يونس بن حبيب
يونس بن حبيب النحوي (94 - 182 هـ / 713 - 798 م) هو من أئمة نحاة البصرة في عصره، ومن العلماء بالشعر واللغة.
لم تذكر المصادر شيئاً عن نشأته، وكل ما ألمحت إليه أن أصله من بليدة على نهر دجلة اسمها جَبُّل، بين بغداد وواسط. والمشهور في زمن ولادته ووفاته ما تقدم، وثمة أقوال أخرى أقل شهرة.
أقام يونس في البصرة وفيها أخذ علومه عن أساتذتها كأبي عمرو بن العلاء الذي أخذ عنه الأدب، وحماد بن سلمة (ت 167هـ) الذي تعلم على يديه النحو، ولقي عبد الله بن أبي إسحاق، وارتحل إلى البادية وسمع عن العرب كثيراً مما جعله راوياً كبيراً من رواة اللغة والغريب، وكان يونس يجل رؤبة بن العجاج الراجز التميمي المشهور ويحكي عنه كثيراً من غرائب اللغة.
وفي البصرة كانت ليونس حلقة ينتابها الأدباء وفصحاء العرب وأهل البادية، وقد تحلق حوله عدد من تلامذته الذين كان لهم شأن كبير في علوم العربية كأبي عبيدة معمر بن المثنى الذي صرح أنه لازمه أربعين سنة كان يملأ فيها كل يومٍ ألواحه من حفظه، وكأبي زيد الأنصاري الذي جلس إليه عشر سنين، وخلف الأحمر الذي جلس إليه عشرين سنة، والكسائي والفرَّاء وهما من أئمة أهل الكوفة، وسيبويه النحوي المشهور الذي نقل عنه في كتابه طَرَفاً من آرائه النحوية والصرفية وروى عنه بعض شواهده اللغوية، وكان سيبويه يشير إلى آراء يونس التي خالف بها الخليل، وقد تنبه القدماء على هذه المسألة فذكروا أن ليونس قياساً في النحو ومذاهب ينفرد بها.
صحيحٌ أن النحو كان هو الغالب على يونس، بيد أنه كان مع ذلك عالماً بالشعر، نافذ البصر في تمييز جيده من رديئه، عارفاً بطبقات شعر العرب، حافظاً لأشعارهم، وقد تناقلت كتب الأدب كثيراً من مروياته وآرائه في الشعر والشعراء، وهو صاحب المقولة النقدية المشهورة حين سئل عن أشعر الناس فقال: «لا أومئ إلى رجلٍ بعينهِ، ولكني أقول: امرؤ القيس إذا رَكِب، والنابغة إذا رهِب، وزهير إذا رغِب، والأعشى إذا طِرب».
وذكرت لنا المصادر الأدبية بعض لقاءاته مع الشعراء والموازنة بين أشعارهم.
وقد أثنى المتقدمون على يونس، من ذلك قول أبي زيد: «ما رأيت أبذل لعلمٍ من يونس»، وقول أبي عبيدة: «لم يكن عند يونس علمٌ إلا ما رآه بعينه».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
اسمه ونسبه
أبو عبد الرحمن يونس بن حبيب النحوي؛ قال أبو عبيد الله المرزباني في كتابه " المقتبس في أخبار النحويين ": هو مولى ضبة، وقيل هو مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة، وقيل مولى بلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة، وهو من أهل جَبُّل. وحبيب: اسم أمه ولهذا لا يصرفونه، فإنه لا يعرف له أب، ويقال إنه ولد ملاعنة، ويقال إنه اسم أبيه فينصرف، والله أعلم، وكذلك محمد بن حبيب النسابة أيضاً.
مولده
مولده سنة تسعين ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة، وكان يقول: أذكر موت الحجاج ، وقيل مولده سنة ثمانين وأنه رأى الحجاج وعاش مائة سنة وسنتين، وقيل عاش ثمانيا وتسعين سنة. قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: عاش يونس مائة سنة وستين. وقيل عاش ثمانياً وتسعين سنة، وقيل ثمانياً وثمانين سنة، لم يتزوج ولم يتسر، ولم تكن له همة إلا طلب العلم ومحادثة الرجال.
شيوخه
أخذ يونس الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة، وكان النحو أغلب عليه، وسمع من العرب، وروى سيبويه عنه كثيراً، وسمع منه الكسائي والفراء، وله قياس في النحو ومذاهب ينفرد بها، وكان من الطبقة الخامسة في الأدب، وكانت حلقته بالبصرة ينتابها الأدباء وفصحاء العرب وأهل البادية.
أخباره:
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه. وقال أبو زيد الأنصاري النحوي: جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين، وجلس إليه قبلي خلف الأحمر عشرين سنة. وقال يونس، قال لي رؤبة بن العجاج: حتَّامَ تسألني عن هذه البواطل وأزخرفها لك؟ أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك.
كتبه:
ليونس من الكتب التي صنفها:
- كتاب " معاني القرآن الكريم ".
- كتاب " اللغات ".
- كتاب " الأمثال ".
- كتاب " النوادر " الصغير.
أخباره
قال يونس: لو تمنيت أن أقول الشعر لما تمنيت أن أقول إلا مثل قول عدي بن زيد العبادي :
أيها الشامت المعير بالدهر ... أأنت المبرأ الموفور
وروى محمد بن سلام الجمحي عن يونس أنه قال: ما بكت العرب على شيء في أشعارها كبكائها على الشباب، وما بلغت كنهه.
وقال يونس: لم يقل لبيد في الإسلام سوى بيت واحد وهو:
- الحمد لله إذ لم يأتني أجلي ... حتى لبست من الإسلام سربالا
قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: قدم جعفر بن سليمان العباسي من عند المهدي الخليفة، فبعث إلى يونس بن حبيب فقال له: أنا وأمير المؤمنين اختلفنا في هذا البيت:
والشيب ينهض في السواد كأنه ... ليلٌ يصيح بجانبيه نهار
فما الليل والنهار؟
فقال يونس: الليل الليل الذي تعرف، والنهار النهار الذي تعرف، فقال: زعم المهدي أن الليل فرخ الكروان والنهار فرخ الحبارى، فقال أبو عبيدة: القول في البيت ما قاله يونس، والذي قاله المهدي معروف في الغريب من اللغة.
وقال يونس: كان جبلة بن عبد الرحمن يُخرج إلى طباخه الرِّقاعَ يستدعي بها الطعام، وفيها الألفاظ الغريبة الحوشية، فلا يدري الطباخ ما فيها، حتى يمضي بها إلى ابن أبي إسحاق ويحيى بن يعمر وغيرهما يفسرون له ما فيها من الألفاظ، فإذا عرف الطباخ ما فيها أتاه بما استدعاه. فقال له يوماً: ويحك، إني أصوم معك، فقال له الطباخ: سهل كلامك حتى يسهل طعامك، فيقول: يا بن اللخناء أفأَدَع عربيتي لعَيِّكَ.
وكان يونس من أهل جَبُّل، وهي بليدة على دجلة بين بغداد و واسط، وكان لا يؤثر أن ينسب إليها، فلقيه رجل من بني أبي عمير فقال له: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في جبل أتنصرف أم لا؟ فشتمه يونس. فالتفت العميري فلم ير أحداً يشهده عليه. حتى إذا كان الغد مجلس للناس أتاه العميري فقال: يا أبا عبد الرحمن، ما تقول في جَبُّل. أتنصرف أم لا؟ فقال له يونس: الجواب ما قلته لك أمس. وجَبُّل: بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة، كذا قال الحافظ بن السمعاني في كتاب " الأنساب ".
ودخل يونس المسجد يوماً وهو يتهادى بين اثنين من الكبر، فقال له رجل كان يتهمه في مودته: بلغت ما أرى يا أبا عبد الرحمن، فقال: هو الذي ترى، لا بلغته، فأخذ هذا المعنى جماعة من الشعراء فنظموه.
وقال أبو الخطاب زياد بن يحيى: مثل يونس كمثل كوز ضيق الرأس لا يدخله شيء إلا بعسر، فإذا دخله لم يخرج منه، يعني أنه لا ينسى شيئاً.
وفاته
قيل: إنه توفي سنة ثلاث وثمانين، وقيل خمس وثمانين، وقال عبد الباقي بن قانع، سنة أربع وثمانين ومائة، والله أعلم. وقيل إنه عاش ثمانياً وتسعين سنة، رحمه الله تعالى.
المصادر
- وفيات الأعيان 7/244-249
- ياقوت الحموي، معجم الأدباء، تحقيق إحسان عباس (دار الغرب الإسلامي، بيروت 1993).
- ابن خلكان، وفيات الأعيان، تحقيق إحسان عباس (دار صادر، بيروت، د.ت).
- ابن الجزري، غاية النهاية، ج. برجستراسردار (دار الكتب العلمية، بيروت 1982).