الأمة العربية بين الثورة والانقراض
المؤلف | علاء الدين الأعرجي |
---|---|
اللغة | العربية |
الناشر | |
الإصدار |
الأمة العربية بين الثورة والانقراض، هو كتاب من تأليف علاء الدين الأعرجي. يكشف فصول الكتاب تفسيراً لأزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي عن سلسلة من المحاور التي تدعم رؤيته القائلة انه ما لم تجد الأمة العربية سبيلا لتدارك، أو معالجة، مصادر وأسباب تخلفها، فانها سائرة في طريق الإنقراض، مثلها مثل العديد من الأمم والحضارات التي انقرضت عبر التاريخ البشري.[1]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فكرة الكتاب
التخلف الحضاري
حسب مؤلفه، علاء الدين الأعرجي: أفترض في كتابي عن: “الأمة العربية بين الثورة والانقراض” أن “تخلفَنا الحضاريّ” ولاسيما الفكري والعلمي والتكنولوجي، هو الذي أدى إلى جميع الإشكاليات والنَكَبَات التي حصلت وستحصل للأمة العربية. وليس لي فضل في اكتشاف هذه الحقيقة، لكنني اقتنعت بها من خلال تلمذتي على يد أستاذي علي الوردي أولاً،[1] ثم زادت قناعتي بها خصوصاً، بعد أن خاب ظني بالثورات/الانتفاضات التي حصلت منذ منتصف القرن الماضي،(مصر، العراق، ليبيا سوريا، الجزائر …). فشعرت أن “الآخر” ليس وحده المسؤول عن بؤس أوضاعنا، بل نحن المسؤولون عن ذلك في المقام الأول، بسبب تخلف عقلنا المجتمعي، ذلك التخلف الذي ورثناه، لاسيما من الفترة المظلمة التي أعقبت العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية، التي استمرت سبعة قرون تقريباً. وقد تَبَلْوَرَتْ لديّ هذه الفكرة خصوصا بعد هزيمة الـ 67 التي فسّرتها بنفس السبب، لاسيما بعد اطلاعي على كتاب غالي شكري” النهضة والسقوط في الفكر المصري الحديث”. ثم مطالعاتي المتواضعة، خصوصاً لقسطنطين زريق، لاسيما في كتابه “في معركة الحضارة”، كذلك مؤلفات محمد عابد الجابري ومحمد جابر الأنصاري وفؤاد زكريا ومحمد جواد رضا ومحمد أركون وغيرهم.[2]
وهكذا كانت فكرة التخلف محوراً رئيسياً لمعظم كتاباتي. وقد فصّلتُ في الفصل الأول من هذا الكتاب تحت عنوان “الثورة العلمية والتكنولوجية نعمة أم نقمة؟”، أبعاد هذا التخلف وتأثيره على فشل مشروع النهضة العربية.
نتائج التخلف المدمّرة
قلنا إن هذا التخلف قد أدى إلى جميع نكباتنا ابتداء من نكبتنا في القضية الفلسطينية إلى فشل جميع ما يسمى بالثورات/الانقلابات العربية التي حدثت منذ منتصف القرن الماضي، إلى الإخفاق في استثمار الثروات الطبيعية والبشرية الهائلة التي يتمتع بها الوطن العربي.
وكنا نأمل من الثورة الشعبية العربية الأخيرة، التي انبثقت منذ مطلع عام 2011، أن تكون فاتحة لنهضة عربية جديدة،[2] إلا أن بعض الحركات الإسلامية الرجعية، التي تمثل قمة التخلف، ولاسيما المتطرفة والتكفيرية، انتعشت وتمددت، وتمكن بعضها من الاستيلاء على أجزاء كبيرة من أراضي الوطن العربي، وأصبح يهدد جميع البلدان العربية الأخرى. وهذه الحركات وعلى رأسها “داعش” تمثل أقصى درجات التخلف والجهل.
كذلك أدى هذا التخلف إلى ضَعفِنا، وتفرُقِنا، وتفاقمِ خلافاتنا المذهبية والعرقية والعشائرية، الأمر الذي نتج عنه هذه الحروبِ الأهلية والبينيّة المستعرة اليوم (منتصف2015) في معظم البلدان العربية، حيث تشترك فيها معظم البلدان العربية، وبعض البلدان المجاورة، بشكل مباشر أو غير مباشر (بالوكالة). ومعظم هذه الحروب إن لم يكن جميعها، تتصل في جذورها، بخلافات طائفية أو عشائرية، تختلط فيها المصالح والرغبة بالنفوذ.
وفي هذا الجو المختلط والمفعم بالعواصف والصراعات قد يشترك “الآخر” (إسرائيل مثلاً) بشكل غير مباشر، في تأجيج النار، أو/ و تحريض أحد الأطراف على الآخر، بل مساعدته للمضي في الصراع دون هوادة، لتحقيق أهدافه في تقسيم البلدان العربية وتفتيتها.
الفجوة الحضارية
ونتيجةُ هذا التخلفِ أيضاً، حصلتْ فجوةٌ حضاريةٌ، ولاسيما علمية وتكنولوجية، وبالتالي بنيوية، بيننا وبين العالم المتقدم، (بما فيه إسرائيل) وهي تتزايد بمرور الزمن. وكلُما ازدادتْ الفجوةُ عُمقاً واتساعاً، ازدادتْ سلطةُ “الآخر” علينا، بشكل مباشر أو غير مباشر. لذلك نرى إسرائيل تصول وتجول، وتضرب أهدافاً معينة في عمق الوطن العربي ولاسيما في سوريا، بلا رادع. وهذه رسائل إلى جميع البلدان العربية الأخرى، تقول: نحن لكم بالمرصاد، فتأدبوا!!! هذه النقطة، -أقصد الفجوة العلمية والتكنولوجية بيننا وبين الآخر ولاسيما إسرائيل- تكاد تكون غائبةً عن اهتمام المفكرين والمعنيين العرب، مع أهميتِها وخطورتِها. فإنني لم أعثر إلى الآن على من تعرض لها. وقد أثرت هذه النقطة في حواري المسهب مع المفكر محمد عابد الحابري.
انقراض الأمة العربية
وأرى أن هذا التخلفَ، إذا استمر على هذا المنوال، سيؤدي في النهاية إلى انقراض الأمة العربية، باعتبارها كياناً يتميز بـ”عقل مجتمعي” يتكون من منظومة ثقافية تتشكل من لغة وتاريخ وتراث مشترك، ونحن نعلم أن الأمم/ الحضارات، تظل على فراش الموت مئات السنين، قبل أن تسلم الروح. وقد توقع المؤرخ المعروف أرنولد توينبي للعرب والمسلمين هذا المصير في كتابه الموسوعي “دراسة للتاريخ” Study of History.
بعض مؤشرات السقوط: وقد وضعتُ في كتابي هذا عشرة مؤشرات أو مظاهر تؤكد مسيرتَنا في طريق الانقراض. منها:
1)الاحتلال الاستيطاني المباشر المتمدد، وغير المباشر المتشعب (إسرائيل)، الذي يواصل سريانه في شرايين الأمة وتخومها لاسيما إذا تحقق التطبيع أو بالأحرى، التطويع.
2)الحروب الخارجية والبينية والأهلية المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن، على الأقل.
3) النزوح الداخلي والخارجي: الهجرة الجماعية والفردية للملايين من مختلف البلدان العربية ولاسيما أثناء الصراعات المسلحة كما يحدث اليوم، وهجرة العاطلين والفقراء إلى الخارج للبحث عن لقمة العيش.
4) تفتيت البلدان العربية إلى دويلات صغيرة وضعيفة، على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي.
5) تزايد الفجوة الحضارية بين العرب والمجتمعات الحداثية، بتقدم الزمن، كما أسلفنا.
6) والأهم من كل ذلك، غفلة الأمة أو عدم وعيها الكافي لهذا المصير الوشيك الذي يتهددها.
بل نُلاحظ أن الكثير من العرب المسلمين يساهمون، دون وعي، في تعجيل هذا المصير بسلوكهم غير المسؤول في كثير من الحالات، منها على سبيل المثال، نشر بذور الفتنة الطائفية بين مختلف فئات الوطن الواحد، بسبب اختلاف المذهب أو الطائفة أو الدين. إن مجرد التعصب لمذهب المتكلم ورفض المذاهب الأخرى أو تسخيفها، أو وضعها في موضع أدنى، يؤدي إلى ردود فعل متشنجة، معاكسة، وبالتالي إلى إشعال نار الفتنة.
“يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوه”
وفي الحديث الشريف “إن الأحمقَ يصيب بجهله اكثرَ من فجور الفاجر” (عن أنس بن مالك)
ويقول الشاعر:
لا يُدرك الأعداءُ من جاهل ما يدرك الجاهل من نفسه
السؤال الكبير، الجواب؟
السؤال الذي طرحته على نفسي، وهو نفس السؤال المطروح منذ قرنين تقريباً: هو لماذا تخلفنا وتقدم الآخر؟
ومع أن هذا الموضوع قد أعيا جمهور المفكرين العرب، وكُتب فيه الكثير، لاسيما في العصر الحديث، ومنهم علي الوردي ومحمد جواد رضا وزكي نجيب محمود وحسن حنفي وفؤاد زكريا ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون وغيرهم الكثير. إلا أنني تجرأت في أن أدليَ بدلوي الصغيرة بين دلاء عمالقة الفكر العربي المعاصر. وذلك سعياً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كمحاولة لمعالجة هذا التخلف كواقع قائم. لذلك حاولنا تشخيص الداء قبل كل شيء، باعتبار أن تشخيص الداء قد يكون نصف الدواء. فطرحنا ثلاث فرضيات/ نظريات متواضعة تحاول تشخيص المرض، وربما وصف الدواء، هي: نظرية العقل المجتمعي، ونظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل، ونظرية عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة قبل وصولهم إلى الحضارة، أو بالأحرى “التحضر”، أي مجرد سكنى المدن، وليس الحضارة بمعناها الحديث، الذي يتضمن الرقي الفكري، المادي والمعنوي، كما شرحناها سابقاً.[5]
وأنا أطرح هذه النظريات على حضراتكم وآمل بكل إخلاص مناقشتها ونقدها، معترفاً بأنني قد أكون قد جانبت جادة الصواب، لذلك أتوقع ملاحظاتكم، التي أرحب به بكل سرور.
النظرية الأولى
تفترض أن لكلِ مجتمعٍ، بصفته كياناً اعتبارياً مستقلاً، عقلاً” خاصاً به، أطلقنا عليه مصطلح “العقل المجتمعي”Societal Mind,. وهو يمثِّل سلطةً خفيَّةً قاهرة تتحكَّم بسلوك أفراد المجتمع وتصرُّفاتهم، دون وعيهم بها. وتتكوَّن من منظومة واسعة من القِيَم والمبادئ والأعراف والعادات والمعتقدات والمسلَّمات… السائدةً لدى الجماعة، والتي تَخَلّقَتْ وتبلورتْ خلال مسيرة المجتمع التاريخية وصيرورته التطورية، أي من خلال تفاعلات الأحداث والمجريات الديالكتيكية وتراكماتها البنيوية، منذ أقدم العصور حتَّى يومنا هذا.
ونحن كأفرادٍ نخضعُ لهذا العقل، لأننا نتغذى، من مبادئه وقيمه، وأوامره ونواهيه، منذ طفولتنا المبكرة، بل نكتسب معتقداتِنا منه تلقائيا وبلا شعور. وبناءً على هذه النظرية، ليس لإرادتنا الشخصية المحضَّة، في الغالب، أيُّ دورٍ في اختيار قيَمنا وعقائدنا بل نظرتنا إلى العالم. فلو نظرنا إلى أنفسنا بعمق للاحظنا أننا صنيعة محيطنا: من أسرتنا إلى أصحابنا إلى مدرستنا. فمعتقداتنا الأساسية نأخذها من أسرتنا. فنحن نصبح مثلاً مسلمين (شيعة أو سنة) أو مسيحين أو يهود لأننا نتربى على هذه العقيدة أو تلك. فأين إرادتنا الشخصية المحضة؟ ولكن هناك استثناءات تفسرها نظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل المذكورة أدناه.
وهناك مثالٌ مفترض ولكنه ممكن، أسوقه أحياناً لتوضيح هذه النفطة. فلو تصورنا امرأتين في مستشفى، إحداهما مسيحية والأخرى مسلمة، يُنجبان في الوقت نفسه تقريبا ولدين. فقد يختلط الوليدان، كأي خطأ بشري محتمل، عند قيام الممرضة، أو الممرضات القابلات، بتحميم الطفلين، أو عند وضع سوار الهوية، فيأخذ الطفل المسلم السوار المخصص للمسيحي ويأخذ المسلم السوار المخصص للمسيحي. وينشأ كلٌ منهما في بيئته العقائدية المعينة، وقد يصبح أحدهما قسّاً ملتزماً والآخر شيخاً أصولياً، وقد يلتقيان في مجال المناظرة الكلامية، فمن الطبيعي أن يدافع كلٌ منهما عن عقيدته بحماسة شديدة وبكل الحجج والبراهين الممكنة.
والحقيقة المضحكة المبكية أننا جميعا تقريباً كعرب، صنيعة هذه السلطة القاهرة، أو “سجناء” في سجنها المحاط بأسوار محكمة، ومراقبين مراقبة شديدة من جانب سجانين لا يرحمون، هم أنفسهم مسجونين معنا، ولكنهم لا يعلمون!.
النظرية الثانية
هي “نظرية العقل الفاعل والعقل Passive Mind Active Mind and ، التي تختص بالفرد بدلاُ من المجتمع. وهي تترابط وتتكامل مع النظرية الأولى، مع أنها تتميز عنها تماماً . وكلاهما ينطبقان على جميع المجتمعات، في كل زمان ومكان.
العقل الفاعل هو تلك المَلَكة الطبيعية التي منحها الله للإنسان منذ ولادته، والتي تُميزه عن الحيوان. وأهم ما تتسم به هذه الملكة هو الفضول أو حُبّ الاستطلاع وقد طوَّرَها عالم النفس “بياجيه Jean Piaget ” إلى مبدأ الميل نحو المعرفة. ويرى أن البنى المعرفية للطفل هي استعدادات توجد لكل طفل، وهي بمثابة قوالب فارغة لدى الطفل الوليد.
ونحن نضيف أن “العقل المجتمعي” هو الذي سيقوم بدوره في ملء هذه الفراغات، لأن الطفل يأخذ ما يتوفر حوله من قيم وعادات وأعراف ومسلّمات جاهزة في العقل المجتمعي، كما أسلفنا.
ولكن قد تظل هذه الملكة حيّة، أو تستيقظ بعد نوم طويل، لدى بعض الأشخاص القليلين الذين يميلون إلى التفكير العميق، لاسيما إذا توسعت آفاقهم العقلية والمعرفية عن طريق الاطلاع على مختلف الاتجاهات الفكرية عن طريق المطالعة المتأنية. وقد ترقى إلى حد الشك بمبادئ العقل المجتمعي السائدة، فيُشرع صاحب العقل الفاعل بتمحيصها ونقدها، وقد يكتشف في بعضها ضرراً للمجتمع نفسه. وسأشرح هذه النقطة أكثر في فقرة قادمة.
أما العقل المنفعل فهو ملكة مكتسبة من المحيط، الذي يُمثّله “العقل المجتمعي”، يستخدمها الفرد في التعامل مع مجتمعه، وفي اتخاذ قراراته ويميز بها بين الخير والشر والصالح والطالح، والصحيح والخطإ، وذلك بناء على اعتبارات “العقل المجتمعي” السائدة،(كما حددناه أعلاه)، التي يتخذها معياراً لجميع أحكامه. ويتكون العقل المنفعل لدى كل فرد تدريجيا، أثناء مرحلة الطفولة المتأخرة، وما بعدها، على حساب العقل الفاعل، الذي يتراجع لصالح العقل المنفعل، بسبب ضغوط العقل المجتمعي. وفي مراحل العمر المتأخرة، يظل الفرد العاديُّ محافظاً على عقله المنفعل، بسبب سلطة العقل المجتمعي القاهرة.
القاعدة والاستثناء
إذاً يصبح هذا العقل المنفعل المسيطر الوحيد على أفكار الفرد وتصرفاته، وينسى وجود عقله الفاعل، الذي يتضاءل أو يتلاشى تدريجياً. وهذا التنظير يسري على الفرد العادي في كل زمان ومكان. ولكن هناك استثناء.
الاستثناء، هو أن بعض الأشخاص في المجتمع، يعودون إلى إحياء عقلهم الفاعل، فيشرعون بالتشكيك بمبادئ العقل المجتمعي وقِيَمه ومُسَلماته، بل قد يلاحظون مدى ضررها على المجتمع نفسه. وقد يفصحون عن ذلك، فيلقوَن الأمرّين من حُرّاس العقل المجتمعي، ومنهم الكثير من رجال الدين ورجال السلطة الحاكمة. وأولئك المشككون، هم الذين تُضفى عليهم صفة الريادة، ومنهم الفلاسفة مثل سقراط الذي أعدم، والأنبياء من أمثال موسى وعيسى (صُلب) ومحمد (اضطُهِدَ وكاد يُقتل). وفي بداية عصر النهضة الأوربية، القس جوردانو برونو(أحرق حياً لاتهامة بالهرطقة) وغاليلو الذي حوكم لينكر دوران الأرض حول الشمس كما صرح، بناء على نظرية كوبر نيكس. وفي العصر الحديث نذكر منهم الشيخ علي عبد الرازق، صاحب كتاب “الإسلام وأصول الحكم”(طُرد من القضاء والجامعة، وحُرم من درجة العالِمية) وعلي الوردي صاحب كتاب “وُعّاظ السلاطين” وغيره (اضطهدته السلطة والناس من ذوي العقل المنفعل)، ونصر حامد أبو زيد، صاحب كتاب” مفهوم النص” وغيره (طُلِّق من زوجته باعتباره مرتداً). وفرج فودة صاحب كتاب” الحقيقة الغائبة” (قُتل) ومحمود محمد طه(أُعدم).
أي أننا نقتل كل من يحاول أن يجتهد، أو ينقدَ بعقله الفاعل، علماً أن هؤلاء هم الذين يبنون صرح الحضارة. ومن جهة أخرى فإن هذه رسائل يُبعث بها لكل من تسوِّل له نفسه ممارسة النقد أو الاجتهاد أو كشف الحقائق بعقله الفاعل، قائلين له: سيكون مصيرك كمصير فرج فودة مثلاً. وهكذا نعيد إنتاج تخلفنا الحضاري. بل هكذا وصلنا إلى هذه المرحلة من التردي في جميع مجالات الحياة بل إلى هاوية الداعشية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
النظرية الثالثة التي تفسر تخلف العرب
تفترض أن العرب لم يمروا بمرحلة الزراعة التي من شأنها محو الخصائص البدوية الراسخة في عقلهم المجتمعي. فقد انتقل العرب بعد الإسلام من حالة البداوة إلى حالة التحضر”، أي سكنى المدن، وليس “الحضارة” بمعناها الحديث. فعندما حقق العرب المسلمون فتوحاتهم الكبرى ولاسيما في منطقة الهلال الخصيب ومصر، رَحَلَ الكثير من سكان وسط الجزيرة العربية، الذين كان معظمهم من البدو الرُحَّل، والذين كانوا يعيشون غالباً على حافة المجاعة، إلى تلك البلدان كفاتحين، حيث كان رَغَدُ العيش والثروة بانتظارهم. سأل الخليفة عُمر مبعوثَ أحدِ عُمّاله في العراق: “كيف حال المسلمين؟‘ فقال: “إنثالتْ عليهم الدنيا، فهم يهيلون الذهبَ والفضَّة”. ومن جهة أخرى، فالعرب كانوا يكرهون الزراعة. وينسب إلى الرسول(ص) أنه قال “ما دخلتْ هذه السكة دار قوم حتى دخلها الذُل”، يقصد المحراث. (عن البخاري)
والعقلية العشائرية(العقل المجتمعي البدوي) ما تزال سائدة في بعض البلدان العربية ولاسيما في بلدان الخليج وفي العراق وسوريا والأردن وليبيا. وقد علمتُ مؤخراً أن بعض العشائر العراقية أخذت تطبق أعرافها العشائرية لفض النزاعات، فيما بينها. علماً أن المجتمعات الخليجية تمر اليوم بنفس المرحلة التي مرّ بها العرب بعد الفتوح الإسلامية. وقد كرّست في كتابي الصادر مؤخراً فصلا مُسهباً خاصاً يبحث هذا الموضوع.
وقد ابدى الأستاذ صبحي غندور (بعد المحاضرة) ملاحظة ترفض تعميم هذه الظاهرة. إذ يرى أنها تصدق على أمكنة محدودة فقط من البلاد العربية التي نعرفها اليوم ولا يجوز بالتالي تعميمها. وقد وافقت على هذه الملاحظة بضرورة بعدم جواز التعميم الذي حصل سهواً أو تعجلاً في الكلام، وبأن هذه النقطة تستحق المزيد من التمعن والبحث لاسيما من خلال مقدمة ابن خلدون. وقد شرحت هذه النظرية تفصيلاً في كتابي الصادر مؤخراً بعنوان” الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة”.
فصول الكتاب
يتألف كتاب الأمة العربية بين الثورة والانقراض من ثمانية فصول، وعدد من الملاحق، منها ملحق بالمشاريع العملية التي طرحها المؤلف كمحاولة لتفعيل مشروعه النظري وتطبيقه على أرض الواقع. ومنها إنشاء “مركز ثقافي عربي أمريكي” في نيويورك. على غرار معهد العالم العربي في باريس، قد يشكل مركزاً للحوار بين الحضارات. ومشروع إنشاء موسوعة التراث العربي الإسلامي، ويكمّله مشروع إعادة كتابة التاريخ العربي الإسلامي، حيث يدوَّن تاريخنا وتراثنا بمنهج موضوعيٍ نقديٍ دقيق وموثّـق. ومشروع إنشاء “منظمة شعبية عربية” أو “جامعة شعبية عربية” تمثل الشعوب العربية، تقف إلى جانب الجامعة العربية الحالية، التي تمثل الحكومات العربية فقط، أي لا تمثل الشعوب.
يبحث الفصل الأول في مسألة تحصيل العلم والتكنولوجيا وتقصيرِنا الفاحش في الأخذ بها، على الرغم مما يملكه الوطن العربي من ثروات طبيعية وبشرية. بينما تمكنتْ أممٌ أخرى كانت تعتبرُ متخلفة قبل نصف قرن، من التقدم واللحاق بالدول المتقدمة، ومنها كوريا الجنوبية ودول النمور الآسيوية(سنغافورة وهونغ كونغ وتايوان).
الفصل الثاني وعنوانه “مدخل لإرساء نظرية الحرب العامة”، تأصيل وتنظير ظاهرة الحرب التي رافقت البشرية منذ بداياتها، وخلفت مئات الملايين من الضحايا؛ وتساءلنا لماذا يتزايد أوار الحرب بزيادة التقدم الحضاري؟ بدليل أن ضحايا الحروب التي حدثت في القرن العشرين، وهو أكثر القرون تقدما، قد بلغت قرابة175 مليون، بل بدأت الحروب الطاحنة تتزايد منذ مطلع هذا القرن، الحادي والعشرين، ما أسفر عن عدة ملايين من القتلى والجرحى والمشردين والمعوقين.
يناقش الفصل الثالث إشكالية الصراع بين “التراثِ والحَداثـة”، باعتبارها تشكل إحدى مظاهر “أزمة التخلف الحضاري في الوطن العربي”. وقد حاولنا في هذا الفصل أن نستعرض باختصار مختلف الاتِّجاهات السائدة بشأن تلك الإشكاليَّة، ابتداءً من الاتِّجاهِ السَّـلَفيِّ المُعارض تمامًا للحَداثة، إلى السَّلَفيِّ المعتدل الذي يُوافقُ على الأخذ ببعض جوانب الحداثة، التي لا تـتعارضُ مع قِـيَمـِنا ومعتقداتِـنا وشريعتنا، إلى الـحَداثيِّ الذي يرى أنَّ التراثَ يُشكِّـلُ عِـبئًا على الأمَّة ينبغي وضعُه في المتاحف لمُجرَّد (الفُرجة)، إلى الـحَداثيِّ المعتدِل الذي يرى أن نأخذَ من التراث ما لا يتعارضُ مع الحداثة”.
المصادر
وصلات خارجية
- سوريا
- ابن خلدون
- الجزائر
- كوريا الجنوبية
- باريس
- علي الوردي
- محمد عابد الجابري
- أنس بن مالك
- العراق
- الإسلام وأصول الحكم
- علي عبد الرازق
- أرنولد توينبي
- معهد العالم العربي
- سقراط
- فرج فودة
- نظرية العقل المجتمعي
- جوردانو برونو
- الأمة العربية بين الثورة والانقراض
- الأمة العربية الممزقة بين البداوة المتأصلة والحضارة الزائفة