نصر مصري على تركيا في موقعة الرورو
مصر تحرز نصراً هاماً في ترجمة موقعها الاستراتيجي إلى قوة جيوسياسية تدعمها كقيادة إقليمية، وتحقق دخلاً اضافياً لا يقل عن نصف مليار دولار سنوياً في معركة الرورو مع النظام التركي.
اصرار مصر على عدم تجديد اتفاقية مرور شاحنات الرورو التركية عبر مصر حقق إنجازين كبيرين. الانجاز الأول هو تجريد أردغان من أقوى أسلحته ضد مصر، وهي الصراخ المتشدد، فأجبرته مصر على الصمت حول الحكم بالسجن على الرئيس السابق محمد مرسي، بشكل جعل أنصار أردغان يتساءلون عن مصداقية مواقفه حول الإسلام السياسي.[1] والانجاز الثاني كان إجبار أردغان على تمرير الشاحنات التركية عبر قناة السويس برسوم أعلى 12 ضعف من الرسوم الصورية التي كانت الشاحنات التركية تدفعها للمرور عبر بر مصر. وهو الأمر الذي سيجلب لقناة السويس دخلاً اضافياً نحو نصف مليار دولار سنوياً من عبور 2,000 رحلة عبارة سنوياً، بمتوسط 5 عبّارات يومياً. وهو ما يمثل زيادة 8-10% في عدد السفن المارة بقناة السويس.
أحيي الرئيس السيسي على الخطوة الصائبة، وكلي أمل أن يتلوها خطوات لبناء دور قيادي لمصر في الشرق الأوسط.
ومثلما كنت أول من كشف عن قضية العبور المجاني للشاحنات التركية في مصر وانتقدت ذلك بشدة، أجد اليوم أنه لزاماً عليً أن أحيي القيادة المصرية والرئيس السيسي لتصحيحه هذا الوضع الخاطئ وجلبه دخلاً مستحقاً لمصر كانت الشاحنات التركية تتهرب منه.
وكنت قد توقعت مرور العبارات التركية عبر مصر، في تغريدة على تويتر قبل يومين من بدء مرورها في 1 ديسمبر 2011. وظل مرور العبارات في مصر سراً حتى كنت أول من كشف عن قضية مرور العبارات التركية مجاناً (تقريباً) وذلك في 5 يوليو 2013، في مقالات مدعمة بالأسانيد والصور الساتلية ظهرت في الحياة اللندنية والأهرام والأخبار، بعنوان عبارات أحمد أردغان. وواصلت الانتقاد بقوة لضياع مليار دولار سنوياً على قناة السويس، ونحو نصف مليار دولار سولار مدعوم تستهلكه الشاحنات التركية.
تحية للرئيس السيسي على الموقف الذي يحفظ حقوق مصر.
كما أنتقده فيما أراه خطأ، فهأنذا أمتدحه حين يتخذ موقفاً مشرفاً.
أرجو أن يبني على ذلك الموقف الخطوات التي تحقق تبوء مصر مكانة مرموقة بين الأمم.
سعيد بأن أرى أن جهدي وجهد الكثير من المخلصين لم يذهب سدى.
تاريخ قضية العبارات
ولمعرفة أبعاد الجولة لفرض دور مصري ريادي بالمنطقة علينا أن نراجع تاريخ القضية كما ظهرت في مقال عبارات أحمد أردغان الذي نُشر في صيف 2013 بالحياة اللندنية والأهرام والأخبار.
ومع اعلان مصر في مطلع 2015 عدم نيتها تجديد اتفاقية الرورو، هددت تركيا بإرسال شاحناتها حول رأس الرجاء الصالح أو عبر إيران للوصول للسعودية دون المرور عبر مصر. وهي أفكار ساذجة توقعت ذكرها ودحضتها منذ كشفي لمرور الشاحنات التركية ببر مصر. ثم بدأ ماكينة الإعلام التركي في التهوين من أثر منع مصر لمرور الشاحنات قائلة أن حجم تلك التجارة هو 2% من إجمالي صادرات تركيا. وهو غير صحيح، كما أن 20 مليار دولار هي مصدر الرزق الرئيسي لمزارعي شرق تركيا.
الاتفاق البديل مع هيئة قناة السويس
مع انتهاء اتفاقية عبور شاحنات الرورو التركية عبر مصر، بدأ الشاحنون الأتراك في استخدام قناة السويس بسعر مخفض جداً. فبعد أن كانت الشاحنة التركية تدفع رسوماً لمصر قدرها 130 دولار للرحلة ذهاب وإياب، أصبحت الشاحنة تدفع 1,500 دولار للمرور عبر قناة السويس على متن عبارات أحمد أردغان. طبعاً جزء مما تدفعه الشاحنة يذهب لشركة العبارة، والباقي يذهب لقناة السويس. المفاوضات مع هيئة قناة السويس قادها من الجانب التركي چتين نوحأوغلو وابراهيم گولر من اتحاد الشحن الدولي.[2] العبّارة تحمل متوسط 120 شاحنة، وتدفع لعبور القناة، في المعتاد، 400,000 دولار ملآى، و 200,000 دولار فارغة، أي أن رحلة الذهاب والإياب تتكلف 600,000 دولار للعبّارة. بينما مجموع ما تجمعه العبّارة من الشاحنات عليها يتراوح من 150,000 إلى 300,000 دولار. ولا نعرف نسبة ما تحتفظ به الشركة المالكة للعبارة.
الفرق بين رسم المرور المعتاد لقناة السويس (600,000 $) والرسم الذي يدفعه الشاحنون الأتراك (200,000 $) هو 400,000 $ للعبارة. تستغرق الرحلة البرية عبر مصر 7 أيام (ذهاب وعودة) بينما تستغرق أربعة أيام عبر قناة السويس. حجم أسطول الشاحنات التركي العامل بين تركيا والسعودية هو 12,000 شاحنة، تقوم كل منهن برحلة لرحلتين شهرياً، أي 20 رحلة سنوياً. أي أن عدد رحلات العبارات المطلوب في السنة = 12,000 / 120 شاحنة بالعبارة × 20 رحلة سنوياً = 2,000 رحلة عبارة ذهاب وإياب. الدعم لهذه العبارات = 400,000 $ × 2,000 = 800,000,000 $ أي 800 مليون دولار سنوياً.
وفي 17 أبريل 2015، قامت أول عبّارة تركية بالإقلاع من ميناء الإسكندرونة مارة بقناة السويس إلى ميناء ضبا السعودي.[3]
من يتحمل تخفيض رسوم عبور العبارات التركية للقناة
نحن أمام سيناريو من إثنين:
- إما أن الحكومة التركية تتحمل دفع فرق رسوم مرور عبارات أحمد أردغان. وفي تلك الحالة ستحقق قناة السويس زيادة في الدخل قدرها مليار دولار سنوياً، ستظهر في الدخل السنوي للقناة.
- أو أن هيئة قناة السويس عرضت تسعيرة مرور مخفضة للعبارات التركية بتخفيض 67%، فتقبل بمبلغ 200,000 $ بدلاً من 600,000 $. والتخفيضات أمر متعارف عليه للعملاء المتكررين، وإن كنا نود أن تكون الرسوم أعلى من ذلك.
تساؤلات حول الاتفاقية الجديدة
كما أننا لا نعرف بعد، إن كان الاتفاق على استخدام العبارات التركية لقناة السويس تم من خلال اتفاقية دولية. ومن الموقعون عليها من الطرفين؟ وما مدة الاتفاقية؟ وهل كان لزيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، جون برينان في الأسبوع الماضي للقاهرة، علاقة بإبرام الاتفاقية؟
توصيات لدولة رائدة إقليمية
- الموقف الشجاع الذي اتخذته مصر والرئيس السيسي اعتمد في الأساس على قوة الموقع الجغرافي الاستراتيجي لمصر، ولم يكن لأي دولة أخرى الفضل فيه. ستسعى اليونان وقبرص وإسرائيل لأخذ فضل دعم مصر في اتخاذ القرار، في محاولة لدفع مصر للتفريط في مياهها بترسيم مجحف لحدودها مع اليونان بحجة معاقبة تركيا.
- تركيا أصبحت تدرك قدرة مصر على الحاق الضرر بصادراتها. فتأخير العبّارات التركية المحملة بالخضروات ليوم واحد كفيل بإلحاق ضرر جسيم بالاقتصاد التركي.
- على مصر أن تستثمر هذا الكارت الضاغط لحث تركيا على صرف المزيد للمياه صيفاً في نهري دجلة والفرات لصالح سوريا والعراق بعد إنشائها 22 سد على منابع النهرين - وهو ما يشبه بشدة مشاريع السدود الإثيوبية على منابع النيل الأزرق. (اقرأ جفاف نهر الفرات) - ويقول المثل العربي "كما تراني يا جميل أراك". وسيكون لهذا الضغط أثراً محموداً في الشعبين العراقي والسوري.
- يمكن استخدام نفس الكارت ضغط الصادرات التركية لحث أردغان على التعقل في الأزمة السورية. ولكن أثر ذلك سيكون أقل كثيراً للبعد الكوني للمواجهة الأمريكية-الروسية.
- مد جسور التواصل والصداقة مع الشعب التركي ومثقفيه وفنييه وقواته المسلحة. مع تجنب الزج بالخلافات السياسية في تلك اللقاءات، مثلما أفسد زيارة الكاتب التركي أورهان پاموق الأخيرة لمصر.
- يشكل الحوار المتوسطي لحلف الناتو مع دول جنوب المتوسط، ومنها مصر، فرصة ممتازة لإبقاء قناة تواصل إيجابية بين القوات المسلحة في البلدين، مصر وتركيا.
- الابتعاد عن شخصنة الخلافات في رجب طيب أردغان وأحمد داود أوغلو وشيطنة كليهما، والحرص على امتداح الإيجابيات فيهما، مثل اهتمامهما بفرض تعلم اللغة العربية في جميع المدارس.
- على مصر اتخاذ خطوات لبناء دور قيادي حكيم لمصر في الشرق الأوسط تجاه العرب وتركيا وإيران وإسرائيل واليونان وقبرص.
انظر أيضاً
- عبارات أحمد أردغان
- أحمد براق أردغان
- الحدود المصرية اليونانية
- مشروع جنوب شرق الأناضول
- جفاف نهر الفرات
المصادر
- ^ "Erdoğan silent over Morsi's sentence, prompting claims of abandonment (أردغان صامت حيال الحكم على مرسي، مما يثير مزاعم بتخليه عنه)". صحيفة زمان التركية. 2015-04-22.
- ^ "Mısır'a by-pass: Maliyeti artıracak olmasına karşın zamandan büyük tasarruf (تحويلة مصر: بالرغم من وفر كبير في الوقت، ستزداد التكاليف)". denizhaber. 2015-04-22.
- ^ "Hatay Ro-Ro Süveyş Kanalı Üzerinden Geçen İlk Gemisi Suudi Arabistan'a Bugün Ulaşıyor (أول عبارة رورو من الإسكندرونة عبر قناة السويس تصل السعودية اليوم)". Uluslararası Nakliyeciler Derneği (اتحاد الشحن الدولي). 2015-04-20.
- ^ CAMPBELL ROBERTSON (2009-07-13). "Iraq Suffers as the Euphrates River Dwindles". New York Times.
<comments />