معركة جريبيعات
معركة جربيعات | |||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|
| |||||||
المتحاربون | |||||||
قبيلة المنتفق |
إمارة الكويت إمارة الرياض | ||||||
القادة والزعماء | |||||||
سعدون باشا |
جابر المبارك الصباح عبد العزيز آل سعود قرينيس بن كعمي | ||||||
القوى | |||||||
غير معروف منهم 500 فارس |
7.000 رجل منهم 150 فارس | ||||||
الضحايا والخسائر | |||||||
19 قتيل وعدد غير محدد من الجرحى[1] | 338 قتيل وعدد غير محدد من الجرحى[1] |
معركة جريبيعات أو معركة هدية، هي معركة وقعت في فجر الأربعاء 16 مارس 1910 بين الكويتيين وأنصار سعدون باشا من شيوخ المنتفق، في الشمال الغربي للكويت في منطقة (طوال الظفير) أو جريبيعات الطوال، وقد انتصر سعدون باشا فيها على قوات مبارك الصباح انتصاراً سهلاً. وسببها أن جماعة من أتباع سعدون اعتدوا على قافلة لتاجر كويتي، وغضب الشيخ مبارك الصباح لهذا الاعتداء وهب لنصرته كمواطن كويتي، وقد هزم الكويتيون في هذه المعركة بحيث تركوا كل شي ونجوا بأبدانهم، وقال أحد الكويتيين (تركنا اموالنا لأبن سعدون هديه) فسميت تلك المعركة بمعركة هديه، وسميت أيضا وقعة الطوال لحدوثها في منطقه يقال لها جريبيعات الطوال.
وبعدها أراد مبارك الصباح الثأر من المنتفق، فأرسل جابر المبارك الصباح قائدا لجيش الكويت، واستطاع أن يغير على قبيلة الظفير واستولوا على كثير من الإبل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأسباب
الأسباب التي أدت لحدوث معركة (هدية) عديدة، ولكنها في مجملها لا تعطي دافعاً قوياً للتقاتل بين حلفاء الأمس منها:
- غزا مطني بن حلاف السعيدي من شيوخ الظفير والموالي لسعدون باشا قافلة لعثمان الراشد من تجار الكويت، وكسب منها بعض الإبل والأغنام، فطلب مبارك من سعدون إرجاع تلك المنهوبات، فلم يستجب له سعدون مما اعتبره مبارك تواطئاً مع الغازي[2].
- أغار سعدون باشا نفسه على عشائر عريب دار، وهو مصطلح يُقصد به العشائر المقيمة حول مدينة الكويت، وذلك بسبب حادثة ملخصها: أن صقراً حراً يملكه نجم بن عبد الله بن منصور باشا السعدون تفلّت منه، واصطاده رجل من عريب دار يدعى (خليف النومي)، فبعث نجم من يسترد صقره لكن النومي رفض ذلك لتحدث مشاجرة قُتل رسول نجم على أثرها، والتجأ القاتل إلى جابر بن مبارك الصباح مما أغضب سعدون لامتهان رسول ابن أخيه، فغزا عريب دار في أواخر صفر 1328هـ (أواخر فبراير 1910م)، واستولى منهم على غنائم كثيرة. ويبدو أن سعدون غزا أيضاً في طريقه مجموعة من عشائر مطير التي لا علاقة لها بالحادثة مع عريب دار، ولما عاتبه جابر بن مبارك الصباح على ذلك اعتذر إليه سعدون، وذكر أنه مستعد لإعادة ما غنم إن كان للكويت ملك فيه، وبالفعل يذكر تقرير بريطاني أن سعدون أعاد نصف الغنائم التي كان قد استولى عليها من غزوة عريب دار فرضي جابر بذلك، وأرسل إلى أبيه يخبره بالأمر، فغضب الشيخ مبارك، وقال: (من أنت الذي تسامح وأنا بالوجود؟)[2].
- تزعم بعض المصادر أن من أسباب معركة هدية هو ميل سعدون باشا للاتحاديين الأتراك، وقرب مبارك من حزب الحرية والائتلاف (en) الذي أسس طالب النقيب فرعه في البصرة للحد من نفوذ الاتحاديين بها حيث أوعز الاتحاديون لسعدون بالتحرش بمبارك، ولكن الوضع الذي حدثت خلاله المعركة، والشكل القبلي العام لها لا يرجّح رأياً كهذا.
ميزان القوى
بلغ تعداد أفراد الجيش الكويتي النجدي نحو 7,000 فرد حيث قام الشيخ مبارك بتجنيد 2,000 شاب من مدينة الكويت وحشد 4,000 من قبائل البدو وانضاف إليه الامير عبد العزيز آل سعود مع 200 رجل من اتباعه وجيش صغير من البادية ليصل إجمالي القوات الكويتية النجدية اجمالي عدد القوات إلى 7,000 رجل منهم 150 فارس.[3]
في حين حشد سعدون باشا بوداي المنتق والظفير ويقارب حجم قواته عدد القوات الكويتية في حين يضم جيشه نحو نحو 500 فارس.[4]
خلفية
في سنة 1910 كان العراق يغط في سبات وظلمة العهد العثماني. وكان الوجود العثماني/المملوكي محصوراً في الثكنات العسكرية في بغداد وبعض المدن الكبيرة كالبصرة، فيما كان إقليم الجنوب والفرات كسائر أقاليم وألوية العراق يتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي الفعلي مع وجود رمزي للدولة. ولكن القوات العسكرية التي حولت بغداد أو البصرة إلى ثكنة عسكرية لها تنطلق باتجاه هذه الأقاليم بشكل موسمي لشن حملات تدعى "تأديبية"، الهدفُ منها جباية الضرائب والغرامات الفادحة من الفلاحين والقبائل والعشائر العربية.[5]
كان إقليم الجنوب والفرات يعيش ما سمّاه الباحث حنا بطاطو "نمط اقتصاد الديرة المشاعي" وكانت هناك في واقع الأمر دولة عراقية أخرى على الأرض، منفصلة ومستقلة عن الدولة الفوقانية العثمانية/المملوكية، وقد فصّل القول في هذا الموضوع الباحث عبد الأمير الركابي في أكثر من نص له وخصوصا في كتابه المهم "أرضوتوبيا العراق" وأطلق عليها "الدولة الجوانية" التي عاشت في مواجهة مستمرة مع الدولة الفوقانية المفروضة من الغزاة الأجانب أو حلفائهم. كانت الاتحادات العشائرية في الجنوب والفرات تدير مجتمعاً مشاعياً وقبلياً ناضجاً ومستقراً في الآن ذاته، وكان مجتمعاً له مؤسسته القيادية المعبر عنها بالمضيف وكان له "جيش شعبي" فعال وتحت الطلب عند الطوارئ، وله قواته المتخصصة كالفرسان والمشاة. كانت هذه القوات هي التي خاضت معركة "جريبيعات الطوال" وانتصرت فيها انتصارا حاسما على قوات التحالف السعودي الكويتي المدعوم بريطانيا والذي كان يفوقها عدداً وعدة.
في تلك السنة، 1910، كان يحكم بغداد الوالي ناظم باشا الذي عزل في الشهر الذي حدثت فيه معركة "جريبيعات الطوال" دون أن يكون لعزله علاقة بها، إذ لا توجد أية إشارة إلى ذلك في سجلات الحكم أو في كتابات المؤرخين والمهتمين. وتولى الحكم بعده، في شهر مارس، الوالي حسين ناظم باشا، المعروف شعبيا بجزار الكلاب، لأنه بدأ عهده بمجزرة ضد الكلاب السائبة قام بها البغداديون مقابل أموال تمنح لهم مقابل كل جثة كلب يحضرونها! وكان الوالي غارقاً آنذاك بقصة حبه الشهيرة لفتاة بغدادية هي سارة الأرمنية، وقد عزل من منصبه في نهاية السنة دون توضيح الأسباب. وكما أشرنا قبل قليل، فقد اقتصرت علاقة مركز الحكم في بغداد مع الأقاليم الأخرى على جباية أموال الضرائب والغرامات الثقيلة وإيصالها إلى إسطنبول وهذه الأخيرة هي التي تصدر فرمانات التعيينان والإقالات. وفي تلك السنة أيضا، خُلِع السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ونُصب أخوه محمد رشاد بدلا منه وقد كان لهذه الحادثة وقعها الخاص والفريد في بغداد التي شعر أهلها بالفخر والابتهاج لأن قائد عملية خلع السلطان العثماني قادها الضابط البغدادي محمود شوكت باشا حفيد الحاج طالب الكهية "أسرة بغدادية معروفة من أصل شيشاني". وكان محمود شوكت قد زحف من مدينة سلانيك إلى استانبول تأييداً للدستور الجديد "المشروطية" واحتل القصر السلطاني وأجبر السلطان عبد الحميد الثاني على التنازل عن العرش، وأصبح وزيراً للحربية العام 1910، في وزارة حقي باشا.
لكن هذه التطورات، ووصول ضابط بغدادي إلى وزارة الحربية العثمانية لم يكن لها أثر يذكر على الوضع الجيوسياسي في جنوب العراق آنذاك. ولم تكن حكومة بغداد تهتم في كثير أو قليل بهذا الأمر إلا بمقدار تعلق الأمر بإخضاع الدولة السعودية والإمارات الصغيرة المتناثرة لسلطة إسطنبول، التي كانت قد أرسلت عدة حملات عسكرية ضدها، ولكن الأمر لم يكن يتعلق أساسا بالدفاع عن العراق. كانت أطماع آل سعود بضم نهايات نجد "الجزء العراقي من نجد ويسمى نجد السفلى" والمنتفك والوصول إلى شواطئ الفرات أو السيطرة على البصرة حلماً كبيراً يراود قادة الدولة السعودية الجديدة "الثالثة" بقيادة زعيمها عبد العزيز بن سعود، والذي استفاد جيداً من دروس إخفاق وتدمير الدولتين السعوديتين السابقتين. وحين انكسرت محاولات التحالف السعودي الكويتي السيطرة على البصرة، اتجهت أنظارهم شمالاً نحو المنتفك المتعاطف تقليدياً مع آل الرشيد أعداء آل سعود في حائل.
كانت خصوصية إقليم المنتفك، تكمن في كونه إقليماً زراعياً يخضع لدورات ومواسم الجني والحصاد تجعله مختلفا بعض الشيء عن الأقاليم الصحراوية والرعوية الأخرى لذلك كان السعوديون وغيرهم يأخذون بنظر الاعتبار انشغال العراقيين بموسم جني التمور أو حصاد الحبوب ليقوموا بغاراتهم وقد نجحوا في ذلك أحيانا. الخصوصية الثانية هي أن العراقيين في الجنوب كانوا فرسانا على الخيول السريعة وذوي دربة ومراس جيد فيها، أما القوات الغازية فكان فيها إلى جانب قطعات من الخيالة فرسان على الجمال "الهجن" قدرهم أحد المؤرخين في تلك الفترة لكثرتهم "بعدد ذرات الرمل".
كان مبارك الصباح، شيخ الكويت، قد انفرد بحكم الكويت بعد أن ذبح شقيقيه محمد وجراح. وقد خرج أبناء القتيلين يحاولون استرداد السلطة، وإدراك الثأر، والمطالبة بحقوقهم في الوراثة التي غمطها إياهم عمهم. وراحوا في سبيل ذلك يستعينون بالعثمانيين وولاتهم في البصرة ولكن دون جدوى. كان مبارك متحالفاً بعمق ورغم عداوات ومواجهات عديدة مع ابن سعود، وهذا الأخير كان قد استولى على مناطق القبائل المتاخمة للكويت وحصر مبارك وأنصاره في دائرة ضيقة. [6] كان الخليج في تلك الأيام يعيش السلام البريطاني، وينوء باستعمار السفن البريطانية لمياهه. ولم يكن ظهور القوة السعودية الناشئة على سواحل الخليج ممكناً إلا بالتفاهم مع الحكومة البريطانية في الهند، وكانت علاقة الشيخ مبارك بالهند وثيقة. وقد أراد مبارك أن يحقّق أمن الكويت في ظهيرها ضد القوة القبلية الأخرى في العراق العثماني، وكان أمن الكويت لازماً لإستراتيجية عبد العزيز الذي لم يضم الإحساء بعد، وعلى ذلك هبَّ عبد العزيز لمناصرة الشيخ مبارك ضد المنتفك، في سنة 1910.
التمهيد للغزو
بدأت التمهيدات لغزو إقليم المنتفك بزيارة قام بها عبد العزيز بن سعود، إلى الكويت في 26 فبراير 1910، وهو بالمناسبة كان قد عاش طفولته فيها بعد أنْ انتصر عليهم آل الرشيد واحتلوا الرياض وطردوا منها آل سعود إلى الكويت، في وقت تزايدت فيه الخلافات بين سعدون المنصور السعدون، شيخ المنتفك، وبين شيخ الكويت. وكانت خلافاتهما حول مسائل مالية وتجارية.[7]
وآل السعدون هم الأسرة المتنفذة في إقليم المنتفك، وبعض المؤرخين يسمونه "مملكة المنتفك" مع عدم وجود ملك أو مملكة معترف بها فيه، من عام 1530 وإلى عام 1918، وكان لها موقعها القيادي في اتحاد قبائل المنتفك وهو الاتحاد القبلي الضخم الممتد من شمال وشمال شرق الجزيرة العربية والى وسط العراق. ترجع أصول الأسرة السعدونية للأشراف "من المسلمين السُنة"، وقد كان أجدادها المباشرين أمراء للمدينة المنورة لأكثر من خمسة قرون، من الرابع الهجري وحتى التاسع الهجري، وقد لعبت أسرة السعدون الدور الأبرز في تاريخ العراق ودورا هاما في تاريخ الجزيرة العربية والمنطقة الإقليمية، وقد سقط حكم أسرة السعدون في المنتفك في الحرب العالمية الأولى ولكن نفوذهم الاجتماعي ظل قائما مثلما ظلوا يعيشون مندمجين في محيطهم.
نعود إلى تحضيرات ابن سعود والصباح للحملة ضد المنتفك، حيث يخبرنا المؤرخ د. عبد العزيز عبد الغني إبراهيم الذي اعتمدنا على كتابه "أمراء وغزاة" بشكل أساسي، يخبرنا بأسماء القبائل التي شاركت في حملة ابن سعود ومبارك على المنتفك وهي: عجمان، مطير، العوازم، بنو هاجر، بنو خالد، آل مرة، عتيبة، قحطان، سبيع الطواطة، وعريبدار الكويت. أما عدد فرسانها كما قدره الوكيل البريطاني في الكويت، فيتراوح بين 2500 ـ 3000، وهو عدد يقل بألف فارس تقريبا عن فرسان جيش المنتفك، ولكن هؤلاء – فرسان المنتفك- هم من سيحسم المعركة ويشتت شمل الفرسان السعوديين والكويتيين شذر مذر ويجبرون القوات الكويتية التي يقودها جابر بن مبارك الصباح على الهرب من الميدان في بداية المعركة. أمّا راكبو الهجن في الحملة السعودية الكويتية "فعددهم كذرّات الرمل" كما سبق واقتبسنا، وهؤلاء لم يكن لهم مقابل في جيش المنتفك ولكن إعصار الفرسان العراقيين كان قد هزم الفرسان النجديين والكويتيين ثم بعثر راكبي الهجن فاستسلم الآلاف منهم بعد مقتل المئات. لقد تدفّقت القبائل من شمال الأحساء لتشارك في الحملة السعودية الكويتية طمعاً في المغانم العراقية الثمينة. وقد أصبح عبد العزيز القائد الأعلى لهذه القوة كأمر واقع.
أما المؤرخ سالف الذكر فيعتقد أن تعيين عبد العزيز قائداً أعلى لهذه القوة لم يجئ اعتباطاً إذْ أنّ أغلب القبائل التي ستسير إلى الحرب هي قبائل نجدية، وعليه فلا يعقل أن تناط قيادة قوة كهذه برجل غيره. ويشير تقرير الوكيل البريطاني في الكويت بأن عبد العزيز قد ثَبَّط هِمَّة مبارك عن الخروج بنفسه مع الحملة مراعاة لسنّه، وحرصاً على صحّته. وأن مبارك قد استجاب لذلك تقديراً منه لعبد العزيز، وثقة منه في حنكته، ومقدرته العسكرية. ونفهم أيضاً من تقرير الوكيل البريطاني أن مبارك لم تكن له مثل هذه الثقة في ابنه جابر الذي خرج أيضاً مع الحملة وربما كان قد دفع به إلى تلك الحملة للتخلص منه و لا شيء يردعه عن ذلك فقد سبق له أن قتل أخويه محمد وجراح لينفرد بحكم الإمارة الصغيرة كما أسلفنا. و لربّما تذرّع عبد العزيز بهذه الحجج حتى لا يخرج مبارك مع الحملة الفترة لأنهم يخشون من امتداد النفوذ البريطاني إلى داخل شبه الجزيرة العربية، ولن يحقّقها له البريطانيون الذين اقتصرت مصالحهم بصفة عامة على السواحل وبصفة خاصة في هذه الفترة وفي هذه المنطقة على الكويت، التي تمثل النهاية المقترحة لخط حديد برلين بغداد. ولن يحقّق عبد العزيز بن سعود بالطبع، لمبارك رغبته هذه لأنّه حمل رأسه على كفّه وخرج ليرد المنطقة لطاعة السعوديين، ولم يكن مبارك سعودياً. ولن تحقّقها له القبائل التي ما كانت تعرف لذلك الشيخ حقّاً تاريخياً على أراضيها، ولهذا كان التناقض الكبير. ولعلّه من أجل هذا كانت أنظار عبد العزيز تتّجه إلى الأحساء حتى يستغني بها عن الكويت ويجد منفذاً لا ينازعه فيه أحد).
المعركة
عن وقائع هذه المعركة الضارية والعجيبة، يكتب د. عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، وعذرا لطول الاقتباس لأهميته الفائقة ( تكاملت هذه القوات في الجهرة، وخرجت الجموع في 13 مارس 1910 تزحف إلى أرض المنتفق، والتقت بقوات السعدون في يوم 16 مارس بين الرحيمية والوقبا والضريبيات، في منطقة تسمّى "جريبيعات الطوال". هاجمت القوات المشتركة قوات السعدون عند الفجر، وتراجعت المنتفق دون خسارة تذكر واستجمعت قواها، وأغارت فجأة على الجناح الأيمن المشكّل من "عربيدار" الكويت وبدو مطير. ولم يكن أمام جابر بن مبارك إلاّ أن ينسحب من أرض المعركة تاركاً ابن سعود وجماعاته تناوش قوات المنتفك الضاربة. وقام عبد العزيز وأخوته ومن معهم من العجمان خاصة بمحاولات يائسة حتى لا تكون الهزيمة ساحقة. تقول المصادر البريطانية أن عبد العزيز قد تراجع بجماعاته تراجعاً تكتيكياً مدروساً، وقاوم بثبات، ولكنه لم يستطع أن يستخلص النصر من براثن الهزيمة، فقد فرّت جماعات الكويت ومجموعات أخرى من البدو. ولم تكن قوة السعدون ضعيفة فقد كانت المنتفق كلّها وراءه، كما شاركته جماعات من الظفير، وعاضدته قبيلة شمّر بخمسمائة من فرسانها في المعمعة. كما اشترك معه الكثير من القبائل والعشائر العراقية الجنوبية مثل زايد، وسميت، والصفا، والمجاريد، وبني مالك والشريفات، وبني حسين، والفضول، والخزاعل، وبني يهشم، وبني لام، وبني خاقان وبني سعيد، وكثير غير هؤلاء من عشائر العراق العثماني. ويقول الوكيل البريطاني ـ نقلاً عن أحد شيوخ العجمان الذين فرّوا من المعركة طلباً للنجاة ـ بأنّه كان للسعدون أربعة آلاف فارس كانوا أكبر أثراً وأكثر قوة ونفراً من فوارس ابن الصباح وابن سعود. وشهد العجمي بأن هذه الحملة الكويتية السعودية كان يمكن أن تصل إلى الإبادة والدمار الشامل لولا وجود عبد العزيز وتمرّسه في الحرب، و لولا تهاون القوات المنتفكية في قتل الأسرى، فقد طلب سعدون المنصور السعدون من مقاتليه أن يجرّدوا الأسرى السعوديين والكويتيين من السلاح والعدة ويتركوهم إلى حال سبيلهم أمراء وغزاة ص/ 229). أما السعوديون والكويتيون فقد أطلقوا اسم "هدية" على هذه المعركة، في إشارة كاذبة منهم إلى إنهم تركوا أسلحتهم و كامل عدتهم بل وحتى ملابس بعضهم، بعد أن استسلموا لمقاتلي المنتفك، معتبرين ما أرغموا على تركه في ميدان المعركة "هدية" لا غنيمة حرب لهاربين مذعورين من ميدان المعركة!
بهذا تكون قوات المنتفك بقيادة سعدون المنصور السعدون قد رسمت وبشكل نهائي و بالسيوف والبنادق والدماء الحدود الجنوبية للعراق، و رسخت عراقية الجزء المحاذي للعراق من إقليم نجد وأنهت إلى الأبد التهديد السعودي الذي سيتحول لاحقاً إلى غارات إجرامية يشنها فرسانهم على عدد من مدن الفرات الأوسط، شمالي المنتفك، فيقتلون المدنيين بهمجية وينهبون ما يقع عليه أيديهم خصوصا من مدن العتبات المقدسة ويهربون بتلك المنهوبات إلى الصحراء الشاسعة وستكون لنا قريبا وقفة مسهبة عند وقفة عز و تضامن عراقية وقفها علماء الدين المسلمين السنة بتاريخ 5 آيار سنة 1922 تضامنا منهم مع مواطنيهم المسلمين الشيعة الذين ارتكبت بحقهم العصابات الوهابية مجزرة آنذاك في كربلاء فقتلت أكثر 150 شخصا بينهم أطفال ونساء من زوار العتبات المقدسة، فزارت وفودهم مدينة النجف حاملة فتوى جماعية أصدرها علماء الدين السُنة في بغداد تقضي بوجوب مقاتلة الوهابيين المعتدين الذين كانوا يقومون بتلك الغارات الإجرامية في بدايات القرن الماضي.
التبعات
انتهت المعركة بانتصار قبيلتي المنتفق والظفير. قُتل من جيش الكويت في هدية 338 رجلاً عدا الجرحى بينما قتل من الجانب الآخر (خمسة من رجال سعدون، وأربعة من الجشعم، وسبعة من الظفير منهم عبد الرحمن بن حلاف، واثنان من البدور، وقُتل ليل بن هتيمي المنديل من بني خالد) كما جُرح ثامر بن سعدون باشا وشفي بعد ذلك.
المصادر
- ^ أ ب حسين خلف الشيخ خزعل، تاريخ الكويت السياسي، الجزء الثاني، ص232
- ^ أ ب معركة هدية من موقع أسرة السعدون وعشائر المنتفق
- ^ امين الريحاني، تاريخ نجد الحديث، ص185
- ^ امين الريحاني، تاريخ نجد الحديث، ص186
- ^ "معركة -جريبيعات 1910- بقيادة السعدون: رسم حدود العراق الجنوبية بالسيوف! ج1 من 2ج". الحوار المتمدن. 2013-09-17. Retrieved 2018-11-16.
- ^ و(لم يكن مبارك يريد لعبد العزيز أن يتّصل بالعثمانيين أو البريطانيين ليفاوضهم إلا عن طريقه لأنه يخشى أن يضعف وضع الكويت أو يزداد ضعفها في الظهير إذا انحاز عبد العزيز إلى العثمانيين أو ارتبط بالبريطانيين / أمراء وغزاة، د. عبد العزيز عبد الغني إبراهيم).
- ^ "الجزء الثاني /معركة -جريبيعات 1910- بقيادة السعدون: رسم حدود العراق الجنوبية بالسيوف! 2 - 2". الحوار المتمدن. 2013-09-19. Retrieved 2018-11-16.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المراجع
- الموسوعة الكويتية المختصرة، حمد السعيدان.
- تاريخ الكويت، عبد العزيز الرشيد، صفحة 283.
- تاريخ نجد الحديث، أمين الريحاني