مثرا
ميثرا الإله العظيم من الأرباب المعبودة التي سبق وان عبدتها الشعوب (الهند ــ إيرانية) في موطنها الأصلي ، ومنه تنبع الديانة الزرادشتية ، وهو الإله الذي حملوه معهم في حلّهم وترحالهم ولقد جاء ذكره في أقدم الكتب المقدسة (ريك فيدا) باسم (ميثرا) وفي الآفستا باسم (ميثرا) بأنه اله النور حامي حمى الحقيقة وعدو الكذب والخطيئة ، وورد في (الآفستا) عن (ميثرا) بأنه يعاقب كل من حلف يمينا كذبا أو ينحرف عن الحق والصواب والنزاهة ، انه يحطم القبائل والجماعات المناهضة له، ويهب الصحة والصداقة والرجاء للذين يمجدونه ويكون حليفا مؤيدا لمن ينذرون أنفسهم له. و(ميثرا) واحد من تلك الآلهة التي ظلت عبادتها في إيران مع إن (زردشت) كان قد ألغاها وأبطلها وحوّرت كلمة (ميثرا) في إيران منذ القرن الأول بعد الميلاد إلى (مهر) فأصبحت (مهر) الشمس والعقود، وظل في العهد الإسلامي اسما للشمس ولفكرة الشفقة والمحبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
في الزرادشتية
الميثرائية الرومانية
- مقالة مفصلة: الغموض المثرائي
كانت عبادة مثراس Mithras الإله الذكر تنتقل في هذه الأثناء من فارس إلى أقصى تخوم الإمبراطوريّة الرومانية؛ وكان مثراس هذا في المراحل المتأخرة من الدين الزرادشتي إبن أهورا- مزدا إله النور، وكان هو أيضاً إلهاً للنور، والحق، والطُهر، والشرف؛ وكان يُقال أحياناً إنه هو الشمس، وإنه يقود الحرب العالمية ضد قوى الظلمة، وإنه يشفع على الدوام لأتباعه عند أبيه، ويحميهم، ويُشجّعهم في كفاحهم الدائم للشر والكذب، والدَنَس، وغيرها من أعمال أهرمان أمير الظلام. ولمّا أن نقل جنود بمبي هذا الدين من كبدوكيا إلى أوربا صوّر فنان يوناني مثراس راكعاً على ظهر ثور يطعنه في خنجر في عنقه، وأضحت هذه الصورة هي الرمز الرسمي لذلك الدين.
وكان اليوم السابع من كل أسبوع يوماً مقدساُ لإله الشمس، وكان أتباعه يحتفلون في الأيام الأخيرة من ديسمبر بمولد مثراس "الشمس التي لا تُغلَب" والإله الذي نال نصره السنوي على قوى الظلمة في يوم الانقلاب الشتائي، والذي بدأ من ذلك اليوم يفيض على العالم ضياء يزداد يوماً بعد يوم(91). ويحدّثنا ترتليان Tertullian عن كهنة مثراسيين على رأسهم "حبر أكبر"، وعن عزّاب وعذارى في خدمة الإله؛ وكانت القرابين تقرب إليه على مذبحه في كل يوم، كما كان عباده يشتركون في تناول طعام مقدّس من الخبز والنبيذ؛ وكانت الإشارة التي يختتم بها عيده هي دقّات ناقوس(92). وكان يُحتفظ على الدوام بنار متّقدة أما القبو الذي يمثل فيه الإله الشاب يطعن الثور بخنجره. وكان الدين المثراسي يحضَ على الخلق الكريم، ويطلب إلى "جنوده" ألا ينقطعوا طول حياتهم عن محاربة الشر في جميع أنواعه. ويقول كهنته أن الناس كلّهم سيحشرون لا محالة أمام مثراس ليحكم بينهم، ثم تسلّم الأرواح الدنسة إلى أهرمان لتعذب على يديه عذاباً أبدياً، أما الأرواح الطاهرة فترتفع خلال طباق سبعة حتى تصل إلى بهاء السماء حيث يستقبلها أهورا-مزدا نفسه(93). وانتشرت هذه الأساطير التي تبعث في نفس أصحابها الأمل والقوة في القرنين الثاني والثالث من التاريخ الميلادي في غربي آسية، وانتقلت منه إلى أوربا (متخطّية بلاد اليونان)، وشادت معابدها متجهة نحو الشمال حتى وصلت إلى سور هدريان.
أوجه الشبه مع المسيحية
وروع الآباء المسيحيين ما وجدوه من أوجه الشبه بين دينهم وبين المثراسية، وقالوا إن الثانية قد سرقت هذه العبادات عن المسيحية، أو أنها في المثرائية حيل مضللة احتال بها عليهم الشيطان (صورة من أهرمان). وليس من السهل أن تعرف أي الدينين أخذ عن الآخر، ولعل الاثنين قد تسربت إليهما أفكار كانت وقتئذ منتشرة في جو بلاد الشرق.
وكان في كلا الدينين العظيمين اللذين يسودان إقليم البحر الأبيض المتوسط "طقوس خفية" تتخذ عادة صورة احتفالات تطهير، وتضحية، وتثبيت، ووحي، تدور كلها حول موت الإله وبعثه. وكان الأعضاء الجدد يدخلون في دين سيبيل بوضعهم عراة في حفرة يُذبح فوقها ثور، فيسقط دم الحيوان الذبيح على الطالب الجديد ويطهره من خطاياه ويهبه حياة روحية جديدة خالدة إلى أبد الدهر. وكانت أعضاء التذكير في الثور، وهي التي تمثل الخصوبة المقدسة، توضع في إناء خاص، وتُهدى إلى الإلهة(94). وكان في المثراسية طقس شبيه بهذا يعرفه العالم اليوناني والروماني القديم باسم الثوربليوم Taurobolium أو رمى الثور. ويصف أبوليوس في عبارات جزلة رائعة المراحل التي يمر خلالها خادم إيزيس- فترة الصوم المبدئية الطويلة، والورع والتقشّف، والتطهير بالانغماس في الماء المقدس، ثم تظهر له في آخر الأمر الرؤيا الصوفية للإلهة لتهبه النعيم الأبدي. ويلتزم الطالب في إلوسس أن يعترف بخطاياه (وقد كان هذا مما أخاف نيرون وأفقده شجاعته)، وأن يصوم بعض الوقت عن أنواع خاصة من الأطعمة، ويستحم في الخليج ليتطهر من الدَنَس الجسمي والروحي، ثم يقرّب القربان، وهو في العادة خنزير. وفي عيد دمتر كان الطلاب المبتدئون يندبون معها اختطاف ابنتها إلى الجحيم، ويختصرون في أثناء حزنهم هذا على تناول الكهك المقدس، وخليط رمزي من الدقيق والماء والنعناع. وفي الليلة الثالثة تعرض مسرحية دينية تمثّل بعث برسفوني، ويعد الكاهن الذي يقوم بالخدمة الدينية كل من تطهرت روحه بأن يبعث كبرسفوني بعثاً جديداً(95). وقد صوّرت الطائفة الأرفية، متأثرة بالآراء الهندوكية أو الفيثاغورية، موضوع هذه الطقوس في جميع الأراضي اليونانية، فقالت ان الروح تحبس في طائفة متسلسلة من الأجساد المذنبة، وإن في مقدورها أن تنطلق من هذا التجسد الثاني المشين بأن تسمو حتى تتحد اتحاداً هيامياً بديونيشس. وكان الإخوان الأرفيون في اجتماعهم يشربون دم ثور يضحّون به للمنقذ الميّت الذي يكفّر عن خطاياهم ويوحّدون بينه وبين هذا المنقذ. وكان الاشتراك الجماعي في تناول الطعام والشراب المقدّسين من المظاهر الكثيرة الحدوث في أديان البحر الأبيض المتوسط، وكثيراً ما كان أهل هذه الأديان يعتقدون أن هذا الطعام ستحل فيه بهذا التقديس قوى الإله، ثم تنتقل منه بطريقة سحرية خفية إلى المشتركين في تناوله(96).
انظر أيضاً
Notes
الهامش
- Malandra, William (1983). An Introduction to Ancient Iranian Religion. Minneapolis: University of Minnesota Press. ISBN 0-8166-1115-7.
- Hans-Peter Schmidt, Mithra, Encyclopedia Iranica (2006)