عبد الرزاق السنهوري
دكتور عبد الرزاق السنهوري (11 أغسطس 1895 - 21 يوليو 1971) مشرع ورجل قانون مصري. قام بوضع دساتير العديد من الدول العربية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
ولد السنهوري في 11 أغسطس سنة 1895م بمدينة الإسكندرية لأسرة فقيرة، وعاش طفولته يتيمًا، حيث توفي والده (الموظف بمجلس بلدية الإسكندرية) ولم يكن يبلغ من العمر أكثر من خمس سنوات.
بدأ تعليمه في الكُتَّاب ثم التحق بمدارس التعليم العام وتدرّج بها حتى حصل على الشهادة الثانوية سنة 1913م، وكان ترتيبه الثاني على طلاب القطر المصري.
قرأ في مرحلة مبكرة من عمره درر التراث العربي، حيث قرأ كتب: الأغاني، والأمالي، والعقد الفريد، وقرأ ديوان المتنبي، وكان كثير الإعجاب به ويفضله على غيره من شعراء العربية.
نال درجة الليسانس في الحقوق سنة 1917م من مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة (باللغة الإنجليزية)، وجاء ترتيبه الأول على جميع الطلاب، رغم أنه كان يعمل موظفًا بوزارة المالية إلى جانب دراسته. - تأثر في مرحلة شبابه بالزعيم المصري الوطني المصري "مصطفى كامل"، وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها، كما كان معجبًا بالكواكبي وعبد العزيز جاويش ومحمد فريد وجدي. - عين بعد حصوله على ليسانس الحقوق بالنيابة العامة في سلك القضاء بمدينة المنصورة بشمال مصر. - شارك أثناء عمله بالنيابة العامة في ثورة 1919م، فعاقبته سلطات الاستعمار الإنجليزي بالنقل إلى مدينة أسيوط أقصى جنوب مصر.
ترقى سنة 1920م إلى منصب وكيل النائب العام، وفي نفس العام انتقل من العمل بالنيابة إلى تدريس القانون في مدرسة القضاء الشرعي، وهي واحدة من أهم مؤسسات التعليم العالي المصري التي أسهمت في تجديد الفكر الإسلامي منذ إنشائها سنة 1907م، وزامل فيها كوكبة من أعلام التجديد والاجتهاد، مثل الأساتذة أحمد إبراهيم وعبد الوهاب خلاف وعبد الوهاب عزام وأحمد أمين، وتتلمذ عليه عدد من أشهر علماء مصر، وعلى رأسهم الشيخ محمد أبو زهرة.
سافر إلى فرنسا سنة 1921م في بعثة علمية لدراسة القانون بجامعة ليون، وهناك تبلورت عنده الفكرة الإسلامية، وبدأ يتخذ الموقف النقدي من الحضارة الغربية، فانتقد الانبهار بالغرب، وهاجم تبني د/منصور فهمي لمقولات المستشرقين، وهاجم موقف الشيخ علي عبد الرازق من الخلافة الإسلامية وتأثره فيه بالمناهج العلمانية والرؤية النصرانية.
وفي فرنسا وضع د/عبد الرزاق السنهوري رسالته الإصلاحية التي عرفت بـ (مواد البرنامج) الذي يتضمن رؤيته في الإصلاح، وأنجز خلال وجوده في فرنسا رسالته للدكتوراه (القيود التعاقدية على حرية العمل في القضاء الإنجليزي)، ونال عنها جائزة أحسن رسالة دكتوراه. وأثناء وجوده هناك ألغيت الخلافة الإسلامية، فأنجز رسالة أخرى للدكتوراه عن (فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية) رغم عدم تكليفه بها وتحذير أساتذته من صعوبتها والمناخ الأوروبي السياسي والفكري المعادي لفكرتها!.
عيّن بعد عودته سنة 1926م مدرسًا للقانون المدني بكلية الحقوق بالجامعة المصرية (القاهرة الآن). - شارك في المعارك السياسية والفكرية التي كانت تموج بها الحياة في مصر قبل الثورة، وكان قريبًا من كل تيارات التغيير والإصلاح رغم عدم انضمامه لحزب أو تنظيم. فصلته الحكومة سنة 1934م من الجامعة لأسباب سياسية، منها تأسيسه لـ "جمعية الشبان المصريين".
سافر إلى العراق سنة 1935م بدعوة من حكومتها، فأنشأ هناك كلية للحقوق، وأصدر مجلة القضاء، ووضع مشروع القانون المدني للدولة، ووضع عددًا من المؤلفات القانونية لطلاب العراق.
عين بعد عودته لمصر من بغداد سنة 1937م عميدًا لكلية الحقوق ورأس وفد مصر في المؤتمر الدولي للقانون المقارن بلاهاي.
أسندت إليه وزارة العدل المصرية مشروع القانون المدني الجديد للبلاد، فاستطاع إنجاز المشروع، ورفض الحصول على أي مكافأة.
أجبر مرة أخرى على ترك التدريس بالجامعة سنة 1937م فاتجه إلى القضاء فأصبح قاضيًا للمحكمة المختلطة بالمنصورة، ثم وكيلاً لوزارة العدل، فمستشارًا فوكيلاً لوزارة المعارف العمومية، إلى أن أبعد منها لأسباب سياسية سنة 1942م فاضطر إلى العمل بالمحاماة رغم عدم حبه لها.
عاد للعراق مرة أخرى سنة 1943م لاستكمال مشروع القانون المدني الجديد، ولكن بسبب ضغوط الحكومة المصرية (الوفدية) على الحكومة العراقية اضطر للسفر إلى دمشق، وبدأ وضع مشروع القانون المدني لها، ولكن أعيد مرة أخرى لمصر بسبب ضغوط حكومية.
وضع أثناء وجوده في دمشق أول مخطط لإنشاء اتحاد عربي سنة 1944م قبل قيام الجامعة العربية، ووضع مشروع معهد الدراسات العربية العليا الذي تأجل تنفيذه حتى سنة 1952م في إطار جامعة الدول العربية.
تولى وزارة المعارف العمومية في أكثر من وزارة من عام 1945م حتى 1949م، وقام أثناءها بتأسيس جامعتي فاروق (الإسكندرية الآن) وجامعة محمد علي.
عيّن عضوًا بمجمع اللغة العربية في القاهرة سنة 1946م.
وكان له نشاط دبلوماسي وقد عمل ضمن البعثة الدبلوماسية المصرية في الأمم المتحدة 1947_1948.
عيّن سنة 1949م رئيسًا لمجلس الدولة المصري، وأحدث أكبر تطوير تنظيمي وإداري للمجلس في تاريخه، وأصدر أول مجلة له، وتحول المجلس في عهده للحريات واستمر فيه إلى ما بعد ثورة يوليو سنة 1952م. - شارك في وضع الدستور المصري بعد إلغاء دستور 1923م.
سافر إلى ليبيا بعد استقلالها، حيث وضع لها قانونها المدني الذي صدر سنة 1953م دون مقابل.
وبعد الثورة، حظي بتكريم الرئيسين محمد نجيب وجمال عبد الناصر. ثم حدث صدام بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر سنة 1954م أقيل بسببه من مجلس الدولة، فاعتزل الحياة العامة حتى وفاته، وفرض عليه النظام الناصري عُزلة إجبارية حتى عام 1970م.
استطاع أثناء عزلته (من 1954-1970) إنجاز عدد من المؤلفات القانونية المهمة، كما وضع المقدمات الدستورية والقانونية لكل من مصر وليبيا والسودان والكويت والإمارات العربية المتحدة، ولم تسمح له السلطات المصرية بالسفر إلا مرة واحدة تلبية لدعوة أمير الكويت سنة 1960م، واستطاع خلال هذه المدة وضع دستور دولة الكويت واستكمال المقومات الدستورية القانونية التي تؤهلها لعضوية الأمم المتحدة.
- توفى في 21/7/1971م ولم يترك من الأبناء إلا ابنته الوحيدة د/نادية عبد الرزاق السنهوري زوجة د/توفيق الشاوي أستاذ القانون والمفكر الإسلامي الكبير.
لمحة عن دورة
لمحـــة عنه:
يعد عبد الرزاق السنهوري بحق (طاغوت القوانين الوضعية المعاصرة)!!؛ فقد سخر هذا الرجل جهوده وذكاءه وتفوقه في سبيل التمكين لهذه القوانين الضالة المضلة في بلاد الإسلام، وتحسين صورتها أمام المسلمين بما يضفيه عليها من مسحات (إسلامية) يخلط من خلالها الحق بالباطل؛ ليكون ذلك أمكن في تثبيتها وأسرع لرواجها بعد أن أشرب قلبه حبها، وقصر عمره على دراستها ونشرها.
فالسنهوري قد قام بعمل القوانين الوضعية التالية:
1-القانون المدني المصري عام 1936، حيث عرضت الحكومة المصرية على السنهوري القيام بعمل قانون جديد لها بدل القانون المصري القديم الذي أنشئ زمن الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1883م، فقام بذلك متعاوناً مع أستاذه الفرنسي (إدور لامبير) !! الذي وضع الباب التمهيدي.
وقد صدر هذا المشروع في يوليو 1948م، وبدأ تنفيذه في أكتوبر عام 1949م([2]) .
وقد قال السنهوري مفتخراً بقانونه الوضعي هذا([3]) :
جهود منهكات مضنيــات وصلت الليــل فيهـا بالنهار
وكنت إذا استبد اليأس يوماً أسـل عزيمة الأسـد المثــار
قلت: بئس الفخر فخرك ! حيث نازعت الله –عز وجل- في حكمه، ومكنت لهذه القوانين الكفرية في الإسلام.
ثم وضع السنهوري أو ساهم في وضع الدستور المصري بعد ثورة جمال عبد الناصر ورفاقه([4]).
2-عمل قانون العراق بطلب من رشيد عالي الكيلاني عام 1936م، وعندما عاد إلى بلاده (اصطحب معه العشرة الأوائل من أبناء كلية الحقوق ببغداد، وألحقهم بكلية الحقوق بالقاهرة، فكانوا نواة الأساتذة العراقيين الذين اضطلعوا بتدريس القانون هناك فيما بعد) ([5])!
أي أنه لم يكفه أن قام بعمل القانون الوضعي، حتى ربى تحت نظره من يواصل مسيرته في التمكين له! نسأل الله العافية
3-عمل قانون سوريا عام 1943م([6]).
4-عمل قانون ليبيا 1953م، بدعوة من الحكومة الليبية بعد استقلالها([7]).
5-عمل دستور دولة الكويت في عهد أميرها عبد الله السالم الصباح عام 1960 – 1961م([8]).
6-عمل دستور السودان([9]) .
7-عمل دستور دولة الإمارات العربية المتحدة([10]).
8-قال الدكتور عبد الباسط الجميعي (وكذلك وضع السنهوري لإمارة البحرين مجموعة من القوانين العصرية) ([11]). أي الكفرية!
هذه أهم القوانين التي وضعها السنهوري وهي –كما يقال- أبرز جهوده أثناء حياته!، أفلا يحق لنا بعدها أن نصفه بأنه (طاغوت القانون الوضعي)؟!
ولتوضيح خطورة ما قام به السنهوري:
اعلم أن البلاد الإسلامية قبل أن يضع السنهوري قوانينه الوضعية لكثير منها كانت تحكم بالآتي:
1- بعضها يحكم بالشريعة الإسلامية؛ وهي: المملكة العربية السعودية، واليمن([12]).
2- وبعضها الآخر يحكم بالقوانين العثمانية المستقاة من الشريعة الإسلامية([13]) مع بعض التعديلات؛ كالعراق وسوريا وفلسطين والأردن وليبيا.
3- وبعضها يحكم بالقانون الفرنسي!؛ وهي الدول التي انسلخت من الدولة العثمانية، قبل صدور (مجلة الأحكام العدلية)، وهذه الدول: إما أن تكون قد تبنت القانون الفرنسي بمحض إرادتها كما كانت الحال بالنسبة لمصر بلاد السنهوري! ([14]).
أو تكون قد تبنتها بسبب الاحتلال الفرنسي؛ كلبنان وتونس والمغرب والجزائر.
وقد كان المسلمون –رغم ضعفهم- يعلمون مخالفة هذه القوانين الفرنسية لشريعة الرحمن، ويتحرج الكثير منهم من التحاكم إليها أو الرضا بها، ويتمنون الخلاص منها، والتحاكم إلى شرع ربهم، وأعداء الإسلام من الذين لا يريدون أن تقوم للشرع قائمة لا يجهلهم ذلك([15])، ولهذا فقد تفتقت أذهانهم عن خطة ماكرة تقوم على محاولة ترميم وتحسين هذه القوانين الكفرية بمزجها بشيء من الأحكام الشرعية([16]) ليسهل هضمها وقبولها من المسلمين بعد خداعهم بهذا المزج الذي سموه (أسلمة) للقوانين، أو (تطويراً) للشريعة الإسلامية!، بشرط أن يقوم بهذه المهمة رجال يحملون الهوية الإسلامية زيادة في التضليل، وحبكاً للمخطط.
وقد وقع نظر القوم على السنهوري باشا! الذي لفت انتباههم بتفوقه وميوله الحقوقية.
فتم ابتعاثه –كما سبق- إلى بلاد القانون الوضعي: فرنسا!، وأوكلت مهمة الإشراف عليه إلى من قيل فيه (علامة القانون المقارن)! ([17]) ؛ وهو أستاذه (إدوار لامبير) الذي كان يقول عن السنهوري: (لقد وجدت ضالتي المنشودة أخيراً على يد السنهوري، وهو من أنبغ تلاميذه الذين درست لهم خلال حياتي العملية كأستاذ) ([18])
ولهذا وجدنا الحكومة الفرنسية تمنح السنهوري وسام (ليجيون دويز) نظراً لجهوده في الترويج لقوانينهم الكفرية بطريقة (إسلامية)!، ونظراً لتقريره اللغة الفرنسية على طلاب الثانوية أثناء وزارته للمعارف عام 1935م([19]) .
ولقد قام السنهوري بمهمته كما أراد الأعداء، حيث تولى كِبْر صياغة القوانين الوضعية الكفرية الجديدة بعد أن خلط باطلها الكثير بحقٍ قليل زيادةً في التضليل، وبدهاء لا يجيده إلا أكابر المجرمين.
وأثمرت جهوده([20]) كما قال الأستاذ مجيد خدوري : (في إدخال الإصلاح التشريعي وفق أسس علمانية) ([21]).
وقال خدوري –أيضاً- : (يمكن أن يُعزى النجاح الملحوظ الذي أحرزه السنهوري إلى أنه بدأ بتطبيق أسلوبه في المواضيع التي تثير أقل قدر من معارضة العناصر المحافظة، أو التي لا تثير معارضة على الإطلاق، وبذلك تجنب عن حكمة([22]) الخوض في قضايا مثيرة للجدل يمكن أن تورطه في نـزاع مع العلماء … ولهذا السبب نحج السنهوري حيث فشل الآخرون) ([23]).
وقال الدكتور محمد كامل ضاهر عن قوانين السنهوري: (إن المنحى الأساسي الذي ضمنه السنهوري في هذه الدساتير هو العلمنة؛ أي عدم جعل الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي من مصادرها الرئيسية…)([24])
وقال –أيضاً- : (لم يأخذ بهذا الفقه –أي الإسلامي- عندما أعد القانون المدني المصري عام 1948، وقاوم كل الاتجاهات التي طالبت باستنباط مبادئ هذا القانون من الشريعة الإسلامية، وأصر على اعتماد المناهج العلمانية الغربية…)([25])
قلت: ولابد لمن يريد التعرف على جهود السنهوري في سبيل التمكين لقوانين الكفر من بلاد الإسلام أن يعلم الفكرة التي كان يعدها بمثابة التمهيد لقبول هذه القوانين، وهي مما استقاه من أتباع المدرسة العصرانية التي سبقته([26]).
تقوم هذه الفكرة التي آمن بها السنهوري على خطوتين:
1- (وجوب) تطويع الشريعة الإسلامية لتتوافق مع متطلبات العصر -مهما كانت-، وليس العكس!
2- التفريق في الشريعة الإسلامية بين:
I- العبادات: وهذه لا تقبل –في نظره- الاجتهاد والتطور.
II- المعاملات: وهي ما تقبل الاجتهاد والتطور بين عصر وآخر.
ولتوثيق كل هذا سوف أنقل من كلام الرجل ما يشهد له؛ حتى لا يظن أحد أني أتجنى عليه:
-يقول السنهوري: (إن الشريعة الإسلامية هي شريعة الشرق([27]) ووحي أحكامه، ومتى ألفنا بينها وبين الشرائع الغربية، فروح من الشرق وقبس من نوره يضئ طريقنا للمساهمة في نهضة الفقه العالمية) ([28]) فالهدف إذاً (التأليف) بين الشريعة وقوانين الكفر!
ويقول : (أمران وددت ألا أموت قبل أن تكون لي قدم في السعي إلى تحقيقهما: فتح باب الاجتهاد في الشريعة الإسلامية حتى تعود شريعة حية يستقي منها الشرق قوانينه) ([29])
وستعلم قريباً إن -شاء الله- حقيقة هذا الاجتهاد الذي يسعى إليه!
-ويقول السنهوري: (إن القرآن الكريم والحديث الشريف هما الجزء المجموع من القانون الإسلامي. وعندي أن لتفسيرهما يجب اتباع قاعدة أساسية وهي أن جزءاً من أحكامهما عام يصلح في عموميته لكل زمان ومكان، ولهذا وضع .
وجزءاً آخر خاص بالزمن والمكان اللذين وضع فيه فلا يتعدى إلى غيرهما إلا إذا اتحدت الظروف والأسباب.
وفي القرآن الكريم نفسه ناسخ ومنسوخ، والنسخ هو قصر بعض أحكام جاءت في ظروف خاصة على هذه الظروف، واستبدال أحكام أخرى بها، بعد زوال الظروف التي اقتضتها.
ومما يجب التنبيه عليه أن كل ما ورد في القرآن والحديث مما يتعلق بعلاقة الخالق بالمخلوق هو من الأحكام العامة التي لا تتغير؛ لأن ظروف علاقة الخالق بالمخلوق لا تتغير، وهذا معنى قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) فعنى بالدين هذه العلاقات. وقد وردت في كتابه الكريم مستوفاة لا حاجة إلى إكمالها.
أما ما عدا الدين من الأمور الدنيوية فلا تشمله الآية؛ والسبب في ذلك ظاهر وذلك أن الله تعالى ونبيه الكريم أمرنا أن نطيع العقل في أمور معاشنا وأن ننزل على قوانين العقل في ذلك، ومن قوانين العقل قانون التطور، وهذا القانون يقتضي ألا تثبت الحالات الاجتماعية على نسق واحد بل هي تسير دائماً في تطور وتقدم، (ومثل هذا يقال أيضاً في الحالات الطبيعية) وأن من مقتضى هذا التطور أن تتطور معه علاقات البشر بعضها بالبعض وتتغير تبعاً لذلك القوانين الاجتماعية، فأرادت حكمة الله تعالى ألا تغلق باب التطور الاجتماعي الذي يقتضيه العقل في وجه الناس) ([30]).
فالسنهوري يقصر ما هو ثابت في دين الله ولا يقبل التطور بحال على العبادات بمفهومها الضيق؛ كالصلاة والصوم والحج.. الخ([31])، أما غير ذلك من أمور الدين، فهو يقبل التطور (أو التغيير) ما بين عصر وآخر حسب ما تراه عقول البشر القاصرة.
فهي دعوة علمانية مستترة تريد أن تجعل من الإسلام الشامل لأمور الحياة مجرد عبادات يمارسها العبد بينه وبين ربه؛ كحال النصارى الذين تأثر السنهوري وأحزابه من العصرانيين بنظرتهم لدينهم؛ فأرادوا تعميم تلك النظرة على الإسلام.
ويقول السنهوري –أيضاً-: (الدين ينظر إلى العلاقة بين العبد وخالقه، وهذه لا تتغير، ولا يجب أن تتغير، فالخالق سبحانه وتعالى أبدي أزلي لا يجوز عليه التغيير ولا التبديل([32])، فالعلاقة بينه وبين العبد ثابتة لا تتطور. أما مسائل الدولة فالنظر فيها لا يكون نظر مصلحة وتدبير) ([33])
-ويقول : (إن الفقهاء أدركوا ضرورة هذا التمييز([34]) فوضعوا أبواباً للعبادات وأبواباً للمعاملات، وبذلك فرقوا بين المسائل الدينية، والقانون بمعناه الحديث. لذلك يجب أن نقتصر من الفقه في أبحاثنا على أبواب المعاملات، فهذه هي الدائرة القانونية…)([35])
وانظر للمزيد: ص 142 – 145 من كتاب (عبد الرزاق السنهوري من خلال أوراقه الشخصية).
قلت: والهدف من هذا التمييز (الموهوم) ما بين العبادات والمعاملات، وأن الثانية تقبل التغيير والتطور هو تطويع شريعة الرحمن لتتوافق مع قانون الشيطان وما يسميه العصرانيون : متطلبات العصر. وبدلاً من أن يدور السنهوري مع أحكام الشرع الحنيف ويقوّم بها سلوكه وسلوك الدول التي عمل قوانينها أراد للشريعة أن تدور مع أهوائه وانحرافاته هو وغيره من (العلمانيين) تلامذة النصارى مسمياً ذلك كله (تطوراً) و(تغييراً) تقبله الشريعة. وإنما هو تحليل لما حرّم الله تعالى وتملص وتخلص من أوامره ونواهيه بشتى الحيل.
ولكي يتضح ما سبق بمثالٍ واقعي يشهد على انحراف السنهوري، وأنه يعارض بقوانينه تلك شرع الله، ويحل ما حرَّمه: اسمع ما يقوله عن (الربا) المحرَّم بنص القرآن :
يقول السنهوري: (مهما كانت الحاجة الشديدة إلى النهوض بالشريعة الإسلامية وجعلها مطابقة لروج العصر الحاضر([36]) فلا يغيب عمن يريد القيام بإصلاح من هذا القبيل أن يترك للشريعة مرونتها ويكتفي باستنباط أحكام منها تتفق مع العصر الذي هو فيه، دون أن يرتكب خطأ فيقول بصلاحية هذه الأحكام المستنبطة صلاحية مطلقة، فقد يجئ عصر آخر تتغير فيه المدنية والآراء السائدة في الوقت الحاضر، وقد يكون بعض من الآراء في فقه الشريعة لا يصلح في الوقت الذي نحن فيه ويجب تعديله في نظر البعض، ثم يأتي عصر آخر يكون فيه نفس الرأي صالحاً.
عمله في العراق
وقد انتدبته الحكومة العراقية في عهد وزارة ياسين الهاشمي (آذار 1935_ 29 تشرين الأول 1936) ليكون عميداً لكلية الحقوق ولعل من ابرز انجازاته إن شرع نظاما حديثا للكلية سنة 1936، كما اصدر مجلة (القضاء) على أسس جديدة.
عمله في سوريا
في سوريا كان للسنهوري دوره الفاعل في إصدار القانون المدني السوري.
أعماله القانونية والفكرية
من الصعب الادّعاء بأن الآثار الفكرية للدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا قد تم حصرها وفق الاستقصاء والاستقراء الدقيقين.. فتلك مهمة تحتاج "فرز" أوراق مكتبته.. واستقراء دوريات عصره … وجمع مذكراته القانونية عندما اشتغل بالمحاماة.. وكذلك حيثيات أحكامه عندما تولى القضاء.. وما له من أبحاث في مؤتمرات مجمع اللغة العربية ولجانه.. وكذلك أبحاثه في المؤتمرات التي شارك فيها.. واللجان التي كان عضوًا بها.. والوزارات التي تولاها.. كما أن له آثارًا فكرية أخرى بغير اللغة العربية أهمها تلك الأبحاث التي قدمها عن الشريعة الإسلامية في المؤتمرات الدولية للقانون المقارن، بالإضافة إلى الأبحاث والدراسات والمذكرات والتقارير التي ألفها ونشرها خارج مصر ولم يتم حصرها إلى الآن، وخاصة ما نشره في العراق أثناء وجوده بها لوضع القانون المدني لها. - وهو ما يعني أنه لا يوجد حصر كامل ونهائي إلى الآن لأعماله الكاملة، وإن كان الثبت التالي بأعماله يُعد الأقرب إليها. ونحن نصنف آثاره الفكرية في هذه القائمة، مميزين فيها بين مشاريع القوانين المدنية، ومشاريع الدساتير التي وضعها.. وبين آثاره الفكرية، كتبًا كانت أو دراسات مع الترتيب التاريخي لكتابتها:
مشروعات القوانين المدنية والدساتير
الأستاذ ياسين الحسيني في موسوعة إعلام العرب (بغداد ،2000) قال إن عدد صفحات مؤلفاته بلغ خمسة عشر إلف صفحة، ومن كتبه (نظرية العقد).
- - (القانون المدني المصري) ومذكرته الإيضاحية.. وشروحه (الوسيط) - وهو في حقيقته "مبسوط" لا وسيط - و(الوجيز).
- - (القانون المدني العراقي) ومذكرته الإيضاحية.
- - (القانون المدني السوري) ومذكرته الإيضاحية.. وقانون البينات - بما فيه من قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية.
- - (دستور دولة الكويت) وقوانينها: التجاري.. والجنائي.. والإجراءات الجنائية.. والمرافعات.. وقانون الشركات.. وقوانين عقود المقاولة، والوكالة عن المسئولية التقصيرية وعن كل الفروع.. وهي التي جمعت -فيما بعد- في القانون المدني الكويتي.
- - (القانون المدني الليبي) ومذكرته الإيضاحية.
- - (دستور دولة السودان).
- - (دستور دولة اتحاد الإمارات العربية).