هستيريا (مرض)
الهستيريا Hysteria ، هي مرض عصبي يُصاب فيه الشخص بأعراض جسدية ، على الرغم من عدم وجود سبب جسدي وراء هذا المرض. [1]
أو كما يسميها بعض الباحثين بالهراع وهي حالة نفسية عُصابية تظهر في شكل اضطرابات انفعالية، إذ تتحول الانفعالات والقلق والصراعات والإحباطات المزمنة التي يعانيها الشخص والتي لم تجد متنفساً لها إلى أعراض بدنية ليس لها أساس عضوي كحل رمزي للصراع.
وقد عرفت الهستيريا منذ القدم، إذ ردها الإغريق إلى حالة الجوع العاطفي أو الجنسي عند المرأة، وعدوها شكلاً من أشكال الاضطرابات التي تصيب المرأة دون الرجال. إلاّ أن هذه النظرة قد تغيرت في العصر الحديث نتيجة لأعمال شاركو J.Charcot وفرويد S.Freud، إذ وجدوا أنها تصيب النساء والرجال والشيوخ وكذلك الأطفال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
التاريخ
وكان الطبيب اليوناني القديم أبقراط أول من تعرف على هذا الاضطراب. إذ لاحظ أن الهيستريا شائعة بين النساء ، وظن أن سبب ذلك هو تغير مكان الرحم.
الأعراض
قد يشكو المصاب بالهيستريا من أي نوع من الآلام الجسدية؛ فقد يشكو من مرض القلب أو الشلل أو المشكلات الجنسية أو آلام المعدة أو التقيؤ أو ضعف الذراعين أو الساقين. وعليه قد تبدو الهيستريا مثل كثير من الأمراض الجسدية. فقد تتكرر الشكوى أو تصبح حادة لدرجة قد يظن معها الطبيب أن المريض مصاب بمرض جسدي مثل التهاب الزائدة الدودية مثلاً. وفي هذه الحالات، فإنه قد لايتم تشخيص الهيستريا إلا بعد أن يتضح للجراح أنه لايوجد مرض جسدي لدى المريض.
ويطلق عادة على الأشخاص وصف المصابين بالهيستريا عندما يتملكهم الشعور بالاضطراب النفسي أو الهياج، أو عندما يفقدون السيطرة على مشاعرهم. ونحن نسمع غالباً تعبير بكاء هيستيري أو غضب هيستيري. وقد لاتكون هناك أي علاقة بين تفجُّر المشاعر والاضطراب النفسي الذي يسميه الأطباء النفسانيون هيستريا. ففي بعض الحالات يحدث مثل هذا التفجر لدى أشخاص عاديين، كما أنه قد يحدث لأُناس مصابين بأمراض عقلية أخرى غير الهيستريا، بل وقد تحدث لدى أولئك الأشخاص المصابين بالهيستريا فعلا.
وتتنوع أعراض الهستيريا في الآتي:
ـ الأعراض الحسية: العمى الهستيري، الصمم الهستيري، فقدان حاسة الشم، فقدان حاسـة الذوق، فقـدان الحساسية الجلدية في عضو أو في أعضاء عدة.
ـ الأعراض العقلية: اضطراب الوعي والطفلية الهستيرية (السلوك أو التكلم كالأطفال).
ـ الأعراض العامة: المرض مع بداية المدرسة أو مع الامتحانات، ردود الفعل السلوكية المبالغ فيها للمواقف المختلفة.
أشكال الهستيريا=
ـ الهستيريا التحولية conversion: وتعني تحويل الحالة الانفعالية التي يعانيها الفرد والتي لم تجد حلاً لها إلى حالة جسدية رمزية، لكن الحالة الجسدية الظاهرة معطلة جزئياً أو كلياً من الناحية الوظيفية وليس من الناحية العضوية، ومثال ذلك الشلل الهستيري والخدر أو التنميل الذي يشمل منطقة معينة من الجسم أو قد يشمل الجسم كله، والصمم الهستيري والعمى الهستيري، وعدم النطق، حيث لا يستطيع المريض رؤية الأشياء على الرغم من سلامة حاسة البصر من الناحية العضوية.
ـ الهستيريا التفككية dissociative: اضطراب في الذاكرة واضطراب في المكان والزمان، واضطراب الشرود أو التجوال التفككي، حيث يدرك المريض ذاته ولكنه لا يستطيع إدراك المكان الموجود فيه.
ـ الهستيريا الحشوية visceral: حيث تتحول الحالة النفسية هنا إلى حالة عضوية واضطرابات في بعض أجزاء الجسم، وذلك للتخفيف من الحالة التي يعانيها، مثل اضطرابات المعدة والأمعاء، واضطرابات التنفس وازدياد سرعة القلب، والصداع، وفقدان الشهية العصبي، والإحساس بالاختناق وكأن شيئاً ما يسد حلقه، وكذلك الحازوقة المتكررة التي تظهر عند بعض الأفراد عندما يقابلون أشخاصاً غير مألوفين لهم.
ـ اضطراب تبدد الشخصية depersonalization: أي إن المريض يعيش في شخصيتين أو أكثر من دون أن يدرك ذلك، إذ يتنقل من شخصية إلى أخرى، والقصد من وراء ذلك إشباع رغبات محبطة في حياته.
ـ العته الهستيري: يحدث تحت تأثير ظروف بيئية خاصة يتعرض لها المريض كشروط السجن القاسية، ومواقف القلق الناجمة عن ترقب أمر ما أو حدوثه من دون توفر إمكان التنبؤ بما ستكون عليه نتائجه.
ـ الهستيريا الجماعية: حينما تنتقل الأعراض الشبيهة بالهستيريا من شخص مصاب إلى شخص سليم، وتحدث هذه الهستيريا في الحروب والكوارث.
أسباب الهستيريا
ـ الأسباب الوراثية: تؤدي الوراثة دوراً ضئيلاً للغاية من جهة تسببها في الهستيريا، في حين تؤدي البيئة الدور الأكبـر، ويرجـع باڤلوڤ Pavlov ومحللو التفسيـر الفسيولوجي الهستيريا إلى ضعف قشرة المخ بسبب الاستعداد الوراثي، وعادة ما يكون المريض الهستيـري ذا تكوين جسمي نحيف واهن.
ـ الأسباب النفسية: الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى وبين الهو (خاصة الدوافع الجنسية) والتوفيق عن طريق العرض الهستيري، والإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب، والإخفاق في الحب، والزواج غير المرغوب فيه والزواج غير السعيد، والغيرة، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن، والأنانية والتمركز حول الذات بأسلوب طفولي.
ـ الأسباب الشخصية: وتبدو في عدم نضج شخصية الفرد من الناحية العقلية والاجتماعية، وعدم القدرة على رسم خط الحياة.
ـ التنشئة الاجتماعية: يتقمص الشخص الهستيري سمات أحد الوالدين اللذين يعانيان من الهستيريا أو أعراض هذا الاضطراب.
ـ الصدمات: ومن الأسباب المعجلة أو المباشرة إخفاق في حب أو صدمة عنيفة أو التعرض لحادث أو جرح أو حرق بليغ… إلخ.
تشخيص الهستيريا
يجب التفريق بدقة بين الهستيريا والمرض العضوي، وعلى المختص التأكد من خلو الأعراض من الأسباب العضوية، واستبعاد وجود مرض عضوي؛ لأن العرض الهستيري يختلف عن العرض العضوي في أنه غير دقيق من الناحية التشريحية، وقد يكون العرض الهستيري مجرد امتداد تاريخي لمرض عضوي سابق، وعلى سبيل المثال يمكن التفريق بين مريض الصرع الهستيري ومريض الصرع العضوي، ففي حالة الصرع الهستيري يصاب المريض بالنوبة وسط الناس ويقع في مكان آمن بحيث لا يصاب، وهو لا يتبول لا إرادياً في أثناء النوبة، ولا يعض لسانه، ولا تختفي الانعكاسات لديه. في حين أن مريض الصرع العضوي يقع في أي مكان، ودائماً هناك إصابات وكسور وجروح، وقد يتبول لا إرادياً في أثناء النوبة، وقد يعض لسانه، وهناك اضطراب في موجات المخ الكهربائية يوضحها رسم المخ الكهربائي.
سمات الشخصية الهستيرية
من سمات هذه الشخصية: العاطفة الزائدة، والقابلية الشديدة للإيحاء، والمسايرة، وحب المجاملة والمواساة، وتقلب المزاج، وعدم النضج، وعدم التحكم في الانفعالات، والسذاجة، وسطحية المشاعر، وعدم النضج النفسـي الجنسـي. وأيضاً التمركز حول الذات، والأنانية، ولفت الأنظار، واستدرار العطف، والاعتزاز بالنفس وحب الظهور، والاستعراض، وفي بعض الأحيان الانبساط، والاجتماعية، وحب الاختلاط، وعدم الاستقرار، والمبالغة والتهويل والاستغراق في الخيال، ويكون السلوك أقرب إلى التمثيل والاستعراض والتكلف والاندفـاع وعدم النضج، والاعتماد على الكبت وسيلة من وسائل الدفاع الأولية، والاستعداد لتكثيف الانفعالات وتحويلها إلى أعراض جسمية.
العلاج
قد تكون الهستيريا في بعض الحالات وقتية وتشفى تلقائياً خاصة إذا لم تحقق هدفها، وأهم أشكال العلاج:
ـ العلاج النفسي ويتناول تركيب الشخصية بهدف تطويرها وتنميتها، وقد يستخدم المختص النفسي التنويم الإيحائي لإزالة الأعراض، ويؤدي الإيحاء والإقناع دوراً مهماً هنا، ويستخدم التحليل النفسي للكشف عن العوامل التي سببت ظهور الأعراض، والدوافع اللاشعورية وراءها ومعرفة هدف المرض، ويقوم المعالج بالشرح الوافي والتفسير الكافي للأسباب ومعنى الأعراض، كذلك يفيد العلاج النفسي التدعيمي ومساعدة المريض على استعادة الثقة في نفسه وتعليمه طرق التوافق النفسي السوي والعيش في واقع الحياة.
ـ العلاج الاجتماعي البيئي بتعديل الظروف البيئية المضطربة التي يعيش فيها المريض بما فيها من أخطاء وضغوط أو عقبات حتى تتحسن حالته.
ـ العلاج الطبي للأعراض، ويستخدم علاج التنبيه الكهربائي أو علاج الرجفة الكهربائية، وفي بعض الأحيان يلجأ المعالج إلى استخدام الدواء النفسي الوهمي ويفيد فائدة كبيرة.
ـ الإرشاد النفسي للوالدين والمرافقين كالزوج أو الزوجة، وينصح بعدم تركيز العناية والاهتمام بالمريض في أثناء النوبات الهستيرية فقط؛ لأن ذلك يثبت النوبات لدى المريض لاعتقاده أنها هي التي تجذب الانتباه إليه.
أنظر أيضا
المصادر
- The H-Word, Guardian Unlimited, http://www.guardian.co.uk/weekend/story/0,3605,782338,00.html
- Halligan, P.W., Bass, C., & Marshall, J.C. (Eds.)(2001). Contemporary Approach to the Study of Hysteria: Clinical and Theoretical Perspectives. Oxford University Press, UK.
- Sander Gilman, Roy Porter, George Rousseau, Elaine Showalter, and Helen King (1993). Hysteria Before Freud (Berkeley, Los Angeles, and Oxford: University of California Press).