الحركة اليوسفية
إيهاب الغربي ساهم بشكل رئيسي في تحرير هذا المقال
|
تعد الحركة اليوسفية لحظة فارقة في تاريخ تونس وقد لعب اليوسفيون دورا هاما في محاربة الاستعمار ونادوا بالإستقلال التام. تعرض تاريخ اليوسفيين ونضالاتهم للسطو من قبل حركة النهضة التي أرادت بعد 14 جانفي أن تطرح نفسها كإمتداد للحركة اليوسفية وهو تجني وإستيلاء على نضال أناس وطنيين ليس لهم أدنى علاقة بالإسلام السياسي.
وتعتبر الحركة اليوسفية إمتدادا لفكر وتوجهات الحزب الدستوري القديم ومؤسسه عبد العزيز الثعالبي، إذ يرى زعماء الحزب القديم في صالح بن يوسف وريث الشيخ الثعالبي، وقد توطدت الصلة بين بن يوسف وأنصار حزب الدستور إثر مؤتمر ليلة القدر سنة 1946 الذي جمع فيه الزعيم صالح بن يوسف آنذاك كافة التيارات الوطنية من حزب قديم وجديد وزيتونيين واتحاد الشغل وطالبت القوى الوطنية في هذا المؤتمر التاريخي بالإستقلال التام وقد تولى بن يوسف في تلك الفترة قيادة الحزب الجديد .
يعود البعد القومي العربي للحركة اليوسفية إلـى المؤتمر الذي عقد في القاهرة عام 1947 وضم كافة حركات التحرر الوطني في المغرب العربي وتونس. وقد أنبثق عن هذا المؤتمر لجنة سميت "لجنة تحرير المغرب العربي" في 1948 أسندت رئاستها إلـى الأمير عبد الكريم الخطابي، واتفقت هذه اللجنة على دعم الكفاح المسلح ضد المستعمر الفرنسي وعلى الالتزام بتحرير كافة أقطار المغرب العربي دون إستثناء.
ساهمت هزيمة فرنسا في فيتنام سنة 1954 واندلاع الثورة الجزائرية المسلحة في تعديل فرنسا لسياستها الإستعمارية، مما جعلها تمنح تونس إستقلالها الداخلي في 3 جوان 1955 وصرح بورقيبة إثر توقيع الاتفاقية: «إن اتفاقيات الاستقلال الداخلي هي الموصلة الى الاستقلال التام الذي يبقى المطلب الأساسي للشعب التونسي ».
وقد عارض صالح بن يوسف بشدة إتفاقية الإستقلال الداخلي وإعتبرها خطوة إلى الوراء وهو ما أدى إلى إنفجار في داخل الحزب الجديد بين شق الامانة العامة المعارض للاتفاقية والمناصر لصالح بن يوسف وبين شق الديوان السياسي المساند للاتفاقية والموالي لبورقيبة.
ساندت لجنة المغرب العربي صالح بن يوسف في موقفه من إتفاقية الإستقلال الداخلي وقامت بفصل الديوان السياسي للحزب ورئيسه الحبيب بورقيبة من عضوية اللجنة، كما إعتبرت أن السلطات التابعة للديوان السياسي قد انتقلت إلـى يد الأمين العام صالح بن يوسف، نظراً لأنه هو الذي بقي محافظاً على المبادئ الاستقلالية التي انضم الحزب على أساسها إلـى لجنة تحرير المغرب العربي، وكان الزعيم الكبير عبد الكريم الخطابي يرى أنه من واجب تونس العودة إلى الكفاح المسلح من أجل تحقيق إستقلال غير منقوص ودعما لكفاح المغرب والجزائر ضد العدو المشترك فرنسا .
إندلع الصراع اليوسفي البورقيبي سعى بورقيبة فيه إلى الإستعانة بفرنسا لحسم هذا الصراع لصالحه خاصة أن أغلب الشعب كان معارضا للاستقلال الداخلي، وشن الجيش الفرنسي حربا شعواء ضد الفلاقة أنصار بن يوسف الذين ساندوا الثورة الجزائرية، وارتكبت أبشع المجازر في حق اليوسفيين كما عزل بن يوسف من منصب الأمين العام للحزب الجديد وفرّ إلى ليبيا خوفا من الإغتيال.
منحت فرنسا إستقلال تونس التام في 20 مارس 1956 وكان الهدف من وهب تونس إستقلالها هو إخماد الثورة المسلحة التي قامت في الجنوب والتي حصد فيها الطيران الفرنسي حوالي 400 شهيد من اليوسفيين وسعت فرنسا إلى الفصل ما بين المقاومة المسلحة التونسية ونظيرتها الجزائرية بمساعدة بورقيبة ورفاقه.
يكمن الخلاف الجذري بين الحركة اليوسفية والبورقيبية في إرتماء بورقيبة في أحضان الغرب فيما يعتبر بن يوسف من أنصار القومية العربية خاصة أنه كان من أصدقاء عبد الناصر، وقد جسّد الصراع اليوسفي البورقيبي الخلاف الدائم وسط الحركة الوطنية بين "المتفرنسين" و"العروبيين"، وانتصر بورقيبة للتيار المتفرنس الذي يميل إلى التفاوض مع فرنسا وإقامة علاقات وطيدة معها ومع الغرب، على عكس بن يوسف الذي يدافع على الخط العروبي المنادي بوحدة الأمة والنضال المشترك من أجل تحرير كافة العالم العربي من براثن الإستعمار.
جنح بورقيبة إلى العنف لتصفية الحركة اليوسفية وقام بإغتيال بن يوسف ثم أعدم خيرة المناضلين اليوسفيين في محاكم جائرة كما تم تعذيبهم والتنكيل بهم في عهد تولي الباجي قايد السبسي إدارة الأمن في الستينات، وقد تمكن الدساترة بعد 14 جانفي من التعتيم على جرائم بورقيبة ضد اليوسفيين. جرائم ستبقى بدون شك صفحة سوداء لا يمكن محوها بسهولة من تاريخ تونس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهامش
- إيهاب الغربي (2016-11-17). "أضواء على الحركة اليوسفية". صحيفة الحرية.