زار
الزار، هو أحد طقس شعبي يمارس في بعض الدول العربية، بهدف شفاء الأشخاص المصابون ببعض الأمراض العضوية أو النفسية أو ما يطلق عليه اسم التبلس أي سيطرة الجن على الإنسان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التسمية
كلمة الزار غير معلوم، وقد يكون غير عربي أو فرعوني؛ وإن كان البعض قد افترض أن أصلها من العربية (زار، يزور، زيارة...) بمعنى القيام برحلة إلى عالم الأرواح على أن يعود ثانية إلى عالمه؛ وافترض أخرون أن كلمة الزار هو تلوين شعبي لكلمة (أعذار) حيث يتم بحفلات الزار السماح للنساء الملبوسات بالقيام ببعض الأشياء الخارجة عن عاداتهم وأسليب مجتمعاتهم لإرضاء الأسياد المسيطرة عليهم. ورغم تلك المحاولات لفهم الأصل اللغوي فإن الأرجح أن الكلمة ليست عربية فصحى في أصولها، وربما كانت مصرية فرعونية أو مصرية عامية من خلق الناس. وأصل الطقس ذاته غير معروف أيضا، وترده بعض الدراسات إلى الحبشة (أثيوبيا)، أو السودان أو مصر أو مصر الفرعونية أو كلها معا؛ وتربطه أيضا بعض الدراسات بإيران. وقد حاول المستشرقون قديما وصف وتسجيل طقس الزار كتابيا، ومن أقدم المكتوبات والأوصاف جاء في دراسة للمستشرق إدوارد لين ونشر سنة 1835؛ ولكنه كان بالطبع وصفا قاصرا كثيرا ربما لأنه رجلا ولم يستطع الحضور بشخصه واكتفى بالنقل عن آخرين. ويستخدم الزار الآلاف من النساء في أفريقيا والشرق الأوسط؛ غالبا بهدف الشفاء من أعراض أو أمراض يعتقد أنها بفعل الجن أو الأرواح (الأسياد) أو التي عجز الطب في تلك الأماكن عن تعريفها وتشخيصها وعلاجها، فأحال الناس أسبابها إلى المجهول أو العالم السفلي. وفي الزار تقوم النساء بالرقص والحركة على لإيقاع موسيقى الزار حتى السقوط في حالة من "التغيب" أو شبه الحلم أو من الإعياء والإجهاد. وتستمر حفلات الزار في بعد البلاد أسبوعا كاملا من الطبل والدق والرقض العنيف وحتى شروق شمس اليوم التالي، وفي مصر قد تستمر حفلة الزار ليلة أو عدة ليلال (غالبا ثلاث).[1]
الخلفية والمفهوم
عندما يقشل علم الطب أو العلاجات الشعبية الأخرى في علاج عرض أو مرض يصيب المرأة، أو عندما يكون العرض أو المرض لا يليق التحدث فيه أو عنه حتى مع المعالج، أو أن يكون فكريا أو عاطفيا أو عقليا، تلجأ المريضة غالبا إلى المعالجة (شيخة الزار) تستشيرها وتسألها إن كانت قد مسها روح سفلي. ولو كان هذا هو التشخيص (وهو غالبا كذلك) يكون على المريضة (الآن يطلق عليها الملبوسة، إذ تلبستها الروح - جن أو غيره) أن تتواصل على الروح التي تسيطر عليها وتتسيدها (ويطلق عليها الآن السيد، أو الأسياد لو كانت أكثر من روح). ولا يذهب المرض والتلبس إلا بعد عقد الصلح أو بالأحرى الهدنة مع الأسياد، ويتم الاتفاق المصالحة عبر شيخة الزار (الكوديا) في أثناء طقس الزار. وإن حدث وشفيت الملبوسة من عرضها ومرضها يكون عليها أن تصبح فردا فاعلا قي جماعة الزار ولا تتوقف عن منح العطايا والهبات للجماعة والشيخة لتوصيلها للأسياد، ولا تتوقف عن حضور الجلسات (الحضرة) حتى لا تقطع الأسياد عقد الهدنة معها فتمرض من جديد.
التلبس وعلاجه
الاعتقاد بالتلبس هو الاعتقاد بقدرة أرواح من العالم السفلي بالسيطرة على جسد وعقل الإنسان، واللمس أو المس هو درجة أقل من التلبس تكون فيها سيطرة الروح السفلية أقل والأعراض أقل شدة. وعلاج التلبس يكون عن طريق كوديا الزار (ويعتقد البعض أن اللفظ من تركيبة من لفظ فرعوني هو كا أو كو بعد التحريف ومعناها الروح ولفظ عربي هوضياء - أي أن الكوديا هي ضي الأرواح أو الأسياد) او بمعني أخر وسيلة ظهور الأسياد إلى النور. والكوديا غالبا إمرأة متوسطة العمر لا هي صغيرة ولا عجوز، وتقوم بدور الوسيط بين الأسياد وبين الملبوسة (أو الممسوسة) وتتكلم عنهما لكليهما، وتحاول التفاوض لإقامة صلح وهدنة بينهما ترضي الطرفين. وعندما تتقابل الملبوسة بالكوديا لأول مرة تطلب مساعدتها وتحكي لها قليلا - لو أرادت - عن مشكلاتها وإن لم تحكي فالكوديا تستطيع معرفة الأمر من الجانب الأخر أو من وضع أجزاء قصص الطرفين لتفهم الموضوع. وغالبا تطلب الكوديا من زائرتها أثرا (الأتر) وهو جزء من ممتلك شخصي للملبوسة، غالبا شيء قد لامس جسدها مثل الطرحة أو قطعة من الملابس، وتضعها الكوديا تحت مخدتها ليلا وتنام فتزورها في أحلامها الأسياد المسيطرة على المرأة، وتتحدث إليها عن طريق رموز الأحلام، تلك الرموز التي تستطيع الكوديا فك شفرتها صباحا ومعرفة مطالب الأسياد وعروضها لتوقيع الهدنة.
الطقوس
حفلة الزار
تقوم الكوديا ترتيب حفلة الزار أو الليلة كما تسميها، ولكل ليلة زار ترتيباتها حسب نوع السيد المراد الصلح معه وطبقا لطلباته التي جاءتها في أحلامها. ولا ينبغي بالطبع أن ترفض الملبوسة طلبات السيد وإلا انهدم مشروع الصلح قبل ليلة التوقيع على الاتفاق. وفي الليلة السابقة لليلة الزار تقيم الكوديا الكرسي أو طبلية الزار، وغالبا يحاط بالشموع والهبات والعطايا من الرواد للأسياد وبالبخور والحنة والماء المخلوط بماء الورد، وأشياء أخرى. والبخور جزء أساسي من تأسيس الكرسي ولكل سيد أبخرة وروائح محببة تحاط بها الملبوسة وتتعطر بها وتعطر بها أيضا القرابين والأضاحي لإرضاء الأسياد. والأضاحي غالبا حيوانات مذبوحة أو طيور أو منتجات غذائية أو أنواع معينة من الأقمشة تصاف إليها أشياء عجيبة أحيانا ربما لإبعاد الشبهة أن القرابين هبة للكوديا نفسها، فنجد مثلا طلبات مثل الضفادع أو الحشرات أو الطيور الغريبة ضمن طلبات الأسياد التي تصلح أيضا وغالبا لإستعمالات البشر. والمفترض في الزار أن الملبوسة تقدم نفسها زوجة للروح السيد وتسمى في الزار لذلك بالعروسة وترتدي غالبا جلبابا أبيض اللهم إذا طلب السيد شيئا أخر. وتستحم العروسة قبل ليلة الزار وتتعطر وتتزين في أحسن ملابسها خاصة الداخلية منها.
الموسيقى
هناك ثلاثة فرق أو أنواع من الأداء الموسيقي في حفلات الزار.
- الأول: حريم مصري: وتتكون فرقة الزار فيه من أربعة من السيدات، تلعبن على آلات إيقاع فقط: الطبول والدفوف والرق والشخشاخ (او الشخليلة) والصاجات؛ والطبول فيها تكون غليظة ومكتومة وغاضبة لو صح التعبير.
- الثاني: أبو الغيط: وتنسب لقرية أبو الغيط حيث يعتقد البعض أنها أصل موسيقى الزار المصرية، الفرقة كلها من الرجال، والآلات المستعملة هي أيضا آلات الإيقاع يصاحبها الناي؛ وموسيقاها ملحنة أكثر منها إيقاعات طبول، وتشبه كثيرا الألحان العادية في أفراح وليالي الطهور والموالد وما إلى ذلك من حفلات في ريف مصر. وبالفرقة قائد واضح الدور، يقود الأداء الموسيقى ويقود الرقص أيضا، وهو غالبا أيضا الصاجاتي أو لاعب الصاجات والذي يقوم بتشجيع المريدات على الاشتراك بالرقص وازالة موانعهم وحرجهم في البداية، ويقوم أيضا بدفعهم على الاستمرار حتى السقوط أحيانا في حالة التغييب أو الإعياء.
- الثالث هو الطنبورة والإسم مستقى من إسم الآلة الموسيقية المعروفة بالطنبور والتي يعتقد أهل الزار أنها من ابتكار وتصميم خيال الأسياد أنفسهم. ويرتدي الألة العجيبة قائد الفرقة مربوطة على وسطه بحزام جلدي سميك يتدلى منه عدد من أظافر وأسنان حيوانات مثل الماعز والخراف. وتصدر الألة طبلا عميقا وعاليا. والموسيقى في هذا النوع حزينة ومثيرة للشجن والبكاء، وثقيلة على الروح المهمومة.
وتبدأ موسيقى الزار كلها بالفاتحة أو الافتتاحية ولا يقصد بالفاتحة أي سورة من القرآن الكريم وإنما يقصد بها الموسيقى التمهيدية الهادئة نوعا والرتيبة المتكررة ثم بالصاعد وهو تصاعد الايقاع سرعة وعلوا، ثم بالخاتم وهو الطبل السريع جدا والعالي جدل الذي يطول أو يقصر حسب حالة الوصول والتواصل.
الرقص
يعتقد في الزار أن كل إيقاع يدعو سيده، أي يدعو الأسياد التي تحبه. وفي الزار تواجه الراقصة الفرقة، ووجهها مغطى بطرحة خفيفة ورقيقة لا تخفي ملامح وجهها كثيرا، وتبدأ الرقص والأعين مسدلة أو مغلقة. في الزار لا تهم حركة الأرجل والأقدام ولإنما حركة الجسد الذي يدور جزؤه العلوي حول محور الجسد مع الإيقاع مع ملاحظة ميل الجزء العلوي للأمام قليلا أثناء الرقص والدوران وأن يكون أحد الكتفين أعلى من الأخر قليلا. والتنفس شهيقا وزفيرا مع الإيقاع قد يكون مهما في البداية وقبل أن يصبح مع الوقت أداء تلقائيا لا يحتاج لنصح أو تذكير. ومع استمرار الرقص يفقد الجسم سيطرته على حركته وتبدو وكأنها أصبحت تلقائية وأحيانا تبدو العروسة فعلا كأنها دمية خشبية أو قطعة ألكترونية تحركها أصوات الطبول، ويصبح التنفس ثقيلا أكثر فأكثر وتبلغ الحمى مداها، إلى أن تسقط العروسة في حالة من الغياب أو التغييب. وقد تأتي الكوديا إليها وتهمس لها وهي غائبة بأشياء خاصة. وعندما تفيق العروسة كاملا، يعني هذا أن السيد قد وقع على اتفاق الهدنة وتركها لحالها. وإن لم تفق كاملا فمعنى هذا أنها تحتاج أن تستمر في الرقص أو أن تستمر في الطقس مرات أخرى. والصلح لا يدوم طويلا بالطبع، ولهذا لا بد للمرأة أن تعود كل حين لتجديد العقد بليلة أو ليال جديدة، فالأسياد قد تركت جسدها لكنها تظل تحوم حولها تتسمع وتتصنت عليها وتراقبها وتستولى عليها من جديد لونقضت العروسة اتفاق الهدنة وكفرت بقدرة الأسياد أو إن لم تلب نذورها للأسياد ولم تنفذ شروط هدنتهما تفصيلا، وطوال العمر.
العقد
العقد باصطلاحهم أن يؤتي بنصف ريال أو ريال مرسوم علي وجهه مدفع يغمس بدم الحيوانات المذبوحة ثم يصر في منديل ويربط به ذراع المريضة الأيمن .
كيفية العقد أن تنظف غرفة من غرف منزل المريضة مستقلة بنفسها ويوضع فيها كرسي عالي ذو أربع قوائم علي شكل . طربيزة . المأدبة ويوضع علي هذا الكرسي صينية ملونة كبيرة واسعة ينظم عليها بعض أطباق فيها بعض الفواكه . والمشمومات . والبندق والجوز واللوز . والفول السوداني . والحمص . واللب . ويحاط بهذا الكرسي ثلاث شمعات كبيرة تقاد في مساء هذه الليلة قبل الغروب بساعة ويحتم علي المريضة أن تنام في هذه الغرفة هي وبعض أهلها إنما بشرط أن تكون جميع ملابسها بيضاء حتى إذا اصبح الصباح تحضر شيخة الزار وإحدى صويحباتها إلي منزل المريضة فيقابلوها بأحسن المقابلة لآن عليها بتوقف شفاء بنتها فيكرموها غاية الإكرام هي وصويحباتها.[2]
ملابس الكوديا
هي عبارة عن جلباب أبيض واسع جداً وذو أكمام واسعة تشبه أكمام العلماء بل أوسع وعلي رأسها طرحة بيضاء ملتفة علي جميع رأسها بجميع دائر وجهها ومتختمة بخواتم من الفضة في الإبهام والسبابة والوسطي من اليد اليمين . والخنصر والبنصر من اليد اليسرى ومعلقة في رقبتها بعض أحجبة من الفضة منها ما هو مستدير مكتوب عليه آية الكرسي أي أكبر آية من سورة البقرة وآخر من الفضة مبروم ومحاط بجلاجل صغيرة . وحجاب قلب وهو قطعة من العقيق الأحمر الخالص قانية اللون مدلي به الجلاجل . وحجاب آخر مرسوم عليه سفينة تمثل رأس امرأة إلي ثديها وبقية الجسم يمثل سمكة رمزوا علي أنها من سكان البحار .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .