أرنولد توينبي
- هذه الصفحة هي عن المؤرخ العام أرنولد جوسف توينبي؛ أما إذا كنت تريد عمه، المؤرخ الاقتصادي أرنولد توينبي، انظر أرنولد توينبي (مؤرخ اقتصادي). للأشخاص الآخرين من عائلة توينبي والمقالات المتعلقة، انظر صفحة التوضيح توينبي.
أرنولد جوسف توينبي Arnold Joseph Toynbee | |
---|---|
وُلِدَ | |
توفي | 22 أكتوبر 1975 | (aged 86)
المدرسة الأم | كلية ونشستر كلية باليول، أكسفورد |
المهنة | مؤرخ |
الزوج | روزاليند مري (ز.1913 ط.1946) |
الأنجال | أنتوني توينبي فيليپ توينبي لورنس توينبي |
الأقارب | أرنولد توينبي (عمه) |
أرنولد جوسف توينبي ولد في 14 أبريل 1889 في لندن وتوفي في 22 أكتوبر 1975. أهم أعماله " دراسة للتاريخ" وهو من أشهر المؤرخين في القرن العشرين .
وُلِدَ أرنولد تُوينبي في لندن، في عام 1889، ودرَسَ اليونانية واللاتينية في أكسفورد، وتقلَّب في عدَّة مناصب، منها: أستاذ الدراسات اليونانيَّة والبيزنطيَّة في جامعة لندن، ومدير دائرة الدراسات في وزارة الخارجية البريطانية؛ وتُوفِّيَ في عام 1975.
يُعتبرُ تُوينبي أحدثَ وأهمَّ مُؤرِّخ بحَثَ في مَسألة الحضارات بشكلٍ مُفصَّلٍ وشامِل، ولاسيَّما في موسوعته التاريخيَّة المُعنونَة “دراسة للتاريخ” التي تـتألَف من اثـني عشرَ مُجلَّدًا أنفق في تأليفها واحدًا وأربعين عامًا. وهو يَرى، خِلافًا لمُعظم المؤرِّخين الذين يعتبرون الأُمَم أو الدُول القوميَّة مَجالاً لدراسة التاريخ، أنَّ المُجتمعات (أو الحضارات) الأكثر اتِّساعًا زمانًا ومكانًا هي المجالات المعقولة للدراسة التاريخيَّة. وهو يُفرِّقُ بين المُجتمعات البِدائيَّة والحَضاريَّة؛ وهذه الأَخيرة أقلُّ عددًا من الأُولى، فهي تبلغُ واحدًا وعشرين مُجتمعًا اندثَرَ مُعظمُها، ولم يبقَ غيرُ سبع حضارات تمرُّ ستٌّ منها بدَور الانحلال، وهي: الحضارة الأُرثوذكسية المسيحية البيزنطية، والأُرثوذكسية الروسية، والإسلامية، والهندوكية، والصينية، والكورية-اليابانية؛ أمَّا السابعة، أي الحضارة الغربية، فلا يُعَرف مصيرُها حتَّى الآن. [1] [2] [3]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
تفسير التاريخ
ويُفسِّرُ تُوينبي نشوءَ الحضارات الأُولى، أو كما يُسمِّيها الحضارات المُنقطعة، من خلال نظريَّته الشهيرة الخاصَّة بـ"التحدِّي والاستجابة"، التي يعترفُ بأنَّه استلهمَها من عِلم النَفس السلوكيّ، وعلى وَجه الخصوص من كارل يونگ (1875–1961). ويقول هذا العالم إنَّ الفَرد الذي يتعرَّضُ لصدمةٍ قد يفقدُ توازُنَه لفترةٍ ما، ثمَّ قد يستجيبُ لها بنوعَين من الاستجابة: الأُولى النكوص إلى الماضي لاستعادته والتمسُّك به تعويضًا عن واقعه المُرّ، فيُصبح انطوائيًّا؛ والثانية، تقبُّل هذه الصدمة والاعتراف بها ثمَّ مُحاولة التغلُّب عليها، فيكون في هذه الحالة انبساطيًّا. فالحالة الأولى تُعتَبرُ استجابةً سلبيَّة، والثانية إيجابيَّة بالنسبة لعلم النفس. (لاحظْ أنَّ ذلك ينطبقُ على حالة العرب، فإنَّهم تعرَّضوا لصدمة الحضارة، فلجأوا إلى النكوص إلى الماضي دفاعًا عن النفس).
كيف طبَّق تُوينبي هذه النظريَّة على نشوء الحضارات؟ يقول في تفسير ذلك إنَّ المجتمعات البدائيَّة لدى مُواجهتها تحدِّياتٍ بيئيَّة أو بشريَّة مُعيَّنة تستجيبُ استجاباتٍ مُختلفة، أي إنَّها تُواجه ذلك الحافزَ برُدودِ فِعلٍ تختلفُ من جماعةٍ إلى أُخرى، بعضها سلبيَّة وبعضها إيجابيَّة.
وعلى هذا المِنوال يُفسِّر ظهورَ الحضارات الأصليَّة الأُولى في كلٍّ من وادي الرافدين ووادي النيل، فيقول: كان السهل الأفروآسيويّ (أي جنوب شبه الجزيرة العربيَّة وشمال إفريقيا) يتمتَّع بجوٍّ مُعتدل ومَراعٍ شاسعة ومياهٍ غزيرة، خلال نهاية الفترة الجليديَّة الأخيرة، كما ذكرنا سابقا. وكانت الشراذمُ البشريَّة المُنتشرة فيه تعيشُ عيشةً راضية على الصَّيد والقَنص وجمع الثمار والبذور. ولكن حدثَ تغيُّرٌ مناخيّ تدريجيّ في الفترة المُعتدلة أو الدفيئة الأخيرة التي نعيشها الآن، الأمر الذي سبَّب انحباسَ الأمطار وانتشارَ التصحُّر وجفافَ الأنهر. (كما يحدث الآن وبشكلٍ مُستمرّ في بعض أجزاء إفريقيا الوُسطى حيث تمتدُّ الصحراء الكُبرى وتتَّسعُ باستمرار).
وهذا هو نَمطُ التحدِّي الذي واجهَته تلك المجتمعات، فاستجابت له بأساليبَ مُختلفة: إذْ تحوَّل بعضُها إلى قبائلَ رُحَّل تسعى وراءَ الكلإ والماء، وترعى أنعامَها التي تقتاتُ عليها. وانحدر الجزءُ الثاني إلى الجنوب نحو المناطق الاستوائيَّة المُشابهة للبيئة السابقة إلى حدٍّ بعيد، فظلَّ مُحافِظًا على نَمطِ مَعيشته البدائيَّة السابقة إلى يومنا هذا. ورحَل قسمٌ ثالث إلى دِلتا النيل، حيثُ وَاجه أحوالاً طوبوغرافيَّة جديدة تتمثَّلُ بوجود هذا النهر العظيم وتلك البيئة المُختلفة، فكافح عوائقها وسخَّرها لأغراضه، بعد أن اكتشف الزراعة، الأمر الذي أدَّى إلى إنشاء الحضارة المصريَّة الرائعة. كما إنَّ انتقالَ بعض الجماعات من شبه الجزيرة العربية إلى أهوار جنوب العراق والفرات الأسفل تمخَّض عن انبثاق حضارات ما بين النهرين، كما أسلفنا. وبعبارةٍ أُخرى فإنَّ هذه الجماعات قد استجابت إلى التحدِّي الطبيعيِّ بأساليبَ مُختلفة: منها بالبقاء في أرضها وتحوُّلها إلى قبائل بدويَّة، أي كانت استجابتُها سلبيَّة، ومنها بالرحيل إلى مناطقَ جديدة مُختلفة قريبة من الأنهار، حيث أسَّست تلك الحضارات الأُولى، أي كانت استجابتُها ديناميكيَّة حضاريَّة، تعتمد على الحركة أو الهجرة، ثم التغيير والتطوير والإبداع.
أمَّا فيما يتعلَّق بنُموِّ الحضارة، فيُعيدها تُوينبي إلى الدافع الحيوي Elan Vital، وهي الطاقة الكامنة لدى الفَرد والمُجتمع التي تنطلق بغرض التحقيق الذاتيّ. ويعني ذلك كما يقول: “أنَّ الشخصيَّة النامية أو الحضارة تسعى إلى أن تصيرَ هي نفسُها بيئةَ نفسها، وتحدِّيًا لنفسها، ومجالَ عمل لنفسها. وبعبارةٍ أُخرى إنَّ مقياس النموّ هو التقدُّم في سبيل التحقيق الذاتيّ.” ويكون ذلك “عن طريق المُبدِعين من الأفراد، أو بواسطة الفئة القليلة من هؤلاء القادة المُلهَمين”، إذ تستجيبُ لهم الأكثريَّةُ عن طريق المُحاكاة الآليَّة mimesis التي تُمثِّلُ الطريقةَ الغالبة في عمليَّة الانقياد الاجتماعيّ. وتـقود هذه المُحاكاةُ في الجماعة البدائيَّة إلى حركةٍ سلفية تـنزعُ إلى مُحاكاةِ القُدَماء، بينما هي في المُجتمعات الحضاريَّة النامية حركةٌ تقدُّميَّة تُؤدِّي إلى مُحاكاة الطليعة الخلاَّقة. [3]
دور الدين
يرتبط اسم آرنولد توينبي كمؤرخ وفيلسوف للتاريخ، بتقديمه من خلال عمله الضخم «دراسة للتاريخ»، نظرة حية وبانورامية للتاريخ ومفهوماً شاملاً لنمط الوجود البشري منذ بداية الحضارات. وهذه النظرة الشاملة إلى التاريخ هي التي جعلته يتحدى تمركز المؤرخين الغربيين حول تراثهم واعتبارهم أن الحضارة الغربية تقف موقفاً متميزاً ومحتكراً في التاريخ. لذلك، اعتبرت مساهمة توينبي الأساسية في تقاليد المعرفة هي رؤيته للتاريخ البشري من منظور أوسع وتذكيره أبناء حضارته بمساهمات شعوب وحضارات أخرى في التاريخ البشري.
والواقع أنه من الصعب فهم نظرة توينبي العالمية، بل وفلسفته كلها، من دون أن نتعرف إلى مصدرها الرئيسي، وهو الدين، ورؤية توينبي الدينية. وترتكز هذه النظرة على أنه ما دام الله واحداً وهو ما جاءت وبشرت به الديانات العليا وأنبياؤها، يجب أن تكون البشرية واحدة. كذلك، صاغ توينبي تاريخه عن العالم بإحساس ديني بالرسالة، آملاً في أن يساهم هذا التاريخ في تطوير عقلية عالمية اعتبرها شرطاً رئيسياً لحفاظ الإنسان على نفسه، فالبشرية يجب أن تصبح عائلة واحدة وإلا دمّرت نفسها. والواقع أن عقلية توينبي العالمية أثبتت إنسانية وتسامحاً يشبهان، وكما عبر هانزكون، إنسانية تولوستوي وتسامحه، وشقيتنزر ولسنج. وشأنه شأن لسنج، رأى توينبي اليهودية والمسيحية والإسلام تنويعات على لحن واحد، وأنها جميعاً متساوية في رسالتها الكبرى للبشرية، ألا وهي رسالة الوحدة حول ما هو أعلى من الانقسامات العرقية.
وبالنسبة إلى توينبي كان الدين يمثل نداءً وجعله يشعر بأن كل جهد بشري خلاق هو في النهاية جهد قاحل إن لم يدعم بتقدم الإنسان الروحي والاجتماعي. فقد رأينا هذا الإحساس بالرسالة كان في جانب منه نتيجة لاعتقاده أن مصادفة مرضه أنقذته من الحرب العالمية الأولى، الأمر الذي جعله يشعر بحاجة عميقة لمساعدة زملائه من البشر، وأن يعتقد أنه في عالم يناضل من أجل البقاء، فإن عليه التزاماً للمساهمة في فهم طبيعة الأزمة التي حلت بالغرب، وبكل العالم، وأن يقدم لها علاجاً. بهذه النظرة الدينية اعتبر توينبي أنه في دراستنا تاريخ العالم ككل، علينا أن نجعل للتاريخ السياسي والاقتصادي مكانة ثانوية وأن نعطي الأولوية للتاريخ الديني، ذلك أن الدين هو العمل الجاد للجنس البشري. وبالنسبة إلى توينبي، فإن رسالة المؤرخ هي نداء ذات طبيعة خاصة جداً... «إنه نداء الله للبحث عنه والعثور عليه، فالتاريخ هو رؤيا لله وإن كانت رؤية جزئية وضعيفة لله وهو يفصح عن نفسه في أفعال إلى أرواح تنشده بإخلاص». واعتقد توينبي أن مهنته كمؤرخ «هي في النهاية سعي لرؤية الله وهو يعمل في التاريخ»، كما اعتبر أن حقائق التاريخ «هي مفاتيح الطبيعة ومعنى الكون الغامض ومكاننا فيه، وأن الواقع الروحي خلف الظواهر هو الهدف النهائي لكل فضول».
الطبيعة البشرية
وقد نبعت وجهة نظر توينبي حول التاريخ في جزء منها من مفهوم الإنجيل، فإنه من خلال التاريخ تصطدم إرادة الإنسان بتعاليم الله. فالله يظهر للإنسان الطريق إلى الصواب، ولكن الإنسان أيضاً لديه الحرية في تحدي الله، وبينما كانت يد الله تعمل في التاريخ، فقد كان الإنسان هو الذي صنع في شكل أساسي تاريخه الخاص، بذلك جلب الإنسان الثائر المتمرد على نفسه عقاب الله.
كذلك لم يكن مفهوم تويبني عن الطبيعة البشرية منفصلاً عن نظريته الدينية فقد اعتبر أنه في الطبيعة البشرية يكمن «عرق من الشر الشيطاني» يكشف نفسه على المستوى الفردي في تركيز الإنسان على ذاته، وعلى المستوى الاجتماعي في الحروب والخصومات والعداوات الطبقية التي أثبتت أنها مهلكة للحضارات. واعتقد أن الاعتقاد الليبرالي في الخير الجوهري للإنسان هو ضرب من البداهة، فمذابح القرن العشرين دليل كاف على قدرة الإنسان على الشر، غير أن توينبي اعتقد كذلك أن الطبيعة البشرية لديها طاقة كامنة على الخير، وأنه في كل روح بشرية ثمة صراع يجري بين هاتين القوتين الروحيتين المتعارضتين، ومثل هذا الانقسام الروحي يجعل من المجتمع البشري ساحة للحرب المستمرة بين الخير والشر.
ويعتقد توينبي أن الطبيعة البشرية فقدت توازنها، فقد أظهر الإنسان موهبة كبيرة في السيطرة على الطبيعة أكثر من سيطرته على مشاعره الخاصة والحياة مع أقرانه من البشر. وحتى لا يستهلك الشر الإنسان، فإن عليه أن ينشد عون الديانات العليا Higher Religions ويحددها باليهودية، المسيحية، الإسلام، البوذية والهندوسية. ولأن كل إنسان لديه استعداد لأن يتصرف وكأنه مركز الكون، وأن يستغل كل إنسان آخر في العالم، حاولت الديانات مساعدته في التغلب على أنانيته وذاتيته الموروثة، ومساعدة الجماعة على التغلب على عقلية القبيلة المدمرة، وحين يصبح أساس الخبرة والتجربة البشرية هو حب الكائن البشري، فسيعامل الإنسان زميله الإنسان وإخواته البشر باحترام كبير.
غير أن ما جذب توينبي إلى الدين لم يكن نتيجة للالتزام بنظام لاهوتي معين، وإنما الارتباط بالقيم النبوية Prophetic Values، واعتقاده بأن الديانات تمكن الإنسان من أن يجد هدفاً في الحياة، ومن أن يتعامل مع الضغوط والقلق العاطفي، كما أنها تنمي علاقات أفضل بين البشر وتساعد على الرفاهية الاجتماعية. ويجعل الإيمان بالله عند توينبي من الفرد شخصاً أفضل ويبني فيه الضمير الاجتماعي، والقيم الدينية هي فقط التي تستطيع أن تنقذ الإنسان من التكنولوجيا وتجريدها لإنسانيته، والقيم النبوية فقط هي التي تستطيع أن تحول بين البشرية وبين تدمير نفسها.
وفي يقين توينبي أن الإنسان أظهر دائماً مشاعر دينية، ذلك أنه من خلال الدين حاول أن يجيب عن أسئلة جوهرية مثل الهدف من الوجود، ومعنى الموت. وصنف توينبي الديانات عبر التاريخ في ثلاث فئات: عبادة الطبيعة، عبادة الإنسان وعبادة الواقع المطلق Absolute Reality وهو الله. فقد عبر الإنسان عن مشاعره الدينية بعبادة الطبيعة: الحيوانات، المطر، والقمر والكواكب. وكانت آلهة الطبيعة بالنسبة إلى الإنسان البدائي تجسيداً للوجود في ما وراء الطبيعة ولقوى يخضع لرحمتها. وتراجعت عبادة الطبيعة عندما بدأ الإنسان يمارس السيطرة عليها، فالإنسان لا يعبد الأشياء التي تعلم أن يتحكم بها. وفيما استمرت عبادة الطبيعة بعد نشوء الحضارة، فإنها استبدلت بديانة أدنى وهي تقديس الإنسان أو الحاكم المتشبه بالله، أو مؤسسة بشرية مثل الدولة المقدسة. ففي اليونان ألّه اليونانيون أثينا وبذلك أطلقوا الجانب المظلم من الطبيعة البشرية بارتكاب المذابح والاستعباد من أجل جماعتهم التي ألّهوها، وهذا التحويل للجماعة البشرية إلى ما يشبه الله أدى إلى الحرب التي حطمت في النهاية الحضارة الهيلينية. أما الفترة من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن السابع الميلادي فقد كانت بالنسبة إلى توينبي عصر التنوير والتقدم الروحي، وهي الفترة التي بدأت بالأنبياء اليهود وانتهت بمحمد، ويدخل أيضاً ضمن هذه الفترة آخرون من الأنبياء اليهود وملهمي ديانات أخرى مثل بوذا، لاو تزو، وكونفوشيوس، وسقراط.
لذلك، كان توينبي دائم الدعوة لأن يعود الإنسان إلى القيم التي بشر بها هؤلاء، وأصر على أن الديانات العليا قدمت للإنسان العلاج من مرضه الروحي، وأوضحت له كيف يمكن أن يعلو على الجشع والعدوانية وتحسين نوعية علاقاته الاجتماعية. كما نبه إلى أن الديانات العليا علمت البشرية أن الإنسان ليس إلهاً، وأن القوة البشرية محدودة، وأن الحب هو أعظم مظاهر الخير. ويعتقد توينبي أن الروح البشرية ستقاوم كل جهود العقل بتصفية المشاعر الدينية، فإذا لم توجه المشاعر نحو الديانات العليا، فستجد منافذ أخرى لذلك، فالكائنات البشرية لا تستطيع أن تعيش من دون شكل من أشكال الدين. وإذا لم يكبح العقل ويهذب بواسطة الديانات العليا فسيحتضن الأساطير التي ستقدم مخرجاً لأسوأ عناصر الطبيعة البشرية.
والواقع أن مفهوم توينبي للدين كان شخصياً أكثر منه طائفياً أو تعصبياً. فقد بدأ توينبي في تربيته الدينية كشخص لا أدري Agnostic، ثم سرعان ما استخلص من دراسته في أكسفورد أن «الدين في ذاته هو وهم شخصي». إلا أنه بعد ذلك وبالتأكيد تحت تأثير الحرب العالمية الأولى وظهور النظم الشمولية والحرب الثانية الوشيكة الوقوع، أضفى قيمة لا تقدر على الديانات العليا واعتبر أنها مرجع الإنسان في التغلب على أزماته الروحية والتأكيد له أنه رغم إثمه، فإنه يمكن تخليصه من هذا الإثم.
الديانات العليا
وعلى رغم تقدير توينبي الديانات العليا ورسالتها التوحيدية، فقد رفض بعض نظرياتها التي تفتقر في رأيه إلى الصدقية. فقد أعلن أنه مثلاً لا يستطيع أن يتقبل بعض العقائد المسيحية، واعتبر أن أكبر قيمة في المسيحية، هو مفهومها بأن «الحب الذي يضحي بالنفس هو أكثر الدوافع الروحية المعروفة لنا قوة».
وعلى رغم أن المسيحية احتلت مكاناً مركزياً في فكر توينبي، فقد اعتقد أنها لم تكن وحياً فريداً ونهائياً، فكل الديانات العليا عنده هي مداخل متعاقبة لسر الوجود، وأنها جميعاً تنويعات لموضوع واحد، كما أنها تتوق إلى مساعدة الفرد في بلوغ الهدف الحقيقي للحياة، ألا وهو الصلة الحميمة مع الله وتحرر الإنسان بتعليمه أن الله وحده وليس الإنسان أو ما صنعه هو القيمة العليا في الكون. فضلاً عن أنها تعين الإنسان على التعامل مع محن الحياة.
ورأى توينبي أن الديانات العليا بمخاطبتها البشرية كلها، إنما تمكن الإنسان من التغلب على الحواجز بين الأمم والحضارات، فقد كانت منطلقات ثورية جديدة لأنها جميعاً أعلنت رسالة العالمية ووحدة البشرية، وهو الشرط الذي اعتبره ضرورياً لبقاء البشرية. ولم يعتبر أنه ينتمي في شكل تقليدي إلى أي من الديانات العليا، لكنه يشاركها قيمها الروحية، خصوصاً الحب والتعاطف، وهو في هذا يفضل «أكبر قدر من الدين على أكبر قدر من العقيدة الحازمة Dogma». لذلك، فهو يريد من كل الديانات العليا أن تفصل العناصر الجوهرية فيها وهي حب الله، ومن ثم حب الإنسان، عن تأكيداتها المذهبية Doctrinal والشعائرية.
والواقع أن ما يعطي فكر توينبي وحدةً هو روحانيته وعالميته وتوقه لأن يرى المجتمع الإنساني موحداً بحب الله. ولازم هذا الفكر اعتقاده الثابت بأن التقاليد الغربية الليبرالية العقلانية لا تستطيع وحدها أن تجمع بين الناس معاً في سلام وزمالة، ذلك أنها لا تستطيع أن تكبح في شكل دائم طبيعة الإنسان الشريرة التي تعرب عن نفسها في الحروب بين الشعوب والصراعات بين الطبقات. ولكي تكون فعالة، فإن الليبرالية والعقلانية يجب أن تستمدا الإلهام من القيم الدينية. وفهم توينبي ذلك على أنه يمثل أكبر مما تبشر به المؤسسات الدينية ورجال الدين، كما فهم الحقيقة الإلهية على أنها قوة تاريخية تتداخل في نسيج وجودنا. غير أن توينبي لم يكن مؤمناً بسيط التفكير، فعلى رغم عدم إرتياحه لعلمانية الغرب المعاصر، إلا أنه لا يستطيع أن يخون أو يتجاهل ميراث الفكر الذي خلفته الثورة العلمية وحركة التنوير، ولكن ما حاول أن يفعله بإخلاص هو أن يصوغ تآلفاً بين العقل والدين يلائم متطلبات القرن العشرين.
سقوط الحضارات
وعلى صعيد سقوط الحضارات يرى تُوينبي أنَّه يعودُ إلى ثلاثة أسباب:
- – ضعف القوَّة الخلاَّقة في الأقلِّـيَّة المُوجِّهة وانقلابها إلى سلطةٍ تعسفية؛
- – تخلِّي الأكثريَّة عن مُوالاة الأقلِّـيَّة الجديدة المُسيطرة وكفِّها عن مُحاكاتها؛
- – الانشقاق وضياع الوحدة في كيان المُجتمع. 28
ما سبقَ كان لمحةً مُختصرة جدًّا عن تفسير تُوينبي لنشوء الحضارة وسقوطها.
من أقولة
الإنسان هنا أسير وعبد لكلمته وردود أفعاله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أعماله
- The Armenian Atrocities: The Murder of a Nation, with a speech delivered by Lord Bryce in the House of Lords (Hodder & Stoughton 1915)
- Nationality and the War (Dent 1915)
- The New Europe: Some Essays in Reconstruction, with an Introduction by the Earl of Cromer (Dent 1915)
- Contributor, Greece, in The Balkans: A History of Bulgaria, Serbia, Greece, Rumania, Turkey, various authors (Oxford, Clarendon Press 1915)
- Editor, The Treatment of Armenians in the Ottoman Empire, 1915-1916: Documents Presented to Viscount Grey of Fallodon by Viscount Bryce, with a Preface by Viscount Bryce (Hodder & Stoughton and His Majesty's Stationery Office, 1916)
- The Belgian Deportations, with a statement by Viscount Bryce (T. Fisher Unwin 1917)
- The German Terror in Belgium: An Historical Record (Hodder & Stoughton 1917)
- The German Terror in France: An Historical Record (Hodder & Stoughton 1917)
- Turkey: A Past and a Future (Hodder & Stoughton 1917)
- The Western Question in Greece and Turkey: A Study in the Contact of Civilizations (Constable 1922)
- Introduction and translations, Greek Civilization and Character: The Self-Revelation of Ancient Greek Society (Dent 1924)
- Introduction and translations, Greek Historical Thought from Homer to the Age of Heraclius, with two pieces newly translated by Gilbert Murray (Dent 1924)
- Contributor, The Non-Arab Territories of the Ottoman Empire since the Armistice of the 30th October, 1918, in H. W. V. Temperley (editor), A History of the Peace Conference of Paris, Vol. VI (Oxford University Press under the auspices of the British Institute of International Affairs 1924)
- The World after the Peace Conference, Being an Epilogue to the “History of the Peace Conference of Paris” and a Prologue to the “Survey of International Affairs, 1920-1923” (Oxford University Press under the auspices of the British Institute of International Affairs 1925). Published on its own, but Toynbee writes that it was “originally written as an introduction to the Survey of International Affairs in 1920-1923, and was intended for publication as part of the same volume”.
- With Kenneth P. Kirkwood, Turkey (Benn 1926, in Modern Nations series edited by H. A. L. Fisher)
- The Conduct of British Empire Foreign Relations since the Peace Settlement (Oxford University Press under the auspices of the Royal Institute of International Affairs 1928)
- A Journey to China, or Things Which Are Seen (Constable 1931)
- Editor, British Commonwealth Relations, Proceedings of the First Unofficial Conference at Toronto, 11-21 September 1933, with a foreword by Robert L. Borden (Oxford University Press under the joint auspices of the Royal Institute of International Affairs and the Canadian Institute of International Affairs 1934)
- دراسة للتاريخ A Study of History
- الجزء الأول: مقدمة؛ تكون الحضارات
- Vol II: The Geneses of Civilizations
- Vol III: The Growths of Civilizations
- (Oxford University Press 1934)
- Editor, with J. A. K. Thomson, Essays in Honour of Gilbert Murray (George Allen & Unwin 1936)
- A Study of History
- Vol IV: The Breakdowns of Civilizations]
- Vol V: The Disintegrations of Civilizations]
- Vol VI: The Disintegrations of Civilizations
- (Oxford University Press 1939)
- D. C. Somervell, A Study of History: Abridgement of Vols I-VI, with a preface by Toynbee (Oxford University Press 1946)
- Civilization on Trial (Oxford University Press 1948)
- The Prospects of Western Civilization (New York, Columbia University Press 1949). Lectures delivered at Columbia University on themes from a then-unpublished part of A Study of History. Published “by arrangement with Oxford University Press in an edition limited to 400 copies and not to be reissued”.
- Albert Vann Fowler (editor), War and Civilization, Selections from A Study of History, with a preface by Toynbee (New York, Oxford University Press 1950)
- Introduction and translations, Twelve Men of Action in Greco-Roman History (Boston, Beacon Press 1952). Extracts from Thucydides, Xenophon, Plutarch and Polybius.
- The World and the West (Oxford University Press 1953). Reith Lectures for 1952.
- A Study of History
- Vol VII: Universal States; Universal Churches
- Vol VIII: Heroic Ages; Contacts between Civilizations in Space]
- Vol IX: Contacts between Civilizations in Time; Law and Freedom in History; The Prospects of the Western Civilization
- Vol X: The Inspirations of Historians; A Note on Chronology
- (Oxford University Press 1954)
- An Historian's Approach to Religion (Oxford University Press 1956). Gifford Lectures, University of Edinburgh, 1952-1953.
- D. C. Somervell, A Study of History: Abridgement of Vols VII-X, with a preface by Toynbee (Oxford University Press 1957)
- Christianity among the Religions of the World (New York, Scribner 1957; London, Oxford University Press 1958). Hewett Lectures, delivered in 1956.
- Democracy in the Atomic Age (Melbourne, Oxford University Press under the auspices of the Australian Institute of International Affairs 1957). Dyason Lectures, delivered in 1956.
- East to West: A Journey round the World (Oxford University Press 1958)
- Hellenism: The History of a Civilization (Oxford University Press 1959, in Home University Library)
- With Edward D. Myers, A Study of History
- Vol XI: Historical Atlas and Gazetteer
- (Oxford University Press 1959)
- D. C. Somervell, A Study of History: Abridgement of Vols I-X in one volume, with a new preface by Toynbee and new tables (Oxford University Press 1960)
- A Study of History
- Vol XII: Reconsiderations
- (Oxford University Press 1961)
- Between Oxus and Jumna (Oxford University Press 1961)
- America and the World Revolution (Oxford University Press 1962). Public lectures delivered at the University of Pennsylvania, spring 1961.
- The Economy of the Western Hemisphere (Oxford University Press 1962). Weatherhead Foundation Lectures delivered at the University of Puerto Rico, February 1962.
- The Present-Day Experiment in Western Civilization (Oxford University Press 1962). Beatty Memorial Lectures delivered at McGill University, Montreal, 1961.
- The three sets of lectures published separately in the UK in 1962 appeared in New York in the same year in one volume under the title America and the World Revolution and Other Lectures, Oxford University Press.
- Universal States (New York, Oxford University Press 1963). Separate publication of part of Vol VII of A Study of History.
- Universal Churches (New York, Oxford University Press 1963). Separate publication of part of Vol VII of A Study of History.
- With Philip Toynbee, Comparing Notes: A Dialogue across a Generation (Weidenfeld & Nicolson 1963). "Conversations between Arnold Toynbee and his son, Philip … as they were recorded on tape."
- Between Niger and Nile (Oxford University Press 1965)
- Hannibal's Legacy: The Hannibalic War's Effects on Roman Life
- Vol I: Rome and Her Neighbours before Hannibal's Entry
- Vol II: Rome and Her Neighbours after Hannibal's Exit
- (Oxford University Press 1965)
- Change and Habit: The Challenge of Our Time (Oxford University Press 1966). Partly based on lectures given at the University of Denver in the last quarter of 1964, and at New College, Sarasota, Florida and the University of the South, Sewanee, Tennessee in the first quarter of 1965.
- Acquaintances (Oxford University Press 1967)
- Between Maule and Amazon (Oxford University Press 1967)
- Editor, Cities of Destiny (Thames & Hudson 1967)
- Editor and principal contributor, Man's Concern with Death (Hodder & Stoughton 1968)
- Editor, The Crucible of Christianity: Judaism, Hellenism and the Historical Background to the Christian Faith (Thames & Hudson 1969)
- Experiences (Oxford University Press 1969)
- Some Problems of Greek History (Oxford University Press 1969)
- Cities on the Move (Oxford University Press 1970). Sponsored by the Institute of Urban Environment of the School of Architecture, Columbia University.
- Surviving the Future (Oxford University Press 1971). Rewritten version of a dialogue between Toynbee and Professor Kei Wakaizumi of Kyoto Sangyo University: essays preceded by questions by Wakaizumi.
- With Jane Caplan, A Study of History, new one-volume abridgement, with new material and revisions and, for the first time, illustrations (Thames & Hudson 1972)
- Constantine Porphyrogenitus and His World (Oxford University Press 1973)
- Editor, Half the World: The History and Culture of China and Japan (Thames & Hudson 1973)
- Toynbee on Toynbee: A Conversation between Arnold J. Toynbee and G. R. Urban (New York, Oxford University Press 1974)
- Mankind and Mother Earth: A Narrative History of the World (Oxford University Press 1976), posthumous
- Richard L. Gage (editor), The Toynbee-Ikeda Dialogue: Man Himself Must Choose (Oxford University Press 1976), posthumous. The record of a conversation lasting several days.
- E. W. F. Tomlin (editor), Arnold Toynbee: A Selection from His Works, with an introduction by Tomlin (Oxford University Press 1978), posthumous. Includes advance extracts from The Greeks and Their Heritages.
- The Greeks and Their Heritages (Oxford University Press 1981), posthumous
- Christian B. Peper (editor), An Historian's Conscience: The Correspondence of Arnold J. Toynbee and Columba Cary-Elwes, Monk of Ampleforth, with a foreword by Lawrence L. Toynbee (Oxford University Press by arrangement with Beacon Press, Boston 1987), posthumous
- The Survey of International Affairs was published by Oxford University Press under the auspices of the Royal Institute of International Affairs between 1925 and 1977 and covered the years 1920-1963. Toynbee wrote, with assistants, the Pre-War Series (covering the years 1920-1938) and the War-Time Series (1938-1946), and contributed introductions to the first two volumes of the Post-War Series (1947-1948 and 1949-1950). His actual contributions varied in extent from year to year.
- A complementary series, Documents on International Affairs, covering the years 1928-1963, was published by Oxford University Press between 1929 and 1973. Toynbee supervised the compilation of the first of the 1939-1946 volumes, and wrote a preface for both that and the 1947-1948 volume.
المصادر
28. المرجع السابق، ص 39–40.
29. المرجع السابق، ص 127.
30. أرنولد توينبي، “العالم والغرب”، ص 16–17.
31. أرنولد توينبي، “الوحدة العربيَّة آتية”، ترجمة عمر الديراوي أبو حجلة، (بيروت: دار الآداب، 1968)، ص 178.
32. كنموذج لإحدى الهجمات التي وجهتها الأوساط الصهيونية ضد توينبي، أنظر الهجوم الشديد الذي ورد في محاضرة سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، آبا إيبان بعنوان The Toynbee Heresy،(هرطقة توينبي)، وقد ألقاها في بنيويورك في معهد إسرائيل في جامعة يشيڤا، في 18/1/1955؛ وردت في كتاب:
M. F. Ashley Montagu (Editor). Toynbee and History: Critical Essays
33. توينبي-*، "العالم والغرب"، المرجع السابق، ص62.
وصلات خارجية
- علاء الدين الأعرجي: أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي الكتاب موجود في معرفةالمصادر.
- مؤرخون بريطانيون
- فلاسفة بريطانيون
- نظريات التاريخ
- مواليد 1889
- وفيات 1975
- أنگليكان إنگليز
- التطور الثقافي الاجتماعي
- منظرون في الحضارة الغربية
- خريجو كلية ونشستر
- خريجو جامعة أكسفورد
- أكاديميو جامعة أكسفورد
- طاقم تدريس كلية الملك بلندن
- طاقم تدريس مدرسة لندن للاقتصاد
- طاقم تدريس المعهد الملكي للعلاقات الدولية
- أعضاء مرتبة رفاق الشرف
- محاضرو گيفورد