أزمة مارس 1954
أزمة مارس، هي أزمة سياسية وقعت في مارس 1954 بين محمد نجيب من جانب ومجلس قيادة الثورة بقيادة جمال عبد الناصر من جانب آخر. وأدت الأزمة لانقسام المجتمع المصري المدني في رأي بين استمرار حركة الجيش (ثورة 23 يوليو) المنحازة بقراراتها للفقراء، والاصلاح الزراعي، وبين المطالبين بالديمقراطية وعودة الحياة السياسية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حملة الاعتقالات
في أول مارس 1954، ظهرت الصحف المصرية، وفيها أخبار القبض على 118 شخصاً، بينهم عبد القادر عودة، وأحمد حسين، كما تقرر إيقاف الدراسة، في الجامعات الثلاث، إلى نهاية الأسبوع، حيث كانت المظاهرات قد اجتاحتها. وسافر محمد نجيب، في اليوم نفسه، إلى السودان لحضور افتتاح البرلمان السوداني، مع صلاح سالم، وأحمد حسن الباقوري. وكان موعد السفر غير مناسب إطلاقاً فالأمور لم تهدأ بعد، في مصر، وكثير من المشاكل كانت تحتاج إلى حل ومواجهة. وكانت هناك، في الخرطوم، مفاجأة شديدة. جماهير حزب الأمة احتشدت، في المطار، والشوارع المؤدية إليه، تعلن، بعد انتصار الحزب الوطني الاتحادي، في الانتخابات. وتعيين إسماعيل الأزهري، رئيسًا لوزارة السودان، هاتفة (لا مصري ولا بريطاني ... السودان للسوداني).[1]
ورغم أن الصادق المهدي كان في استقبال محمد نجيب، في المطار، إلا أن المظاهرات أخذت شكلاً معاديًا، وأفسد اصطدام الجماهير بالبوليس مظهر الاحتفال بافتتاح البرلمان السوداني، وحاصر المدعوين في أماكنهم. وكان محمد نجيب، في القصر الجمهوري، يحاول الاتصال، عبثاً، بالسيد عبد الرحمن المهدي. واجتمع بالسفراء العرب، لمناقشة طبيعة المظاهرات، فأجمعوا على أن استفزازات البوليس قد "شوهت الموقف وحولته إلى مجزرة". وسقط ثلاثون قتيلاً، وأصيب 117 بجراح وكان، بين القتلى، مدير البوليس الإنجليزي، وحكمدار المدينة السوداني. وظهر، من التحقيق، أن المدبرين الرئيسيين كانوا، كلهم، من أنصار عبد الرحمن المهدي. وحكم بالسجن على أغلبهم. وكان، من المتهمين، رئيس تحرير جريدة الأمة لتحريضه على الفتنة، وصحفي آخر من أتباع المهدي، وعلى عدد من جماعة الأنصار، التابعة لحزب الأمة، وكانت هذه المؤامرة بغرض القضاء على فكرة الوحدة، مع مصر.
ومما لا شك فيه أن هذه الأحداث كان لها تأثير بالغ السوء على القيادة المصرية التي كان أملها كبير في إتمام الوحدة مع السودان. كما أن الخلافات الداخلية في مصر هي التي شجعت على إحداث مثل هذه الأحداث الدامية في السودان. وغادر محمد نجيب وزملاؤه الخرطوم، مع الفجر، كما غادرها كذلك سلوين لويد، الوزير البريطاني ولم يُفتتح البرلمان السوداني.
لقد ألمح عبد الناصر واتهم نجيب صراحة بتواطئه مع الاخوان المسلمين وحقيقة علاقة محمد نجيب بالاخوان كما يقول الأستاذ عمر التلمساني: محمد نجيب كان على علاقة طيبة بالاخوان وكان في تقديرنا أنه ليس بالشخص الذى يصلح للعمل مع جمال عبد الناصر لأن عبد الناصر يخطط ويبنى منذ زمن طويل.[2]
وكان محمد نجيب رجلا خالص النية تولى قيادة الانقلاب لإصلاح البلاد فكانت علاقتنا به طيبة وحتى علاقته بالنحاس باشا علاقة طيبة. وعلاقاته أيضا مع كل الناس طيبة وقد قام الأستاذ الهضيبي بواسطة الصلح بينه وبين جمال عبد الناصر لكيلا يحدث صدام في الجيش لا تؤمن عواقبه " .
قرارات مجلس قيادة الثورة
في 6 مارس 1954، أعلن جمال عبدالناصر، أن مجلس قيادة الثورة قرر، بجلسة 5 مارس 1954، اتخاذ الإجراءات، فوراً، لعقد جمعية تأسيسية، تُنتخب بطريق الاقتراع العام المباشر، على أن تجتمع، في خلال يوليه 1954، ويكون لها مهمتان:
أولاً: مناقشة مشروع الدستور الجديد، وإقراره.
ثانياً: القيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد، وفقاً لأحكام الدستور، الذي ستقره الجمعية التأسيسية.
وحتى تجرى الانتخابات للجمعية التأسيسية، في جو تسوده الحرية التامة، قرر مجلس قيادة الثورة إلغاء الأحكام العرفية قبل إجراء الانتخابات، بشهر. وإلغاء الرقابة على الصحافة والنشر، ابتداء من 6 مارس، فيما عدا الشؤون الخاصة بالدفاع الوطني. ويكون لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة لحين انعقاد الجمعية التأسيسية. وينظم الدستور الجديد كيفية تنظيم الأحزاب.
جاءت هذه القرارات مفاجأة لأنصار الثورة وخصومها على السواء. وأول ما يلفت النظر فيها أنها تتعارض، في جوهرها، مع القرار السابق صدوره، من مجلس قيادة الثورة في 17 يناير 1953، بتحديد فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات تنتهي في يناير 1956، فماذا جد من الحوادث حتى تجتزأ نحو سنتين من هذه الفترة؟ لعل خلافاً جديداً قام بين قادة الثورة أدى إلى صدور هذا القرار الذي يحمل بين طياته تخلي الثورة عن مهمتها.
وفي 8 مارس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة تعيين اللواء محمد نجيب، رئيساً لمجلس قيادة الثورة، ورئيساً لمجلس الوزراء، بعد أن تنحى جمال عبدالناصر عن رئاسة الوزارة. وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة (انظر ملحق أمر من مجلس قيادة الثورة بتعيين اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء) واستفاضت الأنباء عن قرب صدور قانون الانتخاب للجمعية التأسيسية، كل ذلك ولجنة الدستور لم تتم بعد وضع مشروع الدستور، ولا قانون الانتخاب.
السماح بقيام الأحزاب
وفي 25 مارس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة السماح بقيام الأحزاب، وحل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليه 1954، أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. قد تبلبلت الأفكار من صدور هذه القرارات الخطيرة. ولم يعلم أحد، على أي أساس، ستنتخب الجمعية التأسيسية، أو ينتخب البرلمان. لم يعرف أحد أية هيئة ستتولى شؤون الحكم، في الفترة السابقة لاجتماع الجمعية التأسيسية، ولا أية هيئة ستجري الانتخابات، وهل ستعود الأحزاب المنحلة قبل الانتخابات، أم بعدها، وما هو البديل عن مجلس قيادة الثورة؟ خاصة وأن مباحثات الجلاء كانت متوقفة، وبريطانيا تكشر عن أنيبها، وعدوانها قائم في القناة، وخصوم الثورة واقفون لها بالمرصاد.
وأخذ أعضاء مجالس الأحزاب المنحلة يجتمعون ويتداولون، وبات متوقعاً لو عادت إليهم السلطة أن ينتقموا من الثورة وزعمائها، وأن ينكلوا بالذين كانوا السبب في إقصائهم عن الحكم، وفي زوال حكم فاروق. ورفع الهضيبي، وعبدالحكيم عابدين، أمام مجلس الدولة، دعوى على وزارة الداخلية، بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، وطلبا وقف تنفيذ قرار الحل.
عدول المجلس عن قرارات مارس
اجتمع ضباط الجيش، من جميع الأسلحة، في ثكناتهم، في 27 مارس 1954، وتشاوروا في الموقف، ورأوا أن الثورة مهددة بالانحلال، إذا نفذت قرارات 5 و25 مارس، وأن، البلاد ستعود إلى الفوضى، وإلى الأحزاب المنحلة نفسها، فأصدروا قرارات إجماعية بإلغاء قرارات 5 و25 مارس، وشفعوا ذلك بقرار الاعتصام في ثكناتهم إلى أن تلغى هذه القرارات، وحملوا مجلس قيادة الثورة مسؤولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم. وأضرب عمال النقل، احتجاجاً على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة، في مباشرة سلطاته، وعدم الدخول في معارك انتخابية، قبل جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات، ووسائل النقل في البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل.
العدول عن قرارات 5 و25 مارس 1954 وانتهاء الأزمة
إزاء ذلك، اتخذ مجلس قيادة الثورة في اجتماعه 29 مارس القرارات الآتية:
أولاً: إرجاء تنفيذ القرارات، التي صدرت في 5 و25 مارس 1954، حتى نهاية فترة الانتقال.
ثانياً: تشكيل مجلس وطني استشاري، يُراعى فيه، تمثيل الطوائف والهيئات، والمناطق المختلفة.
وانتهى الإضراب العام في تمام الساعة الخامسة من صباح 30 مارس 1954.
مجلس الوزراء العسكري
تخلى محمد نجيب عن رئاسة الوزارة، واقتصر على رئاسة الجمهورية، ومجلس قيادة الثورة. وقرر المجلس في 17 أبريل 1954، قبول هذا التخلي، وتكليف جمال عبد الناصر تأليف الوزارة، فألفها، برئاسته، من معظم أعضاء الوزارة السابقة، مع تعديل فيها، إذ رأى مجلس القيادة أن يضطلع بعض قادة الثورة بأعباء الحكم، وتحمل مسؤولياته، ودخل، في الوزارة، وزراء جدد هم: حسين الشافعي للحربية، وحسن ابراهيم، وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، ومحمد عوض محمد للمعارف، وعبد الحميد الشريف للمالية، وحسن مرعي للتجارة والصناعة، وجندي عبد الملك للتموين وخرج من الوزارة السابقة: عبد الجليل العمري، وحلمي بهجت بدوي، وعلي الجريتلي، وعباس عمار، ووليم حنا، وحسن بغدادي، وخرج سليمان حافظ من منصبه "مستشار رئيس الجمهورية".[3]
وفي 31 أغسطس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة قبول استقالة عبد الحميد الشريف، وزير المالية، ومحمد عوض محمد، وزير المعارف، وإجراء التعديلات الآتية في الوزارة.
تعيين جمال سالم نائباً لرئيس الوزارة، وفتحي رضوان وزيراً للمواصلات، وحسين الشافعي وزيراً للشؤون الاجتماعية، وكمال الدين حسين وزيراً للمعارف، وعبد الحكيم عامر وزيراً للحربية، مع احتفاظه بمنصب القائد العام للقوات المسلحة، وأنور السادات وزير دولة، وعبد المنعم القيسوني وزيراً للمالية والاقتصاد. وفي فبراير 1955 عُين حسن ابراهيم، وزيراً لشؤون الإنتاج، علاوة على عمله وزير دولة لشؤون رياسة الجمهورية. وفي 2 سبتمبر 1954 صدر مرسوم بإطلاق اسم وزارة التربية والتعليم على وزارة المعارف العمومية.
حادث المنشية
- مقالة مفصلة: حادث المنشية
كان جمال عبد الناصر يخطب في الإسكندرية، بميدان التحرير (المنشية) يوم 26 أكتوبر 1954 في احتفال شعبي كبير، بمناسبة التوقيع على اتفاقية الجلاء. فلما وصل إلى قوله: "أنا لا أستطيع أن أعبر عن شكري لله إذ أحتفل معكم اليوم في هذا الميدان نفسه يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم وكافح آباؤكم وأجدادكم، واستشهد إخوان لكم في الماضي، أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء، بعيد الحرية، عيد العزة والكرامة"، هنا دوت في الميدان رصاصات ثمان متتابعة قيل، وقتئذ، أنه صوبها، إلى صدر جمال عبدالناصر، شاب من جماعة الإخوان المسلمين، يريد اغتياله، ولكن الرصاصات أخطأت المرمى، ولم يصب جمال عبد الناصر.
فارتج السرادق من فظاعة الحادث، ولم يتبين الحاضرون، بادئ الأمر، إذا كان جمال عبدالناصر قد أصيب أم لا، وما مبلغ الإصابة، وبدأ بعضهم في الانصراف، بعد سماعهم دوي الرصاص متتابعاً. وأراد حرس جمال عبدالناصر أن يثنوه عن الحديث، وينحوه عن منصة الخطابة، فدفعهم بكلتا يديه، واستمر، في خطبته، قائلاً بأعلى صوته: "أيها الرجال! فليبق كل في مكانه". وكرر هذه العبارة غير مرة، ومضى قائلاً: "حياتي فداء لكم، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم، بعون الله، بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، عشت لكم، وسأعيش حتى أموت عاملاً من أجلكم، ومكافحاً في سبيلكم، سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبدالناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم، إن مصر اليوم قد حصلت على عزتها، وعلى كرامتها، وحريتها، سيروا على بركة الله نحو المجد، نحو العزة. نحو الكرامة".
وقيل، بعد ذلك، أن التحقيقات أثبتت أن الجاني اسمه محمود عبداللطيف، سمكري في إمبابة، ومن الإخوان المسلمين، وقد جاء إلى مكان الاحتفال، مبكراً، وجلس على بعد 15 متراً، من منصة الرئيس! وكان متمرناً على إطلاق الرصاص؛ لأن الرصاصة الأولي، التي أطلقها، والثانية، اتجهتا نحو الرئيس. وأصابتا الأستاذ أحمد بدر المحامي، الذي كان منه على ربع متر فقط! وأصابت الرصاصة الثالثة مصباحاً كهربياً، فوق المنصة، فانفجر، وأصيب الأستاذ ميرغني حمزة، الوزير السوداني، ونقل الاثنان إلى مستشفى المواساة لتضميد جروحهما.
ومن الواضح أن الرجل لم يكن ماهراً بحال، كما ورد في التحقيقات، فعلى الرغم من صغر المسافة (15 متراً) جاءت رصاصة على بُعد ربع متر! والأخرى في المصباح! وهذا كله يثير تساؤلات عديدة عن حقيقة الحادث ودوافعه وملابساته.
تشكيل محكمة الشعب أول نوفمبر 1954
- مقالة مفصلة: المحاكم العسكرية في مصر
في أول نوفمبر 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة أمراً، بتأليف محكمة مخصوصة، سُميت "محكمة الشعب"، برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات، حسين الشافعي، لمحاكمة الأفعال التي تعد خيانة للوطن، أو ضد سلامته في الداخل والخارج، وكل ما يعتبر موجهاً ضد نظام الحكم، والأسس التي قامت عليها الثورة. وكانت هذه المحكمة رابع نوع من المحاكم تشكله الثورة، بعد المجالس العسكرية، ومحكمة الغدر، ومحكمة الثورة.
وقد عقدت جلساتها، بمبنى قيادة الثورة، بالجزيرة، ثم ألفت ثلاث دوائر فرعية، لمحكمة الشعب، لنظر قضايا بقية الإخوان، المشتركين في حوادث الاغتيال والإرهاب، وعددهم نحو سبعمائة.
أُلفت الدائرة الأولى، برئاسة اللواء صلاح حتاتة، والثانية برئاسة القائممقام حسين محفوظ ندا، والثالثة برئاسة قائد الجناح عبد الرحمن شحاتة عنان، ونظرت هذه الدوائر في القضايا، التي أحالتها إليها محكمة الشعب. وتركزت جلسات الدوائر الثلاث التي أصدرتها محكمة الشعب على زعماء الإخوان.
وتبين أن عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب هو 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254، وأن عدد المعتقلين وصل إلى مداه، يوم 24 أكتوبر 1955، بعد الإدعاء بكشف مخابئ الجهاز السري، والمخابئ السرية للأسلحة والقنابل، التابعة للإخوان، فوصل إلى 2943 معتقلاً. وقد تناقص هذا العدد في عام 1956 إلى 571 معتقلاً. أُفرج عنهم قبل يوم 23 يوليه 1956.
إقالة نجيب
- مقالة مفصلة: محمد نجيب
كان محمد نجيب مازال، حتى يوم حادث المنشية، رئيساً للجمهورية، بلا سلطات عملية تقريباً، ينوب عنه، في الغالب، ويحضر مقابلاته حسن إبراهيم، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية. وعندما وجد محمد نجيب، في اتفاقية الجلاء، بعض ما يستحق النقد، كتب مذكرة إلى مجلس قيادة الثورة. ثم فوجئ بها مطبوعة يوزعها الإخوان المسلمون. وعقب حادث المنشية، أرسل إلى جمال عبدالناصر، برقية ومندوباً للاستفسار عن صحته، ولكن الصحف والإذاعة لم تشر إلى ذلك؛ فذهب محمد نجيب، إلى عبدالناصر، في منزله، مستفسراً عن سبب عدم الإشارة إلى ذلك في الصحف، مستنكراً أن يكون وراء ذلك محاولة إفهام الناس برضائه عن هذا الحادث. ولم يسمع محمد نجيب جواباً مرضياً.
في يوم 14 نوفمبر، توجه محمد نجيب إلى مكتبه، فوجد عدداً من ضباط البوليس الحربي، أمام قصر عابدين. ولما اتصل بجمال عبدالناصر مستفسراً عما وراء ذلك. حضر إليه، بعد فترة قصيرة، عبد الحكيم عامر، وحسن إبراهيم، ليبلغاه أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءه من منصبه.
وذهب الاثنان معه إلى حيث حُددت إقامته، في فيلا صغيرة، كانت تملكها السيدة زينب الوكيل، بضاحية المرج، شمال القاهرة. وصدر في اليوم نفسه، قرار بإعفائه من جميع المناصب، التي كان يشغلها، كما تقرر أن يبقى منصب رئاسة الجمهورية شاغراً. وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته، بقيادة جمال عبد الناصر (انظر قرار مجلس قيادة الثورة بإعفاء محمد نجيب).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بريطانيا وأزمة مارس
في 14 يناير من عام 1954 تم حل جماعة الإخوان المسلمين بعد اهتمامهم بمحاولة التأثير واختراق الجيش والبوليس، وكان رأي السفارة البريطانية أن العكس هو الصحيح بدليل أن عدد المقبوض عليهم وسهولة ذلك تم كما يبدو بعد إعداد مسبق كما أن وجود كمية من الأسلحة في منزل حسن العشماوي الريفي لا يعني شرط وجود مؤامرة ولكن كما هو معروف منذ زمن طويل أن هذه الأسلحة كانت من أجل القيام بأعمال فدائية ضد القوات البريطانية وعلى حسب تعبير السفارة البريطانية فإن الأدلة حول وجود مؤامرة إرهابية لقلب نظام الحكم تبدو متناقضة وتكمل السفارة رأيها في حل جمعية الإخوان المسلمين قائلة أن العلاقة بين مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمين متدهورة منذ فترة ولا يوجد أي دليل على أن أحداث الجامعة في 12 يناير كانت من تدبير الإخوان أو مقدمة الانقلاب جديد بل أنه من الأرجح أن الفرصة قد استخدمت إن لم يكن قد تم تدبيرها من أجل القضاء على الإخوان لماذا إذن في هذا التوقيت بالذات وكانت الإجابة للسؤال الذي طرحته السفارة على نسها هو: هل من أجل إطلاق يد النظام في الوصول إلى اتفاق معهم؟ لا لأنه من الممكن أن يكون الإخوان قد قرروا القيام بعمليات فدائية ضد القوات البريطانية لأحداث أزمة بين النظام والقوات البريطانية ولا يوجد دليل على ذلك بل الأغلب في الأحداث أزمة بين النظام والقوات البريطانية ولا يوجد دليل على ذلك بل الأغلب في رأي السفارة هو فشل النظام في خلق قاعدة للتعاون المشترك مع الإخوان حيث أن ضم بعض عناصرهم مثل الشيخ الباقوري إلى الوزارة لم يأت بالنتائج المرجوة وكان الخلاف هو دمج وحدا الإخوان في هيئة التحرير ودرجة التسليح إلخ وتغير الموقف في منتصف عام 53 عندما تقرر تقليم أظافر الهضيبي المرشد العام وأنصاره عن طريق السيطرة على مكتب الإرشاد في انتخابات أكتوبر ورغم نجاح مجلس قيادة الثورة إلى حد كبير إلا أن السيطرة على الإخوان والمجموعة الإرهابية لم تنجح وعندما فشل كل ذلك لم يبق سوى استخدام العنف وكانت أحداث الجامعة الفرصة المناسبة وتخلص السفارة إلى أن مستقبل الإخوان في هذه اللحظة أصبح غامضا فالنظام يحاول ضمهم إلى هيئة التحرير حيث أعلن إبراهيم الطحاوي مساعد السكرتير العام أن الهيئة تقبل الجميع على أن يكون ماضيهم غير ملوث و أنور السادات من خلال مقالات في الجمهورية يحاول استمالة القاعدة الإخوانية وحزب قيادتها في نفس الوقت.
فيكتب على أن النظام الحالي يحافظ على القيم التي أدت إلى نشأة الإخوان في المقام الأول وكان في رأي السفير أنه من الأفضل للنظام في ظل عزلته الحالية إما أن يضم إلى صفوفه الإخوان أو يحولهم إلى جمعية دينية بحتة. ورغم عدم اعتقاد السفارة بأن الهدف من حل جمعية الإخوان كان دفع المفاوضات المصرية البريطانية إلا أنه عمليا قد يؤدي إلى ذلك لأن الإخوان كانوا سيعارضون أي اتفاق مع بريطانيا وضربهم قد أزاح تلك العقبة وأن ذلك قد يدفع النظام إلى اكتساب الثقة بنفسه ولكن في نفس الوقت عليه أن يظهر بأن لا يقل وطنية عن الإخوان لذلك ترجع السفارة الأعمال الفدائية الأخيرة ضد قواتها في منطقة القناة إلى أنها من فعل المخابرات العسكرية المصرية من أجل إظهار النظام بمظهر المدافع عن القضية الوطنية وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك حيث توصلت مصر إلى اتفاقية الجلاء مع بريطانيا في نفس العام.
وإذا كان حزب الإخوان قد اكسب النظام مزيدا من الثقة بنفسه، فإن ذلك قد انعكس على أعضاء مجلس الثورة أنفسهم حيث ظهرت الخلافات واضحة للعيان لأول مرة فيما عرف بعد ذلك باسم (أزمة مارس) فدون الدخول في تفاصيل الأزمة فإن محمد نجيب قدم استقالته في 14 فبراير ثم سحبها وفي 6 مارس قرر مجلس قيادة الثورة انتخاب جمعية تأسيسية تجتمع في يوليو من نفس العام وفي 25 مارس صدر قرار يسمح بعودة الأحزاب وفي نفس الوقت صدر قرار بحل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليو من نفس العام ولكن في 15 أبريل صدرت ما يسمى بقرارات تأمين الثورة التي كانت رجوعا على كل القرارات السابقة وتم حرمان الوزراء الحزبين السابقين من حقوقهم السياسية وفي 17 أبريل أعلن عن تشكيل وزارة جديدة برئاسة جمال عبد الناصر وقد تابعت السفارة الإنجليزية هذه التطورات باهتمام بالغ لما لها من تأثير مباشر على سير المفاوضات التي كانت تجري في ذلك الوقت. وقد لاحظت السفارة مقالة أنور السادات في الجمهورية التي كتب فهيا أن محمد نجيب طلب بعد 5 مارس إعطاءه سلطات رئيس الجمهورية في ظل نظام رئاسي وأن حتى خالد محيي الدين اعترض حيث أن الاتفاق كان على جمهورية برلمانية وأمام رفض المجلس سحب محمد نجيب اقتراحه وطالب بأن يكون رئيسا للوزراء وقد وافق المجلس واقترح عبد الناصر أيضا أن يكون رئيسا لمجلس قيادة الثورة وفي رأي السفارة أن الاتهامات التي كيلت ضد نجيب كانت متناقضة فهو كان يسعى للانفراد بالسلطة من ناحية وإلى عودة الديمقراطية فورا من ناحية أخرى ولا شك أنه كان يسعى إلى تصحيح أخطاء المجلس في رأي السفارة فبعد حل الإخوان المسلمين في يناير ومحاكمة الثورة ازداد الاقتناع لديه بضرورة تصحيح تلك الأخطاء عن طريق ضمان دستوري وترى السفارة أنه من المحتمل جدا أن نجيب لم تكن لديه أفكار واضحة حول الصلاحيات الدستورية لتحويل مجلس قيادة الثورة إلى حكومة فعالة، وأنه كان من الممكن أن يقنع بدوره لو أن المجلس كان على استعداد للأخذ ببعض آرائه بدلا من تجاهلها تماما ولو أن ذلك كان صحيحا كما ترى السفارة فإن ذلك قد يفسر في رأي السفارة قبوله لجمهورية برلمانية وتقييد سلطاته رغم أنه يبدو واضحا أنه كان غير مستعد لعودة الحياة البرلمانية فورا وأن يفكر في جمعية معينة فبعد عودة نجيب من زيارته للسودان في الأول من مارس فإن القوى المتطرفة من الجانبين كانت تعمل هي الأخرى فصلاح سالم كان يريد الاحتفاظ بالسيطرة المطلقة لمجلس قيادة الثورة وعلى الجانب الأحزاب فإن الأحزاب التقليدية كانت تريد استغلال الموقف على أمل أن يعاد نشاطها.
حتى السنهوري والعمري وسليمان حافظ ، مستشاري محمد نجيب اعتقدوا أن جمهورية رئاسية تجعله يعلب لصالح الأحزاب التقليدية فبعد الوصول إلى قرار تأسيس جمعية تأسيسية عن طريق الانتخابات المباشرة ورفع الرقابة أصبحت المسألة الأصلية وهي سلطات محمد نجيب موضوعا ثانويا أمام دعوة الديمقراطية ويبدو أن نجيب قد حمله التيار ولم يكن مستعدا لوقف الأحداث وواضح أن عبد الناصر كان يلعب لصالح كسب الوقت سواء رحب أو لم يرحب بعودة نجيب الذي يبدو أنه في البداية كان نادما حقيقة على قرار عزله والذي أدرك أن نجيب على استعداد للتخلي عن سلطاته أو الرجوع عن جمهورية برلمانية وأن عبد الناصر كان يعمل بصبر ودهاء لتعزيز موقعه وبدلا من قبول الحل الوسط الذي يعد نصرا معنويا لنجيب سمح بل شجع على إعادته في نفس الوقت الذي لم يقف فيه مع أشد أنصاره تطرفا جمال سالم ولم يستغل الأغلبية في المجلس التي تؤيده هذه السياسة التي بدأت برفع الرقابة عن الصحف أدت إلى عودة الأحزاب وكان هدفه هو خلق حالة تدفع إلى تدخل الجيش أو رد فعل لدى الشعب ضد الساسة التقليديين.
ولا شك أنه نجح في كسب الوقت وفي تدعيم سلطة المجلس في الجيش وإعداد الحرس الوطني وهيئة التحرير والنقابات العمالية للحركة وبالتالي تحدي نجيب على أرضه داخل الجيش وأثبت أنه سياسي محنك وهزم الساسة التقليديين في لعبتهم بموقعه كرئيس للدولة ورئيس للوزراء ويستطيع أن يحجب توقيه واستعمل ذلك الحق في التأثير على قرار 5 أبريل ومنع تقديم عبد الجليل العمري أمام محكمة الثورة ولكنه ما زال يعتمد على عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة أما التعامل فقد شعروا بقوتهم وعاد الإخوان إلى الساحة السياسية مرة أخرى وقد أثبت عبد الناصر ومجلس القيادة سيطرتهم على غالبية الجيش وكان لمرض محمد نجيب في ذلك الوقت بالذات أثره في ابتعاد العناصر المتطرفة دون أن يظهر البديل ولكنهم لم يعودوا يشعرون بالثقة التي كانوا يشعرون بها في بداية الثورة.
بدأ الإنجليز يعدون العدة لما بعد نجيب بل لقد تساءلوا حول احتمال اغتيال أو سقوط نجيب وهل يوجد من يؤيدونه هل يوجد زاهدي مصري (إشارة إلى زاهدي الذي قام بالانقلاب على مصدق لصالح شاه إيران) بعد أن يثبت أن النحاس مصدق مصري على حد قول السفير البريطاني وكانت الاحتمالات القائمة من وجهة نظر بريطانيا هي:
- أن يأخذ أحد أعوان محمد نجيب، غالبا جمال عبد الناصر، الزمام في يده ويشيد نظاما أكثر صرامة ودكتاتورية عن الآخر.
- انقلاب جديد بتأييد من الوفد
- انتشار الفوضى وحكم الغوغاء ينتج عنه سيطرة الإخوان أو ظهور زعيم جديد مؤيد من الوفد والإخوان وكان النتيجة بالنسبة للإنجليز أنه أيا كانت الاحتمالات فإن ذلك كان يعني مفاوضات أكثر صعوبة ولم يكن أمام بريطانيا عندئذ مفر من تأييد البديل أن ظهر ذلك البديل ولكن كان السؤال بالنسبة لهم هل يعني هذا التأييد أية التزامات مادية أو عسكرية؟ وكان رأي السفير أنه لا يوجد بديل ممكن مساعدته، وأن اغتيال نجيب أو ناصر سيؤدي إلى زيادة وحدة مجلس قيادة الثورة وقمع المعارضة وأن أي فرصة لتغيير القيادة من خلال وسائل أخرى تبدو ضعيفة.
وقد كتب الإنجليز تقريرا عرض على حلف الأطلنطي بعد أحداث مارس أشاروا فيه إلى أن أزمة مارس قد أصابت النظام في مصر بصدمة ولكن الجيش مازال يؤيد مجلس قيادة الثورة والأمور تحت سيطرتهم ولكن ما زال على النظام ترويض الطلاب وأن الخطر يكمن في الإفراج عن الإخوان المعتقلين كما أن وحدة مجلس الثورة والجيش ستظل قائمة إلى حين ولكن بقاء مجلس الثورة يعتمد على اتفاقية القناة أما الاحتلال الأرجح فهو أن يستمر النظام بعد الفترة الانتقالية التي أعلنها نجيب في يناير 1953 بثلاث سنوات وأن كان مع تعدد الأزمات فإن الهجوم على بريطانيا والغرب سيزيد كما أن فلسفة المجلس لم تعيرها الأحداث التي ما زالت معادية للشيوعية ونسبيا إلى حد ما مع الغرب ولا توجد حكومة بديلة في الأفق الحالي أكثر ملائمة للغرب من الحكومة الحالية أخيرا فإن استعمال عبد الناصر للعمال ضد نجيب سلاح ذي حدين لأنهم من الممكن أن يفلت زمامهم من يد الجيش وأن كان يبدو أن عبد الناصر مسيطر عليهم تماما.
وبعد شهر تقريبا تكتب السفارة من القاهرة أن موقف النظام قد تحسن خلال الأسابيع الماضية وأن المعارضة داخل الجيش قد تم القضاء عليهم مع اضمحلال سلطة محمد نجيب والقضاء على خالد محيي الدين ترى هل كان ذلك ثمن تأييد الأمريكان لمصر أمام بريطانيا) وأن أسباب الانقسام قد زالت فنجيب معزول لا حول له ولا قوة وأن عبد الناصر على درجة من القوة الآن بحيث يستطيع أن يقول لمراسل الأسوشيتد برس في 2 مايو أن محمد نجيب لا يهتم الآن سوى بواجباته الشكلية كرئيس للدولة دون أي دور يلعبه ويبدو أن جمال سالم كان يريد موقفا أكثر تشددا مع نجيب ولكن المجلس بصفة عامة متجانس وعبد الناصر أكثرهم تميزا معنويا وهكذا أدرك الإنجليز أن جمال عبد الناصر قد خرج منتصرا من أزمة مارس لذلك لم يكن مستغربا أن يتلقى الجنرال جلوب في الأردن تقريرا عن قرب عزل نجيب وذهابه إلى السعودية حيث وافق الملك سعود على إيوائه وأن لم يستطيع الإنجليز التحقق من صحة ذلك فعلى الأقل كانوا يعلمون أن أيام نجيب أصبحت معدودة بل أن السفير البريطاني يكتب أن زميله العراقي أخبره أن رئيس الوزراء السوداني حاول أن يتوسط بين نجيب وعبد الناصر وأن نجيب مستاء من اتهام عبد الناصر له بأن المظاهرات التي خرجت لتأييده كانت من أعداء النظام ككل وليس أنصاره فقط وأنه قانع بموقعه الآن على أمل أن يخفف من قبضة النظام التسلطية ويقول السفير العراقي أن نجيب لم يعقب على اتفاقية قناة السويس بعد عبد الناصر لأن تعقيبه سيكون بلا معنى وأنه ينتظر التوقيع عليها ليعقب عليها كرئيس دولة وأنه موافق عليها إلا أنه من الواضح أن أيام نجيب أصبحت معدودة وقد أصبح مجرد رئيس شرفي.
وأتت محاولة اغتيال عبد الناصر في حادثة المنشية بالإسكندرية في شهر أكتوبر من قبل أحد عناصر الإخوان المسلمين لتزيد من شعبية عبد الناصر من ناحية وتعطي الفرصة له للتخلص من نجيب نهائيا فكما لاحظت السفارة الإنجليزية أن أحد زملاء عبد الناصر رأى أن محاولة الاغتيال هذه لن تهز معنويات النظام كما قال بل على العكس فإن رصيد التعاطف مع عبد الناصر سوف يزداد وتوافق السفارة على هذا الرأي ورغم أن نائب المرشد العام للإخوان المسلمين قد أرسل برقية تهنئة لعبد الناصر على نجاته إلا أن المتظاهرين أشعلوا النار في مقر الجماعة وتم اعتقال الكثير من الإخوان في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية ولم يمض شهر واحد حتى كتبت السفارة تقول أن محمد نجيب قد فشل في تأييد مشروع المعاهدة وأن الشائعات والدلائل تشير إلى قرب مواجهة بين رئيس الوزراء عبد الناصر ورئيس الجمهورية محمد نجيب وكيف أن الارتياح يسود الأوساط المعتدلة للمعالجة التي واجهت بها الحكومة حركة الإخوان رغم خيبة الأمل في عدم استقرار اتفاقية القناة بعد وبعد عشرة أيام تبرق السفارة الإنجليزية في القاهرة إلى لندن قائلة أنه تم عزل محمد نجيب رئس الجهورية بناء على قرار من مجلس الوزراء في اليوم السابق (13 نوفمبر 1954) وأن عبد الحكيم عامر وزير الدفاع وحسن إبراهيم وزير شئون الرئاسة قد أبلغا الخبر لنجيب الذي تقبل الوضع بهدوء وتم وضعه تحت الحراسة في منزل بالمرج وقد تم الربط بين الإخوان ونجيب عندما أعلن بصفة شبه رسمية أن اثنين من الإخوان أدانا محمد نجيب في محاولة الانقلاب الفاشلة وأن نجيب كان على اتصال بهما وأنه في حالة نجاح الانقلاب كان على استعداد للبقاء كرئيس للجمهورية كما تم عقد اجتماع لنقابات العمال لتأييد قرار عزل نجيب وأعلنت وزارة الخارجية أن عبد الناصر هو الذي سيقوم بمهام الرئيس وتكتب السفارة تعليقا على الأحداث في اليوم التالي قائلة أن كل الشواهد كانت تدل على أن عزل نجيب كان حتميا خاصة وأن اسمه قد ذكر في محاكمات الإخوان المسلمين أمام محكمة الشعب وتضيف السفارة أنه لا يوجد تفسير منطقي لهذا التوقيت بالذات لعزل نجيب ولا شك أن محاكمات الإخوان وربطه بهم كان أنسب وقت ولكن الاعتقاد كان في القضاء أولا على الإخوان قبل الالتفات إلى نجيب إلا إذا كان الشعور بأن القضاء أولا على الإخوان قد تم بالفعل وأن النظام من القوة بحيث يلتفت إلى نجيب وتضيف السفارة إلى رأيها فيما حدث أن النظام كان من الذكاء والحكمة بحيث لم يدع العمال للتظاهر بينما كانت الحركة ضد نجيب في فبراير متسرعة فإنها هذه المرة كانت نتيجة تخطيط طويل ومحكم خاصة بين صفوف القوات المسلحة وقد اعترفت انجلترا بالتغيير الذي رأته حتميا عندما أثيرت مشكلة الاعتراف بالنظام الجديد حيث كان لقب الملك ملك مصر والسودان وبعد الثورة أصبح مجرد رئيس الجمهورية دون إشارة إلى مصر أو السودان وبما أنه قد جرت العادة على أن توجه أوراق اعتماد السفير إلى رئيس الجمهورية دون تسمية على حسب رأي الإنجليز فلا حاجة إلى التحديد ولكن في حالة نجيب ذكر الاسم كما لاحظ الإنجليز لذلك كان رأي الإنجليز أنه إذا طلبت الحكومة المصرية إعادة تقديم أوراق الاعتماد فلا مانع خاصة وأنها مسألة داخلية لا تغير من طبيعة النظام.
الآثار المترتبة على أزمة مارس
هكذا وصل الصدام الأخير مع مجلس قيادة الثورة إلى نهايته، وأسفر عن:
- عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية.
- حل الأحزاب السياسية، ووضع قادتها في السجون.
- إغلاق صحيفة المصري، التي لعبت دوراً كبيراً، في أزمة مارس.
- حل جماعة الإخوان المسلمين وإعدام قادتها ووضع الألوف، من أعضائها، في المعتقلات والسجون.
- فشل محاولات الانقلاب العسكري، وانتهاء التنظيمات العسكرية المستقلة، أو التابعة للقوى السياسية الخارجية داخل الجيش.
- حل نقابات الصحفيين والمحامين، وتعيين لجان مؤقتة لها موالية لمجلس قيادة الثورة[4]
وبالتالي كان النصر في النهاية لمجلس قيادة الثورة، باعتباره المعبر عن حركة الجيش أكثر رجحاناً. وخاصة بعد أن انفردت الحركة بالقوى المختلفة، تطيح بها، واحدة بعد الأخرى، من دون إدراك بأن هذه المطرقة الهاوية لن تتوقف، إلا إذا تحولت كل التنظيمات الحية إلى جثث هامدة، أو مغشي عليها. ومنذ عزل محمد نجيب، واختفاء التنظيمات السياسية، وملء السجون والمعتقلات السياسية من مختلف الاتجاهات. أصبحت حركة الجيش هي المسيطرة. وانتصر الجانب المسلح، من الطبقة المتوسطة، بعد أن وجه ضربة قاضية للإقطاع، وضربات شديدة لأبناء طبقته من المدنيين. وانتهت سنوات التصادم بانتصار كامل للعسكريين. وبدأت مواجهتهم لمشاكل المجتمع تحدد خط سيرهم، في المستقبل القريب والبعيد.
انظر أيضا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المصادر
- ^ ثورة 23 يوليو في مصر، موسوعة المقاتل
- ^ قصتنا مع إنقلاب يوليو، الشبكة الدعوية
- ^ أزمة مارس 1954، مع هيكل، قناة الجزيرة
- ^ وكان مجلس نقابة المحامين مشكلا من عبد الرحمن الرافعي رئيساً وصليب سامي وكيلا وزهير جرانة أمينا للصندوق ومحمود الحناوي سكرتيراً وعلي بدوي ومحمود فهمي جندية وعمر عمر ومحمد مصطفى القلعي وعازر جبران وأحمد زكي الحشيتي ويواكيم غبريال وتوفيق ومنصور فريد وأحمد بدر وعبد العزيز الشوربجي وصلاح عبد الحافظ وعادل علوبة أعضاء .. وعين فكري أباظة رئيسا لمجلس نقابة الصحفيين.
- السعودية
- جمال عبد الناصر
- السودان
- الإخوان المسلمون
- لندن
- الإسكندرية
- محمد نجيب
- عبد الرحمن المهدي
- الصادق المهدي
- إسماعيل الأزهري
- الخرطوم
- وزارة التربية والتعليم
- عمر التلمساني
- صلاح سالم
- قصر عابدين
- عبد الحكيم عامر
- حزب الأمة
- خالد محيي الدين
- حسين الشافعي
- حسن إبراهيم
- عبد القادر عودة
- مجلس قيادة الثورة
- سليمان حافظ