ألس في بلاد الواق واق!
رواية عبثية ساخرة من أدب الخيال تأليف الكاتبة الكويتية حياة الياقوت [1]، عنوانها والمغامرة التي تخوضها ألِس "العربية" فيها مستلهمة من الرواية الشهيرة الموجهة للأطفال "ألِس في بلاد العجائب" Alice in Wonderland.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
إصدار الرواية
صدرت الطبعة الأولى من الرواية في عام 2010 حسب فهرسة مكتبة الكويت الوطنية في 110 صفحة. وقد أعيد طباعتها عام 2014، وتتوفر الرواية للشراء على موقع أمازون وكذا على موقع مكتبة النيل والفرات. [2]
فكرة الرواية
رواية ليست للصغار كما هو مذكور على غلافها، وهي ليست بالرواية الطويلة أيضاً، ووصفتها كاتبتها حياة إبراهيم الياقوت في المقدمة بأنها مغامرة من جانبها لعلمها بأن بعض النقاد أو القراء قد يتهمون المؤلفة بالصعود على كتفي كاتب مرموق ألا وهو الكاتب الإنجليزي الشهير "لويس كارول" (إسمه الحقيقي: تشارلز دودسون) الذي قام بتأليف الرواية الأشهر "ألِس في بلاد العجائب" في العام 1865، ثم أتبعها بعدها بسنوات قليلة بالجزء الثاني "عبر المرآة: وماذا وجدت ألِس هناك".
كما لم تدع الكاتبة تحذيرات المشفقين عليها قبل إصدار الرواية توقفها، برغم علمها بأن هناك من سيتهمون الرواية بعدم الأصالة وتقليد الرواية العالمية الأشهر.
وتقع الرواية تحت تصنيف الأدب العبثي أو أدب السخافة، وهنا لا يقصد سخافة العمل الأدبي في حد ذاته، بل يعني أدب يحملك إلى عالم خيالي تنقلب فيه الموازين، وينطلق الخيال فيه لحدود تكسر حد الجنون، وتحطم الإفتراضات المسبقة وليتنحى المنطق ويتوارى تماماً بل ويختفي وينقلب رأساً على عقب أثناء قراءة مغامرة بطلة الرواية.
ولكن الرواية في ذات الوقت، لا تفارق الواقع في الحقيقة رغم عبثيتها وخيال كاتبتها الواسع، فالرواية تحمل صبغة السخرية الواضحة عبر إسقاطات على الواقع في عالمنا العربي تحديداً، وحياتنا نحن به لا تكف الكاتبة عن السخرية منها بإيضاح عبثيتها ومخالفتها للمنطق عبر شخصيات الرواية العجيبة.
بناء الرواية
الحوار بين شخصيات الرواية هو ما يحتل المساحة الأكبر منها، لكن ذلك لا ينفي وصف مؤلفتها لها بأنها أقرب إلى العمل الروائي القصير منها إلى المسرحية. وقد ذكرت الكاتبة هنا كلمة مركبة في وصف الرواية وهي "مَسرٍواية"، في لفظ مركب يجمع المسرحية والرواية في آن معاً.
وبررت حياة الياقوت سبب إختيارها لذلك الإطار الحواري للرواية، بأنه إطار مألوف سهل عليها "تمرير أفكارها بأقل قدر من الصدمات وصيحات الامتعاض" على حد قولها في مقدمة الرواية.
بلاد الواق واق
موقع الأحداث هو بلاد الواق واق، التي اختارتها الكاتبة مسرحاً لمغامرة ألِس العجائبية. وسبب ذلك الإختيار عبرت الكاتبة عنه ببراعة قائلة:
لأنها منسوجة في وعينا ولاوعينا بعناية، لأنها رمز اللامعقول، والمخفي، والمجنون. لأنها المكان الذي لا إحداثيات معروفة له، ورغم ذلك فرض نفسه على أحاديثنا. وهي حتماً ليست واق واق "ابن طفيل" ولا "ابن خرداذبة" ولا حتى "الإدريسي" الذي تتصدر خريطته غلاف الكتاب. إنها الواق واق، الرمز الذي في خواطرنا وضمائرنا. الواق واق التي نقصد حين نريد أن نسخط أو نسخر.
ملخص الرواية
ألِس هنا عربية المنشأ، ولكن هذا لا يهم، فالأهم هو المغامرة، التي تنطلق حين تستسلم ألِس للنوم لشعورها بالنعاس والملل أثناء قراءتها في أحد كتب الرياضيات للخوارزمي.
وقد جلبت تلك القراءة الثقيلة على نفسها لحداثة عمرها، نتيجة لأمنيتها الدائمة بأن تعامل كما تعامل أختها الكبرى.
وحين أوشك النعاس أن يهزم أجفان ألِس المستندة إلى قامة نخلة، وبعد أن طويت الكتاب الذي يحمل صورة الخوارزمي بعمامته البرتقالية الكبيرة، وأودعت قلم الرصاص في جيبها الصغير، تحول الواقع فجأة إلى عالم من الغرائب، بدأ بتحول العمامة البرتقالية التي يرتديها الخوارزمي إلى رأس هدهد يرتديها بذات الطريقة وهو يتحرك متقافزاً على الأرض تارة وطائراً تارة أخرى، وهذا هو "هدهد مرجانة" الذي يظل طوال المغامرة هو الدليل الذي تتتبع أثره ألِس.
فمنذ تراءى لها في الوهلة الأولى، اعتقدت ألِس أنه لابد وأنها تحلم، ولكن هل من الممكن أن يكون هذا الهدهد صديق الخوارزمي؟ هل يمكنه أن يجد لها أكسير العلم أو كبسولة تغنيها عن قراءة كتاب الخوارزمي الممل حسب رأيها؟
وحين حاولت ألِس ملاحقة الهدهد العجول المشغول بمهمة ما، سقطت إلى عالم الواق واق الغرائبي عبر ثقب أسود لم تعرف بعد سقوطها به إذا ما كانت تسقط إلى الأسفل أم تصعد إلى الأعلى.
وقد استمر هذا الشعور بالحيرة والتيه طوال المغامرة التي تقابل فيها ألِس فصلاً بعد فصل، شخصيات ليست آدمية فقط، بل غالبيتها كائنات أخرى منها النبات ومنها الحيوان بل وبعضها جماد، لكن الصفة المشتركة بينهم جميعاً هؤلاء "الواق واقيين" أنهم جميعاً يتكلمون، وكلما لاقت أحدهم وجدتهم ينطقون كأنما أصابهم نوعاً من الجنون والسخف لا مثيل له. وتستمر رحلة ألِس العربية الحائرة التائهة في بلاد الواق واق العجيبة مقابلةً كائناً بعد الآخر، الذين يبدو أن لكلٍ منهم مهمة يقوم بها أو هواية وإهتمام من نوع خاص جداً لا يخلو من لمسة من الجنون.
لكن في كل مشهد تمر به ألِس، تبدو وكأنها وفي مواجهة هذا الجنون الذي يبدو أنه لا معنى له ولا منطق فيه، ولكن الكاتبة حياة الياقوت تستخدم هذا الجنون يتمكن لغوي رائع في طرح إسقاطات على واقعنا المجنون بالفعل عبر استخدام أسلوب المبالغة والمفارقة الحادة التي لا تتوقف.
فألِس تواجه الجنون بل وتناقشه، ويطرح الواق واقيين عليها في أكثر من مناسبة أسئلة وأحجيات مستحيلة الحل. ونحن المتتبعين لهذه المغامرة المجنونة بالقراءة، نستمتع بتمكن رائع من جانب المؤلفة من اللغة العربية الفصحى، بل وأبيات شعر واقتباسات من خطب تاريخية شهيرة، وأسماء شخصيات تقتحم فصلاً من الرواية حتى ولو لوهلة أو بمجرد الذكر، ليجد القاريء نفسه مجبراً على البحث بفضول عن هذه الشخصية أو القصيدة أو الفكرة أو اللفظة العربية الأصيلة.
شخصيات الرواية
فالرواية تحمل تجربة قراءة عربية متينة رغم عبثيتها. فيكفي أن تتعرف على أسماء أبطال الرواية بجانب بطلتها الرئيسية ألِس لكي تعرف أي تجربة خيالية مجنونة أنت مقبلٌ عليها:
- الهدهد ذو العمامة (أو هدهد مرجانة) العجول المشغول.
- السمكة الملّاحة التي تقوم بتمليح المياة العذبة لكي لا يقل سعرها.
- زهران وزهير "زهور متكلمة" مجنونة
- أرنبة الساق وبطة الأنف المتجادلتين بلا جدوى
- جحفل وجحيفل المتنمرين الذين يحبون التلاعب بالألفاظ.
- اليسروع بطيء المحترم الذي قتل الوقت ويرفض التحول إلى فراشة.
- قطة فراءهها بألوان قوس قزح وتدخن السجائر وتوضح جهلنا فيما يخص صوت القطط، فهو ليس "نياو" ولا هو "مياو" على حد زعمها، فنحن من قمنا بإضافة حرفي النون أو الميم إلى منطوق الصوت لأسباب مرضية لدينا تفسرها هي لألِس بكل ثقة.
- غِربيبة كارهة اللون الأبيض التي تأمر بقطع رأس كل من يشوبه ولو بصيص من اللون الأبيض في ملابسه أو حتى أسنانه.
- غادِر ومادِر الذين يقومون بعكس الكلمات في الجمل.
- الناطور الأمين (أرنب يبدو أنه صحفي مهتم للغاية بنشر الأخبار)
- متصرفة الشئون الفلفلية التي تحب إضافة البهار الوحيد وهو الفلفل إلى جميع الخلافات والنزاعات لكي تشتد سخونتها وتستمر في التأجج.
- السلنطع قاطن السلطوع المحب للأشعار، الذي يحتقر شهادة الدكتوراة ويفخر بدرجة السكرتارية.
وغيرها من الشخصيات التي تفوق غرابتها الحدود، وتفارق تصرفاتها وكلماتها حد المنطق والمعقول بسنوات ضوئية عبثية، لينتهي كل ذلك الجنون في بلاد الواق واق بمحاكمة أليس، في محاكمة جنونية سخيفة يظهر فيها "گليڤر" كأحد الشهود، أي نعم ذلك المغامر گليڤر بطل رواية شهيرة أخرى "رحلات گليڤر Gulliver's Travels” [3]الذي واجه الأقزام والعماليق في رحلاته كما عانت ألِس هنا من تضخم وتضاءل حجمها أيضاً لأسباب أخرى غريبة. بل وتُسأل ألِس أثناء محاكمتها عما إذا كانت تقرب لجحا الذي سيتعرف الكثير من القراء على اسمه وشخصيته الحقيقيتين ربما للمرة الأولى هنا.
وفي النهاية يبدو أن هدهد مرجانة، ومرجانة نفسها، وكتاب أرضي غامض، لديهم شيء مشترك مع ألِس، يبدو أن هؤلاء ليسوا واق واقيين مثلهم في ذلك مثل ألِس، فكيف ستنتهي هذه المغامرة المجنونة وماذا ستتعلم منها ألِس، وماذا قدمت لنا الكاتبة الماهرة حياة الياقوت من آراء وملاحظات وتراكيب لفظية واسقاطات لتجعلنا نتساءل في النهاية، هل نحن واق واقيين أم أرضيين؟!
خريطة الإدريسي
تتصدر غلاف الرواية وتظهر نسخة منها بين كل فصل والآخر، خريطة رسمها أحد أشهر مؤسسي علم الجغرافيا في التاريخ، وهو أبو عبد الله محمد الإريسي القرطبي الحسني السبتي، وشهرته الإدريسي (و. 1100 - ت. 1165) الذي ولد في سبتة بدولة المرابطين، وعاش جل حياته بمدينة بالرمو عاصمة صقلية تحت حكم الملك روجر الثاني، الذي ألف له الإدريسي كتابه الأشهر "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق". [4]
وقد تفوّق الإدريسي عن كل سابقيه من راسمي الخرائط في دقة خرائطه لمختلف أنحاء العالم، ومنها بالطبع تلك الخريطة التي تظهر بها "الواق واق" في جنوب شرق قارة أفريقيا إلى الجنوب من بلاد أخرى حددها الإدريسي على الخريطة وهي "بربره، الزّنج، وسفالة".
وجدير بالذكر أن خرائط الإدريسي تقرأ بطريقة معكوسة، فالجنوب إتجاهه للأعلى، والشرق يتموضع إلى اليسار. ويبدو أن هذه الإتجاهات المعكوسة في خريطته مناسبة تماماً للحال المنقلب المخالف للعقل والمنطق الذي تواجهه ألس عند سقوطها، أو صعودها إلى بلاد الواق واق.
ولكن يبدو أن الإسقاط المراد من تحويل بلاد العجائب في رواية لويس كارول إلى الواق واق في رواية حياة الياقوت، ودور خريطة الإدريسي في تحديد مكان هذه البلد الحقيقية على خريطته، هو البعد والإنعزال. كما أن حقيقة وجود هذه الجزر المدعوة ببلاد الواق واق من عدمه مختلف عليه تاريخياً أيضاً. وكما عبرت الكاتبة، إن ارتباط اسم هذه البلاد بالموروث الشعبي الناطق بالعربية بفكرة "البعد والغموض"، فيما يخص المكان، فيقال لك مثلاً لن تجد ضالتك ولو ذهبت لبلاد "الواق واق"، أو كما تقال بالعامية المصرية "الواء الواء".
أشعار واقتباسات
الرواية تتميز بلغة عربية سليمة، تمتليء بالألفاظ العربية الفصيحة التي لا يُتوقع وجودها في رواية عبثية مثل هذه. كما تتناثر بين سطورها كلمات وتراكيب لفظية ربما يجد القاريء نفسه يقرأها لأول مرة، كما تطرح ألاعيب متعلقة باللغة العربية في مواضع عدة، في صورة مناقشات عرضية عبثية ومتكررة في علوم اللغة العربية وقواعدها وحروفها واستعاراتها وكناياتها وغير ذلك مما يرد على ألسنة شخصيات الرواية الملفتة.
ويأتي أيضاً في سياق الحوار بالرواية ذكر العديد من أبيات الشعر لشعراء عتاة مثل أبو العلاء المعري، الأخطل الصغير، أبو نواس، بن الوردي، أبو فراس الحمداني، بن أبي سلمى وغيرهم
ولا تخلو الرواية من أمثلة شعبية ومقولات موروثة من التراث العربي التي يبدو أن الواق واقيين التي تلاقيهم ألِس في مغامرتها الخيالية لديهم مشكلة معها، بل ويحاولون تفنيدها وتصحيحها ومطالبة ألِس بتبرئة نفسها من البعض منها أيضاً.
وهذه الجوانب اللغوية تأتي من المشهد الأول كجزء من بناء الرواية وحبكتها، وليست كالدخيلة عليها. وهو الأمر الذي يبدو معه مهارة الأديبة حياة الياقوت وولعها باللغة العربية وقواعدها ونظمها ونصوصها التاريخية. وهذه النصوص العربية والألاعيب اللغوية بل والنظم الجنوني أحياناً على لسان شخصيات، يزيد من طرافة القصة وثرائها اللغوي في آن معاً.
روابط خارجية: