أشهر كتابها: ابن العميد، والصاحب بن عباد، أما الرسائل الخاصة أو الإخوانيات فهى التى يكتبها الكاتب إلى صديق ويعبر فيها عن أفكاره، أو يصف حوادث وقعت أمامه، ومن أشهر كتابها: الجاحظ، والخوارزمي، وابن زيدون، وبديع الزمان الهمذاني الذى كان يستطيع أن يكتب كتابًا يقرأ فيه جوابه، أو يقرأ من آخره إلى أوله، أو كتابًا إذا قرئ من أوله إلى آخره كان كتابًا فإن عكست سطوره مخالفة كان جوابًا، أو كتابًا لا يوجد فيه حرف منفصل، أو كتابًا إذا فسر على وجه كان مدحًا، وإذا فسر على وجه كان قدحًا.
الخطابة في العصر العباسي
وهى تلى الشعر في الأهمية عند العرب؛ لأنها كلام بليغ فيه حماسة وخيال، يتوجه به الخطيب إلى عقول السامعين فيقنعها بالمنطق، وإلى عواطفهم فيثيرها بالحماسة ويحملها على قبول فكرته والتسليم بها، وقد وضع العرب للخطيب شروطًا وصفات، كما جعلوا للخطابة آدابًا، وللخطيب أخلاقًا، وقد كان للخطابة شأن كبير في الجاهلية وصدر الإسلام، وكانوا يدربون فتيانهم على الخطابة منذ حداثتهم، ويحفظونهم الخطب البليغة ليتأدبوا بها ويحذوا حذوها، ونجد الكثير من الخطب البليغة في كتب الأدب، وفى "البيان والتبيين" للجاحظ، وفى الكتاب الذى جمع فيه الشريف الرضي خطب الإمام علي بن أبي طالب (رضى الله عنه) وهو "نهج البلاغة".
الأمثال في العصر العباسي
اهتم العلماء العرب بالأمثال فجمعوها، وألفوا فيها الكتب، ومن أشهرها "مجمع الأمثال" للميداني، جمعه مؤلفه من نحو خمسين كتابًا في الأمثال، ورتبه على حروف المعجم بعد أن أضاف إليه أمثال المولدين، وهو أجمع كتاب في الأمثال العربية، و"المستقصى في الأمثال" للزمخشري -وهو معجم للأمثال العربية- مرتب على حروف المعجم حسب أوائل الأمثال. والمثل: عبارة موجزة تلخص مغزى تجربة مر بها الفرد أو الجماعة أو خلاصة رأى حكيم، ولما كانت الأمثال نتيجة تجارب الأمة جيلا بعد جيل أصبحت دراستها مهمة لمعرفة درجة عقلية الأمة، وأخلاقها، وعاداتها، وظروفها، وتنطلق كثير من الأمثال عفويًا من تجارب أبناء الشعب، وتشيع على ألسنتهم بلغة تخاطبهم دون صقل وتهذيب، وهذا ما يجعلها أدل على نفسية الشعب، ومستوى عقليته، ولهذا قيل "المثل هو صوت الشعب".
القصة في العصر العباسي
القصة ليست جديدة في الأدب العربي، فالقصص قديم منذ بدء الرواية في العصر الجاهلي، وهل كانت تلك الحكايات، والأخبار، والنوادر التى تدور حول وقائع العرب وأيامهم إلا لونًا من القصص؟! ثم أليس ما جاء في القرآن الكريم عن قصص الأنبياء، وما جرى لهم مع المبعوثين إليهم مخالفين أو موافقين إلا نوعًا من القصة؟! وقد التفت العرب في بدء عصر الترجمة والنقل إلى ترجمة بعض القصص والحكايات عن الأمم الأجنبية، وإن كانوا لم يتوسعوا في هذا الباب، ونأوا بجانبهم وأعرضوا الإعراض كله عن نقل الأساطير، والمسرحيات الإغريقية والرومانية خشية ما فيها من الآلهة وعبادتها وأفعالها في الجو و البحر والأرض ، وهى أفعال خوارق قد تبهر القارئ، ولكنها لاتناسب الخيال العربىّ، ولا وحدة العقيدة الإسلامية ووحدانية الله تعالى فيها، ومن أشهر ما ترجم في باب الحكايات على ألسنة الحيوان والطير كتاب "كليلة ودمنة". الذى نقله عبد الله بن المقفع عن الفارسية من أصول هندية، ونجد النوادر والحكايات في أصلها البدائي، كما نجد طائفة من حكايات العشاق، ومكابداتهم، ومصارعهم، وحكايات الضائقين الذين وقعوا في شدة فأنجاهم الله تعالى منها، وحكايات الطفيليين، ومغامراتهم المضحكة في التطفل، ومن هذه الكتب الجامعة أو المتخصصة: كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، و"الفرج بعد الشدة" للتنوخي، و"مصارع العشاق" لابن السراج، و"فاكهة الخلفاء" لابن عرب شاه، و"المستطرف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، و"نهاية الأرب" للنويري.
وفى القرن الرابع الهجري وضعت القصص الأدبية القصيرة التى تسمى "المقامات"، وهى حكايات قصيرة قليلة الحوادث، يقصد فيها الكاتب إلى التأنق في العبارة، وإظهار البراعة في اللغة أكثر مما يقصد إلى القصة بذاتها، ومن أشهر كتاب المقامات بديع الزمان الهمذاني، وجميع المقامات عنده تدور كلها حول رجل واحد هو أبو الفتح السكندري، وبذلك تقوم الحكايات المختلفة الأشكال على أساس واحد وهذا تمهيد للكتابة الروائية على صورة أكبر. ويعد الحريري البصري من أشهر كتاب المقامات، وقد ازدهر فن القصة في مصر حيث وضعت أعظم القصص العربية وأطولها وهى قصة عنترة التى يطلق عليها بعض المؤرخين "إلياذة العرب" وقد وضعها يوسف بن إسماعيل شيخ القصاصين في عهد العزيز بالله الفاطمي، وتصور هذه القصة المثل البطولية التى يعتز بها العرب بأسلوب قصصي رائع الخيال، متماسك الحبكة، قوىّ الإشارة، يتخلله حوار ممتع، وشعر شعبي فصيح بسيط العبارة والتأليف. ومن روائع القصص العربي "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري و"حي بن يقظان" للفيلسوف الأندلسي ابن طفيل.