خطة دانفورث
حلمي شعراوي ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
خطة دانفورث، هي خطة لإقامة دولة موحدة صورية ونظامين للحكم في شمال وجنوب السودان، مع استقلال الجنوب عن الشمال من الناحية الاقتصادية وشئون الحكم الداخلي. بدأت الخطة بعد التقرير الذي قدمه المبعوث الخاص للولايات المتحدة في السودان جون دانفورث عام 2002، في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تقرير دانفورث
استهل المبعوث الخاص للولايات المتحدة في السودان جون دانفورث مهامه في عام 2001، بمحاولة حل الصراع في جنوب كردفان، حيث أخفقت العديد من الاتفاقات السابقة في وقف نزف الدم والدمار الذي أدى إلى تشريد ومقتل مئات الآلاف من سكان هذه المنطقة. ونجح دانفورث بعد زيارته الثانية إلى السودان في حمل المتصارعين على الانخراط في مفاوضات استضافتها مدينة بيركنستوك السويسرية، استمرت سبعة أيام تحت رعاية الحكومة الأميركية التي مثلها العقيد سيسل دينز والحكومة السويسرية التي مثلها السفير جوزيف بوشر. وكان التوقيع على الاتفاقية يوم 19 ديسمبر 2001.
وكانت أهم نقاط الاتفاقية وقف إطلاق النار بمراقبة دولية لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، وحددت منطقة جبال النوبة بأنها كل جنوب كردفان ومحافظة لقاوة بولاية غرب كردفان. وتم تعيين هيئة عسكرية مشتركة ومراقبين دوليين للعمل معا على ضمان التزام أطراف القتال بوقف النار.
وهكذا دخل السودان العام الجديد 2002، وقد صمتت أصوات السلاح في منطقة جبال النوبة التي تشبه مناطق جنوب السودان من حيث كونها خضعت أيضا لقانون المناطق المقفولة الذي وضعه الاستعمار البريطاني. وذلك فضلا عن كونها تعيش التهميش نفسه الذي يلقاه جنوب السودان.
النجاح النسبي الذي تحقق في جبال النوبة أغرى المبعوث الأميركي بالاستمرار في جهوده والولوج إلى الملف الصعب في جنوب السودان، وقام في هذا الإطار بزيارة المناطق المتأثرة بالحرب، والتقى كبار القياديين في الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، كما التقى قادة دول الجوار المؤثرة في الصراع مثل كينيا وأوغندا ومصر. وأخيرا بحث المسألة السودانية مع شركاء "مبادرة الإيگاد" الأوروبيين.
وفي 26 أبريل قدم القس جون دانفورث تقريره الشهير عن الأزمة في السودان إلى الرئيس الأميركي جورج بوش، وخلص التقرير إلى القول "إنه يتعذر على أي طرف أن يكسب الحرب" في جنوب السودان، وإنه لا مناص من مسعى دولي لتحقيق تسوية لهذا الصراع.
وأكد المبعوث الأميركي في تقريره أن للولايات المتحدة مصالح إستراتيجية واقتصادية حيوية في السودان بما يتطلب وقف الحرب، زاعما أن ما يتم فيها هو إبادة للمسيحيين في الجنوب. ولكنه أكد أيضا أن تقسيم السودان بفصل الجنوب حل غير واقعي لمشكلة الحرب الأهلية، وأنه لن يقود إلى سلام، ومن الأفضل توافر آليات لضمان الحقوق السياسية والدينية والمدنية في إطار دولة موحدة.
وأبدى دانفورث وجهة نظره فيما أسماه القضايا الجوهرية، وهي البترول وتقرير المصير وقضية الدين والحكومة ونظام الحكم. وقد اعتبر المبعوث الأميركي أن اكتشاف البترول في السودان وتوظيف عائداته أثرا على الحرب في الجنوب، ولذلك فإن أي حل لموضوع الحرب ينبغي أن يتناول قضية البترول والتوزيع العادل لهذه الثروة.
وفي موضوع تقرير المصير اعتبر دانفورث أن سكان الجنوب ظلوا يعانون من سوء المعاملة من الحكومات في الشمال، بما في ذلك التمييز العنصري وعدم التسامح الديني والحرمان من الموارد القومية. ورغم ذلك رأى أن الأجدى للجنوبيين هو أن يظل السودان موحدا "مع التأكيد على إزالة هذه المظالم بضمانات دولية".
وحول موضوع الدين يقول دانفورث إن ضمانات الحرية الدينية يجب أن تكون داخلية وخارجية، الأولى تتحقق -حسب قوله- بوجود عدالة في ممارسة الحرية الدينية "والتي ربما لا تكون واقعية في المدى القصير"، أما الخارجية فتعني الرقابة الدولية لحرية الأديان "على نظام العصا والجزرة" لفرض الحقوق الدينية.
وفي شأن موضوع الحكم يرى دانفورث أن صياغة اتفاق سلام شامل، يضمن الحريتين الدينية والثقافية والتوزيع العادل للواردات النفطية ويحدد الوظائف الأخرى للحكم، وهو أمر يتطلب تفكيرا متأنيا، ويجب أن يأخذ في الاعتبار تقاسم السلطات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية. <http://aljazeera.net/NR/exeres/66383105-E1EB-49FA-8F0F-87B306C4A0FA.htm?wbc_purpose=B الأزمة السودانية.. من رفض التدويل إلى الأحضان الأميركية - الجزيرة نت]</ref>
ومن يطالع التقرير المفصل الذي تقدم به المبعوث دانفورث إلى الإدارة الأميركية يكتشف دون عناء أن المرتكزات الرئيسية لهذا التقرير هي تجسد تقريباً البنود الأساسية لوثيقة اتفاق نيفاشا. وأبرز هذه البنود النص على تمكين شعب جنوب السودان من ممارسة حق تقرير المصير عن طريق استفتاء عام يطرح خيارين:
- إما استمرار الجنوب في النسيج الموحد للسودان، أو الانفصال الكامل. تقرير دانفورث نص أيضا على أن نقطة انطلاق العملية التفاوضية بين الحركة والحكومة ينبغي أن تكون مبدأ «دولتان ونظام واحد» شٌُّ َّ؟َُّّمٍَّ، َُم َُّّفُّم ولا يخفى أن معنى هذا النص هو بمثابة وضع حجر الأساس لجنوب مستقل في المستقبل.
غني عن القول إذن أن الولايات المتحدة قررت وضعاً للسودان ينتهي به إلى الانفصال الكامل بين الجنوب والشمال. وعلى هذا النحو وضعت بنود اتفاقية نيفاشا وجرى تطبيقها.
استمرار الخطة
قبل أيام من بدء الانتخابات أعلن المبعوث الرئاسي الأمريكي إلى السودان سكوت گريشن أن الولايات المتحدة تتوقع انفصال جنوب السودان. ثم أردف قائلا: «نحن مستعدون لذلك».
وإستقبل الكثير من السودانيين وغير السودانيين استقبلوا تصريح گريشن بغير قليل من الاندهاش. لكن دعم دعوة الانفصال ظل خطا أميركيا ثابتا منذ مفاوضات السلام التي جرت بين الحكومة السودانية و«الحركة الشعبية» الجنوبية بقيادة الزعيم الراحل جون قرنق قبل نحو سبع سنوات. لقد انتهت العملية التفاوضية إلى توقيع اتفاق للسلام في ضاحية نيفاشا الكينية في عام 2003، وبدأت المرحلة التطبيقية في عام 2005. ومنذ الوهلة الأولى كان من الواضح أن واشنطن هي المخطط لاتفاقية نيفاشا. [1]
الانتخابات الرئاسية السودانية 2010
- مقالة مفصلة: الانتخابات الرئاسية السودانية 2010
وفي 11 أبريل 2010، بدأت الانتخابات الرئاسية السودانية بعد تأجيلها لعدة مرات، وقبل الموعد المحدد انسحبت الحركة الشعبية لتحرير السودان من دائرة الانتخابات الرئاسية لأسباب لم يعلن عنها بشكل واضح، ورغم تهديدات الرئيس البشير بإلغاء الاستفتاء في يناير 2011 إذا انسحبت الحركة من العملية الانتخابية، وفسر البعض أن هذا الانسحاب كان في مقابل انفرادها الفعلى بساحة الجنوب بتسليم كامل من قبل الشمال.
أما ما قدمته الحركة الشعبية لتحرير السودان مبررات لمقاطعة الانتخابات في دارفور وفي شمال السودان، فإن مراقبي الشأن السوداني يرون أنها غير جادة، وأن ما يهم تلك الحركة هو التأكد من عدم تأجيل الاستفتاء على استقلال الجنوب الذي يزمع إجراؤه في يناير، ويتوقع –على نطاق واسع- أن يؤدي إلى انفصال جنوب السودان عن شماله. فالاتفاق الضمني بين البشير والحركة الشعبية، حسب تيسدال، لم يعد يخفى على أحد، ويقضي بإعادة انتخاب البشير وإعادة الشرعية له مقابل استقلال الجنوب الذي يضم 25% من سكان السودان و50% من نفطه. [2] ونتيجة لخلافات بين الحركة الشعبية وحزر المؤتمر تم تأجيل اجراء الانتخابات في دارفور وجنوب كردفان، أي أكثر من ثلث البلاد.
الدور الأمريكي في الصراع
لم تنقطع الوفود السودانية، من الشمال والجنوب عن زيارة واشنطن في الفترة الأخيرة وانتهت مساعيها بدخول گريشن المبعوث الأمريكى للاجتماع العلنى مع القوى السياسية المختلفة لإقناعها بدخول الانتخابات وإطلاق جمل تقليدية عن سلامتها. ويصاحب ذلك تصميم البشير على إجراء الانتخابات رغم انسحاب ممثل الجنوب، بما لا يعنى إلا خطورة الاتفاق الودى على الاحتمال الأكبر لانفصال الجنوب انفصالا ناعما على حد تعبير أحد المفكرين السودانيين، أى انفصال بالتراضى أو الانفصال بنظام كونفيدرالى وفق الصيغة الأمريكية السابقة الإشارة إليها دولة ونظامين. وفى كل الأحوال فإن انفعالات الرئيس البشير الأخيرة وتفرده بالحكم ستجعل الشمال هو المسئول بامتياز عن عملية انفصال الجنوب. [3]
مع تزايد الحرج حول نص اتفاقية السودان 1953 على إجراء استفتاء الوحدة أو الانفصال، اختار الاتحاديون أنفسهم إبلاغ عبد الناصر بإعلان البرلمان للاستقلال مباشرة وبهدوء وترضية مصر بالأخوة الأزلية! وأظننا فهمنا مثل ذلك من كلام. «باقام أموم» أمين عام الحركة في زيارته الأخيرة لمصر التى جاءها للتفاوض بين الحركة الشعبية، والمؤتمر الوطنى الحاكم، بإشراف القاهرة وحول ترتيبات الوضع الراهن تحديدا.
وسوف تظل مشكلة دارفور مزمنة لبعض الوقت، حتى يستقر الموقف في الجنوب، وفى الخرطوم، بل وفى المفاوضات الصينية الأمريكية الجارية، وفى استقرار سياسة فرنسا في تشاد ومنطقة البحيرات بل واستقرار فلسفة العقيد القذافى حول دعم الأفكار الانفصالية في نيجيريا وقبلها كان الجنوب والآن ممكن دعم دارفور.
إن التزام أطراف النظام القائم في السودان (شماله وجنوبه) باتفاق نيفاشا يفوق كل التزامات تحالفية مؤقتة، أو اتفاقات لاحقة، سواء كان تحالف جوبا أو اتفاق الدوحة أو القاهرة. ولا يعنى ذلك مجرد مضى العملية السياسية في إطار ثنائى فقط رغم الضجيج السياسى الذى نسمعه. إذ ثمة ضغط آخر من الحاجة الملحة في الإقليمين للمساعدات التى وعدوا بها من أكثر من جهة، مثل مؤتمر المانحين عبر «الإيجاد» أو الجامعة العربية.. إلخ.
وأخيرا، فإن طريقة الرئيس حسن البشير في معالجة المواقف تصعد به أحيانا لهاوية المخاطر أو تهبط به إلى حفر التنازل، ولكن الأمر هذه المرة يتعلق ببقاء وحدة الدولة السودانية، ولا تجدى معها المقاربات الدبلوماسية. وذلك في وقت لا تستطيع فيه مصر مبارك أن تتحرك بأية فاعلية ــ نتيجة الظروف التى تعيش فيها ـ على نحو ما تحركت من قبل في لحظات سقوط النميرى أو ثورة الانقاذ نفسها، بل ونجاحها النسبى في احتواء عزوف الجنوب عنها باقترابها من الزعيم الراحل جون قرنق.