محمود ممداني
محمود ممداني Mahmood Mamdani | |
---|---|
وُلِدَ | 1963 |
الجنسية | أوغندي |
الجنسية | الولايات المتحدة |
الخلفية الأكاديمية | |
الجامعة الأم | جامعة كلومبيا |
العمل الأكاديمي | |
المؤسسة | جامعة كلومبيا |
محمود ممداني (و. 1947) في كمپالا , أوغندا ، هو أستاذ في قسم الأنثروپولوجيا والدراسات السياسية في جامعة كلومبيا في الولايات المتحدة. وهو أيضا مدير معهد كلومبيا للدراسات الأفريقية.[1] وهو الرئيس الحالي لمجلس تنمية الدراسات الإجتماعية في أفريقيا (CODESRIA), داكار، السنغال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحياة الشخصية
السيرة الفكرية
محمود ممداني من مواليد 1946 في أحد أحياء بومباى، رحل به والده مباشرة إلى شرق أفريقيا فاستقر وسط جالية آسيوية كبيرة في أوغندا، تعلم فيها "ممدانى" ودرٌس في جامعة مكريري" بكمبالا كإحدى أشهر الجامعات الأفريقية حتى وقت قريب . وقد عاد من جامعة "كولومبيا" بنيويورك ليقوم بالتدريس بجامعة دار السلام بتنزانيا .وكان لقاؤه مع حلمي شعراوي من خلال تأسيس "الجمعية الأفريقية للعلوم السياسية"، مع نخبة متميزة من شباب العلوم الاجتماعية المتمردة بدورها في هذه الجامعة، ضمت من الحرس القديم إلى جانب "ممدانى" أسماء ما زالت أعمالها مؤثرة في مجال العلوم الاجتماعية والسياسية في أنحاء القارة.
تمثل حياة "ممدانى" رحلة علمية حية بحق، لا أراه فيها قد لجأ للسكينة المعتادة في مرحلة معينة من العمر كما عهدنا كثيرا من المثقفين، ولعل ذلك لأنه اشتبك دائما بدور المثقف والعالم، الأمر الذى يدفع إلى حيوات متعددة الجوانب، خاصة وأنه القادم من ثقافة تاريخية أسيوية إلى ثقافات أفريقية، كثيرا ما أسماها هو "ثقافات تقليدية ومجادلا أو متصارعا مع ثقافة أوربية – أو قل أمريكية – حديثة. وسوف نراه هنا أيضا قادما من "الاجتماعى" إلى "السياسى"، مجادلا "الثقافى"، كما سنراه قادما من "الماركسية" ...إلى عوالم الحداثة الجديدة. وبنفس الروح المتمردة بل والمتحدية ...وهذا التحدى في حياة "ممدانى" الفكرية هو الذى جعله في معارك دائمة، خلال محطات حياته العلمية المختلفة التى سنأتى إليها تباعا وإن كان في عجالة.
ثمة مرحلة في حياة "ممدانى" محورها وجوده في كمبالا ثم في دار السلام، وتقترن بها معارك التحليل الاجتماعى والتشكيلات الاجتماعية، أعقبتها تقريبا مرحلة جنوب أفريقيا أو كيب تاون ومنطقة البحيرات، حيث التحليل السياسى للهيمنة العرقية الاقتصادية والاجتماعية، مع دور أكاديمى مشهود في جنوب القارة، لينتقل إلى وسطها مع قضايا القاتل والضحية. وهناك مرحلة أوسع أفقا في التنظير لوضع "المواطن والرعية"، يتجاوز فيها الطبقى إلى السياسى أيضا. ثم ينتقل "ممدانى" إلى عوالم خارجية تطحن في جسد العوالم الجنوبية، كما يراها في العالم الإسلامى والعراق ودارفور، ومجادلاته ومقالاته في هذا الصدد متعددة ومتنوعة، وقد يجمع كتابنا هنا عن "المسلم الصالح والمسلم الطالح" العديد منها في نفس الوقت.
خلال ذلك خاض "ممدانى" أيضا معارك، بالمعنى الحرفى؛ قائدا لجانب من معركة الكفاح المسلح ضد "عيدى أمين"، زاحفا وسط الأحراش من شمال تنزانيا إلى كمبالا في رحلة شبيهة بالرحلة "الماوية" التى سبق أن حررت الصين نفسها ...ومن هذه المعركة بقى في حضن السياسة حُكما ومعارضة لبعض الوقت إلى أن عاد لواقعه في بحر المعارف الإنسانية، بل ومعارك الإنعتاق الانسانى في جنوب أفريقيا ووسطها، حتى امتد بالتحليل في كتابنا هذا إلى أطراف من الأرض (ارض القارات الثلاث، وحيث يعيش الآن في نيويورك؛)، لا أعرف إن كانت جرته إليها ظروف العولمة أم عودة لنضاله الفكرى في قلب الامبريالية العالمية!
التأسيس الفكري
بدأ "محمود ممدانى" حياته الثقافية – وواصلها لبعض الوقت – في أجواء مجتمعات "متعددة الأجناس"، آسيوية أفريقية، أى متعددة الهويات، طامحة للتوحد على أى حال، خلافا لما وصل إليه بعد ذلك في تجربته بجنوب أفريقيا، أو بحثه في منطقة الوسط (البحيرات) .بدايته إذن في كمبالا، (ومعه التراث العائلى الهندى كله) ثم في دار السلام، مرتبطة بالفلسفة العامة لـ "جوليوس نيريرى" وحزب التانو المسيطر في تنجانيقا (تنزانيا لاحقا) وفق فلسفة المجتمع متعدد الأجناس.
كان كل ذلك من عوامل تكوين هذا الشاب وبحوثه المتنوعة عن القبائل والطبقات، عن التقليدية والتحديث، عن علاقات الإنتاج، وعلاقات الثروة والسلطة، ... مشغولاً طول الوقت بعلاقات "السياسى" "الاجتماعى"، سواء وفق "ماركس" و"لينين" مباشرة، أو وفق "الماوية" وتطوراتها، وحتى اجتهاداته الخاصة كباحث أتيحت له فرصة الدراسة المبكرة في الولايات المتحدة من "بتسبرج" (1962) حتى حصوله من "هارفارد" على الدكتوراه عام 1974؛ مع تخصص واضح في الاجتماع السياسى والأنثروبولوجيا بفروعها المختلفة، وهو يسجل في أولى مؤلفاته عن "السياسة والتشكيل الطبقى في أوغندا" (1976) اختلافه الفكرى مع أمبيريقية أستاذه " كارل دويتش" مع إعجابه العميق بليبرالية الرجل!
ومنذ البداية الشبابية أيضا سجل عديدا من الملاحظات على بعض ثوابت الفكر الماركسى اللينينى في التحليل الاجتماعى الطبقى، وعلاقة " الاقتصادى" بـ "السياسى"، حتى انتقد "جوندار فرانك" نفسه عن حصر علاقة التخلف بقوى الإنتاج المادى وحده، حيث يراه ذا جذر في إنتاج العلاقات والأفكار.
لعل" محمود ممدانى" قد بلور تأسيسه النظرى اليسارى، وهو في بلاد التطور الرأسمالى المتقدم، الذى استغل التشكيلات الاجتماعية "المتخلفة" واعتبر فلاسفته أن تخلفها طبيعيا وفق فكروظيفى سائد يبررأساسا للاستغلال، وعبر منهج وصفى جعل من عالم السياسة كالصحفى الذى لايشغله التحليل كثيرا . من هنا اعتمد "ممدانى" – وهو في رحاب "هارفارد"- التحليل الطبقى منهجا أوليا للتفكير وجمع المادة عن المجتمع الأوغندى، وتوجهات البرجوازية الصغيرة التى ورثت عملية الاستقلال، سواء بين تجارية آسيوية، أو بيروقراطية أفريقية ...ويكاد كتابه الأول عن أوغندا الصادر عام 1976 أن يكون تعبيرا كاملا عن هذه المرحلة، بل إن القضايا التى عالجها هذا الكتاب تعتبر معبرا فعليا عن مجمل قضايا الحوار الفكرى الدائر على مستوى القارة الإفريقية، بل والفكر الغربى تجاهها في هذه المرحلة من الستينيات وبداية السبعينيات. وقد لا تسمح المساحة هنا بتناول هذا العمل التأسيسى عند "ممدانى" تفصيلا، ولكن المرور على بعض قضاياه تكشف بعض ما نود الإشارة إليه.
كانت فترة الستينيات هى فترة الحديث عن دور الاستعمار والغرب في "تحديث" أفريقيا القبلية التقليدية، وكان واضحا ارتباط هذا المنحى بخلق أسواق للرأسمالية، أو طبقة وسطى إدارية ، تربط المجتمع الأفريقى الحديث أو "المستقل حديثا" في الأطراف بالمركز الرأسمالى المستثمر ...الخ . وشغلت القضية "ممدانى" الشاب بالطبع، شغله اتهام المجتمع الافريقى بالتخلف واللاعقلانية وافتقاده الدولة والتاريخ والصراع ... وأن ذلك في نظر التحديثيين، الوظيفيين، الامبريقيين سبب التخلف نفسه، وفى تقدير "ممدانى" كان ذلك نافيا للواقع الصراعى، الطبقى في المجتمع الذى تتصارع فيه مملكة الباغندة كدولة، بينما يدفع التفكير العنصرى إلى تسمية هذا التكوين بالقبيلة وهو يسمى "النرويج" "شعبا". ويدهش "ممدانى" أيضا، لمسميات علم السياسة البرجوازى عن وضع الفرد في المجتمع المتخلف بإرجاع تفوقه إلى وضعه الفردى كمخلص أو كاريزما فقط بينما يرجع وضعه في المجتمع البرجوازى إلى "الظرف الاجتماعى"، كذلك الحال في إرجاع فقر المجتمع الأفريقى إلى "التخلف" و"الظرف الطبيعى"، بينما يتحقق التخلف في الواقع وفق ظرف تاريخى، بل هو منتج للمرحلة الاستعمارية تحديدا، حيث تُراكم المستعمرات ثروات للمركز، بينما تعيش تخلفها.
والطبقة لذلك – عند "ممدانى" الشاب- ليست مجرد تشكيلة لتوزيع الدخل ولكنها نتاج علاقات توزيع السلطة أيضا في المجتمع الإفريقى، ولذا فالتنظيم الطبقى تنظيم سياسى والوعى الطبقى وعى سياسى، وهذا الفهم عند "ممدانى" هو الذى رد به مفهوم القبلية الإفريقية إلى عملية استعمارية وليس تشكيلة أفريقية طبيعية، فكان أن رأينا دفع الاستعمار في أوغندا للتنافس بين الباغندة وبنيورو "كقبائل" تتنافس على زراعة القطن لحاجة السوق الرأسمالى إليه ، ثم نجد الإحساس الطبقى بين هذه التشكيلات يتعمق وإن سُمى قبليا بفضل الكولاك في المنطقتين لتعزيز مكانتهم الطبقية. وقد كان نقل العمالة للحضر أيضًا- بعد فرض ضريبة الرأس – ثم عودتها للزراعة عملية استعمارية أخرى لتخفيض الأجور وتكثيف التراكم، كما جرى دعم نظام الحكم غير المباشر لعزل القبائل عن بعضها ..الخ في الوقت الذى يؤدى تفريغ مناطق القبائل نسبيا إلى مساعدة التوسع في عملية استيطان الأوربيين والآسيويين، أو في خلق طبقة المزارعين الكبار. وفى إطار هذه التحليلات الطبقية المباشرة تناول "ممدانى" وضع البرجوازية الصغيرة في أوغندا معتبرا أنه تم استعمالها من قبل الإدارة الاستعمارية تارة، ومن قبل البرجوازيات التجارية (آسيوية أو أوربية) تارة أخرى، ليظل مجتمعها تابعا لبرجوازية المتروبوليتان (حسب فانون كما يشير ممدانى وقتها) وليس من عناصر منافستها كما كان متوقعا. ومن هذا المنطلق قدم "ممدانى" تفسيرا معمقا لأزمة طرد "عيدى أمين" للآسيويين عام 1972 مدفوعا من قبل هذه البرجوازية الصغيرة الأوغندية نفسها.
الانطلاق
كانت معارك التحليل الاجتماعى محتدمة في المعسكر الجامعى بدار السلام، قبل وبعد صدور إعلان "أروشا " من قبل الرئيس "جوليوس نيريرى" (66/1967) بل كان الحديث عن "الاشتراكية الأفريقية " – مثل الاشتراكية العربية – في أنحاء مختلفة من القارة ضمن استخدامات البرجوازية الصغيرة والبرجوازية البيروقراطية لنفى حديث الصراع الطبقى، ولذلك عرف "كامبس دار السلام" أو بالأحرى "الفضاء الجامعى" لهذه الجامعة العتيدة بأنه الموقع الرئيسى لمناهضة أفكار "نيريرى". وكان بدوره متسامحا مع هؤلاء الشباب باعتباره " المعلمو نيريرى" . بل وقابلا لمواجهاتهم، محاورا إياهم، باعتبارهم "ماويين" أيضا، وهو مغرم بنمط حياة الرئيس "ماو"، وإن لم يتبنى أفكاره بالطبع. في هذا المعسكر المشاغب، عاش "ممدانى " فترة التأسيس للفروق بين الاشتراكية الأفريقية والماوية، وعلى أساس من ثوابت الماركسية اللينينية ...ولم يكن "ممدانى" وحده في هذا التوجه، فمعسكر الجامعة يضم "ثلة" من الأساتذة الشبان "المشاغبين" مثله، من أنحاء القارة، رحل بعضهم وما يزال بعضهم حيا هنا وهنالك، ومن هؤلاء أصدقاء نعتز بهم في مصر أمثال أرشى مافيجى (جنوب أفريقيا) و"شاموياريرا" (زيمبابوى)، "وعيسى شيفجى" (تنزانيا) "ودان نابوديرى "(أوغندا)، و"نولى" (نيجيريا) وغيرهم، وهم الذين التقوا "بسمير أمين" وهانسن وغيرهما . وقد أثرى هؤلاء جميعا المكتبة الأفريقية وما يزال بعضهم يثريها بالجدل والإبداع الذى يقدم "ممدانى" واحدا من أفضل نماذجه.
وقد تعددت اتجاهات الصراع على يد هذه الأطراف جميعا في ظل حكم الدولة الوطنية الحديثة التى كان يؤسسها حزب(التانو) بقيادة "نيريرى"، ونظريته عن "الجماعية الأفريقية" أو "الأوجاماعا" في تنزانيا ومثلها كان في زامبيا وغانا ..الخ. بينما يضغط هؤلاء الشبان بفكر "الاشتراكية العلمية" وخاصة في صيغته "الماوية" إلى حد كبير. ولذا كان موقف مفكر أفريقى أكبر سنا مثل "على مزروعى" ( كينيا) يبدو في نظرهم محافظا وليبراليا لأبعد الحدود رغم مشاركته إياهم رفض حكم "عيدى أمين" في (أوغندا)، وكذا شمولية "نيريرى".
وقد أعقب نجاح "تنجانيقا " بقيادة "نيريرى " في التخلص من "الحكم الإقطاعى" العربى في زنجبار (1964) في ظهور "عبد الرحمن بابو" وجماعته بفكرهم الراديكالى أيضا لإعطاء زخم أكبر لجماعة دار السلام الراديكالية ، ودفع "نيريرى" وحزب التانو إلى إصدار "إعلان أروشا" (1966) ليستوعب الاتجاهات التقدمية في المنطقة.
وليس صدفة أن تبلور حركات التحرير نظرياتها ومناهج كفاحها المسلح في تلك الفترة نفسها في مستعمرات المنطقة الجنوبية الأفريقية مثل حزب "المؤتمر الوطنى" (جنوب أفريقيا) و"الفريليم" (موزمبيق)، و"مبالا" في (أنجولا) و"سواب" (ناميبيا) و"زانو" –زابو" في (روديسيا (زيمبابوى). واتخذ هؤلاء مع الحركات المماثلة في بقية المستعمرات البرتغالية، دار السلام مركزا فعليا للتحرر الوطنى بفضل وجود لجنة تحرير المستعمرات التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية هناك.
ولم يكن تطور الكفاح المسلح وحده هو نتاج العمل الوطنى في المنطقة، بل كان زخم التحليلات الطبقية من قبل كابرال ونيتو ودوسانتوس قد شمل معظم تيارات الفكر السياسى عند مجموعتنا هذه، وعبرت نشرة أصدروها باسم "ماجى ماجى" عن الصراع الطبقى في تنزانيا (1976) وصدرت مبكرا التحليلات عن البرجوازية البيروقراطية، وأوضح "والتر رودنى" أثر ذلك في بنية الوعى الأفريقى وتابع "دان نابوديرى" جدله مع نظريات "سمير أمين" عن التبعية والمركز، والامبريالية. وفى هذا الوسط جاءت كتابات "ممدانى" عن الصراع الطبقى في أوغندا ، كاشفة طبيعة نظام "عيدى امين"، والتوجه الإنقلابى لدى البرجوازية الصغيرة في أوغندا، والتى مثلها "عيدى أمين" عقب "أوبوتى" كما مثلها في انقلابه على "الآسيويين" أيضا وطردهم من البلاد ( 1972). وبدا –لفترة- أن "السياسى " في "ممدانى" – أو قل علم السياسة – بات أكثر إلحاحا عليه من " الفكرى" أو "الاجتماعى السياسى" عندما أغرته وزملاؤه نظرية "الكفاح المسلح" الصينية – مع فروق التفاصيل – للزحف مع عناصر المعارضة الأوغندية من حدود تنزانيا إلى وديان كمبالا، ليقعوا بدورهم – إزاء سيطرة البرجوازية الصغيرة أيضا على هذا التحرك (وفق نصوصه) فيما يشبه "الإنقلابية" وليس "الزحف الثورى الكبير" كما تخيلوه . ودفع انتصار الزحف الأوغندى إلى كمبالا (1979) أن يشارك "ممدانى" مع "نابوديرى" و"موسيفينى" وغيرهما من ثوار دار السلام في حكومة الثورة، مما لا يشير إليه الكثيرون.
وقد أتيح لى معرفة "محمود ممدانى" طوال هذه الفترة من السبعينيات في إطار تأسيس الجمعية الأفريقية للعلوم السياسية (74/1975) لتظل علاقتى الوثيقة به حتى الآن. وكان من حظى ألا أقابله وزيراً.. وإنما قابلته دائماً معارضاً متمرداً، سواء في السياسة عقب تخليه عن الوزارة ليقبع في معسكر جامعة ماكريرى أى مدينتها الجامعية الجميلة، أو في رحلة تفكيره عن الصراعات الاجتماعية والسياسية في جنوب أفريقيا ووسطها، وحتى الصراع مع مفاهيم القوة الأمريكية (العسكرية) في فضاءات القارات الثلاث كما سنرى في هذا الكتاب.
الاجتماع السياسى: وضع المواطن والرعية
عاد ممدانى من الولايات المتحدة الأمريكية أستاذاً للعلوم السياسية عام 1974 وحاول أن يفيد جامعته العتيدة "ماكاريرى"؛ ولكن عيدى أمين قرر إبعاده مع معظم عناصر النخبة في بلاده، فعاش كالمنفى أستاذاً في دار السلام بقية السبعينيات حتى عاد مع الزحف على كمبالا والتخلص من عيدى أمين. وأظنه رضى عن دوره الفكرى في كمبالا طوال عقد من الزمان تقريبًا؛ مؤسساً لمركز الدراسات الأساسية بالجامعة والذى قام بدور معرفى بارز في المجتمع الأوغندى. لكن الحق أن دور ممدانى المعرفى الأكثر إثارة وإنارة يبدو لى أنه كان بعد ذلك في كيب تاون بجنوب أفريقيا؛ حيث كان وصوله هناك مع مطلع التسعينيات لكرسى الأستاذية في الدراسات الأفريقية. وترجع أهمية وجود "ممدانى" هناك في هذا الوقت إلى أنه من أوائل الوجوه العلمية "الأفريقية" التى وصلت مع "التحول الديمقراطى" أو قل تحرير جنوب أفريقيا من النظام العنصرى. وكنا لعقود قبل ذلك نتخذ القرارات في المؤتمرات العلمية في أنحاء القارة "بتحريم" التعاقد للعمل في جامعات جنوب أفريقيا العنصرية. وكان الأساتذة البارزون من أبناء البلد أمثال أرشى مافيجى وبرنارد بن ماجوبن هم الذين يخرجون إلى جامعات بتسوانا ودار السلام وغيرها، وهى مراكز التحرر الثقافى من نظام الأبارتهيد. وقد أعتبر وجود "ممدانى" في كيب تاون بين 1993/1999 كسبا للحركة الثقافية والفكرية محلياً وقارياً. ويكاد كتابه المعبر عملياً ونظرياً عن تجربته في هذه الفترة: "المواطن والرعية: أفريقيا المعاصرة وتراث الاستعمار.
أن يمثل قفزة نوعية في الدراسات الأفريقية، سواء بوضعه حالة جنوب أفريقيا في الإطار التحليلى الأفريقى العام عن الاستعمار وما بعد الاستعمار، وهى التى كانت توصف دائماً بحالة "الاستثناء الأفريقى"، أو بنقل عالم أفريقيا "الأخرى" إلى قلب البحث في جنوب أفريقيا. وقد كان مجتمعها في معظمه خاضعاً للإطار التحليلى العنصرى. لذلك وجد كتاب "المواطن والرعية" ترحيباً هائلاً عند صدوره، في جنوب أفريقيا وأنحاء القارة، بل وعلى مستوى دولى. ذلك أنه انتقل بالدراسات الأفريقية من علوم السياسة عن التحديث والوظيفية... الخ، وحتى من الاقتصاد السياسى المعنى بأثر نمط الإنتاج وتوزيع الثروة أو علاقة الاستغلال من بعض مفكريه إلى الاجتماع السياسى للصراع وتوزيع السلطة إلى جانب توزيع الموارد، ومن ثم كانت معالجته للطبقة الاجتماعية وسلطتها بعد الاستقلال، وكذا تشريح عملية المقاومة الاجتماعية لآليات الرأسمالية أعمق من مجرد تحليل لنمط مفروض من نموذجها الخارجى العالمى ولكنها تتعلق أيضاً بنمط التعاملات المحلية مع هذه الموارد. وهذا ما أبقى مسافة في تحليل ممدانى من نمط تحليل التبعية السائد. وقد فرض نموذج جنوب أفريقيا نفسه على "ممدانى"، بل وأشعر أنه انطلق منه لفهم الكثير عن المجتمع الأفريقى في بلدان أخرى وليس العكس المتوقع. وقد جاءت المناظرات والعروض التى توفر لى بعضها عن الكتاب موحية بأثر ممدانى المنهجى والمعرفى على كثير من الباحثين في نفس الوقت. فهو قد وضع جنوب أفريقيا أولاً في الإطار الاستعمارى، العام، بمعنى أن مجتمع المستوطنين قد توصل إلى "السيطرة" على هذه المساحة الواسعة من العالم في جنوب أفريقيا وفق نمط للسيطرة خلقه الاستعمار أصلاً. بابتداع أيديولوجيا المجتمع المدنى التحديثى مقابل أيديولوجيا العرقية والقبلية، وتلك الصناعة هى التى فرضت نظام الحكم غير المباشر الاستعمارى في أنحاء القارة ونظام الأبارتهيد أو الفصل العنصرى في الجنوب، كما فرضت وضع نخبة المستوطنين ونخبة الاستقلال في النظامين وهى النخبة التى استمرت بعد الاستعمار، وفى المدن، وفق نفس معايير النظام العنصرى.. وفى جانب يصبح أهل مدن الأبارتهيد هم المواطنون Citizens وبقية الأفارقة الـ Natives أى الرعية Subjects. وفى جانب دول ما بعد الاستعمار أو الاستقلال تبقى المدينة و"مجتمعها المدنى" والديمقراطية الليبرالية "عملية" للمواطنين ويبقى الريف جامعاً "الرعايا". وحيث لا تستطيع الجماهير المواجهة في مدينة الأبارتهيد، فإنها تلجأ –بل وتدرب على- العرقية والقبلية والعرف كنمط للعزل الاستيطانى وكنمط في الحكم غير المباشر في الوضع الاستعمارى، ونمط لإقصاء الريف والفلاحين فيما بعد الاستقلال. ومن ثم فالوضع في باقى أفريقيا –عند ممدانى- بعد الاستقلال هو نسخة من أوضاع التفرقة العنصرية. وفى التطبيق حلل تفوق حزب "إنكاثا" المحافظ على حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى في جنوب أفريقيا، باعتبار وضع الأفارقة –الزولو- في ديربان أقرب إلى الريف، ولم يتقدم حزب المؤتمر هناك إلا بعد زحف المدنية الحديثة هناك.
وأظن من جانبى أن تقدم "زوما" وهو من الزولو على مبيكى مؤخراً، إنما كان استفادة من هذا التقدم في ديربان، وإن كنت أرى أن حالة "زوما" ترد على ممدانى نفسه في تجاهله لوضع الطبقة العاملة في تحليله، وهل هى مجرد "عنصر مدينى" أم جزء من تحليلات الاقتصاد السياسى حول السلطة.
وقد امتد تحليل ممدانى ورغبته في بيان إمكانيات الريف أو التقليدية والعرف على المقاومة عندما عاد لدراسة حالة أوغندا وزحفها بدوره –بقيادة موسيفينى- إلى العاصمة، كما استعمل المفهوم في تحليل الوضع الطبقى في تنزانيا. وفى معظم الحالات يبدو ممدانى أكثر انحيازاً "للحالة الريفية، أو الفلاحية مجازفًا بتجاهل حالتها التقليدية أو العرقية التى يتمسك الكثيرون بها باسم المقاومة للحداثة وليس مقاومة القهر الطبقى.
لا أريد هنا أن أدخل في تفاصيل تناول كتب أخرى لمحمود ممدانى، ولكنى دائماً بصدد عرض مساهمته التقدمية في الفكر الأفريقى بين علوم السياسة والاقتصاد والاجتماع، بل وملامح تطوره وقدرته الاستيعابية لمدارس الماركسية والتبعية والحداثة فيما ينعكس في إنتاجه المتنوع دون رغبة من جانبى في متابعته تطورياً، وإنما في جهده المعرفى. وقد قفز محمود ممدانى بأساسه المعرفى السابق وخاصة في "المواطن والرعية" إلى التعامل مع تجربة أخرى له في وسط أفريقيا أو قل منطقة البحيرات الكبرى، ومشكلات الصدام السياسى والقبلى في هذه المنطقة التى يعرفها جيداً مثل أوغندا ورواندا والكونغو. وانتهى الصراع في بعض أنحاء هذه المنطقة إلى مذابح رواندا التى قام بها الهوتو (الأغلبية التقليدية) ضد التونسى في تطور غريب عام 1994، وهنا أعد ممدانى كتابه: "عندما يصبح الضحايا قتلة" When Victims become Killers 2002 ليفسر لنا كيف تصبح فئة أو طبقة وحدها في وضع المواطنين والآخرين (الأغلبية) في وضع الرعايا. وكان البلجيك لفترة قبل الحرب الثانية ميزوا "التوتسى" كجنس حامى إقليمى متفوق وليسو مجرد إثنية محلية من البانتو (الهوتو)، ومن ثم أصبح التوتسى كالمستوطنين (البيض) في المنطقة، عازلين للرعايا من الهوتو. وقد نمىّ ذلك إحساساً –قبليًا- بالمقاومة عند الهوتو كرعايا، تفجر عندما انسحب البلجيك تاركين التوتسى بتميزهم العرقى المحلى، كمواطنين، ومن هنا اشتد شعور المقاومة ضدهم، عند الهوتو (الرعايا) حتى خارج إطار رواندا لذا امتد الصراع إلى شرق الكونغو بل وفى أنحاء منطقة البحيرات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مواجهة الإرهاب الإعلامى في دارفور
هنا نقلة جديدة إلى محاورة الثقافى وجدل الحداثة والتقليد بطريقة أخرى. ويثرى "محمود ممدانى" تراثه الفكرى بعدد من العناوين في أوائل الألفية الثالثة بعد متابعته الدقيقة للأحداث والتطورات منذ كان في جنوب أفريقيا (1993/1997) إلى رحلته للولايات المتحدة، وفى نيويورك خاصة. ومع ذلك فقد قام ببعثة هامة باسم المجلس الأفريقى لتنمية البحوث الاجتماعية (كوديسريا) إلى الكونغو (1997) لمتابعة الصراع الدامى في شرقيها وقدم على أثرها تقريراً هاماً قدم بدوره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما زار في مرحلة لاحقة منطقة دارفور وكتب عنها كثيراً (2006/2007) بما سنتحدث عنه هنا، بالإضافة إلى اختيار لجنة جائزة نوبل للسلام له في احتفائها بمطلع القرن الواحد وعشرين ليقدم ورقة عن: "صراعات القرن العشرين والحلول المقدمة للقرن الواحد والعشرين".
ولأن حديثه عن الثقافة وعلاقة الإسلام السياسى بالإرهاب هو آخر فقرات هذه القراءة لأنها موضوع هذا الكتاب رغم صدوره منذ عام 2004، فسوف نسارع أولاً بعرض موقفه المثير للكثيرين في الغرب عن أحداث دارفور، وهو الذى خبرها مباشرة من على أرض الواقع في أوج الحملات عنها وحولها. وقد كان عنوان كتابته عنها مثيراً منذ البداية، ضمتها دراسته في مجلة "مراجعات الكتب Books Review في لندن تحت عنوان "السياسات وراء تسمية الإبادة الجماعية" Genocide "الحرب الأهلية والانتفاضة". فيما بدا "تحليلاً مختلفاً" لمسميات حرب الإبادة؛ متى تظهر ومتى تختفى حول دارفور، ورواندا والعراق؟ والدراسة جديرة بالقراءة تفصيلاً بل وتقرأ تعليقاته الخاصة في مقابلاته. وفى المؤتمرات التى حضرتها معه في إطار المجلس الأفريقى للبحوث الاجتماعية (كوديسريا) كان يهتم بعنوان ذى أهمية: "الحاجة إلى معرفة أفريقية جديدة" بهدف تجاوز المعرفة المهيمنة؛ ذلك أنه بدأ يكشف دلالة الاهتمام الزائد في الدوائر الأمريكية، إعلامية وجامعية بموضوع دارفور، دون اهتمام مماثل بما يجرى في العراق، أو ما جرى في الكونغو ورواندا. وهو يهاجم مباشرة قاعدة الحملة فيما سمى "بتحالف إنقاذ دارفور" SDC وعلاقتها بشركات السلاح والهيمنة الإعلامية القادرة على الكشف والتغطية في كثير من الوقائع. وهو أيضًا يتعرض لسوسيولوجية تسمية الأشياء في هذه الأجواء ضمن كشفه للفارق بين التعامل مع مذابح رواندا والكونغو، وعدم تسميتها بنفس القدر بحملة إبادة جماعية، رغم وصول عدد الضحايا إلى أكثر من أربعة ملايين في المنطقة وشمول الضحايا أيضاً بعمليات التجويع والتهجير... الخ كما لا يجرى تسمية ما يجرى في العراق بالإبادة الجماعية رغم تعدى الضحايا للملايين. ويرجع ممدانى ذلك بالهيمنة الثقافية في نظام القيم من ناحية، وفى طبيعة المعرفة بالواقع من ناحية أخرى، وأثر السيطرة على الإعلام بالطبع وهذا ما يدعوه إلى الحديث عن الحاجة لمعرفة أفريقية جديدة.
ويطبق ممدانى ذلك على حالة دارفور وتسمية الإبادة الجماعية بشكل مفصل، وكيف يمكن أن تكون تحت مسمى الحرب الأهلية أو الانتفاض أو حتى التمرد دون أن تكون إبادة جماعية. ثم يعالج ممدانى في تفاصيل دراسته تسمية العروبة والأفريقانية لأهل دارفور وأن العروبة مسمى ثقافى يرتبط بتكوين النخبة التجارية والإسلامية، ولذا يطلق "الأفارقة" في دارفور على أنفسهم صفة العروبة كسباً للمكانة الاجتماعية لا أكثر حيث لم تتم هجرة عربية بهذا الحجم، بينما نسبتها الأكبر من غرب أفريقيا. ويمضى ممدانى في التحليل فيتابع تقارير الأمم المتحدة عن ازدياد الحرارة بأكبر نسبة عالمية في هذه المنطقة مما يجعل الجفاف سبباً في هجرة الرعاة إلى جنوب دارفور وإثارة القتال، لكن الإعلام الأمريكى المرتبط بالحملة المخططة حول الإبادة الجماعية وجد من هذه الهجرة الداخلية، وحتى التصارع بسببها مبرراً لتسميه ذلك بالإرهاب العربى ممثلاً في الحنجاويد ليبرر "التدخل" وهو السياسة الأصلية، وجذر التحرك في المنطقة. ويثبت ممدانى كيف يتم تعويق دور الاتحاد الأفريقى ليبقى الحال على ما هو عليه لتبرير التدخل أيضاً... هكذا يقدم ممدانى حالة دارفور للرد على كثير من إشكاليات الثقافة والاجتماع السائدة غالباً بين الأفارقة والأوربيين!
حديث الثقافة: المسلم الصالح والمسلم الطالح
يدهش محمود ممدانى في كتابه هنا بعنوان: "المسلم الصالح والمسلم الطالح" من اتجاه الهيمنة الأمريكية المعاصرة بعد الحرب الباردة وبعد 11 سبتمبر 2001 خاصة إلى تقسيم العالم إلى عالمين على أساس الثقافة الدينية، وكانوا يقسمونها قبل ذلك على أساس من الحرب الباردة في مواجهة الشيوعية... الخ. أصبح العالم بعد 11 سبتمبر إما منتج للثقافة الأصلية الحديثة والخلاقة أو إلى الثقافة الجامدة، المتخفية التى تؤدى إلى ممارسة الإرهاب. ظهر هذا الزعم أولاً في صيغة صدام الثقافات أو الحضارات وكان يقصد بها الثقافات الكبرى ثم صارت صراعاً داخل الثقافات نفسها بين المعتدلة القابلة للتحديث وبين الثقافة الجامدة، الأولى تخلق المسلم الطيب المعتدل المتعاون مع الثقافة الحديثة والأخرى تنتج الإرهابى. لذلك يفرد ممدانى جزءًا كبيراً من هذا الكتاب "لحديث الثقافة" الذى برز بعد أحداث 11 سبتمبر بتقسيم الثقافات وتصنيف الإسلام والمسلمين خاصة.. وابتدعوا في ذلك ربط الإرهاب بنمط معين من الإسلام السياسى وليس بغيره.
لن ألخص هنا الكتاب، حيث أترك الاستنتاج منه إلى فطنة القارىء، لكنى أشير إلى بعض النقاط الهامة التى قد تجذب نظر قارىء الكتاب أو تثير الجدل وتضع قراءة ورؤية ممدانى موضع المراجعة أحياناً. فهو يرى الإسلام السياسى خلقاً جديداً، مرة مرتبطاً بنهاية الحرب الباردة، ومرة نتاج سياسة ما بعد الحرب العالمية الثانية عند خلق باكستان على نمط الدولة الدينية لإسرائيل، وهو في هذا التفسير يشير إلى كيفية استعمال الدين، وهو الإسلام هنا، لتبرير جانب من الحرب الباردة أحياناً مثل استعمال إدارة "ريجان" له "كأداة" لحرب الشيوعية والاتحاد السوفيتى في أفغانستان، ثم الانقلاب عليه في مواجهة إيران.. وهو يستعمله إلى جانب الحكومات الإسلامية الصديقة والمعتدلة -فى نظره- كالسعودية ضد "القاعدة" وبن لادن الذين هم وهابيون أى سعوديون أيضاً!
ومع ذلك لا تذكر الدوائر الأمركية أنها خلقت الجماعات الإرهابية المنظمة بنفسها وهى تعمل مع "المجاهدين" أنفسهم في أفغانستان وأنها قبل ذلك نظمت في السبعينيات مجموعات "رينامو" في موزمبيق، وتنظيم "يونيتا" في أنجولا منطلقين من جنوب أفريقيا كما نظمت الكونترا ضد نيكاراجوا مدعومة من السعودية؛ وكل ذلك والإرهاب والإرهابيين خارج الولايات المتحدة، وضمن سياسات "الارتباط البناء" للتدخل في جنوبى أفريقيا، أو سياسة الحرب بالوكالة وبالهيروين في أمريكا اللاتينية.. لكن وقد أصبح "الإرهاب إسلاميًا" في قلب الولايات المتحدة، فقد بات العداء ضرورياً لكل الحالة الإسلامية، ولابد من تفسيرات مثقفة "وعلمية" –ولو وهمية- للإسلام، فنشأ تصنيف الثقافة الإسلامية كثقافة بذاتها وتعبيرها في الإسلام السياسى، حاملة الإرهاب عبر أفكار الجهاد واللاعقلانية. أى أننا عدنا للتفسير بالحداثة والتقليدية مرة أخرى.
وبذلك يتم تبرير الهجوم الشامل على ثقافة معينة دون مساءلة المسئول عن دفع الحركة وتأسيسها حديثاً. ويشير ممدانى هنا إلى أن دراسته أكدت له أن الإسلام السياسى أو الإرهاب ليس مجذراً في ثقافة جامدة تدعى الثقافة الإسلامية ولكن الثقافات تتطور وتتشكل وفق عملية تاريخية يجب أخذها في الاعتبار، ومن هنا كانت حداثة الإسلام السياسى وتنوع تفاعلاته في إطار تطور الحرب الباردة في المناطق المختلفة وأخطرها ما تم في علاقة الإدارة الأمريكية به في العالم الإسلامى. وفى فصول الكتاب المختلفة يهتم ممدانى بتاريخ البنية التحتية للإرهاب بالتعاون مع المخابرات الأمريكية نفسها التى توثقت علاقتها من قبل "بقيادة ما يسمى الآن بالقاعدة، مثل تكرار المحاولة من قبل الإسرائيليين مع بدايات الحركة الإسلامية في فلسطين. وخلال استعراضه لقضايا العنف المتبادل عبر مؤسسة الإرهاب يلقى ممدانى بالمسئولية على الإدارة الأمريكية وتطور نزعتها العسكرية والإمبريالية، ويهتم بتحليل سياستها في مناطق مختلفة من العالم، من الهند الصينية والعراق وحتى قضية فلسطين، وهو لا يرى حلاً للأخيرة إلا بإقامة دولة واحدة لكل من يقيم على أرضها، ولكن هذا الحل الديمقراطى الشامل وليس الإسلامى لا تساعد عليه حالة التآكل المتنامى للديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بسبب لعبة حرب الإرهاب.... بعد الحرب الباردة.
أعمال مختارة
- Good Muslim Bad Muslim: America, The Cold War, and the Roots of Terror. (New York: Pantheon/Random House, 2004).
- When Victims Become Killers: Colonialism, Nativism, and Genocide in Rwanda. (Princeton Univ. Press, 2001).
- When Does a Settler Become a Native? Reflections of the Colonial Roots of Citizenship in Equatorial and South Africa. Text of Inaugural Lecture as A. C. Jordan Professor of African Studies, University of Cape Town, Lecture Theatre 1, Education Building, Middle Campus, Wednesday 13 May 1998, 8.15 p.m.
- Report of the CODESRIA Mission to the Democratic Republic of Congo. September, 1997. Text of report submitted to the General Assembly of the United Nations
- Council for the Development of Social Research in Africa (CODESRIA) in Dakar, Senegal. December 14-18, 1998, page 2
- Beyond Rights Talk and Culture Talk: Comparative essays on Rights and Culture. ed. (St. Martin's Press, 2000).
- Crisis and Reconstruction -- African Perspectives: Two Lectures (with Colin Leys). (Nordiska Afrikainsinstutet, 1998).
- Citizen and Subject: Contemporary Africa and the Legacy of Late Colonialism. (Princeton University Press, 1996).
- And Fire Does not Always Beget Ash: Critical Reflections on the NRM. (1996).
- Imperialism and Fascism in Uganda. (Africa World Press, Inc., 1983).
- Politics and Class Formation in Uganda. (Monthly Review Press, 1976).
- Myth of Population Control. (Monthly Review Press, 1973)
- From Citizen to Refugee (Francis Pinter Ltd., 1973)
مقالات مختارة
- "The Politics of Naming: Genocide, Civil War, Insurgency", in London Review of Books, Vol. 29, No. 5, 8 March 2007.
ملاحظات ومصادر
- مقدمة المترجم، حلمي شعراوي، لكتاب مسلم صالح، مسلم طالح
- ^ صفحة محمود ممداني في موقع جامعة كلومبيا, Columbia University directory]
وصلات خارجية
- When Victims Become Killers:Colonialism, Nativism, and the Genocide in Rwanda, published by Princeton University, 2001, Introductory Chapter ([1]).
- LRB article skewering the "Kristof" brigade on Darfur