مقاصة
المقاصة أو التقاص Clearing ، هو وسيلة لتسديد قيمة السندات التجارية أو الحوالات أو أرصدة الحسابات المصرفية أو المدفوعات الدولية، وذلك بتنزيل ما هو مستحق للمصرف أو الجهة الدائنة مما هو مترتب عليه، واقتصار الوفاء على الرصيد بقيده لحساب المستحق أو وفائه إياه نقداً أو بوسيلة أخرى. وغالباً ما يتم التقاص لدى مؤسسات مستقلة أو إحدى شعب المصرف المركزي يطلق عليها غرف التقاص chambres de compensation وتقيم اجتماعات بين المصارف لإجراء المقاصة بين حقوقها والتزاماتها المتبادلة نتيجة عملياتها المصرفية.[1]
وتتم المقاصة بخصم جزء من الدين الأعلى قيمة بين شخصين كلاهما دائن ومدين في ذات الوقت. فإذا افترضنا مثلاً أن أ باع لـ ب سيارة بمائة ألف وكان البائع مديناً بخمسين ألفا للمشتري، في هذه الحالة يخصم مبلغ الخمسين ألف من المائة ألف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أسلوب التقاص
الحق المترتب لأحد المصارف على مصرف آخر يقابله بالضرورة دين مترتب بذمة المصرف الآخر حياله. ولما كانت جميع المصارف ممثلة في غرفة التقاص فلا بد أن يكون مجموع حقوقها بعضها حيال بعضها الآخر مساوياً بالضرورة لمجموع ذممها. وعوضاً عن وفاء كل دين بصورة مستقلة، يكفي إجراء المقاصة بين مختلف هذه الديون وقصر الوفاء على الرصيد وحده.
التاريخ
ظهر التقاص أول مرة في لندن، في القرن الثامن عشر، وذلك في معرض تحصيل الأسناد التجارية المحسومة لدى المصارف. فكان كل مصرف يرسل مع مراسل خاص الأسناد المستحقة له على المصارف الأخرى لتحصيلها نقداً، مما كان يؤدي إلى إضاعة الوقت وزيادة النفقات.
فاتفق مندوبو المصارف على الاجتماع كل يوم في مكان معين، وحساب مجموع ما يترتب لكل منها حيال الأخرى، وما يترتب عليه لصالحها مع قصر الوفاء على الرصيد الظاهر بين الزمرتين. ووضعت لغرفة تقاص لندن قواعد وأنظمة دقيقة تعتمدها المحاكم عند الاقتضاء وتضم الغرفة المذكورة اليوم المصارف الأحد عشر المهمة في المدينة وتحقق رقم أعمال ضخماً. ومن إنكلترة انتشرت غرف التقاص في مختلف أنحاء العالم فأحدثت جمعيات غرف التقاص في الولايات المتحدة عام 1853 ويهيمن عليها الاحتياطي الاتحادي في نيويورك. وفي فرنسة تقوم في المدن الهامة غرفة تقاص تديرها الجمعية الفرنسية لمؤسسات الائتمان بمساعدة المصرف المركزي «بنك فرنسة«. أما المقاطعات الأخرى، فتقوم فروع المصرف المركزي بتنظيم التقاص بين المصارف القائمة لديها. وفي معظم الدول، تقوم غرف التقاص على الغالب لدى المصرف المركزي لوجود حساب قائم لديه لمختلف المصارف العاملة في البلاد، فيتم وفاء الأرصدة المترتبة لكل منها على الأخرى بقيد في الحساب المذكور.
المقاصة في العالم
سوريا
في سوريا، لحظت المادة 72 من قانون إحداث مصرف سورية المركزي (المرسوم التشريعي رقم 87 في 28/3/1953) قيام المصرف «بإدارة مكاتب للتصفية أو للتقاص» وأصدر مجلس النقد والتسليف قراره رقم 77/ب 3في 17/5/1960 المتضمن إقرار النظام الأساسي لغرفة التقاص ونظام عملياتها ولم يزل كلا النظامين مطبقاً على عمليات التقاص الجارية في سورية.
وكثيراً ما تتم عمليات التقاص الآن عن طريق الحاسوب عوضاً عن تقديم السندات بذاتها إلى غرف التقاص. وعليه أحدث بنك فرنسة في 3/1/1969 حاسوب تقاص يتم بوساطته تبادل طلبات التقاص بين المصارف الستة عشر الكبرى في فرنسة (التي تتولى أيضاً تقديم الطلبات العائدة للمصارف الأخرى المنتمية إليها) المسجلة على شرائط مغنطيسية فيتم تسجيلها في حسابات المصارف المذكورة لدى بنك فرنسة.
وفي عام، 1960 أحدثت المؤسسات المالية لبعض دول المجموعة الاقتصادية الأوربية CEE-EEC فيما بينها أسلوب الشيك الأوربي لتنظيم عملية التقاص الثنائي بين المصارف المذكورة، وتمكين زبائنها من سحب الأموال من أي من المصارف المذكورة بالاستناد إلى البطاقة المسلمة إليهم للغرض المذكور. ولقد أقرت مفوضية المجموعة الأوربية ذلك التعامل.
مصر
أثره الحقوقي
وفي معظم البلدان، يعد تقديم الشيكات أو غيرها من الأسناد التجارية إلى غرفة التقاص بمنزلة مطالبة المسحوب عليه بوفائها. ولقد أقر قانون التجارة السوري هذه القاعدة (المادتان 443/5و544). ولقد أدى عرض الشيكات على غرف التقاص إلى ظهور الشيك المسطر وهو الذي لا يجوز وفاؤه إلا لأحد المصارف أو لأحد عملاء المصرف المسحوب عليه (المادة 543 من قانون التجارة السوري). فلقد جرى التعامل في غرفة تقاص لندن على قيد اسم المصرف الذي جرى وفاء الشيك الذي يحمله بالتقاص مع المصرف المسحوب عليه على صدر الشيك بين خطين متوازيين وأضحى هذا الأسلوب وسيلة لحظر دفع الشيك لغير المصرف الوارد اسمه بين الخطين (وهو ما يطلق عليه «التسطير الخاص») أو إلى أي مصرف كان إذا كتبت بين الخطين كلمة «مصرف» أو لم تذكر في ذلك المكان أي عبارة (وهو ما يطلق عليه «التسطير العام» ـ المادة 542 من قانون التجارة السوري) ويوفر هذا الأسلوب ضمانة بعدم وفاء الشيك لغير مستحقه القانوني إذ يصعب في حال سرقة الشيك أو ضياعه قيام حائزه غير الشرعي بقبض قيمته أو تظهيره للغير.
وفاء الديون الدولية
وقد استخدم التقاص لوفاء الديون الدولية، ولاسيما في الدول الخاضعة للرقابة على القطع، فتتلافى تحويل قيمة مدفوعاتها المتبادلة وتسجل الحقوق والالتزامات القائمة بينها في حساب خاص يقتصر الوفاء على رصيده عند وقف الحساب أو إقفاله. على أن هذا الأسلوب لم يخل من المساوئ؛ إذ تحجم الدولة المدينة عن وفاء الرصيد المترتب عليها للدولة الدائنة محاولة إلزامها شراء سلع لا تحتاج إليها أو لا تتوافر فيها الجودة المطلوبة لكون الحصول عليها الوسيلة الوحيدة لتحصيل دينها.
أما الدولة الدائنة فتتخلى نتيجة التقاص عن سلع مرغوبة في الأسواق العالمية كان يمكنها بيعها فيها مقابل قطع نادر يتيح لها تدارك السلع التي تحتاج إليها، عوضاً عن قيد قيمتها في حساب التقاص القائم بينها وبين الدولة المدينة. وغالباً ما يمسك حساب التقاص لدى المصرف المركزي كما كانت عليه الحال في سورية في علاقاتها مع عدد من دول أوربة الشرقية.
وفي البلدان الاشتراكية التي كانت أعضاء في الكوميكون[ر]، كانت المدفوعات الدولية قبل 22/10/1963 تسدد بمقتضى اتفاقات ثنائية مدتها خمس سنوات أسوة بالخطط الخمسية. ومنذ 1963 أخذت تلك الاتفاقات تحاول تحقيق التوازن بين الحقوق المتبادلة للدول الأعضاء عن طريق «تحاويل متعددة الأطراف بالروبل القابل للتحويل» في نطاق البنك الدولي للتعاون الاقتصادي وتسجيل المدفوعات العائدة لكل صفقة في حسابات ثنائية بالروبل القابل للتحويل لدى بنك التعاون المذكور الذي يقوم بإجراء التقاص بين الحقوق والذمم المتقابلة للدول الأعضاء بحيث يُغطَّى الرصيد المدين لإحدى الدول لدى البنك بالرصيد الدائن المترتب لدولة أخرى. ولم يكن الروبل المذكور، على تسميته، قابلاً للتحويل لا بالذهب ولا بالنقد السوفييتي ولا بأي نقد عالمي قابل للتحويل، إنما يقبل التحويل فقط إلى بعض البضائع المحددة في الاتفاق. أما الصفقات غير التجارية، فيتم تسديدها في حسابات ثنائية بعد تحويلها إلى الروبل بمعدل قطع يختلف بين صفقة وأخرى. ولم يؤد إحداث بنك التعاون إلى زيادة ملموسة في مبادلات الدول الأعضاء. ولم يعد هذا الأسلوب مرعياً بعد التغيير الطارئ على دول أوربة الشرقية.
وفي علاقات دول العالم الثالث أو الدول الاشتراكية مع الدول المتطورة، تبرم أحياناً عقود تعاون اقتصادي تقدم فيها الدولة المتطورة التقنية الصناعية أو التجهيزات لدولة العالم الثالث مقابل حصولها على جزء من السلع المنتجة بوساطتها، وعليه فيتم التقاص بين المبالغ المترتبة على دولة العالم الثالث مقابل حصولها على دعم الدولة المتطورة بالتقنية والتجهيزات والمبالغ المترتبة على الدولة المتطورة مقابل حصولها على البضائع التي أنتجتها دولة العالم الثالث. وقد يقضي عقد التعاون بدفع العائدات المترتبة للدولة المتطورة ببضائع غير التي انتجت نتيجة العقد المذكور بل بأي بضائع أخرى تم تصديرها للدولة المتطورة أو لدولة ثالثة، ولابد في جميع هذه الأحوال من فتح حساب تقاص ثنائي لتسجيل جميع هذه المبالغ ووفائها.
انظر أيضا
المصادر
- ^ جاك الحكيم. "التقاص". الموسوعة العربية. Retrieved 2011-11-03.
- هذه المقالة تتضمن نصاً من منشور يخضع حالياً للملكية العامة: The Federal Reserve System: Purposes and Functions (PDF).
المراجع
- جاك الحكيم، الحقوق التجارية (دمشق).
وصلات خارجية
- Understanding Derivatives: Markets and Infrastructure - Chapter 2, Central Counterparty Clearing by Robert Steigerwald (Federal Reserve Bank of Chicago)
- Clearing and Settlement of Exchange-Traded Derivatives by John McPartland (Federal Reserve Bank of Chicago)