هيو كاپيه
هيو كاپيه Hugh Capet | |
---|---|
ملك فرنسا | |
العهد | 3 July 987 - 24 October 996 |
التتويج | 3 يوليو 987، نويون |
سبقه | لويس الخامس |
تبعه | روبرت الثاني |
الدفن | |
الزوج | أدليد من أكيتان |
الأنجال | هدويگ، كونتسة مونز جيزيل، كونتسة پنتيو روبير الثاني |
البيت | آل كاپيه |
الأب | هيو الأكبر |
الأم | هدويگه من سكسونيا |
ملكية فرنسية |
---|
الكاپتيون المباشرون |
هيو كاپيه |
روبير الثاني |
هيو كاپيه Hugh Capet (و.940؟ – 996)، ملك حكم فرنسا من عام 987م إلى عام 996م، وكان ثلاثة من أسلافه ملوكًا فرنسيين حكموا خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. ولقد حكم فرنسا ملوك من سلالة هيو من عام 996م، حتى عام 1792م دون انقطاع، ومرة ثانـــية من عام 1814م، حـتى عام 1848م، وقد أخذت سلسلة متصلة من الملوك الفرنسيين الذين كانوا ينتسبون إلى هيو كابيه، اسمها منه، وأصبحت تعرف باسم الأسرة الكاپتية. وقد حلت هذه الأسرة محل العائلة الكارولنجية من الملوك الفرنسيين، الذين كانوا من سلالة الحاكم الفرنسي المشهور، شارلمان.
كان هيو رأس عائلة مهمة في فرنسا الشمالية، وقد انتخبه أمراء فرنسا ملكًا في عام 987م. وكان لهيو بوصفه ملكًا، سلطة ضئيلة خارج أراضي أسلافه ولكنه في عام 987م، اتخذ الترتيبات الضرورية لكي يُنتخب ابنه روبرت لمنصب الملك المختار، أو خليفة الملك. وبطريقة مشابهة كان من تلاه من الملوك يُعينون ورثتهم، وهكذا أصبحت الملكية الفرنسية وراثية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الروبرتيون
- مقالة مفصلة: روبرتيون
برزت فرنسا التي كان يحكمها هيو كابت (987-996) فأصبحت وقتئذ أمة منفصلة عن غيرها، ولم تعد تعترف بسيادة الإمبراطورية الرومانية المقدسة عليها، ولم تعد قط إلى أوربا الغربية الوحدة التي وهبها إياها شارلمان اللهم إلا فترة قصيرة في أيام نابليون وهتلر. ولكن فرنسا التي كانت في أيام هيو كابت لم تكن فرنسا القائمة في أيامنا هذه؛ فقد كانت أكتين وبرغندية دوقيتين مستقلتين بالفعل، وظلت بورين بعدئذ سبعة قرون جزءاً من ألمانيا. وكانت فرنسا في ذلك الوقت موطناً أجناس مختلفة ولغات متعددة: فكانت فرنسا الشمالية فلمنكية أكثر منها فرنسية، وكان في دمها عنصر ألماني كبير؛ وكان سكان نورماندي من الشماليين، وكانت بريطانيا كلتيه غير ذات صلة بسائر البلاد، يسيطر عليها لاجئون من بريطانيا؛ أما بروفانس فكانت في جنس أهلها ولغتهم "ولاية" رومانية غالية، كذلك كانت فرنسا المجاورة لجبال البرانس قوطية، وقطالونيا الخاضعة من الوجهة الرسمية للملكية الفرنسية قوطية أيضاً كما يدل على ذلك اسمها "قطالونيا". وكان نهر اللوار يقسم فرنسا إلى إقليمين، مختلفين في الثقافات واللغات. وكان العمل الذي اضطلعت به الملكية الفرنسية هو مزج الأجناس واللغات المختلفة، لينشئوا من أكثر من عشر شعوب أمة واحدة؛ ولقد تطلب هذا العمل ثمانمائة عام.
وأراد هيو كابت أن يهيئ الظروف لوراثة للعرش منظمة، فتوج ابنه ربرت ملكاً معه في السنة الأولى من حكمه ويعد "روبرت التقي" (996-1031) من الملوك الأوساط غير المبرزين(60)، ولعل سبب اشتهاره بهذه المكانة الوسطى أنه كان يتجنب مجد الحروب. مثال ذلك أنه لما قام النزاع بينه وبين هنري الثاني إمبراطور ألمانيا بشأن الحدود عقد اجتماعاً معه وتبادل وإياه الهدايا، ووصل معه إلى اتفاق سلمي. وكان ربرت رءوفاً بالضعفاء والفقراء يحميهم قدر استطاعته من الأقوياء غير ذوي الضمير، ومثله في هذا كمثل لويس التاسع، وهنري الرابع، ولويس السادس عشر. وقد أغضب الكنيسة بزواجه من برثا Bertha ابنة عمه (998)، وصبر على الحرمان وعلى سخرية الذين كانوا يعدونها ساحرة، ولكنه انفصل عنها آخر الأمر وعاش بعدئذ بائساً حزيناً إلى آخر أيام حياته. ويحدثا المؤرخون أن الناس حزنوا عليه أشد الحزن عند مماته(61)، وشبت نار حرب للوراثة بين ولديه، انتصر فيها هنري الأول (1031-1060) أكبرهما، ولكنه لم ينل النصر إلا بمعونة ربرت دوق نورماندي. ولما انتهى هذا الصراع الطويل (1031-1039) كانت المملكة قد وصلت إلى درجة من الفقر في المال والرجال لم تقو معها على منع تقطع أوصالها بفعل النبلاء الأقوياء المستقلين.
مملكة هيو كاپيه
الإمارات الاقطاعية
أنا هنا أقوى من الملك، لأن لا أحد يعرف أملاكه.
— Abbon de Fleury, ح. 1000.[1]
ممتلكات الملك
وانقسمت فرنسا حوالي عام 1000، بفعل كبار الملاك الذين كانوا يضمون إليهم تدريجياً ما يحيط بهم من الأراضي إلى سبع إمارات كبرى يحكم كلا منها كونت أو دوق. وهذه الأقسام هي أكتين، وطلوشة، وبرغندية، وأنجوا، وشمبانيا، وفلاندرز، ونورمندية. وكان هؤلاء الأدواق أو الكونتات في جميع الحالات تقريباً ورثة زعماء أو قواد منحهم الملوك المروفنجيون أو الكارلنجيون ضياعاً جزاء لهم على خدماتهم الحربية أو الإدارية. وكان الملك قد أصبح يعتمد على هؤلاء الكبراء في تجييش الجيوش وحماية ولايات الحدود؛ ولم يكن بعد عام 888 يسن القوانين للمملكة جميعها، أو يجبي منها الضرائب، بل كان الأدواق والكونتات يسنون القوانين، ويجبون الضرائب، ويشنون الحروب، ويفصلون في القضايا ويعاقبون، ويكادون يكونون سادة مستقلين في ضياعهم، لا يدينون للملك إلا بولاء أسمى، ولا يؤدون له إلا خدمة عسكرية ذات نطاق محدود. واقتصرت سلطة الملك في وضع القوانين، والفصل في القضايا، وفي الشئون المالية، على ضياعه الملكية الخاصة، وهي التي سميت فيما بعد جزيرة فرنسا lle de France وتشمل إقليمي الساءون والسين الأوسط الممتدين من أورليان إلى بوفيه ومن شارتر إلى رنس. وتقدمت نورمندية دون سائر الدوقيات المستقلة استقلالاً نسبياً بأن نمت نمواً سريعاً إلى أقصى حدود السرعة في قوتها وسلطانها، فلم يمض عليها قرن واحد بعد تسليمها لأهل الشمال حتى أصبحت أكثر ولايات فرنسا مغامرة ومخاطرة-ولعل السبب في ذلك هو قربها من البحر وموقعها بين إنجلترا وباريس. وكان أهل الشمال وقتئذ مسيحيين متحمسين للمسيحية، لهم أديرة ومدارس أديرة، وكانوا يتناسلون باستهتار ما لبث أن دفع شبابا النورمنديين إلى إنشاء ممالك جديدة من الولايات القديمة. ذلك أن بحارة الشمال كانوا حكاماً أقوياء لا يبالون بالمبادئ الأخلاقية ولا راعون في الوصول إلى أغراضهم ضميراً، ولكنهم قادرون على أن يحكموا بيد من حديد شعباً مشاكساً، مضطرباً، مكوَّناً من الغاليين والفرنجة، والشماليين. ولم يكن ربرت الأول (1028-1035) قد أصبح بعد دوقا لنورمندية حين وقعت عينه في عام 1026 على هارلت Harlette ابنة دباغ في فاليز Falaise. فلما رآها أضحت عشيقته العزيزة جرياً على إحدى السنن الدنمرقية القديمة، وسرعان ما أنجبت له ولداً يعرف عند معاصريه باسم وليم النغل William the Bastard وعندنا نحن باسم وليم الفاتح William the Conqueror. ولما اشتد على ربرت وخز ضميره لكثرة ما ارتكب من الذنوب غادر نورمندية في عام 1035 ليحج حجة التوبة إلى أورشليم، واستدعى قبل سفره أكابر الأعيان ورجال الدين وقال لهم:
"أقسم بديني أني لن أترككم دون أن أولي عليكم سيداً؛ إني لي إبناً نغلاً سيكبر بفضل الله، وإني لقوي الرجاء في أن يكون من أحسن الناس صفات، ورجائي أن تقبلوه سيداً عليكم؛ وليس يهمكم قط أنه لم يولد من زواج شرعي فهذا لن يؤثر في قدرته على الحكم... أو في توزيع العدالة بين الناس. وهأنذا أعينه وارثاً لعرشي، وأخلع عليه من هذه اللحظة دوقية نورمندية بأكملها(62).
وتوفي روبرت في طريق إلى أورشليم، وحكم الأشراف وقتاً ما بالنيابة عن ابنه. ولما شبت فتنة في البلاد تحاول خلعه أخمدها بوحشية ممزوجة بالكرامة، فقد كان رجلاً يجمع بين الدهاء والبسالة، بعيد النظر في وضعه خطط المستقبل، ملاكاً لأصدقائه، وشيطاناً على أعدائه. وكان يسمع تهكم الناس على مولده ويقبل هذا التهكم بصدر رحب، وكان من حين إلى حين يمضي بعض ما يكتب باسم گييوم النغل Guiielmus Nethus؛ ولكنه حين حاصر ألنسون Alencon وعلق المحاصرون الجلود على جدرانهم إشارة إلى حرفة جده قطع أيدي من وقع في يديه من الأسرى وأرجلهم، وفقأ أعينهم، وقذف المدينة من مجانيقه بهذه الأعضاء. وأعجبت نورمندية بوحشيته وحكمه الصارم، وعمها الرخاء. فقد حد وليم من استغلال الأشراف للفلاحين، وأرضى أولئك الأشراف بالعطايا السنية، وكان يعني عناية الأتقياء الصالحين بواجباته الدينية، وجلل أباه العار بإخلاصه لزوجته إخلاصاً لم يسبق له مثيل، وقد أولع بحب ماتلدة Matilda الجميلة ابنة بلدوين Baldwin كونت فلاندرز، ولم يؤثر فيه أن لها ولدين وزوجاً لا يزال على قيد الحياة وإن كان منفصلاً عنها. غير أنها ردت وليم وكالت له الإهانات وقالت "إنها تفضل أن تكون راهبة محجبة على أن تتزوج بنغل"(63)؛ ولكنه لم يرجع عن حبها، ونالها آخر الأمر وتزوجها رغم تشهير رجال الدين؛ وترتب على ذلك أن جَرَّدَ الأسقف مالجر Malger والأب لانفرانك رئيس الدير لأنهما ذما هذا الزواج، وحرق في صورة غضبه جزءاً من دير بك. ثم أقنع لانفرانك البابا نقولاس الثاني بأن يصادق على الزواج، وأراد وليم أن يكفر عما فرط منه فبنى في جائن دير الرجال النورمندي الذائع الصيت، وبفضل هذا الزواج ارتبط وليم بكونت فلاندرز، وكان قد وقع قبل ذلك الوقت في عام 1048 اتفاقاً مع ملك فرنسا. وبعد أن حمى جناحيه بهاتين الوسيلتين وزينهما شرع وهو في التاسعة والثلاثين من عمره في فتح إنجلترا.
الادارة في عهد كاپيه
الاستمرارية الكارولنجية
الانقطاع الكاپتي
تقدم الثقافة والعمارة
لعلنا قد غالينا في وصف ما أحدثته غارات الشماليين والمجر من أضرار، ذلك أن حشدها كلها في حيز قليل توخياً للإيجاز يجعل صورة الحياة في تلك، الأوقات قاتمة فوق ما تستحق، مع أنها لم تكن تخلو بلا ريب من فترات ساد فيها الأمن والسلام؛ فقد ظلت الأديرة تشاد خلال هذا القرن التاسع الرهيب، وكثيراً ما كانت مراكز للصناعة الناشطة، وازدادت مدينة رون قوة بفضل اتجارها مع بريطانيا رغم ما أصيبت به من غارات وحرائق؛ وسيطرت كولوني ومينز على التجارة المارة بنهر الرين، ونشأت في فلاندرة مراكز غنية صناعية وتجارية بمدن غنت، وإيبرس Ypres، وليل Lile، ودويه، وآراس Arass، وتورناي Tournai، ودينان Dinant، وكمبريه، ولييج وفلنسين.
وأصيبت مكتبات الأديرة بخسائر فادحة في كنوزها القديمة من جرّاء هذه الغارات، وما من شك في أن كثيراً من الكنائس التي أنشئت فيها مدارس عملاً بقرار شارلمان قد دمرت، وإن كانت مكاتب قد بقيت في الأديرة أو الكنائس القائمة في فلدا، ولورسن Lorson، وريشنو Reichenau، ومينز، وتريير وكولوني، ولييج، ولأون Laon، وريمس، وكوربي Corbie، وفليري Fleury، وسانت دينس، وتور، وببيو Bobbio، ومونتي كسينو، وسانت جول... واشتهر دير البندكتيين في سانت جول بمن كان فيه من الكتّاب، كما اشتهر بمدرسته وكتبها، وفيه كتب نتكر بلبولوس Notker Balbulus-الألكن- (840-912) ترانيم بديعة ممتازة وسجل راهب سانت جول. وفيه ترجم نتكر لبيئو Notker Labeo-الغليظ الشفة- (950-1022) كتب بؤيثيوس، وأرسطو وغيرها من الكتب القديمة إلى اللغة الألمانية؛ وأعانت هذه التراجم- وهي من أول ما كتب بالنتر الألماني- على تثبيت تراكيب اللغة الجديدة وقواعدها.
وحتى في فرنسا الجريحة كانت مدارس الأديرة تضيء حلكة هذه العصور المظلمة. فقد افتتح ريمي الأوكسيري Remy of Auxerre مدرسة عامة في باريس عام 900، وأنشئت في القرن العاشر مدارس أخرى في أوكسير وكوربي، وريمس ولييج. وأسس الأسقف فلبير Fulbert (960-1028) بمدينة تشارتر حوالي 1006 مدرسة أصبحت أشهر مدارس فرنسا كلها قبل أيام أبلار، ففيها وضع سقراط المبجل-كما كان تلاميذه يسمونه-قواعد تدريس العلوم، والطب، والآداب القديمة، بالإضافة إلى علوم الدين، والكتاب المقدس، والطقوس الدينية. وكان فلبير هذا رجلاً كريم الطبع، عظيم الإخلاص صبوراً صبر أولى العزم من الرسل، محسناً متصدقاً إلى أقصى حد. ولقد تخرج في مدرسته-قبل ختام القرن الحادي عشر-علماء أمثال جون السلزبوري John of Salisbury، ووليم الكنشي William of Conches، وبرنجار التوري Berengar of Tours وجلبرت ده لابريه Gilbert de la Porr(a. وفي هذه الأثناء وصلت مدرسة القصر التي أنشأها شارلمان أوج مجدها في كمبييني Compi(gne تارة وفي لأون تارة أخرى بفضل ما حباها به شارل الأصلع من عون وتشجيع.
وقد استدعى شارل إلى مدرسة القصر عام 843 علماء أيرلنديين وإنجليز في مختلف العلوم، كان من بينهم عالم من أعظم العقول المبتكرة وأعظمها جرأة في العصور الوسطى، رجل يبعث وجوده في ذلك الوقت الشك في صواب استبقاء اسم "العصور المظلمة" حتى على القرن التاسع نفسه، بَلْه غيره من القرون.
ويكشف اسمه عن أصله كشفاً مضاعفاً، فهو جوهان اسكوتس إريوجينا Johannes Scotus Eriugina أي جون الأيرلندي المولود في إرين Erin. وسنسميه نحن إريجنا Erigena. وكفى. ويبدو أنه لم يكن من رجال الدين، ولكنه كان رجلاً متبحراً في العلوم، يجيد اللغة اليونانية، مغرماً بأفلاطون والآداب القديمة، حلو الفكاهة إلى حد ما. وتحدثنا إحدى القصص-التي بدو من سياقها كله أنها من مخترعات الأدباء-أن شارل الأصلع، كان يطعم معه في يوم من الأيام فسأله: ما الفارق بين الأبله والأيرلندي quid distat inter sottum et Scottum؟ فأجابه جون-كما تروي القصة-: "المنضدة"(48). ولكن شارل رغم هذا كان يحبه حباً جماً، وكان يشهد محاضراته، وأكبر الظن أنه كان يستظرف إلحاده. ويفسر جون العشاء الرباني في كتابه عن القربان المقدس بأنه عمل رمزي، ويتضمن هذا ارتيابه في وجود المسيح بحق في الخبز والخمر المقدسين. ولما أخذ الراهب الألماني جتسشولك Gottdchalk ينادي بمبدأ الجبرية المطلقة وينكر تبعاً لذلك مبدأ حرية الإرادة في الإنسان. طلب هنكمار كبير الأساقفة إلى إيرجينا أن يرد عليه كتابه. فأجابه هذا إلى ما طلب وكتب رسالته المسماة الجبرية الإلهية De Divina praedestinatione (حوالي عام 851). وقد بدأها بإطراء الفلسفة إطراءً عظيماً فقال: "من يشأ أن يبحث جاداً عن علل الأشياء جميعها ويحاول كشفها، يجد جميع الوسائل الموصلة إلى العقيدة الصالحة الكاملة في العلم والتدريب اللذين يطلق عليهما اليونان اسم الفلسفة". وينكر الكتاب في واقع الأمر مبدأ الجبرية، ويقول الإرادة حرة عند الله وعند الإنسان، وإن الله لا يعرف الشيء، ولو عرفه لكان هو سببه. وكان رد إرجينا أكثر إلحاداً من أقوال جتسشولك، وأنكره مجلسان من مجالس الكنيسة في عامي 855 و859، وأودع جتسشولك في دير قضى فيه بقية حياته أما إرجينا فقد حماه الملك.
وكان ميخائيل الألكن إمبراطور بيزنطية قد بعث إلى لويس التقي في عام 824 مخطوطاً يونانياً لكتاب يسمى الحكومة الكنوتية السماوية. ويعتقد المسيحيون المتدينون أن مؤلفه هو ديونيشيوس "الأريوباجي" Disnysius the "Areopagite". وأحال لويس التقي المخطوط إلى دير سانت دنيس، ولكن أحداً ممن فيه لم يستطع ترجمة لغته اليونانية، فقام إرجينا بهذه المهمة إجابة لطلب الملك. وتأثر بالترجمة أعظم التأثر، وأعاد الكتاب إلى المسيحية غير الرسمية الصورة التي ترسمها الأفلاطونية الجديدة للكون المتولد أو المنبعث من الله في مراحل مختلفة أو درجات من الكمال آخذة في النقصان، والذي يعود ببطء وبدرجات متفاوتة إلى الله مرة أخرى.
وأصبحت هذه الفكرة الرئيسية التي يدور حولها أعظم مؤلفات جون التقسيم الطبيعي (867). ففي هذا الكتاب نجد بين الكثير من السخف، وقبل أبلار بقرنين من الزمان، إخضاعاً جريئاً لعلوم الدين والوحي إلى العقل، ومحاولة للتوفيق بين المسيحية والفلسفة اليونانية، وفيه يقر جون بصحة الكتاب المقدس؛ ولكنه يقول إنه لما كان معناه في كثير من أجزائه غامضاً، فإن الواجب يقضي بتفسيره حسبما يمليه العقل-ويكون ذلك عادة بفهم نصوصه على أنها رموز أو استعارات. ويقول إرجينا في هذا: "إن السلطان يُستمد أحياناً من العقل ولكن العقل لا يُستمد أبداً من السلطان، ذلك بأن كل سلطان لا يرضى عنه العقل السليم يبدو ضعيفاً، ولكن العقل السليم لا يحتاج إلى تأييد السلطان أياً كان نوعه لأنه يستند إلى قوته"(49). ويجب ألا يحتج بآراء آباء الكنيسة... إلا إذا كان لا بد لنا من الاحتجاج بآرائهم لتقوية حججنا أمام الناس الذين لا يحسنون الاستدلال، ولهذا يخضعون للسلطان لا للعقل"(50). فها هو ذا عصر العقل يتحرك في أرحام عصر الإيمان.
ويعرف جون الطبيعة بأنها: "اسم عام يطلق على جميع الأشياء التي تكون وغير التي تكون" أي على جميع الأجسام، والعمليات، والمبادئ، والعلل، والأفكار. وهو يقسم الطبيعة إلى أربعة أنواع من الكائنات. (1) ذاك الذي يخلق ولكنه لا يُخلَق- أي الله. (2) ذاك الذي يُخلَق ويخلق- أي العلل الأولى، والمبادئ، والنماذج الأولى، والأفكار الأفلاطونية، والكلمة، وهي التي يتكون من عملياتها عالم الأشياء المفردة، (3) ذاك الذي يٌخلَق ولا يخلق- أي عالم الأشياء المفردة السالفة الذكر، (4) ذاك الذي لا يخلق ولا يُخلَق- أي الله بوصفه الغاية النهائية التي تستوعب كل شيء. فالله هو كل شيء كائن بحق؛ لأنه يكوّن الأشياء وجميعها ويتكون من الأشياء جميعها". وليس ثمة عملية خلق في وقت بذاته، لأن هذا القول يتضمن تغيراً في الله. فإذا سمعنا أن الله قد أوجد كل شيء-، فيجب ألا نفهم من هذا القول إلا أن الله حال في كل شيء- أي يوجد بوصفه جوهر كل الأشياء"(51). "والله نفسه لا يدركه عقل من العقول، وليس الجوهر المكنون لكل شيء والذي خلقه الله مما يمكن إدراكه، وكل الذي نراه هو الأعراض لا الجوهر"(52)- أي صور الأشياء التي تدركها الحواس والعقول لا حقائقها التي لا تعرف ولا يمكن معرفتها-كما يقول كانت Kant فيما بعد. وليست الخصائص المحسوسة في الأشياء متأصلة في الأشياء نفسها، وإنما تتكون من الأشياء التي ندركها بها. فإذا قيل لنا إن الله يرغب، ويحب ويختار، ويرى، ويسمع... فيجب ألا نفكر إلا في أن حقيقته وقوته اللتين لا يستطاع وصفهما يُعَبَّر عنهما بمعان تتفق معنا في طبيعتها"- أي موائمة لطبيعتنا، "حتى لا يجد المسيحي الحق التقي ما يقوله عن الخالق، فلا يقول شيئاً عنه ليعلم به النفوس الساذجة"(53). ولمثل هذا الغرض لا لشيء سواه نستطيع أن نتحدث عن الله كأنه ذكر أو أنثى، وليس "هو" هذا ولا ذاك(54). فإذا فهمنا لفظ "الأب" بمعنى المادة الخلاّقة أو جوهر الأشياء جميعها، و"الابن" على أنه الحكمة الإلهية التي تتكون أو تحكم بمقتضاها الأشياء كلها، والروح على أنه الحياة أو حيوية الخلق، إذا فهمنا هذه الثلاثة على هذا النحو جاز لنا أن نفكر في الله على أنه ثالوث. وليست الجنة والنار مكانين، بل هما أحوال النفس، فالنار هي الشقاء المنبعث من الخطيئة، والجنة هي السعادة المنبعثة من الفضيلة والنشوة المنبعثة من الرؤيا الإلهية (إدراك الألوهية) التي تتكشف من الأشياء جميعها للنفس التقية(55). وليست جنة عدن مكاناً على الأرض، بل هي حالة كهذه من حالات النفس(56). والأشياء جميعها خالدة: فللحيوانات أيضاً، كما للآدميين، نفوس تعود إلى الموت بعد الله أو إلى الروح الخالق الذي انبعثت منه(57). والتاريخ كله إن هو إلا فيض من عملية الخلق إلى الخارج عن طريق الانبعاث، وموجة مدية لا تغلب نحو الداخل تجذب الأشياء جميعها في آخر الأمر إلى الله.
لقد وجدت فلسفات شر من هذه الفلسفة وفي عصور النور، ولكن الكنيسة حسبتها تموج بالإلحاد والزندقة. ولهذا طلب نقولاس الأول إلى شارل الأصلع في عام 865 إما أن يبعث بجون إلى روما ليحاكم أو أن يفصله من مدرسة القصر، "حتى لا يستمر في تسميم الذين يسعون لطلب الخبز"(58). ولسنا نعرف نتيجة هذا الطلب، غير أن إنجليزياً من أهل مالمزبري Malmsbury يروي "أن جوهان اسكوتس جاء إلى إنجلترا وإلى ديرنا، كما تقول الأخبار، وأن الأولاد الذين يعلمهم كانوا يَشُكوُّنه بأقلامهم الحديدية"، وأنه مات من أثر هذا العمل. وأكبر الظن أن هذه القصة حلم من أحلام تلميذ كان يتمنى تحقيقه. ولقد تأثر بإرجينا فلاسفة من أمثال جلبرت، وأبلار، وجلبرت ده لابوريه على غير علم منهم، غير أنه بوجه عام قد نسي في غمار الفوضى الضاربة أطنابها في ذلك العصر المظلم. ولما أن رفع ستار النسيان عن كتابة في القرن الثالث عشر حكم مجلس سنس Sens بتحريمه (1225) وأمر البابا هونوريوس Honorius الثالث بأن ترسل نسخة جميعها إلى روما وأن تحرق فيها. ووقف الفن الفرنسي في هذه الأوقات المضطربة جامداً لا يتحرك، فقد ظل الفرنسيون يشيدون كنائسهم على نظام الباسلقا رغم ما ضربه لهم شارلمان من أمثلة. وفي عام 966 أصبح أحد الرهبان والمهندسين الإيطاليين ويدعى وليم من أبناء فلبيانو Volpiano رئيساً لدير فيكامب F(camp النورماني. وقد جاء معه من إيطاليا بكثير من أساليب الطراز النورماني والرومانسي، ويبدو أن أحد تلاميذه هو الذي بنى دير جوميج Jumi(ges الكنسي (1045-1067)؛ وفي عام 1042 دخل رجل إيطالي آخر يدعى لانفرانك Lanfranc الدير النورماني في بك Bec، وسرعان ما جعله مركزاً علمياً نشطاً، يهرع إليه طلاّب بلغوا من الكثرة ما اضطر القائمين عليه إلى إضافة أبنية جديدة له. وقد خطط لانفرانك هذه الأبنية، ولعله قد استعان على تخطيطها بمن هم أكثر منه خبرة بهذا العمل. ولم يبق حجر واحد من حجارة هذا البناء، ولكن دير الرجال في جائن Abbaye aux Hommes at Gaen (1077-1081) لا يزال قائماً غلى اليوم يشهد بقوة الطراز الرومانسي الذي تطور في نورماندي على أيدي لانفرانك ومن جاء بعده.
وشيدت في القرن الحادي عشر كنائس جديدة في جميع أنحاء فرنسا وفلاندرز، زينها الفنانون بصور الجدران وبنقوش الفسيفساء والتماثيل. وكان شارلمان قد أمر بأن يطلى داخل الكنائس ويلون ليستفيد من ذلك المؤمنون؛ وزينت قصور آخن وأنجلهيم بالمظلمات، وما من شك في أن كثيراً من الكنائس قد حذت حذو هذه القصور. وقد دمرت آخر قطع من مظلمات آخن في عام 1944، ولكن نقوشاً شبيهة بما كان على جدرانها لا تزال باقية في كنيسة سان جرمان St, Germain في أوكسير. ولا تختلف هذه النقوش في شكلها عن النقوش التي تزدان بها مخطوطات ذلك العصر ولا عن طرازها أو حجمها.
وقد كتب رهبان مدينة تور في عهد شارل الأصلع نسخة ضخمة ملونة من الكتاب المقدس وأهدوها إلى الملك، ولا تزال هذه النسخة محفوظة في قسم المخطوطات اللاتينية بالمكتبة الأهلية بباريس تحت رقم 1. وأجمل من هذا المخطوط إنجيل "لوثير" الذي كتبه في ذلك الوقت رهبان تور أيضاً. كذلك أخرج رهبان ريمس في هذا القرن التاسع كتاب تراتيل "أوترخت Utrecht" الذائعة الصيت-وبتأليف هذا المخطوط من 108 ورقة من الجلد الرقيق ويحتوي على مزامير داود وعقيدة الرسل مزدانة بكثير من صور الحيوانات على اختلاف أنواعها وبعدد لا يحصى من الأدوات وصور المهن والأعمال. وتصطبغ هذه الصور الحية بصبغة من الواقعية الشديدة بدلت فن التصوير الدقيق الذي كان من قبل جامداً مستمسكاً بالتقاليد.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انظر أيضًا
الأصل
سلف هيو كاپيه | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
|
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الزواج والذرية
Hugh Capet married Adelaide, daughter of William Towhead, Count of Poitou. Their children are as follows:
- Robert II, who became king after the death of his father
- Hedwig, or Hathui, who married Reginar IV, Count of Hainaut
- Gisela, or Gisele
A number of other daughters are less reliably attested.[2]
الهامش
المصادر
- Bordenove, Georges. Les Rois qui ont fait la France: Hugues Capet, le Fondateur. Paris: Marabout, 1986. ISBN 2-501-01099-X
- Gauvard, Claude. La France au Moyen Âge du Ve au XVe siècle. Paris: PUF, 1996. 2-13-054205-0
- James, Edward. The Origins of France: From Clovis to the Capetians 500-1000. London: Macmillan, 1982. ISBN 0312588623
- Riché, Pierre. Les Carolingiens: Une famille qui fit l'Europe. Paris: Hachette, 1983. 2-012-78551-0
- Theis, Laurent. Histoire du Moyen Âge français: Chronologie commentée 486-1453. Paris: Perrin, 1992. 2-87027-587-0
- Lewis, Anthony W. "Anticipatory Association of the Heir in Early Capetian France." The American Historical Review, Vol. 83, No. 4. (Oct., 1978), pp 906–927.
هيو كاپيه توفي: 24 October 996
| ||
سبقه هيو الأكبر |
دوق الفرانك 956-987 |
{{{reason}}} |
سبقه لويس الخامس |
ملك فرنسا 3 يوليو 987-24 اكتوبر 996 With روبير الثاني كوكيل للملك (من 30 ديسمبر 987) |
تبعه روبرت الثاني من فرنسا |