التيار الإصلاحي في حركة فتح
التيار الإصلاحي الديمقراطي في حركة فتح ( أنصار القيادي المفصول من الحركة النائب محمد دحلان)، عقد "المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج"، الذي انعقد في أبريل 2017 في اسطنبول، تركيا، استكمالا لمبادرة مشابهة اختتمت أعمالها في يناير 2017 في القاهرة ، وذلك في إطار ما سموه "بالحراك التصحيحي لإستعادة الحركة لوحدتها"، بحسبهم.[1]
لقد بدأ الصراع داخل الحركة يظهر إلى العلن في شكل قويّ بعد عمليّة فصل القياديّ السابق محمّد دحلان من لجنتها المركزيّة وإنهاء علاقته معها في 12 حزيران/يونيو من عام 2011، إثر اتّهامه بقضايا فساد ماليّة، غير أن محكمة جرائم الفساد في رام الله رفضت في العام 2015 التهم الموجّهة له وأغلقت الملف. وبقي دحلان يعيش في الإمارات العربية المتحدة حتى اليوم. وتلتها عمليّات فصل المؤيّدين له، ممّا أدّى إلى إحداث شرخ كبير فيها، وانقسمت "فتح" إلى تيّارين: الأوّل مؤيّد لرئيسها محمود عبّاس الذي أصدر قرار فصل دحلان ، والثاني "إصلاحيّ" مناوئ له بقيادة دحلان.
وفي هذا السياق، أشار عضو المجلس الثوريّ السابق في حركة "فتح" الدكتور عبد الحميد المصري، من غزّة، والّذي تمّ فصله قبل نحو عامين من المجلس، وهو أحد مؤسّسي التيّار في غزة مع دحلان، في حديثه مع "الـمونيتور"، إلى أنّ التيّار هو جزء من حركة فتح، ويسعون من خلاله إلى إصلاحها، وقال: "نريد إصلاح كلّ التشوّهات الّتي طرأت على النّظام الداخليّ للحركة والتعدّي عليها واستيلاء بعض القادة الفاسدين على القرار فيها، مثل قضيّة فصل محمّد دحلان وزملائه من أعضاء المجلس الثوريّ، وأنا من بينهم، ونحن لا نعتبره فصلاً قانونيّاً لأنّه لم يسلك القنوات القانونيّة داخل أطر الحركة كالحصول على تصويت ثلثي المجلس الثوريّ في الفصل للموافقة على فصل الأعضاء، لذلك فقيادات وأعضاء كثيرون في حركة فتح يرفضون هذا الفصل".
إنّ التيّار، الّذي تمتدّ قاعدته الشعبيّة في أوساط الحركة داخل المناطق الّتي تتواجد فيها خارج فلسطين، والضفّة الغربيّة وقطاع غزّة. يدير العديد من المؤسّسات الخيريّة الّتي تتلقّى الدعم الماليّ والمساعدات، بحسب ما أشار عبد الحميد المصريّ، الّذي قال أيضاً: "هناك جزء من أعضاء التيّار ما زال يمارس دوره ضمن الهيكل الرسميّ لحركة فتح في الداخل والخارج، وهم كوادر ومسؤولون في الحركة، وجزء آخر يمارس دوره من خلال المؤسّسات الّتي نديرها، وكلّ شخص منّا قد يكون يدير مؤسّسة لوحده، لكنّ المال الّذي يأتي من الخارج عبرها هو لكلّ الشعب الفلسطينيّ، وليس للتيّار الإصلاحيّ".
ورأى أنّ التغييرات والقضاء على الفساد داخل "فتح" سيكونان نهاية حتميّة لمشاكلها، وقال: "أعتقد أنّ أصوات عبّاس ومن حوله من الأعضاء الحاليين في حركة فتح ممّن عارضوا عودة أعضاء التيّار الإصلاحي، الّذين قالوا لا لسياسة التهميش والعزل والاضطهاد والقهر الّتي مورست ضدّهم، هي أقليّة. وفي المقابل، فإنّ الأصوات الّتي تنادي برجوع الأعضاء إلى حضن الحركة وممارسة دورهم الطبيعيّ هي الأغلبيّة. وبالتّالي، فإنّ عبّاس ليس قدراً حتميّاً على فلسطين أو حركة فتح، فجاء قبله ياسر عرفات وتوفي وبقيت فتح، وسيذهب عبّاس وتبقى فتح".
لقد حاول مراسل "المونيتور" التواصل مع قيادة حركة "فتح" في قطاع غزّة الموالية لمحمود عبّاس، غير أنّ محاولاته باءت بالفشل لعدم رغبتها في الحديث عنه.
لقد شهدت حركة "فتح" منذ تأسيسها في الأوّل من كانون الثاني/يناير من عام 1965 عدداً محدوداً من التصدّعات السياسيّة والانشقاقات الداخليّة، بدءاً من انشقاق مدير مكتب الحركة في العاصمة العراقيّة بغداد صبري البنّا المعروف باسم أبو نضال، مؤسّساً بذلك الجماعة المنشقة عن فتح التي أسماها "حركة فتح- المجلس الثوريّ" في عام 1974، رفضاً منه لما أسماه الحلول السلميّة للقضيّة الفلسطينيّة، والّتي وصفها بـ"الاستسلاميّة"، وتلاه الانشقاق الثاني لبعض قيادات الحركة في منطقتي تعلبايا وتعنايل اللبنانيتين في عام 1983، والّذي أطلق عليه "الحركة التصحيحيّة"، الّتي عرفت في ما بعد باسم "فتح الإنتفاضة"، مدعومة من نظام الرئيس السوريّ الراحل حافظ الأسد.
ورغم تلك الانشقاقات المحدودة السابقة وتأسيس فصائل صغيرة اعتبرها مؤسّسوها امتداداً طبيعيّاً لـ"فتح"، إلاّ أنّ الحركة "الأمّ" استعادت وحدتها سريعاً، لكنّ السؤال اليوم: هل يفكّر مؤسسي"التيّار الإصلاحيّ" الجديد بإنشاء جسم سياسيّ جديد ومستقل يمثّلهم أم لا؟!.
في هذا المجال، قال المحلّل السياسيّ أكرم عطالله لـ"المونيتور": على الرغم من مرور أربع سنوات تقريبا على فصل دحلان وأنصاره من الحركة، من غير المعروف حتّى الآن، هل سيشكّل دحلان ومن معه حزباً جديداً أم يعود إلى المنافسة داخل حركة "فتح بناء على أي مصالحة قد تتم بينه وبين الرئيس عباس؟".
أضاف: "أحياناً يكون هناك شعور بأنّ العمل يسير نحو تشكيل حزب مواز. وأحياناً أخرى، نشعر بأنّ العمل يجري على العودة إلى الحركة. ولهذا، فإنّ الأمر يختلف عمّا حصل من انشقاقات سابقة في الحركة أو حتّى داخل فصائل فلسطينيّة أخرى كما حصل في انشقاق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انشقت إلى حزبين في العام 1968، فالأمر غير معروف حتّى الّلحظة إلى أين ستصل هذه المشكلة."
ورأى أكرم عطالله أنّ تاريخ "فتح" يؤكد وجود تجارب انشقاقات قادها قادة كبار منها، مشكّلين تيّارات سياسيّة سرعان ما انعزلت سياسيا، وبقيت الحركة موحّدة، عازياً الأمر إلى أسباب عدّة: "انعزالهم جاء لأنّ من فصل قبل تلك الانشقاقات استخدم السلاح ضدّ المخيّمات الفلسطينيّة في لبنان، وهذا لم يكن مقبولاً، وكان الفصل منطقيا وعادلا. والثاني، أنّ ياسر عرفات كان على رأس الحركة الّتي حافظ على قوّتها. والثالث، أنّه لم تكن لديهم أرضيّة ماليّة تمكّنهم من بناء حزب كبير وقويّ".
ووفق عطالله، فإن تلك الأسباب لم تعد موجودة اليوم، ممّا يعني أنّ عوامل فشل أيّ تيّار مواز لحركة "فتح" "الأمّ" لم تعد قائمة، فياسر عرفات لم يعد موجوداً برمزيّته، ودحلان يمتلك مالاً يؤهّله لبناء حزب، وطريقة فصله من حركة "فتح" جمعت حوله المؤيّدين الّذين اعتبروا الفصل ظلماً، مشيرا إلى أنّ وحدة حركة "فتح" بعد ظهور هذا التيّار باتت على المحكّ، خصوصاً بعد توسّع رقعة الخلاف بين تياريّ دحلان وعبّاس، وقال: "الأمر سيؤثّر على وحدة حركة فتح، هذا خلاف شديد داخلها، وواضح أنّه تعزّز بعد فصل دحلان. وبالتّالي، بدأ في الآونة الأخيرة يظهر على الأرض سواء في المناسبات العامّة السارّة أم الحزينة، إذ أصبحنا نرى قطبين في حركة فتح وتيّارين ووفدين".
عزي فشل الانشقاقات السابقة في حركة "فتح" إلى انعدام البيئة الخصبة لاستمرارها ونجاحها، غير أنّ الظروف اليوم تبدّلت، ممّا يعزّز مخاوف البعض من تحوّل "التيّار الإصلاحيّ" الجديد إلى "حزب منشقّ".[2]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الهامش
- ^ نادية سعد الدين (2016-02-23). "القيادة الفلسطينية تعرب عن استيائها - مؤتمر للتيارالإصلاحي في حركة فتح". صحيفة الغد الفلسطينية.
- ^ محمد عثمان (2016-04-05). ""التيّار الإصلاحيّ" في حركة "فتح"... تصحيحيّ أم انشقاقيّ!". المونيتور.