العلاقات الروسية العراقية
العراق |
روسيا |
---|
أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والعراق في 9 سبتمبر/ايلول عام 1944، ثم انقطعت في يناير/كانون الثاني عام 1955 بمبادرة من الحكومة العراقية، وأستؤنفت العلاقات الدبلوماسية في 19 يوليو/تموز عام 1958.
واعترفت حكومة العراق بروسيا الاتحادية بصفتها وارثة لحقوق الاتحاد السوفيتي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الوجود السوفيتي في العراق أثناء الحرب العالمية الثانية
تواجد الخبراء العسكريين السوفيت ابان الحرب العالمية الثانية في العراق بهدف تأمين ترانزيت المعدات والذخائر العسكرية الامريكية والبريطانية وغيرها من الشحنات الى الاتحاد السوفيتي الذي كان انذاك يخوض حربا ضارية ضد جحافل الجيوش النازية الألمانية. واليكم بعض تلك المعلومات[1]:
شهد تاريخ العلاقات السوفيتية العراقية ابان الحرب العالمية الثانية صفحة مجيدة تكاد تكون غير مدروسة لحد الآن. والمقصود بالامر هو انشاء ما يسمى بـ "الممر الفارسي" الذي باشر بعد مرور نصف سنة على نشوب الحرب السوفيتية الالمانية (1941 - 945 ) بنقل الامدادات الامريكية والبريطانية العسكرية الى الاتحاد السوفيتي. وشهدت تلك الفترة افتتاح البعثات السوفيتية العسكرية وإنشاء معسكرات ومراكز خاصة ووكالات للنقل وحتى قاعدة جوية ميدانية واحدة في الاراضي العراقية . واوكلت الى شركة التعاون العسكري التقني السوفيتية مهمة تنظيم استلام وتجميع الطائرات الحربية وسيارات الشحن القادمة من الولايات المتحدة بالدرجة الاولى ونقلها فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي بالاضافة الى النقل غير المنقطع للمواد الخام الاستراتيجية والذخائر وغيرها من المواد الى الحدود السوفيتية. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى ان اقامة فريق التعاون التقني العسكري السوفيتي في العراق لمدة زهاء سنتين ( اعوام 1942 – 1944) يعتبر فترة منسية لم يعرف احد عنها شيئا علما ان المؤرخين العسكريين السوفيت والغربيين والباحثين في مجال العلاقات السوفيتية العراقية لا يذكرون تلك الصفحة او ينكرونها.
نظرا الى ان سفن الامداد العسكري البريطانية والامريكية المتوجهة الى الموانئ السوفيتية الشمالية أخذت تتعرض في خريف عام 1941 لهجمات مستمرة من قبل الغواصات والطائرات الالمانية المرابطة في النرويج فان قيادتي هذين البلدين بدأتا في التفكير بفتح طريق جنوبي آمن لايصال المساعدات العسكرية للاتحاد السوفيتي حليفهما الجديد ضد المانيا . وهو طريق يمر بالموانئ العراقية والايرانية الواقعة في الخليج العربي ويؤدي الى جمهوريتي اذربيجان وتركمانستان السوفيتيتين انذاك. وبدأت المحادثات البريطانية الامريكية السوفيتية بهذا الشأن. وطرحت الحكومتان البريطانية والامريكية هذه المبادرة. فيما لم يوافق الجانب السوفيتي في البداية على المبادرة الامريكية البريطانية بحجة احتمال تكبد خسائر لا مفر منها والزمن الطويل الذي يستغرقه نقل المعدات عبر الممر الفارسي. لكن الجانبين توصلا في نهاية المطاف الى اتفاق بهذا الشأن مما دفعهما الى المباشرة باتخاذ الاجراءات الرامية الى اعداد البنية التحتية في المنطقة ليتم تزويد الجيش السوفيتي بما يلزمه من الاسلحة والذخائر والمعدات الحربية والمحروقات والمعدات والارزاق وذلك عبر اراضي العراق وايران.
كان من المتوقع ان يعقد في مطلع عام 1942 في بغداد اجتماع رسمي يحضره رؤساء البعثات العسكرية للاتحاد السوفيتي وبريطانيا والولايات المتحدة. ووصل الى بغداد العقيد المهندس ايفان كورميليتسين المسؤول في المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية برفقة فريق من الخبراء العسكريين السوفيت، وذلك لحضور الاجتماع وبحث مسائل تنظيم نقل الطائرات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي عبر العراق. وعقد الاتفاق بين ممثلي دول التحالف الثلاث بشأن وضع خطة لتوريد الاسلحة لموسكو.
وتوجهت البعثة السوفيتية في اعقاب المباحثات من بغداد الى البصرة حيث تم انشاء مقر لها ومكثت هناك حتى انتهاء مفعول اتفاقية توريد المعدات العسكرية في نهاية عام 1944. وانشأ الخبراء السوفيت في العراق في تلك الفترة البنية التحتية التكنولوجية الواسعة النطاق التي كان من شأنها تأمين توريد المعدات الحربية، وذلك بمساعدة الحلفاء. وبالاضافة الى مقر البعثة في البصرة تم انشاء القاعدة الجوية السوفيتية بقيادة العقيد مورافيوف والمعسكر السوفيتي المرابط في القاعدة الجوية البريطانية في الشعيبة والذي يبعد حوالي 20 ميلا عن مدينة البصرة حيث تم تشغيل معامل امريكية اضافية تقوم بتجميع الطائرات المخصصة للجيش السوفيتي.
ثمة مذكرات كتبها ليونيد زورين الذي حل محل كورميليتسين في شهر مارس/آذار عام 1942 بمنصب مسؤول المفوضية الشعبية للتجارة الخارجية السوفيتية. وجاء في المذكرات :" كنا في مطلع عام 1944 نستلم الطائرات في مطار المعقل فقط . لكنه لم يكن بوسعه تجميع الطائرات لعدم وجود مواقع انتاجية ملائمة لذلك. وبدأنا نفكر في انشاء قاعدة جوية اكبر. وبدا ان مطار الجيش البريطاني العاشر في قاعدة الشعيبة يصلح لذلك. وباشرنا بتجهيز هذه القاعدة وتوجيه الطائرات القادمة الى هناك دون ان نوقف تجميع الطائرات في المعقل . لذا فان مركز جهودنا انتقل في مايو عام 1942 الى منطقة الشعيبة حيث تم نشر معسكر سوفيتي كان يعمل فيه الخبراء والفنيون في الطائرات وتجميعها ، الامر الذي ساعد في رفع اهمية مطار الشعيبة الذي تحول الى مركز رئيسي لتجميع الطائرات الامريكية. وظل المعسكر السوفيتي في الشعيبة يعمل لغاية اكتوبر/ تشرين الاول عام 1944.
من اللافت ان القاعدة الجوية البريطانية التي كان الانجليز منذ قليل يخططون لضرب مشاريع النفط السوفيتية في القوقاز منها صارت تستخدم ، من سخرية القدر، لتزويد الاتحاد السوفيتي بالاسلحة وتعزيز قدرته الدفاعية بما في ذلك في جبهة القوقاز السوفيتية الالمانية.
كما عرفنا من مذكرات زورين فان القيادة السوفيتية رسمت مسارات نقل الطائرات الامريكية من العراق الى الاتحاد السوفيتي وذلك مرورا بطهران حيث كانت تعبأ بالوقود ثم الى مدينة كيروفوآباد السوفيتية. وفي اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 اصدر اناستاس ميكويان المفوض الشعبي في شؤون التجارة الخارجية السوفيتية امرا بتقسيم شركة "ايران سوفترانس" الى شركتين تقوم الاولى بنقل الطائرات والشحنات العسكرية الامريكية والبريطانية عبر العراق وايران. والثانية تقوم بايصال تلك الشحنات الى مقاصدها في اراضي الاتحاد السوفيتي. وكانت مهمة شركة :ايران سوفترانس" تنحصر في مراقبة وصول الشحنات الحربية الى الموانئ العراقية واستلام الشحنات فيها وتنظيم تحرك الشحنات في داخل العراق ونقلها من الموانئ العراقية الى الموانئ الايرانية الواقعة على بحر قزوين والمراكز الشمالية الايرانية الواقعة على الحدود السوفيتية الايرانية.
ومن اجل تنفيذ هذه المهام منحت السلطات العراقية المكتب الرئيسي لشركة "ايران سوفترانس" صلاحيات خاصة بما فيها توقيع الاتفاقيات والعقود مع مؤسسات النقل والشحن العراقية الداخلية وفتح الحسابات في المصارف العراقية واجراء التحويلات المصرفية والحسابات مع تلك المؤسسات واستئجار المستودعات لتخزين المنتجات العسكرية وفتح فروع للشركة يتولى رئاستها اشخاص مفوضون بغية اجراء عمليات النقل. وقد افتتحت المكاتب والوكالات التابعة للشركة السوفيتية في عدد من المدن والمناطق العراقية مثل كركوك وتنومة وخانقين والشعيبة ناهيك عن موانئ البصرة والمعقل وام قصر. وقامت الشركة بنقل الطائرات وسيارات الشحن التي تم تجميعها في معامل رفدية والشعيبة والبصرة.
كانت الشحنات القادمة الى موانئ شط العرب والخليج توصل الى الاتحاد السوفيتي بمسارين رئيسيين احدهما هو: وصول الشحنات الى موانئ البصرة وام قصر والمعقل ثم نقلها الى بغداد ثم الى كركوك عن طريق السكك الحديد ثم نقلها برا بواسطة الناقلات الانجليزية الى مركزهانة الايراني من حيث تنقل بالناقلات السوفيتية حتى مدينة تبريز ثم نقلها بالسكة الحديد الى مدينة جولفة السوفيتية. وبلغ طول هذا المسار 1615 كيلومترا. اما طول المسار الثاني فبلغ 1627 كيلومترا. وانه كان يمر بالموانئ العراقية ثم الى بغداد بالسكة الحديد ثم الى مدينة خانقين العراقية ثم حتى مدينة قزوين الايرانية بواسطة الناقلات البريطانية من حيث تنقل الشحنات بالناقلات السوفيتية حتى ميناء بهلوي الايراني.
فيما يتعلق بمعامل تجميع الشاحنات فقد انشئ فيها ما يسمى بمراكز الاستلام التي عمل فيها الخبراء العسكريون السوفيت الذين قاموا بالمراقبة الفنية لحالة سيارات الشحن العسكرية التي تم تجميعها من قبل الامريكيين والانجليز. من البديهي ان موضوع توريد المعدات الامريكية الى الاتحاد السوفيتي كان اكثر من مرة موضوعا للمحادثات السوفيتية الامريكية على المستوى العالي. وان ستالين لكونه قائدا اعلى للقوات السوفيتية كان يراقب شخصيا عملية توريد ألاليات المخصصة للجيش السوفيتي عبر الممر الفارسي. لذلك فان القيادة الامريكية فضلت حل اهم المسائل عن طريق ستالين مباشرة. وعلى سبيل المثال فان الرئيس الامريكي روزفلت وجه في مطلع يوليو/تموز عام 1942 رسالة الى الزعيم السوفيتي ستالين ورد فيها :" لقد جعلت الازمة المصرية المهددة لطرق المواصلات والتموين للاتحاد السوفيتي جعلت رئيس الوزراء تشيرتشل يوجه طلبا عاجلا اليّ للنظر في امكانية نقل 40 قاذفة من طراز " آ - 20 " ترابط حاليا في العراق مخصصة للاتحاد السوفيتي الى الجبهة المصرية. وفي هذا السياق رأيت ان من المستحسن توجيه هذا الطلب اليكم آخذا بعين الاعتبار مصالح الجهود العسكرية للامم المتحدة باسرها". ووافق ستالين في رسالته الجوابية على الطلب قائلا انه "لا مانع له من نقل الطائرات العشرين المخصصة للاتحاد السوفيتي من العراق الى الجبهة المصرية".
ثمة حقيقة مثيرة قد تكون مجهولة مفادها ان تواجد التشكيلات العسكرية البريطانية والامريكية والسوفيتية في العراق جعل القيادة الامريكية تقترح على القيادة السوفيتية عقد القمة الثلاثية لهذه الدول في العراق. ووجه روزفلت رسالة شخصية الى المارشال ستالين اقترح فيها ان تعقد القمة بجوار بغداد في موقع تتموضع فيه معسكرات ثلاثة تتوفر فيها كل اسباب الراحة والحراسات الامريكية والبريطانية والروسية المطلوبة. وبعد ان رفض ستالين هذا الاقتراح ظل روزفلت يصر على عقد القمة في العراق ، ولكن اقترح هذه المرة البصرة لعقدها حيث يمكن تنظيم الحراسة الممتازة ،على حد قوله.
ثمة دليل على موقف الشعب العراقي من الاتحاد السوفيتي ورد في تقرير قدمه الدبلوماسي السوفيتي في ايران ايفانوف في 6 يونيو/حزيران عام 1944. وتناول التقرير بصورة خاصة عمل الفريق العسكري التقني السوفيتي في العراق. وابرز التقرير الحفاوة التي كان يكنها العراقيون تجاه الخبراء السوفيت الذين يقومون باداء واجبهم في البلاد. وجاء في التقرير ما يلي:" عندما يسير الخبراء السوفيت بشاحنة لحضور العمل يلقاهم العراقيون كبارا وصغارا بصيحات "خوروش ، خزروش" بمعنى "جيد" ومشكلين باصابعهم رمز النصر. وبالطريقة ذاتها يرحبون بكل ضابط سوفيتي يمشي في الشارع. ويهم الجميع في العراق ،بمن فيهم الطلبة والمحامون والاطباء، الوضع في الاتحاد السوفيتي وحياة اهاليه وامكانية زيارته. ويشارك الشعب بكل سرور في جمع التبرعات لصالح الجيش الاحمر رغم ان هذه المساعدة لم تعلن رسميا. وكان عمال الموانئ العراقيون يرسمون سرا امضاءاتهم على صناديق يقومون بشحنها الى عربات القطار لتوجه فيما بعد الى الاتحاد السوفيتي. كما انهم كانوا يرسمون نجوما وتحيات تكريما للجيش الاحمر.
ويمكن الاستنتاج بشكل عام ان معارك الحرب العالمية الثانية بينت بوضوح الاهمية الاستراتيجية الكبيرة للعراق بالنسبة الى دفاع الدولة السوفيتية وامنها. وفي حقيقة الامر فان البنية العسكرية التقنية القوية التي تم انشاؤها بالاراضي العراقية في اطار تنفيذ برامج توريد ألاليات الحربية الغربية الى الاتحاد السوفيتي والموارد البشرية العراقية والاجواء العراقية لعبت دورا كبيرا في انقاذ الاتحاد السوفيتي من الهزيمة في الحرب على ايدي الالمان. وقد منحت الخبرة المكتسبة نتيجة التعاون بين البلدين في السنوات المأساوية للحرب العالمية الثانية منحت رئيس الوزراء العراقي انذاك حمدي الباججي بان يقول في برقية التهنئة التي بعث بها الى ستالين يوم 8 مايو/آيار عام 1945 :" يفتخر العراق انه كان اول بلد من البلدان العربية انضم الى الامم المتحدة ويسره الآن بان يؤكد ان الحكومة العراقية كانت تتعاون حق التعاون مع حكومتكم من اجل مواجهة العدوان والظلم".
اذن فاستنادا الى الحقائق يمكن القول ان سنوات الحرب المذكورة شهدت ترانزيت مئات آلاف الاطنان من الشحنات عبر الموانئ والمطارات والقواعد العراقية الى الاتحاد السوفيتي. وكانت تلك الشحنات تحتوي على بنزين الطائرات العالي النوعية الذي تم انتاجه من النفط العراقي، والطائرات وسيارات الشحن التي قام بتجميعها الخبراء الامريكيون والبريطانيون بالتعاون مع العراقيين، ناهيك عن المعدات العسكرية والذخائر والارزاق. ويقول المؤرخ البريطاني موتر ان ميناء عراقيا واحدا قام بترانزيت 250 الف طن من الشحنات الى الاتحاد السوفيتي وذلك في الفترة ما بين 1 يوليو/تموز عام 1943 و1 سبتمبر/ايلول عام 1944.واختلف مستوى تدفق الشحنات المارة بـ "الممر الفارسي" في فترات مختلفة. وعلى سبيل المثال فاذا كان شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1941 شهد ترانزيت نسبة 5.2% من اجمالي الشحنات الموردة الى الاتحاد السوفيتي فان شهر اكتوبر/تشرين الاول عام 1942 شهد نسبة 52% من هذه الشحنات . وعموما بلغ مجموع الشحنات العسكرية الموردة الى الاتحاد السوفيتي عن طريق العراق بواسطة هذا الممر الاستراتيجي زهاء 4.2 مليون طن مما يعادل نسبة 23.8 % من مجموع الشحنات الغربية الموردة للاتحاد السوفيتي ابان الحرب العالمية الثانية.
التعاون قبل اجتياح العراق للكويت
كان الاتحاد السوفيتي والعراق يتعاونان بنشاط في الفترة ما بين عام 1958 وعام 1990، لا سيما في المجال العسكري التقني. وكان العراق من أهم مستوردي المعدات الحربية السوفيتية. وقد بلغ حجم المبيعات العسكرية للعراق في تلك الفترة قيمة 30.5 مليار دولار. والى جانب ذلك فان الخبراء السوفيت كانوا يقومون بإصلاح المعدات العسكرية الخاصة، وقد انشئت بمساعدة الاتحاد السوفيتي في العراق المصانع العسكرية، وبينها مصنع مدافع هاوتزر ومصنع الرشاشات كلاشنيكوف ومصنع ذخائر المدفعية. كما تم إعداد الكادر الوطني العراقي.
وكان الاتحاد السوفيتي يساهم بنشاط في قيام صناعة النفط العراقية وفي تنمية القدرات العسكرية الدفاعية العراقية. وقد انشأ بمساعدة الاتحاد السوفيتي 100 مشروع اقتصادي تم انجاز 80 مشروعا منها. وتم بمشاركة الاتحاد السوفيتي تطوير حقول نفط الرميلة الشمالية وحقول نهر عمر واللحيس التي بلغت إنتاجيتها الاجمالية 45 مليون طن سنويا، كما جرى أنشاء خط انابيب مشتقات النفط بغداد – البصرة، وإنشاء المحطات الكهروحرارية والكهرومائية "الناصرية" "النجيبية" و"دوكان"بقدرتها الاجمالية 1440 ميغاواط. كما شارك الاتحاد السوفيتي في أنشاء معمل الالات الزراعية في الإسكندرية ومعمل الادوية في سامراء.
وباتت بغداد في منتصف الثمانينات من أكبر مشتري المعدات الحربية السوفيتية بالشرق الأوسط. وبحلول عام 1990 تم بيع ما يقارب 3 آلاف وحدة من عربات المشاة القتالية والكمية نفسها من ناقلات الجنود المدرعة ومن المدافع و 4500 دبابة و700 منظومة صاروخية لمكافحة الدبابات و300 منظومة مضادة للطائرات و348 مروحية و1000 طائرة و41 سفينة.
وبحسب تقييمات الخبراء فان العراق اشترى في الاتحاد السوفيتي على مدى 30 عاما معدات حربية وأسلحة بمبلغ 30.5 مليار دولار وحصل على 60 ترخيصاً بصنع الأسلحة الروسية.
وقد فرض مجلس الامن الدولي في أغسطس/آب 1990 العقوبات على العراق التي قضت بحظر التعاون مع العراق في المجال العسكري وتصدير واستيراد السلع، وكذلك توجيه الاأموال إلى العراق. وصادق الاتحاد السوفيتي على اجراءات الحظر هذه حارماً نفسه من توريد الأسلحة والمعدات إلى العراق. فيما استمر التعاون في المجال العلمي والتقني حتى ديسمبر/كانون الأول عام 1990، وذلك في 96 مشروعا تم انجاز 84 منها.
التعاون الروسي العراقي في الفترة ما بين عام 1990 وعام 2003
وقد تغير مضمون التعاون الثنائي بين البلدين بعد فرض العقوبات، وانتقل التعاون من المجال العسكري التقني إلى المجال الاقتصادي حيث كانت روسيا تصدر إلى العراق سيارات الشحن "كاماز" والحافلات والمكائن المختلفة وعربات القطار وقضبان السكك الحديدية والانابيب ومراجل البخار. واشتغلت الشركات الروسية بإنشاء صوامع الارز والذرة. وظلت شركات النفط الروسية بعد عام 1991 تعمل في العراق. وتم في اغسطس/آب عام 1993 في بغداد لاول مرة بعد فرض عقوبات مجلس الامن الدولي توقيع 3 اتفاقيات عراقية - روسية في مجال التعاون الاقتصادي والتجاري والتقني، وكذلك اتفاقية تشكيل اللجنة الروسية - العراقية على مستوى الحكومتين للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني. وقد عقدت منذ سبتمبر/ايلول عام 1994 ستة اجتماعات لها. وكانت قبل بدء العملية الحربية الأمريكية في مارس/آذار عام 2003 قد عملت في العراق 39 شركة روسية بلغت حصة 20 شركة منها في استخراج النفط العراقي نسبة 40%. وكانت أقاليم روسيا مثل تتارستان (في مجال النفط والغاز وتوريد الشاحنات "كاماز") وجمهورية تشوفاشيا ومقاطعة كالوغا ومقاطعة ياروسلافل تبدي نشاطها الخاص في التعاون مع بغداد. وبحسب معطيات وزارة التنمية الاقتصادية في روسيا الاتحادية فان الحجم الاجمالي للصفقات المعقودة بهدف توريد السلع إلى العراق من روسيا ودول أخرى بوساطة روسية بلغ قيمة 1.5 مليار دولار. وقد بلغ حجم التداول السلعي لدى الشركات الروسية العاملة في العراق قبل بدء العملية الحربية الأمريكية 7.73 مليار دولار. وكانت روسيا تتقدم الدول الأخرى في مجال التداول السلعي العراقي على الصعيد الاقتصادي الخارجي، وقد بلغت حصتها فيه نسبة 15%. الا انه تم تعليق كل العقود الروسية العراقية مع بدء العملية الحربية الأمريكية في العراق. وتكبدت الشركات الروسية خسائر كبيرة. وانخفض التبادل السلعي بين البلدين في عام 2003 حتى 252 مليون دولار، مما يقل 8 أضعاف عما هو عليه في عام 1989 حين زاد هذا المؤشر عن 2 مليار دولار. واقر مجلس الدوما لروسيا الاتحادية في 21 مارس/آذار عام 2003 بيانا بصدد بدء الاعمال الحربية للولايات المتحدة وبريطانيا ضد جمهورية العراق وصف فيه هذه العملية الحربية بانها خرق لاصول القانون الدولي.
اسباب تقلص الوجود الروسي في العراق
نجم تقلص النشاط الروسي في العراق بدرجة كبيرة عن الأوضاع الأمنية المتدهورة هناك، بما فيه إزاء المواطنين الروس. وتجدر الإشارة هنا إلى الهجوم المسلح على قافلة تابعة للسفارة الروسية في أبريل/نيسان عام 2003، واختطاف 8 موظفين في شركة " انتر انيرغوسيرفيس" في أبريل/نيسان عام 2004، ومقتل موظف في الشركة نفسها نتيجة عملية وقعت في مايو/آذار عام 2004، وهجوم مسلحين على حافلة كانت تقل خبراء شركة "انتر انيرغوسيرفيس" في مايو/آذار عام 2005 أسفر عن مقتل 3 مواطنين روس، وهجوم مسلحين على سيارة تابعة لسفارة روسيا الاتحادية في يونيو/حزيران عام 2006 اسفر عن مقتل موظف واحد واختطاف 4 آخرين تم اعدامهم فيما بعد. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2008 تسببت قافلة مدرعة تابعة للجيش الأمريكي في حادث مروري خطير وقعت فيه سيارات تابعة للسفارة الروسية ببغداد.
بدأ عودة العلاقات الاقتصادية بين البلدين
زار موسكو في 22-23 ديسمبر/كانون الأول عام 2003 وفد لمجلس الحكم المؤقت في العراق برئاسة عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس آنذاك. وقد دارت بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباحثات اسفرت عن شطب الجزء الاعظم من الديون الروسية بذمة العراق. كما نوقشت في المباحثات مسألة فتح فروع لشركات النفط الروسية في العراق.
وقد بلغ الدين العراقي لروسيا عشية سقوط نظام صدام حسين قيمة 12.9 مليار دولار. وفي اواخر عام 2004 اتخذ نادي باريس الذي تعد روسيا عضواً فيه قرارا بشطب 80% من الدين الحكومي العراقي. ولكن موسكوذهبت ابعد من ذلك وقامت بشطب نسبة 93% من دين العراق لها.
وفي 10 مارس/آذار عام 2004 وقعت في بغداد بين شركة النفط الروسية "لوكويل" ووزارة النفط العراقية مذكرة التفاهم والتعاون التي تم ايفاد اول مجموعة للخبراء العراقيين بموجبها يوم 7 يونيو/حزيران إلى روسيا لاخذ دورات في مجال استخراج النفط. واقتضت المذكرة تشكيل اللجنة الفنية الخاصة بتنسيق التعاون في مجال استخراج النفط والغاز في اراضي العراق.
في 24-25 يوليو/تموز عام 2004 زار موسكو زيارة عمل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي ناقش سبل استئناف عمل الخبراء الروس في العراق.
وقد وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 26 أغسطس/آب عام 2004 مرسوما بالغاء الحظر على توريدات المعدات الحربية والأسلحة إلى العراق.
وزار موسكو في 6-8 ديسمبر/كانون الأول عام 2004 رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي على رأس وفد حكومي واسع. وجرت أثناء الزيارة مباحثات تخص الاستقرار السياسي في العراق وإقامة علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين في شتى المجالات واستئناف مفعول العقود المعلقة، لاسيما في مجال قطاع النفط التي تم إبرامها في عهد صدام حسين.
في 18-21 سبتمبر عام 2007 زار موسكو في زيارة عمل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الذي وقع مع نظيره الروسي مذكرة تفاهم بشأن تأسيس القنصليات العامة للبلدين، وبصورة خاصة قنصلية روسيا الاتحادية في مدينة اربيل التي تم افتتاحها في 28 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2007.
وعقد بموسكو في 11 فبراير/شباط عام 2008 الاجتماع الخامس للجنة الروسية العراقية الحكومية الخاصة بالتعاون التجاري والاقتصادي الذي اسفر عن توقيع اتفاقية تسوية دين العراق لروسيا بموجب القروض المقدمة سابقا. كما تم توقيع مذكرة التفاهم الخاصة بتطوير التعاون في مجال التجارة والاقتصاد والعلم والتقنيات.
وتمت في اواخر مارس/آذار عام 2008 زيارة وفد روسي إلى العراق ضم وحيد الكبيروف رئيس شركة " لوكويل" الروسية والكسندر سلطانوف نائب وزير الخارجية الروسي. ونتيجة المباحثات مع قيادة العراق تم الوصول إلى تشكيل مجموعة العمل الخاصة بخلق الظروف لتفعيل مشروع حقل "القرنة الغربية"، وذلك بموجب القوانين العراقية التي يتم وضعها، بما في ذلك قانون النفط العراقي الجديد.
وقد استأنفت شركة "سيلوفيا ماشيني" الروسية في مطلع يوليو/تموز عام 2008 مفعول الاتفاقية الخاصة بإنجاز مشروع المحطة الكهرومائية "العظيم" التي تم عقدها في عام 2001 ومن ثم جرى تعليقها. ومن المخطط ان ينجز هذا المشروع في عام 2010. وثمة مشروع آخر تحققه هذه الشركة الروسية في العراق، وهو مشروع توريد المعدات والأجهزة الكهربائية للمحطة الكهروحرارية "دبس".
وجرت في 18 أغسطس/آب عام 2008 في موسكو المباحثات بين سيرغي شماتكو وزير الطاقة الروسي وكريم وحيد حسن وزير الطاقة الكهربائية العراقي. وقد وافق الجانب العراقي على اقتراح روسيا بتشكيل مجموعة عمل ثنائية خاصة بتطوير التعاون في مجال الطاقة. كما نوقشت خلال المباحثات مسألة اعادة اعمار المحطة الكهروحرارية
"الحارثة" : وذلك بمساعدة شركة "تيخنوبروم اكسبورت" الروسية الكبرى.
وقد زار العراق في يناير/كانون الثاني عام 2009 لاول مرة خلال السنوات الخمس المنصرمة في زيارة رسمية الوفد الروسي الرفيع المستوى برئاسة النائب الأول لرئيس مجلس الفيدرالية الروسي الكسندر تورشين. وضم الوفد إدارة مجلس اتحاد مستخرجي النفط الروس برئاسة يوري شافرانيك. وقد اجرى اعضاء الوفد مباحثات مع القيادة العراقية العليا في شتى مجالات التعاون الثنائي، ابتداءا من المشاريع في مجال الطاقة والامن، بما في ذلك استئناف التعاون العسكري التقني وانتهاءا بمسائل التعاون في مجال التعليم.[2]
الهامش