المسرح الشعري
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة
تكوّنت الدراما لدى الإغريق وكان هاجسها الأساس ذلك الشعور الديني والوجداني في عبادة الإله (ديونيسوس) إله الخمر لدى الإغريق، ذلك الإله الذي كان هيرودوتوس يقول عنه أن الإغريق تعلّموا اسمه في فترة لاحقة للفترة التي عرفوا فيها أسماء الآلهة الآخرين، حيث جاء عن طريق القبائل نصف الإغريقية بآسيا الصغرى، ويشير الطابع الوجداني لطقوس ديونيسوس إلى هذا الأصل الآسيوي كما يشير إلى ذلك الدكتور أحمد عثمان في كتابه (الشعر الإغريقي) ويرى عثمان كذلك إلى أن الطابع الريفي لديونيسوس والذي يدلّ عليه حمله لعدد من الألقاب منها (المزهر) و(المثمر) و(المورق) و(اليانع)، وكونه في فصل الربيع يوقظ الأرض من سباتِها الشتوي العميق، ويبعث فيها القوة والدفء والحركة، وكونه أيضاً في المقام الأول إله الكروم ومخترع النبيذ فقد قدّسه البشر ووضعوه في مصاف أكبر القوى الخيّرة، لأنه خلّصهم بهذا الإختراع من الألم والمتاعب، فخلعوا عليه لقب (المخلّص من كل الهموم).
وبهذا الإختراع فقد صار (ديونيسوس) بفضل خمره التي اخترعها والتي تبعث النشوة في النفس وتبعث على قرض الشعر، وعلى الرقص والفن، فقد صار راعيا للموسيقى والشعر وحمل لقب المغنّي فكانت الأشعار الملهمة من قبله سريعة الإنتقال بين المرح والنشوة وبين الألم والمعاناة والقسوة وبين المجون الصاخب، متماشياً كل هذا مع طبيعة الإحتفالات التي تقام تحت رعاية إله الخمر، ومثل هذه الحرية والتنويع، والخروج عن كل القيود الصارمة عوامل جعلت من الأغنية (الديونيسوسية) الجماعية بذرة صالحة لاستنبات الدراما. ومن هذه التكوين الشعري للأغنية الديونيسوسية خرجت أولى أشكال الدراما لدى الإغريق بل وأولى أشكال المسرح الشعري أساساً الذي منه تكوّنت الدراما أو خرجت عليه، مكونة بذلك علاقة هامة بين الشعر كمعادل مهمّ ليس للغة فحسب بل للغة وللحالة (الشعرية) التي تتمثّل في النشوة والتقلّب أو التحوّل أو الإنتقال بين الحالات الشعورية والحسيّة، وبين المسرح الدرامي الذي ينبني أساساً على حالة من التوازن في خلق التكوين الدرامي سواءً للنصّ أو الشخوص أو الإخراج، إذاً فربما يكون المسرح الشعري ليس وليدَ حالة لغوية أو أيقاعية بحتة، بل هو أيضاً وأساساً وليد حالة شعورية ناتجة عن (النشوة) والتقلّب بين الفرح والحزن، والمرح والألم الذي تبعثه الخمر في نفوس منشدي (ديونيسوس)، وربما أيضاً من هنا نستطيع العودة إلى الأصل الحقيقي للمسرح الشعري، ومنه نستطيع أن ندخل إلى توضيح ملامح هذا المسرح الناتجة عن حالة فلسفية أساساً، تأخذ من (النشوة) علامة لها، ومكوّناً أساسياً في فهمها.
وإن أردنا ذلك حقاً علينا أن نسأل حول أهمية إضافة (الشعري) إلى المسرح، وما الذي قد تعنيه هذه الإضافة، أو هل هي إضافة حقاً، أي هل الشعر في المسرح الشعري هو حالة مضافة للمسرح، أي زائدة عليه أم أنها في هذا النوع من المسرح حالة موازية وربما ملغية للكثير من أدوات المسرح المعتادة، ومضيفة أدواتها سواءً للمثل أو المخرج أو السينوغرافي أو المؤلف أو المعدّ، أي أننا هنا لسنا أمام المسرح بما هو عليه، وبما هو مسرح، بل أمام حالة خاصة من المسرح، فخلافاً للفهم السائد للمسرح الشعري، القائم أساساً على اللغة يصبح المسرح هنا قائماً لا على الشعر بحدّ ذاته بل على المفاهيم التي يقوم عليها الشعر ويشتغل بها.
ها هو إذا يوجين يونسكو كاتب العبث الفرنسي يصف اللغة المسرحية بأنها تعتمد على (العالم الخرافي الرائع) ويصف المسرح بأنه (تقمّص الأحلام والخيالات)، وما الحلم سوى ذلك فقدان القيمة المادية للزمان والمكان، وتضخّم تلك القيمة التأويلية لهما. وباختفاء القيم المادية للزمان والمكان، تختفي كذلك القيم المادية للحدث والمُحدِث، أي السرد الدرامي والشخصيات، فتصبح الشخوص والأحداث في المسرحية الشعرية الحديثة، غير ملزمة بما هي ملزمة به في المسرح لأنها ليست نتاج الحالة الدرامية السردية بل الحالة (التفسيرية الشعرية) أي الحلم كما يذهب يونسكو، وكما يفعل هو في مسرحه.[1]
ظهور المسرحية الشعرية في الادب العربي
المسرحية الشعرية فن من فنون الادب الواسعة التأثير، وهي تحتوي على جميع العناصر الفنية التي يجب توافرها في الرواية النثرية من: عرض، وعقدة؛ وحل، ولكن الحوار وهو الكلام الذي يقع من اشخاص الرواية على خشبة المسرح والذي يعتبر مادة الرواية التي عن طريقها تعرض حوادث القصة ويعالج الموضوع، يختلف في الاثنين فبينما يكون في الأولى شعراً يكون في الثانية نثراً.
والمسرحية الشعرية منتشرة في الآداب الغربية انتشاراً واسعاً ولها اهمية خاصة في توجيه ونقد المجتمع وهي عريقة في القدم لان تلك الآداب ورثت هذا النوع من الفن من أشعار الأقدمين من اليونان أولاً ومن الرومان ثانياً، ولقد كان لهذا الفن أصل قائم بذاته في الألعاب التمثيلية الاولى عند اليونان فغناء الاله باخوس -إله الخمر- لم يكن الا مقاطع من الشعر وكانت هذه المقاطع هي التراتيل الاساسية التي يعتمد عليها الكورس، وهو الغناء الذي يغني بصورة جماعية.
إما في الادب العربي فان المسرحية الشعرية من مولدات العصر الحديث دخلت إليه بعد حملة نابليون على مصر وذلك لأن فن التمثيل لم يترعرع عند العرب الا في وقت متأخر، (ولنا بحث في هذا الباب يأتي بعد ذلك) فلم يشاهد الشعر العربي مسرحاً يمثل عليه أدواره ولم تكن عند العرب دور للتمثيل لا في العصر الجاهلي ولا في عهد الخلفاء ولا عند الامويين ولا العباسيين حتى انقشاع عصر الفترة المظلمة، ولا ريب أن عدم وجود المسرحية الشعرية في الشعر العربي لا ينقص من قيمة هذا الشعر لان الشعر العربي في طبيعته ملائم كل الملائمة لهذا الباب من فنون الأدب ولان الشعر العربي في الحقيقة ما هو إلا قصة الحياة العربية في سهول بلاد العرب وهضابها وصحاريها ووديانها، والمرآة التي انعكست عليها آراء المجتمع العربي وفلسفته ومُثله وعواطفه؛ ولا أعدو على الحقيقة إذا قلت(إن الشعر العربي مجموعة مسرحية تمثيلية مثلت فصولها العرب في جميع أدوارهم السياسية والاجتماعية وعبرت على كل لون من ألوان المجتمع في مختلف أقطارهم وبيئاتهم).
ومن أحسن الأمثلة على هذا الشعر قصائد عمر بن أبي ربيعة وحواره وأوصافه لما يقع له من مغامرات وحوادث غرامية وبالرغم من كل ما تقدم نجد ان الشعر التمثيلي المنطبق على قوانين الفن واصوله الصحيحة الحديثة أي الشعر الذي يكون أداة للتمثيل على خشبة المسرح والذي يشكل الحوار فيه القسم المهم في رواية ذات حوادث متسلسلة منسجمة تأخذ فيها الحوادث الواحدة بعنق الأخرى حتى تبلغ شدة تأزمها او انفراجها في العقدة التي يعقبها الحل وبالحل تنتهي الرواية نقول ان هذا النوع من الشعر دخل إلى الأدب العربي بتأثير الاداب الغربية واتصال العرب بالاوربين بعد الاحتكاك الذي حدث في فجر النهضة الحديثة، وقد حمل الاطلاع على نواحي التفكير الغربي العرب على ان يتجهوا إلى معالجة المواضع التي يفتقر إليها ادبهم ومجتمعهم فسرعان ما قامت جماعة من أدباء العرب وخصوصاً السوريون منهم فنظموا في المسرحية وكانت المآسي هي الغالبة في هذه المسرحيات وأول ما ظهر من المسرحيات الشعرية في الادب العربي هي مآسي الاستاذ خليل اليازجي (1856-1889) (المعروفة بالمروءة والوفاء) وهي مأساة طويلة يتجاوز عدد أبياتها ألفي بيتاً، نظمها الشاعر بعد أن اقتبس حوادثها من الادب الجاهلي من قصة معروفة عند العرب القدماء. ولم يقتصر هذا النشاط على اليازجي وانما نشط كثير من السوريين في معالجة المسرحية الشعرية وان كان ذلك في فترات متفاوتة وقد كثر صدور هذه المسرحيات بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى كان من أهمها مسرحية أصدرها الاستاذ الشاعر سعيد عقل وأسماها (بنت يفتاح) ثم التراجيديا الشعرية التي أصدرها الاستاذ الدكتور علي ناصر في حلب وأسماها(سلوى) ثم أصدر الاستاذ الشاعر عمر ابو ريشة في حلب أيضاً مسرحية شعرية-ويطلق عليها المحكمة الساتيرية - وأسماها محاكمة الشعراء. ومن يقرأ هذه المسرحيات يلاحظ لأول وهلة أنها تمزج بين الكلاسيكية والرومانتيكية ولا تترسم مذهباً معيناً من المذاهب الادبية الحديثة فأكثرها ليس له طابع مستقل بين مذاهب الأدب.[2]
المصادر
- ^ مهدي سلمان (2007-01-13). "المسرح الشعري.. مسرح التقلّبات". مدونة الشاعر مهدي سلمان.
- ^ حرب (2006-04-12). "ظهور المسرحية الشعرية في الادب العربي". شبكة ومنتديات القمة.