فتح القسطنطينية
| ||||||||||||||||||||||||||||||||
فتح القسطنطينية هو انتصار العثمانيين ودخولهم لما كان عاصمة الإمبراطورية البيزنطية في الثلاثاء 29 مايو عام 1453. وهذا ما أنهى الاستقلال السياسي لإمبراطورية عاشت أكثر من ألف عام. وقد كان من آثار هذا الفتح هجرة علماء بيزنطيين إلى أوروبا الغربية مما أدى لبدء الدراسات الإغريقية الكلاسيكية في عصر النهضة الأوروبية لاحقا. وساعد الفتح على استقرار السلطنة العثمانية وتوسعها في شرق المتوسط و البلقان . وكثيرا ما يقترح تاريخ الفتح كنهاية للعصور الوسطى.
انتظر المسلمون أكثر من ثمانية قرون حتى تحققت البشارة النبوية بفتح القسطنطينية، وكان حلمًا راود القادة والفاتحين لم يُخب جذوته مر الأيام وكر السنين، وظل هدفا مشبوبا يثير في النفوس رغبة عارمة في تحقيقه حتى يكون صاحب الفتح هو محل ثناء النبي (صلى الله عليه وسلم) في قوله: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش".
وقد بدأت المحاولات الجادة في عهد معاوية بن أبي سفيان وبلغ من إصراره على فتح القسطنطينية أن بعث بحملتين الأولى سنة 49 هـ = 666، والأخرى كانت طلائعها في سنة 54 هـ = 673م، وظلت سبع سنوات وهي تقوم بعمليات حربية ضد أساطيل الروم في مياه القسطنطينية، لكنها لم تتمكن من فتح المدينة العتيدة، وكان صمود المدينة يزيد المسلمين رغبة وتصميما في معاودة الفتح؛ فنهض "سليمان بن عبد الملك" بحملة جديدة سنة (99 هـ = 719م) ادخر لها زهرة جنده وخيرة فرسانه، وزودهم بأمضى الأسلحة وأشدها فتكا، لكن ذلك لم يعن على فتحها فقد صمدت المدينة الواثقة من خلف أسوارها العالية وابتسمت ابتسامة كلها ثقة واعتداد أنها في مأمن من عوادي الزمن وغوائل الدهر، ونامت ملء جفونها رضى وطمأنينة. ثم تجدد الأمل في فتح القسطنطينية في مطلع عهود العثمانيين، وملك على سلاطينهم حلم الفتح، وكانوا من أشد الناس حماسا للإسلام وأطبعهم على حياة الجندية؛ فحاصر المدينة العتيدة كل من السلطان بايزيد الأول ومراد الثاني، ولكن لم تكلل جهودهما بالنجاح والظفر، وشاء الله أن يكون محمد الثاني بن مراد الثاني هو صاحب الفتح العظيم والبشارة النبوية الكريمة.
كان السلطان بايزيد الأول قد أنشأ على ضفة البوسفور الآسيوية في أثناء حصاره للقسطنطينية حصنا تجاه أسوارها عُرف باسم قلعة الأناضول، وكانت تقوم على أضيق نقطة من مضيق البوسفور، وعزم محمد الفاتح أن يبني قلعة على الجانب الأوروبي من البوسفور في مواجهة الأسوار القسطنطينية، وقد جلب لها مواد البناء وآلاف العمال، واشترك هو بنفسه مع رجال دولته في أعمال البناء، وهو ما ألهب القلوب وأشعل الحمية في النفوس، وبدأ البناء في الارتفاع شامخ الرأس في الوقت الذي كان فيه الإمبراطور قسطنطين لا يملك وقف هذا البناء، واكتفى بالنظر حزنا وهو يرى أن الخطر الداهم سيحدق به دون أن يملك من دفعه شيئا. ولم تمض ثلاثة شهور حتى تم بناء القلعة على هيئة مثلث سميك الجدران، في كل زاوية منها برج ضخم مغطى بالرصاص، وأمر السلطان بأن ينصب على الشاطئ مجانيق ومدافع ضخمة، وأن تصوب أفواهها إلى الشاطئ، لكي تمنع السفن الرومية والأوروبية من المرور في بوغاز البوسفور، وقد عرفت هذه القلعة باسم "رومللي حصار"، أي قلعة الروم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بوادر الحرب
توسل الإمبراطور قسطنطين إلى محمد الفاتح بالعدول عن إتمام القلعة التي تشكل خطرًا عليه، لكنه أبي ومضى في بنائه، وبدأ البيزنطيون يحاولون هدم القلعة والإغارة على عمال البناء، وتطورت الأحداث في مناوشات، ثم لم يلبث أن أعلن السلطان العثماني الحرب رسميا على الدولة البيزنطية، وما كان من الإمبراطور الرومي إلا أن أغلق أبواب مدينته الحصينة، واعتقل جميع العثمانيين الموجودين داخل المدينة، وبعث إلى السلطان محمد رسالة يخبره أنه سيدافع عن المدينة لآخر قطرة من دمه.
وأخذ الفريقان يتأهب كل منهما للقاء المرتقب في أثناء ذلك بدأ الإمبراطور قسطنطين في تحصين المدينة وإصلاح أسوارها المتهدمة وإعداد وسائل الدفاع الممكنة، وتجميع المؤن والغلال، وبدأت تردد على المدينة بعض النجدات خففت من روح الفزع التي سيطرت على الأفئدة، وتسربت بعض السفن تحمل المؤن والغذاء، ونجح القائد الجنوبي "جون جستنياني" مع 700 مقاتل محملين بالمؤن والذخائر في الوصول إلى المدينة المحاصرة؛ فاستقبله الإمبراطور قسطنطين استقبالا حسنًا وعينه قائدًا عامًا لقواته، فنظم الجيش وأحسن توزيعهم ودرب الرهبان الذي يجهلون فن الحرب تمامًا، وقرر الإمبراطور وضع سلسلة لإغلاق القرن الذهبي أمام السفن القادمة، تبدأ من طرف المدينة الشمالي وتنتهي عند حي غلطة سراي.
استعدادات محمد الفاتح
كان السلطان محمد الثاني يفكر في فتح القسطنطينية ويخطط لما يمكن عمله من أجل تحقيق الهدف والطموح، وسيطرت فكرة الفتح على عقل السلطان وكل جوارحه، فلا يتحدث إلا في أمر الفتح ولا يأذن لأحد من جلسائه بالحديث في غير الفتح الذي ملك قلبه وعقله وأرقه وحرمه من النوم الهادئ. وساقت له الأقدار مهندس مجري يدعى "أوربان"، عرض على السلطان أن يصنع له مدفعا ضخما يقذف قذائف هائلة تكفي لثلم أسوار القسطنطينية؛ فرحب به السلطان وأمر بتزويده بكل ما يحتاجه من معدات، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى تمكن أوربان من صنع مدفع عظيم لم يُر مثله قط، فقد كان يزن 700 طن، ويرمي بقذائف زنة الواحدة منها 12 ألف رطل، ويحتاج جره إلى 100 ثور يساعدها مائة من الرجال، وعند تجربته سقطت قذيفته على بعد ميل، وسمع دويه على بعد 13 ميلا، وقد قطع هذا المدفع الذي سُمي بالمدفع السلطاني الطريق من أدرنة إلى موضعه أمام أسوار القسطنطينية في شهرين.
بدء الحصار
وصل السلطان العثماني في جيشه الضخم أمام الأسوار الغربية للقسطنطينية المتصلة بقارة أوروبا يوم الجمعة الموافق (12 من رمضان 805هـ= 5 من إبريل 1453م) ونصب سرادقه ومركز قيادته أمام باب القديس "رومانويس"، ونصبت المدافع القوية البعيدة المدى، ثم اتجه السلطان إلى القبلة وصلى ركعتين وصلى الجيش كله، وبدأ الحصار الفعلي وتوزيع قواته، ووضع الفرق الأناضولية وهي أكثر الفرق عددًا عن يمينه إلى ناحية بحر مرمرة، ووضع الفرق الأوروبية عن يساره حتى القرن الذهبي، ووضع الحرس السلطاني الذي يضم نخبة الجنود الانكشارية وعددهم نحو 15 ألفًا في الوسط.
وتحرك الأسطول العثماني الذي يضم 350 سفينة في مدينة "گاليپولي" قاعدة العثمانيين البحرية في ذلك الوقت، وعبر بحر مرمرة إلى البوسفور وألقى مراسيه هناك، وهكذا طوقت القسطنطينية من البر والبحر بقوات كثيفة تبلغ 265 ألف مقاتل، لم يسبق أن طُوقت بمثلها عدة وعتادًا، وبدأ الحصار الفعلي في السبت الموافق (13 من رمضان 805هـ = 6 من إبريل 1453م)، وطلب السلطان من الإمبراطور "قسطنطين" أن يسلم المدينة إليه وتعهد باحترام سكانها وتأمينهم على أرواحهم ومعتقداتهم وممتلكاتهم، ولكن الإمبراطور رفض؛ معتمدًا على حصون المدينة المنيعة ومساعدة الدول النصرانية له.
وضع القسطنطينية
تحتل القسطنطينية موقعا منيعا، حباه الله بأبدع ما تحبى به المدن العظيمة، تحدها من الشرق مياه البوسفور، ويحدها من الغرب والجنوب بحر مرمرة، ويمتد على طول كل منها سور واحد. أما الجانب الغربي فهو الذي يتصل بالقارة الأوروبية ويحميه سوران طولهما أربعة أميال يمتدان من شاطئ بحر مرمرة إلى شاطئ القرن الذهبي، ويبلغ ارتفاع السور الداخلي منهما نحو أربعين قدمًا ومدعماَ بأبراج يبلغ ارتفاعها ستين قدما، وتبلغ المسافة بين كل برج وآخر نحو مائة وثمانين قدما.
أما السور الخارجي فيبلغ ارتفاعه خمسة وعشرين قدما، ومحصن أيضا بأبراج شبيهة بأبراج السور الأول، وبين السورين فضاء يبلغ عرضه ما بين خمسين وستين قدما، وكانت مياه القرن الذهبي الذي يحمي ضلع المدينة الشمالي الشرقي يغلق بسلسلة حديدية هائلة يمتد طرفاها عند مدخله بين سور غلطة وسور القسطنطينية، ويذكر المؤرخون العثمانيون أن عدد المدافعين عن المدينة المحاصرة بلغ أربعين ألف مقاتل.
اشتعال القتال
بعد ما أحسن السلطان ترتيب وضع قواته أمام أسوار القسطنطينية بدأت المدافع العثمانية تطلق قذائفها الهائلة على السور ليل نهار لا تكاد تنقطع، وكان دوي اصطدام القذائف بالأسوار يملأ قلوب أهل المدينة فزعا ورعبا، وكان كلما انهدم جزء من الأسوار بادر المدافعون عن المدينة إلى إصلاحه على الفور، واستمر الحال على هذا الوضع.. هجوم جامح من قبل العثمانيين، ودفاع مستميت يبديه المدافعون، وعلى رأسهم جون جستنيان، والإمبراطور البيزنطي.
وفي الوقت الذي كانت تشتد فيه هجمات العثمانيين من ناحية البر حاولت بعض السفن العثمانية تحطيم السلسلة على مدخل ميناء القرن الذهبي واقتحامه، ولكن السفن البيزنطية والإيطالية المكلفة بالحراسة والتي تقف خلف السلسلة نجحت في رد هجمات السفن العثمانية، وصبت عليها قذائفها وأجبرتها على الفرار.
وكانت المدينة المحاصرة تتلقى بعض الإمدادات الخارجية من بلاد المورة وصقلية، وكان الأسطول العثماني مرابطا في مياه البوسفور الجنوبية منذ (22 من رمضان 805هـ = 15 من إبريل 1453م)، ووقفت قطعة على هيئة هلال لتحول دون وصول أي مدد ولم يكد يمضي 5 أيام على الحصار البحري حتى ظهرت 5 سفن غربية، أربع منها بعث بها البابا في روما لمساعدة المدينة المحاصرة، وحاول الأسطول العثماني أن يحول بينها وبين الوصول إلى الميناء واشتبك معها في معركة هائلة، لكن السفن الخمس تصدت ببراعة للسفن العثمانية وأمطرتها بوابل من السهام والقذائف النارية، فضلا عن براعة رجالها وخبرتهم التي تفوق العثمانيين في قتال البحر، الأمر الذي مكنها من أن تشق طريقها وسط السفن العثمانية التي حاولت إغراقها لكن دون جدوى ونجحت في اجتياز السلسلة إلى الداخل.
السفن العثمانية تبحر على اليابسة
كان لنجاح السفن في المرور أثره في نفوس أهالي المدينة المحاصرة؛ فانتعشت آمالهم وغمرتهم موجة من الفرح بما أحرزوه من نصر، وقويت عزائمهم على الثبات والصمود، وفي الوقت نفسه أخذ السلطان محمد الثاني يفكِّر في وسيلة لإدخاله القرن الذهبي نفسه وحصار القسطنطينية من أضعف جوانبها وتشتيت قوى المدينة المدافعة.
واهتدى السلطان إلى خطة موفقة اقتضت أن ينقل جزءًا من أسطوله بطريق البر من منطقة غلطة إلى داخل الخليج؛ متفاديا السلسلة، ووضع المهندسون الخطة في الحال وبُدئ العمل تحت جنح الظلام وحشدت جماعات غفيرة من العمال في تمهيد الطريق الوعر الذي تتخلله بعض المرتفعات، وغُطي بألواح من الخشب المطلي بالدهن والشحم، وفي ليلة واحدة تمكن العثمانيون من نقل سبعين سفينة طُويت أشرعتها تجرها البغال والرجال الأشداء، وذلك في ليلة (29 من رمضان 805هـ = 22 من إبريل 1453م).
وكانت المدافع العثمانية تواصل قذائفها حتى تشغل البيزنطيين عن عملية نقل السفن، وما كاد الصبح يسفر حتى نشرت السفن العثمانية قلوعها ودقت الطبول وكانت مفاجأة مروعة لأهل المدينة المحاصرة. وبعد نقل السفن أمر السلطان محمد بإنشاء جسر ضخم داخل الميناء، عرضه خمسون قدما، وطوله مائة، وصُفَّت عليه المدافع، وزودت السفن المنقولة بالمقاتلين والسلالم، وتقدمت إلى أقرب مكان من الأسوار، وحاول البيزنطيون إحراق السفن العثمانية في الليل، ولكن العثمانيين علموا بهذه الخطة فأحبطوها، وتكررت المحاولة وفي كل مرة يكون نصيبها الفشل والإخفاق.
الهجوم الكاسح وسقوط المدينة
استمر الحصار بطيئا مرهقا والعثمانيون مستمرون في ضرب الأسوار دون هوادة، وأهل المدينة المحاصرة يعانون نقص المؤن ويتوقعون سقوط مدينتهم بين يوم وآخر، خاصة وأن العثمانيين لا يفتئون في تكرار محاولاتهم الشجاعة في اقتحام المدينة التي أبدت أروع الأمثلة في الدفاع والثبات، وكان السلطان العثماني يفاجئ خصمه في كل مرة بخطة جديدة لعله يحمله على الاستسلام أو طلب الصلح، لكنه كان يأبى، ولم يعد أمام السلطان سوى معاودة القتال بكل ما يملك من قوة.
بيزنطة أو القسطنطينية، عاصمة دولة الروم الشرقية، التى صارت استانبول بعد فتحها، لم تكن مجرد مدينة تطل على خليج البوسفور شرقا وبحر مرمرة جنوبا، بل كانت حصنا مرتفعا منيعا محاطا بأسوار عالية حولها أسوار أعلى، حاصرتها جحافل جيش السلطان محمد الثانى في الواحدة صباحا، وعندما أعطى السلطان إشارة الهجوم، انقض مائة ألف من البشر بالأسلحة والسلالم والحبال والكلاليب على الأسوار الخارجية للمدينة الحصن، واتحدت أصوات الطبول الكبيرة والصنوج والمزامير بدويها الحاد مع الصرخات البشرية ورعود المدافع لتشكل إعصارا واحدا يتهيأ للاجتياح. وفى البداية كان يُزَج في المقدمة بالقوات غير المدربة، وهى قوات «الباشبزق» التى كانت أجسادهم نصف العارية لا تفيد في خطة هجوم السلطان إلا من حيث كونها مصدات إعاقة، يُقصَد بها إرهاق العدو وإضعافه قبل هجوم نواة القوة العاصفة في جيش السلطان العثمانى محمد الثانى.
يصف الكاتب شتفان تسڤايگ في كتابه «ساعات القدر في تاريخ البشرية» ماكان يجرى للباشبوزوق في هذه المعركة قائلا: «بمائة سلم يعدو في الظلام اندفع أولئك الذين يُقذَف بهم إلى الأمام نحو الأسوار، يتسلقون نحو السور المسنن، فيُطرَحون نحو الأسفل، ويعودون إلى الاقتحام العاصف من جديد، ومن جديد دائما، إذ لا يوجد لديهم طريق عودة، فوراءهم، وهم المادة البشرية غير ذات القيمة، المخصصة لمجرد التضحية، توجد نواة القوة، التى ما تفتأ تدفع بهم إلى الأمام، مرة بعد مرة، إلى الموت المحقق تقريبا، فعتادهم الذى لم يكن يزيد في معظمه عن السهام والحجارة، لم يكن ينال من الدروع والشباك المعدنية للمحاربين البيزنطيين المدافعين عن الأسوار، لكن خطر الباشبوزوق الحقيقى كما قدره السلطان، أن يستنفدوا طاقة البيزنطيين وهم يتقافزون بعتادهم الثقيل من مكان إلى مكان لصد هجوم موجات الباشبوزوق المنذورين لموت محقق، تمهيدا لأن تتقدم فوق جثامينهم النازفة قوة الزحف الصاعق للأناضوليين المحاربين المنظَّمين ذوى التدريب والعتاد الجيدين».
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
كيركا پورتا
بعد 53 يوما من قصف أسوار القسطنطينية بمدافع جيش محمد الثانى من البر والبحر، وتعاقب موجات مئات آلاف المهاجمين من ذلك الجيش على المدافعين البيزنطيين فوق الأسوار، وبرغم كل الحيل العثمانية الفذة من نقل أسطول كامل عبر الجبال إلى البحر لمباغتة البيزنطيين، ودفع الأبراج المتنقلة نحو الأسوار للقتال المتلاحم والتسلل داخل الحصن، إلا أن ذلك لم يحسم المعركة، فقد صمدت ذروة المحنة البيزنطية أمام أشد أشكال الهجوم العثمانى ضرواة وجموحا، وكاد محمد الفاتح أن يزهد في هجومه على القسطنطينية، وجمع قادة جيشه ومستشاريه وشيوخه للتشاور، واشار أغلب الحاضرين عليه بالكف عن الهجوم والمعاودة في وقت لاحق، لكن قلة أبت عليه الانسحاب، وهو ما قرره، ومع ذلك لم يكن قراره هو الذى حسم الأمر وحتَّم الفتح، بل كان قَدَرُ الله هو الحاسم والفاتح.[16]
فى لحظة موجزة من لحظات ذلك القَدَر الذى لا يسبر البشر أغواره، كان بعض جنود محمد الثانى المُنهَكين قد تسللوا من إحدى الثغرات المهدمة في الأسوار الخارجية للمدينة الحصن، وأخذوا تائهين يترنحون بين الأسوار الخارجية العالية ومثيلتها الداخلية التى لايقوون عليها، وبينما هم ضائعون على غير هدى وقد استولت عليهم الحيرة، إذ بأحد الأبواب الصغرى في سور المدينة الداخلى يسمى «كيركا بورتا» قد تُرك مفتوحا بسهو غير مفهوم للبشر، فلم يكن هذا غير باب صغير مخصص للعابرين في أوقات السلم ولا ينطوى على أية أهمية عسكرية، ولعله لذلك كان مما غفل عنه البيزنطيون وهم يولون اهتمامهم لما ظنوه أكبر وأخطر. ولم يكن هناك أكبر ولا أخطر في هذه اللحظة من هذا الباب الصغير المفتوح الذى يفضى مباشرة إلى قلب المدينة، فعبرته في ذهول ودون مقاومة ولا اعتراض ثلة هؤلاء الجنود العثمانيين الذين لا يذكر التاريخ أسماءهم!
أفاقت الثلة العابرة لباب «كيركا بورتا» على المفاجأة المذهلة لوجودهم في قلب الحصن عند ظهور المحاربين البيزنطيين المدافعين عن الأسوار وقد أخذتهم البغتة، وتصايح أفراد هذه الثلة طالبين العون من جحافلهم خارج الأسوار، ففاض طوفانهم مهللا كاسحا من فتحة «كيركا بورتا»، وسقطت المدينة قبل سقوطها الفعلى عندما زلزتها تلك الصيحة التى هى أفتك من قصف المدافع وضربات السيوف وطعن الرماح ورشقات الأسهم «سقطت القسطنطينية»، كان هلع البيزنطيين هو من أطلق الصيحة، وتلقفها جيش العثمانيين مهللا للنصر الذى ظل عصيا على السلطان العظيم وجيشه الجرار طوال ثلاثة وخمسين يوما من القتال الضارى
الاقتحام
وفي فجر يوم الثلاثاء (20 من جمادى الأولى 857هـ= 29 من مايو 1453م)، وكان السلطان العثماني قد أعد أهبته الأخيرة، ووزَّع قواته وحشد زهاء 100 ألف مقاتل أمام الباب الذهبي، وحشد في الميسرة 50 ألفًا، ورابط السلطان في القلب مع الجند الإنكشارية، واحتشدت في الميناء 70 سفينة، بدأ الهجوم برًا وبحرًا، واشتد لهيب المعركة وقذائف المدافع يشق دويها عنان السماء ويثير الفزع في النفوس، وتكبيرات الجند ترج المكان فيُسمع صداها من أميال بعيدة، والمدافعون عن المدينة يبذلون كل ما يملكون دفاعا عن المدينة، وما هي إلا ساعة حتى امتلأ الخندق الكبير الذي يقع أمام السور الخارجي بآلاف القتلى.
وفي أثناء هذا الهجوم المحموم جرح "جستنيان" في ذراعه وفخذه، وسالت دماؤه بغزارة فانسحب للعلاج رغم توسلات الإمبراطور له بالبقاء لشجاعته ومهارته الفائقة في الدفاع عن المدينة، وضاعف العثمانيون جهدهم واندفعوا بسلالمهم نحو الأسوار غير مبالين بالموت الذي يحصدهم حصدا، حتى وثب جماعة من الانكشارية إلى أعلى السور، وتبعهم المقاتلون وسهام العدو تنفذ إليهم، ولكن ذلك كان دون جدوى، فقد استطاع العثمانيون أن يتدفقوا نحو المدينة، ونجح الأسطول العثماني في رفع السلاسل الحديدية التي وُضعت في مدخل الخليج، وتدفق العثمانيون إلى المدينة التي سادها الذعر، وفر المدافعون عنها من كل ناحية، وما هي إلا ثلاث ساعات من بدء الهجوم حتى كانت المدينة العتيدة تحت أقدام الفاتحين. [بحاجة لمصدر] أما عن امبراطورها قسطنطين فيشير المؤرخ ول ديورانت انه ظل يدافع عن المدينة بكل شجاعة و عندما دخل العثمانيون قال جملته الشهيرة "ليقطع مسيحي رقبتي" ثم نزع بذلته المليكية وذهب ليقاتي كجندي بكل شجاعة.
نهب المدينة
نهب القسطنطينية عند سقوطها كان حافزا ثم مكافأة قدمهما السلطان الفاتح لجنوده، وهو أمر لم يكن وقفا عليه وحده في حروب ذلك الزمان، فخصومه كانوا أشد همجية في حروبهم عليه، ومنهم ڤلاد دراكولا أمير «والاخيا» البلقانية الواقعة في رومانيا الآن، وكان وحشا بشريا مجنونا اشتهر باسم «المُخوزِق»، لأنه دشن عهد الرعب في حكمه بإعدام مائة ألف إنسان على الخوازيق التى كانت حِرابا جهنمية تخترق مؤخرة الشخص البالغ وتخرج من عنقه، بينما تشق جسوم الأطفال الطرية وتخرج من صدور أمهاتهم.
محمد الفاتح في المدينة
ولما دخل محمد الفاتح المدينة ظافرا ترجل عن فرسه، وسجد لله شكرا على هذا الظفر والنجاح، ثم توجه إلى كنيسة "أيا صوفيا"؛ حيث احتشد فيها الشعب البيزنطي ورهبانه، فمنحهم الأمان، وأمر بتحويل كنيسة "أيا صوفيا" إلى مسجد، وأمر بإقامة مسجد في موضع قبر الصحابي الجليل "أبي أيوب الأنصاري"، وكان ضمن صفوف الحملة الأولى لفتح القسطنطينية، وقد عثر الجنود العثمانيون على قبره فاستبشروا خيرًا بذلك.
وقرر الفاتح الذي لُقِّب بهذا اللقب بعد الفتح اتخاذ القسطنطينية عاصمة لدولته، وأطلق عليها اسم "إسلام بول" أي "دار الإسلام"، ثم حُرفت واشتهرت بـ "إستانبول"، وانتهج سياسة سمحة مع سكان المدينة، وكفل لهم حرية ممارسة عبادتهم، وسمح بعودة الذين غادروا المدينة في أثناء الحصار والرجوع إلى منازلهم، ومنذ ذلك الحين صارت إستانبول عاصمة للبلاد حتى سقطت الخلافة العثمانية في (23 من رجب 1342 هـ الموافق 1 مارس 1924م)، وقامت دولة تركيا التي اتخذت من أنقرة عاصمة لها. يقول المؤرخ البيزنطي جورج سفرانتزيس (في النسخة الإنكليزية من هذه الصفحة) الذي كان في المدينة وشهد سقوطها في وصف ما حدث في نهاية اليوم الثالث لفتح القسطنطينية:
"في اليوم الثالث بعد سقوط مدينتنا، احتفل السلطان بنصره الكبير. وأصدر إعلانًا: كل من هرب من المواطنين من جميع الأعمار يمكنهم الخروج من مخابئهم، حيث إنهم سيبقون أحرارًا دون أي سؤال. ثم أعلن عن إعادة المنازل والأملاك لمن ترك مدينتنا قبل الحصار إذا هم عادوا إليها، وأنهم سيعاملون باعتبار مكانتهم ودينهم وكأن شيئًا لم يحدث"
ومن وجهة نظر أخرى يقول المؤرخ ول ديورانت في عمله قصة الحضارة:
"وقتل المنتصرون الألوف، حتى توقفت كل محاولة للدفاع. ثم بدءوا النهب والسلب الذي يجنح إليه الظافرون والذي طال تعطشهم إليه، وأخذ كل بالغ ينتفع به في العمل غنيمة، واغتصبت الراهبات كغيرهن من النسوة في ثورة من الشهوة لا تعرف التمييز، ووجد السادة والخدم من المسيحيين بعد أن زال عنهم الكساء الذي يدل على مكانتهم، أنفسهم متساوين فجأة في العبودية التي لا تمييز فيها وكبح جماح النهب والسلب هوناً ما، فعندما رأى محمد الثاني رجلاً مسلحاً تدفعه عاطفته الدينية يتلف الممر الرخامي لكنيسة القديسة صوفيا، ضربه بسيفه الملكي الأحدب، وأعلن أن كل المباني يجب أن تصان لتكون غنيمة ينظمها السلطان".
الخسوف القمري الجزئي
لاحظ فلكيو العصور الوسطى حدوث خسوف قمري جزئي ورصدوه في 22 مايو، 1453. غطت ظلال الأرض ثمان أثلاث القمر، it is said a blood moon took place during the eclipse according to theorists as a clue to the prophecy for the city's demise.
انظر أيضاً
- الامبراطورية البيزنطية
- قسطنطين الحادي عشر
- Fetih 1453
- إنكشارية
- الخسوف القمري مايو 1453
- محمد الثاني
- عسكرية الدولة العثمانية
- Orban
- الدولة العثمانية
- طورسون بگ (مؤرخ تركي)
- Ulubatlı Hasan
فتح القسطنطينية خير الدين بربروسا
الهامش
- ^ [1][dead link]
- ^ Constantine XI (1449–1453)وسقوط القسطنطينية
- ^ oikoumene.org
- ^ أ ب خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماةPertusi
- ^ Runciman, Steven (1965). The Conquest of Constantinople, 1453. Cambridge: Cambridge University Press. p. 85. ISBN 0-521-39832-0.
- ^ Nicolle, David (2000). Constantinople 1453: The end of Byzantium. Oxford: Osprey Publishing. p. 45. ISBN 1-84176-091-9.
- ^ Norwich, John Julius (1997). A Short History of Byzantium. New York: Vintage Books.
- ^ Nicolle 2000.
- ^ İnalcık, Halil (2008), Osmanlı İmparatorluğu Klasik Çağ (1300–1600)
- ^ Chronicles of George Sphrantzes; Greek text is reported in A. Mai, Classicorum auctorum e Vaticanis codicibus editorum, tome IX, Romae 1837, pp 1–100
- ^ The Destruction of the Greek Empire, Edwin Pears
- ^ Leonardo di Chio, Letter,927B: "three hundred thousand and more".
- ^ Nicolle 2000, p. 44.
- ^ Uyar, Mesut; Erickson, Edward J. (2009). A military history of the Ottomans: from Osman to Atatürk. Santa Barbara: Praeger. p. 37. ISBN 978-0-275-98876-0.
- ^ Phrantzes, The Fall of the Byzantine Empire
- ^ محمد المخزنجي (2012-04-05). "كيركا بورتا". صحيفة الشروق المصرية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
للاستزادة
- Franz Babinger: Mehmed the Conqueror and His Time (1992) Princeton University Press ISBN 0-691-01078-1
- The Siege of Constantinople (1453), according to the eyewitness Nicolò Barbaro
- Murr Nehme, Lina (2003). 1453: The Conquest of Constantinople. Aleph Et Taw. ISBN 2-86839-816-2.
- Richard A. Fletcher: The Cross and the Crescent (2005) Penguin Group ISBN 0-14-303481-2
- Harris, Jonathan, Constantinople: Capital of Byzantium (2007) Hambledon/Continuum. ISBN 978-1-84725-179-4
- Harris, Jonathan, The End of Byzantium (2010) Yale University Press. ISBN 978-0-300-11786-8
- Nicolle, David (2000). Constantinople 1453: The end of Byzantium. Osprey Publishing. ISBN 1-84176-091-9.
- Norwich, John Julius (1995). Byzantium: The Decline and Fall. New York: Alfred A. Knopf. ISBN 0-679-41650-1.
- Pertusi, Agostino, ed. (1976). La Caduta di Costantinopoli, I: Le testimonianze dei contemporanei (in Italian). Verona: Fondazione Lorenzo Valla.
{{cite book}}
:|first=
has generic name (help)CS1 maint: multiple names: authors list (link) CS1 maint: unrecognized language (link) - Pertusi, Agostino, ed. (1976). La Caduta di Costantinopoli, II: L’eco nel mondo (in Italian). Verona: Fondazione Lorenzo Valla.
{{cite book}}
:|first=
has generic name (help)CS1 maint: multiple names: authors list (link) CS1 maint: unrecognized language (link) - Runciman, Steven (1965). The Conquest of Constantinople: 1453. Cambridge: Cambridge University Press. ISBN 0-521-39832-0.
- Smith, Michael Llewellyn, "The Fall of Constantinople", in History Makers magazine No. 5 (London, Marshall Cavendish, Sidgwick & Jackson, 1969) p. 192
- Andrew Wheatcroft: The Infidels: The Conflict Between Christendom and Islam, 638–2002 (2003) Viking Publishing ISBN 0-670-86942-2
- Justin Wintle: The Rough Guide History of Islam (2003) Rough Guides ISBN 1-84353-018-X
- Articles with dead external links from August 2010
- مقالات ذات عبارات بحاجة لمصادر
- Articles with hatnote templates targeting a nonexistent page
- Pages with empty portal template
- CS1 errors: generic name
- 1453 في اوروبا
- 1453 في آسيا
- القرن 15 في الإمبراطورية البيزنطية
- الحروب البيزنطية العثمانية
- نزاعات 1453
- East–West Schism
- حصارات صربيا
- حصارات الإمبراطورية البيزنطنية
- حصارات الدولة العثمانية
- حصارات القسطنطينية
- معارك محمد الثاني
- تاريخ إسطنبول
- معارك الدولة العثمانية
- معارك الإمبراطورية البيزنطية