الكوشي على بوابة تل أبيب
حول المؤلف
مساهمات حديثة أخرى
مبارك وإسرائيل
الكوشي على بوابة تل أبيب ١-٣
سر الإتصال الهاتفي الذي تلته الحمم: هل حددت إسرائيل موقع الغارة بواسطة هاتف الثريا؟
هل حدثت كل الغارات الإسرائيلية في أيام ثلاثاء؟ لماذا الثلاثاء فقط؟
في حادثة القصف الأولى في صحراء محلية حلايب اتفق الجناة والضحايا على إنكار الغارة فيما كان الرماد يشهد على فظاعة الحمم التي ألقيت على البلد الأمين.
حان الوقت لرد الإعتبار لضحايا الجرائم الإسرائيلية في السودان والإعتراف بهم كشهداء وتدوين أسمائهم في سجل الخالدين
أخلت الدولة بتعاقدها مع مواطنيها في توفير الأمن والحماية والطمأنينة والكرامة لهم ثم قامت بمحو آثار الجرائم البشعة واحدة تلو الأخرى لئلا تكون شاهدة على جريمة العدو
الحقيقة في العلاقات السودانية الإسرائيلية
كانت الأجنبية السمراء الغنوج دعجاء ممراح، تتكلم وهي تضحك كأنها في رحلة جامعية وليست ضمن قافلة من المهربين الشرسين. في العادة يتغير السائقون بشكل غير منتظم خشية تسريب خط السير وساعة الصفر وغالباً ما يتم ابلاغ السائقين بالرحلة في نفس اليوم ثم يتم استبدالهم في منتصف الطريق حتى إذا صار السائق محل ثقة صار ممكناً له أن يحصل على رحلات أكثر ومسافات أطول. ليس بالضرورة أن يعلم السائق شيئاً عن نوعية البضاعة التي يقوم بتهريبها فهذا ليس شانه. هو سائق فحسب!
أحد المهربين الأذكياء تعرف عليها إذ سبق أن رآها في قافلتين اثنتين من قبل وهي ترتاد ذات الطريق. سألها ما الأمر ولماذا هي دائماً في سكة المتاعب لكنها قالت له في تحدٍ أنها لن تترك هذا الطريق حتى تعبر الحدود الى هناك حيث لديها اهل وأقارب قد عبروا الى إسرائيل وإن حياتها هي هناك وليست هنا. واصلت تروي بحزن إن قدرها البائس قد رماها في هذا الطريق لكن لا بد من تلك البلاد وإن طال السفر ثم غمزت له بما معناه أن حبيب القلب قد مر من هنا، وإن الحياة الحقيقية معه هناك وإن شق المسير. سكت المهرب عن الأسئلة فكرام الخارجين عن القانون لا يتحرون مع النساء عن شئونهن الخاصة، ثم إنه لا يهاب الظلام فلماذا يرتعب من مشهد امرأة رآها ترتاد قوافل المهربين. جمالها الفتان منحها جواز سفر خارق جعلها تتحرك بين النساء البائسات اللواتي قررن التضحية بالماضي والحاضر من أجل المستقبل، والرجال الصامتين ذوي الوجوه المغطى نصفها بين الثياب. تكاد لا ترى أفواههم الا حين يجلسون بين السيارات للتدخين وتلقي آخر التعليمات في صمت وقور من فم الأمير. كان عليهم ان يتوقفوا عدة مرات فكلما قطعوا مسافة توقفوا بغرض التأمين وكشف الطريق المقبل أو تغييره إذا لزم الأمر. تطول الوقفات أو تقصر فينشغل البعض بالتعارف والثرثرة وصناعة صداقات ستحفر في الذاكرة الى الأبد. الهواتف ممنوعة والشبكات لا تعمل في أحيان كثيرة. وحدها هواتف زعماء القافلة التي تعمل بالأقمار الصناعية، والتي يتم تشغيل شرائحها ورميها هي ذاتها بإستمرار لضمان عدم الرصد، هي المسموح بها والمكالمة الوحيدة غالية الثمن المطلوب مقدماً.
تحدثت الغنوج مرة بلغتها مع من تقول أنهم أقاربها هناك ودفعت الثمن نقداً، وحين طلبت الهاتف في المرة الثانية تمنع حامله عليها لكنها أقنعته بأنها ستدفع له مائة دولار أمريكي إن تحدثت ووجدت أختها التي لا بد أنها مشغولة عليها. حملت الهاتف وجلست بقرب السائق في إحدى سيارات المقدمة ثم مرت دقائق معدودة واشتعلت الأرض القفر والسماء بحمم من نار أحرقت كل شيء. مات الرجال والنساء والأطفال واحترقت السيارات ولا أحد يعرف أين ذهبت الساحرة الجميلة. تروي الحكاية أن هذا الحريق حدث في ١٣ يناير ٢٠٠٩م الذي يصادف يوم الثلاثاء أو اليوم الذي يليه.
بعد يومين تقريباً تلقيت رسالة من كاتب صحفي وصديق عزيز يقيم خارج يشركني بها في معلومات حصل عليها من داخل السودان عن مجزرة راح ضحيتها عدد غير معروف من الناس في صحراء البحر الأحمر في ملابسات غير معروفة. عجزت عن الرد لأسباب منها اللغة الركيكة التي كتبت بها رسالة المعلومات (أسفت لاحقاً لعدم اهتمامي بما يكفي بالأمر لهذا السبب غير الوجيه)، إضافة الى جهر الصديق العزيز المكرر بمعارضته للنظام وهو ما يجعل المرء يتشكك في مصداقية وموضوعية الأخبار التي تنقل اليه، ثم بسبب اعتيادي كمواطن من ولاية البحر الأحمر على قصص التهريب ومنازعات المهربين وقوات الشرطة والأمن على حدود مصر.
- بعد أيام "أعلن معتمد محلية جبيت المعادن عيسى حمد شيك، عن القاء القبض على 18 عربة محملة بالسلاح واللاجئين من إرتريا والصومال، كانوا في طريقهم الى التسلل الى مصر بطريقة غير شرعية.
وحول ما إذا كان المهربون قد تعرضوا للقصف، نفى المعتمد حدوث أي اشتباك بين الشرطة والمهربين. واضاف «ربما انفجرت دانة من السلاح الذي بحوزتهم تسببت في اصابة البعض منهم ووفاة البعض الآخر»، دون ان يحدد عدد القتلى والمصابين.
ونفى شيك، تعرض المهربين لقصف جوي أو اشتباك مع قوات الشرطة، وقال «بل ان قوات مكافحة التهريب أسعفتهم» وأكد عدم تأثر المواطنين في منطقة غرب أوكو، اقصى شمال ولاية البحر الاحمر التي وقع فيها الحادث، ويذكر ان المنطقة تبعد حوالي 200 كلم جنوبي مدينة حلايب، وتتميز بصعوبة التضاريس. (صحيفة الصحافة ١٨ يناير ٢٠٠٩).
- في ذات الشهر والشهر التالي، شنت طائرات يرجح أنها إسرائيلية هجومين آخرين على مناطق في محافظة حلايب أودت بعدد غير معروف من القتلى وفيما دمرت الطائرات عدداً من قوارب الصيد وقتلت الصيادين فإن الهجوم الذي استهدف قافلة من السيارات في الصحراء في تمام الثانية صباحاً يوم ١١ فبراير ٢٠٠٩، قتل مئات الأشخاص رجح الدكتور مبروك مبارك سليم الوزير السوداني في حديث لقناة الجزيرة أنهم يقاربون ال٨٠٠ شخصاً ينتمون الى عدد من دول القرن الأفريقي.
بعد أيام، زادت الهمهمات بين رجال القبائل الذين طلبوا المساعدة في السماح لهم بدفن الجثث وتقصي أحوال الأحياء إن نجا منهم أحد. ليست هناك قصص مؤكدة لكن ألسنة الأهالي تضج بالحكايات.
صمتت الحكومة السودانية عن الحادث الذي أنكره موظفها المحلي ولم تقم – كعادتهاـ بتكريم مواطنيها بالإعتراف بإستشهادهم في حرب غير معلنة تقودها دولة عدوة. ربما انتماء الضحايا الى قبائل حدودية قلل من أهميتهم، وربما شعرت الحكومة أنهم يستحقون العقاب، ولكن أخفقت الحكومة لا شك في أداء واجبها لأن مخالفة مواطن للقانون السوداني – إذا ثبت ذلك – يجعله مسئولاً أمام القانون السوداني ولا يسمح لدولة أجنبية بالبلطجة على أراضيه وقتلهم جميعاً بهذا الشكل البشع. جميع وسائل الإعلام العالمية تضامنت على الصمت حتى خرجت مجلة تايم الأمريكية بتقرير حصري (٣٠ مارس ٢٠٠٩) روجت فيه للقوة الإسرائيلية ووضعت الضحايا في خانة المجرمين والمجرم في خانة المدافع عن نفسه. لم يسأل أحد في السودان ولا في المجتمع الدولي كله عن لماذا لا تحمي إسرائيل حدودها بدلاً عن القفز عبر دولة أخرى لضرب السودان؟ إذا كانت الإتهامات بالتهريب الى داخل حدود إسرائيل صحيحة فلماذا لم تهتم الدولة العبرية بالإحتجاج الى مصر مثلاً؟ ضعف الحكومة السودانية ومهانة مواطنيها عندها هي التي فتحت شهية الإسرائيليين لإتخاذ السودان مسرحاً للتدريب واستعراض القوة. مزهواً بإنتصاره قال وزير الدفاع إهود براك للقناة التلفزيونية الثانية "ليس لدي ما أقوله هنا" فيما تحدث رئيس الوزراء حينئذ إيهود أولمرت بأن جيشه يعمل في كل مكان قريبه وبعيده!
في الثاني من أبريل ٢٠٠٩، أبلغ الفريق أول صلاح قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات حينها رسالة قوية للمبعوث الأمريكي سكوت گرايشون قال فيها إن السودان وإن عجز الآن عن الرد على الغارات الإسرائيلية فإنه سيرد عليها في المستقبل وربما قام أبناؤنا بالرد.
- مساء الثلاثاء ٥ ابريل ٢٠١١، هاجمت طائرات روى شهود عيان أنها من طراز أباتشي منطقة حرم مطار بورتسودان وأطلقت حمم نيرانها على سيارة صغيرة فحولتها وركابها عيسى حامد محمد هداب وأحمد جبريل حسن عيسى إلى رماد فيما ظلت حالة الشخص المستهدف بالهجوم (أشيع أنه الحركي في كتائب عز الدين القسام عبد اللطيف الأشقر) غامضة ولا يعرف أن كان قد أصيب في الهجوم وإن كان على الأرجح أنه نجا. صرح عمه عضو المجلس الوطني الفلسطيني إسماعيل الأشقر أن ابن أخيه "أنجاه الله" وهي عبارة فضفاضة تحمل دلالة واحدة بعد تعرض الأشقر للموت في العملية لكنها لا تقدم إفادات أخرى. هؤلاء ضحايا معروفون بأسمائهم وصفاتهم وأهلهم لكن ما يثير الإستغراب حقاً والأسى أن الحكومة تعاملت معهم كمجرمين بدلاً عن تكريمهم بما يستحقون من التقدير الرسمي ومعاملهم كشهداء دفعوا أرواحهم ثمناً لعجز الوطن عن حمايتهم.
- في ٢٢ مايو ٢٠١٢ أطل يوم ثلاثاء آخر مرعب على مدينة بورتسودان إذ هاجمت طائرة لم يتم التعرف على هويتها كما هو معتاد سيارة المواطن ناصر أحمد عوض الله وأحالتها بصاحبها الى كتلة متفحمة وفيما عجزت الدولة كالعادة عن توفير الأمن والأمان لمواطنيها فإنها عجزت عن تقديم العزاء ورد الإعتبار للشهيد الذي راح ضحية لعملية إجرامية دولية بشعة. في هذا المناخ بالذات أخرست الإرادة الشعبية وصمتت الدولة والقوى الإقليمية والعربية والدولية عن كلمة عزاء واحدة تطيب خاطر أهل الشهيد وقبيلته ومواطني ولايته.
كل هؤلاء الضحايا قتلوا بشكل انتقائي دون إعلان حرب شريف ولم يقتلوا في ساحات وغى وإنما في عمليات إرهابية استهدفت بعضهم بالإسم كما هو واضح وبعضهم بشكل جماعي كما في الحادثة الأولى.
- هل هي صدفة؟ في يوم ثلاثاء رابع يوافق ٢٣ أكتوبر ٢٠١٢ هاجم سرب من طائرات إف ١٥ مدينة الخرطوم ودمر مصنع اليرموك للذخائر وهو أحد المؤسسات التابعة لهيئة التصنيع الحربي. أثار الحادث رعب أهالي ولاية الخرطوم بل أهل السودان جميعاً وأذاقهم جرعة هائلة من الذل والهوان والشعور بأن عجز الدولة عن حمايتهم أصبح أمراً مؤكداً وهي تعجز عن حماية نفسها. بعد يومين كانت صحيفة الشرق الأوسط في الموعد تماماً وهي تنشر أن "المكان القريب من مستودعات الوقود الرئيسية بالخرطوم كان محاطا بسرية تامة، وبإجراءات أمنية مشددة على مدار الساعة، ولا يسمح لمواطنين أو سيارات بالاقتراب من السور ناهيك عن البوابات الرئيسية. وحسب تقارير فإن المصنع كان ينتج أول الأمر «الذخائر» الخفيفة، ثم تطور لينتج كافة أنواع الذخائر ابتداء من الخفيفة للجنود إلى ذخائر الطائرات، ويعد هذا تطورا لافتا في صناعة السلاح لبلد مثل السودان. راجت أنباء في أوقات سابقة عن وجود خبراء «إيرانيين» داخله، وأنه ينتج أسلحة محرمة دوليا، وأن السلاح المنتج فيه يتم تسليم بعضه لمجموعات فلسطينية تابعة لـ«حماس»، ويستخدم في ضرب المدنيين في دارفور وجنوب السودان، بيد أن تلك الأحاديث لم تسند إلى مصادر موثوقة، ويقول خبراء إن الغارة الإسرائيلية ربما تكون بسبب هذه الأحاديث" (ينتهي الإقتباس الطويل من صحيفة الشرق الأوسط ٢٥ أكتوبر ٢٠١٢). كان لافتاً التناغم ما بين خبر الصحيفة العربية والتقارير المبثوثة بعناية في كبريات الصحف الغربية متضمنة تسريبات حصرية لهذه الصحيفة أو تلك عن كيف تم التخطيط للعملية وتنفيذها. لا أحد يعرف على وجه الخصوص اسماً للشهداء أو الجرحى فحكومتنا تتعامل مع الشهداء بذات التجاهل الذي تنثره في وجوه الأحياء.
- ترى ما هو سر يوم الثلاثاء؟ هل هي الصدفة المحضة التي جعلت العمليات الإسرائيلية تتم في ذات اليوم أم أن الأمر ليس فيه ما يثير شهية الاستقصاء؟ ما يعنينا من الأمر أن العمليات العسكرية قد أنجزت في بلاد السودان وراح ضحيتها مواطنون أخلت الدولة بتعاقدها معهم في توفير الأمن والحماية والطمأنينة والكرامة لهم. ليس هذا فحسب بل قامت السلطات الحكومية على الفور بمساعدة إسرائيل في محو آثار جرائمها البشعة ومثل هذه الآثار تظل خالدة الى الأبد في ذاكرة الشعوب لتكون شاهداً على جريمة العدو وتكريماً للشهداء من أصحاب الأرض. آثار الاعتداءات الإسرائيلية تستحق أن توضع في متحف يحكي حكايتها للأجيال القادمة ولكن من له المصلحة في محو آثار تلك الجريمة؟
الحلقة الثانية: المتخيل في العلاقات السودانية الإسرائيلية
يلاحظ أن العلاقات المتخيلة والمشتهاة مع إسرائيل في ذهن نخبة محدودة من ساسة الخرطوم تنطلق من ركيزتين اثنتين هما: عدم وعي عميق بالذات وبالسودان ودوره وأهميته في الصراع العربي الإسرائيلي، وعدم معرفة أو إن أردنا الدقة جهل مطبق بالآخر الإسرائيلي كشعب وكدولة وكثقافة وتاريخ ودين. هاتان الركيزتان وتفاصيل أخرى نعود اليها حين نختتم المقال ولكن لننظر قليلاً في سجل التواصل السوداني الإسرائيلي في إطار تاريخنا السياسي المعاصر.
اللقاء الأول المحفوظ في ذاكرة هذه الأمة هو لقاء وفد حزب الأمة بممثلين حكوميين عن دولة إسرائيل بعد ستة أعوام فقط على تأسيسها وكانت فكرته هزيلة ومعتادة في سجال العمل (الوطني) السوداني وكانت تعرض بيع موقف سياسي وهو الإعتراف بإسرائيل والتواصل معها مقابل الحصول على المال. لعنة المال هذه ظلت تطوق حركتنا السياسية في السنوات الستين لما بعد الإستقلال ولا تزال وهي مؤسسة على اعتقاد ساستنا بأن كل موقف قابل للبيع دون أن ينتبه واحد من الساسة البائعين لحاجات المشتري نفسه. لم تكن إسرائيل الدولة المؤسسة حديثاً على أشلاء الفلسطينيين بحاجة الى موقف من ساسة يعرضون ما لا يملكون للبيع. لو أتيح لنا الآن أن نستمع الى تسجيل لذلك اللقاء المخزي لربما سمعنا الإسرائيلي يتحدث مع السودانيين ويقول لهم احصلوا على استقلالكم وأنشئوا دولتكم ثم تعالوا لنا بالمواقف التي تشاءون بيعها وحينئذ سنقرر إذا كا كنا بحاجة اليها أم لا.
الحديث المتهافت عن أن السودان كان اكثر تسامحاً في الماضي مع اليهود وأنهم كانوا جزءاً من نسيج البلاد الاجتماعي هو محض اشتهاء رخيص فالجالية اليهودية في السودان لم يتجاوز تعدادها الرسمي أكثر من الف شخص حتى مغادرة آخر منسوبيها في العام ١٩٧٠م وكانت جالية محدودة العدد تعيش بين مدينتي الخرطوم ومدني وتعتمد على جزار واحد للحم الكوشر (الحلال وفق الشريعة اليهودية) ، وطبيب تقليدي واحد لإجراء عمليات ختان الأطفال، وعدد محدود من الأنشطة التجارية.
مع هزيمة اليمين السياسي في أعقاب ثورة أكتوبر اتخذ القوى الوطنية السودانية مواقف مشرفة لمناصرة الحق العربي في فلسطين واستمرت هذه المواقف حتى عاد تأثير اليمين مرة أخرى بعد تغيير نظام مايو اليساري وجهته وفي هذه الفترة التقى الرئيس نميري بالعسكري والسياسي الإسرائيلي البارز (الزعيم ورئيس الوزراء لاحقاً) أرييل شارون ثم تورط نظامه القذر فيما عرف بعملية موسى التي نقلت اليهود الإثيوبيين (الفلاشا) الى إسرائيل عبر السودان.
لافت للنظر أن اليسار السوداني على عجزه وقلة حيلته وضعف آليات عمله وسط الجماهير، كان الأكثر تمسكاً بالحقوق العربية في فلسطين بينما ظل اليمين بثقله الديني وخطابه العدائي المكثف ضد ما يسمى ب(العدو الصهيوني) والمحمولات العدوانية التي يبثها ضد اليهود أنفسهم بغض النظر عن موقفهم من الصهيونية، واستنصاره العاطفي بحجج تحرير الأقصى ثالث الحرمين وأولى القبلتين، هو الأكثر استعداداً لعرض المواقف السياسية للبيع الى إسرائيل ولعل نظرة تأمل واحدة للخطاب الذي يتبناه الناشط الإسلامي السلفي والسياسي الدكتور يوسف الكودة الذي ظل الى وقت قريب في سجل الدعاة الوهابيين، يلفت النظر الى استعداد اليمين السياسي المتدثر بالدين في السودان الى عرض المواقف كلها في السوق وبيعها إن وجد من يشتريها.
يأتي ضمن عروض البيع السياسي اليميني في السودان مواقف الشيخ الراحل محمود محمد طه مؤسس وزعيم جماعة الإخوان الجمهوريين في الستينات حين دعم خط التصالح مع إسرائيل في زمن كان فيه لإسم المقاومة جرس ومعنى.
ظلت الإنتلجنسيا السودانية بعيدة عن جدل التطبيع العربي/الأفريقي الإسرائيلي أو السوداني الإسرائيلي كما أصبح يسمى الآن في نسخته الجديدة وظلت النخبة الإعلامية والصحفية القريبة من دوائر التفكير والثقافة والتنظير السياسي بعيدة أيضاً عن هذا الجدل فيما عدا تجربة الناشر نزار عوض عبد المجيد الذي أسس عدداً من المؤسسات الصحفية في الخرطوم. كتب عبدالمجيد في يومية (آخر خبر) التي كان يصدرها في سنوات التسعينات سلسلة أعمدة دعا فيها إلى الإذعان لفكرة أن إسرائيل قد صارت واقعاً بعد فشل هزيمتها في عدد من الحروب وعلى الفور تصدت قطاعات رسمية وغير رسمية كثيرة للدعوة النشاز ثم تولت الأجهزة الحكومية اغلاق مؤسساته الصحفية الواحدة تلو الأخرى حتى قرر مجلس الصحافة والمطبوعات في يناير ١٩٩٦ سحب تراخيص كافة المطبوعات التي كان يصدرها.
في الفترة التي تلت استبعاد زعماء الحركة الإسلامية السودانية الكبار من هرم السلطة (علي عثمان محمد طه، ونافع علي نافع، وعوض أحمد الجاز) إضافة الى مجموعة كبيرة من أنصارهم من رجالات الصفين الأول والثاني، ظل الحزب الحاكم يمر بفترة من الإضطراب الفكري ويعيد ترتيب توجهاته من الصفر في كل الأمور بما في ذلك قضية الشريعة الإسلامية والجهاد وهما الأدلوجتين اللتان كانتا بمثابة الرافعتين الرئيستين لحكم الإسلامويين خلال الثلاثة عقود الماضية. مثل استبعاد هؤلاء القادة فترة انقطاع لم يعد يعرف معه ورثتهم في قيادة الحزب المترهل المثخن بالجراح أين يقف هو نفسه من هذه القضية أو تلك.
ولعل أحاديث وزير الخارجية الحالي الدكتور إبراهيم غندور والذي يتولى رئاسة الدبلوماسية بعد ٣٠ عهدة وزارية و٢٩ وزير خارجية سبقوه الى المنصب عن إن أمر العلاقات مع إسرائيل يمكن أن يخضع للدراسة. كرر غندور هذه الفرضية مرتين إحداها في مركز دراسات المستقبل، وهو مركز شبه سري تسيطر عليه مجموعة من قوميسارات الحزب الحاكم بتمويل حكومي، وينشغل بشكل أساسي بخطط التمكين واستدامة السلطة في أيدي عناصر الحركة الإسلاموية. المستغرب أن رد غندور الأول والذي جعل فيه الباب موارباً أمام التطبيع مع إسرائيل جاء رداً على سؤال قدمه مواطن من دولة مجاورة ولعله يجدر بنا التساؤل عن ماذا يفعل حركي إسلاموي من دولة مجاورة في ندوة معنية بعلاقات السودان الخارجية أم ان التنظيم السري ما يزال عابراً لحدود الدول؟
إجابة الوزير غندور تكشف عن عقلية مثيرة للأسى لدى رجال الدولة السودانيين الذين يعتقدون أن التأريخ يبدأ من يوم توليهم الوزارة، وللإنصاف فإن البروفيسور غندور ليس وحده فجميع أعضاء الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات يتعاملون مع ذواتهم كمصدر للإلهام والتفكير في وزاراتهم. لو قضى وزير الخارجية يوماً واحداً لقراءة ما كتبه أسلافه لعلم أن شأن العلاقة مع إسرائيل ليس خاضعاً للدراسة، وإنما هناك كتاب منير تستهدي به الوزارة، وأن هناك استراتيجية أقرت ضمنها ثوابت لسياسة البلاد الخارجية وإن دولة من أقدم الدول العربية والأفريقية اسمها السودان تعرف كل شيء ولا تحتاج أن تدرس من جديد. السودان ليس من أقدم الدول العربية والأفريقية فحسب، بل من أقدم الدول ذات الشوكة عبر التأريخ، وإنني على يقين من أن الكثير من قادة الحكومة لا بد قد تأمل في اسم السودان في العهد القديم واكتشف أن هذه البلاد سبقت الآخرين وإن إبقاء جمهورية جنوب السودان على ذلك الاسم ذي الهيبة في التلمود والعهد القديم مرتبط بالعز والفخار والمجد وأنه لا يليق الهزء بهذا الاسم على هذا النحو المخذل.
إذا قرر الوزير غندور تجاوز كل ارث الحكومات الوطنية في السودان وإرادة الشعب ذاته فهل بلغه أن إسرائيل ترغب أصلاً في إقامة علاقات دبلوماسية مع بلاده وهل درس حاجة البلدين الى هذه العلاقات؟ لقد ظلت السياسة الخارجية السودانية البضاعة الأكثر عرضاً في بازارات المواقف الوطنية فلماذا تقيم إسرائيل اصلاً علاقة مع السودان إذا كان بوسعها نيل الأوطار كلها عبر سفارتها في بلد آخر يملك نسخة من مفتاح الدبلوماسية السودانية بأكثر مما يملك الوزير؟
شغف الإسلامويين ببيع المواقف السياسية لا يجارى ولولا أن طبيعة هذا المقال لا تسمح لاستوعبنا ما قاله من قبل الحركيين الحزبيين ذوي الثقل الكبير في المؤتمر الوطني الحاكم كرم الله عباس الشيخ وعبدالحميد موسى كاشا لكننا اخترنا تجاوز ما قال به الرجلان من قبل لسببين اثنين هما إن كلاً من القياديين النافذين بعيد عن ملف الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وإن كليهما لم يحصل على التحصيل العلمي اللازم أو التدريب الذي يؤهل أيهما للخوض في هذا الشأن المعقد وبهذا المعنى فإن حديثهما كالعدم وكاستشارة مهندس لمريض بشأن دواء يصلح لعلته، أو استشارة طبيب في بناء جسر.
يستمد السيد مبارك الفاضل المهدي وجوده في الساحة السياسية السودانيين من مصدرين رئيسيين هما: إنه حفيد الإمام المهدي الأكثر اقتداراً مالياً، وإنه سياسي حاذق ومخضرم نال حظاً كبيراً في التدريب على العمل السياسي داخل جهاز الدولة أولاً وخارجه ثانياً، ومصدر ثالث أقل أهمية وهو خصومته مع ابن عمه الأكبر سناً والأوسع نفوذاً الإمام الصادق المهدي. بهذا المعنى تجد الحكومة في العادة تتقرب من الإمام إذا خاصمها السيد مبارك (ابن الإمام يتولى منصب مساعد رئيس الجمهورية منذ سنوات بحيثية تحدره من ذات الجد ويتلقى التدريب على العمل السياسي وإدارة الدولة)، وتتقرب من مبارك إذا خاصمها الإمام على النحو الذي نراه حالياً إذ ظفرت الحكومة ا بمبارك (نائب رئيس الوزراء ووزير الاستثمار) وابن عمه الوزير الدكتور الصادق الهادي فيما تخاصم الإمام الصادق، وكل طرف من أطراف العائلة الثلاثة المذكورين ينازع الآخر بلا هوادة.
السيد مبارك مغرم بحسابات الربح والخسارة في السياسة وقد ساهمت أجهزة الإعلام في الترويج له بإعتباره بلدوزر (أي سياسي صاحب قوة كاسحة لا يعبأ بالعوائق) وبإعتباره سياسي براغماتي (دون التقيد بطبيعة الحال بتعريف الفلسفة المفترى عليها). من كثرة ما أطلقوا عليه البراغماتي صدق السياسي المتقلب المواقف الأمر، وصار يتصرف وفق ذريعة ممنوحة له مقدماً وفق التعريف الواسع لبراغماتي في الإعلام السوداني والمشوهة لتعني (السياسي القادر على اتخاذ أي موقف من اجل هدف محدد) والخلط واضح بين الپراگماتية والمكياڤلية.
على الطرف المقابل، لاحظت أن الأستاذ الطاهر حسن التوم، وهو محاور مخضرم واعلامي تلفزيوني بارز، لديه شغف خاص بمقاربة موضوع العلاقات مع إسرائيل وقد صادفت أربع حلقات برامج تلفزيونية قدمها عن ذات الموضوع واحدة في برنامجه الذائع الصيت (حتى تكتمل الصورة) وفيها استضاف الكاتب الصحفي والسياسي حسن إسماعيل والأستاذ الجامعي صفوت فانوس (كانت الحلقة بعنوان ضعيف التركيب قوي الدلالة وهو: علاقات السودان والغرب... هل إسرائيل مفتاح الحل؟) وحلقة أخرى في برنامجه اللاحق (حال البلد) والتي حاور فيها الحركيان يوسف الكودة ومحمد علي الجزولي، ثم الحلقة التي تلتهما والتي استضاف فيها الوزير مبارك الفاضل ضمن حوارات قصيرة تجاوزت العشرة، وقبل ذلك حلقة في برنامجه الرمضاني (قيد النظر) مع الكاتب الصحفي عثمان ميرغني تم بثها إبان الإعتداء الإسرائيلي الوحشي على غزة وربط الكثير من المراقبين بين تلك الحلقة وبين اعتداء تعرض له الكاتب الصحفي، ولست أدري إن فاتتني حلقات أخريات تناول فيها أمر التطبيع مع إسرائيل. وبالرغم من أن كل هذه الحلقات لم تنجح حتى الآن في تحويل أمر التطبيع مع إسرائيل الى قضية رأي عام إلا أن تكرار تناول ذات الموضوع من قبل إعلامي واحد وجدته مما يلفت النظر. إن مسألة الدفع ببند التطبيع مع إسرائيل دونما سياق سياسي واجتماعي يقوم بإسكان هذه القضية يشعر المتلقي بعدم الإرتياح.
في مقال راج كثيراً للكاتب المعروف مصطفى عبد العزيز البطل عن سيرة الشيخ علي عثمان محمد طه لفت نظري وصفه للإعلامي الطاهر التوم ب"الإعلامي القيادي" والأستاذ البطل ممن يمحصون الكلام تمحيصاً ويزنون المفردات بعيار الذهب، وقد تأملت في العبارة حينها ووجدتها صحيحة تماماً والصفة تنطبق على الموصوف.
كتبت أكثر من مرة أن الأستاذ الطاهر هو أبرع محاور تلفزيوني سوداني حالياً وهو مهتم بالتجويد في عمله الإعلامي (القيادي) وإذا أخضعت القضايا التي تم تناولها في حلقات برامجه المتصلة، وهو امر نظرت فيه برفق بيد أنه متاح للباحث المتمهل، يمكن للدارس أن يجد فيها مادة هائلة للتحليل العلمي وفق نظرية وضع الأجندة المعروفة ضمن نظريات الإعلام والاتصال. بما يتناسب مع هدف هذا المقال فإننا يمكن ان نقول بتصرف مع البروفيسور ماكسويل ماكومبس أحد كبار الأكاديميين الذين قادوا التنظير لهذا الفرع من فروع دراسة وسائل الإعلام بأن قوة وسائل الإعلام يمكن ان تُرى في وضعها لأولويات اهتمامات الأمة وتحويل انتباهها من هذه القضية نحو تلك، وبالإضافة الى الجمهور غالباً ما يعتمد على وسائل الإعلام للحصول على المعارف والأخبار، فإنهم أيضاً يحصلون على ترتيب بالمواضيع ذات الأهمية والأقل أهمية والتي ينبغي تجاهلها وفقاً لأولوية حضورها وطريقة معالجتها في هذه الوسيلة أو تلك. على هذا النحو يمكن النظر الى قيام مدير قناة سودانية ٢٤ شخصياً وفريق مقدر من طاقمه بالتنازل عن إجازاتهم، وتجاهل قضاء عيد الأضحى المبارك (العيد الكبير) مع عائلاتهم، والانتقال الى منطقة حلايب لأداء الصلاة فيها ونقل جمهور القناة كله الى تلك المنطقة الى أنه محاولة لوضع قضية هذه المنطقة كأولوية في أجندة وسائل الإعلام أولاً وفي أذهان الرأي العام في ذات الوقت. هذه قضية أخرى سننشغل بها في سياقها الصحيح ولكنا اتينا بها كمثال طازج على تغلغل فكرة وضع الأجندة في اعلامنا، ومحاولة تجييش الشعب، أو جمهور القناة بعبارة أدق، للوقوف خلف توجهات محددة بشأن بعض القضايا، وفي ظل تراجع (مستوى) الصحافة المكتوبة والتلفزية في السودان وضعف إمكانيات القنوات الفضائية مقارنة بقناة سودانية ٢٤ فإن إمكانية النجاح في الاستقطاب لصالح هذا الرأي أو ذاك متاحة بشكل كبير للأستاذ الطاهر وهذه سلطة واسعة وكبيرة لزعيم غير منتخب ومن الضروري اخضاعها للنقد والمراقبة.
في هذا السياق أريد أن ازعم بأن تغطية الأستاذ الطاهر لموضوع إسرائيل ومحاولة نصب بوابة تل أبيب كمدخل لمعالجة قضايا مختلفة مثل علاقات السودان مع الغرب وهي علاقات غير ذات موضوع بشأن الصراع العربي الإسرائيلي، أو قضية رفع العقوبات الأمريكية عن السودان كما يزعم البعض وكأن الرئيس كلنتون قد اصدر قرار تلك العقوبات بسبب دور بلادنا في دعم الانتفاضة، أو بالطرق على موضوع إسرائيل بشكل متكرر وفي سياق من التحلل من قيود الجغرافيا والتاريخ مما يعزز من فرص التطبيع الذهني أولاً مع الدولة العبرية في خاطر الرأي العام لا يعدو على كونه محاولة لوضع/فرض أجندة على الساحة السياسية وفي هذا إساءة استخدام كبيرة لسلطة الإعلام.
الحلقة الثالثة: مبارك الفاضل المهدي وإسرائيل
عدت لمشاهدة الحلقة المسجلة ووجدت أن (حقن) موضوع إسرائيل جاء مفتعلاُ للغاية ولم يأت خدمة لسياق الحوارات التي يتحدث فيها السيد مبارك الفاضل عن التاريخ المعاصر للحركة السياسية السودانية على خلفية كتابه (ذكر ما جرى). بدأ هذه الفقرة من الحوار بإتهام من مقدم البرنامج " من التعبيرات البقراها إن سيد مبارك دة ما عندو خطوط حمرا...هل هذا صحيح؟ يجادل السيد مبارك بأن الصراع صراع سياسي يستخدم فيه كل طرف أدواته فيباغته المحاور: "حتى لو وداك إسرائيل؟" أي حتى لو اضطررت للتعامل مع إسرائيل؟ السؤال محقون تماماً وخارج السياق تماماً لذلك وضح الإستهجان في رد السيد مبارك إذ قال "ما في زول قعد يتعامل مع إسرائيل.. ودة أمور تانية.. دي قضية تانية" وبعبارة أخرى "لا أحد يتعامل مع إسرائيل وهذه قضية أخرى لا محل لها من الإعراب هنا" لكن المحاور يجادل بإصرار على وضع الدولة العبرية فوق طاولة الحوار وهنا يسقط السيد مبارك في الفخ!
للإعلام سطوة! كتب مرة الروائي التشيكي الخلاق ميلان كونديرا ساخراً من ظاهرة الولع بما يسمى ب(حقوق الإنسان) وأشار الى أن الفواصل قد انمحت بين الرغبات والحقوق وذكر حكاية إن حق الصحفي قد تحول وفق هذا الولع العالمي من الحق في طرح الأسئلة الى الحق في الحصول على أجوبة! مسلحاً بهذه الفكرة، قاتل الطاهر التوم قتالاً شرساً من أجل الحصول على إجابة مثيرة من ضيفه الكريم. بعد ذلك بدأ الوزير مبارك في الثرثرة مدفوعاً بتشجيع محاوره تارة بالكلام وتارة بالاستماع وكلها (تكنيكات) معروفة في الإعلام تستخدم لتوجيه دفة الحديث وتشجيع الضيف للإسهاب أو منعه من الإسهاب وكل ذلك بأمر الصحفي المحاور فهو الذي يملك توجيه الأسئلة وهو الذي يحدد الإجابات المفيدة من عدمها وهو الذي يستطيع منع الضيف من الكلام وهو الذي يمتلك لاحقاً حق قص هذه العبارة أو تلك بذرائع شتى أو دون ذريعة على الإطلاق.
بدا السيد مبارك في وضع مثير للشفقة وهو يسقط كله في الفخ الظاهر للعيان والذي نصب له ولو كان قد حصل على تدريب مناسب للتعامل مع وسائل الإعلام ومع الإعلاميين (القياديين) على نحو خاص لاستخدم هذا الحوار لتقديم إجاباته هو لا الإجابات التي ترمى في فمه. بدا لي أن السيد مبارك أراد رد الجميل لمضيفه الحفي به وهو يبث الحلقة الثالثة عشرة من الحوار معه حول كتابه الأخير.
سقط السياسي المخضرم في فخ ريح الأجندة المصطنعة التي وجدها مواتية فقام بمحاولة تذرية حبوب الذرة التي تحت لسانه وفقاً للمثل السوداني "البلقي الهبوب يضري عيشو" وكان عيشه من النوع الذي لا يصلح للهضم تماماً. أخطأ خطأ فادحاً حين قال إن الفلسطينيين قد باعوا أرضهم لليهود. هذا حديث لم يقل به الإسرائيليون أنفسهم، وإلا لكانوا أبرزوا صكوك الشراء فأراحوا العالم كله. مثل هذا الحديث مهين لآلاف القتلى والجرحى واللاجئين والمشردين الذين ظلوا يعيشون في المخيمات جيلاً بعد جيل منذ سبعين عاماً. هذا الحديث، علاوة على مفارقته للحقيقة يقتل ضحايا مجازر القدس وحيفا عام ١٩٣٧ و١٩٣٨ وعشرات المذابح التي أقدمت عليها آلة القتل الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية حتى مقتل محمد بوخضير الطفل النضر ذي ال١٦ عاماً الذي اختطفته عصابة إسرائيلية صغيرة من بضعة أفراد وقاموا بضربه واجباره على شرب الوقود ثم حرقه حياً في جريمة بشعة لم تحتملها حتى الدولة الإسرائيلية التي وصفتها بأنها جريمة وطنوية (Nationalist)، وهي تعبير مخفف لجريمة إرهابية حيث أن تعريف الإرهاب مرتبط بديانة وجنس مرتكبه وليس بالفعل البشع ذاته. وصف إسرائيل بأنها دولة أقيمت على أرض مشتراة من أصحابها يقتل مرة أخرى ويحثو التراب في وجوه شهداء دير ياسين، وعين الحلوة، وغزة، وقانا، ومائة ألف مصري وآلاف العرب الآخرين الذين قدموا أرواحهم فداء الأرض التي زعم الوزير أنها قد بيعت. الوزير كثير الإقامة والسفر والصلات بمصر وليته سأل هناك في الإسكندرية، ووادي النطرون (البحيرة)، والجبل الأصفر، وعين شمس، وعابدين عمن اتى بهذه الوجوه الشديدة السمار وكم من أجداد هؤلاء استشهد في حروب ٤٨ و٦٧ و٧٣ آخر الحروب العربية النظامية ضد إسرائيل.
قال الوزير إن الفلسطينيين يتآمرون على (يحفرون ل) السودانيين في الخليج وهذا كلام جلب لشعبنا كله الاستصغار والمهانة وكأن مواطنينا هم المغتربين الوحيدين في الخليج! وكأن هناك سياسة فلسطينية موحدة لطرد الموظفين السودانيين والحلول مكانهم. فلنتفق اجرائياً أن هذا الزعم صحيح ما هي خطة حكومته لمواجهة هذه المؤامرة؟ وكيف سيفيد التقارب مع إسرائيل والوقوف ببوابة تل أبيب في معالجة هذه المشكلة؟
أما حديث الوزير عن إن الإسرائيليين خواجات (وهنا عقدة دونية عنصرية معقدة ترى الخواجة أي الإنسان الأبيض كأفضل من غيره من بني البشر) وإذا كان الأسود الحامي الكوشي يرى نفسه في ذلك المكان فليفرح كثيراً بذلك فالإسرائيليين أيضاً يرون هذا الرأي وسنأتي لهذا بتفصيل أكثر بعد قليل.
تحدث الوزير عن إن إسرائيل دولة ديمقراطية يحكمها نظام يحاسب الحكام بقسوة ويذهب بهم الى السجن وأكاد أقسم ان نظاماً يحاسب الوزراء ويحبسهم هو آخر ما يتطلع الزعيم الشعبي والوزير مبارك الفاضل الى بنائه في السودان. لكن هذا الحديث يكشف عن فهم سطحي تماماً لبنية الدولة الإسرائيلية ولا يناسب مواطناً مستنيراً ناهيك عن قائد وزعيم ينافس على قيادة إحدى أكبر العائلات السودانية نفوذاً دينياً وسياسياً ولا يناسب مرشحاً لرئاسة الجمهورية كان يمكن أن يكون منافساً حقيقياً لو جرت الانتخابات في مناخ أفضل. اللهم إنا نحمدك حمد الشاكرين على تزوير الانتخابات!
المؤكد أن البلدوزر (وهذا هو لقبه لدى أنصاره) لا يشغل نفسه بالتفاصيل وإنما يتلقى معلوماته من نشرات الأخبار ولو قرأ قليلاً بعض تفاصيل محاكمات المسئولين الإسرائيليين التي نالت اعجابه لأدرك أن النظام البوليسي العسكري المخابراتي العنصري الذي يحكم الدولة العبرية منذ تأسيسها (وهذه الصفات ليست شتائم نبذلها هنا وإنما هي اتهامات ذات حيثيات موثقة دفع بها –خواجات ـ أيضاً من مواطني إسرائيل) لأدرك أن هذا النظام لم يحاكم مسئولاً واحداً ذي خلفية عسكرية سوى الوزير السابق إسحاق موردخاي الذي أثبتت عليه المحكمة تحرشه الجنسي بمجندتين في الجيش وحكمت عليه بالسجن مع وقف التنفيذ. إذا تعمق في سيرة موردخاي المدان لوجده أحد المنافسين الكبار لرئيس الوزراء الحالي نتنياهو وإنه خسر الرهان لأسباب كثيرة لا تكاد وسائل الإعلام تذكر من بينها خلفيته الإثنية (هو يهودي من أصل عراقي). بقية المدانين وأهمهم موشي كاتساف (إيراني) وإهود أولمرت لم يأتيا من خلفية عسكرية. إن الحديث وإطلاق الأحكام لا ينبغي أن يتم الا وفق معرفة جيدة قد لا تتوفر لسياسي بلدوزر وإن كان زعيماً في مقام مبارك الفاضل.
كنت أتوقع أن يكون السيد مبارك الفاضل أكثر اطلاعاً، بحكم تفرغه وتجربته والعقود الطويلة من السنوات التي استغل فيها بالسياسة، بحقيقة الأوضاع في إسرائيل وكونها ليست ديمقراطية بأي صورة من الصور أتيتها وأنها مؤسسة على عنصرية مقيتة يهودية تارة ضد الأغيار (Gentiles) كلهم ثم تتدرج ضد اليهود السود ثم المغاربة والعراقيين والإيرانيين والروس حتى تصل الى العنصرية الفجة بين السفارديم والأشكناز ثم بين الرجال والنساء والعساكر والمدنيين. العنصرية هي السمة المشتركة العظمى بين أفراد المجتمع الإسرائيلي المصطنع. نحن السودانيون –بحمد الله – نعرف موقعنا جيداً في الذهنية الإسرائيلية منذ ما قبل قيام الدولة العبرية بآلاف السنوات! مكاننا محفوظ في التلمود الذي يفسر سواد بشرتنا بأنه لعنة حلت علينا من جدنا حام بن نوح الذي أخطأ فدفعنا نحن الثمن سواداً في بشرتنا وغير ذلك. يقول التلمود على لسان نوح مخاطباً ابنه:
|
"لأنك أسات معاملتي في ظلام الليل سيولد أبناؤك سوداً وقبيحين، ولأنك أدرت رأسك لتسبب لي الحرج سيكون لأبنائك شعر مفلفل وعيون حمراء، ولأن شفتيك ابتسمتا على عورتي ستتورم شفاههم، ولأنك تجاهلت عريي سينشأ أبناؤك عراة." | 
|
(لم أحصل على نسخة بالعربية من التلمود البابلي الذي وردت فيها القصة فترجمتها عن الإنجليزية). إذن نحن موجودون في كتاب إسرائيل بلوننا الأسود وعيوننا التي تميل الى الحمرة وانوفنا الفطساء وشفاهنا الغليظة وأطفالنا العراة في مشاهد التلفزيون من كل بلد افريقي. هذه اللعنة الملصقة بنا هي التي ساهمت في إنشاء مؤسسة الرق في التاريخ البشري في غير مكان من العالم وجعلت من يقومون باسترقاق الأفارقة من أوروبيين وبيض يفعلون ذلك بثقة شديدة ودون خوف من عقاب الله. حتى تعيد دولة إسرائيل النظر في اصدار نسخة جديدة من التلمود هذا هو المكان الذي يدفعكم اليه دعاة التطبيع، والواضح ما فاضح!
يعيش في إسرائيل حوالي ١٣٠ ألف مواطن أسود أغلبهم يهود تم شحن (١٤٣٢٥) فرداً منهم في ظروف مأساوية قاسية خلال ٣٦ ساعة في آخر عملية نقل جماعي من إثيوبيا فيما عرف باسم عملية سليمان والتي اعتمدت على طائرات منزوعة المقاعد ثم حشوها بالركاب دون أي وسائل أمان من تلك المتعارف عليها لنقل البشر وفي بعض الأحيان كانت الطائرة الواحدة تحشى بما يزيد عن الألف نفس من الشيوخ والشباب والنساء والاطفال. تقول بعض المصادر التي كتبت عن العملية أن خمس سيدات أنجبن أطفالاً وهم خلال تلك الرحلات.
لم تنته المأساة فقبل خمس سنوات استيقظ العالم على كارثة بشعة كانت بطلتها وزارة الصحة الإسرائيلية حيث لوحظ تناقص عدد المواليد الإثيوبيين حتى بلغ النقص ٢٠٪ فيما ذكرت بعض التقارير أنه بلغ ال٥٠٪ واكتشف العالم أن الوزارة كانت تحقن النساء الإثيوبيات بعقار ديبو بروفيرا (Depo-Provera) المسبب للعقم دون علمهن وحين عمت الفضيحة العالم لم تعتذر الوزاري بل أعلنت بكل طمأنينة إيقاف حقن السيدات الإثيوبيات بهذا العقار. العام الماضي قارن امتحان كلية الهندسة في جامعة بن گوريون بالنقب بين اللاجئين الأفارقة والفئران ولم يعتذر رئيس الجامعة البروفيسور موشي كاسبي مشيراً الى أن المقارنة كانت لتقريب المعنى ولإشاعة المرح.
غلظة ما يسميه السيد مبارك بالدولة الديمقراطية لم تتوقف عند مواطنيها من اليهود السفارديم الذين ياتون في المستوى الثاني بعد الأشكناز من حيث الوظائف والتاثير في المجتمع والوضع الاقتصادي إضافة الى معاناة التمييز بل شملت كل الخلفيات ولعل قصص العنف والتنكيل والإختطاف التي تعرض لها مواطنان يحملان جنسيتها هما موردخاي فانونو الناشط ضد النشاط النووي الإسرائيلي والذي تم اغواؤه وتخديره واختطافه من العاصمة الإيطالية روما والمجند الشاب في الموساد والذي قضى نحبه سجيناً تحت اسم مستعار "بن زيگر" يكشفان خطورة الخطأ الفادح الذي وقع فيه السيد مبارك الفاضل المهدي.
تحدث السيد الوزير عن إن مصر استفادت من التطبيع مع إسرائيل وأنها حصلت على مساعدات فنية لتطوير النشاط الزراعي فيها فليراجع قضية الدكتور يوسف عبد الرحمن الشهيرة في مصر وشريكته راندا الشامي والتي عرفت في الصحافة المصرية باسم قضية المبيدات المسرطنة عام ٢٠١٠ والتي يقضي بسببها عدد من قادة وزارة الزراعة المصرية عقوبات بالسجن لتسببهم في إصابة مواطنين من أهلهم بأمراض السرطان والفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي وغيرها. المصريون يتهمون إسرائيل ويعتمدون على التزام إسرائيل بالتلمود الذي يحرض أبناء يعقوب (إسرائيل) على أبناء الكنعانيين الى الأبد وقتلهم وقتل أطفالهم وفق نصوص الشرائع اليهودية.
من جهة أخرى هل مشكلتنا في السودان هي الحصول على التقنيات الزراعية المتقدمة أم توفير البنية التحتية والأموال اللازمة لإستثمار ملايين الأفدنة وملايين الأطنان المكعبة من المياه والتي تذهب هدراً كل عام؟ هل نحتاج الى خبراء إسرائيليين يعلموننا كيف ننتج بلحاً دون نوى وتفاحاً في غرفة النوم أم نحتاج الى توفير الوقود سنوياً لمشاريع القضارف والنيل الأزرق؟ هل يعرف السيد مبارك ما يريده بالضبط أم أن شغفه بتقديم بهار ساخن لإثارة الساحة السياسية هو كل ما يريده؟ ما هي رؤية وزير الإستثمار لإعادة الحياة إلى مشروع الجزيرة قبل أن يضطرنا لتعليم العبرية؟
ما هي الدولة الوحيدة في العالم التي استفادت من انشاء علاقات دبلوماسية مع إسرائيل؟ الولايات المتحدة تئن تحت وطأة الرهق الذي تسببه له علاقاتها وقد اشرت في مقال سابق كيف أطلقت السفارة الأمريكية على حليفتها الصغيرة لقب (أرض ميعاد الجريمة المنظمة). بريطانيا ذاقت الأمرين منذ وعد بلفور وحتى سرقة الهويات البريطانية والفرنسية والألمانية والإيرلندية والأسترالية والتي كشفتها عملية اغتيال الناشط الفلسطيني محمود المبحوح الشهيرة. كم مرة طردت استراليا دبلوماسيين إسرائيليين من العاصمة كانبيرا أخطرهم عامير لاتي الذي حصل على دعوة لحضور حفل عيد الميلاد كصديق من ابنة النائب العام الأسترالي (وهو الشخص المسئول عن أجهزة المخابرات) وكاد أن يحضر الحفل لولا أن استبقت الحكومة الحفل بطرده.
"إسرائيل أحد أخطر الأماكن في العالم ويعيش المقيمون هناك رعباً حقيقياً مكمنه المقاومة الفلسطينية بالرغم من تراجع نشاطها في السنوات الأخيرة بفعل الإنقسام الداخلي لكنها تظل خطراً كامناً، وعصابات الجريمة المنظمة. يقدر مراقبون أن الخطر الحقيقي الذي يهدد بقاء دولة إسرائيل ليس الجيوش العربية التي تحيط بها ولكن العصابات التي تنخر في جسدها" (عمود بعنوان {الكودة وتراجي..هآتس ماؤوت}، السوداني ٦/٥/٢٠١٧م) فهل نحن مستعدون لتمديد هذه الأنشطة الى بلادنا؟
على أي مكاسب حصلت الأردن ومصر؟ راجع العناء الأمني الذي تواجهه المملكة الهاشمية وعبء اتفاقية وادي عربة على اقتصادها الممتحن. ماذا كسبت إرتريا التي صورها البعض بأنها حليفة الدولة العبرية في المنطقة قبل أن تتلقى الضربة القوية إبان حربها مع إثيوبيا؟ ومم استفادت اثيوبيا نفسها وجنوب السودان وكينيا ويوغندا من العلاقة المرهقة مع إسرائيل؟
كيف تتصرف الحكومة الإسرائيلية وأجهزتها الإستخبارية في دول العالم وكيف تستبيح أراضي الآخرين لتنفيذ عملياتها الإنتقامية أو الإجرامية؟
هل بلادنا مستعدة لعبء تطريب السيد مبارك الفاضل بالتغريدات المرحبة من الوزير العربي الإسرائيلي أيوب قرة مقابل الكلفة الهائلة التي قد تصنعها علاقة مع إسرائيل؟ هل إسرائيل نفسها مستعدة لإنشاء علاقات دبلوماسية مع السودان؟ العلاقات الدبلوماسية بين الدول تتحقق حين يرغب الطرفان وليس اندفاع/حب طرف واحد وأكاد أجزم أن إسرائيل غير مستعدة لإقامة علاقات في الوقت الحاضر مع السودان لعدة أسباب:
١- انتفاء الحاجة الإستخبارية فمن الواضح أن للدولة العبرية شبكة من العملاء القادرين على توفير المساعدات المطلوبة لها واتضح ذلك في القدرة العالية التي قامت بها بتنفيذ عملياتها العسكرية في العمق السوداني دون خسائر على الإطلاق من جانبها.
٢- الحرب في دارفور قد تشكل موضوعاً للإستقطاب وتباين وجهات النظر في الساحة السياسية الإسرائيلية المنقسمة أصلاً على خطوط شتى ولن يغامر حزب بالدخول في شراكة مع دولة فيها حرب أهلية قد تضعه في مرمى ابتزاز الحزب المنافس الذي قد يستدعى الهولوكوست لتشبيه ما يجري في بلادنا.
٣- توافر مفاتيح كثيرة لسياستنا الخارجية منذ الاستقلال في عواصم عربية أخرى وهذا ما يجعل التعاطي مع تلك العواصم أيسر.
٤- العداء الشعبي ووجود تيارات دينية وعروبية وأحزاب سياسية وجمعيات سرية ذات صلات بالخارج المعادي لإسرائيل مما يجعل مهمة دبلوماسييها صعبة ومعقدة.
٥- سهولة تحول موضوع العلاقات مع إسرائيل الى قضية للإستقطاب المحلي قد تدفع الطرف الرافض للتطبيع الى اتخاذ وسائل شديدة التطرف والراديكالية لمحاربة المصالح الإسرائيلية ومع اتساع مساحة الفقر التي وفرت موئلاً كبيراً لجماعات حربية كثيرة داخل السودان فإن الحصول على لافتة للجهاد من اجل القدس والأقصى قد تضر بإسرائيل أكثر مما تصلحها.
٦- احتمال تحول السودان باتساع مساحته وطول حدوده و(سيولة) قواه السياسية الى ساحة للصراع الاستخباري بين دول ذات مصالح متناقضة لجهة الصراع العربي الإسرائيلي/ الإسلامي اليهودي في مسمى آخر.
٧- الكتابات الرافضة للعلاقات مع السودان في الصحافة الإسرائيلية العبرية والإنجليزية والعربية.
الموقف من القضية الفلسطينية
المعركة بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل معركة معقدة يتداخل فيها الديني والتأريخي والثقافي والعرقي والحقوقي. استولت الحركة الصهيونية على أرض فلسطين بمؤامرة تضامن فيها الاستعمار والعنف والمال وتم احتلال أرض فلسطين وتشريد وطرد مئات الآلاف من ساكنيها بعد مجازر وتطهير عرقي منظم وفي هذا الصدد لا يمكن تجاهل صمود العرب داخل الخط الأخضر الذين يسمون اليوم بعرب إسرائيل ويقيمون شهوداً على هوية البلاد وملاكها الحقيقيين. لم تشتر الصهيونية الأرض من الفلسطينيين لتقيم دولتها عليها فهذا ليس مركزاً تجارياً ولو كانت الدول تقام على الأراضي المشتراة لكانت هناك آلاف الدول التي تملكها الشركات ورجال الأعمال. إن المرء ليستغرب حين يستمع الى مثل هذا الحديث غير المؤسس من رجل سلخ عقوداً من عمره في النشاط السياسي.
تمارس إسرائيل الآن السيادة على بلد محتل خلال ثلاثة حروبات كبيرة وسلسلة من الحروبات الصغيرة وإذا نظر السيد مبارك في أدبيات إسرائيل نفسها لأدرك أنها تعترف بالأراضي المحتلة التي تستولي عليها منذ حرب ١٩٦٧ من فلسطين إضافة إلى هضبة الجولان السورية (هل هذه أيضاً مشتراة؟). لا يمكن أن يكون المرء مؤازراً لإسرائيل أكثر من أن يقول إن إسرائيل اشترت الأراضي بينما إسرائيل نفسها تعترف بإحتلالها!
بهذا المعنى فإن الموقف مع الحق الفلسطيني ضد الاحتلال هو موقف أخلاقي وعقلاني وينبغي ألا يخضع لأي مؤثرات من نوع أن الفلسطينيين نفسهم يتحدثون مع إسرائيل! هذا جدل مردود فلنفترض مثلاً أن ألف مواطن أو مليون مواطن فلسطيني قالوا أهلاً بإسرائيل.. هل يغير ذلك من حقيقة الاحتلال؟ إن موقف المرء من القضية ينبغي أن ينبع من قراءته الصادقة للواقع وليس لأي أمر آخر. الحركات الفسلطينية المقاومة تكتشف بين كل حين وآخر عميلاً في صفوفها يتجسس لصالح إسرائيل فهل يصح أن نقول أن هناك فلسطينيين يتجسسون لصالح إسرائيل فلماذا نخاصمها نحن؟ لا يصح تماماً!
يتحدث الفلسطينيون مع الإسرائيليين ويتبادلون معهم المنافع لأن هذا قدر التاريخ وشرطه وليس لأنه هبة من الدولة العبرية. فلسطين محاصرة وقادتها لا يتحركون الا بعمليات معقدة وتسويات مع المحتل المحاصر يضطر اليها صاغراً للإبقاء على حالة اللاحرب واللاسلم، وقيامنا بالتطبيع (نحن أو أي دولة عربية أخرى) يطعن الحق الفلسطيني في الظهر ويساند الباطل وهذا لا يليق ببلدنا المحترم! أليس بلداً محترماً؟ لنعيد ا هنا لتساؤل حول الأبجديات.
ليست هناك دول عربية مطبعة تطبيعاً كاملاً مع إسرائيل فالعلاقات الدبلوماسية المصرية الإسرائيلية هي علاقات سياسية تفرضها الوسيلة التي استعادت بها مصر أراضيها المحتلة عبر التفاوض واتفاقية كامب ديفيد والتي تحولت الى التزام دولي مصري يتضمن علاقات دبلوماسية بين البلدين، لكن الواقع إن العلاقات الشعبية والتطبيع بين البلدين أمر بعيد المنال تحرس بابه دماء مائة ألف شهيد مصري قضوا في الحروب العربية ضد إسرائيل. هذه سانحة لنترحم على السودانيين الذين قضوا في تلك الحروب ولا يعلم لهم أحد عدداً.
ينبغي ألا يرتبط الموقف الرسمي للحكومة السودانية من الصراع العربي الإسرائيلي بمقابل ننتظره من الفلسطينيين وسواء أن أعرب الشعب العربي الفلسطيني عن تقديره للموقف السوداني ـ وهو أمر يحدث دائماً وموثق ـ أو لم يعرب عن ذلك التقدير فإن الحقيقة تظل واحدة وهي إن فلسطين محتلة!
وبعد فإن القضية ليست قضية تصريحات يطلقها مسئول هنا أو هناك ثم يطلق مسئول آخر تصريحات مختلفة، فالأمر ليس متروكاً للإجتهاد الشخصي ومسئولية الحكومة تضامنية مؤسسة على برنامج متفق عليه وأسس أخدها الشركاء على بينات لا لبس فيها. إن مثل هذه التصريحات عوضاً عن الضرر السياسي والمعنوي الذي تسببه لنا كمواطنين أمام الشعوب العربية فإنها تجعل بلادنا تبدو ضعيفة وفقيرة وقابلة لبيع المواقف من أجل المكاسب السياسية المشتهاة! قد لا تنشغل الحكومات العربية بخطرفات حكامنا لكن الشعوب تحفظها لنا في ذاكرتها الكبيرة وستحفظ لنا إننا لم نقل لا لحكامنا ساعتئذ، ومثل هذه المقالة محاولة لحفظ حقنا في قول لا. لقد كتب صاحب هذه المقالة نفسها قبل أربعة أشهر أن "التساهل في شأن التعاطي مع إسرائيل، مع خفض حضور القضية الفلسطينية، وتصريحات عدد من المسئولين المغازلة لتل أبيب، مقروءاُ بجانب استيعاب رئيسة جمعية الصداقة السودانية الإسرائيلية في مؤسستنا التشريعية يجعل السؤال الحاسم ضرورة وطنية في هذا الوقت بالذات: هل نحن مع فلسطين أم مع إسرائيل؟ (السوداني ١٨/٠٥/٢٠١٧م).
إن المرء يتطلع الى كلمة فصل من الرئيس المشير عمر البشير وهو أطول الحكام السودانيين بقاء في السلطة منذ الإستقلال وأكثرهم اقتراباً من الاهتمام بالقضايا العربية، وأعظمهم دعماً وبذلاً نيابة عنا لصالح الحق الفسلطيني، وأوفرهم استقبالاً للزعماء الفلسطينيين من كافة الحركات المقاومة أن يحسم بكلمة منه هذا الجدل وسيحفظ هذا له/ ولنا التأريخ وذاكرات الشعوب: هل نحن مع فلسطين المحتلة أم مع الاحتلال؟
رد يوسف السندي
لعناية السيد مبارك: إذا كنت في هوة ، توقف عن الحفر
- مبارك_الفاضل_المهدي_واسرائيل
ردا على مقالات محمد عثمان ابراهيم من ينازل مبارك الفاضل ينازل المصلحة الوطنية د / يوسف السندي ( ١ )
بعد أن أطلق السيد مبارك الفاضل تصريحه القائل( ساقيس التطبيع بمصلحة الشعب السوداني ) سرى التصريح بين الشعب السوداني في الريف و الحضر ، فبعد أن كانت فكرة التطبيع من المحرمات ، انفجرت الفكرة و تخطت تصريح قائلها و صارت قضية راي عام ، و من الملاحظ أن التيارات التي دعمت فكرة التطبيع المبني على مصالح الشعب السوداني كانت غالبيتها من الشباب و الأجيال الجديدة و المستنيرة، مما يؤكد بأن المفهوم القديم للدولة الوطنية السودانية المرتهن لقوالب عرقية أو اثنية ما عاد يتمتع بدعم الاجيال الجديدة ، و إنما اصبح طموح هذه الأجيال دولة وطنية مجدها من مجد ابناءها و ثمارها من عرق رجالها ، و كأن الأجيال الجديدة تريد أن تعيد تأسيس الدولة الوطنية من منصة الانطلاق الأولى عند الاستقلال : السودان للسودانيين.
لذلك يبدو غبيا كل من اراد استخدام فكرة التطبيع مطية للنيل من السيد مبارك الفاضل ، لأنه في الحقيقة لا ينازل السيد مبارك الفاضل و إنما ينازل المصلحة الوطنية و الأجيال الجديدة و المستنيرة و مسار التاريخ ، فأي عاقل يا تري سوف يقذف بنفسه في مواجهة هذا التيار العاتي الذي لا يبقى و لا يذر؟؟؟!!. و لكن دوما هناك أغبياء في التاريخ، إذا لا يخلو التاريخ من نماذج انتهازية ، و هم كثر في هذه القضية ، و اخرهم كان محمد عثمان ابراهيم الذي انبرى للنيل من السيد مبارك الفاضل . و محمد ابراهيم اتحادي ديمقراطي كان حزبه ينادي أيام الاستقلال بالاتحاد مع مصر ،و اليوم مصر الحليف الاستراتيجي للحزب الاتحادي الأصل تمارس تطبيعا سياسيا مكتملا مع اسرائيل فهل في استطاعة محمد عثمان ابراهيم ان يوجه بنادقه نحو الحليف الاستراتيجي لحزبه في شمال الوادي ؟!!! لا يستطيع ، و لكنها نار الغيرة من مبارك المهدي.
( ٢ )
رغم أن مبارك المهدي لم يكن اول من أطلق تصريحات التطبيع ( سبقه في ذلك غندور و مصطفى عثمان و كرم الله عباس و تراجي و اخرون ) الا انه الوحيد من بين هؤلاء الذي له وزن يجعل للتصريح قيمة مستقبلية، من واقع انه مخزن معلومات وطنية و دولية و قاريء مستقبل ماهر و مصادم لا يهاب المواقف الجبارة ، لذلك كان التصريح وقعه وخيما على أغبياء التاريخ الذين يصادمون المستقبل ، فجاءت مقالاتهم مجرد طعن في صاحب التصريح و لا تحمل الا عواطف ساذجة و شكوك مبهمة و دفوعات لا تصمد أمام الحقائق الواقعية. لذلك و مشفوعا بدوافع الظهور و الشوفونية دبج محمد عثمان ابراهيم سلسلة مقالات في صحيفة السوداني للنيل من مبارك الفاضل و ليس للنيل من فكرة التطبيع ، و كان غريبا أن يبتديء هذا المبتديء هجومه بالحديث عن سلطة الإعلام على مبارك المهدي متهما اياه بعدم الدربة ، و لعله نسى ، فحين كان محمد عثمان ابراهيم في جوقة مكتب السيد محمد عثمان الميرغني مجرد مدير كان السيد مبارك المهدي هو الأمين العام للتجمع الوطني الديمقراطي و العقل المكون للتجمع و الدينمو المحرك لفاعلية التجمع في الاوساط الإعلامية و الدولية ، و لكن يبدو أن حظ الفتى هو كما قال عنه الكاتب بشرى الفاضل (كان و هو معارض ترسل له التذاكر من قبل وزير اعلام نظام الإنقاذ و يستضاف في الفنادق من أجل أن يشارك في الندوات كصوت مناقض للإنقاذ ) ، هذه هي طريقة الفتى في البيع ، فليس غريب عليه التطاول ، و ليس غريب عليه النبيشة فهو قد ملأ الصحف بخصوصيات أعضاء منبر سودانيز أونلاين لدرجة التعدى على اعراضهم ، فماذا يرتجى من قلم و قلب كهذا؟؟ و لكننا سنرد عليه من أجل اظهار الحقائق التي حاول تدليسها.
( ٣ )
يسأل محمد عثمان ابراهيم السيد مبارك المهدي عن ما هي خطة حكومته بخصوص التطبيع ، فهل محمد عثمان منبوذ لهذه الدرجة من مساعد الرئيس الحسن الميرغني و الصف الكامل من وزارء الاتحادي الأصل في الحكومة ، هل تاه عن أشقاءه القدامى ام أعمته نار الغيرة ؟!
ثم يتشدق محمد عثمان ابراهيم بأن الفلسطينيين لم يبيعوا ارضهم ، فهل يريد بهذا القول أن يغير التاريخ؟؟ لقد باع االفلسطينيين أراضهم لليهود ، ذكرت صحيفة القاهرة في عددها الصادر في ٢٩ تموز ١٩٣٧ ان فلسطينيا مشهور بالسمسرة على الأراضي لليهود قد تم اغتياله. و مما يؤكد شيوع هذه الممارسة ان مؤتمر علماء فلسطين في عام ١٩٣٥ أصدر فتوى بالإجماع تحرم بيع اي شبر من أراضي فلسطين لليهود ، فهل كانت هناك دواعي للفتوى لو لم تكن هناك أراضي تباع لليهود ، و في نفس هذه الأيام قام المجلس الاسلامي الاعلى الفلسطيني بشراء قرى بأكملها مثل دير عمرو و زيتا و قرى الطيبة و عتيل و الطيرة و ٦٠ قرية من قرى يافا، و انشيء (صندوق الأمة ) خصيصا لأجل أن يشتري المجلس الاراضي من الفلسطينين منعا لبيعها إلى اليهود و من هذا الصندوق تم شراء أراضي البطيحة شمال شرقي فلسطين التي تبلغ مساحتها أكثر من مئة ألف فدان ، هذا هو الواقع فلماذا يدافع محمد عثمان عنهم بالكذب لا لشيء إلا لينال من مبارك الفاضل في انتهازية مقيتة. تعجب محمد عثمان ابراهيم من وصف السيد مبارك الفاضل للإسرائيليين بالخواجات و دولتهم بالديمقراطية !!! يبدو انه لم يقرأ لزميله الصحفي عثمان ميرغني الذي تغنى صادقا بديمقراطية و عدالة إسرائيل لمواطنيها في مقال له في صحيفته اليومية فتعرض للضرب المبرح الذي كاد يؤدي بحياته في أعنف اعتداء على صحفي بعد حادثة مقتل الصحفي محمد طه محمد احمد . و ادعى محمد عثمان إبراهيم أن إسرائيل ليست ديمقراطية لانها تمييز اليهود على عرب إسرائيل ، و هذا غير صحيح ، فعرب إسرائيل هم العرب الوحيدون في الشرق الأوسط و افريقيا الذين يتمتعون بحقوقهم الانسانية و الديمقراطية من خدمات طبية و خدمات علمية مجانية في أفضل المؤسسات العلمية ( لإسرائيل ٦ جامعات من ال 500 الاوائل على العالم و للعرب صفر ) و ضمان شيخوخة و حرية التعبير و المسيرات و الأحزاب ، و لعرب اسرائيل نواب يمثلونهم في الكنيست الإسرائيلي و يتمتع هؤلاء النواب العرب بالحصانة و المزايا المالية الكاملة و يشاركون في وضع تشريعات الدولة الإسرائيلية ، هذا مع ان عرب إسرائيل كثيرا ما نفذوا عمليات ضد الإسرائيلين ، و بالطبع نتيجة لهذا الكثير من اليهود لهم راي في هؤلاء الذين يتمتعون بالحقوق و لا يلتزمون بالواجبات .
وربما لعدالة اسرائيل مقارنة مع دولنا العربية والأفريقية يلجأ شباب دارفور وشباب إرتريا والقرن الأفريقي إلى دولة إسرائيل طلبا للجوء تاركين اوطانهم وأوطان جيرانهم من الدول الصديقة.
( ٤ )
أما أغرب ما في مقالات محمد عثمان ابراهيم فهو ادعاءه الجازم بأن كل الاتفاقيات مع اسرائيل كانت فاشلة سواء مع مصر او الأردن و بل صور إسرائيل بأنها عبء على أمريكا و بريطانيا ، و هذا كله مجرد ادعاء كاذب لا تسنده الحقائق . كل أراضي مصر والأردن المسلوبة و بخاصة القنوات المائية التي كانت محتلة قد عادت لها باتفاقياتها مع اسرائيل، و استفاد البلدين من حالة السلام مع الجار القوي و الذي يصنف جيشه من حيث القوة العاشر عالميا و الذي يملك السلاح النووي، ولولا توقف الحرب و حالة السلام لاستنزفت الجيش المصري حروب الاستنزاف كما استنزفتنا نحن حرب الجنوب ، و لو لا كامب ديفيد لما كانت هناك دولة اسمها مصر بشكلها الحالي ، هذا غير ان التطبيع جعل مصر محور أساسي في ميزان الدول الغربية و شريك أساسي في النظام العالمي الجديد بقيادة أمريكا مما جعلها مؤهلة للاستفادة من معونات أمريكية مالية و غذائية و عسكرية و قد استطاعت بذلك مصر ان تحافظ على قوتها كافضل جيش في افريقيا و العالم العربي و استطاعت أن تنجو رغم المخاطر التي أحاطت بها من مصير سوريا و اليمن و ليبيا بعد ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس مبارك . أما حديثه عن علاقة أمريكا بإسرائيل فهي علاقة من المتانة و الاستراتيجية بمكان لا يمكن معه لأي مطلع بسيط على السياسة ان لا يلاحظها، ولكن الفتى اراد لوي عنق الحقائق لأجل اغراضه الانتهازية .
( ٥ )
وعكس ما لخص محمد عثمان ابراهيم هناك حقائق واقعية تجعل من خطوة التطبيع خطوة مناسبة و ذات مصالح للشعب السوداني في الوقت الراهن سوف الخصها في ثلاث محاور:
1/ الواقع الداخلي :
- الحروب التي استنزفت وطننا و اثرت عليه ، حرب الجنوب و حرب دارفور، تمت تغذيتها من إسرائيل و من اللوبي الصهيوني العالمي ، و التطبيع يمثل فرصة لكف يد هذا اللوبي المؤثر على شؤننا الداخلية و يجعلنا نلتفت لبناء دولتنا .
- إستهداف إسرائيل المتكرر لنا حيث قصفت إسرائيل السودان أكثر من أربعة مرات في السنين الماضية و كان أشهرها استهدافها في عام 2012 لمصنع اليرموك في قلب الخرطوم.
- التطبيع مع الآخر الدولي و الأمريكي هو ضرورة المرحلة الراهنة للخروج من الحصار الاقتصادي ، و تمتين العلاقات مع الآخر الغربي يأتي عبر طريق إسرائيل سهلا و ميسرا ، و كما قال دكتور التيجاني عبدالقادر على لسان طالبة هنتنجتون فان تطور الدول في العصر الحديث يعتمد على قرب الدول او بعدها من الدول الرأسمالية القوية .
2/ الواقع الأفريقي:
- التطبيع يجنبنا الاحتكاكات المتوقعة مستقبلا مع الجيران في اثيوبيا و اريتريا و جنوب السودان و الذين ينشئون الآن علاقات متينة مع اسرائيل و بالتالي في حال استمر عداءنا المعلن مع اسرائيل فقد تستخدم إسرائيل هذه الدول ضدنا .
- ضمان عدم استعداء إسرائيل لدول البحيرات علينا حيث زار رئيس الوزراء الإسرائيلي في يونيو 2017 كل من رواندا و اوغندا و كينيا و اثيوبيا ( هي بلاد منبع النيلين ) و أكد بأن العلاقات مع افريقيا استراتيجية و قدم دعم لهذه الدول .
- شارك نتنياهو في قمة المجتمع الاقتصادي لدول غرب افريقيا في يونيو / 2017 في مونروفيا عاصمة ليبيريا، و تعتزم إسرائيل إقامة قمة إسرائيلية/ إفريقية في أكتوبر القادم في توگو.
3/ الواقع العربي :
- الثورات العربية افرزت دول محطمة كانت هي وقود الممانعة مثل سوريا و ليبيا و اليمن و العراق .
- أزمات الشرق الأوسط و الخليج المتمثلة في ظهور داعش و حرب اليمن و الأزمة الخليجية بين حلف السعودية و قطر و انهيار أسعار البترول .
- التطبيع العربي مع اسرائيل السري الذي بدأ يتزايد مع تطبيع واضح و معلن من قبل مصر و الاردن و المغرب و الامارات و قطر .
- استقرار تطبيق اتفاقية اوسلو التي عبرها تكونت سلطة فلسطينية ذاتية تدير الضفة و القطاع و تبقى مفاوضات الحل النهائي و التي أقرتها المبادرة العربية في 2002 و جميعها افرزت واقعا عبر بمشكلة فلسطين من قضية حربية إلى قضية سياسية .