مالندي

Coordinates: 3°13′S 40°07′E / 3.217°S 40.117°E / -3.217; 40.117
Location of Malindi in Kenya
Pillar of Vasco da Gama, 3°13′25″S 40°7′47.8″E / 3.22361°S 40.129944°E / -3.22361; 40.129944
A view of the old town of Malindi

مالندي مدينة إسلامية عريقة عرفت دائماً بمسالمة الأعداء على عكس مدينة ممباسا .. .. ذكرها الإدريسي الجغرافي المسلم المشهور (عام 1100 – 1165م) رغم أنه لم يزر المدينة شخصياً، وذكر أن أهلها من الزنوج ويعيشون على صيد الأسماك والنمور والحيوانات المتوحشة الأخرى، حيث يبيعون الجلود للصينيين، كما ذكر الإدريسي أن أهلها قادرون على إزالة السموم من أخطر الأفاعي التي تعج بها المنطقة. ولكن أفضل من وصف المدينة بدقة هو الأمير أبو الفدا، أمير حماة والجغرافي المشهور (1273 – 1331م) في كتابه تقويم البلدان، حيث حدد موقعها الجغرافي بدقة كبيرة.[1]

وقام الإمبراطور الصيني يونگ لو (1403 – 1424م) وهو من أسرة مينگ بإرسال 5 بعثات استكشافية بقيادة الربان المسلم ژنگ هه، الأولى إلى جاوة وسيلان (1403 – 1424م)، والثانية والثالثة إلى نفس المنطقة والرابعة وصل فيها البحار المسلم إلى مضيق هرمز، والخامسة وصلت إلى مدينة ماليندي بين عام (1417 – 1419م)، وهناك سبب طريف لهذه البعثة، هو أن ملك البنغال أهدى حيواناً غريباً له رقبة طويلة جداً (زرافة) إلى إمبراطور الصين، ولما كان الصينيون يعتقدون بحيوان خرافي اسمه كي – لن يخرج في زمن ملك صالح، مما سبب الكثير من الضجة والنقاش في الصين، واجتمع مجلس الأعيان والطقوس ليقرر التهنئة للإمبراطور كونه ذلك الملك الصالح، ولكن الإمبراطور رد عليهم (أنه إذا أخلص كبار موظفي الدولة في أعمالهم لصالح الشعب، وإذا ما عاش العالم في سلام، فإنه لا شيء يمنع الحكومة الصالحة، وجد حيوان "كي –لن" أم لم يوجد).

وفي السنة التي تليها، شاءت الأقدار أن يهدي حاكم ماليندي زرافة أخرى إلى نفس الإمبراطور، فثارت ضجة أكبر في البلاط الصيني، وقام الإمبراطور بأمر صناع السفن بصنع أكبر سفينة في عهده سنة 1417م، بحمولة 3 آلاف طن، أبحرت 6 أشهر حتى وصلت إلى ماليندي تحمل معها سفير ماليندي الذي قام بزيارة الصين، ولقد بقيت الزرافة في البلاط الصيني رمزاً للأعمال الصالحة.

والمعروف أن ماليندي بناها العرب، ولا زالوا يشكلون جالية كبيرة فيها ويبنون بيوتهم من القديم على نفس طراز البيوت في حضرموت، وكانت لهم عادات قديمة اندثرت مع الزمن، منها أن الشخص عندما يتزوج يحفر حفرة عميقة يضع فيها مادة الجص ويدفنه لمدة حوالي عشرين سنة حتى (ينضج) الجص حتى يبني ولده به منزلاً له عند زواجه، حيث يكون الجص قد أصبح نوعية ممتازة.

وكانت ماليندي بعكس جميع المناطق والمدن الإسلامية قد فتحت ذراعيها للبرتغاليين، ورحبت بهم عند وصولهم في القرن السادس عشر ثم احتلالهم للمنطقة، بل وحتى استيلائهم على الجمارك وتحكمهم في طرق التجارة، ولم يشتكِ ملك ماليندي العربي إلا بعد أن بلغ السيل الزبى وقام البرتغاليون بسرقة بعض العرب، فأرسل عدة رسائل إلى ملك البرتغال يشتكي من ذلك، بل قام البرتغاليون في موزمبيق بسرقة سفينة الملك العربي رغم أنها تحمل كل الأوراق المطلوبة من البرتغاليين، ولم تتم إعادتها إلا بعد عدة سنوات ومراسلات كثيرة. والذي يقرأ التاريخ البرتغالي عن المنطقة يجد العجب العجاب، حيث يذكر القس فرانسيس خافير، أحد العاملين في الحكومة البرتغالية، أنه زار ماليندي عام 1452م وقابل الناس هناك، حيث أخبروه أن ثلاثة مساجد فقط لازالت مفتوحة في المدينة من 17 مسجداً، وحتى هذه المساجد الثلاثة تشكو من قلة المصلين، كما يذكر في مذكراته أنه قابل قاضي المسلمين في ماليندي وأخبره القاضي "أنه إذا لم يأت النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويزورهم خلال ثلاث سنين من الآن، فإنهم لن يؤمنوا به وبدينه ..!!"

ورد القس بأن "من رحمة السماء أن يجعل الخاطئين من أتباع الإسلام يعيشون في شك وتوتر بدون أن يعرفوا سبباً لذلك نتيجة اتباعهم دين محمد"

وعلينا بعد هذا أن نصدق هذا القسيس وهو ينقل عن القاضي هذا الكلام .. فهل يعقل أن يتفوه مسلم بسيط دعك من قاض بهذا الكلام وجميع المسلمين يؤمنون أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يعود في هذه الدنيا!؟

وهذا مثال على صدق بعض الغربيين في نقل ما يرونه ويسمعونه.

والطريف أن البرتغاليين تعاونوا مع قبائل الزمبا المتوحشة التي هاجرت من المنطقة الجنوبية في أفريقيا حول نهر الزمبيزي، وكانت هذه القبائل من أكلة لحوم البشر، فسهل لهم البرتغاليون دخول ممباسا في عام 1589م، حيث قتلوا وأكلوا كل شيء في طريقهم، رجالاً ونساء وأطفالاً وكلاباً وحتى القطط والفئران والأفاعي والسحالي، كما يذكر بعض المؤرخين ممن شاهد هذه المذبحة حيث أكلوا جميع العرب والأتراك في ممباسا.

وسبق أن قتلوا وأكلوا ثلاثة آلاف مسلم في مدينة كيلوا قبل سنتين، ولكنهم عندما هاجموا مالندي، تصدى لهم ثلاثون جندياً برتغالياً مع بعض التجار العرب، حيث قتلوا من الزمبا مئات بالأسلحة النارية، ولكن رجال قبائل الزمبا استطاعوا كسر الطوق نظراً لكثرة عددهم واستطاعوا الدخول إلى بعض أجزاء المدينة، ولكن جاءت نجدة من حيث لم يتصورها أحد، إذ أن القبائل الأفريقية المجاورة للمدينة قامت بهجوم كبير من الخلف بالحراب والسهام والسيوف، حيث تم إبادة جميع أفراد القبيلة المتوحشة ما عد عشرات منهم هربوا إلى الغابات متفرقين، ويعتبر بعض المؤرخين البريطانيين أن هذه المعركة كانت أكثر المعارك تأثيراً في تاريخ أفريقيا، إذ كان من الممكن أن يستمروا في طوفانهم ليبيدوا الجنس البشري في أفريقيا.

ولقد سيطر البرتغاليون على منطقة شرق أفريقيا، حتى استطاع العمانيون بقيادة عائلة المزروعي إخراجهم بعد معارك طاحنة في عام 1729م، وبعد أن تركوا العرب والمسلمين يعيشون أقرب ما يكونون إلى وضع العبيد في فقر مدقع، كما وصفهم القس جاسبر برنارديلو بعد أن سرق البرتغاليون ممتلكاتهم وأرهقوهم بالضرائب رغم كل الولاء والاستعباد الذي رضي به حكام ماليندي تجاه البرتغاليين، وزارها الأوربيون في المدة الأخيرة، وحولوا شواطئها إلى فنادق تنشر الفساد، يقوم هؤلاء الأوربيون رجالاً ونساءً بإفساد أولادنا وبناتنا مستغلين في ذلك فقرهم المالي والعوز المادي الذي يعيشون فيه والجهل بمبادئ الإسلام. هنا أنشأنا مسجداً ومدرسة دينية ومستوصفاً داخل السجن، واشترطنا أن نقوم بخدمة الناس من خارج السجن، ففرح المسئولون عن السجن فرحاً كبيراً، وعندما انتهينا من المشروع أتى مدير عام السجون وهو غير مسلم من العاصمة نيروبي خصيصاً لافتتاح المشروع، ويستفيد سجناء المسلمين وأهالي القرى المجاورة بفضل الله عز وجل من هذه الخدمات.. ..


قبل مدة أسلم شاب عمره ثماني عشرة سنة في بلدة كيفي وقال: إن أباه قد أسلم قبله، ولكنه لم يكن ليعرف شيئاً عن الإسلام لأنه لا يمكث في البيت بسبب ظروف المعيشة، ينتقل من مكان إلى مكان بحثاً عن عمل، وعندما عاد إلى البيت وجد أن أباه صار مسلماً يصوم رمضان ويصلي, وإن أمه بقيت كافرة، ولكنها تحترم أباه وخاصة في شهر رمضان، ولا تعادي الإسلام، وبعد فترة –تأمل- جاءنا إلى المسجد وقرر أن يعلن الشهادتين، ورجانا رجاء حاراً أن نعطيه ثوباً أبيض كالذي نلبسه، والحقيقة أن الآلاف يطلبون هذه الثياب البيض ولكن مع الأسف الشديد لا نملك إلا أعداداً لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، وبعد إسلامه مرت جماعة التبليغ والتي مقرها باكستان بالمسجد فالتحق بهم، وبعد حوالي أسبوع عاد لنا يشتعل نشاطاً، يحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، ويحاول أن يكون صورة صغيرة من مبادئ جماعة التبليغ .. وقد فرحت فرحاً كبيراً بذلك. وهذه القصة تصور مدى أهمية الجماعات الإسلامية المختلفة إذا لم يكن بينها نزاعات أو خلافات، أو كانت هذه الخلافات في مكانها الطبيعي لاستطعنا إصلاح الأوضاع السيئة التي تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية، إذاً لأصبحوا فريقاً متكاملاً كالفرق الرياضية كما حدث هنا إذ أن هذا الشاب أسلم عن طريق دعاة لجنة مسلمي أفريقيا، وقامت جماعة التبليغ بالتركيز على الجوانب الروحية وبعض الجوانب العبادية ثم أكملنا معه الطريق.

سرنا بعد ذلك إلى منطقة تاراسا على بعد 3 ساعات بالسيارة في طريق وعر، ودخلنا مركزنا هناك وهو مركز مكون من مسجد ومدرسة ودار لأيتام ومرفقاتها، بالإضافة إلى مزرعة، ولعلمي أن هناك أبقاراً تابعة للمركز فلما سألت عنها قيل لي أنها في القرية، فغضبت لذلك .. .. ولم لا تكون في المركز؟ .. أبلغت أن هناك أسداً في المزرعة والغابة التابعة للمركز وأنهم يخشون على الأبقار من هذا الأسد. ربما كان الإنسان له خبرة في بعض مشاكل التدريس وفي وجود بعض المعلمين السيئين أحياناً، أو بعض الطلاب السيئين، ولكن من الصعب جداً أن نجد إنساناً عربياً مثلي له خبرة في إخراج الأسد من داخل مركز إسلامي. لقد طلبت من الأخوة قلع جميع الأشجار في الغابة التابعة للجنة والبدء بزراعتها، فوافقوا ولكن طلبوا أن نعين بعض الحراس لحماية المزروعات من القرود التي تقوم بالعبث بهذه المزروعات وسرقة الفواكه والخضروات.

ذكر لي القائمون على المركز من دعاتنا بأنه قبل أيام دخلت الإسلام قرية كاملة بعد أن شعرت أن هويتها الحقيقية هي الإسلام .. .. وقد أسلم زعيم إحدى القرى القريبة، وبدأ يداوم عندنا في المركز وعندما استنكرت عليه أن يجلس في نفس الصف مع الأيتام الصغار .. .. قال لي أنه منذ أسلم وهو يتشوق لمعرفة دينه وأحكامه، لهذا فإنه يضحي بلقمة عيشه من أجل الحضور لتعلم عقيدة الإسلام .. .. وأبلغوني أن الطلبة الكبار والأيتام الكبار في المركز يخرجون إلى الدعوة في كل أسبوع في بعض القرى القريبة، وأنهم ما عادوا يوماً من الأيام إلا وقد أسلم شخص أو أكثر، وأنهم يتابعون أولئك الذين أسلموا بعمل دروس لهم وتشجيعهم على إقامة مسجد من القش، وزيارتهم بين الحين والآخر.

وحول المركز توجد قبائل كثيرة في اعتقادي أن أصولها إسلامية، ولكن بسبب موت العلماء وعدم وصول الدعاة إليهم بدءوا يفقدون هويتهم وضاعوا فأصبحوا وثنيين وأصبحت أقلية منهم مسيحيين، ولكن تجد لديهم حباً للإسلام واحتراماً للمسلمين.

وتنوي لجنة مسلمي إفريقيا في حالة توفر الرجال المخلصين الذين نذروا أنفسهم لله عز وجل، والإمكانيات المالية أن تبدأ برامج خاصة بكل قبيلة من القبائل، ومن ضمن هذه البرامج أن نأتي بدعاة يرسلون إلى هذه القبائل لنشر الإسلام في أوساطهم.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

مدينة غارسيني

مدينة غارسيني تقع على بعد 22 كيلو من تراسا والطريق لا بأس به ترابي، وتستقبلك في غارسيني عدد من الكنائس على اليمين والشمال في مدخل المدينة، ويبلغ عدد الكنائس الموجودة 8 كنائس بينما لا يوجد شخص واحد من سكان المدينة الأصليين غير مسلم.

ولربما تستغرب حين تعلم أن قسيس إحدى الكنائس وهي كنيسة الميثودست واسمه الأب جون غردانا، وهو أفريقي ترتاد زوجته المسجد وتحضر الحلقات والدروس الإسلامية، كما أن أولاده يقودهم هو بنفسه لحضور الكتاتيب القرآنية ويتعلمون اللغة العربية ومبادئ الدين الإسلامي ويحضرون الصلوات في المسجد. لربما سائل يسأل كيف يمكن هذا؟ .. .. الجواب .. هو أن الأفارقة في غالبيتهم العظمى لا زالوا على فطرتهم التي فطرهم الله عليها، فهم أقرب ما يكونون إلى الإسلام، وقد جاءت الكنيسة وحاولت تغييرهم وفشلت في الغالبية العظمى من الحالات، وفي الحالات النادرة جداً لم تستطع الكنيسة إلا أن تزرع الحقد والكراهية العمياء للإسلام والمسلمين.

وترى بعض المسيحيين الذين لا يلتزمون بشيء من الأوامر التي أمر بها عيسى المسيح حسب تعليمات الإنجيل عندهم، وهي أقل ما يكون، كتحريم الزنى، وتحريم السرقة، وغير ذلك، ولكنهم مع ذلك يحقدون حقداً دفيناً على الإسلام. وأذكر في هذا المجال الكثير من السياسيين الذين تربوا على يد الكنيسة لم يبق لهم من تعاليم إلا كراهية المسلمين والحقد عليهم، حتى إنهم لا يفرقون بين ما يجب أن يقال علانية وبين ما يقال وراء الكواليس. ورأينا تجمعاً كبيراً أمام إحدى الكنائس وظننا أن هناك مظاهرة ضد الكنيسة ولكن اكتشفنا أن المسئولين الحكوميين وهم من النصارى قد جعلوا الكنيسة مقراً لتوزيع بطاقات الجنسية وبطاقات الانتخابات، ولا يوجد في المدينة مكان آخر لهذا الغرض.

والهدف واضح جداً، فالناس هنا مسلمون 100% ويكرهون الدخول للكنيسة اعتزازاً بدينهم، والحكومة هنا أو المسئولون الحكوميون يستغلون الانتخابات لكسر أنفة المسلمين واستعلائهم، كما أن أغذية برنامج الغذاء العالمي توزع كذلك في الكنيسة، وإلا فلماذا لم تستعمل مدرسة من المدارس أو دائرة حكومية لهذا الغرض. أعجبني في هذه المدينة وجود مركز لتدريب النساء ولأن الناس فقراء فقد بنوه من القش وألواح الخشب، حاولنا أن نبحث في المدينة عن كرة قدم لنشتريها لأيتامنا في تراسا ولكننا مع الأسف لم نحصل على أي كرة لا كبيرة ولا صغيرة.

من هنا امتطينا السيارة اللاندروفر إلى قرية أسا على بعد 80 كيلو متراً شمال غرسين حيث سمعنا أنها نكبت بالمجاعة والطريق الترابي ضيق ومتعرج لتحاشي أشجار الغابة الجرداء من أي ورق أخضر بسبب عدم نزول الأمطار ولم نر أي علامة على أي حياة إنسانية خلال هذا الطريق الموحش وكنت أرى مرافقي الشيخ إبراهيم مدير مكتبنا يستغل الفرصة في تلاوة حزبه من القرآن بينما كان الغبار يتجمع على نظارتي. وعند وصولنا للقرية التي تضم حوالي 1500 شخص والمباني كلها من القش أو الطين ما عدا المدرسة التي بناها بعض القسس المسيحيين من غارسين.

اتجهنا إلى المسجد المبني من الطين حيث صلينا الظهر وتعرفنا على المصلين الذين كانوا يملؤون المسجد، ثم ذهبنا إلى منزل زعيم القرية وهو مسلم متحمس ذكر لنا ما نسمعه عادة في معظم الأماكن، وهو أنه لأول مرة يزورهم شخص من بلاد العرب بعد غياب يدل على عدم اهتمام العرب بإخوانهم المسلمين في هذه القرية، شرح لنا أن القرية كانت تعتمد في شرب المياه على ما يجمعونه من مياه الأمطار في حفرة كبيرة مساحتها حوالي 45 ألف متر مربع وعمقها حوالي متر ونصف يشربون منها وحيواناتهم ولكن الأمطار لم تنزل لعدة سنوات فجفت وبدءوا في حفر آبار لهم ولكن الأرض هنا رملية سرعان ما تنهار وقد قتل في اليوم السابق لوصولنا 9 أشخاص من أهل القرية بسبب انهيارات الرمال عليهم. وذكر أن القسيس يزور القرية بانتظام رغم أن جميع أهل القرية من المسلمين المتمسكين بدينهم ولم يتنصر أي مسلم ولكنهم لم ييأسوا منهم، ما زالوا يقدمون المساعدات للأهالي منذ عدة سنوات وذكر أن المجاعة التي ماتت الحيوانات بسببها ستكون فرصة لهم خاصة مع موت بعض العائلات الفقيرة.

أخذنا إلى حيث الحفائر والآبار واستغربنا كيف يشكل الناس سلسلة بشرية من قاع البئر إلى سطح الأرض ويرفع أحدهم الدلو التي تمتلئ بالأوساخ والرمال إلى الشخص الواقف أعلى منه، وكم من مرة تحركت الرمال قليلاً تحت أقدام أحدهم لترى حالة الاستنفار عند هذه السلسلة استعداداً لملاقاة الموت، كل هذا من أجل بضع رشفات ماء نشرب مثلها عشرات المرات دون أن نعرف مقدار هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا. اشترينا ثلاثة ثيران وذبحناها ثم كلفنا لجنة من إمام المسجد وزعيم القرية وبعض وجهاء القرية بتوزيع اللحم على المحتاجين وكانت الفرحة على الوجوه أشبه ما تكون بفرحة العيد. تناولنا طعام الغداء عند شيخ القرية وأظنه قدم لنا أغلب ما يملك من طعام كيف لا ونحن عرب نزور القرية لأول مرة في تاريخها ثم فوق هذا وذاك نذبح لهم ثلاثة من الثيران للمحتاجين وقبل أن نغادر رجانا أن نعود مرة أخرى.

صلينا العصر في المسجد ثم اتجهنا إلى غارسين مرة أخرى حيث وصلناها بعد ساعتين قبل الظلام فالطريق لا يبعث على الطمأنينة وما سمعناه من حوادث قامت بها العصابات المسلحة التي زاد من نشاطها هذا الجوع والجفاف يجعل دم البعض يتوقف في عروقه ولكن لا أدري لماذا تركت هذه القرية أثراً في قلبي وكم أتمنى لو زرتها مرة أخرى وقضيت وقتاً أطول مع أهاليها.

وظللت أفكر بيني وبين نفسي لماذا أحب هؤلاء المسلمين الضعاف الفقراء الأفارقة السود من أعماق قلبي يفترض أن لا شيء مشترك بيني وبينهم سوى الدين وأذكر قولاً لأحد كفرة العرب الذي ألف كتاباً ضخماً سماه "الأيدلوجية الانقلابية" وكان آنذاك في قمة المد الاشتراكي الثوري العربي وسطر فيه صفحة ملأها بالسب والشتم لكل العرب حتى الماركسيين منهم لأنهم لم يقرءوا الماركسية الحقة وهي قائمة على أساس معاداة الدين، وأذكر أن هذا الدكتور أخذ كنموذج أحد حكام دول الخليج كسبب لتأخر الأمة، وتوقعت أنه سيذكر أنه يعادي العلم أو أنه رفض نظم الإدارة الحديثة في الدولة أو أغلق المدارس مثلاً، ولكن دكتورنا العبقري ذكر السيئة الكبرى في هذا الحاكم أنه يدعو للعودة إلى الله في إحدى خطبه .. ..! تعساً للكفار الصغار خاصة بعد انهيار جنة الشيوعية وانكشافها عن أسوأ عورة، أذكر مما قاله هذا الكافر "الاشتراكية تؤمن بمساواة جميع الناس بسبب ما يملكونه من عقل، وليس بما يتميزون به من قيم أخلاقية أمام الله".


الطريق إلى هولا

من هناك انطلقنا إلى مدينة هولا في طريق يخترق الغابة، وكنا نرى الغزلان تقفز في مرح وحبور، والزرافة برقبتها الطويلة تأكل من أعلى الأشجار تاركة المناطق السفلية للأبقار والجمال وغيرها من الحيوانات .. .. وجلست أتمعن وأنظر إلى خلق الله وعظمته من خلال هذه الزرافة، إذ ان رأسها يرتفع حوالي 6 أمتار عن الأرض، وهو يرتفع عن قلبها ما لا يقل عن 3 أمتار فكيف يستطيع القلب أن يضخ الدم هذه المسافة، وكيف لا تصاب الزرافة بدوار أو إغماء أو فقدان للشعور نتيجة ارتفاع رأسها، إن الله يخلق الخلق وكل ما يستطيعه الإنسان الذكي والعالم العبقري أن يكتشف بعض عجائب خلق الله سبحانه وتعالى .. .. فسبحانه عما يقولون علواً كبيراً.

ذكريات رحلة سابقة في نفس المكان: أذكر في زيارة سابقة إلى هذه المنطقة كان المطر ينزل، وكانت الأرض طينية، وكنا قد استأجرنا سيارة لاندروفر قديمة، وقبل أن تبدأ رحلتنا، اكتشفنا أن عمود الكرنك (قطعة مهمة في السيارة) مكسورة وعلينا بتبديلها وقمنا بذلك وبدأت الرحلة في طريق ترابي مليء بالصخور والحفر، ولو كان معنا لبن لاستخرجنا الزبدة منه خلال كيلو متر واحد نظراً للمطبات، وهذه المرة كانت الأمطار غزيرة على غير العادة واستمرت عشر ساعات، وبدأت السيارة تنزلق عن الشارع وضربت بجنبها الأشجار المجاورة عشرات المرات، ومن رحمة الله أن هذه الأشجار لم تكن عالية وإلا لتهشمت السيارة، وفي كل مرة تتزحلق السيارة إلى جانب الطريق، كانت الأغصان المليئة بالأشواك تدخل علينا من النافذة، وخلال الطريق الذي استمر خمس ساعات ونصف، كنا نرى قطعان الغزلان وحمر الوحش ومجموعات من القرود والخنازير البرية أمامنا، وأخبرنا السائق أنه عندما تمطر السماء، فإن حمر الوحش تحاول السير على الشارع لأنه أكثر أماناً من البحيرات التي تتكون بسبب الأمطار، كما رأينا مئات الأنواع من البط والطيور الأخرى. سألني رفاقي إن كنت أفضل العودة بسبب وعورة الطريق وخطورته، ولكني تذكرت أنني جئت من أجل مهمة لابد من إنجازها.

بعد الفجر التقيت ببعض كبار السن من التجار العرب وسجلت المقابلة على شريط فيديو، لكن مع الأسف لم تسجل الكاميرا بشكل واضح، المهم أن هؤلاء المعمرين بدأو يتذكرون وصولهم لأول مرة قبل 50 سنة إلى هذه المنطقة حيث لم يكن هناك مسلم واحد بين الأهالي وكانت النساء شبه عاريات، فأقام التجار الحضارم مسجداً صغيراً يتسع لبضعة عشر شخصاً ولم يكن يمتلئ ..!

وشيئاً فشيئاً بدأ الأهالي يدخلون الإسلام أفواجاً حتى لم يبق شخص واحد من قبائل الأورمو على غير الإسلام، وكذلك دخل أكثر من 95% من قبائل البكومبا في دين الله، ويذكر أحد المعمرين أن القبائل المحلية كانت تدخل في دين الله بأعداد كبيرة بعد كل احتفال بالمولد النبوي، حيث توزع الأكل والحلوى وتستمر المواعظ أحياناً ثلاثة أيام متواصلة.

خرجنا في الثامنة والنصف صباحاً إلى قرية وايو والتي نبني فيها مسجداً ونحفر بئراً، وكان واضحاً بشكل قاطع أنه لا يمكن الوصول إليهم بسبب الأمطار وأخبرني المسئول عن مشاريعنا، وهو تاجر عربي ولد في المنطقة، أنه من أجل أن لا يتوقف العمل فقد استعار من الحكومة تراكتوراً كبيراً لنقل الأسمنت إلى القرية، لأنه يعلم أن اللوري لا يمكنه أن يصل، ولكن التراكتور غطس في الطين ولم يتحرك منذ أربعة أيام، ويعلم الله ماذا حل بالأسمنت، شعرت بالألم وأنا أفكر فيما نقوله للمتبرع بهذا المسجد وهذا البئر هل يصدق أننا تحملنا المشاق ولم نستطع الوصول.

وهذه هي المرة الثانية التي أحاول الوصول لهذه القرية، فقبل سنة صدمنا طفلاً صغيراً في الطريق وجلسنا أكثر من يوم في مركز الشرطة نحاول أن نقنعهم بالإفراج عن السيارة مع الاحتفاظ بكل المستندات التي يطلبونها خاصة وأن الطفل قد أصابه كسر بسيط وهو بخير وقد عفا أهل الطفل عنا، لكن الشرطة رفضوا واضطررنا أن نعود بحافلة كبيرة إلى ماليندي. وهذه المرة منعنا المطر، نسيت أن أقول أننا أرسلنا مندوبين لنا أكثر من مرة لمتابعة مشاريعنا هناك. آخر مرة كان هناك طفل صغير يلعب بأنبوبة صدئة جداً ثم ألقى بها في السيارة ولم ننتبه، وفي الطريق فتش الشرطة السيارة وسألونا عن هذه الأنبوبة، فذكرنا أننا رأيناها مع أحد الأطفال يلعب بها ولم ننتبه إليها في السيارة، ولكن الشرطة أحالوا مندوبنا وسائقه للمحكمة بتهمة التعاون مع أعداء الحكومة وحمل أسلحة نارية لهم ..!

لأن الأنبوبة هي لبندقية قديمة ..! وألقي بهما في السجن أسبوعين كاملين وبعد واسطات كثيرة تم الإفراج عنهما بكفالة مالية، ولا زالت إجراءات المحكمة مستمرة، للعلم لن يعرف أي إنسان أن هذه الأنبوبة الصدئة هي قطعة من بندقية إلا خبير يعرف البنادق جيداً، لأنها ملقاة في الشارع على الأقل لمدة عشر سنين. نعود مرة أخرى لنحاول الذهاب إلي بلدة برة عاصمة الإقليم، وبسبب الوحل كانت سياراتنا اللاندروفر تنزلق وتستدير 180 درجة عدة مرات حتى وصلنا، وكم كنا سعداء ونحن نرى المسجد الأبيض يقام ويرتفع الأذان مردداً الله أكبر خمس مرات في اليوم، لقد جن جنون القسيس الذي يشرف على المركز المسيحي القريب والذي يشمل مركزاً اجتماعياً وكنيسة ومستشفى ومشغلاً لتدريب الحرف ومدرسة .. ألخ إننا لم نفعل شيئاً ضد هذا الرجل، كل ما فعلناه أننا حاولنا خدمة المسلمين الذين لا يملكون مسجداً وهم يشكلون 95% من السكان هنا، بينما هناك 5 كنائس، وأنا على يقين بأننا لو قمنا ببناء مدرسة أو مستوصف بقرب المدرسة لترك القسيس المنطقة وسافر.

في طريق العودة إلى بلدة هولا لم يكن هناك شيء يذكر، السيارة توقف محركها ثلاث مرات بسبب دخول الماء إلى الدائرة الكهربائية، كما أن ماء الراديتور غلى عدة مرات واضطررنا لتجميع ماء المطر من جوانب الطريق لنضعه في الراديتور.

عندما وصلنا إلى هولا، اكتشفنا أن هناك أزمة حادة بالبترول والسكر والدقيق وأشياء أخرى بسبب انقطاع الطريق نظراً للأمطار، وبحثنا في كل مكان عمن يعطينا وقوداً، وبصعوبة بالغة أعطانا أحد المسلمين 40 لتراً من البنزين، هذا البحث أخرنا ساعة كاملة، في هذه اللحظات جاءني مسئول الأيتام في هولا ومعه الطباخ الذي يعمل في دار الأيتام يطلب سلفة 200 دولار أمريكي لكي يتزوج يسددها على 12 شهراً، وقدم طلباً لشراء مضخة ماء ليقوم الأيتام بزراعة أرض على النهر بكلفة 2500 دولار أمريكي ليتعلموا الزراعة الصحيحة في وقت مبكر.

وفي طريق العودة إلى مالندي، رأينا سيارات كثيرة معطلة في الطريق بسبب الأمطار وكانت سيارتنا هي الوحيدة التي كانت تسير أو تنزلق سيراً أحياناً، حيث توقفت مرات عديدة وغطست في الوحل مرات ونزلنا ندفعها حتى غطى الوحل نظارتي وتجمعت كميات منه على طاقيتي، أما الملابس فحدث عنها ولا حرج، وكنا نخوض في الوحل إلى الركبة وكل ذلك لم يكن كافياً، إذ بدأ المطر ينزل وكانت السيارة نادراً ما تسير في وسط الطريق، إذ سرعان ما تنزلق إلى أحد جانبي الطريق المنخفض، وبدأنا نفكر جدياً في النوم في السيارة، لقد فقدنا الأمل في اللحاق بالطيارة من مالندي، ولا نفكر في العطش فماء المطر يملأ آثار عجلات السيارات والحفر في جوانب الطريق كما أننا نحمل معنا بعض الموز، والحيوانات المتوحشة نحن في مأمن منها داخل السيارة باستثناء فيل هائج أو وحيد قرن أحمق، ولكن نحمد الله أن لم نلتق بأي منها، ومن رحمة الله بنا أن وصلت خلفنا بأعجوبة سيارة لوري كبيرة، ولا أدري كيف استطاع أن يتزحلق كل هذه العشرات من الكيلو مترات وكيف خرج من الطين، ونزل الميكانيكي من اللوري يساعدنا، وبعد ساعة كاملة من مختلف المحاولات طلب منا دفع سيارتنا إلى جانب الطريق وتركنا السائق فيها وقبل –مشكوراً- سائق اللوري أن نركب في الخلف، وبين الحين والآخر كنا ننزل لندفع اللوري أو لنرفع بعض الطين من أمام العجلات.

طبعاً الجلوس خلف اللوري لا يعرفه إلا من جربه، كنا أشبه بكرة الطاولة نقفز في الهواء لنضرب أرضية السيارة لنقفز من جديد، استمر هذا الحال حوالي سبع ساعات، كان كل تفكيري منصباً على كيفية إقناع المتبرعين الذين لم نقم بزيارة مشاريعهم، أما إحساسنا بالتعب والمشقة فقد كان أمراً ثانوياً. لقد أخذت معي آلتين للتصوير حتى نضمن أن إحداها على الأقل ستعمل، وكان إبراهيم شيخ إسحق، مدير مكتبنا في كينيا، قد أحضر معه عشرة أفلام احتياطاً، فكم من مرة ذهب إلى أماكن نائية ثم يكتشف أن الكاميرا قد تعطلت بسبب الطريق، أو قد يصور ولكن الفلم يحترق.

ما خفف التعب أحاديث الشريف حسين، وهو تاجر من أصل حضرمي وأحد المتطوعين معنا بجهده ووقته وهو يحدثنا عن كيفية وصول والده من حضرموت وبدأ في تأسيس عدد من المساجد والمدارس المتواضعة وكيف كان يسير مع أبيه أحياناً شهراً كاملاً بين مدينتين من أجل الدعوة، إذ لا يملكون آنذاك قيمة الجمل. وصلنا بلدة غارسين، وقد أخذ الجهد منا كل مأخذ، وبدأ الشريف حسين يبحث عن سيارة ثالثة لتأخذنا إلى بلدة مالندي، ولم يكن هناك أي باص أو حتى لوري ذاهب إلى هناك والوقت قريب من المغرب، وبدأ يتصل بالتجار العرب في المنطقة، وأخيراً عثرنا على تاجر عربي لديه ثلاث سيارات معطلة جميعها، ولكن عطل إحداها كان خفيفاً وهي سيارة لوري، إلا أننا ركبنا هذه المرة على المقعد بقرب السائق، ووالله لقد أحسست أنني اركب أكثر السيارات رفاهية في العالم .. لقد أنستني الشاحنة السابقة كيف تكون المقاعد، فلم أعد أرى في مقعد هذه الشاحنة شيئاً عادياً، وكنت طول الطريق أرفع نفسي عن الكرسي ثم أجلس بين الحين والآخر وأنا لا أصدق كيف أن المقعد مريح بهذه الدرجة، وتذكرت كيف أن ابن آدم في يوم القيامة يحس بكل ملذات الدنيا وكأنها لحظات مرت بسرعة، شعرت كأنني لم أركب سيارة في حياتي غير الشاحنة السابقة التي أذاقتني المرين، وتذكرت قول الله تعالى عن أولئك الذين تنعموا في الحياة دون أن يؤدوا حق الله في حياتهم أنهم ما إن تمس جلودهم النار حتى ينسوا متعتهم في الدنيا ويشعروا بأنهم لم يلبثوا فيها إلا ساعة من نهار. كما قال عز وجل: (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) [سورة النازعات، آية 46].

هولا

وحالما وصلنا المدينة لاحت لنا مبان للمركز الإسلامي في مدينة هولا الذي نقوم ببنائه، وأشد ما أفرحني هو أن المسجد هو أول مبنى يكاد يكتمل حيث كانت المدينة سابقاً تستقبل الزائرين لعدد من الكنائس يبلغ 5 كنائس، ومرة أخرى قد لا يوجد في المدينة عشرة مسيحيين من أهالي المدينة. والمركز تبلغ مساحته ثلاثمائة ألف متر مربع، إلا أننا نعاني أشد المعاناة من الماء حيث إن الماء عميق ويحتاج لمبالغ كبيرة لحفر الآبار، حيث حفرنا إلى 80 قدم دون أن نجد قطرة ماء، وذلك في أخفض الأراضي فما بالك حينما نحاول الحفر قرب المسجد، وهو مكان مرتفع نسبياً.

والمركز مكون حالياً من مسجد ومدرسة وأقسام داخلية وسكن للأيتام وقاعدة طعام وملاعب وسنبني إن شاء الله مركزاً لتدريب النساء ومخازن.

بلدة هولا فيها شارع واحد غير معبد تصطف على جوانبه الدكاكين التي تبيع الحاجات الضرورية لسكان القرى المجاورة، وعلامات الفقر تبدو واضحة على سكان المنطقة، التخلف العلمي والجهل بالدين علامة بارزة في هؤلاء مما خلط الأولويات في رؤوس الناس. ففي كل مرة نحاول مساعدتهم نجد الخلافات والتقارير الكاذبة تصلنا من أطراف مختلفة ومثل هذه الأمور تزداد كلما ازداد فقر السكان وجهلهم.

وأذكر أنني استلمت تقريراً من رئيس جمعية إسلامية في المنطقة يذكر أن مساجدنا كلها تهدمت، وأن أيتامنا مشردون تحولوا إلى لصوص، وأن كل ما نرسله إلى مندوبنا في المنطقة يتم بيعه بدلاً من توزيعه على المحتاجين حسب تعليماتنا، وأن بعض المساجد لا يدخلها إلا الغربان والبوم والمجرمون بعد هجرها، وتهم خطيرة أفزعتني .. ولكن عندما زرت المنطقة وتحققت من الاتهامات وجدت أنها باطلة تماماً ولا أساس لها من الصحة، وعلمت أن رئيس هذه الجمعية يكره مندوبنا، ,اعتقد أننا سنقوم بطرده بناءً على رسالته وما حملته من تهم، ولم يتصور أنني سوف أزور المنطقة بنفسي وأرى مدى كذبه وافتراءاته، ومثل هذه التقارير ليست غريبة في أفريقيا، فلا يخلو البريد يومياً من رسالة أو اثنتين فيهما تهم كاذبة ضد دعاتنا.


مدينة بره

أما مدينة بره التي تبعد حوالي 45 دقيقة عن مدينة هولا، جئنا إليها قبل خمس سنوات، وتقدم إلينا الأهالي لبناء مسجد فوافقنا على الخريطة والتكاليف وبدأنا في البناء، ولكن الأهالي تدخلوا واستغلوا بعض السياسيين وفرضوا على المقاول أن يوسع المسجد، واعترضنا عليهم، وحاولنا أن نقنعهم بأن المبلغ لن يكفي، ولكن كعادة القرويين في أفريقيا أصروا إصراراً شديداً على التوسعة وانهم سوف يكملون المسجد بعد ذلك، وحدث بالضبط ما توقعناه وما تكرر عشرات المرات في عشرات القرى، حيث توقف المسجد قبل أن يكتمل بسبب إصرار الأهالي على أن يجعلوه أكبر، وظل متوقفاً أكثر من أربع سنوات، مع ما سببه ذلك من إحراج لنا مع المتبرع.

خلال هذه الفترة، جاءت الكنيسة وقامت ببناء كنيسة ضخمة بقرب المسجد، ثم كنيسة ثانية، ثم كنيسة ثالثة، دون أن يكتمل المسجد، حتى جاء وفد من إخواننا في المملكة العربية السعودية وزار المسجد، حيث وقف أحد الإخوان يريد أن يصور المسجد، فاقترب منه أحد النصارى وقال: إنكم منذ مدة طويلة تحاولون بناء هذا المسجد ولم تكملوه فلماذا لا تعطونا هذا المسجد وسنقوم بإكماله وتحويله إلى كنيسة رابعة في نفس المنطقة.

شعر هذا الأخ بألم شديد وهو يعلم بأن هذه المدينة 98% من سكانها مسلمون، وليس فيها مسجد إطلاقاً سوى هذا المسجد غير المكتمل ويصلي الناس تحت الأشجار، فاشتعلت النار في قلبه، وعاد إلى أهله وبدأ يجمع التبرعات من المحسنين حتى استطاع إكمال المسجد. واذكر في أول زيارة لي إلى هذه المنطقة سألت بعض المسلمين عن الأضحية فلم يعرفوها، وعندما وصفت لهم وشرحت لهم ما هي الأضحية، ذكروا بأن آباءهم أخبروهم أن أحد العرب جاء قبل أكثر من 30 سنة وقام بذبح أضحية.

في بعض المناطق رأينا فقراً كما لم نره في أماكن أخرى، كالعادة من يزور هذه المنطقة لا يصدق أنه في كينيا فلا طرق ولا كهرباء والماء ينقطع باستمرار، ولا يوجد خدمات بأي درجة من الدرجات المحترمة، جريمتهم أنهم مسلمون .. ومعظم المناطق الإسلامية في كينيا تعاني من نفس الأمر.


الهامش

  1. ^ عبد الرحمن حمود السميط. "من مالندي إلى هولا وأحوال غريبة". باب دوت كوم. Retrieved 2010-05-20.

وصلات خارجية

3°13′S 40°07′E / 3.217°S 40.117°E / -3.217; 40.117