خليل مطران "شاعر القطرين" (1 يوليو1872 - 1 يونيو1949) شاعر لبنانيمصري شهير. عرف بغوصه في المعاني وجمعه بين الثقافة العربية والأجنبية، كما كان من كبار الكتاب عمل بالتاريخ والترجمة، يشبّه بالأخطل بين حافظوشوقي، كما شبهه المنفلوطيبابن الرومي. عرف مطران بغزارة علمه وإلمامه بالأدب الفرنسي والعربي، هذا بالإضافة لرقة طبعه ومسالمته وهو الشيء الذي انعكس على أشعاره، أُطلق عليه لقب "شاعر القطرين" ويقصد بهما مصر ولبنان، وبعد وفاة حافظ وشوقي أطلقوا عليه لقب "شاعر الأقطار العربية".
دعا مطران إلى التجديد في الأدب والشعر العربي فكان أحد الرواد الذين اخرجوا الشعر العربي من أغراضه التقليدية والبدوية إلى أغراض حديثة تتناسب مع العصر، مع الحفاظ على أصول اللغة والتعبير، كما ادخل الشعر القصصي والتصويري للأدب العربي.
كان مطران صاحب حس وطني فقد شارك في بعض الحركات الوطنية التي أسهمت في تحرير الوطن العربي، ومن باريس انتقل مطران إلى محطة أخرى في حياته فانتقل إلى مصر، حيث عمل كمحرر بجريدة الأهرام لعدد من السنوات، ثم قام بإنشاء "المجلة المصرية" ومن بعدها جريدة "الجوانب المصرية" اليومية والتي عمل فيها على مناصرة مصطفى كامل باشا في حركته الوطنية واستمر إصدارها على مدار أربع سنوات، وقام بترجمة عدة كتب.
وخلال فترة إقامته في مصر عهدت إليه وزارة المعارف المصرية بترجمة كناب الموجز في علم الاقتصاد مع الشاعر حافظ إبراهيم، وصدر له ديوان شعر مطبوع في أربعة أجزاء عام 1908، عمل مطران على ترجمة مسرحيات شكسبير وغيرها من الأعمال الأجنبية، كما كان له دور فعال في النهوض بالمسرح القومي بمصر.
ونظراً لجهوده الأدبية المميزة قامت الحكومة المصرية بعقد مهرجان لتكريمه حضره جمع كبير من الأدباء والمفكرين ومن بينهم الأديب الكبير طه حسين.
أسلوبه الشعري
خليل مطران
عرف مطران كواحد من رواد حركة التجديد، وصاحب مدرسة في كل من الشعر والنثر، تميز أسلوبه الشعري بالصدق الوجداني والأصالة والرنة الموسيقية، وكما يعد مطران من مجددي الشعر العربي الحديث، فهو أيضاً من مجددي النثر فأخرجه من الأساليب الأدبية القديمة.
على الرغم من محاكاة مطران في بداياته لشعراء عصره في أغراض الشعر الشائعة من مدح ورثاء، لكنه ما لبث أن أستقر على المدرسة الرومانسية والتي تأثر فيها بثقافته الفرنسية، فكما عني شوقي بالموسيقى وحافظ باللفظ الرنان، عنى مطران بالخيال، وأثرت مدرسته الرومانسية الجديدة على العديد من الشعراء في عصره مثل إبراهيم ناجيوأبو شادي وشعراء المهجر وغيرهم.
شهدت حياة مطران العديد من الأحداث السياسية والاجتماعية الهامة وكان بالغ التأثر بها وعبر عن الكثير منها من خلال قصائده، وعرف برقة مشاعره وإحساسه العالي وهو الأمر الذي انعكس على قصائده، والتي تميزت بنزعة إنسانية، وكان للطبيعة نصيب من شعره فعبر عنها في الكثير منه، كما عني في شعره بالوصف، وقدم القصائد الرومانسية، من أبيات الشعر الرومانسية التي قالها عندما سئل عن محبوبته قال:
اهتم مطران بالشعر القصصي والتصويري والذي تمكن من استخدامه للتعبير عن التاريخ والحياة الاجتماعية العادية التي يعيشها الناس، فاستعان بقصص التاريخ وقام بعرض أحداثها بخياله الخاص، بالإضافة لتعبيره عن الحياة الاجتماعية، وكان مطران متفوقاً في هذا النوع من الشعر عن غيره فكان يصور الحياة البشرية من خلال خياله الخاص مراعياً جميع أجزاء القصة.
تفوق مطران على كل من حافظ ابراهيموأحمد شوقي في قصائده الاجتماعية والتي تناول فيها العديد من المواضيع، محارباً فيها الفساد الاجتماعي والخلقي.
وقد كان لمطران الاهتمام الأكثر في كتابة الشعر القصصي دون غيره من الشعراء. فشاعريته فتحت لنا آفاقا جديدة في عالم الشعر العربي. حيث كان الشعر لديه متنفسا للتعبير عن أحاسيسه الانسانية وعاطفته الجياشة لبنى الانسان.
وبحزن عميق يروق لك ان تسمعه عندما تسابقنا الأفنية لسماعه وهو يتلو الآبيات التالية:
فجعت فؤادي يازمان بخطبها فليتك مرزوء الفؤاد بأفجع
عروس لعام لم يتم صرعتها ولو شئت لم تضرب بأمضى وأقطع
فبات على مهد الضنى مالجفنها هجوع ولا جفني يقر بمهجع
وكانت ربيعا لي فأقوت مرابعي من الزهر والشدو الرخيم المرجع
ففى هذه الأبيات السابقة يروي مطران قصة العوادة المتسوله التي ماتت بعد عام من زواجها ، وكانت القصيدة تحمل عنوان (وفاء) وان مثل هذا الشعر يتم عن شعور صادق بالمشاركة في السراء والحزن ، وقد كتب في ذلك المجال كثيرا لقصة (الجنين الشهيد) و(المنتحر) و(الطفل الظاهر).
على النقيض من ذلك هناك جانب آخر يتمتع به الشاعر هو نواح مشرقه مستملحة أجاد فيها زوح المرح من حيث الدعابة الحقيقة الراقية كقصة (إن من البيان لسحرا) وهي تحكي قصة شاعر عذب الحديث ، ساحر البيان .نهيت الفتيات عن الاستماع اليه ، لكنهن لم يعبأن بالنهي وانسللن اليه خفية فأخذ يقص عليهن من القصص ماسحر البابهن وأوقعهن في اسر بيانه حين قال:
سر العذارى مبنى عن شاعر للحي زائر
فقصدته وسخرن من زجر الأميمات الزواجر
فوجدته رجلا مليحا خلقه حسن الظواهر
لاشي يفتضح النهي فيه كما أدعت النواهر
فسألته إنشاد شتى من بدائعه الحواضر
فأطاعهن ومن ترى يعصي الجميلات الأوامر
فعقدن فيما حوله عقدا فريدا من جواهر
وتناول الرجل الرباب وفكره في الغيب ناظر
وآثار في الأوتار تغريدا كأن العود طائر
ولما كانت ثقته بنفسه تسمو ، فقد كان حياديا ويصبح بحديثه الصادق مهما تباينت بجانبه الظروف وتلاحقه المآسى وإلا انه يقول :
«
انني اصرخ غير هائب أن شعر هذه الطريقة ولا أعنى منظوماتي الضعيفة ـ هو شعر المستقبل لأنه شعر الحياة والحقيقة والخيال جميعا ، وللدلالة على صعوبة الوصول الى الاتقان في مثل هذا النوع من النظم نشرت في هذا الديوان القصيدة الأولى من شعر الصبي وقصائد أخرى. وليس من شعري يعتني بالأكثر هنا بين الطرس والمداد الا مدامع ذرفتها وزفرات صعدتها وقطعا من الحياة بددتها ، ثم نظمتها فتوهمت اني استعدتها.
»
أشار الدكتور ميشال جحا الأديب اللبناني والذي قام بنشر دراسة عن خليل مطران "إلى أن شوقي وحافظ ومطران، يمثلون الثالوث الشعري المعاصر الذي يذكرنا بالثالوث الأموي: الأخطلوجريروالفرزدق الذي سبقه بأكثر من اثني عشر قرناً من الزمن، كما عاش هؤلاء الشعراء في فترة زمنيـة متقاربة، وفي كثـير من الأحيـان نظمـوا الشعر في مناسبـات واحدة، إنما خلـيل مطران يبقى رائـد الشعر الحديث".
كما قال عنه الشاعر صالح جودت "أنه اصدق شعراء العرب تمثيلاً للقومية العربية".
وعبر طه حسين عن رأيه في شعر مطران وهو يخاطبه قائلاً "إنك زعيم الشعر العربي المعاصر، وأستاذ الشعراء العرب المعاصرين، وأنت حميت "حافظاً" من أن يسرف في المحافظة حتى يصيح شعره كحديث النائمين، وأنت حميت "شوقي" من أن يسرف في التجديد حتى يصبح شعره كهذيان المحمومين".
كما قال عنه محمد حسين هيكل "عاش مطران للحاضر في الحاضر وجذب جيله ليجعله حاضراً كذلك، فشعره وأسلوبه وتفكيره كلها حياة جلت فيها الذكرى وعظمت فيها الحيوية، ولهذا تراهم حين يتحدثون عن مطران يتحدثون عن الشعر والتجديد فيه".