محمد حلمي مراد
الدكتور محمد حلمي مراد (7 يوليو عام 1919 - 30 يناير 1998) وزير التربية والتعليم المصري بوزارة جمال عبد الناصر في 1969.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
ولد الدكتور محمد حلمي مراد في 7 يوليو عام 1919 بحي السيدة زينب بالقاهرة. تخرج في كلية الحقوق، جامعة القاهرة عام 1939. حصل علي دبلوم الدراسات العليا في القانون العام عام1940. التحق بالنيابة العامة عام1942 وترقي بها إلي أن وصل وكيلا للنائب العام عام 1946. حصل علي درجة الدكتوراه من جامعة باريس عن رسالته صندوق النقد الدولي عام 1949. أستاذا للمالية العامة بقسم الاقتصاد ثم رئيسا للقسم بجامعة عين شمس عام 1956. مديرا عاما للمؤسسة الثقافية والعمالية خلال عامي 1963، 1962. مديرا لجامعة عين شمس في أواخر عام 1967.
وزيرا للتربية والتعليم عام.1968
شارك في صياغة بيان30 مارس للإصلاح السياسي عام1968, وبسبب ذلك اختلف مع الرئيس عبد الناصر وتم اعفاؤه من الوزارة.
حصل علي جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام.1973
عضو بمجلس الشعب من عام1976 عن دائرة مصر الجديدة حتي حل المجلس في أبريل1979.
اختارته اللجنة العليا بحزب العمل نائبا لرئيس الحزب عام.1979
اعتقل في سبتمبر 1981.
أبرز مؤلفاته
- مالية الدولة عام 1959.
- العلاقات الاقتصادية الدولية عام 1961.
- التأمينات الاجتماعية في البلاد العربية عام 1972
- القوي العاملة في الوطن العربي عام 1972
- الفساد في قطاع البترول.
- من أجل مصر أعارض بكل حرية، 1996
الوصيــــــــــــــة
أحمد الله أنني أرحل عن الحياة الدنيا مطمئن النفس, إلي أنني أديت واجبي بما يرضي الله في كل مجال عملت فيه وخدمت أمتي وبنيها بكل إخلاص لآخر لحظة في حياتي, وإلي أن شقيقاتي العزيزات وأولادهن لا يعوزهم العون ولايحتاجون إلي مساعدة, فضلا عن أنني حررت إقرارا بمنحهم قيمة التأمين علي حياتي لدي صندوق معاشات الحكومة, وبعت لهم حال حياتي نصيبي في العمارة الموروثة عن والدتنا والكائنة بشارع قصر العيني رقم64 بالاضافة إلي حقهم في أن يرثوا عني ما قد يكون لدي من أثاثات أو نقود أو أموال سواء في مسكني بمصرالجديدة أو في حساباتي المصرفية, راجيا ومتوقعا ألا يزاحمهم أحد من بقية الورثة وهم أولاد عمي أغناهم الله وزادهم من فضله. وفيما يلي ما أوصي به إرضاء لضميري ملتمسا من الجميع نفاذ رغبتي والإستجابة لمشيئتي:
أولا- استمرارا لارتباطي بكلية الحقوق جامعة عين شمس التي شاركت في تأسيسها وقضيت في التدريس بها جانبا كبيرا من حياتي حيث تخرج فيها أجيال من الشباب اعتز بالصلة الروحية التي تربطني بهم, أهدي لها بعد وفاتي مكتبتي راجيا أن يخصص لها مكان قائم بذاته في مكتبة الكلية ليفيد منها طلابها علي مر السنين.
ثانيا- تقديرا لخدمات المرحوم( عبد المحسن..) ورعاية لأبنائة الذين تربوا في داري, فأنني تنازلت نهائيا لأرملته( رقية..) عن ملكية الأثاث وكافة الموجودات بالشقة التي تقيم بها مع أولادها رقم6 بالعمارة المملوكة للدكتور عباس البرادي خلف143 طريق الجيش بجليم بما في ذلك اشتراك الكهرباء والمياه والتليفون المركب فيها, وكذلك عن حق السكني كمستأجر بهذه الشقة وهو ما أقره المالك- حتي تتمكن من المحافظة علي كيان الأسرة واستكمال تعليم الأولاد, كما أوصي بتسليمها جهاز التليفزيون الملون( شارب تجميع شركة بنها للصناعات الالكترونية) الموجود بمنزلي بالقاهرة. ثالثا- عرفانا بإخلاص سائق سيارتي السيد( أنور..) وأمانته, واهتمامه برعايتي أثناء فترات مرضي, أوصي له بسيارتي البيجو405 والمرخصة باسمي برقم72737 ملاكي القاهرة ليستعين بها أو بثمنها علي بدء حياته الجديدة بعد مماتي.
رابعا- وأخيرا أوصي بالاقتصار علي تشييع جنازتي دون إقامة ليلة للعزاء أو ذكري للأربعين حتي لانشق علي أحد بمراسم لا طائل منها, ولا تتفق مع ظروف الحياة الحاضرة, ولاتمت لديننا بصله وقد عهدت بهذه الوصية إلي ابننا الوفي الاستاذ فايز محمد علي المحامي ثقة منا فيه ليحفظها لي حتي يحين الأجل المحتوم, فيعمل مشكورا علي تنفيذ ما ورد فيها داعيا له بالصحة والتوفيق.
حررت بخط يدي ووقعت عليها في الخامس من سبتمبر7891.
يا قرص شمس ما لهش قبة سما
يا ورد من غير أرض شب و نما
يا أي معني جميل سمعنا عليه
الخلق ليه عايشين حياه مؤلمة
عجبي!!
صوفي في عشقه لبلاده.. زاهد في أبهة الحكم..
في زمن المؤامرات.. قال إن السياسة أخلاق..
نموذج لمن يستطيع أن يقول لا.. للرئيس.. ويدوس بقدميه علي كل مغريات السلطة.
قصير القامة.. لكنه طويل الهامة.
الدكتور حلمي مراد فارس.. رصين.. حكيم.. اختار الصعب بإرادته.. فكان مدرسة في الوفاء. امتلأ قلبه بعشق الوطن فصار رجل دولة حسب كتالوج الوطنية. التاريخ شاهد علي أنه مارس السياسة بقواعد المستقبل. لم يكن يتوقف عن إطلاق نوبات الاصلاح المستمرة. تقاطعت أفكاره مع مختلف الاتجاهات الفكرية من أجل الوصول إلي الحقيقة فصار العقل الاشتراكي القومي الإسلامي.
استهوته ممارسة السياسة مع صهره السياسي البارز أحمد حسين فلامست أفكاره حزب مصر الفتاة. جعل مادة الدين أساسية في المناهج الدراسية.. وقاتل في وضع قانون العمل وظل يدافع عنه. نقف تحية له في مواجهة الفساد في قطاع البترول. عنوان حي لمن يريد أن يصبح كيانا له ملامح يحدد أهدافه.. ويكون جاهزا لدفع ثمن مواقفه. معتدل.. عندما يكون المشهد به غيوم يرفض الوقوف في منطقة الوسط حفاظا علي درجة الوضوح. لم تغفله ذاكرة برلمان1976 نائبا عن دائرة مصر الجديدة عندما قاتل عن المادة الثالثة من الدستور بأن السيادة للشعب وحده. هو الذي طالب بالتحقيق مع المسئولين عن هزيمة67 ودخل في خلافات مع سيد مرعي الذي حاول أن ينسب الفكرة إلي صهره الرئيس السادات.
في أرشيف النبلاء كان واحدا من نواب الكتيبة(13) الذين عارضوا معاهدة كامب ديفيد التي دفعت الرئيس السادات إلي حل مجلس الشعب.
في ذلك الزمان.. كانت الأشياء تأخذ طابع الجدية.. الإخلاص.. الوطنية.. الفكرة.. المشروع.. القضية.. فضمت كتيبة المعارضة اسماء تحمل بريق الذهب مثل د.حلمي مراد, وخالد محيي الدين, وكمال أحمد, وعادل عيد, وممتاز نصار, ومحمود القاضي, وأحمد ناصر, وأحمد طه. د.مراد كان صاحب عمق في نظرته السياسية.. عرض عليه زملاؤه النواب.. عقد اجتماع لدراسة الترشح مرة أخري في الانتخابات التي جرت1979 وأن تكون هذه الانتخابات بمثابة قياس رأي ونبض الشارع تجاه الاتفاقية التي عقدها السادات. من بين13 نائبا الذين عارضوا كامب ديفيد.. جاء رد د. مراد رافضا للترشح مرة ثانية.. قال لهم إنه يستشعر روح الغدر والتزوير من السادات وأنه لن يسمح لأحد من هذه المجموعة بالعودة إلي البرلمان بكل الطرق, وبالتالي فإن الترشح سوف يصبح مثل عدمه.. لم يقتنع رفاقه بالكلام وجميعهم12 مرشحا- بعد اعتذار د. مراد- خاضوا التجربة وعند اعلان النتيجة.. فوجئوا بسقوطهم جميعا عدا ممتاز نصار الذي كانت له واقعة خاصة قيل إنها تتعلق بالهجوم علي صناديق الاقتراع والقائها في عرض البحر, وبالتالي لم يكن هناك بد أمام السادات سوي عبور ممتاز نصار إلي البرلمان مرة أخري.
صدقت نبوءة د.حلمي في خسارة نواب المعارضة فهرول إليه الخاسرون: نعم أخطأنا لأننا لم نسمع كلامك! في اعتقالات سبتمبر1981 جاء اسم حلمي مراد في المقدمة ليكتب تاريخ السجون لقاء عمالقة السياسية في مزرعة طره الذي ضم محمد حسنين هيكل, وفؤاد سراج الدين, وعبدالفتاح حسن, وإسماعيل صبري عبدالله, وفؤاد مرسي, وعصمت سيف الدولة, وعادل عيد ومحمد فايق. تباينت اتجاهاتهم خلف الأسوار لكن حلمي مراد استطاع بطريقته الهادئة أن يجمعهم علي قلب رجل واحد من خلال المناقشات التي كان تدار بينهم.
تختلف مع أفكاره أو تتفق لكنك لا تملك سوي احترامه.
شعاره دائما مقولة حكيم العرب: قولي صواب يحتمل الخطأ.. وقول غيري خطأ يحتمل الصواب. عرف أن الحرية هي السبيل الوحيد للنهوض بالأمم فألف كتابه الشهير: من أجل مصر أعارض بكل حرية. أثقلت هامته قضايا حقوق الإنسان, وإلغاء حالة الطوارئ.. وبيروقراطية الإدارة الحكومية. تولي أرفع المناصب.. وعاش في زنازين ثلاثة رؤساء ناصر والسادات ومبارك. في لحظات ضعفه لم تتنازل ملامحه عن الشموخ وكبرياء الباحث عن الحرية والكرامة والقيم النبيلة. طارده حماس تحرير الأراضي العربية المحتلة.. فكان من أشد المدافعين والمؤيدين لمظاهرات الطلبة الشهيرة. شكل الرئيس عبدالناصر الحكومة فوجد فكر وعقل د.حلمي مراد مناسبا لحقيبة التربية والتعليم.. وافق مراد واعتبرها خطوة علي طريق الاصلاح يمكن من خلالها إفادة البلاد. جلس علي كرسي وزارة التربية والتعليم واعتبر أنه من الخطأ السكوت علي أي مشكلة في وزارة أخري حتي إن كان لها وزير آخر. في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة عبدالناصر اشتبك د.مراد مع وزير العدل حول عدد من القضاة استقالوا ظلما.. فاعتبره الآخرون تدخلا من د.مراد في غير اختصاصه. لفت انتباهه أحد الوزراء علي انفراد, وجها لوجه, وراح آخرون يفسدون العلاقة بينه وبين الرئيس عبدالناصر.
أشار له الرئيس إلي أن هناك حالة غيرة وربما شكوي من تدخلاتك في ملفات تتعلق بوزارات أخري فرد: نحن معنيون بمصلحة الشعب, والمصلحة العامة, وأن ازمة القضاة سوف تنفجر ويجب علاجها قبل ان تصبح مذبحة. استمع له عبدالناصر ثم باغته في جدية متساءلا: هما القضاه هيخوفونا؟! فرد حلمي مراد: اي عربجي في مصر.. صاحب حق يخوفنا.. وانزعج الرئيس من اجابة الوزير مراد ولف الصمت حوارهما.. واستأذن د. مراد ليعود إلي منزله. كثرت الاقاويل والشائعات حول انقطاع د. حلمي مراد عن الوزارة حتي طلعت علينا صحف يوم1969/7/10 بخبر مقتضب اعلن فيه اعفاء الدكتور حلمي مراد وزير التربية والتعليم من منصبه. عندما سئل عن اسباب خلافه مع عبدالناصر.. اجاب: خلافات تتعلق بالوطن ومصالح المواطنين.. عاش محاميا.. استاذا جامعيا ورئيس قسم.. وكيل جامعة القاهرة.. ورئيس جامعة عين شمس وزير التربية والتعليم.. ومدير شركة التنبؤ الاقتصادي في بيروت.. كل هذا وعندما مات لم يترك سوي وصية بمبلغ قدره تسعة آلاف جنيه في البنك وحافظة نقود جلد سوداء بها ثماني جنيهات وخمسة وسبعون قرش.. وكارنية المحاماة.. وحذائين حذاء بني اللون والآخر اسود اللون.
فارس الفرسان
كتب: فايز محمد علي، المحامي والمستشار السياسي لحزب العمل
منذ إعلان وفاة الدكتور حلمي مراد بمستشفي الزراعيين بالدقي يوم الجمعة أول أيام العيد الموافق 30 يناير 1998 ولم ينقطع عنا ذكره فهو في ضميرنا وحياتنا يعايشنا لحظة بلحظة فكل قضايا الوطن المثارة منذ إعلانه الحرب علي الفساد و حمله رحمة الله لواء المعارضة الواضحة الصريحة المنزهة عن الأغراض والتي أجملها في كتابه القيم من أجل مصر أعارض بكل حرية الصادر أغسطس1996 والذي قدم فيه منهجا فكريا متكاملا للمعارضة المصرية فهو رحمه الله كان معارضا يستهدف الإصلاح والتقدم بأسلوب علمي متقدم حضاري حير اكبرالعتاة في فن تلفيق التهم و الزج بالشرفاء خلف القضبان لإرهابهم و إسكاتهم وصولا إلي الأهداف الآتية الرخيصة التي أوصلت مصرنا العزيزة إلي ما انتهت إليه00 لا يحيد عن القواعد الأخلاقية الحميدة0 ولقد افزع ذلك السلوك حساده وخدام النظام فحين نال منه وتم حبسه بتهم التآمر أيام حكم عبد الناصر وحقق معه لم يستطيعوا إثبات واقعة واحدة مما اتهم به و لم يجدوا مفرا من إطلاق سراحه وقتها بادر بإرسال الشكر لساجنيه لأن محبسه كان سببا في شفائه من حالة الربو المزمنة التي كان يعاني منها. وجمع له كبير العائلة مستشاريه لمحاولة الإمساك به ولو بكلمة أو عبارة ضمن المقالات النارية التي يوجهها لهم. واحتاروا في أمره واجمعوا علي إن مقالاته في مجملها مستفزة للحاكم ولكن ليس فيها عبارة واحدة تعتبر قذفا أو سبا أو تحريضا ولكن جميعها في مجملها حقائق و نقد مباح لا يعاقب عليها القانون وآخر أيام حكم العسكر حبس احتياطيا بتهم القذف في الذات الملكية وزوجته وابنه و أفرج عنه بكفالة رفض سدادها وقام هو وبيده بتنظيف الحجز وتطهيره باعتباره المكان الطبيعي في بلد ظالم ليقيم فيه الشرفاء, وبفضل الله و بعلم الرجل وعمله تقلد من المناصب ما يحسده عليها اقرانه. كل هذه المناصب الرفيعة وظل هو حلمي مراد الأستاذ المعلم الذي أول ما عرفته كنت أنادي لزميل سميه, ففوجئت به يرد نعم فبادرته استغفر الله أنت الأستاذ الدكتور حلمي مراد فأجابني: لا فقط أنا حلمي مراد. أستاذي الشهيد افتقدتك كثيرا يوم اندلعت الثورة في25 يناير2011 جدا جدا جدا.
راهب الوطنية
كتب: مجدي أحمد حسين، الكاتب الصحفي
راهب الوطنية لقد نذر حياته كلها من أجل مصر وشعبها, حتي لم تعد له حياة شخصية بالمعني الحرفي للكلمة. عندما كان يعمل في النيابة العامة قبل ثورة1952 كان ينتمي فكريا لحركة مصر الفتاة, وكان المستشار القانوني لها حتي إنه صاغ مشروع قانون الاصلاح الزراعي الذي تقدم به النائب ابراهيم شكري في البرلمان عام1950, وهو نفس القانون تقريبا الذي طبقته ثورة23 يوليو. وكان كوكيل نيابة شاب يرفض حبس الطلاب الذين يتظاهرون ضد الاحتلال البريطاني لأنه لاتوجد جريمة في ذلك, وخالف في ذلك تعليمات رؤسائه مما أدي إلي نفيه إلي الصعيد. ورغم دعمه لثورة 23 يوليو إلا أنه اعتقل مع أحمد حسين قائده وزعيمه في أحداث1954. وظل يسعي إلي الاصلاح في كل موقع تولاه. في أزمة مظاهرات الطلاب عام1968 عينه عبدالناصر وزيرا للتعليم ومسئولا عن تنفيذ برنامج 30 مارس الاصلاحي, ورغم خلافه في غضون عام مع الرئيس والذي أدي إلي استقالته من الوزارة إلا أنه ظل يحتفظ بموقف موضوعي متوازن من المرحلة الناصرية. وكان من الفرسان القلائل الذين رفضوا كامب ديفيد في مجلس الشعب19791976 ودفع معهم ضريبة حل مجلس الشعب. وبعد تأسيس حزب العمل أصبح نائبا للأستاذ ابراهيم شكري وشن حملات متواصلة علي الفساد كان من أشهرها حملته علي صفقة التليفونات التي قام بها مصطفي خليل رئيس الوزراء. وكان أول من فجر مسألة تدخل قرينة الرئيس( جيهان) في السياسة في مقال شهير بعنوان( الوضع الدستوري لحرم الرئيس) وكان من أهم أسباب وضع اسمه في قائمة المعتقلين في سبتمبر1981. عندما زرته في مقر المدعي الاشتراكي أثناء التحقيق معه وجدته في منتهي الصلابة رغم حالته الصحية التي تستدعي التحرك بحقيبة من الأدوية وبخاخات لحالة الربو. تعلمت منه كيف تقول الحق لاتخاف في الله لومة لائم. وبعد واقعة اعتقاله في عام1981, وبعد اغتيال السادات, وفي ظل عهد مبارك كتب كثيرا ضد حكمه خاصة خلال عام الاستفتاء1993. وبمجرد انتهاء الاستفتاء وقبل أن يحلف مبارك اليمين تم الزج بحلمي مراد في قسم مصر الجديدة, ونام علي الأسفلت عدة أيام ورفض دفع الكفالة, حتي دفعتها له نقابة المحامين. وفي مسألة قول الحق مهما كانت النتائج والعواقب أذكر أنني في1985 وقع في يدي مقال بصحيفة أمريكية يكشف علاقة مبارك بتجارة وعمولات السلاح مع حسين سالم وأبي غزالة, وانتهزت فرصة سفر رئيس التحرير خارج البلاد لأنه كان غالبا سيرفض نشره, وذهبت للدكتور حلمي وعرضت عليه المقال وفوجئت أنه وافق بمنتهي السهولة علي نشره بشرط الترجمة الدقيقة.
سيرة أخرى
انضم الدكتور محمد حلمي مراد في بدايات حياته إلي حركة مصر الفتاة عام 1935 وشارك في صياغة برامج حزب مصر الفتاة من عام 1936 إلي عام 1954وكان له السبق في صياغة مشروعات القوانين التي تقدمت بها حركة مصر الفتاة (الحزب الاشتراكي في ذلك الوقت)إلي مجلس النواب وعلي رأسها قانون الإصلاح الزراعي الذي تقدم به نائب الحزب الوحيد في البرلمان إبراهيم شكري وهو نفس القانون الذي طبقه مجلس قيادة الثورة في 9/9/1952.
شارك مراد في صياغة بيان 30 مارس للإصلاح السياسي عام 1968 الذي قدمه الرئيس جمال عبد الناصر، واختير كوزير للتربية والتعليم لمتابعة تنفيذ قرارات البيان، وكان أول وزير يقدم استقالته في تاريخ الثورة.
فاز مراد في انتخابات 1976 عن دائرة مصر الجديدة، ورفض هو و16 عضواً من أعضاء مجلس الشعب عام 1979 اتفاقية "كامب ديفيد" وكان ابرز المعارضين لها منتقدا دور السادات المخزي في هذة الاتفاقية. ساهم مساهمة كبيرة في صياغة برنامج حزب العمل الذي تقدم به المهندس إبراهيم شكري عام 1979 إلي لجنة شؤن الاحزاب .
وكان من أبرز كتاب جريدة "الشعب" وقاد العديد من الحملات الصحفية ضد الفساد و من ابرز حملاته:حملته علي صفقة التليفونات التي كانت بين مصر وفرنسا و هاجم فيها الدكتور مصطفي خليل رئيس الوزراء في ذلك الوقت لان مكتب خليل وهو مكتب هندسة إتصالات هو الذي قام بدراسة الجدوي لهذه الصفقة نظير اتعاب 5 مليون دولار.
اختارته اللجنة العليا بحزب العمل نائبا لرئيس لحزب عام 1979.
في مارس 1981 كتب الدكتور محمد حلمي مراد مقاله المشتهر " الوضع الدستوري لحرم السيد رئيس الجمهورية " والذي قال المراقبون بشأنه " إن هذا المقال كان من أهم أسباب دفع اسم الدكتور حلمي مراد إلى مقدمة قائمة المعتقلين عام 1981" ، وقامت السلطات بإغلاق جريدة الشعب والتي كانت منبره الأول في التعبير عن أرائه ومواقفه.
عقب خروجه من السجن تم انتخابه أمينا عاما للحزب عام 1982، واستأنف مراد حملاته ضد الفساد فكانت حملته الشهيرة ضد فساد قطاع البترول تحت شعار (حاكموهم او حاكمونا) والتي أدت إلي إسقاط عبد الهادي قنديل وزير البترول في ذلك الوقت.
في يناير 1983 أصدر الدكتور حلمي مراد كتابـه " التغيير أو الضياع" ولنلاحظ هنا استخدام مصطلح التغيير وليس الإصلاح ، وكان أشهر استجواب صاغه الدكتور حلمي مراد (استجواب وزير الداخلية آنذاك حسن أبو باشا حول تزوير الانتخابات مجلس الشعب عام 1984 وقد تقدم بة المهندس إبراهيم شكري.
والاستجواب الذي تقدم به مجدي احمد حسين لوزير البترول عبد الهادي قنديل حول الفساد في قطاع البترول عام 1988.
صدر في سبتمبر 1993 كتاب " لماذا نقول لا في استفتاء الرئاسة القادم " للدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين وهو تجميع لمقالاتهما بجريدة الشعب في الفترة من مايو وحتى سبتمبر 1993 وقد صدر الكتاب ببيان اللجنة العليا للحزب في 16 يوليو 1993 برفض اختيار حسني مبارك لفترة رئاسة ثالثة وبطلان ترشيح مجلس الشعب القائم وقتها له حيث حكمت محكمة النقض وقتها بعدم صحة انتخاب أكثر من سبعين من أعضائه، وكان جزاء الدكتور حلمي مراد و الأستاذ عادل حسين الحجز في قسم مصر الجديدة ومعهما الصحفي علي القماش ولم يمنع الزبانية عمرهما الكبير أو مكانتهما العالية وتركاهما ينامان على البورش ليلتين أو أكثر, ومن بين عناوين المقالات التي تضمنها الكتاب " ترشيح مبارك للرئاسة معيب وينبغي تصحيحه – حقائق التبعية السياسية والاقتصادية التي ينفيها مبارك – زاد الفساد والفقر في عهدك يا مبارك وهذا وقت الرفض والمقاومة – نحن مثل آخر أيام السادات, الكل ضد الرئيس – ليكن سبتمبر شهر التحرك العام لفرض إرادة الأمة عبر استفتاء حر".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته حسب ممدوح الشيخ
هو رفيق كفاح الزعيم الوطني الراحل أحمد حسين مؤسس حزب "مصر الفتاة"، وقد تزوج الراحل أحمد حسين شقيقة الدكتور حلمي مراد، وهو بالتالي خال القيادي مجدي أحمد حسين رئيس "حزب الاستقلال" (العمل الجديد سابقاً).
وحلمي مراد أستاذ قانون مرموق، وكان قبل نهاية ستينات القرن الماضي، أصغر رئيس جامعة في مصر، وهو ما جعله بطل فصل من فصول تاريخ مصر المعاصر سمعتها منه في بيته، وهو ما سأحاول تلخيصه في هذا المقال. ومن الصفحات المهمة في تاريخ الرجل أيضاً انه "راهب علم ونضال" عاش ومات وحيداً، ولم يتزوج أبداً. وخلال السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي كان يعمل بوظيفة مرموقة بأحد مكاتب الأمم المتحدة في لبنان – على ما أذكر – ومع بداية التحول السياسي نحو التعددية الحزبية.
في هذا الوقت قرر المهندس إبراهيم شكري (الوزير السابق/ المحافظ السابق) تأسيس حزب العمل، وطلب من الدكتور حلمي مراد العودة إلى مصر للمساهمة في التأسيس، واستجاب الرجل للدعوة فوراً مضحياً بمعاش تقاعدي من الأمم المتحدة يسيل له لعاب أي شخص، وهو كان يحتاج إلى تأجيل قرار عودته فترة قصيرة، لكنه لم يفكر وحزم أمتعته فوراً.
وعندما كانت عودة حزب الوفد إلى الحياة السياسية تستوجب أن يكون بين مؤسسيه نصاب من نواب البرلمان لا يملكه، انضم الدكتور حلمي رحمه الله إلى مؤسسي "الوفد الجديد" ثم استقال بعد حصول الحزب على الترخيص، ولم يلتفت مراد آنذاك إلى تاريخ طويل من العداء التاريخي بين الوفد (القديم) ومصر الفتاة، وهو صراع كان فيه فؤاد باشا سراج الدين في مواجهة طويلة مع الأستاذ أحمد حسين.
وقد بدأت علاقتي – المباشرة – بالدكتور حلمي مراد عندما ألحَّ عليَّ صديق عزيز كان مهتماً بشكل استثنائي بتاريخ الحركة الطلابية، أن يسجل شهادة الدكتور حلمي مراد على مظاهرات الطلبة الشهيرة التي ملأت جامعات مصر عام 1968، احتجاجاً على "نكسة يونيو".
وبدأت صلة الدكتور حلمي مراد بالقصة – كما رواها لي في بيته – باجتماع دعا إليه جمال عبد الناصر، ليسمع بنفسه من رؤساء الجامعات. وحسب رواية مراد، فإنه – آنذاك – لم يكن يملك سيارة، ووصل إلى رئاسة الجمهورية في سيارة رئيس جامعة يسكن قريباً منه، وهو عند العودة رفض أن يوصِّل الدكتور حلمي مراد بسبب اللهجة الصريحة التي وجه بها النقد لجمال عبد الناصر، وهو قال للدكتور حلمي مراد: لن تعود إلى بيتك إلا جثة، سيضربونك بالنار بسبب ما قلته!
وما حدث أن عبد الناصر طلب من رؤساء الجامعات رأيهم فيما حدث، وكان الدكتور حلمي مراد – بوصفه الأصغر سناً – آخر المتحدثين. وحسب روايته، فوجيء بأن من سبقوه قدموا تقريراً أمنياً!
عدد الطلاب ... شعاراتهم ... مسار المظاهرات، فلما جاء دور الدكتور حلمي تحدث باستفاضة عن الطلاب ودوهم الوطني في تاريخ مصر المعاصر، ودافع عن حقهم في الاحتجاج السلمي، معترضاً على الإجراءات التي اتخذت لمواجهة المظاهرات. لكن الأهم أنه انتقد بشدة حكم الحزب الواحد وحمله المسئولية عن الأوضاع التي أدت إلى النكسة.
وبعد أيام من هذا اللقاء فوجيء الدكتور حلمي مراد باتصال من جمال عبد الناصر يطلب منه تولي منصب وزاري فاعتذر مراد بحبه للتدريس، فكان رد عبد الناصر عليه محرجاً، إذا انتقد منطق المثقف الذي ينتقد وهو خارج السلطة فإذا جاءته فرصة للمساهمة في الإصلاح يعتذر!
وقبل حلمي مراد المنصب ولم تنته القصة، وإن كان من المهم الإشارة هنا إلى أنه – رحمه الله رحمة واسعة – انتبه مبكراً في تجربة عمرها 16 شهراً لا أكثر، أنه في مرمى نيران شلة من المحيطين بعبد الناصر – أحدهم وزير ما زال على قيد الحياة اتهمه اللواء جمال حماد بأنه جاسوس للمخابرات الروسية ولعب دوراً في الكواليس في ما حدث يوم 3 يوليو 2013 – وكان حلمي مراد يسمى هذه الشلة: "مكتب الخدم"!!
المعركة بين مراد و"مكتب الخدم" كان سببها الرئيس رغبتهم في السيطرة عبد الناصر ورفضهم أن يسمحوا بأن يتولى أي شخص منصباً إلى من خلالهم. وفي الاجتماع الأول لمجلس الوراء طلب عبد الناصر سماع رأي أعضاء المجلس فيف الهزيمة العسكرية، ودعا الدكتور حلمي مراد لأن يكون أول المتحدثين فظل يتحدث – منتقداً – حتى أنهى جمال عبد الناصر الجلسة طالباً منه أن يكمل فيف الجلسة التالية.
وفي واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ التحالف المشئوم بين عبد الناصر ومحمد حسنين هيكل، كانت الأفكار التي طرحها حلمي مراد أحد أهم مصادر: "بيان 30 مارس" الذين تم إبعاد عبد الناصر عن كتابته بشكل شبه تام. وهو ربما الوثيقة الوحيدة في هذا العهد المظلم الذي كان فيها تقدير واضح للديموقراطية والتعددية.
مساجلات مع سامي شرف
نص المقالات التى نشرت بين سامي شرف والدكتور محمد حلمي مراد سنة 1996
- بعد رحيل عبدالناصر كتب د . محمد حلمي مراد فى العدد 3234 بتاريخ 16 أكتوبر 1996 تعقيبا لمجلة آخر ساعة على مقال نشر فى شهر أكتوبر1996 حول حوار تم معى عن كيفية إختيار عبدالناصر لمعاونيه خاصا به وإختياره وزيرا للتربية والتعليم وكيف خرج منها فقال :
"تناولتم فى نهاية الحلقة الأولى كيف إختارنى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وزيرا للتربية والتعليم فى وزارته عند إعادة تشكيلها عام 1969 وكيف خرجت منها ، وذلك وفقا لشهادة السيد سامى شرف سكرتيره الخاص.
وتصويبا لبعض وقائع مانشر فى هذا الشأن ووضعا للأمور فى نصابها للحقيقة والتاريخ فيما يلى بالحقائق التالية:
إن أحدا لم يفاتحنى فى شأن الإشتراك فى وزارة الرئيس عبدالناصر قبل مقابلتى له شخصيا ، ومفاتحته لى مباشرة وعلى إنفراد فى شأن تولى منصب وزير التربية والتعليم فى التشكيل الجديد للوزارة التى يرأسها .. وأعتقد أن هذا الترشيح جاء نتيجة الحوار الذى دار بينه و بينى حول المظاهرات الطلابية التى إندلعت عقب صدور الأحكام فى المحاكمات العسكرية التى أجريت لبعض قادة سلاح الطيران فى الإجتماع الذى دعا إليه رؤساء الجامعات المصرية بقصر القبة .
لم يكن إعتذارى عن عدم قبول المنصب الوزارى الذى عرضه علىّ الرئيس عبدالناصر راجعا إلى رغبتى فى تولى منصب وزارى آخر ـ وهو منصب وزير التعليم العالى حسبما جاء فى رواية السيد سامى شرف بل لما أوضحته للرئيس عبدالناصر من أننى أفضل خدمة بلدى من خلال منصبى الذى أشغله وهو مدير جامعة عين شمس حيث أنه معادل فى درجته المالية لمنصب الوزير ، ويفوقه فى انه لا يقتصر من الإختصاص على الإدارة التعليمية بل يختص بالإشراف على أكثر من مجال آخر كالإسكان بإشرافه على المدن الجامعية ، والصحة الطلابية من خلال المستشفيات الجامعية ، والإهتمام بالرياضة وتربية الشباب بالنسبة للأنشطة الرياضية والإجتماعية . هذا فضلا عن أن شاغله يتولاه حتى بلوغ سن التقاعد ولا يعتبر منصبا سياسيا مؤقتا كمنصب الوزير .. غير أن الرئيس عبدالناصر لم يقتنع بوجهة نظرى مقررا أن إختيارى للإشتراك فى الوزارة يعتبر تكليفا وليس أمرا متروكا لإختيارى حيث أنه لا يقبل ممن ينتقدون الوضاع القائمة أن يعتذروا عند دعوتهم للعمل على تحقيق ما يطالبون به من إصلاح .
وفيما يختص بتنفيذ بيان 30 مارس الذى قمت بالمشاركة مع الدكتور عبد العزيز حجازي وزير المالية بوضع البرنامج التنفيذى له . وكلفت بتقديم تقارير دورية عما تم تنفيذه منه على مستوى الوزارات المختلفة ، فقد قدمت تقريرين غير منشورين للرئيس عبدالناصر بنتيجة قيامى بهذه المهمة ، وكنت حريصا على أن أرسل صورة من كل تقرير بصفة شخصية إلى الوزير صاحب الشأن حتى يعرف ما كتبت عن وزارته فى هذا الشأن مستندا إلى ما تلقيته منهم من تقارير حول ما قاموا بتنفيذه دون السما بإذاعة ما حددته هذه التنقارير فى الصحف.
أما عن الحوار الذى دار بين الرئيس عبدالناصر وبينى فى جلسة مجلس الوزراء الأخير التى حضرتها ، فقد جرى حول خطابين مرسلين منى لسيادته ومكتوبين بخط يدى دون أن يطلع عليهما أحد فكان يتعلق اولهما بالخلاف الذى نشب بين نادى القضاة وبين وزير العدل وقتئذ الأستاذ السيد أبو نصير والذى كنت أنصح فيه بألا ينتهى هذا الخلاف إلى ما حدث بعد خروجى من الوزارة مما إصطلح على تسميته بمذبحة القضاء .. وكان الخطاب الثانى يتعلق بإحتجاجى على منع نشر حديث صحفى كنت قد أدليت به إلى مجلة روز اليوسف حول تنفيذ بيان 30 مارس بإعتبارى المكلف رسميا بمتابعة هذا التنفيذ ولم يتضمن أى مساس بأحد من السادة الزملاء الوزراء .ولكن الرئيس عبدالناصر لم يكن راضيا على مخاطبته برسائل كتابية مقضلا أن يخطر بما جاء فيها عن طريق مقابلته شخصيا أو الإتصال تليفونيا ، وخرج غاضبا من الجلسة معلنا أن التعاون معى أصبح أمرا غير ممكن … وهو ما سوف أتناوله تفصيلا مع نشر هاتين الرسالتين التاريخيتين فى الكتاب الذى أراجعه حاليا لإصداره بإذنه تعالى بعنوان " 16 شهرا فى وزارة عبد الناصر ".
وقد إمتنعت بعد هذه الجلسة لمجلس الوزراء المنعقدة فى 7/7/1969 عن الذهاب إلى مكتبى بوزارة التربية والتعليم ، غير أننى لم أر أن أرسل للرئيس بإستقالة كتابية من الوزارة كما فعلت فى مرة سابقة ولم يقبلها متمسكا بإستمرارى فى الوزارة ثقة منه فى شخصى ، بل وطلب منى أعلان ذلك على الملأ. وذلك حتى لا تتكرر الإستقالات من جانبى مما قد يظهرنى بمظهر غير الراغب فى الإستمرار فى أداء رسالتى ، وحتى أعطى الرئيس الفرصة لكى يتخذ قراره بنفسه بإعفائى من منصبى موضحا أسباب الإعفاء. وهو ما تم فى اليوم الرابع الموافق العاشر من يوليو 1969 بنشر قرار إعفائى من منصبى الوزارى ولكن دون بيان لأسباب هذا الإعفاء.
أن ما ذكر على لسان السيد سامى شرف من أن الرئيس عبدالناصر كلفه بأن يكون على إتصال دائم بى بعد إعفائى من منصبى الوزارى ، وهو ما يقرر أنه كان يقوم به اسبوعيا إلى أن إنقطعت عن الإتصال به ، فإننى لم أخطر بهذا الأمر ولم يتم عملا ولعل الأمر كان يخص شخصا خلافى ، وإختلط الأمر على قائله نظرا لإنقضاء ربع قرن من الزمان على ذلك .. وإن كان ذلك لا يمنع من أن أقرر أنه حرص على منحى جواز سفر دبلوماسيا للسفر إلى كافة بلاد العالم بعد خروجى من الوزارة عندما علم بعدم تمكينى من السفر إلى الخارج لحضور مؤتمر بصفتى رئيسا لإتحاد الإقتصاديين العرب وقتئذ .
توقيع ( محمد حلمي مراد ) وزير التربية والتعليم الأسبق ."
وقد قمت من جانبى بالرد على تعليق الدكتور محمد حلمي مراد بالرسالة التالية والتى بعثت بها لمجلة آخر ساعة ونشرت فى العدد3236 بتاريخ30 أكتوبر1996 وكان نصها : " نشرت مجلة آخر ساعة فى عددها رقم 3234 بتاريخ 16 أكتوبر 1996 فى الصفحة الخامسة عشر مقالا بعنوان " الدكتور حلمي مراد يكشف :
خطابان بخط يدى إلى الرئيس عبد الناصر سبب إقالتى ."
وتضمن المقال توضيحا من وجهة نظر الزميل الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد وزير التربية والتعليم الأسبق ، الذى أكن له كل التقدير، حول إختياره وخروجه من الوزارة وفقا لشهادتي بإعتبارى سكرتيرا خاصا للرئيس جمال عبدالناصر. وقد أخذت على نفسى ألا أرد على ما يكتب بالسلب أو بالإيجاب رغم أن كل الوقائع التى عاصرتها بتفاصيلها محفورة فى ذاكرتى وقد دونتها فى مذكراتى ، وخروجا على هذه القاعدة أحب أن أضع أمام القراء الحقائق التالية :
أولا : لقد كان منصبي هو سكرتير الرئيس للمعلومات بدرجة وزير إلى أن عينت وزيرا للدولة .
ثانيا : كنت مسئول التنظيم طليعة الإشتراكيين عن منطقة شرق القاهرة التى كان يتبعها أعضاء هذا التنظيم فى جامعة عين شمس ومن ضمنهم الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد ، واساتذة آخرين وطلاب أكثر .
ثالثا : المعايير التى تم بناء عليها ترشيح وإختيار الستاذ الدكتور محمد حلمي مراد للوزارة هى : كفاءته وقدراته ونظافة يده . عضويته الفاعلة فى تنظيم طليعة الإشتراكيين . رغبة الرئيس جمال عبدالناصر فى دفع عناصر جديدة للعمل فى قمة المسئولية السياسية والتنفيذية . موقف الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد ـ بإعتباره رئيسا لجامعة عين شمس الرافض لمظاهرات الطلبة ومعالجته الأمور بطريقة سياسية .
رابعا : إن مفاتحة الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد تمت على مرحلتين ، الولى تمت تليفونيا منى أنا شخصيا ومن مكتي السيد على صبرى بحضور السيد شعراوي جمعة وحضر سيادته إلى مكتب السيد علي صبري فى مبنى الإتحاد افشتراكى العربى بكورنيش النيل وكان سعيدا بالترشيح ، وبناء عليه تحدد له الساعة السابعة من مساء نفس اليوم لمقابلة الرئيس جمال عبد الناصر فى منزله بمنشية البكري، لمفاتحته رسميا. وكان الذين سيفاتحوا فى ذلك اليوم الأساتذة الدكتور عبدالعزيز حجازى عميد كلية التجارة بجامعة عين شمس فى ذلك الوقت ، والدكتور عبد العزيز كامل والدكتور محمد صفي الدين أبو العز من اساتذة جامعة القاهرة والأستاذ ضياء الدين داود، وآخرين بعضهم لم يدخل الوزارة . وليس من المنطقى أن يستدعى مسئول لمقابلة الرئيس فى مرحلة تعديل وزارى دون ان يكون لديه علم مسبق بذلك ، وهو ما قمنا به نحوه .
خامسا : جلسات مفاتحة الرئيس جمال عبدالناصر لجميع المرشحسن ـ والتى تمت لكل على إنفراد ـ مسجلة ومحاضرها محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى .
سادسا : تمت ثلاثة مواجهات بين الرئيس جمال عبدالناصر والأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد فى جلسات ثلاثة لمجلس الوزراء ـ وهذه الجلسات مسجلة ومحاضرها محفوظة فى أرشيف سكرتارية الرئيس للمعلومات بمنشية البكرى ـ علاوة على أن أغلب شهود هذه الجلسات من الزملاء الوزراء على قيد الحياة ـ أطال الله في أعمارهم ـ وهم على سبيل المثال الأساتذة : الدكتور عزيز صدقي والدكتور عبد العزيز حجازي والدكتور محمد صفي الدين أبو العز والسيد أمين حامد هويدي والسيد محمد فائق والفريق أول محمد فوزي والسيد ضياء الدين داود. كما سجل هذه الجلسات بخط يده السيد عبد المجيد فريد. والذين أتمنى أن ينشطوا ذاكرة الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد حول ما دار فى هذه الجلسات .
سابعا : أحد السادة الوزراء ـ وهو حى يرزق ـ إصطحب الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد إلى حديقة الميريلاند بمصر الجديدة بعد أول مواجهة فى مجلس الوزراء ونصحه فى حديث طويل تناول الأسلوب الذى يتعامل به الوزراء فى مجلس الوزراء إما مع الرئيس أو مع الزملاء الوزراء من اعضاء مجلس الوزراء .
ثامنا : الأستاذ محمد حسنين هيكل كان يجلس معى فى مكتبى بالقصر الجمهورى بالقبة واستمع إلى ما دار فى هذه الجلسات واخذ نقاط كاملة بما دار فيها .
تاسعا : النقاط التنى دارت حولها المواجهات بين الرئيس جمال عبدالناصر والأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد تتركز حول العناصر الآتية دونما الدخول فى تفاصيل أحتفظ بها للوقت المناسب : الحد من الدعاية الشخصية من جانب السادة الوزراء ولتتحدث الأعمال ( وفى أول مواجهة لم يسمّ الرئيس جمال عبدالناصر أحدا بالإسم ، وإن كان جميع الحضور فهموا من هو المقصود ) . عدم إفشاء أسرارما يدور فى قاعة مجلس الوزراء تحت أى مسمى وبأى وسيلة . لقد كان الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد من اكثر الوزراء الذين يتصلون بالرئيس جمال عبدالناصر تليفونيا وربما أكثر من مرة فى اليوم الواحد ، بالإضافة إلى المقابلات الرسمية والغير رسمية وفى منزل الرئيس بمنشية البكرى .
إستخدام بعض وسائل الإعلام كوسيلة لفرض آراء أو الترويج لوجهات نظر بعينها . ضرورة التنسيق العرضى بين الوزراء وخصوصا الذين كانوا أعضاء فى لجنة متابعة تنفيذ بيان 30 مارس. والأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد إستخدم أسلوبا حزبيا قديما بأن إتخذ من هذه اللجنة وسيلة لمراقبة أعمال زملائه الوزراء ومهاجمتهم .
عاشرا : التقري الذى تقدم به الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد متعلقا بالأوضاع في نادي القضاة كان خارج إطار تكليفات مجلس الوزراء بل كان تكليفا خاصا وكان إجراء تطوعيا من جانب الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد ووافق عليه الرئيس جمال عبدالناصر .
حادى عشر : لقد كان باب الرئيس جمال عبدالناصر ومكتبه مفتوحين فى أى وقت وفى أى ساعة لمقابلة الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد ، كما كانت تعليمات الرئيس للسيد محمد أحمد السكرتير الخاص للسيد الرئيس ، ولى شخصيا أن يتم توصيل أى مكالمة يطلبها هو او غيره من الوزراءمع الرئيس .
ثاني عشر : الستاذ الدكتور محمد حلمي مراد كان قد أسرع فى الوصول إلى مكتبى فى منشية البكرى طالبا مقابلة الرئيس جمال عبدالناصر عقب إنتهاء جلسة مجلس الوزراء التى قال فيها للأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد " أن التعاون معه أصبح غير ممكنا " .
ثالث عشر : كلفنى الرئيس جمال عبدالناصر فى نفس الليلة بالإتصال بالأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد وقد طلبته فى صباح اليوم التالى ن ولكنه لم يكن متواجدا بمنزله وتم الإتصال به فى منزل المرحوم الأستاذ أحمد حسين، وأبلغته بأن الرئيس أمرنى بمداومة الإتصال به ، وإتفقنا على اللقاء يوم الحد التالى وتم فعلا هذا اللقاء ، ثم إنقطع سيادته إلى أن أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارا بإسناد الإشراف على الرسائل الجامعية فى جامعة عين شمس للأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد ، كما صدرت التعليمات لوزارة الخارجية لمنح سيادته جواز سفر دبلوماسي.
رابع عشر : أما ما أشارإليه الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد من خطابات بعث بها للرئيس جمال عبد الناصر فإنى آمل أن تكون موثقة ، فالمعروف أن أى أحد يستاطيع أن يدعى أنه بعث برسالة لأى شخص ليسجل بها موقفا الآن وبعد مرور ربع قرن دونما يكون ما يثبت صحة هذه الرشالة فى ذلك الوقت ز
خامس عشر : أخيرا فإنى بتأكيد ما سبق ، أعتقد أننى قد وضحت كثيرا من الأمور التنى لم يتناولها الحوار الذى أجراه معى الأستاذ عبدالله إمام والذى صدر فى شكل كتاب " كيف كان عبدالناصر يحكم مصر " ، والذى لم يشمل كل الوقائع ولا كل التفاصيل ، فإنى أعتبر أن باب التعليقات فى هذا الأمر من جانبى منتهيا ـ فى المرحلة الحالية ـ بهذا الإيضاح .
كماأرجو أن أكون قد وضعت أمام الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد بعض الحقائق التى ربما يكون قد نسيها لطول المدة .
ومع كل تقدير للزميل الأستاذ الدكتور محمد حلمي مراد أرجو أن أكون قد وفقت فى الإيضاح .
توقيع ( سامى شرف )
وزير شئون رئاسة الجمهورية الأسبق مصر الجديدة في 23 أكتوبر 1996 ."