عمارة الأرض في الإسلام
عمارة الأرض في الإسلام, هو عنوان الكتاب الذي ألفة جميل عبد القادر أكبر (Jamel A. Akbar) عام 1992, طبع هذا الكتاب بدعم من سمو الامير سلطان بن سلمان عبد العزيز وعلى نفقة شركة بن لادن الإسلامية .
هذا الكتاب يشرح أسباب جمال وفعالية العمارة الإسلامية, التي استُمدت من مبادئ الشريعة الإسلامية, ويقارنها بالعمارة الحديثة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقدمة
يعانوا المسلمين اليوم حالة من التخلف الحضاري حتى فاتهم الركب بعد ان كانوا رواده. كيف السبيل للنهوض؟ وما هول دور الإسلام في زمن العلوم الباهرة والصناعات الراقية والتخصصات المتفرعة؟ ومما زاد الحال سوءاً ان التخصصات المستوردة غزت الأنظمة والمؤسسات شالة فكر العلماء عن ساحة المجتمع الفكرية راسمة لهم حدود لا يتعدوها وبما ان هذه التخصصات تبلورت في بيئات تختلف عن بيئات المسلمين فلا يفهمها كثير من علماء الشريعة وهذا زاد من انفصال دور كتاب الله ورسوله عن واقع الحياء وعن رسم المنهج لأيقاظ الأمة الإسلامية من كبوتها.
في هذا الكتاب هناك توضيح لعظمة الشريعة وملائمتها للبيئة المبنية المعاصرة وتفوقها عن جميع النظم والنظريات المعاصرة فالكاتب يتعجب من جمود أولئك المعماريون والمخططين بالنسبة للمشاكل البيئية الراهنة محاولين إبعاد الشريعة عن هذه المسائل . فغالبية المعماريون ينظرون إلى البيئة التقليدية نظرة عاطفية مصحوبة بسوء الفهم.
في ما يلي توضيح لهذه الاتجاهات:
- بالنسبة لاتجاه علماء الشريعة, فلقد وجدوا انفسهم في مأزق فكان عليهم أن يسايروا المتطلبات الراهنة مثل عدم جواز إحياء الأرض ونزع الملكية الخاصة للمصلحة العامة....الخ. وهذا ادى إلى ارتفاع في سعر الأراضي وركز الخدمات في مراكز المدن مما ادى إلى ازدياد الكثافة السكانية عن طريق الهجرة من الريف آلة المدن، فازدادت الكثافة البنائية (كعلو المباني) مما احدث خلل في التركيبة المعماري نتج عنه ان شبكات الخدمات ( فضلات، كهرباء، مياه....الخ) لم تعد تحتمل هذا العبء الإضافي.
ومن أسباب إلغاء إحياء الأرض الحملة القائلة ان البيئة الناتجة عن الإحياء ستكون عشوائية وغير ملائمة لوسائل النقل الحديثة ، فشوارعها ملتوية وضيقة ذات سباطات وطرق غير نافذة ومبانيها متلاصقة دون فراغات بينها. وبهذا تلقت البيئة التقليدية ركلات من جميع فئات المفكرين مثل علي باشا مبارك. ولكن الكل يعلم ان السيارة ظهرت في هذا القرن فكيف يلام نظامك البيئة التقليدية على ذنب لم يقترفه؟ وهل اعطي هذا النظام فرصة لإنتاج بيئة تتلاءم مع الظروف الحالية؟.
باختصار اتجه علماء الشرعة نحو مخارج تلائم الظروف الحالية دون التعمق في فهم دور الشرعة في البيئة. لا بد من توضيح مصطلح البيئة التقليدية قبل الاستمرار وهو مجموعة من المباني والأماكن التي شيدها المسلمون باتباع البيئة الإسلامية والأعراف ومواد البناء المتوفرة دون تدخل السلطة الا في حالة الخلاف. فهي بيئة تميزت بسور مدنها وبواباتها وتلاصق مبانيها ذات الأفنية، في تنظيمها وفي حالة الإتقان في بناء الواجهات الداخلية للفناء ووضع الأشجار فيه وفي جمال نقش العقود والأقواس والقباب. فهل هذا تناقض بين دقة العمارة والفوضى في شوارع المدينة ام ان الباحثين اساؤا الفهم؟
- أما اتجاه المهندسين والمخططين ، فهو في دراسة البيئة التقلدية واستنباط أفكار معمارية لإدراجها في البيئة الحالية، كالإكثار من القبب والسباطات والأفنية في مشاريعهم ونرى بعض الأخر من المهندسين الذين يهتمون بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية للبيئة القديمة , ويركزون على تنمية الترابط الاجتماعي واستعمال مواد بناء التقليدية , كالطين مثلا.
بإيجار العمارة الإسلامية بالنسبة للمهنين هي دراسة تطوير وتطبيق أنماط وأفكار البيئية التقليدية.
بما ان العالم الغربي يعتمد على أنطمه اقتصادية وسياسية والتي أثرت على تخطيط المدن بشكل مختلف عنه في العالم الإسلامي. وهذا لأن المخطط نقل تلك الأفكار التي تبلورت في الغرب إلى العالم الإسلامي مثل نقل شجرة من منطقة استوائية إلى منطقة صحراوية , ولكي تعيش لا بد من تكييف المحيط الصحراوي إلى استوائي.
ولإثبات الدور المهم للمخططين أكدت بعض الدراسات ان التخطيط بالمفهوم الغربي كان موجود أيضاً في المدن الإسلامية مثل بغداد والكوفة. ولكن ما هو دور المخطط آنذاك؟, وما معنى تخطيط ؟، وهل نجحت تلك المدن أو تعارضت مع تلك المجتمعات؟، فلا بد من الإجابة عن هذه الأسئلة قبل الحديث عن دور المخطط.
التقليدية والاستنباطات الحديثة
أما بالنسبة للعمارة, نرى أن المهندسين يركزون على دراسة المعالم التاريخية, مثل والقصور والمدارس كمدرسة السلطان صالح نجم الدين في القاهرة وقصر الحمراء فيغرناطة، علما بان هذه المباني هي جزء بسيط جداً بالنسبة للبيئة العمرانية. وتناسوا, في هذه الاستنباطات, عامل مهم وهو أن البيئة التقليدية اعتمدت بشكل خاص على أسس وضعتها الشريعة.
هذا الكتاب سيركز على البيئة العمرانية ومعرفة ما الذي يحركها ويحكمها ويوضح المهارات التي يجب أن يتعلمها المهنيون للمساهمة في رفع كفاءة العمارة.
دراسة البيئة القديمة ستوضح لنا تراكم تجارب الأجيال السابقة، فهذه البيئة هي الناتج النهائي من عملية تفاعل مثل ثوابت كالشريعة والمناخ وبين متغيرات كالإمكانات الاقتصادية والصناعية. وكذلك من الخطأ أن نأخذ الناتج النهائي لإغناء العمارة الحديثة لان المتغيرات ليست نفسها. لماذا لا يكون التركيز على النظم والمبادئ التي اتبعت في تلك البيئة؟
تشابهه المباني
سؤال أخر، إذا نظرنا إلى البيئة التقليدية نرى أن المباني في منطقة ما متشابهة من حيث مواد البناء والتوزيع الداخلي ( كالمطبخ،دورات المياه،المجالس) أي كل منطقة لها نمطها المميز. فمثلا مباني مكة المكرمة تشتهر بكثرة الرواشين اما الرياض معرفة بقلة فتحاتها رغم تشابه المناخ في المنطقتين فلماذا هذا التجانس البيئي؟. الإجابة هي الاعراف وليس المناخ. ففي مكة تستخدم الأخشاب بكثرة في الواجهات رغم قلة الاخشاب في تلك المنطقة، بينما لا تستخدم في الاحساء رغم توفرها. كما تستخدم الرواشين الخشبية في مكة المكرمة وجدة برغم اختلاف المناخ بينهما من حيث الرطوبة.
النمو والتغيير
الإجابة عن هذه الأسئلة في فهم البيئة العمارية يكمن في عامل الزمن. فمن رصد عناصر البيئة لمدة كافية قد تصل إلى عشرات السنين نستنج ان البيئة متغيرة بشكل تدريجي وليست ثابتة. مثلا موقف السيارات ممكن ان يحوله مالكه إلى محل تجاري والشرفة تضم للمنزل وهذا إلى مستوصف او إلى عيادة طبية والشارع السكني إلى تجاري وظهور إحياء سكنية ومناطق صناعية. وتختلف العناصر في البيئة من حيث سرعة التغير فالمباني تتغير اسرع من الشوارع، فقط تهدم وتضاف مباني دون تغير اتجاه وعرض الشارع وتغير الشوارع اسرع من تغير مواقع المدن. أي ان تغير البيئة ونموها هو ظاهرة حتمية ومستمرة إلى عدة اسباب :-
- تغير متطلبات الملاك مثلا زيادة او نقصان عدد الاسرة او تغير العلاقات بينهم
- غريزة التطوير وإظهار الذات، فالواجهة الخشبية تصبح رخامية والحديقة يصبح لها مسبح وواجهة المتجر خشبية تصبح زجاجية .
- تقدم التكنولوجيا فالانتشار التكيف المركزي يحل مكان اللامركزي.
- تغير البيئة المحيطة فعند بناء المستشفى فالمنازل المحيطة ممكن ان تتحول إلى عيادات او صيدليات .
- تغير الوضع الاقتصادي، تقسيم منزل إلى وحدات اصغر.
هذا ما يتعلق بعوامل التغير المعماري أما بالنسبة للتخطيط فان أي تغير سياسي واقتصادي في تركيبة المدينة او الدولة سيؤدي إلى ظهور مناطق او مدن جديدة.
العوامل السابقة وغيرها تحتم علينا تقبل ظاهرة تغير ونمو البيئة المستمر والتي تؤدي إلى تغير البيئة العمرانية وبالتالي إلى مضاعات مثل زيادة الحمل على البنية الاساسية كالازدياد الطلب على خطوط الهواتف او تغير انابيب الصرف الصحي لاستعاب زيادة الكثافة السكانية. الشريعة الاسلامية تعاملت بحكمة عجيبة الاتقان مع هذه الظاهرة ( تغير والنمو)، بينما المهندسين تجاهلوها كصعوبة التعامل معها . فكما يعتقدون مهمة المهندس تنتهي بانتهاء تشطيب المبنى اما المخططون ومتخذي القرارات البيئة مثل رؤساء البلديات ووضعم أصعب لانه يعتمد على تنبؤات مستقبلية والتي تعتمد على عوامل متغيرة مثل الاقتصاد والسياسة والتصنيع . فمثلا يخططون بانشاء ميدنة ما او يسيرون التطور في اتجاه معين بناء على دراسات مستفيضة ثم يثبت غير ما كان متوقع . كما حدث في مدينة نيودلهي حيث تم بناء مدن صناعية خارج نيودلهي لتخفيف من كثافتها السكانية، والذي حدث هو العكس فهذه المناطق الصناعية جذبت سكان من الريف لتوفر فرص العمل ، الذين فضلوا السكن في نيودلهي وهذا ادى إلى ظهور طبقة جديدة تعتمد على نقل اولئك العمال . الامر الاخر ان هناك عوامل اقتصادية خفية مصاحبة لبعض الوظائف لا يدركها المخططين الا بعد اتخاذ القرارات المضادة لهذه الوظائف. ففي القرى مثلا يجتمع النساء عند ابار المياه ويتبادلن الحديث ويمكن ان تشكتي امراة إلى صاحبتها سوء معاملة زوجها لها، فتخفف عنها صديقتها وتعظها بتحمل زوجها. هذه الوظيفة وغيرها انتهت دون احداث بديل لهذه المتطلبات الاجتماعية .
----
مثال اخر هو ما حدث في مدينة شانديجار في الباكستان عندما منعوا الباعة المتجولين من ممارسة مهنتهم لاسباب صحية وهذا ادى إلى خلق طبقة عالة على المجتمع لفقرهم . وتبين بعد ذلك ايضا ان اؤلئك الباعة كانوا يشكلون شبكة اتصالات بين المجتمع وشبكة اقتصادية لانهم يبيعون جميع المنتجات باقل كلفة. وهذا يعني ان قرارات المسؤولين والمخططين تتطلب مراجعات دائمة للمعلومات البيئة ومن ثم تعديلات مستمرة للقرارات السابقة وهكذا.
الواقع هو ان فهم البيئة والتخطيط لها هو امر شبه مستحيل ولكن الشريعة ابدعت في هذا كما سنرى في هذا الكتاب.
عندما ننظر إلى المدن كاملة البناء التي خططت دون مشاركة السكان نرى انها دائمة الكابة بالرغم من انها مزودة بملاعب وحدائق وماشابة ذلك من خدمات ، الا انها تفتقد للمسة الانسانية. واذا قلنا ان مدينة الخبر السعودية كانت ناجحة التخطيط اقول انها نجحت لمبادرة السكان الذي اعطوها تلك اللمسة الانسانية لبناء منزل هنا ومتجر هناك، أي ان عامل الزمن ساعد على احداث التعديل المطلوب . وارجو ان لا يفهم من هذه المقدمة ان الكاتب يحاول بالتشكيك في حاجة المجتمع للمهندس والمخطط بل على العكس ولكن ليس بالدور الذي يقومون به الان. أي اساؤا استخدام دورهم تحت شعار التنظيم ودون فهم متطلبات مجتمعاتهم .
اخيرا هذا الكتاب يريد ان يركز على اهمية دراسة الشريعة ودورها في العمران.
الفصل الأول:المسؤولية
تنمو البيئة وتتغير بواسطة الأفراد والمؤسسات الذين يتصرفون حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية وضمن اطر مجتمعاتهم من أنطمه وقوانين وأعراف وقد يصطدمون بينهم في السيطرة على البيئة. فمثلا قد يعارض الجيران شخص لانه حول منزله إلى نادي او قد تمنع البلدية بناء طابق ثاني أو قد يعارض السكان البلدية لإضافة منشأ جديد للمدينة . لذلك البيئة هي مسرح للاختلاف أو الاتفاق بين الأفراد والمؤسسات ومن هذا النزاع يصدرون أو يُصدر لهم قوانين تسمح بسيطرة بعضهم على بعض. ولتلافي هذا الصراع تطورت الأعراف والأنظمة التي تبلور تسلسل اتخاذ القرارات البيئية ، أي ما هو محظور أو هو مسموح وهذا ما هو مقصود بالحركة البيئة. وهذه تتأثر بمذاهب المجتمعات الفكرية وبعوامل اجتماعية اقتصادية سياسية وجغرافية. وهناك الكثير من الأبحاث التي تدرس هذه العوامل . هذا الكتاب يركز على الحركية البيئة كإطار واحد يجمع كل هذه العوامل تحت مظلته .
ثروات الامة
ثروات الامم كامنة في ممتلكاتهم او أعيانهم (جمع عين) الملموسة فالعين هي كل عنصر مادي ملموس يشغل حيز في البيئة وحتى الفراغات حولنا هي اعيان فالغرفة لا توجد الا بجدرانها والشارع بمبانيه والملعب بمدرجاته. اذا درس حالات الاعيان وتوزيعها او اماكن تواجدها يمكن ان يرفع عطاء البيئة ويوفر ثروات المسلمين لتسخيرها في اماكن اخرى .
- حالى العين للاهتمام بها او اهمالها ففي حالة السيارة ايقافها في اماكن مظلة صيفا او اصلاحها حالة سماع صوت غريب من محركها وفي البيت يعني تغير انابيب الصرف عند الحاجة حتى لا تتسرب المياه وهكذا..
- توزيع العين او اماكن تواجدها تعني لماذا هذه العين توجد هنا وليس هناك ؟ ومن الذي قرر ذلك؟. لناخذ الاشجار مثلا لماذا تتواجد في الافنية والعقارات الخاصة في البيئة التقليدية بينما تنظر في الاماكن العامة عكس ما يحصل في البيئة الحديثة. هناك تفسيرات مختلفة لهذه الظاهرة احداها يقول ان المجتمع المسلم ينظر إلى الستر (او الخصوصية والبعد عن انظار المتطفلين) لذلك الفرد حاول توفير كل شيى في منزله . بعكس المجتمعات الغربية الذي تحث على الاختلاط وهذا كثرت الاشجار في الاماكن العامة .
هناك تفسير اخر يوضح لنا حركية البيئة في الفصول القادمة . فمثلا اذا حصل سكان قرية ما على 100 شجرة وكان عدد السكان 400 نسمة فاين سيغرسونها؟. اذا غرست في الاماكن العامة سيستفيد منها المارة، ويستفيد منها والي القرية اذا غرست في حديقته اما اذا وزعت فسيكون شجرة نصيب كل اربعة افراد شجرة وبذلك سيتفاوت نصيب كل منزل حسب عدد افراده وفي هذه الحالة ستضل الطرق محرومة من الشجر. او قد يتفق السكان على زرع على نسبة معينة من نصيبهم في فناء المنزل (المنطقة المجاورة للمنزل) والاخر في ساحتهم. على العموم عفي كل حالة من الحالات السابقة مترتبات ، ففي حالة زرع شجرة في الأماكن العامة قد يطالب اهل القرية بري الشجر واذا كانت مثمرة بقطف وتوزيع الثمار او قد يستأجرون اشخاص للقيام بذلك . اما اذا زرعت الاشجار في حدائق المنازل فهو الحل الامثل اقتصاديا وتنظيميا . اما في حالة زرع الاشجار في الافنية وساحات المنازل مما قد يؤدي إلى اهمال بعض السكان شجر افنيتهم وبهذا القرية ستفقد بعض مواردها ولتجنب ذلك قد توضع بعض الانظمة لضبط هذه التصرفات مما يؤدي إلى ظهور طبقة منظمة ككبار اهل القرية. او ربما يحدث ان تقوم هذه الطبقة بتوظيف شخص لري هذه الاشجار وقد يكون هذا مهملا ولهذا سيوكل شخص اخر لمراقبته او قد يتبلور عرف لدى اهل القرية لري الاشجار مثلا ان تقوم كل عائلة او مجموعة من العوائل المتقابة لروي الاشجار لمدة معينة .
في كل حالة من الحالات السابقة مترتبات مالية اجتماعية جمالية ووظيفية: قد يؤدي نظام ري الاشجار عن طريق السكان انفسهم إلى زيادة تعارف وتقارب السكان اما من الناحية الجمالية فطريقة توزيع الاشجار ينتج عنه تاثير ومنظر مختلف التي يمكن ان تكون منظمة من حيث المسافات وهذا يعني ان هناك سلطة مركزية. والاحتمال الثاني ان يقوم كل ساكن بري شجر فنائة بنفسة والناتج يكون حلول مختلفة او قد يفضل بتركيز الاشجار في مركز المدينة وفي شوارعها الرئيسية وهذا يؤدي إلى جذب الناس اليها اما اذا غرست في ساحات المنازل فقديفضل رب المنزل البقاء في منزله وهذا يعني ان موقع الاشجار سيؤثر على نشاطات اهل القرية . هذا المثال ومترتباته يوضح التشابك الامور واهمية دراسة اماكن تواجد الاعيان الذي اثر على حركية البيئة كالاتفاق بين مجموعة من السكان او قرار مسؤول البلدية او نظام مفروض من الدولة. فاذا نمت معرفة نقاط الضعف والقوة لهذه القرارات يمكن للمجتمع تحسين بيئته والاستفادة القسوى من اعيانه . من دراسة البيئة يمكن ان نستنتج ان حالات الاعيان وتواجدها وظاهرة النمو والتغيير وحركية البيئة تعتمد اساسا على تمتع الافراد للمسؤولية . مثلا قد نجد في عمارة سكنية تابعة لمشروع حكومي ان صيانة وتنظيف الممارات هي مسؤولية الحكومة اي جهة خارجية لقد تكون من مسؤولية السكان انفسهم اذا كانت العمارة ملك لفرد ولعائلته اما اذا اذا تم تمليك الشقق لعدة افراد فمسؤولية مشتركة بينهم
ان اهداف هذا الكتاب توضيح نماذج المسؤولية في البيئة التقليدية والتي انبثقت من الشريعة وتوضيح مدى اختلافها على البيئة الحالية وكيف ان هذه المسؤولية تؤثلر على حالات الاعيان وتوزيعها . فهذا الكتاب لا يتطرق للتخطيط والعمارة كعلم ولكنه يناقش مشكلات البيئة .
حالة الاعيان والمسؤولية
حالة الاعيان هي المراة الوحيدة التي تعكس حالة الافراد لتلك العينة سواء كانوا ملاكا او مستخدمين او زائرين فحالة اي عين تعتمد على مدى الاحساس والمسؤولية لدى اؤلئك الذين يملكونهم ويقومون بصيانتها واستخدامها . ويمكن ملاحظة هذا في حياتنا اليومية ، لماذا تحتاج المناطق العامة إلى صيانة مستمرة، لماذا لا تعيش السيارات التي تملكها الدولة كتلك التي يمكلها الافراد. الاجابة عن هذه الاسئلة بطريقة او باخرى تنتهي إلى المسؤولية فهناك مسؤوليات خاصة كتنظيف منازلنا ومسؤوليات مشتركة كعدم القاء الفضلات من الشوارع. فحيثما نظرنا نجد اثار الاحساس بالمسؤولية مجسدة بالاعيان من حولنا فالسيارة مغطاه والمحمية من اشعة الشمس تدل على اهتمام مالك السيارة بها.
المسؤولية كاطار نظري
لتوضيح العلاقة بين حالة العينة والمسؤولية وبعد دراسة حالات الاعيان في البيئة التقليدية ومقارنتها بالبيئة المعاصرة هناك استنتاج للاطار النظري هدفه التسهيل والايضاح
الحق
الاطار النظري مكون من شقين وهم الحق والفريق اي عين تخضع لثلاث حقوق مميزة وهي : حق الملكية والسيطرة والاستخدام. فمثلا الشارع الذي يستخدمة الناس ملك للدولة وتسيطر علية البلدية. حق السيطرة: هو المقدرة على التصرف بالعنصر دون استخدامه او ملكه وهذا لا ينفي ان يتمتع شخص واحد بحق الملكية والسيطرة معا . ولبيان العلاقة بين الحقوق الثلاثة يمكن ان يميزه بالشكل 1,4.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الفريق
الشق الثاني للاطار النظري هو الفريق فملكية العين لفرد او لعدة افراد تعتبر لفريق واحد ان اي قرار بيع او بناء او استخدام لا بد ان يتخذه فرداو مجموعة من الافراد ويطلق عليه او عليهم لفظ فريق او مصطلح فريق اي ما تعتبره العين كصاحب قرار ، مثل بيع المنزل او تحويل شارع إلى طريق مشاه ولاستخدام ايضا هو حق يتمتع به فريق واحد قد يكون فردواحد كمستخدم كرسي الصف في المدرسة او كعموم الناس المستخدمين للكرسي في الحديقة العامة . ومن الطبيعي ان حجم الفريق المستخدم المالك او المسيطر يؤثر على حالة العين كحالة الكرسي حديقة خاصة تختلف عن تلك الحديقة العامة.
النماذج الإذعانية
سُميت بهذا الاسم لان العين ليس لها خيار اي انها مستخدمه، مذعنة، مستسلمة، للفرق التي تتمتع بالحقوق الثلاثة عليها. بربط الشقين معا الحق والفرق نحصل على خمس احتمالات رئيسية للمسؤولية :
- 1- الإذعاني المتحد ويحدث هذا الاحتمال عندما يتمتع فريق واحد بالحقوق الثلاثة : الملكية ، السيطرة ، الاستخدام. مثلا اذا اراد هذا الفريق ان يبني غرفة في منزله فلن يحتاج الى اذن الاخرين . واذا اراد مستخدمو طريق غير نافذ بناء دكة فلهم ذلك دون اخذ اذن السلطات اذا كانوا هم المسيطرين والملاك .
- 2- الاذعاني المشتت وهو المعاكس للاحتمال الاول ويحدث عندما ثلاثة فرق مشتركة في عين واحدة وكل منهم يتمتع باحد الحقوق الثلاثة ومثل لذلك الكرسي بالمعهد الذي يستخدمة الطالب وتسيطر عليه المدرسة وتملكه الدولة .
بين هاذين الاحتمالين يوجد احتمال ثالث ينقسم الى ثلاث حالات بان العين خاضعة لفريقين
- 3- الاذعاني الترخيصي وفيه الفريق المستخدم يتعامل مع الفريق المالك المسيطر كالشخص الذي يستاجر منزلا او محلا تجاريا وسمي ترخيصي.
لان الفريق المالك الميسطر يسمح للفريق الثاني بحق الاستخدام
- 4- النموذج الاذعاني الحيازي في هذا الاحتمال الفريق المستخدم المسيطر تتعامل مع الفريق المالك ، والذي حدث في هذا الاحتمال ان الفريق المستخدم حاز على حق السيطرة . وطبيعة العلاقة بين الفريقين تمثل في اصدار قوانين من قبل الفريق المالك، مثل الاراضي الاميرية التي تملكها الدولة ويسكن بها المزارعون المتمتعون بحق التصرف
- 5- النموذج الاذعاني المؤقت وهذا يحدث عندما فريق يسيطر على عين يستخدمها المالك مثل الحجر على منزل اليتيم فهذا يسكن منزله ولكن لا يسيطر عليه لا المسيطر هو الوصل على الطفل اليتيم .
ان العلاقة بين الفرق المشتركة في عين تؤثر على حالة العين، فالمستاجر مثلا قد لا يصون المنزل كما يفعل المالك او هذا قد لا يصون شقته المؤجرة كما سيفعل لو هو ساكن فيها . فحالة العين تعكس الحالة بين الفرق المشتركة في تلك العين .
مصطلحات
في هذا الكتاب ستستخدم كلمة عقار للدلالة على ملكية فريق واحد للاعيان وكلمة مكان على استخدام فريق واحد لمكان المسمى كالشارع او للطريق غير النافذ، وكلمة خطة للدلالة على سيطرة فريق واحد . والفرق بينهم ان العقار يدل على اعيان تتبع نموذجيا اذعانيا واحدا كالارض وما عليها من اشجار ومباني وما فيها من اثاث اما المكان فيدل على فراغ الشارع وما به من اعيان والمنزل والعناصر المكونه له وليس ما بداخله وخطة تعبر عن منطقة تسيطر عليها فريق واحد مثل محافظة في الدولة او مدينة في الاقليم او حارة في المدينة او منزل في الحارة او غرفة في المنزل. الهدف الرئيسي الذي يجب ان لا ننساه هو الغرض من استخدام النماذج الاذعانية للوصول إلى حالة العين وبما ان هذه تتاثر بالعلاقات المشتركة فيها والتي تنبثق من الحركية البيئية ، فيجب علينا دراسة هذه الحركات دون التعمق بهذه الفرق اي باخلاق وبعادات ومعتقدات الفرق المشتركة بالعين .
الغرائز الانسانية
كل انسان يحاول ان يحسن بيئته حسب ادراكه ويحاول التوسع في مكانه اذا اعطي الفرصة دون الاضرار بالاخرين او على حسابهم . ومن الطبيعي ان الانسان يهتم بما يملك أكثر بما لا يملك ولهذا السبب تعتبر المسؤولية عاملا اساسيا في فهم وتوقع حالة الاعيان في البيئة مستقبلا. ان كل نموذج اذعاني يتمتع بطابع متميز من العلاقة من الفرق المشتركة به، فمثلا في الاذعان الترخيصي يميل إلى الاتفاق اما في الاذعان المؤقت فيميل إلى الحذر وفي الحيازي يميل إلى اصدار القوانين. جميع مبادئ الشريعة مثل لا ضرر ولا ضرار والملكية والورثة والشفعة والاجارة والاحياء والاقتطاع والاحتجار والاختطاط .... الخ،باستثناء الوقف . تدفع العقارات والاماكن باعيانها من شوارع وساحات عامة وطرق غير نافذة ومباني إلى النموذج الاذعاني المتحدوهو أفضل وضع لحالة العين (وهي مواضيع الفصول 2،6،7،8). وهناك اعيان مشتركة بين العقارات تدفعها الشريعة إلى الاذعاني الترخيصي المتميز بالاتفاق بين الاطراف (الفصلين 2،5). اما انظمة البيئة الحالية تدفع العناصر البيئية إلى الاذعاني المتشتت ( الفصلين 3،4)مبددة ذلك ثروات الامة ومجهوداتها . فهناك اعجاز في الشريعة في البيئة المبينة لا تجاريها كل نظريات التخطيط والهندسة الحالية . اخيرا ، ان هذا الاطار النظري الذي استنتج من دراسة البيئة القديمة سيساعدنا على ابراز نقط الضعف والخلل في بيئتنا وبهذا نتمكن في فهم البيئة وبالتالي نتمكن من اتخاذ قراراتنا البيئية بطريقة اسلم.
الفصل الثاني: توحيد المسؤولية
هذا الفصل يؤثر على تأثير الشريعة على نماذج المسؤولية في البيئة التقليدية بإستثناء مبدء الضرر (الذي سيشرح في الفصل 6،7) والوراثة والشفعة (الفصل الثامن).
البيئة التقليدية في هذا الكتاب تعني البيئة التي بنية بالرجوع للشريعة الإسلامية والأعراف المحلية، سنرى في هذا الفصل كيف أن الشريعة وضعت الأعيان بكل الوسائل في الإذعان المتحد.
النموذج الإذعاني المتحد
لماذا تدفع الشريعة الأعيان إلى الإذعان المتحد؟ لأن اهتمام الناس بما يملكون لا يقارن باهتمامهم بما لا يملكون (ولهذا فشلت الاشتراكية)
إذا كانت معظم الأعيان في الإذعان المتحد، نتوقع أن تكون في أفضل حال من حيث إهتمام الناس بها وبذلك تقليل نفقات المجتمع بصيانة أعيانه وتوفير تلك النفقات لبناء عيان أخرى، ومن جهة أخرى وضع الأعيان في نماذج تختلف عن الإذعاني المتحد يتطلب الكثير من الجهد والتنسيق بين الفرق، فمثلاً إذا كنت تسكن في منزل لمؤسسة حكومية فعليك أخذ الموافقة قبل عمل أي شيء في منزلك والتي يمكن أن ترفض وقد تضطر لمخالفة القوانين ولهذا تضطر المؤسسة إيجاد جهاز مراقبة وبالتالي تكثر المعاملات الورقية من شكاوي وقضايا قد تجلب الضغينة وتضيع كثير من المال والمجهود والوقت.
عند دراسة النماذج الإذعانية، لمعرفة حالة العين، نركز على العلاقة بين الفرق المشتركة في مسؤولية تلك العين وهذا لا ينطبق على الإذعاني المتحد لأنه يوجد فريق واجد يملك ويسيطر ويستخدم. لذلك عند دراسة هذا الإذعاني سنركز على علاقة هذا الفريق مع فرق العيان الأخرى المجاورة له.
في هذا الفصل سنتعرض للمبادئ التي ساعدت على انتشار النموذج الإذعاني المتحد فأغلب عناصر البيئة التقليدية وفراغتها، مثل الطرق النافذة والغير نافذة والساحات والأفنية وضعة في الإذعاني المتحد (فصل 7) للوصول إلى هذه النتيجة لا بد من توضيح العلاقة بين بعض قواعد الملكية ونظام إحياء الأرض والإقطاع.
الملكية
الملكية تأتي من ثلاثة طرق:
- -الإثبات, مثل إحياء الأرض
- - النقل, مثل البيع والهبة
- - الإبقاء, مثل الوراثة
في الشريعة الإسلامية هناك قاعدتين تحكما الملكية:
- - الحاجة, وكما قال القرافي, " .. إنما يملك من اجل الحاجة ومل لا حاجة فيه لا يُشرع فيه الملك.
- - السيطرة, فالأعيان إذا لم يُنتع بها, تصان, تُصان, تُعدل, تُبنى وتهدم فلن مفيدة لمستخدمُها.
وبناء على ذلك, لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة أن تمتلك الأراضي الموات (الغير مملوكة).
الإحياء
هو البذرة التي جعلت من المدينة التقليدية, حديقة تعج بالأعيان ذات الإذعاني المتحد. ويعتبر من أهم خصائص تلك المدن الإسلامية (تلاصق المباني). وكما قال الرسول علية السلام من أحيا أرضاً فهي له. المهم في موضوع الإحياء هو أن من السيطرة على الأرض الموات واستخدامُها وبذلك ملكيتها أيضا, أدى إلى زيادة الأعيان في الإذعاني المتحد. اتفق الفقهاء على أنة إذا تركت الأرض حتى تصير مواتاُ, عادت إلى الإباحة, كمن اخذ ماءً من النهر ثم ردة إليه . الأعمال المطلوبة لإحياء الأرض, هي كل ما لزم للوظيفة ( السكن الزراعة ...) التي من اجلها تُحيى الأرض.
الإقطاع
هو أن يعطي الحاكم أرض (موات أو من بيت المال) لشخص لتعميرها (أراضي المنح). إقطاع الأراضي الموات تركز أكثر في حالة بناء المدن الجديدة كبغداد خلاصة: الأراضي الغير العامرة لم تكن مملوكة لا لأفراد ولا لبيت المال, والتي كانت تُعتبر موات, فالإحياء والقطاع كانتا الوسيلتان الأساسيتين لابتداء الملكية في المناطق العامرة . في المدينة التقليدية لم يكن هناك أي عائق أمام من يريد أن يعمل ليمتلك قطعة من الأرض, وهذه العملية هي العقبة الأولى في أيامنا هذه. فالسؤال البديهي هو: لم لا يتنافس الأفراد, وخصوصاً المحتاجين منهم, في إحياء الأرض الموات (أي الأرض الغير مملوكة ) و إعمارُها, إذا علموا أنها تُملك بالعمل؟.
قواعد وفوائد إحياء الأرض
- الاحتجار: تعليم الأرض الموات أو الُمقطعة بُغية البدء في إحيائها, قد يكون بواسطة أحجار, غرس أخشاب او التسوير ليُستدل على حدودها. وقال الرسول علية السلام: من أحيى ارض ميتة فهي له , وليس لمحتجر حق بعد ثلاثة سنين.
- الإهمال, إذا تُركت الأرض حتى تصير مواتاً عادت إلى الإباحة
- إذن الإمام أو السلطات, هدفه تجنب النزاع بين الناس حول الأرض الموات, ولكن الذي طبق بالبيئة التقليدية هو أنة لا يشترط إذن الإمام لامتلاك الأرض ألمحياه.
- استثمار المجهودات والحث على العمل, لا بد من محيي الأرض أن يضع المجهود من عمارة أو زرع ليمتلك الأرض. وفي حالة قيام شخص ببذل جهد في ارض يملكها غيره, ظناً أنها موات, أو عمداً, فجهد هذا الشخص لا يضيع هباتاً. كما قال علية السلام " من زرع أرض قوم بغير إذنهم فلة نفقته, وليس له من الزرع شيء".
هناك نداء من الشريعة للناس لكي تستخدم الأرض غير ألمملوكة للسيطرة عليها وتملكها, وخصوصاً إذا كانوا أولئك الناس من الفقراء, وإذا علم المسلم أنة إذا اهمل الأرض قد يحيها شخص أخر فإنه سيستمر في العمل. والنتيجة هي أن الشريعة أزالت العقبات أمام من أراد العمل, وأن حق الاستخدام يجلب للفريق المسيطر حق الملكية. ولذلك تتحول الأراضي الموات إلى أراضي عامرة في الإذعاني المتحد. النتيجة الأخرى هي أن الأراضي غير العامرة ليست لها قيمة شرائية, أما الأراضي العامرة فقيمتها تكمن فيما عليها من أعيان كالمباني والشجر وما شابة, إلا أذا اصبح موقع الأرض مرغوب فيه بفعل قربه للمدينة وهذا حدث نادرا في ألبيئة التقليدية بعكس ما يحدث في بيئتنا الحالية, فالأرض ذات قيمة شرائية عالية.
إحياء الأرض أولا وبناء منزل متواضع بالنسبة لشخص فقير لها أثار نفسية ، في شعور هذا المالك بالعزة والفخر بما قام به وجعل منه عضوا فعالا منتجا لمجتمعه بدل أن يكون ذليلا, "ترتفع مكانه الشعوب بعزة أفراداها". أما الأثر الأخر فهو اقتصادي: إن ما جمعه الشخص كان زائدا عن حاجات الآخرين أي أن هناك إعادة استخدام لموارد الأمة بدل من أن تلقى كما يحدث في المجتمع الحالي .
قد يقول المهندس والمخطط انه بهذه الطريقة البيئة ستصبح فوضى ، الكاتب يجيب لا وسيوضح الإجابة في الفصلين الخامس والتاسع . أي إن إعادة استخدام مواد البناء مرات ومرات في مباني مختلفة لهو دليل على الاستغلال التام لموارد المسلمين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الحوار والأعراف
لعدم وجود سلطة كالدولة أو البلدية كأيامنا هذه، من البديهي أن تحاور بعض الفرق تحسين عقارها حسب احتياجاتها المتزايدة، ولكن اكثر قواعد الشريعة وضعت حد لهذه التوسعات ولمعالجة الخلافات بين الفرق ( كما سنرى في الفصلين السادس والسابع). الوسيلة الوحيدة لحل هذه النزاعات بين هذه الفرق هي الاتفاقات التي هي نتيجة حتمية للحوار . فغالبية البيئة التقليدية كانت تعتمد على الأعراف لتحديد الملكيات ولم تستعمل الدواوين إلا في حالات نادرة وفي العصور ألمتأخرة . هذه الأعراف هي ذات أهمية كبرى في تأثير المسؤولية على حالة العنصر وعلى النماذج ألإذعانية ( الفصل الرابع).
تدخل السلطة عقد الأمور كما سنرى في الفصل الثالث . الإحياء أدى إلى دفع الأعيان إلى الإذعاني المتحد أما إذا اجر مالك داره لشخص أخر فستخرج العين من الإذعاني المتحد إلى الإذعاني الترخيصي.
النموذج الإذعاني الترخيصي
قبل شرح الإذعاني الترخيصي ينبغي توضيح بين المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بالمستويات في البيئة العمرانية . الحائط كعين هو في مستوى أعلى من الأثاث لان تغير الأثاث لا يؤثر على الحائط والعكس غير صحيح، وإذا سيطر على كل منهم فريقين مختلفين، فسيحدث أن الفريق المسيطر على الحوائط يسيطر على ذلك المسيطر على الأثاث .وهذه الخاصية تسمى الاحتوائية ،فالفريق المسيطر على الأعيان الحاوية هو المهيمن ، مثلا الفريق المسيطر على الطريق يهيمن على ذلك المسيطر على العلاقات وذلك لأنهم منعوا دخول أي شيئ إلى الطريق فستمنع بالتالي في المناطق المحوية .
مصطلح الهيمنة يستعمل للدلالة على العلاقات بين الفرق أما مصطلح السيطرة فهو للعلاقة بين الفريق والعين . هناك خاصيتين تؤديان إلى ظاهرة ألهيمنة وهما الجاذبية والانسيابية . افضل مثل للجاذبية أن الشخص المسيطر على أعمدة الطابق الأرضي يهيمن على ذلك بالطابق الأول أما المثل على الانسيابية فهو ما يحدث في المزارع فالفريق المسيطر على الطرف الأعلى يهمين على ذلك للطرف الأدنى بالنسبة لانسياب المياه.
أي أن الاحتواء والجاذبية والانسياب هي خواص تؤدي إلى هيمنة فريق على الأخر إذا اتصلت أعيانهم (كما حدث في البيئة التقليدية). فمثلا ، في الوضع الحالي البلدية التي تسيطر على الطريق تهيمن على مؤسسة الكهرباء والهاتف والصرف الصحي. الشريعة في البيئة التقلدية تمكنت من تحويل هذه الهيمنة التي لا بد منها إلى علاقات إنسانية توثري البيئة.
لنعد إلى الإذعاني الترخيصي ، في هذا النموذج يشترك فريقان في العين فاحدهما يسيطر ويملك والأخر يستخدم، كالمنزل ألمستأجر. في هذا النموذج هناك شقين أساسين لهم تأثير على حالة الأعيان في البيئة التقليدية وهما الارتفاق والإجارة.
الارتفاق
غالبية العقارات في البيئة الإسلامية متلاصقة مع قلة الأماكن العامة كما هو الحال في الأماكن المعاصرة . وهذا يعني وجود بعض العقارات التي يصعب الوصول إليها إلا من خلال العقارات الأخرى. ولهذا لا بد من تبلور نظام يسمح بالمرور لتخفيف هيمنة الفرق المسيطرة على الطريق . فالعلاقة هنا أدت إلى هيمنه فريق على أخر بحكم خاصيتي الانسيابية (مسيل الماء) والاحتوائية (العقارات الخارجية).
نشأت التداخلات بين العقارات في البيئة التقليدية من خلال ثلاث طرق:
- التقسيم
- النمو
- المعارضات
فالطريقة الأولى تنتج عن طريق الهبة أو الورثة أو بيع جزء من العقار. أما المثل الأفضل للطريقة الثانية فهو الإحياء المستمر للأراضي الموات, فبعد إحياء قطعة من الأرض, مثلاً, سيكون لها طريق يؤدي إليها (يُسمى حريم الأرض) فيترتب على أولئك الذين يحيون الأراضي المجاورة أن يحترموا ذلك الحريم. أما الطريقة الثالثة,المعارضات, فهي تتمثل في فرد يبيع حقوق المرور لجاره. هذه الطرق الثلاث معروفة بحقوق الارتفاق التي لها أهمية كبرى في فهم التركيب الخطي (territorial structure) للمدينة الإسلامية .
المهم ملاحظة ان كثر الأماكن العامة تؤدي إلى استنزاف موارد الأمة, لان صيانة هذه الأماكن تكلف الكثير مقارنة بالأماكن الخاصة ، وهذا واضح من ميزانيات البلديات وأمانات المدن . لحل هذه المشكلة يمكن لنا أن نستخدم مبادئ الشريعة مثل حقوق الارتفاق، مثلا في الشكل ()المنطقة أ تحولت من شارع عام إلى منازل سكنية في الشكل () . ولكن على سكان المنازل الداخلية ج،د (في الشكل) المرور من أملاك جيرانهم للوصول إلى الطريق العام, كالمرور في حديقة الجار أو ببناء ممر في العقار الخارجي . والذي حدث هنا هو تقليل مساحة الأماكن العامة مع زيادة المساحات الخاصة ويعني أيضأ تقليل تكلفة إنشاء وصيانة الأماكن العامة في المدينة إذا ما طبقت هذه الفكرة على المدينة ككل، بالإضافة إلى أبعاد اجتماعية إيجابية مثل التعارف والتداخل بين الجيران.
ان حق الارتفاق لا يكون الا بوجود ثلاث مناطق الاولى هي العقار الذي يحتاج الى الارتفاق(او العقار المخدوم) والثانية هي العقار المرتفق به او العقار الخادم والثالثة هي المنطقة المشتركة بين العقارين من حيث المسؤولية والتي تخضع بالاذعان الترخيصي .
الاجارة
اما الشق الثاني من الاذعان الترخيصي فهو الاجارة والتي تتميز عن الارتفاق بانها مؤقته بزمن معلوم وليست ابدية كالارتفاق . اساس الاجارة في الشريعة هي ان المالك يسمح للمستاجر ان يستخدم عقاره مقابل فائدة معينة مبنية على الاتفاق من الطرفين . الاجارة معروفة بالشريعة لتمليك المنفعة .
من مزايا الربط ايضا بين المسؤولية ومستويات الاعيان هي اعطاء الفريق المستخدم حرية اكثر من الاستفادة من العقار المستاجر . وتم هذا بالشريعة بطريقتين، الاولى : هي ان حالة اعيان العقار المستاجر تقدم على شروط المالك . فاذا اشترط المالك اولا على ان المستاجر يسكن بنفسه فقط، فان هذا الشرط لا ياخذ به اذا لام يثبت الضرر على البنية .
نلخص كل ماسبق بان مبادىء الشريعة اعتبرت عقد الاجارة كعقد بيع ولكن للمنفعة وليس للعقار ، بالاضافة الى تجاهل شرط المالك ما لم يكن هناك ضرر على البنيان وهذا يعني ان عطاء البيئة التقليدية كان اكثر كما سيفصل في الفصل التاسع. وسنرى بالفصل الثالث تغيرت بفعل القوانين وكيف اثر ذلك سلبيا في حالات الاعيان المؤجرة مقللة بذلك من عطاء البيئة.
النموذج الإذعاني المؤقت
يكثر هذا النموذج في البيئة الحالية مثل الارتدادات التي تفرض على السكان ، منطقة الارتدادات هي ملك لصاحب البناء الذي يستخدمها ولكن لا يستطيع البناء عليها من غير إذن السلطات، أي أن هناك فريقين يشتركان في هذه المنطقة, احدهم يستخدم ويملك والأخر يُسيطر .ولهذا فهو وضع غير مستقر, فالمالك يمكن أن يخالف القوانين وعلى الدولة دوام المراقبة وما يتوجب عليها من تكاليف ورواتب لموظفين الدولة(الفصل الرابع).
هذه النماذج كانت نادرة في البيئة التقليدية ونتجت فقط من مبادئ الحجر والرهن . الحجر هو منع الإنسان من ماله بسبب صغر السن أو ألسفاهة. وهناك نوع ثاني: الحجر على أعيان الفرد لحق غيره، كالحجر على المفلس لمصلحة غرمائه. وهذا ما يجعل هذا النموذج نادر في البيئة التقليدية لانه ينتقل منه إلى إذعاني أخر ، فالصبي سيكبر والمفلس سيخرج من مازقه.
النموذج الإذعاني الحيازي
في هذا النموذج الفريق المستخدم حاز على السيطرة لان الفريق المالك غير مهتم أو غير قادر على السيطرة على أعيانة . مثلا في البيئة المعاصرة نجد في سوق الخضار البائع يستخدم ويسيطر على موقعه الذي تملكه السلطة. من سمات هذا النموذج الأنظمة والقوانين التي يصدرها المالك للحد من سيطرة المستخدم ولهذا فالعلاقة بينهما يمكن تشبيهها بلعبة شد الحبل من حيث السيطرة .
الفرق بين النموذج الحيازي والترخيصي هو أن المالك بالترخيصي هو المسؤول على العلاقة مع الجوار لانه هو يسيطر على الحدود الخارجية لعقاره . أما في الحيازي فالمستخدم هو المسؤول عن هذا الحدود ولذلك عليه أن يتفق مع جيرانه. وبذلك في الإذعاني الترخيصي المستخدم يجب ان يتفق مع المالك وفي الإذعاني الحيازي البائع يجب ان يُطيع المالك ويتفق مع الجيران بالنسبة للأمور البيئية .
النموذج الإذعاني الحيازي لم ينتشر في البيئة التقليدية إلا في الأماكن التي تملكها الدولة, مثل الأراضي الزراعية الخراجية حيث المزارعون يتمتعوا بحقوق السيطرة .
بعض الفقهاء يعرفون الحيازي بتمليك الانتفاع , الذي هو مختلف عن تمليك المنفعة. الانتفاع يؤهل الشخص باستخدام المكان بنفسه مثل سكن المدارس ومقاعد الأسواق أما المنفعة فبإمكان الشخص استخدام المكان مع غيره .
الأماكن المحاذية للدكاكين او أفنية الأسواق والمساجد وأفنية المباني العامة, ومداخل ألمدينة وا سوارها, هي أماكن في الإذعاني الحيازي يسيطر عليها المستخدمون . فالشريعة لم تقف أمام من يريد المبادرة والعمل ولهذا كانت هناك نتائج اقتصادية بتدني الأسعار وفوائد بيئية بزيادة عدد المسيطرين. فبدلا من استئجار مكان من غير سيطرة اصبحوا أفراد مسيطرين .
لا بد من توضيح مصطلح المركزية وعكسه اللامركزية ، المركزية هي تدخل السلطة في الأمور البيئية مثل إنشاء شبكات المياه . أما اللامركزية تعني أن المشاكل البيئية متروكه للسكان ، مثلا إذا أراد شخص تعليه بنيانه عليه أخذ موافقه الجيران وليس السلطة وهذا بالنسبة للضرر المحتمل .
مبدا الأسبقية بين البائعين في الأسواق, أدى إلى الحوار بين الفرق المتجاورة المتنازعة والتي أدت بدورها إلى الاتفاقات بين فرق تلك الأماكن وبهذا الاتفاقات بكثرتها بلورت الأعراف . العلاقة التي تكرر في البيئة التقليدية هو أن اللامركزية قد تؤدي إلى خلافات بين الفرق وهذا ليس عيبا لاه لا بد منه للوصول إلى حل واتفاق وإلا عمت البيئة الفوضى. والذين يأتون بأحسن الحلول البيئية هم المستخدمين للموقع لأنهم أدرى بمشاكلهم من الآخرين. السؤال هو هل من الممكن إيجاد أسواق دون الحاجة إلى ثلاجات وخزانات ومواقف سيارات ؟ إجابة الكاتب هي نعم والتي ستوضح في الفصل التاسع.
الأراضي الزراعية
ان لدراسة الأراضي الزراعية أهمية بالنسبة لحالات الأعيان وأماكن تواجدها ويمكن القول إن معظم المدن التقليدية نشأت بعمارة الأراضي الزراعية .يمكن تقسيم الأراضي الزراعية التي كانت بالإذعاني الحيازي من حيث الملكية إلى قسمين رئيسين هما: أراصي يتملكها أفراد وأراضى لبيت المال.
- 1- ملكية الأفراد
- 2- ملكية بيت المال
معظم الأراضي الزراعية التي تملكها الدولة أتت عن طريق الفتوحات, وبما أن الشعوب الأخرى كانت تُدعى إلى الإسلام سلما، ان استجابوا فإن أراضيهم كانت تعتبر أراضى عشر وتبقى ملكا لهم فان لم يسلموا وأراضى الصلح كان عليهم دفع الجزية والخراج أما إذا اذعنوا مكرهين, لأنهم أرادوا الحرب, فقد عوملوا بثلاث طرق:
- اراضي عشرية
- تقسيم إلى اربع أخماس بين الذين افتتحوها أما الخمس الأخير فيبقى للسكان يعملون فيها ولكنها ملكا للمسلمين .
- ما سمي بسواد العراق أي الأراضي ملك للمسلمين .
إن حالة العين تزداد سوءا متى ساءت العلاقة بين الفريق المالك والفريق المستخدم الذي يسيطر . اما تقسيم ارض العنوة فتتركز المسؤولية فيها للفرق الغانمة وتوضع الأعيان في الإذعاني المتحد إذا زرعها الغانمون أو توضع في الإذعاني الترخيصي إذا استجاروا من يعمل لهم فيها أو قد توضع في بعض الأحيان في الإذعاني ألحيازى.
النموذج الإذعاني المشتت
في هدا النموذج تشترك ثلاث فرق في تحديد حالة العين, احدهم يستخدم والثاني يسيطر والثالث يملك. وقد كان الوقف من اهم الأعيان في هدا النموذج الدي كان ضروري للبيئة التقليدية لأنة كان يوفر لها الخدمات الأساسية مثل المدارس والمساجد والسقايات..
يمكن القول أن الوقف هو تحديد منفعة العين لجهة معينة, كأن يقوم شخص ببناء مسكن لإمام المسجد, أو سقاية للمجتازين , أو كتب في مكتبة. ومن الأمثلة نلاحظ أن أساس الوقف ان يكون الفريق المستفيد غير الفريق المالك. الوقف حسب اكثرية الفقهاء , لا يورث ولا يوهب ولا يباع, اي ان الملكيه مجمدة. اما السيطرة فهي بيد من يدير الوقف . حالة الاعيان الموقوفة سائت, لان المسوليين لم يقوموا بواجبهم.
ومن الاسباب التي ساعدت على اهمال الوقف هو تزايد عدد المستفيدين منه كما هو الحال في الوراثة . فبزايدة الابناء جيل بعد جيل يؤدي الى نقصان كل منهم وبالتالي اهمالهم للوقف وعدم متابعة الناظر . المراقبة المستمرة للناظر هي شبه مستحيلة لان الناظر دائم الوجود بجانب العين الموقوفة وليس كالمجتمع الذي هو بعيد عنها . وبزيادة الشد بين الناظر والمجتمع تسوء حالة العين ، عدى عن التكاليف التي تتطلبها تلك المراقبة . الا اذا كانت المواقبة هي مخافة الله التاريخ يذكر لنا ان اكثر المساجد والمدارس والمصحات والمكتبات والخانات والقناطر واسوار المدن والمساقي وجدت عن طريق الاوقاف (انظر الى الصور المرفقة) لانها لم تكن هناك وزارات تهتم وتتولى تلك الخدمات ، ولهذا ازدهرت في العصور الوسطى. مثلا كان هناك 300 مدرسة في القاهرة في نهاية القرن الثامن عشر عندما احتلها الفرنسيون .
للخلاصة، اذا كان الناظر يتقي الله فالوقف هو نعمة على المسلمين لانه يكفل كل ما يحتاجة المدينة من خدمات .
على اية حال الاوقاف هي في الاذعاني المشتت في البيئة التقليدية وهي أفضل منها في البئة الحديثة وذلك لتبعثر السؤلية.
الفصل الثالث: ضياع المسؤلية
عندما قرنا حالة الاعيان في بيئتنا المعاصرة مع نفس الاعيان في البيئة التقليدية ، نجد ان هناك تغيرين اساسيين :- تحولت شخصية الفريق المالك، فكان المحتسب التجار يشرفون كفريق واحد( سيطرة) على الشوارع التجارية . اما الان فالبلدية هي التي تقوم بذلك . اي ان شخصية الفريق تحولت من افراد متواجدين في الموقع الى جهة خارجية بعيده عنه.
الاختلاف الثاني ان مجموعة من العقارات والاعيان انتقلت من نموذج اذعاني الى اخر مثلا الطرق الغير نافذة انتلقت الى ملكية الدولة ، اي من الاذعاني اموحد الى المشتت. هذه التغيرات مهمة بين الافراد والمؤسسات والدولة التي خلت بموازين القوى في المجتمع ، فضاعت الحقوق وظهرت المحسوبيات وتكدست الثروات في طبقات على حساب اخرى .
وقد نتج عن هذه التغيرات ايضا التداخلات التي تقوم بها السلطات في الامور البيئية .
تواجد الاعيان
هذا الفصل بمثابة مقدمة لما بقي من هذا الكتاب وسنوضح فيه تاثير النماذج الاذعانية على البيئة. لقد كان التركيز في الفصلين السابقين على العلاقة بين الفرق المشتركة في مسؤولية العين منفردة . اما الان بالتركيز على الاعيان مجتمعة في البيئة. فالعين لا تتواجد مع اعيان اخرى وهذا التواجد يفرض نوعا من الاعلاقة بين الفرق ينتج تواجد معين من حيث المسؤولية. من الملاحظ ان النماذج الاذعانية تتداخل بشكل معقد في البيئة العمرانية ، اذ ان كل عين قد تخضع لنموذج اذعاني مختلف. فالشخص في الشقة المستاجرة يملك اثاثه، اما الحوائط فيملكها مالك الشقة، وجهاز الهاتف في تلك قد تملكه الدولة.
كما لاحظنا ان السيطرة هي الحق الذي يسهل التحكم فيه،فيصعب على الدولة مثلا انتزاع ملكيات الاخرين، من حق الاستخدام، ولكن يسهل على الدولة السيطرة باصدار الوانين. لذلك فان التركيز على السيطرة هو من افضل لفهم تواجد النماذج الاذعانية. ان تواجد النماذج الاذعانية من حيث السيطرة لا بد وان : الاولى: عندمكا تتمتع الفرق المالكة المستخدمة للاعيان بكامل السيطرة على اعيانها دون اي تاثير او تدخل خارجي.فجميع اعين البيئة في الاذعاني المتحد، والمسؤولية ملقاه بالكامل على الفرق المالكة المستخدة، اي ان كل عقار ذاتي الحكم (التواجد المستقل) الثانية: وهي نقيضة الاولى، نجد ان الفرق المستخدمة لا تسيطر على ان عين في البيئة التي هي فيها وقد لا تملكها ايضا، فجميع الاعيان في تلك البيئة في الاذعاني الترخيصي او الحيازي او المشتت او المؤقت (الوتجد التبعي). والمقصود بالتبعية هنا فقدان الفريق لحرية تقرير المصير.
وباختصار،فطالما ان الفرق التي تسيطر على الفراغات المشتركة مثل الشوارع والساحات تتكون من الفرق الساكنة، وطالما انه لا توجد قوانين مفروضة من فرق خارجية على تلك الساكنة فان التواجد هو مستقل وهذا ما فعلته الشريعة في البيئة التقاليدية ( الفصل السابع). وعلى النقيض فان التواجد يكون تبعيا طالما خضعت الفرق الساكنة لهيمنة الفرق المسيطرة على المناطق الخارجية ، وان كانت غالبية المنازل في الاذعاني المتحد وهو حال بيئتنا اليوم .
اذا تساوت جميع الفرق بالحقوق (كما في الشريعة)، فان عدم وجود القوانين سيؤدي الى الحوار والاتفاق بين الاطراف المتنازعة وبالتالي الى بلورة الاعراف .
التواجد التبعي ولد في الاماكن العامة لان عدد الفريق ( السكان الكبير) اي كلما زاد عدد الفريق كلما تبعثرت المسؤولية ، وبهذا فان الفريق الجدد (البلدية) اممثل لهؤلاء الافراد سيكون بعيد عن الموقع وهذا سيؤثر على حالة العين (الاماكن العامة)
حجم الفريق وبعده
ان تغير شخصية الفريق تاتي من سببين : الاول هو بعد الفريق او قربه من العين. فالطريق المشترك بين عدد من المنازل والذي ملكه الساكنون من حوله، يبعد فريقه ويصبح خارجيا عندما تصدر الدولة قانونا تمتلك به هذا الطريق. فالمباني التي تبنيها الدولة متميزا ببعدالفريق المسيطر ، فالصلاحية صيانه هذه المباني تعطى لمؤسسات لا تسكن الموقع . اما السبب الثاني لتغير شخصية الفريق فهو التغير في حجمه (عدد الافراد المكونين للفريق). فالمنزل قد يرثه عدة ابناء ويصبحون شركاء فيه كفريق واحد وهنا يزيد عدد افراد الفريق المالك وتتبعثر المسؤولية بينهما. او قد يحدث العكس ، فيقوم شخص بشراء محل تملكه شركة فتتركز المسؤولية به .
ومن الملاحظ ان هناك علاقة قوية بين حجم الفري المالك او السيطر وبعده عن العين فكلما كبر حجم الفريق المالك او المسيطر كلما بعد ذلك الفريق عن العين وهذه العلاقة لا تنطبق على الاستخدام ، فزيادة افراد الفريق المستخدم لا تعني بعدهم عن الموقع (وسيوضح الفصل الثامن تعامل الشريعة مع العلاقة بين حجم الفريق وحجم العين )، عندما يكون حجم الفريق مناسب للعين ، يسمى فريق مستوطن.
فريق المستوطن
لنقل مثلا ان مسؤولا ما انشاء مصنع لمواد كيماويةوهذا المصنع سيطلق فضلات غازية تؤثر على سكان الحي ، فهل لسكان هذا الحي المتضرر الحق في الاعتراض ؟ اذا كان لهم ذلك نقول انهم فريق مستوطن، وان التواجد للنماذج الاذعانية تواجفالقد مستقل ، والا فهم فريق غير مستوطن بالرغم انهم فرق تملك وتستخدم وتسيطر على العقاراته .
مبادرة الفريق
المقصود هنا هو المبادرة الى التحرك والتصرف الى مصلحة العين والاهتمام بها. اي ان مبادرات الفرق مرتبطة ارتباط وثيق لاستيطانيها.الفرق المستوطنة هي التي تبادر باتخاذ القرارات لصالح اعيانها .فمالك المنزل الذي يسكن فيه اكثر حرصا على المالك غير الساكن ، وهذا المالك غير الساكن اكثر اهتماما بالمنزل من موظف الشركة اذا كان المنزل ملكا للشركة. اي ان الفريق الصغيير قد لا يجتهد في مصلحة العين ، وبالمثل فالفريق الكبير قد لا يستخدم العقار لبعده عنه ، وبالتالي فهو قليل المبادرة لتبعثر المسؤولية بين افراده الكثيرين . فان الفريق الكبير البعيد يسيىء الى حالى العين وبالعكس ، فالفريق الكبير الساكن او الفريق المستوطن اسرع للمبادرة.
اهمية النماذج الاذعانية
ما هي اهمية النماذج الإذعانية؟ فهي لا تجيب على الأسئلة البيئة التي يتعطش إليها المهنيون ، لا تنبؤنا عن العين هل هي مبنى ام لا ، هل هي كبيرة ام صغيرة ، ولا عن وظيفة العين، هل هي سكنية, تجارية او صناعية ، ولا تنبؤنا عن خصوصية العين هل هي خاصة المسكن او عامة كالحديقة ، أي ان أيَ عين قد تقع في أي نموذج إذعاني ، فما هي أهمية النماذج الإذعانية لفهم البيئة ؟.
نجد ان معظم الابحاث تدرس تاثير وعلاقة العوامل والمتغيرات على البيئة وعلى بعضها البعض . وغالبا ما تظهر هذه العوامل في الأسئلة التي تحاول هذه الأبحاث الإجابة عنها . مثلا : ما هو تأثير المواصلات على التسوق؟ ما هي علاقة توزيع شكلة الطرق بإنتاجية المدينة الصناعية؟ هل تؤثر البيئة المبنية في العادات الاجتماعية ؟ ما هي علاقة المناطق الصناعية في المدينة بالاقتصاد وتأثير ذلك على تشكيل المدينة او الدولة ؟ اي استراتيجية تخطيطية افضل من غيرها لهذه المدينة ؟ اي ان معظم الدراسات لا تثير مسألة المسؤولية كفكرة اساسية في البحث ولكن كعامل من العوامل ، هذا ان ذكرت .
وهذه العوامل والمتغيرات والمعطيات التي يركز عليها الباحثون لن تتضح الا باخذ النماذج الاذعانية بعين الاعتبار . فلا يمكن عزل العوامل التي تؤثر على البيئة عن نماذج المسؤولية . مثلا الكثير يقررون عينين او مكانين او عقارين مختلفين في نفس النموذج الإذعاني . وهذا خطأ, مقارنة اي عقارين باستخدام النماذج الاذعانية . مثلاً, هناك غرفتين متشابهتين تماما في إحداهما (أ1) يسكن رجل اعمال لا يملك لغرفة ولا يسيطر عليها (المشتت)، وفي الغرفة الاخرى (ب1) يسكن 10 عمال يمكلون الغرفة ويسيطرون عليها (المتحد) ، فاي الغرفتين في وضع افضل ؟ ، قد يقول القائل انه استنادا الى النماذج الاذعانية فان الغرفة في الاذعاني المتحد (ب1)لا بد ان تكون في وضع افضل من (أ1) . وهذا غير معقول فالغرفة (ب1) يسكن فيها 10 عمال ولهذا من الارجح ان تكون في وضع اسوء من (أ1) رغم انها في الاذعاني المشتت فأين الخطا ؟ . ان من المقارنة بين الغرفتين ابتداء، وذلك لاسباب كثيرة منها: اختلاف فريقي الغرفتين من حيث المستوى التعليمي والدخل والعادات وما الى ذلك . ان اي عين ستكون في حالة افضل متى توحدت مسؤوليتها في فريق واحد ، اي متى دفعت العين الى الاذعاني المتحد . فيتحسن حالة الغرفة اذا كان رجل الاعمال هو المسيطر والمالك ، اي متى دفعت الغرفة من الوضع (أ1) الى (أ2). وكذلك الغرفة التي يسكونها العمال تعتبر في افضل حال بالنسبة لمعطياتها التي هي فيها ، ولكن عندما تاول ملكية تلك الغرفة او السيطرة عليها الى فريق خارجي (ب2) فان وضعها سيزداد سوءا مما هي عليه الان. اي يجب تلافي المقارنة الافقية وعمل مقارنة الراسية كما هو في الشكل ، فنقارن (أ1) مع (أ1) و (ب1) مع (ب2).
لكي نقارن بين الاعيان باستخدام النماذج الاذعانية علينا ان نثبت جميع المعطيات مثل المناخ ومواد البناء وموقع العين وعادات الفرق ومستويات تعليمهم وما الى ذلك من عوامل ومتغيرات ، وهذا مستحيل . وهذه هي قوة النماذج الاذعانية. فهي تتلافى مقارنة الاعيان المختلفة وتقارن العين بنفسها فقد. فأنماذج الإذعانية تنبؤنا بما سيحدث للعين اذا تغير النموذج الاذعاني ، اي تنبؤنا عن حالة العين ستتدهور اذا ما تشتت المسؤولية في الغرفة (ب) من الوضع (ب1)الى (ب2) وهذا هو السبب في ان للنماذج الاذعانية مقدرة للتنبؤ بحالات الاعيان مستقبلا .
الحالات الاقتصادية يجب الاخذ بعين الاعتبار نماذج المسؤولية للعين (مباني، طرق، شبكات صحية) وللأفراد (مالك، مسيطر ، مستخدم) لان حالات الاعيان تتغير بالنسبة لنموذج المسؤولية التي تقع به العين . مثلا حالة اسكان الدولة وحالة مباني الفقراء القانونية وحالة مباني الفقراء الغير القانونية تسوء لنفس السبب وهو انه في كلا الحالتين السكان لا يملكون ولا يسيطرون على سكنهم. مثال اخر، ترابط الاجتماعي بين سكان العمارة التي يشترك فيها جميع السكان في ملكية المبنى كفريق واحد ( ممرات، مصاعد- condominiums ) سيختلف عن الترابط الاجتماعي للذين يسكنون في عمائر مستأجرة( ترخيصي). في الحالة الأولى على السكان ان يتعاونوا , لذلك فهم كثيرو الاجتماع والنقاش وهكذا يزداد الترابط الاجتماعي بينهم . اما في الشقق المستاجرة فهذه الأمور متروكة للمالك مما يؤدي إلى ضعف الترابط الاجتماعي بينهم .
من الأمثلة الخاطئة من حالات الدراسة هو تحسين مناطق الفقراء السكنية بإنشاء مركز صحي وتوصيل الكهرباء الخ..ولكن هذه المناطق هي في الاذعاني المتحد وبالتالي هي في افضل حالى بالنسبة لإمكانيات الافراد. فالحل الصحيح لا يكمن في تحسين البيئة المبنية وانما في مساعدة الانسان الساكن .
الفصل الخامس:المدن
سيركز هذا الفصل على حركية البيئة او طرق اتخاذ القرارات التي اثرت على نمو وتكون المدن الاسلامية ، وذلك لدراسة المبادئ التي ادت الى ذلك النمو اولا ، وتوضيح تكون المدن الاولى مثل الكوفة والقسطاط وبغداد ثانيا .
نمو المدن
كما قلنا في الفصل الثاني الإحياء كان من اهم الوسائل لإعمار المناطق المحيطة بالمدن< أي أن هذه تحولت تدريجيا إلى مساحات بنائية . فالسؤال هو : هل الطرق المتعرجة في البيئة التقليدية هي البقع المتبقية من الأراضي المبنية ألمحياه ؟. إن اتساع المدن لم ينتج عن تخطيط مسبق بالمعنى الحديث ولكنت نتيجة تراكم قرارات الفرق الساكنة، التي هي قرارات ذات مستوى صغير مثل بناء مبنى أو إحياء ارض وليست ذات مستوى عالي مثل تحديد منطقة لتكون صناعية أو سكنية كما هو الحال في التخطيط اليوم وهذا لا يعني ان البيئة التقليدية كانت عشوائية بل كانت مبنية على مبادئ معينة ونتجت عن تراكم القرارات التي اتخذها السكان .
إذا أخذنا بالاعتبار قواعد الإحياء ( الاحتجار والإهمال واستثمار المجهودات وإذن الإمام ) بالإضافة إلى ظاهرة تفضيل الناس لما يملكون على ما لا يملكون، فمن المنطق ان تكون الطرق والساحات والرحاب والدروب غير النافذة في المدن التقليدية هي ما بقي من إحياء الأفراد ، بغض النظر عن المعالم المعمارية للمدن الإسلامية . لأثبات ذلك قارن كلا من مدينة صفاقس بتونس مثلا او سفرنبولو بتركيا بمدينة تونس او القاهرة أو مراكش . فالمجموعة الأولى تمتاز بكثافة بنائية منخفضة وبماني غير متلاصقة وحدائق خارجية تفصل المباني بعضها عن بعض ( انظر الشكل المرفق). أما المجموعة الثانية من المدن تمتاز بكثافة بنائية مرتفعة وبمباني متلاصقة ذات أفنية داخلية . برغم تضاد المجموعتين من حيث الكثافة البنائية ونوعيتها إلا أن هناك تشابها من حيث الخصائص كالطرق المتع رجعة والساحات وكثرة الدروب غير النافذة . علينا أن نركز على دراسة علاقة العقارات الخاصة بالملكيات العامة كالطرق، ونتلافى دراسة علاقة المبني بغير المبني في هذه المرحلة. وبهذا تبلور سؤالنا المطروح سابقا ليكون : هل ملكيات الأفراد الخاصة تشكل الملكيات العامة كالطرق؟.
أن قاعدتي الحاجة والسيطرة في تحديد ما يمكن امتلاكه من الأعيان أدتا إلى أن غير العامر من الأراضي يعتبر مواتا وان هذا يملك بالإحياء.
إن الواقع المعمول به يدل على ان ممارسة الناس لإحياء المتصل بالعامر من الموات وإلا لما التصقت المباني كما هو الحال في معظم المدن الإسلامية، ولبقيت رقع كبيرة داخل المدن من غير إحياء لانها كانت يوما ما ملاصقة للعامر ومنع أحياؤها .
ولان الإحياء عملية عمرانية تعكس تطور الحاضر ولتأخذ التخطيط المستقبلي في الحسبان فهو بالتالي العدو اللدود للمخططين . فالتخطيط كعلم هو وضع الخطط المستقبلية للبيئة بعد دراسات مستفيضة ، وبالتالي الحد من تصرفات أفراد المجتمع . بينما الإحياء هو العكس تماما هو إطلاق لأيدي كل أفراد المجتمع. ولهذا فان اول ما يخطر في بال الفرد هو إذا قام كل فرد بإحياء ما أراد ، فان الفوضى ستعم البيئة . فقد يقوم البعض بالإحياء وإغلاق طرق الآخرين .ولكن هذا لن يحدث في المدن الإسلامية . لماذا؟.
إن كلمة حريم تلازم الإحياء باستمرار . حريم الأرض هو المرافق للوظيفة ألمحياه من اجلها الأرض . أي أن المرافق التي لا غنى عنها كالطرق والأفنية (فناء الدار : هو الأرض الملاصقة للدار) ولا يجوز للآخرين إحياؤها إلا بموافقة أولئك المتمتعين بالحريم . وهنا لا بد من نشوء حوار بين السكان الموجودين بالموقع ومن سياتي بعدهم ممن أرادوا الإحياء لتحديد نوعية الحريم ومواقعها ومساحاتها وخصائصها .
كما وضحنا في الفصل الثاني يوضع المرر او المجرى او المسيل في الاذعاني الترخيصي عندما يسبق الفريق المالك المسيطر الفريق المستخدم في الاحياء ،وبهذا يكون على الفريق المستخدم ان يحصل على الاتفاق من فريق المالك المسيطر اما بالاهداء او باحدى طرق المعاوضات فقد يحي عدة افراد اراضي متجاورة وتبقى رقعة ارضمتوسطة دون احياء كما في الشكل المرفق ثم ياتي رجل ويحي هذه الرقعة وبهذا يضطر الى طلب حق الاتفاق من جيرانه وهذا هو الغالب في البيئة .
فاذا احيا رجل ارضا (الارض أ في الشكل )وللارض طريق الى القرية ، ثم اتى فريق ثاني واحيا الارض التي بها الطريق (ب)، اي ان الفريق الثاني احيا حريم الارض الاوللى فلا بد من الفريق الثاني موافقة الفريق الاول . وبهذا يكون الفؤق المستخدم هو المسيطر وتوضع المنطقة المشتركة في الاذعاني الحيازي . الا ان هذه ليست قاعدة، فقد يكون الفريق الثاني بشراء تلك المنطقة المشتركة ويصبح هو الفريق المالك المسيطر ويشاركه الفريق الاول في الاستخدام وبهذا تعود المنطقة المشتركة في المسؤولية الى الاذعاني الترخيصي.
الذين حددوا حق المرور والحريم هم الساكنون، اي الفرق المستخدمة المسيطرة والمستخدمة والمالكة للموقع اي الفرق المستوطنة وهو اساس التواجد المستقل .
من هذا نخلص ان ملكيات الافراد الخاصة مثل المنازل صاغت الملكيات العامة كالطرق ، وان المسالك التي استخدمها السكان ذهابا وايابا لقضاء حاجاتهم اثر في تحديد المعالم الاساسية للمناطق العامة كما واقعها واتجاهاتها ، فان كل قرار يتخذه الفريق المستوطن تعتمد على جغرافية الموقع والعلاقات الاجتماعية بين الفرق المجاورة ومصادر المياه وتوفر مواد البناء واتجاه الرياح وما شابه.وهذا معناها ان الاحياء يؤدي الى تراكم القرارات فكل قرار يتخذه محي الارض يعتبر قيدا على الفرق القادمة .وعلى المحيي ان يتعامل مع هذه القيود والمعطيات ويتخذ قراراته بعد وزنها ومن خلال الاتفاقات مع الجيران وتحت مظلة الاعراف . اي ان الشريعة وثقت بالفريق المستوطن والقت عليه مسؤولية اتخاذ القرار المناسب دون تدخل خارجي.
تكون المدن
تحدثنا عن نمو العامر ، ولكن ماذا عن المدينة فكيف بدأت؟ لقد مرت المدن الإسلامية بظروف مختلفة للتكون من حيث حركية البيئة . فمنها ما هو مركزي كبغداد ، إذ أن الدولة سيطرت على تخطيطها وعلى بناؤها. ومنها ما هو لا مركزي كمدينة مشهد ، إذ أن المدينة نمت وتكونت من تصرفات الآخرين. ويقترح المستشرق جرونوبو تقسيم المدن الإسلامية من حيث التكون الى مجموعتين هما : مجموعة المدن التلقائية ومجموعة المدن المخططة والتي هي النمط السائد في العالم الاسلامي ، فقد نمت هذه المدن من دون تخطيط الدولة او تدخلها ولكن من تلقاء نفسها. اما المدن المخططة فقد قسمت الى عدة أنواع:
- النوع الاول هو العواصم المستحدثة كمدينة بغداد عاصمة العباسيين، ومدينةفاس عاصمة الأدارسة .
- النوع الثاني فهو مدن الامراء, فهو مدن نشأت عندما يقرر حاكم ما الرحيل من عاصمته الى عاصمة جديدة كما حدث في مدينة سر من رأى او سمراء بعد ان قرر الخليفة المعتصم الرحيل إليها. ومدينة رقادة التي بناها الاغالبة على بعد 7 أميال من مدينة قيروان بتونس .
- النوع الثالث هو الأربطة على ثبور الإسلامية كمدينة الرباط بالمغرب .
- النوع الرابع والاخير هو الامصار ويمكن تسمية هذا النوع بالمدن العسكرية ، وهي المدن التي أنشأها المسلمون بعد فتوحاتهم كالكوفة والبصرة في العراق والفسطاط في مصر والقيروان في تونس . اما المدن المنشاة اصلا قبل الاسلام والتي فتحها المسلمون كدمشق فتعتبر تلقائية برغم التخطيط المسبق لمن بنوها من غير المسلمين ، وذلك لان المسلمين غيروا المدينة المخططة لتشبه المدن العشوائية كما سنرى.
انتقادات المستشرقين مثل كريسول هي انعكاس مباشر لمقارنة المدن الإسلامية بالمدن الإغريقية والرومانية ، فقد اعتبرت هذه المدن مدن مثالية او منظمة لاستقامة شوارعها وتحاذي مبانيها وتوفر العناصر الحضارية فيها كساحة للمناقشات وحلبة وحمام وهكذا.
وباختصار فقد اعتبر المستشرقون مثل لامينس وكوبياك، البيئات التي خططها السلطات المركزية بيئات ناجحة.
المصطلحات
- الخطة بكسر الخاء هي تعليم عن الارض ثم البناء عليها ، ومن البديهي ان تعليم الارض ماهو الا مجموعة من القرارات التي ستشمل بالتاكيد الحدود الخارجية للموقع . اما اذا لم يتعاقب الفعلان أي التعليم والبناء ، فكان المؤرخون يستخدمون كلمة احتجر ومشتقاتها ومتى كان التعليم على الارض من فعل السلطة استخدموا كلمة اقطاع . فقد استخدم المؤرخون كلمة خط ومشتقاتها في وصف القيروان والكوفة والبصرة وفسطاط, اما الإقطاع فقد استخدم لوصف المدن الاكثر مركزية كبغداد وسر من رأى .
الفرق بين الاخطاط والاحياء هو الاحياء لا يكون باذن الحاكم كالاخطاط.
الكوفة
المعلومات التي وصلتنا لا تكفي لرسم صورة واضحة عن النماذج الاذعانية في ذلك الوقت لذلك سنستعين بمعلومات من كل من البصرة والفسطاط لرسم تلك الصورة . لقد وجدت الكوفة في السنة الرابعة (638) من خلافة عمر بن الخطاب .
وجدت البصرة على يد عتبة بن غزوان في السنة السابعة عشر بعد الهحرة ولا يوجد دليل مما كتبه المؤرخون على تدخل السلطة في عملية الاختطاط . فيقول البلاذري :"... ثم ان الناس اختطوا وبنوا المنازل" , فهنا إشارة الى ان السكان هم المقررون لخطتهم أي ان تعليم الخطط وقرارات تشكيل المدينة كانت من نصيب السكان.
اما بالنسبة للفسطاط التي انشاها عمر بن العاص سنة 20 (641), فهناك ثلاث استنتاجات بشان الخطة :
- الاستنتاج الاول: للدكتور صالح الهذلول, الذي يقول ان الخطة استخدمت كوحدة تخطيطية أي ان السلطات علمت خططا متساوية ووزعتها على القبائل وبذلك على القبيلة ان تكيف نفسها مع مساحة الخطة المعطاه لها. أي ان القبائل لم تختار موقع الخطة ولم تعلم حدودها الخارجية وبهذا هناك نوع من التنظيم والمركزية.
- الاستنتاج الثاني: ينص على ان القبائل هي التي قامت بكل شيء.
- اما الثالث فهو بين الاثنين لانه يستند الى ان موقع الفسطاط كان حصنا حاصرة المسلمين ثم استوطنوا فيه . فيستنتج المستشرقكوبياك ان المجاهدين استوطنوا بطريقة تعكس مكانتهم العسكرية ، كما تستوطن القبيلة حول خيمة شيخها . والظاهر هو ان مبدا الأسبقية المطبق في الاحياء عُمل به في الاختطاط.
والذي حدث هو ان كل قبيلة اختارت موضعا واختطته وهي بالتالي الفريق المستخدم والمسيطر والمالك فلم تكن هناك مركزية .
وبعد الاستفادة من تكون كل من البصرة والفسطاط ، مستنجيتين ان القبائل والجماعات قامت باختيار مواقع خططها بنفسها وتعليم حدودها الخارجية، نعود للكوفة التي اختلفت عن الفساط بسرعة الاستيطان. فالفسطاط استغرقت فترة اطول وهي فترة حصار المسلمين للحصن، اما الكوفة فكان استيطانها مباشر بعد اختيار الموقع . في الكوفة الازقة والطرق والساحات داخل الخطط هي من فعل سكان الخطة نفسها دون تدخل خارجي .
من خواص الخطة هي ان تستوعب خططا اصغر منها وكل خطة من هذه الخطط الداخلية قد تستوعب خططا اصغر وهكذا. فالخطط في مستويات مختلفة وكل خطة لها فريق واحد يستخدم، يسيطر، ويملك
ولتوضيح ذلك, لننظر الى التركيب الخطي للشكل (5-14) الذي تشير فيه الحروف على الاماكن والحروف المرقمة على الفرق . فقد تكون هناك فرق مثل (ج) هي (ج1،ج2،ج3) وكل فريق من هؤلاء يسيطر على خطته. وهذه الفرق مجتمعة كفريق واحد هو الفريق (ب2) يسيطر على الحدود الخارجية كخططتهم وعلى المنطقة المشتركة بينها كالطريق غير النافذ (ط). والفرق (ب1،ب2،ب3) تكون الفريق (أ2) وتسيطر على الحدود الخارجية للخطة والمنطقة المشتركة كالساحة (س) . ومجموع الفرق المشابهة للفريق (أ) مثل (أ1،أ2،أ3) تكون خطة القبيلة التي تسيطر على الرحبة (ر)، والتي قد تحوي المسجد والسوق .فكل فريق من هذا المثال هو فريق مستوطن ويسيطر على خطته .
إذا ما ذكر سابقا صحيح, فمن المنطق ان توجد مناطق غير مبنية داخل الخطة وتحت سيطرة الفريق المستوطن فلا يدخلها احد الا باذنه. وهذا هو الذي حدث في الكوفة .
للتلخيص: نقول ان الفرق ألمستوطنة اتخذت قراراتها بنفسها . فالخطط والاعيان التي بداخلها من شوارع وساحات ورحاب وطرق غير نافذة هي في الاذعاني المتحد وهذا هو التواجد المستقل . أي ان الأمصار تشكلت بتراكم قرارات الأفراد الصغيرة من الاسفل للأعلى لان تراكم هذه يكون القرار الكبير وتراكم هذا يكون القرار الاكبر وهكذا وهذه هي اللامركزية .فاختطاط الناس لمنازلهم كون الطريق الغير نافذ ، ومجموعة من هذه الطرق والمنازل كونت خطط القبائل والتي بنت المناهج وهكذا . ولكن ماذا عن مدينة بغداد المكورة الم تخططها السلطة ؟.
بغداد (مدينة السلام)
رغم ان السلطة لم تتدخل في القرارات التي خص الأفراد في منازلهم في المدن المركزية التكون كبغداد وسمراء ، إلا إنها سيطرت على اغلب القرارات المشكلة للمدينة كسورها وسوقها وطرقها ومسجدها . وقد لعب الإقطاع دورا أساسيا في تكون هذه المدن على حساب الإحياء والاختطاط . مدينة بغداد هي اكثر المدن الإسلامية المركزية في التخطيط والبناء واكثرها بحثا وتمحيصا وبالتالي إثباتا من قبل الباحثين ان التخطيط بمفهومه الغربي استخدم في المدن الإسلامية .
عندما اختار الخليفة المنصور موقع مدينة السلام سنة 145 (764) . استنتج بعض المستشرقين ككريسويل وصف المدينة من أوصاف المؤرخين وتدور عموما حول فكرة ان المدينة حصنت بثلاثة أسوار محاطة بخندق ماء ( الشكل 5-15) وبين السورين الخارجي والأوسط فصيل خارجي عرضة 100 ذراع خاليا من الابنية وذلك للرقابة والدفاع. وبين السورين الأعظم والداخلي, وفصيل داخلي للسكن عرضة 300 ذراع . ويفصل السور الثالث الداخلي بين الفصيل الداخلي والرحبة العظمى التي يتوسطها قصر المنصور والمسجد . وتشق هذه الأسوار والفصيلين اربع طرق رئيسية متشابهة . بها المحلات من الجانين ومتجهة من البوابات الخارجية إلى مركز المدينة .
والحقيقة المهمة التي لم يهتم لها الباحثون في دراسة بغداد هي عملية الإقطاع خارج سور المدينة .وكانت هذه القطائع كبيرة في المساحة لدرجة ان كل واحدة منها احتوت على سكك وطرق غير نافذة كثيرة وقد قسمت هذه القطائع الى اربع مجموعات وان يكون لكل ربض مسجدها وسوقها وحمامها وما شابه من متطلبات.
وكما راينا في الفصل الثاني وسنرى في الفصلين القادمين ان اللامركزية هي المنهج المتبع في العمران ، وبذلك لم تتدخل السلطة في عملية البناء غير الذي ذكر من الالتزام بعرض الشارع وبالوظائف الضرورية كالمسجد والسوق والحمام .
ان مساحة القطعة المطلة على السكة الواحدة داخل المدنية المدورة قدرت بحوالي 40,000 متر مربع وقد قسمت هذه القطعة الى قطع اصغر. وبرغم ان السلطة هي التي قررت ان الحدود الخارجية للقطعة الكبرى فان كبر مساحة كل قطعة وتولي سكانها بتقسيمها يشير الى قلة تدخل السلطة في تنظيمها . أما بالنسبة للأرباض خارج سور المدينة المدورة فقد كانت مساحتها كبيرة جدا لدرجة ان بعضا اشتمل أسواقا وقصورا .
لا بد من إدخال تعريفين جديدين قبل استخدام هذا الفصل وهم التطابق والتشابه. فعندما نرى مباني متطابقة في جميع المواصفات بين مخططات وواجهات كما يتم عادة في مشاريع الإسكان نستنتج ان الذي اتخذ القرار لا بد وان يكون جهة واحدة. في هذه الحالة نقول ان المباني متطابقة . اما إذا اتخذ الناس القرارات بأنفسهم كما هو الحال في البيئة التقليدية نقول ان هناك تشابها في المباني وليس تطابقا .فهناك فرق بين التطابق والتشابه من حيث حركية البيئة ، فالتطابق هو ان الفريق المسيطر هو فريق واحد بينما التشابه يعني قيام كل فريق باتخاذ قراره بنفسه بإتباع عرفا ما .
والاستنتاج الذي نصل إليه هو ان الأرباض القطائع خارج المدينة المدورة والمناطق السكينة خارج المدنية وضعت في الإذعاني المتحد (بدليل وجود البوابات.
أما الرحبة وما بها من مباني والطرق الدائرية والطرق المؤدية الى البوابات الأربعة الى الرحبة والطاقات داخل المدينة المدورة فكانت تحت سيطرة السلطة وتجلت فيها المركزية بتطابقها ، في بذلك ليس في الإذعاني المتحد فبغداد خليط من الاثنين. ولكن ما هي مدينة بغداد هذه هي المدينة المدورة أم إنها هذه بالإضافة إلى ما حولها من العامر؟
من مقارنة مساحة المدينة المدورة بالمدينة ككل نستنتج بان المدينة المدورة ما هي الا قصر كبير او مجمع حكومي داخل المدينة . فالدراسات تشير الى ان نصف قطر المدينة المدورة كان حوالي كيلو متر واحد . بينما الجانب الغربي من بغداد وحدة احتوى ثلاثين الف مسجد وعشرة ألاف حمام في عصورها الأولى . فتصور النسبة في المساحة بين الاثنين . فمن المعروف ان الإسلام لا يحث على الإسراف في البناء ، الا ان كلفة بناء مدينة المنصور بلغت 18.000.000 درهم في وقت يباع فيه لحم الغنم 60 رطل بدرهم والتمر 60 رطل بدرهم والزيت 16 رطل بدرهم . فالإسراف واضح ن فقد بلغ ارتفاع قبة الخضراء 80 ذراعا وعلى راسها تمثال فرس عليها فارس .
بالتدريج خربت المدينة المدورة وهجرت ، أي ان المدينة ذات السلطة المركزية رفضها مجتمع ذلك اليوم ولم تتمكن من الاحتفاظ على شكلها عبر الزمن .
هناك تشابه بين المدن الإسلامية المنظمة والتلقائية, بين المدن المركزية واللامركزية في التخطيط, والمدن التي وجدت قبل الاسلام وفتحها المسلمون كدمشق والمدن التي نمت تدريجيا لتصبح مدينة بعد ان كانت قرية . الشكل الغير منتظم هندسيا في الطرق الإسلامية هو مراه تعكس تراكم القرارات الصغيرة الكثيرة التي اتخذها الساكنون المالكون المسيطرون سواء كان ذلك في نمو المدن او أثناء تكونها . أي ان اللامركزية أدت الى الحوار بين الفرق ألمستوطنة وبالتالي الى التواجد المستقل بالأعيان في الإذعاني المتحد. وهذا لا يعني أن البيئة كانت فوضى كما سنرى في الفصل القادم .
الفصل السادس: الحرية والضرر
كان دور الحركية الناتجة عن المبادئ التي تحدثنا عنها سابقا كالاحياء والاقطاع هو انشاء او ايجاد الحدود الخارجية للاماكن وللاغيان، اما ما سنناقشه في هذا الفصل والذي يليه هو حركية تهذيب هذه الحدود والسيطرة عليها أي قرارات وتصرفات الفرق المتصرفة التي أثرت في البيئة, كتغيير احدهم لوظيفة منزله من سكني الى وظيفة تؤثر على الحي بأكمله كالمدبغة، او تعليه اخر داره من طابق الى ثلاثة مما قد يضر بجاره، او بناء مدرسة او مستشفى، وما الى ذلك من امثلة.
كما لجأ المسلمون الى الحركية التي سنوضحها لحل الخلافات بين الفرق في البيئة.
هذا الفصل يركز على العلاقات بين فرق الأعيان للأماكن المتجاورة او المتباعدة احيانا، ولا يركز على فِرق العين الواحدة كالفصول السابقة. لاحظنا سابقا استثمار الشريعة في مبدا الحاجة والسيطرة للملكية , نستنتج انهما يعطيان المالك حرية كبرى اذا انعدم الضرر على الآخرين. عموما , لقد منحت الشريعة المالك الحق في الدفاع عن ملكه وحقوقه. منع الناس من التصرف في املاكهم كتحويل غرفة الى حانوت او بناء طابق إضافي هو اخذ من حقهم، الا اذا ثبت ان هذا عمل مضر بغيرهم.
اصول الفقه
اصول الفقه هي مناهج الفقيه لاستنباط الأحكام بالرجوع الى كل من القران والسنة والاجماع وفتاوي الصحابة والقياس والاستحسان والعرف والمصالح المرسلة والذرائع والاستصحاب (على الترتيب).
هناك انزلاق كبير وقع فيه الكثير من العلماء المعاصرين لعدم المامهم بتكوين البيئة اولا، ولمسايرتهم العمياء لمتطلبات العصر ثانيا، مستخدمين منطقهم البشري لاستنباط الاحكام.
لا ضرر ولا ضرار
لا ضرر ولا ضرار هو حديث مشهور عن المصطفى, صلوات الله عليه, ويعتبر احد خمسة احاديث يدور عليها الفقه وتهتم بمسائل العمران, ويعني ان للفرد ان يتصرف كما اراد اذا لم يضر الاخرين. فقد يقوم الافراد بتغيير البيئة بشكل يضر بالجيران، ولعدم وجود انظمة وقوانين انذاك، فقد كان اصل الحكم في كل قضية بيئية، وبالتالي عولجت كل قضية معالجة مستقله، فلم يكن هناك قانون مطبق على الكل يمنع سكان حي باكمله من التعلي اكثر من دورين مثلا. ولكن كان على كل موقع او عقار ان يعالج ذاته, لا قياسا بالمنطقه التي هو بها كما هو الحال في ايامنا هذه باتباع أنظمة السلطات.
وقيل الضرار ان تضره بغير ان تنفع، والضر ان تضره وتنتفع انت به. فللإنسان التصرف داخل حدود ملكه اذا لم يضر غيره دون استئذان مسبق ، لا كما هو الحال في ايامنا هذه، وهذه النقطة هي من اهم ركائز التواجد المستقل. وبذلك فالتصرفات الوحيدة التي يُمنع منها الفريق هي تلك التي تؤثر على اعيان الجيران مباشرة كوضع الة تصدر اهتزاز يؤثر في حائط الجار، او كالنظر الى عوراتهم عبر ألنافذة.
القواعد والمبادىء
الضرر الأشد يزال بالضرر الاخف، اذا تعارضت مفسدتان ، يختار اهون الشرين، الضرر يدفع بقدر الامكان، فهذه تدل على وجوب دفع الضرر قبل وقوعه.
يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام ، أي يجيز انتزاع ملكية عقار خاص اذا ضاق الطريق على المارة. ولكن الواقع قد يكون عكس ذلك على المدى البعيد. مثلا: هناك شخص يسكن في غابة وبداره الفئران ويريد التخلص منها فقام بوضع قطع من الخبز من منزله الى الغابة املا منه في ان تاكل الفئران قطع الخبز الواحدة وتخرج الى الغابة ولا تعود. ولكن الذي حدث هو انه عندما استيقظ وجد فئران الغابة في داره!
وهذا ما قد يحدث بنزع الملكيات، فقد تتضاعف الامور، فعند توسعة الشوارع سيزداد مركز المدينة اهمية وكثافة سكانية ثم تاتي الحاجة الى زيادة استيعاب شبكات المياه والمجاري والكهرباء ومن ثم توسعة الطرق مرة اخرى، وهكذا. اما اذا لم يحدث هذا, فسيؤدي الى الحد من نشاط مركز المدينة الى المدى الذي يوافق على ما تستوعبه الخدمات ، مما سيؤدي الى ظهور مراكز اخرى في مناطق مجاورة، فلن يتوقف النمو التجاري بضيق مركز المدينة.
هذا بالاضافة الى فوائد اخرى: كتوزيع الثروات بطريقة اشمل، فبدلا من ان يزداد ملاك العقارات, في ذلك المركز ثراء, سيستفيد الأخرون في مناطق اخرى. وهكذا في المسائل البيئية, فكل قرار له مضاعفاتة على مستوى المدينة وعلى الاجيال القادمة.
تقييد الحق
الفرق بين التعسف والتعدي هو ان تصرف الفريق واستخدامه لحقه أدى الى الاضرار بالاخرين يعد تعسفا ، واما التعدي فهو الفعل غير المشروع اصلا كان يقوم فريق بتعليه دارة بشكل يقطع الهواء عن جارة، فهذا يعد تعسفا اذا تضرر الجار ، اما اذا اخرج جزءا من مبناه الى ملك جاره فان هذا يعد تعديا على ملك جاره.
التعدي يمنع باتفاق المذاهب ، أما بالنسبة للتعسف فالسؤال هو: ما هي حدود التعسف في المسائل البيئية؟ كما هو معروف فان فكرة الحق تختلف من مذهب فكري الى اخر.
ففي المذاهب الفردية كالرأسمالية والتحررية (الليبرالية) تعتبر حقوق الفرد هي الاساس. فمتى تمت حماية مصالح الفرد تحققت مصالح المجتمع.
وعلى النقيض من هذافالمذاهب التي تنادي بالتضامن الاجتماعي كالشيوعية والاشتراكية تنبثق من فكرة ان الانسان لا يعيش الا في وسط اجتماعي، وان التضامن الاجتماعي ومصلحة الجماعة هي اساس القانون. وبذلك يصبح الفرد مجرد عنصر مسخر لخدمة الجماعة.
اما الشريعة الاسلامية فتنظر الى الحق نظرة مختلفة، فهي تقسمها الى قسمين:
- الاول: هو حق الفرد، ويشمل جميع الحقوق التي تتعلق بها مصالح الافرارد
- الثاني: هو حق الله، وهو حق المجتمع مما يتعلق بالصالخ العام
فان الشريعة هي اساس الحق وليس الحق اساس الشريعة، وان الحق ليس غاية في ذاته، بل وسيلة الى مصلحة شُرع الحق من اجلها.
الحرية والضرر
فمن المنطقي ان يكون الضرر تجاه حواس الفريق المتضرر، وهو على ثلاثة انواع: بصري وسمعي وشمي.
- الضرر البصري ياتي بكشف عورة الدار المقابلة،
- الضرر السمعي ياتي من تغيير وظيفة المنزل من سكني الى حدادة مثلا مما يؤذي سمع الجار،
- الضرر الشمي ينتج من تحويل الجار منزله الى مدبغة ذات رائحة كريهة مثلا.
اما بالنسبة لمصادر الضرر التي تؤثر في اعيان الجار قريبا او بعيدا فهي نوعان:
- ضرر مباشر كالدق على حائط الجار او حرق شيء بالقرب منه،
- ضرر غير مباشر كاحداث فعل يهز الحائط الجار كتحويل منزل ما الى اسطبل.
ومن المؤكد ان هذه الحركية قد اثرت على البيئة المبنية. فتباعدت دورات المياه عن حوائط الجيران قدر الامكان، واستبعدت الوظائف المحدثة مضرة بالجيران, متى اشتكى الجيران من ضررها، وتلافت الشبابيك مواجهة بعضها البعض في معظم الاحيان.
اما بالنسبة لمدى مقدرة الفريق على تغيير الوظائف, فان له الحق في تغيير وظيفة عقاره اذا لم يضر بغيره. ان الشريعة تؤدي في محصلتها النهائية الى تطور الاعراف . وهذه هي التي سار عليها الناس لبناء وصياغة بيئتهم، وليست الاراء المتضاربة ظاهريا بين الفقهاء. فالظاهر هو ان المعمول به في البيئة التقليدية هو إزالة الضرر المحدث متى اشتكى منه الجيران، أما الخفيف منه، فقد سُمح له بالاستمرار، وحل المسالة بمحاولة التحايل على الضرر.
التحايل على الضرر
كلما زادت إمكانية الفريق المتصرف في التحايل على الضرر كلما اتسعت دائرة سيطرته. فهذه الحركية في البيئة ادت الى منع الضرر على الجيران، وفي الوقت ذاته مكنت الساكن من عمل ما يريد مؤدية بذلك الى زيادة استيعاب البيئة لوظائف اكثر حسب رغبات السكان.
ومن جهة اخرى، فان الفعل المضر تم قطعه وبذلك أزيلت الهيمنة بين الفرق المتجاورة، ومتى اتفق الجاران فليس هناك داعي لأي تدخل خارجي. اما اذا اختلفا فقد يمكن التحايل على الضرر.
ترتيب القيود
لنقسم الأفعال المضرة الى نوعين:
- افعال ضرر مستحدثة, كتحويل منزل الى فرن في حي سكني، او فتح نافذه تطل على الجيران
- افعال ذات ضرر قديم اما الضرر القديم فيمكن تقسيمة الى قسمين:
- الاول: هو فعل سبق به الفريق الفرق الاخرى لعدم وجودها، ولذلك سيضر هذا الفعل الجيران مستقبلا ، كبناء مدبغة في منطقة غير مسكونة بعد, فضرر الرائحة سؤذي من سيسكن بالقرب من هذه المدبغة لا محالة.
- الثاني: هو فعل سبق فيه الفريق الفرق الاخرى وقد يؤذي هذا الفعل الجيران مستقبلا ولكن ليس بالضرورة، كفتح نافذة تطل على ارض موات ثم احيا هذه الارض رجل اخر. فهذه النافذه قد تضر الجار وقذ لا تضره وذلك بناء على امور عدة كتقابل النوافذ او اشراف النافذه على حديقة او حائط مصمت.
لقد اتفق جمهور الفقهاء على ان الفعل الذي قد يضر له ان يستمر حتى وان اضر بالفرق المجاورة مستقبلا. اما بالنسبة للفعل الضار فقد اختلفت الراء حسب حدة الضرر ومفهوم الضرر ، جميع النوازل تشير الى ان المبادرة الى الاحتجاج او السماح لمن احدث فعلا ضارا هي بيد الفرق ألمتأثرة.
حيازة الضرر
اذا وجد عقاران متجاوران، ولان إحداهما له الحق في ضرر الثاني، وليس الثاني الحق في ضرر الاول نقول بان العقار الاول حاز الضرر، أي له ان يستمر في ضرره مهما طال الزمان. ففي نازلة كانت هناك بئر بجانب حائط وكان في الجانب الاخر من الحائط قناة الجار، فكانت القناة ترشح في البئر . فتداعى الجاران الى القاضي فرأى ان القناة أقدم من البئر. " فقال القاضي لمالك البئر اصلح بئرك وللأخر بتنقيه القناة ، والحكمة هي: لا يُغير القديم وان اضر بالجيران.
ان حيازة الضرر متعلقة بالفعل الأسبق وليست بالعقار الأسبق، فاذا كان هناك داران متقابلتان وبينهما شارع وفتح احدهما نافذة ولم يحتج جاره المقابل فان صاحب النافذة المحدثة يحوز على ضرر فتح النافذة. فهذه النافذة قد تضر الجار مستقبلا لانه قد لا يتمكن من فتح نافذة في موضع قريب من تلك النافذة . أي ان النافذة المحدثة تقلل من حدود اختياراته ، وقد تقيده مستقبلا.
وضعت الشريعة الفرق المستوطنة في وضع تحثهم فيه على التحرك. في البيئة التقليدية سنلاحظ ان حيازة الضرر تنتقل باتفاق الفرق المستوطنة عند انتقال الملكية.
ان حيازة الضرر ادت الى ترتيب واستقرار العلاقة بين الفرق المستوطنة على شكل حقوق او قيود متتالية. فما ناقشناه في هذا الفصل لم يعطنا بيئة منظمة كبيئتنا المعاصرة، ولكنة انتجت لنا بيئة ذات خصائص فريدة من حيث توزيع المسؤولية وبالتالي مستقرة.
البيئة المستقرة وهي على العكس من بيئتنا المعاصرة, فهذة منتظمة وليست بالضرورة مستقرة, وذلك لتشتت المسؤولية . لان الاستقرار ياتي من الموقع ذاته، فالمسؤولية في البيئة المستقرة بيد السكان وواضحة لجميع الفرق المستوطنة. كما ان العلاقات بين فرق العقارات المختلفة في البيئة المستقرة مرتبة باستخدام حيازة الضرر وليست من خلال القوانين.
كما راينا في الفصل الخامس، بما هو معروف بحريم الارض وهي ما لا تستغني عنه تلك الارض من مرافق للوظيفة المحياة من اجلها الارض وقت الاحياء لتمام المنفعة، يمكننا القول بان حريم الارض لا تشمل طريقها ومسيلها فقط، بل أيضاً الافعال الضارة او التي قد تضر العقارات المجاورة بعد احياء الارض كمسار دخانها ومسار اشعة الشمس الداخلة من نوافذها. فاذا فتح شخص ما نافذه وسبق الاخرين ، فان هذه النافذه تعتبر حريما لمن سيأتي بعدة . وكذلك اذا بنى مصنعا ذا دخان فان مسار تلك الدخان في الهواء هو حريم لمصنع.
أي ان المذاهب رغم اختلافها تنتج نفس البيئة من حيث التركيب لان المنبع واحد وهو القران والسنة.
وسنرى في الفصل التاسع كيفية استخدام مبادئ الشريعة في وقتنا الحاضر. ولإعطاء مثال واحد, لنقل ان رجلا حول احد غرف منزله الى ورشة لسمكرة السيارات . وهذه تصدر صوتا مزعجا من اثر الضرب . فاشتكى الجار. فالمعمول به في الشريعة هو الزام الرجل على ازالة الضرر بدل منعه. فيكون على الرجل التحايل على ضرر أي عزل غرفة السمكرة باستخدام مواد عازلة للصوت.
حرمة العقار
مبدا الضرر يؤدي الى عدم تدخل السلطات في شؤون البيئة والى عدم تدخل الجيران في شؤون العقارات الخاصة الاخرى من ثم الى انعدام الانظمة والقوانين. ومن جهة اخرى فان مبدا الضرر يؤدي الى ترتيب واستقرار العلاقات بين الفرق والى التواجد المستقل.
الفصل السابع: أماكن البيئة التقليدية
الزائر في المدينة التقليدية يلاحظ ان طرقها متعرجة وملتوية ، وشوارعها ضيقة ، وفي ساحاتها باعة هنا وهناك من غير تنظيم واضح له، وسيلاحظ كثرة دروبها غير النافذه، وساباطاتها التي تمتد فوق الطرق، ورواشينها الخارجة على الطرق، وسيلاحظ خروج التجار ببضائعهم الى خارج حوانيتهم ليضيقوا الطريق، وما الى ذلك من صفات قد تشير الى اهمال السكان مقارنة ببيئات المجتمعات الاخرى. فهل هي فعلا كذلك؟. الاجابة باختصار هي ان هناك ثلاثة اماكن ميزت البيئة التقليدية الاسلامية بطابعها, وذلك لانها كانت في الاذعاني المتحد، والاماكن الثلاثة هي:
- الفناء
- الطريق غير النافذ
- المناطق العامة كالطرق والساحات.
لتوضيح ذلك سندرس كل من حق الملكية والسيطرة والاستخدام لهذه الاماكن وعلاقتها بالاعيان المجاورة والمكونة لها كالمباني المحيطة بها. فان هذا الفصل سيركز على الاماكن ذات الملكية الجماعية والاعيان التي تقع فيها.
الفناء
الفناء هو المنطقة المحاذية للعقار وليس كما هو شائع بين بانه الفسحة بداخل الدار فقط.
الفناء عادة هو مكان مخصص لاستخدام سكان العقار الملاصق للفناء، سواء كان ذلك العقار مبنى سكنيا او تجاريا او صناعيا.
الظاهر هو ان طول الفناء وعرضه تحددا بالاتفاقات بين الفرق المستوطنة في الموقع. وبالنسبة لحق الاستخدام فلصاحب الفناء الانتفاع به كالجلوس والاستظلال والبيع فيه ووضع متاعه عليه وما شابه من استخدامات مباحة دون التعرض للمارة. ولكن هل يملك الفريق المالك الفناء؟. إن الأفنية هي ملك لجماعة المسلمين ولكنه أحق لفناء الدار من غيره وان كان لا يملكه.
السيطرة على الفناء
وبالنسبة لمدى تمكن الساكن من البناء على الفناء وضمة لبناءه فهناك رايان:
- الاول هو عدم الجواز لما فيه من ابطال لحق المارة من الدخول في الفناء
- الثاني وهو الجواز اذا اخذ بمبدأ الضرر في الحكم على جواز البناء رغم ان بعض الفقهاء كرهه.
ولكن الذي صاغ الافنية وعلمها في كلا الحالتين هو الفريق المستوطن الذي له إمكانيات مختلفة على جوانب الشوارع (الافنية) في المدن الاسلامية .
فالبيئة بذلك صادقة تعكس واقع السكان وقيمهم وهذا معاكس للبيئة المعاصرة التي اختفى فيها الفناء كعنصر معماري ،ومنعت القوانين الناس من بعض التصرفات . لذلك فالبيئة المعاصرة كاذبة.
طريق المسلمين
تحدثنا في الفصل الثاني عن حيازة الباعة والتجار للاماكن في السوق وقلنا ان السابق الى مكان كان أحق به من غيره (الاسبقية)، كما استنتجنا ان العلاقة بين الفريق المالك لمقاعد لاسواق (جماعة المسلمين ) والبائع (المسيطر المستخدم) تميزت بالقوانين والتي هي من اهم خصائص الاذعاني الحيازي .
وعند الحديث عن نمو المدن في الفصل الخامس وضحنا تاثير الإحياء على صياغة الطريق ، وقلنا ان ملكيات الافراد الخاصة هي التي اثرت على مواضع واتحاهات الطرق ، أي انها نتيجة ما قررته الفرق المستوطنة وعلاقتها مع بعضها البعض ومن تراكم القيود كحق المرور والمسيل .
الا ان ما ذكرناه في الفصول السابقة لم يوضح لنا الصياغة النهائية للفريق ، فهناك فَرق بين تحديد مكان واتجاه الطريق وبين بناءه من الجانبين وضبطه عبر الزمن. وهو ما سنوضحه الان, أي كيف اخذ شكله الذي نراه عليه الان. وسنجيب ايضا على السؤال الذي لم نستكمله في الفصل الخامس وهو: هل الطريق ما بقي من الإحياء، وهل هو نتيجة تصرفات الفرق المستوطنة؟.
لينة الطريق
اللينة تعني المطاوعة والنزول إلى رغبات الآخرين وعدم المقاومة فالعين اللينة تسهل صياغتها لتلاءم رغبات الصايغ لها كالمسورة. والسؤال هو: لماذا كانت الأماكن العام كالطرق ذات لينة لا تقاوم زحف المباني عليها؟ وهل هذه ميزة حسنة للمدينة، أم أنها تؤدي إلى الفوضى؟ وما علاقتها بالنماذج الإذعانية؟.
الابتداء في الطريق
كل قرار جديد يؤثر في شكل الطريق ويعتمد على وضعيته قبل إحداث مباشر. أيَ فعل ماضي قامت به الفرق المستوطنة يعتبر مقبول, اما الأفعال المستحدثة فهي التي تحاكم . الأحكام تختلف من طريق لأخر فهي تعتمد اذا الطريق كثير السلوك. أي ان قرارات الفرق الساكنة ذات المستوى الصغير كبناء دكة وغرس شجرة تراكمت وصاغت الطرق والساحات وبهذا فان الطريق يتغير تدريجيا من اللينة الى طريق معلوم شكله للجميع فيصعب تغيره.
ما اخذ من الطريق وضم للعقار سيكون في الإذعاني الحيازي ثم بالتدريج مع الزمن سيملك ويوضع في الاذعاني المتحد .
ملكية الطريق
ان الطرق والساحات وحواف الانهار ونحوها هي ملك للمسلمين وليست ملكا لبيت مال المسلمين او الدولة. وعدم ملاحظة هذا التميز هي غلطة الكثير من الفقهاء الاواخر, الذين اجازوا للسلطان التصرف في هذه الاماكن .
الطريق يزداد اقترابه لمكلية عموم المسلمين كلما كثر عدد المارين به . أي زيادة عدد المارين يزيد من حرمة الطريق. وهذا الربط بين عدد السالكين وملكية الطريق للمسلمين ذو منافع عدة في السيطرة على الطريق.
السيطرة على الطريق
لمالك المكان الحق في بيعه ولكن اذا لم يكن ذلك كما هو الحال في طرق المسلمين فهذا معناه ان الملكية مجمدة. ولان المالك للطريق هم جماعة المسلمين فلا بد وان تكون السيطرة بايديهم . وهذا ما حدث في المناطق العامة في البيئة الاسلامية كالشوارع والساحات . ولكن هناك بعض الشوارع الرئيسية في المدن الكبرى كالقاهرة لم تكن السيطرة عليها في يد المارة ولكن بيد السلطات أي انه كلما ازدادت حركة الطريق وعدد المارة به كلما توقعنا تدخل السلطات وهذه حالات نادرة حدثت فقط في المدن الكبرى .
فهل كان على الملاك الذين يسيطرون (المارة) الاجتماع ليتفقوا ويقرروا اذا ما اراد رجل غرس شجرة او هدم دكة او رصف طريق ؟ أي لا بد من وسيلة ، القاعدة عموما هي ان لاي انسان الحق بالتصرف طالما انه لا يضر بالمارة ولم يمنعه احد، وكان هناك سعة لفعله . اما اذا كان الفعل ضارا فهذا يمنع واذا لم يكن هناك ضرر ولم يمنعه احد فان هذا يعتبر موافقة ضمنية من جماعة المسلمين للفاعل للاستمرار بفعله.
كانت هناك معاير رجع اليها بعض الفقهاء في حال النزاع بين السكان اذا لم يكن هناك ضرر من الفعل فمثلا يُعد الطريق واسعا اذا زاد عرضه عن سبعة اذرع, اما اذا كان طريق للمواشي فعشرون ذراعا .
السيطرة على علو الطريق
اما بالنسبة لخروج الناس بمبانيهم الى الطريق في العلو كبناء الساباطات (سقيفة بين حائطين تحتها طريق وجمعها سوابيط وسباطات) والروشان او الجناح او الظلة او الخارجة (وهذه هي اسماء لابنية ناتئة عن الجدار) الى الطريق, اي معلقة بالهواء , فان لها نفس المبادىء والاراء السابقة ولكن بقدر اكبر من الحرية لمن اراد البناء (الصورة 7-90).
إن موضع الساباطات في الاذعاني الحيازي ولذلك فان الفريق المالك هم جماعة المسلمين لانهم يملكون القرار (أي الارض، اما الفريق المستخدم المسيطر فهو باني الساباط . اذا هدم رجل ساباطه او روشانه ثم قام جاره المقابل ببناء ساباط في نفس الموقع فان ذلك له. لان الاول لم يملك ذلك الموقع ولهذا نتوقع ان تميل العلاقة بين الفريقين المالك والمسيطر الى القوانين اكثر من الاتفاق .
فمن الملاحظ ان اكثر الاماكن استخداما في الشوارع هي التي تحت الساباطات لانها مظللة فيكثر فيها لعب الاطفال وتجمعاتهم. هذا بالاضافة الى الفوائد المناخية لان الساباطات تقلل من المسطحات المعرضة لاشعة الشمس كما انها توسعة للناس اذا ضاقت عليهم منازلهم .
لعل من افضل الامثلة لاستخدام الساباطات في المدينة التقليدية تلك المنتشرة على طول وادي ضرعة جنوب المغرب, فكانت للساباطات وظيفة مناخية واجتماعية وبنائية . ونظرا لاعتماد السكان على النخيل والتمور ، ولان التمر يكثر عليه الذباب ، وحيث ان الذباب يتلافى المناطق المظلمة ، بالاضافة الى حرارة المنطقة وجفافها ، فقد اكثر سكان تلك القرى من استخدام الساباطات للتغلب على الذباب وتلطيف الجو في شوارعها .
كما ان الساباطات وظيفة بنائية لانها تربط المباني ككتلة واحدة . ولها ايضا وظيفة اقتصادية لانها استخدمت كمخزن للتمور حيث ان اراضي الساباطات بنيت من جذوع النخل والسعف بطريقة تسمح بالهواء بالمرور.
ومن الفوائد الاجتماعية للساباط هي استخدامه كممر بين المنازل للنساء دون المرور بالطريق (الصورة 7-111).
فهذا الحل الاجتماعي المناخي البنائي الاقتصادي لم يأتي من فكر المهندسين وانظمة المخطيطين ولكن من تجارب أولئك الذين يعانون البيئة ويجدون الحلول لها. فمن تراكب تجاربهم تبلورت الاعراف وما هذا الا لان الشريعة وضعت الاطار الذي ادى الى الحل الامثل لمعطيات السكان ( كما سيوضح هذه النقاط في الفصل التاسع).
الطريق والهيمنة
سنقوم بدراسة البيئية التقليدية في مسالتين:
- الاولى هي فتح دكان،
- الثانية هي فتح باب الى الطريق.
والهدف من الدراسة الاولى هو توضيح مدى تدخل الفريق المسيطر على الطريق في شؤون من اراد ان يفتح دكانا، لان هذا الفعل يستحيل في أيامنا هذه دون إذن السلطات . فهذه الدراسة مقياس للهيمنة بين الفريقين الخارج (جماعة المسلمين) والداخل(صاحب العقار الخاص).
اما المسالة الثانية فهي فتح باب يضر بالجار المقابل لانه قد يكشف حرمة داره. والهدف من عرض هذه المسالة هو توضيح العلاقة بين الفريقين المتقابلين ومدى تدخل الفريق المسيطر على الطريق (جماعة المسلمين) في شؤون العقارات الخاصة، فان لم يوجد أي تدخل فهذا تأكيد لما استنتجاه في الفصل السابق من ان الفرق المستوطنة هي التي صاغت البيئة.
ان تحويل غرفة من المنزل الى حانوت كان أمراً شائعا في المدينة التقليدية. وهكذا، اصبحت بمرور الزمن اسواقا رئيسية في المدينة ثم بنيت الاسواق المنظمة في مواضعها.
لقد كان ضرر الدكان او الحانوت يعد ضررا شديدا مقارنة بضرر فتح باب او نافذة او ضرر تحويل منزل الى فرن وذلك لان الجالس في الدكان سيكشف عورة جاره المقابل بجلوسه المستمر اما مدخل الجار، نخلص الى ان احكام القضاة اختلفت حسب الموقع: هل هي في طريق كثيرة السلوك ام لا؟ وهل هي في طريق واسعة ام لا؟ وذلك بقياس شدة الضرر.
لفتح دكان الى الطريق نلاحظ انه برغم اختلاف الاراء بين الفقهاء والقضاة الا ان السلطة لم تتدخل ابدا،ولكن القضاء(وليس السلطة) تتدخل بعد مطالبة الفريق المتضرر برفع الضرر. فاذا لم يتضرر الجار فان الفعل سيمضي (أي سيبقى), وحتى ان تضرر فقد يصلان لاتفاق، واذا لم يصلا لاتفاق سينفذ القضاء.
تغيير الوظيفة للشارع تدريجيا من سكني إلى تجاري تم بمبادرة الفرق الساكنة وموافقتهم. اما الآراء بشان فتح باب الى طريق نافذ يضر بالجار. فمن الفقهاء من منعه اذا ثبت الضرر، ومنهم من امر بتنكيب الباب بقدر يزيل الضرر او يخففه، ومنهم من أجازة في الطريق الواسع بغض النظر عن ثبوت الضرر.
الاتفاقات بين الفرق الساكنة حول الطريق والمارين به هي التي صاغت الطريق، وحيث ان الفرق الساكنة حول الطريق والأفراد المارين فيه هم الفريق المستوطن بالنسبة الى الطريق. فالطريق يعكس رغبات وإمكانيات وقيم السكان بصدق. القرارات بشان صياغة الطريق أتت من الأسفل للأعلى وبنيت على مبدأ الأسبقية . فمن فتح حانوتا قبل جاره المقابل فقد حاز الضرر.
لقد وُضعت وسائل مَكنت الفرق المستوطنة من السيطرة على الطريق دون أدنى تكلفة مادية على المجتمع. فلم تكن هناك وزارات وموظفون وأوراق توقع وتختم هنا وهناك. وان الشريعة جعلت المستخدمين للبيئة التقليدية واعيين بكل المسائل البيئية.
قبل الحديث عن الطريق غير النافذ، سنوضح دور المحتسب في المدينة.
المحتسب
هل كان للمحتسب دورا في صياغة الطريق في البيئة التقليدية؟
إن اختصاص والي الحسبة هو في مراقبة:
- اهل السوق في مبيعاتهم, كمراقبة المكاييل والموازين، ومنعهم من الغش والغبن والتدليس فيها وفي اثمانها،
- ومنع الناس من الازدحام في الطرقات،
- ومراقبة الأفراح والمأتم
- وملابس الناس وسلوكهم, كحثهم على الصلاة
وهذه الاختصاصات نابعة من طلب الاجر وهو الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر اذا ظهر فعله.
ومن هذا يمكن القول ان المحتسب لم يكن له دور مؤثر في صياغة الطريق ، باستثناء السوق الذي كان له فيه دور في منع الغش وحث تجار سلعة ما او اهل صناعة ما على التجمع في اماكن متقاربة، كتخصيص مكان للعطارين واخر للجزارين وهكذا. ولكن الاهم من هذا هو ان دور المحتسب في السوق هو تحصيل الزكاة والضرائب وما الى ذلك من رسوم مالية للدولة.
فان اختصاص المحتسب ركز على سلوك الأفراد في استخدام الطريق والمحافظة عليه اكثر من التركيز على الافعال البنائية التي تغير صياغته. إلا ان سيطرة المحتسب على تقنية البناء رفعت من نوعية البيئة. فكُتب الحسبة تركزت على مراقبة الصناع والباعة عموما، ومنهم صناع البناء وبائعي مواده, لحماية المستهلك الذي قد يجهل مواصفات البناء، (نوع الخشب ومتانة المسامير).
الطريق غير النافذ
لقد كثرت الطرق غير النافذة في المدن التقليدية, وقد نشأ من إحدى الحركتين التاليتين او كلاهما معا:
- تُرك ابتداءً ليكون طريق غير نافذ؛
- ظهر تدريجيا بتراكم قرارات عدة فرق متجاورة في اوقات مختلفة.
ملكية الطريق غير النافذ
لقد اعتبر الطريق غير النافذ في الشريعة مُلكا لساكنيه. انه لا يجوز لاي فرد ان يتصرف في الطريق غير النافذ دون موافقة الشركاء، كفتح حانوت او إخراج جناح او بناء ساباط او حفر بئر، أي ان السيطرة وُضعت في ايدي الساكنين.
والظاهر هو ان لأهل لطريق غير النافذ حرية اكبر في الأستخدام مقارنة بالطريق النافذ.
السيطرة على الطريق غير النافذ
لقد وضعت الشريعة ثلاث وسائل للسيطرة على الطريق غير النافذ:
- الوسيلة الاولى هي ان سكوت اهل الطريق على فعل احدهم يعتبر موافقة ضمنية منهم لذلك الفعل.
قبل شرح الوسيلتين الثانية والثالثة، لا بد من توضيح الفرق بين ثلاثة انواع من السيطرة هي:
- السيطرة الإجماعية، اذا احتج فرد واحد فقط على فعل ما ووافق الباقون، وحكم بإيقافه. وذلك لان أي فعل مستحدث (كغرس شجرة) لا بد وان يوافق عليه جميع افراد الفريق المسيطر دون استثناء لتكون السيطرة إجماعية.
- السيطرة الجماعية، هي إعطاء الفرد المتضرر وزنا اكبر في التصويت اذا كان المتضرر الاكبر.
- سيطرة الأكثرية, إذا قام احدهم بفعل وانكره الآخرون, وحكم بايقاف الفعل, يجب ان يفوق عدد المعترضين النصف ، (او العكس) . وهذا هو حال معظم الانظمة الديمقراطية، التي لم تتبعها الشريعة في تسيير الامور البيئية.
الشريعة اخذت بكل من السيطرة الجماعية والسيطرة الاجماعية في مسائل البيئة ولم تاخذ بسيطرة الاكثرية.
هناك تصرفات تؤثر في الطريق ذاته كبناء دكة عليه او حفر بئر فيه ونحوه، وقد سماها بعض الفقهاء تصرف في باطن الطريق، وهناك تصرفات تؤثر على الطريق ولكنها ليست فيه كفتح نافذه اليه، تصرف في ظاهر الطريق. وقد لجا المسلمون الى السيطرة الاجماعية للحكم على التصرفات التي بباطن الطريق غير النافذه. وهذه الوسيلة الثانية في السيطرة على الطريق غير النافذ. فمثلا ، برغم ان بناء بوابة على مدخل الطريق غير النافذ كان امرا شائعا في المدينة التقليدية (كما سنرى)، الا ان ذلك لم يجز لسكان الطريق الا بموافقة جميع السكان.
أما اذا كان التصرف في ظاهر الطريق كاخراج روشن فان السيطرة كانت سيطرة جماعية. وهذه هي الوسيلة الثالثة في السيطرة على الطريق غير النافذ.
الابواب والسيطرة
قلنا سابقا ان الطريق غير النافذ هو ملك لؤلئك الذين يمرون به. ولكن قد توجد دار ملاصقة للطريق غير النافذ ولا يكون لها باب الى الطريق بل حائط مصمت فمالك هذه الدار بالتالي لا يعتبر فردا في الفريق المالك المسيطر على الطريق.
هناك ثلاث مسائل للباب في الطريق غير النافذ:
- الاولى هي محاولة فتح باب جديد الى الطريق ، معظم اراء الفقهاء تؤيد السيطرة الاجماعية
- الثانية هي محاولة تنكيب (تغيير موضع) باب قديم، فقد راى معظم الفقهاء السيطرة الاجماعية، منهم من راى السيطرة الجماعية. وللتفصيل اقول: اذا كان الباب المحدث مضرا بالجار المقابل فانة يمنع ولا خلاف في ذلك حتى ان اذن له الاخرون، وهذه سيطرة جماعية . اما اذا كان الباب غير مضر ، فهناك ثلاثة احتمالات، الاول: انها برضى جميع اهل الطريق، والاحتمال الثني هو رضى بعض السكان ورفض البعض الاخر، اما ان يكون الذين اذنوا له في اخر الزقاق وممرهم على الباب المحدث.
- الثالثة هي زيادة عدد المستخدمين او المارين خلال نفس الباب. فان المذاهب الأربعة لها أراء متشابهة. اذا كان هدف مالك الدار ذات البابين تمكين الناس من المرور من الطريق النافذ خلال الزقاق غير النافذ الى طريق اخر فانه يمنع، وذلك لانه اعطى حق الاستطراق لمن لا حق لهم، أي انه زاد عدد المارة او المستخدمين للطريق غير النافذ. اما اذا حاول رجل يملك دارين متلاصقتين، وكل دار منهما تفتح الى درب غير نافذ (الشكل 23-7)، ورفع الحاجز بينهما وجعلهما دارا واحدة جاز له ان يستطرق بكلا الدربين.
الطريق غير النافذ , اعتبرته الشريعة ملكا لمن لهم المرور فيه كفريق واحد يسيطرون على ذلك المكان ويستخدمونه. أي أنه في الاذعاني المتحد.
اذا لم يتعرض الشركاء لفعل احدهم فقد اعتبرت الشريعة هذا الصمت بمثابة موافقة ضمنية منهم لذلك الفعل، فان السيطرة الاجماعية هي الوسيلة لحل الخلاف بين الشركاء في كل فعل بباطن الطريق، وان السيطرة الجماعية هي الوسيلة لحل الخلاف في كل فعل بظاهر الطريق كفتح الباب.
الحلول انبثقت من اتفاق افراد الفريق المسيطر وليس من أي تدخل خارجي الا في حالات النزاع حيث استخدمت احد الوسائل الثلاث في استنباط الحكم. ولهذا نتوقع ان تكون المناقشات والحوار وبالتالي الاتفاق بين الشركاء في الطريق هي الحركية التي صاغت الطريق غير النافذ. فان العلاقات الاجتماعية بين سكان الطريق غير النافذ افضل من غيرها مقارنة بالاماكن الاخرى لاسباب كثيرة منها اشتراكهم في نظافتها. فقد كانت صياغة تلك الطريق ونظافتها من مسؤوليات السكان لانهم هم الملاك لتلك الامكنة. وبهذا تقل مساحة المناطق العامة التي كان على المسلمين صيانتها.
الحمى
هناك مكان رابع لم يكن ذا تأثير كبير في التركيب البيئى داخل اسوار المدن، ولكنه اثر في تركيب البيئة التقليدية عموما، ووضعته الشريعة ايضا في الاذعاني المتحد، وهو الحمى، فهناك اعيان واماكن تتعلق بها مصلحة المسلمين كالانهار والاراضي المتروكة حول القرى ليستعملها أهلها للرعي والحصاد، فوقوع هذه الاماكن تحت ملك فرد قد يبطل الانتفاع بها. لذلك كان يمنع الناس من احيائها وامتلاكها، فهي لعموم الناس. فالحمى هو المكان المحمي ، وهو خلاف المباح. فكل قرية كانت لها ارض محمية مخصصة لاهلها لاحتطابهم ولرعي مواشيهم ونحوه، ان الشريعة دفعت جميع اماكن البيئة الى الاذعاني المتحد، هذا ادى الى بيئة ازداد قيها عدد المالكين المسيطرين. واذا جاز التعميم يمكننا القول بان عدد المالكين المسيطرين في الاماكن العامة يساوي عدد المستخدمين لتلك لاماكن، وهذه هي اهم أسس التواجد المستقل.
الفصل الثامن: حجم الفريق وحجم العين
هذا الفصل سيريك ان الشريعة وضعت مبادىء ادت الى حرية الفرق وفي الوقت ذاته الانت البيئة وجعلتها قابلة للصياغة التي تلائم الاجيال المتعاقبة. فكيف تم نقل هذه الاعيان والاماكن من ايد مالكة الى اخرى عبر هذه السنسن والمحافظة عليها في الاذعاني المتحد؟ ان علاقة حجم الفريق بحجم العين او المكان مسالة مهمة للمسؤولية.ففي الفريق الكبير قد تتبعثر اللمسؤولية بين افراد الفريق مما يؤثر على حالة العين، او قد يتفقون فيما بينهم لصالح العين. وكنا قد قلنا في الفصل الرابع ان تغير الشخصية الفريق تاتي من سببين: الاول هو مدى ابتعاد الفريق وقربه من العين كالدرب المشترك بين عدة منازل والذي يملكه السكان من حوله فيبعد فريقه ويصبح خارجيا عندما تصدر الدولة قانونا تمتلك بمقتضاه الدرب. السبب الثاني: لتغير الشخصية الفريق هو تغير حجمه، فالمنزل قد يرثه عدة ابناء ويصبحون شركاء فيه كفريق واحد، وبهذا يزيد عدد افراد الفريق المالك وتتبعثر المسؤولية بينهم. بشراء عقار تملكه شركة فتتركز المسؤولية فيه. وكنا قد استخدمنا وعبارتي (تتبعثر) المسؤولية عند زيادة عدد افراد الفريق و(تركز) المسؤولية عند نقصان عدد افراد الفريق. وقلنا ان هناك علاقة قوية بين حجم الفريق المالك او المسيطر وبعده عن العين او المكان. كما قلنا ايضا ان المقصود بالمبادرة هي المثابرة في الى التحرك والتصرف في كل ما هو مطلوب لمصلحة العين او المكان والاهتمام به. وان مبادرات الفرق وبالتالي حالات الاعيان مرتبطة ارتباطا وثيقا باستيطان الفرق. اما الفرق البعيدة فقد لا تعرف صالح العين، وعرفنا الفريق المستوطن بانه اكبر عدد ممكن من الافراد الساكنين او المستخدمين مجتمعين كفريق واحد ، فان الفريق الصغير قد لا يجتهد لمصلحة العين، وبالمثل ، فالفريق الكبير لا يستخدم العقار ، وبالتالي هو بعيد عنه وقليل المبادرة لتبعثر المسؤولية بين افراده الكثيرين، فهو ايضا سلبي المبادرة. فكيف اذا يكون الاتزان بين حجم الفريق وحجم العين؟ سيحاول هذا الفصل الاجابة عن السؤال. عموما حجم الفريق ليس له حدود كجماعة المسلمين او الدولة، اما حجم العين فلها حدود معينة من حيث الانقسام ي الشريعة.فهناك ثلاثة انواع من الاعيان اولا: اعيان او عقارات تقبل القسمة كالمنزل، واعيان تقبل القسمة ولكن ان قسمت فهناك ضرر على اصحابها كالمرحاض ، واعيان لا تقبل القسمة كالرحى. والان نمر سريعا على الحركيات التي اثرت على حجم كل من العقار والفريق في البيئة التقليدية ، وهي الصدقة والهبة والفرائض والشفعةوصفقات البيع والشراء، ثم نرى تاثيرها على البيئة التقليدية من خلال مبادىء التقسيم.
الصدقة الصدقة هي تمليك العين مجانا في الحال تمليكا يراد به الثواب ووجة الله سبحانه وتعالى، وان تصدق الناس بعقارات لاخرين سيوزع الثروات بين افراد المجتمع وسيزيد من عدد الفرق المالكة المسيطرة في البيئة. الشريعة وضعت حلولا تعالج مسالة ازدياد عدد افراد الفيق حتى لاتتبعثر المسؤولية بينهم.
الهبة ان مبادىء الهبة في الشريعة تؤدي بالعقار الموهوب الى الاذعاني المتحد لاصرار جمهور فقهاء على قسمة العين الموهوبة حتى يقل عدد افراد الفريق . وتم هذا من خلال شروط الهبة. ان الهبة والصدقة والهدية والنحلة ولاعطية معانيها متقاربة، وكلها تمليك في الحياة بغير عوض، والعطية اسم شامل لهم جميعا. والظاهر هو ان الهبة كانت مسالة منتشرة في البيئة التقليدية. فقد حث نبي هذه الامة افرادها على التهادي لتصفية القلوب. فقد قال صلوات الله وسلامه عليه:(تهادوا تحابوا) وقال: (تهادوا تزداوا حبا).
الخيار والرجوع
العمرى العمرى هو ان يقول الرجل للاخر اعمرتك هذه الدار حياتك. وللتلخيص اقول ان مبادى الهبة عموما ادت الى تركيز المسؤولية. فلا بد مثلا من قبض العقار الموهوب لتتم الهبة، وبلانسبة لما يقسم من المشاع فان الاراء كانت تميل لتقسيمه ليتم قبضه، كما ان الشريعة حثت الواهب على المضي في هبته وتلافت وضع العقارات في موضع يكون فيه الساكن غير المالك كما هو الحال في العمرى.
الفرائض علم الفرائض وتتقيم التركة بين الورثة هو من اهم الحركيات التي اثرت في حجم الفريق ومن ثم في حجم العين والعقار. المستشرقون في الهجوم على الاسلام من خلال هذا العلم . فابنسبة لحجم العقار ، يقول المستشرق بروجمان( لقد تميز قانون التركة في الاسلام بتفتيته الزائد للعقارات). اما بالنسبة لحجم الفريق قد استنتج جوتين من دراسته للوثائق اليهودية في مصر بان نظام الوراثة في الشريعة يؤدي الى سوء حال المباني لعدم صيانة الملاك لها. اقوال المستشرقين الا تتضارب في استنتاجاتها فالقولان الاولان بشان حجم العقار يستنتجان بان الشريعة قسمت العقارات الى اجزاء صغيرة لا يمكن الاستفادة منها لصغرهما، اما القولان الاخيران بشان حجم الفريق فيزعمان ان الشريعة تؤدي الى زيادة افراد الفريق المالك للعقار، وبذلك تتبعثر المسؤولية بينهم، مما يؤدي الى سوء حال العقار لفقد الملاك الاهتمام بعقارهم. فمن منهم نصدق. نظام التركة في الشريعة. فكما ترى اخي ركزت المسؤولية العقار في فريق واحد، وبهذا ازدادت نسبة الفرق المالكة المسيطرة في البيئة. وهذه هي احدى اس التواجد المستقل.
الشفعة الحركيات السابقة بالاضافة الى صفقات البيع والشراء ادت مع مرور الزمن الى فرق ذات احجام قد لا تناسب حجم العين. فلا بد اذن من وجود حركية تقوم بالعمل العكس، أي تقلل من عدد افراد الفريق لتتركز المسؤولية مرة اخرى في الفريق. هذه الحركية هي الشفعة. ما هي الشفعة؟ الشفعة ماخوذة لغة من الشفع وهو الزوج استحقاق الشريك انتزاع حصه شريكه . فاذا اراد زيد بيع حصته من عقار يملكه مع بكر،فطلب بكر حصة زيد لنفسة، وكان بكر اولى بها من أي مشتر اخر بحكم الشركة، فنقول في هذه الحالة بان بكر له حق الشفعة. اما الحكمة من الشفعه فهي دفع الاذى الذي يتوقع من دخول رجل اجنبي لم يكن بين الشركاء ، وكذلك دفع النزاع المتوقع.
احاديث الشفعة
الاراء
هل لاحظت أن الشريعة تحاول تقليل عدد افراد الفريق المالك وتمنع قدر المستطاع دخول الغريب حتى لا يتضرر الشركاء ويضطروا لقسمة العقار .اي ان الشريعة حاولت تثبيت حجم العقار وتقليص الفريق .
الشفعة فيما لا يقسم
نجد ان رأي الجمهور برفض الشفعة فيما لا يقسم وهو في صالح العين , لانه يؤدي الى نفور المشترين الاغراب وبهذا ينخفض السعر مما يضر الشريك البائع. واذا لم يتمكن من البيع فسيفقد الاهتمام بالعين لانها لا تقبل القسمة.
الشفعة في الخليط
الخليط هو كالشريك في الطريق ومسير الماء.
الشفعة للجار
قال علية الصلاة والسلام: الجار احق لشفعتها. فإثبات الشفعة للدار اذا لم يكن خليطا في احد حقوق المبيع سيؤدي الى زيادة حجم العقار مع تثبيت حجم الفريق المالك ،وهنا قد لا تتركز المسؤولية ولهذا لم يأخذ بها الجمهور .
المذهب الحنفي
الشفيع هو واحد من الثلاثة على الترتيب: الشريك والخليط والجار الملاصق. فاذا اراد بكر بيع نصيبه في المنزل الذي يملكه مع عمر فالشفعة تكون لعمر فاذا تقدم عمر مع غيرة لطلب الشفعة كان هو الاولى لانه شريك, فان لم يوجد فالحق بعده للخلطاء (وهم جميع سكان الطريق غير النافذ) كما في الشكل ، أي لا فرق بين داوود وحسن فان لم يتقدموا فالشفعة للجيران الملاصقين (وهم احمد ومنصور وصالح ومحمود وداوود)، لا يفضل احدهم على غيره بحسب طول الجزء الملاصق او قصره (أي لا فرق بين منصور واحمد). فان الدار اما ان تقسم بين الخلطاء اوانهم يصبحون جميعا شركاء فيها ان أصروا جميعا على الاخذ بالشفعة وتنازل عنها الشريك في العقار .
فهذه الاراء لا تؤدي الى زيادة حجم العقار بالنسبة الى حجم الفريق ولكنها تؤدي الى تثبيت حجم العقار وتقليص حجم الفريق وبهذا تتركز المسؤولية اكثر .
الانصباء او الرؤوس
لنقل ان هناك عقاراً يشترك فية أربعة افراد بحصص مختلفة, كان يملك الاول 40% والثاني 30% والثالث 20% والرابع 10%, فاراد الثاني بيع نصيبة, فكيف تكون الشفعة بينهم. هل تقسم 30% بين الثلاثة بالتساوي أو كل يأخد 10% أو تؤخذ الشفعة بينهم حسب الرؤوس ام يأخد الاول اكثر من الثاني وهكذا. وهدا يؤدي الى تقليل أفراد الفريق بعد عدة سفقات بيع. وقد تؤدي الى شخص واحد تتركز المسؤولية فية. أما ادا تم التقسيم حسب العدد, فان العقار قد يستمر لفترة اطول.
الشريعة تحاول تركيز المسؤولية بتقليص عدد الفريق وتثبيت حجم العقار ومتى قسم العقار تحاول الشريعة ان لا يزيد الفريق.
التشاح والقسمة
كلما كبر حجم الفريق كلما توقعنا ازدياد الخلاف بين افرادة وهدا سيسيىء الى حالة العقار. فان تقسيمة الى عقارات اصغر في حالة التشاح بين الشركاء ادا لم يتضرر العقار. وهدا التقسيم سيوثق العلاقة بين الفريق والعين ولصالح العين.
هدة الحركية ادت مع مرور الزمن الى تبلور الاعراف التي غيرت مقاسات العقارات باقل تغيير عيني ممكن. أي أدت الى تلافي الهدم والبناء.
الخطة هي المكان الذي يقع تحت تصرف فريق واحد. مثلا هدة الدار خطة زيد والتي تجاورها جطة بكر, (الشكل 68) فاذا توفى زيد وورثة ابنائة وقرر احدهم بيع نصيبة ولم ياخد الاخ بالشفعة وشتراها بكر وضمها لخطتة, نقول ان هناك تغيير خطي .
القسمة نوعين :
- قسمة تفريق , هو ان يقسم كل عقار وعين على حدا. لنقل ان بكر وزيد وعمر يملكون بيت ودكان ومزرعة, فقسمة التفريق تكمن في تقسيم كل عين وعقار الى اقسام متساوية.
- قسمة الجمع وهنا يتم فرز نصيب كل فرد من الشركاء وجمعة في عقار ما, فقد يأخذ زيد الدكان وعمر المزرعة وبكر البيت.
مبادئ القسمة
- 1- يمكن للشركاء تقسيم عقارهم كيفما ارادوا دون تدخل خارجي, فالشريعة قدمت تراضي الشركاء على نتائج القسمة
- 2- اذا طلب أحد الشركاء القسمة وامتنع الآخرون فان العقار سيقسم, إذا لم يكن هناك ضرر على العقار. ان الشريعة تحاول الوزن بين حجم الفريق وحجم العين , تحاول ان تحعل العقار باكبر حجم ممكن دون إختلاف الشركاء.
- 3- اذا اختلف الشركاء في امر لا يتعلق بالقسمة فلا بد من القسمة
- 4- اذا ملك رجل عقار داخل عقار اكبر وأراد الشركاء القسمة او البيع, فلا يُجبر مالك دلك القار على القسمة او البيع. مبادىء الشريعة لا تتغير ادا كان العقار صغير او كبير, فالأساس هو العدل واحترام حرمة الفريق مهما صغر واينما وُجد عقارة.
- 5- المهايأة, وهي قسمة المنافع بين الشركاء, وهي نوعان:
- 1- مهايأة الزمان, مثلا سكن الدار مناوبة, كأن يسكن شريك سنة والاخر سنة اخرى
- 2- مهايأة المكان, ان يتفق الشريكان على السكن كليهما, او ان يزرعا ارضاً, هدا نصف والأخر النصف الأخر
فالمهايأة هي طريقة أوجدتها الشريعة للمحافظة على العقار دون تقسيمه طالما اتفق الشركاء.
انقسامية العين
ان الأعيان او العقارات على نوعين: نوع يقبل القسمة ونوع لا يقبله. فالبنسة لما يقبل القسمة فان الشريعة دفعت الشركاء للاتفاق والا وضعوا في موقف حرج. فاذا حدث نزاع مثلا بين الشركاء في عدة عقارات في مواقع مختلفة وذات قيم مختلفة تقسم كل القعارات قسمة تفريق لا قسمة جمع. اما بالنسبة للأعيان التي لا تتقبل القسمة فهناك بعض الآراء التي تقول بان الشريك يجبر على بيع ما لا يقبل القسمة اذا طلب الأخر ذلك.
القسمة وحقوق الارتفاق
لتوضيح تعامل الشريعة مع مضاعفات القسمة سنأخذ الساحة الداخلية اولا كمكان في الاذعاني المتحد (تسمى ايضا بالفناء او العرصة الداخلية او وسط الدار او الحوش) والطريق كمكان في الإذعاني الترخيصي. في قسمة ساحة الدار عموما هي انه اذا تضرر احد الشركاء من قسمة ساحة الدار فان الساحة تعامل وكانها عين لا تقبل القسمة ، ويقسم البنيان بينهم ويشتركون في الساحة، وان السيطرة الإجماعية هي الوسيلة لحل الخلاف بين الشركاء في كل فعل بباطن الطريق، والسيطرة الجماعية هي الوسيلة لحل الخلاف في كل فعل بظاهر الطريق. ونفس هذه العلاقات طبقت في الساحة.
والآن نأخذ الطريق كمكان في الإذعاني الترخيصي وتتلخص في حالتين :
- الحالة الاولى هي وصول الشركاء الى القسمة دون الاضرار باحدهم،
- والثانية هي القسمة بإضرار احدهم.
ففي الحالة الاولى لم تعترض الشريعة على قسمة العقار بحيث يصير الطريق لاحد الشركاء وحق المرور فيه لاخر او للاخرين.
اما اذا اقتسما دارا (الحالة الثانية)لان طبيعة العقار المقسوم قد لا تساعد أيضأ على وضع المرافق في الإذعاني المتحد . فقد كانت الاراء تدعوا لازالة الضرر. وقد تم ذلك بطريقتين :
- الاولى هو ان الفريق المالك المسيطر لا يحق له ان يمنع الفريق المستخدم من المرور.
- أما الطريقة الثاني لتجميد العلاقة بينهما فهي منع الفريق المستخدم من احداث اي شيىء في ذلك المرفق دون موافقة الفريق المالك. فاذا قسم أهل الدار الداخلة منزلهم الى قسمين ، واراد اهل كل نصيب منهم فتح باب في نصيبه الى الطريق لان لهم الممر، فلاهل الدار الخارجة منعهم.
والذي يتضح هو ان الممر اصبح قيد على كل من الفريقين المالك والمستخدم . وهذه العلاقة تشبه تلك التي بين الفريقين المتجاورين او المتقابلين في الشارع والمبنية على تراكم القرارات وترتيب واستقرار العلاقة بين الفرق المتجاورة على شكل حقوق او قيود متتالية (الفصل السادس) . والخلاصة هي ان الهيمنة المتوقعة بين الفريقين المستحدثين قد تقلصت، هذا ان لم تلغ تماما، وذلك بتجميد الوضع، فلا يحدث اي تغيير يضر حدهما الا بموافقة الأخر.
التغيرات الخطية
التغيرات الخطية كما شرحنا سابقا هي مجموعة تحولات الخطوط الفاصلة بين الخطط عن مواضعها الى مواضع اخرى كما يحدث عندما يبيع رجل جزءا من داره لجاره، استحداث خطوط فاصلة جديدة كما يحدث بعد قسمة العقار. وقد نتجت هذه التغيرات الخطية من حركيتين:- حركية الانقسام وحركية الضم. فنظام الوراثة في الشريعة كما رأينا كان يقسم العقارات الى اجزاء اصغر عند اختلاف الشركاء. واذا ما استمرت بعض عقارات البيئة في الانقسام جيلا بعد جيل فقد تنتهي الى أجزاء يصعب لملاكها الانتفاع منها.
كما وضحنا سابقا فقد كانت هناك حركيات مضادة تقوم بجمع ما قسم وهي الشفيعة والبيع. لذلك فقد تغيرت الحدود الفاصلة بين العقارات عبر الأجيال تغيرا كبيرا وبأفل هدم وبناء ممكن.
إن نظرة شريعة للمسقط الأفقي لأي مدينة تقليدية ستظهر التحولات الخطية بين المنزلين المرقمين ب 9 و 5 . فصاحب المنزل رقم 9 اشترى غرفتين من مالك المنزل رقم 5 او العكس. كما سنرى بان أجزاء من المنزل 18 قد تحولت للمنزل رقم 17 ، وكذلك من المنزل 39 الى المنزل 1. ومن الأمثلة الجيدة هو ما حدث بين الدارين 11 و12. فقد كانتا أساسا دارا واحدة قسمت الى دارين، ثم بعد ذلك اشترى صاحب الدار 11 جزءا من الدار 10 ، واستخدم ذلك الجزء لإنشاء مدخل جديد للطريق غير النافذ رقم 4. ومن جهة اخرى فان اكثر الحوانيت المحيطة بهذا الحي كانت في الاساس بيوتا ثم تحولت ولا زالت في تتحول الى حوانيت كما هو موضح في الصور (119-7، ص 269).
اما بالنسبة للعلو (الشكل 16،8) ، فنلاحظ ان مالك الدار رقم 9 قد قسم داره الى ثلاثة دور صغيرة (هي أ،ب،ج). سمَت حوائط عدة منازل على خط واحد مستقيم لان كل منزل ذا حدود مختلفة عن غيره. وهذا بالطبع مضاد لخطوط ملكيات العقارات في عصرنا الحالي ، حيث ترى استقامة الخط الذي يجمع سمَت حوائط عشرات المنازل مؤكدا بذلك سيطرة الفرق الخارجية. فهذه الاعوجاجات والخطوط التي قد تبدو عشوائية لم تخطط، ولكنها نمت وتبلورت من خلال الاتفاقات بين الجيران. فهي اذاً صغيت بقرارات الفرق الساكنة.
فالبيئة التقليدية في نظر الدراسين قد تبدو عشوائية غير منظمة، اما في نظر سكانها فهي بيئة مرتبة يعلمون كل صغيرة فيها لان المسؤولية كانت بايدهم هم.
وهنا مسالة هامة: وهي لينة الخطط فلا بد للبيئة من أن تتغير لتلائم متطلبات الملاك المتعاقبين عليها جيلا بعد جيل. فعائلة زيد بحاجة الى منزل اكبر لان عدد افرادها ازداد، وعائلة بكر تقلصت بسبب زواج بكر او خروج ابنائه. لذلك فقد يبيع بكر جزءا من داره لحاجته المالية لزيد الذي قرر التوسع في داره لانه حول احد بيوته الملاصقة للشارع الى حانوت، وهكذا.
فالتغير الدائم في متطلبات السكان سيؤثر على كل من أحجام العقارات وتنظيماتها الداخلية. ومقدرة البيئة على امتصاص هذه التغيرات من اهم المميزات المطلوبة في البيئة المستقرة، وهذه الميزة قد لا تتحقق في البيئة المنظمة التي تسيطر عليها جهة خارجية.
تدوين التغيرات الخطية
اكثر التحولات الخطية لم تدون لانها نتجت عن اتفاق الفرق المتجاورة، وقد تعتقد بان ما قلته عن التغير الخطي لا يتطبق الا في المناطق ذات المباني المتلاصقة، وقد تستنتج بان هذا لا يلائمنا اليوم لان مباني البيئة المعاصرة غير متلاصقة وتفصل بينها الارتدادات, فاقول: ان المسالة حركيات وتبادل حقوق، وهذه الحركيات والحقوق اوجدتها الشريعة في كل انواع البيئات. ما قلناه في الفصل الخامس عند مقارنة مدينة تونس بمدينة صفاقس او سفرنبولو بتركيا (الاشكال 1،5و2،5 والصور 13،5 الى 15،5 ص 163), فقد قلنا انه بالرغم من تضاد المدينتان من حيث الكثافة البنائية ونوعيتها الا ان هناك تشابها كبيرا بينهما من حيث الخصائص كالطرق المتعرجة وكثرة الدروب غير النافذة، وان هذا ألتشابه نتج لاستخدام المسلمين نفس الحركية قي البيئتين ، فالتواجد مستقل في البيئتين ومعظم أعيانهما في الإذعاني المتحد.
ولتلخيص هذا الفصل اقول : بينما الهبة والصدقة ونحوهما من حركيات أدت الى فِرق وعقارات ذات أحجام اصغر ،وبينما الوراثة زادت حجم الفريق ان لم يقسم العقار، الا ان جميع الحركيات ادت الى تركيز المسؤولية بالمحافظة قدر المستطاع على حجم العقار دون قسمته، ولكنها قسمت العقار عند ظهور اول خلاف بين الشركاء.
ان البيئة الناتجة عن سيطرة الفرق المستوطنة بالنسبة لأي دارس عابر هي بيئة تمثل الفقر والبؤس، وذلك لانه يرى اليوم في البيئة التقليدية مبان منهارة وشوارع قذرة، وطرقا بها قنوات مياه المراحيض تتدفق من كل مكان ، فهو يرى البيئة يتكاثر فيها السكان بشكل مخيف كما حدث في لاهور بالباكستان مثلا، وبذلك ازدادت فضلات سكان المدينة اكثر من عشر مرات. لان استهلاكنا في عصرنا الحالي يفوق استهلاك أولئك الذين بنوا البيئة التقليدية. أقول : بان ما يراه باحثنا الان هو بسبب فقدان السكان للسيطرة ، فلم يكن الحال هكذا عندما سيطرت الفرق المستوطنة على البيئة . فكيف يكون هذا؟
الفصل التاسع: مضاعفات تحول المسؤولية
إن مضاعفات تحول المسؤولية من الفرق المستوطنة إلى فرق خارجية ، ومضاعفات تحول الأعيان من نموذج إذعاني الى أخر هي كثيرة لا تحصى . ولكي يغطي هذا الفصل حقه لا بد وان يظل مفتوحاً لانه عبارة عن سلسلة من الانتقادات التي توضح بعض مضاعفات تحول المسؤولية ، كما أن هذا الفصل يوضح بعض الخصائص المتناقضة بين البيئتين التقليدية والمعاصرة . ولكن لا بد لي من توضيح سريع لمسألتين في بداية هذا الفصل:
- الاولى: هل البيئة وسيلة ام انها غاية؟،
- الثانية: فكرة مبسطة عن السيطرة في البيئة المعاصرة.
البيئة وسيلة أم غاية؟
يمكن تقسيم باحثي البيئة, بناءً على عقائدهم, الى صنفين متناقضين . صنف يرى ان البيئة غاية ، وصنف آخر يرى أنها وسيلة, البيئة غاية هو الفكر الشائع في العالم الغربي والذي اثر علينا في العالم الإسلامي. فالذين يرون ان البيئة غاية يقولون انها تعبيراً عن الحضارة الهندسية لتلك المدينة وذوق سكانها . فهم لا يروا بأساً من بناء طريق فسيح مزين بالأشجار وأعمدة الاضاءة على جانبية برغم وجود عوائل قد لا تجد ما تأكل. فهي تعبير عن قوة وعظمة وتطور الامة.
اما الذين يرون ان البيئة وسيلة فهم المقتنعون ببناء ما هو ضروري في البيئة للهدف الاول من وجود البشر وهو عبادة الله عز وجل ومن ثم الخلافة في الارض كهدف ثاني . فالإسراف في البناء مثلاً يؤدي الى مجتمع يستثمر طاقاته البشرية والمالية في ما هو اقل ضرورة للحكمة من وجود البشر . فاذا استثمرت هذه الاموال مثلاً في التعليم او الجهاد او غيره فقد يتحسن حال المسلمين. فكيف يمكن بناء بيئة منتجة ومعطاة دون اسراف وما هي خصائصها؟.
لقد اراد الله لهذه الامة ان تكون امة مجاهدة. وهذا ينطبق ايضاً على المسائل البيئية. ان جميع المبادئ البيئية تؤدي الى هذا الهدف . فقد حاولت الشريعة ان لا يظلم أي فرد مسلم في المسائل البيئية كانتزاع ملكه من غير رضى منه، فمتى قبل المجتمع بظلم وقهر احد منهم فقد رضي على نفسه بالظلم . فلا عزة لامة افرادها اذلاء وكذلك الاحياء : فتفيد يد الفرد عن الإنتاج هو تقييد ليد المجتمع. فقد قُدمت الإنتاجية عن مسائل البيئية الأخرى كاستقامة الطرق. رغم وجود الطرق المستقيمة كالتي بناها الروم بدمشق مثلاً .
كما حاولت الشريعة حل المسائل البيئية دون اللجوء الى تكوين طبقة عاملة في المجال البيئي ( كموظفي البلديات أو امانات المدن) لان هذا يستهلك من موارد الامة دون ما إنتاجية فِعليه للمجتمع, فقد حُلت مسائل البيئة عن طريق مبادئ القت المسؤولية على اكتاف الساكنين.
قد تكون القبة أمرأً مطلوباً في بعض المناطق لعدم توفر الخشب للتسقيف مثلاً ، او قد تكون مطلوبة لبعض أنواع المباني التي تتطلب بهواً كبيراً من غير اعمدة. وهذه الأحاديث عن البناء تزعج كل من درس علم الفن والعمارة (كما ان احاديث الاحياء تزعج كل من درس التخطيط) وتثير في اذهانهم سؤالاً عن دورهم في المجتمع .
للاجابة على هذا الانزعاج اقول: انه من الضروري لامة مجاهدة ان تكون بيئتها ملائمة لزيادة إنتاجيتها. فمن الضروري مثلاً ان تكون البيئة مريحة لمتطلبات المسلم العضوية كان تكون مقاساتها ملائمة لتركيبه الجسدي. ومقاسات الغرف ملائمة لمتطلبات العصر. والوصول الى مبادئ بنائية تؤدي الى تخفيض تكلفة البناء؟
العقيدتان في رؤية البيئة (كغاية ام وسيلة) أثرتا على الباحثين في دراستهم للتاريخ فكل فرد يمكن له ان يصطاد من التاريخ ما يدعم مقالته, الم تسمع العبارة القائلة ان "العمارة ام الفنون " . فكثيرة هي الكتب التي ستصتدم مع ما قلت في هذا الكتاب. ولكن هنا اسأل : الم تخضع تلك الشعوب المتقدمة بنائياً (كالروم مثلاً) لسلطان الدولة الاسلامية آنذاك؟ ألم ير المسلمون الأوائل العظمة في الفن والبناء؟. ولأن المسلمين هم الأقوياء لم يكترثوا لمعايير غيرهم, فهم الذين وضعوا المعايير لانفسهم. فالمعيار القائل "ان تقدم امة يقاس بتقدم فنها وعمارتها". معيار آتِ من مجتمع يرى ان البيئة غاية وليست وسيلة . فهم قالوا بأن بغداد مدينة مخططة، والكاتب قال بأنها قصر مدور كبير في وسط المدينة، وانها لم تستمر لانها كانت جسم غريب على المجتمع آنذاك.
الوضع المعاصر
لقد تحدثنا في الفصل الثالث عن تحول العقارات الخاصة من نموذج اذعاني لاخر بفعل قوانين الدولة العثمانية والدول العربية . فكرة تاريخية سريعة عن وصولنا لما نحن عليه الان في البيئة المعاصرة .
كما راينا في الفصل السابق فان العقارات ذات الاستخدام المشترك كالطريق والحمى وضعت في الاذعاني المتحد في البيئة التقليدية. فكيف خرجت هذه العقارات الى نماذج اخرى في وقتنا الحاضر؟ ، لقد تحولت الطرق والساحات والبيادر في العصر العثماني الى الاذعاني الحيازي, فالدولة العثمانية امتلكت وسيطرت على هذه الأراضي من خلال القوانين. فامتلاكها الاراضي المتروكة قللت من نسبة الفرق المسيطرة في البيئة، وذلك بتحويل هذه الاراضي الى الاذعاني الحيازي . اما اذا طبقت القوانين بحذافيرها لدرجة تمكن الدولة من منع الناس من غرس الاشجار في الطريق مقابل منازلهم مثلا, فان الاراضي المتروكة وضعت حينئذ في الاذعاني الترخيصي وذلك لان الفريق المستخدم لا يسيطر انما السيطرة في يد الدولة. وكما راينا في الفصل الثاني فان الاذعاني الترخيصي في البيئة التقليدية كان يمتاز باتفاق الطرفين، اما هنا فالوضع قد اختلف، فليس لمستخدم حق الموافقة ولكن عليه اتباع القوانين. أي ان خاصية الاذعاني الترخيصي تحولت من اتفاق الى الرضوخ.
بالنسبة للطريق غير النافذ فرغم ان الدولة العثمانية تعترف بملكيته لسكانه الا ان المجلة التي صدرت 1869 قلصت من سيطرة السكان. اما الوضع في الدول العربية فلقد اُصدرت قوانين حولت بموجبها الحمى والطرق غير ألناقذة من الاذعاني المتحد الى الحيازي ثم الترخيصي وذلك بامتلاك هذه العقارات. بالنسبة للطرق العامة فان الدول قد تدخلت فيها ايضا باعتبارها ملكا لهم . واعتبرتها مناطق متروكة محمية. وفي الاردن كاي دولة عربية اخرى فلقد منع قانون المدني الاردني (الصادر عام 1952)الفرد من ان يغرس شجرا او ان يحدث ابنية او ما شابه أي ان العقارات المشتركة لم تتحول فقد الى الاذعاني الترخيصي في البيئة المعاصرة ولكن تغيرت ايضا خاصية هذا النموذج فلا يوجد اتفاق بين الطرفين .
اما بالنسبة للعلاقات بين الجيران ومبدا الضرر فقد تحولت من الفريق المستوطن الى السلطة المركزية . اما بالنسبة الى نزع الملكية فلقد اعطت القوانين الدول صلاحية نزع ملكيات الافراد عن طريق البلديات، التي كانت الاداة لتطبيق القوانين في وقت متاخر من تاريخنا الاسلامي . ففي سنة 1272 صدر المنشور السلطاني العثماني الذي انشات بموجبة عدة معاهد من ضمنها مجالس البلدية.
من اهم وظائف المجلس البلدي الامور التي لها مساس بتنظيف البلدة وتنويرها ومراقبة الاوزان والمكايل وتعديل الاجور والاسعار وتنظيم مجاري مياه الشرب وقنوات المياه المالحة وذلك بما ينفع عامة شؤون البلدة. وهذه المهام تشابة ما كان يقوم به المحتسب في البيئة التقليدية ولكن في سنة 1294 صدر قانون البلديات وزاد عدد اعضاءه وتحسن الدخل للمجالس البلدية وذلك من اثمان الفضلات الحاصلة من توسيع الطرق وفتح الشوارع وغيرها, كالرسوم التي يتم استيفاؤها من اصحاب الاملاك للانتفاع من عقاراتهم من شرف الموقع. هذا بالاضافة الى رسم الرخصة للابنية ألمنشأة حديثا او التي يراد ترميمها او الى ذلك من رسوم, لتي بدات في تقيد ايدي من ارادوا عمارة الارض . فهنا ولاول مرة في تاريخ الاسلامي نرى رجلا يدفع رسما اذا اراد البناء ويدفع ضريبة عن ملكه الذي يسكنه لان لملكه شرف الموقع. أي كلما زاد دخل البلدية من ضرائب كلما زادت كمية المال بيد أولئك المسيطرين عليها. ومما زاد من سيطرة البلديات ايضا هو حق استملاك الاراضي والعقارات وبهذا كان من مسؤوليات البلديات تنظيم المدن بناءً على قواعد هندسية وفنية. فيا له من تضاد مع ما وضعته الشريعة من مبادئ اعتمدت على حقوق الفرق المستوطنه. فهنا بدأ الفريق البعيد عن الموقع بتسلم مسؤولياته لينظم البيئة, وشيئا فشيئا بدات البلديات التدخل في الاملاك الخاصة، فكانت البداية في مسائل تقنية متصلة بمبادئ السلامة كما هو الحال في سوريا عندما منع الناس من البناء بغير الحجر وهكذا تزايدت القوانين حتى وصلت الى مرجلة حماية المالك من جارة: كضرر فتح النوافذ (المطلات). فالقانون المدني المصري رقم 819 يقول لا يجوز للجار ان يكون له على جارة مطل على مسافة تقل عن متر؛ وفي سوريا فهي متران, بغض النظر عن مساحة الفتحة, فطالما ان المسافة هي 100 سم يحق للمالك فتح نافذه باي مقاص شاء. أي اذا كانت 99 سم فلن يستطيع, فالفرق بين الاباحة والمنع هو سم واحد . يا للعجب بين هذه القوانين وتلك التي كانت في البيئة التقليدية التي اعتمدت على قياس الضرر .
الارتدادات
من الأمثلة المشهورة لتدخل السلطات هو اختفاء الفناء فقد قررت السلطات ان يكون لكل مبنى فناء داخل حقوق الارض والمعروف بالارتداد ويحدد عرضة كسدس عرض الشارع او بمتر او مترين حسب الموقع ونظام المدينة. ولكن كيف تمكنت السلطات من تطبيق هذة الأنظمة فالبيئة العمرانية مترامية الاطراف؟. الاجابة هي عن طريق حرمان المخالفين لأنظمتها من توصيل الخدمات كالكهرباء والماء ...الخ. فالفناء وُضع في الإذعاني المؤقت في البيئة المعاصرة إذا المالك هو الساكن؛ وفي المشتت اذا كان مستأجراً.
وبالطبع هناك مساوئ لهذه الارتدادات التي وُجدت اصلا لتهوية المنازل, ولكنها فصلت المنازل بعضها عن بعض وبذلك:
- زادت مساحات الحوائط المعرضة لأشعة الشمس محولة المنازل الخرسانية الى أفران في فصل الصيف. هذا بالاضافة الى ان هذه النوافذ التي وضعت للتهوية, تكون دائما مغلقة لستر المنازل عن اعين الرقباء (الخصوصية).
- ومن جهة اخرى فان قوانين الارتدادات من الجهات الاربعة ساعدت على اختفاء صحن الدار, وكلنا يدرك جمال هذه الصحون واهمتيها اجتماعيا ومناخيا (الصور 9-46).
والخلاصة هي ان هذه المباني لا تطل على الخارج ولا على الداخل فهي فقدت الميزتين واصبحت اقفاسا يعيش فيها البشر.
- ومن جهة ثالثة فان الارتدادات الجانبية مساوئ اقتصادية ، فترك مترين من جانب كل منزل يعني بان هناك اربعة امتار فاصلة بين كل منزلين . أي ان كل 125 منزلا سيؤدون الى زيادة طول الطريق بمقدار نصف كيلو متر
فتصور تضخم المدينة على حجمها الحقيقي فزيادة عروض العقارات سيؤدي الى زيادة اطوال الشوارع وبالتالي الى زيادة تكلفة بنائها. فالطرق من اكثر الأماكن تكلفة في البناء والصيانة وذلك لانه يعني زيادة أطوال مواسير الماء والمجاري وأسلاك الكهرباء, ويعني ايضا زيادة الرصف والتشجير . أي ان الارتدادات التي وضعت اصلا لتهوية المنازل اتت بنتائج غالبا ما تكون سلبية وغير متوقعة .
لنتخيل التطبيق الحالي لمبادئ الشريعة (التي تحدثنا عنها في الفصلين (6،7)), في حالة الارتدادات المنزلية فماذا سيحدث؟. سيكون لاي شخص يقع منزله على الطريق الحق في تغيير دوره الأرضي الى محل تجاري اذا لم يعترض عليه احد الجيران. فاذا كان الطريق ضيقا جدا او مزدحما بحيث ان وقوف السيارات سيعرقل حركة السير فيمنعه الجيران او حتى المارة لانهم المسيطرون على الطريق كفريق واحد وبهذا يتطور العرف لمن اراد ان يحول عقاره الى محل تجاري, عليه ان يدبر امر مواقف عملائة والا فتجارته ستفشل .
التراخيص
قد قلنا ان السلطات تمكنت من تطبيق القوانين عن طريق التصاريح رخص البناء. وللحصول عليها لا بد من رسومات تصاميم المبنى ومن استيفاء جميع متطلبات وقوانين البلديات التي شملت كل ما يخطر ببالك : من تحديد اقل ارتفاع للسقف واقل عرض للدرج واقل عرض لدورات المياه ومن ما يجب ان تحويه دورات المياه من عناصر وتحديد موضع مناور العمائر ونوعيات التوصيلات الصحية والكهربائية... الخ. فقد كُتبت اطنان من اللوائح التنظيمية والمواد القانونية والكتب التفسيرية . أي ان الفريق الخارجي البعيد فقد الثقة بالفريق الساكن وهذه من اهم اسس التواجد التبعي . فلا بد من المالك الخضوع للأنظمة للحصول على التصريح الذي بدونه لن يتمكن المالك من توصيل منزله بشبكات الماء والكهرباء . وبهذا حلت الرسومات محل الاعراف في البناء وبهذا فرضت قيم اؤلئك المسؤولين الذين يرون البيئة غاية .
فلا يجوز للشخص بناء غرفة ثم مرحاض ومن ثم بناء الغرف الاخرى من بعد سنسن ثم دهان المنزل من الخارج وهكذا بالتدريج حتى يكتمل بناؤه، ولكن عليه بناء مبنى مكتمل . لنتذكر ما قولناه في الفصل الثاني في الاحياء عن البناء الذي نشا تدريجيا حسب مقدرة الفرد الاقتصادية ، أي ان هناك حركتين في البناء احداهما تتوقع من الملاك مباني مكتمله والاخرى تتوقع منهم مباني ستكتمل مستقبلا ، فاي الوسيلتين تنتج بيئة باكثر عدد من الملاك.
ومن جهة ثالثة لا يحق للمالك القيام باي تعديل على مبناه بعد الحصول على الترخيص الا بترخيص اخر وهذا القانون لا يسمح للملاك بتغير مبانيهم بعد التصاميم وبعد البدء في البناء . والواقع ان الملاك يرون اخطاء التصاميم عندما يبدا المبنى بالظهور لانه يرى مبناه الذي يحلم به امامه ولكن فرصة التغير او التعديل قد فاتت عليه.وهناك قيد اخر فلا يحق للمالك استخدام مبناه الا لما رخص له فلا يكون له فتح محل تجاري في المنطقة السكنية دون ترخيص وهكذا بدات دورة بيروقراطية جديدة في العالم العربي اسمها التراخيص ، فلا يمكن لمن اراد العمل والانتاج فعل أي شيىء الا بترخيص ولا يحصل عليه الا بشق الانفس ومتى حصل عليه لم يتمكن من تغيره الا اذا وجد وسيلة تمكنه من ذلك كالمخالفة والشعور بالذنب والرشوة للمسؤولين او ايجاد العلاقة مع مسؤول مهم ، وهكذا صاعت الحقوق وتراكمت القوانين .
والذي حدث من سيطرة على مسائل البناء طبق على كل ما يخطر بالبال من افعال قد يقوم بها السكان لكسب رزقهم سواء كان ذلك في إنشاء مزرعة او مصنع او ما شابه ذلك. سأذكر مثلا ان الباعة المتجولون منعوا من مزاولة مهنتهم ولكن أولئك لهم دور في تخليص السوق من البضائع التي أوشكت صلاحيتها من انتهاء اذ انهم يوصلون الى المستهلكين في اسرع وقت من خلال تجولهم المستمر بالإضافة إلى انهم يبعونها بأفل الاسعار لعدم تحملهم نفقات المحلات من ايجار. وما حدث هذا الا ان هناك اعتقاد شائع في اذهان المسؤولين لان التلوث مرتبط بالتجوال ، فكثير هي المحلات التي باعت الأطعمة الفاسدة وكثيرون هم الباعة المتجولون الذين ياتون بافضل المنتجات .
أي ان حركية البيئة التقليدية في توزيع المواد قد حوربت لتحل محلها حركة معاكسة وهي ذهاب المستهلكين للمنتجات وشتان بين الحركيتين من حيث الكفاءة: فاحداهما تنشر المنتجات والأخرى تجمع المستهلكين .
منع الباعة المتجولين وتشجيع المتاجر الثابتة تعمل على الإبداع المبالغ به في تصنيع المنتجات وبذلك هناك تضيع للوقت من جهة واغراء الناس للحصول على المال بطريقة غير شرعية من جهة اخرى .
البيئة المستقرة والبيئة المنظمة
انما تهدف له معظم السلطات هو إيجاد بيئة منظمة ويتم هذا بطريقتين : الاولى هي عن طريق توفير شبكات الخدمات العامة من شوارع وطرق ومياه ومجاري وعن طريق بناء المرافق الحيوية التي تحتاجها الدولة كالمحاكم والوزارات وما شابه، أي ان الدولة واجهزتها هي التي تقرر وتبني . والطريقة الثانية للوصول الى البيئة المنظمة هي السيطرة على البيئة بإصدار القوانين. بالنسبة الى الطريقة الاولى لتنظيم البيئة فان جميع البلديات تفتخر بمنجزاتها الحضارية. فقد راينا مرارا عشرات الاميال من الطرق المرصوفة المشجرة التي تمتد حتى خارج المدينة وينظر فيها المشاة. فالعبارة تجميل المدينة هي عبارة معروفة بين المسؤولين فهناك كثير من التماثيل والمجسمات الجمالية المنتشرة في المناطق العامة وهكذا. فالبيئة غاية في نظر اؤلئك المسؤولين لذلك صرفوا عليها الكثير من المال فقيمة عمود واحد للاضاءة قد تزيد عن خمسين الف دولار ورغم ذلك ترى الالاف منها في المدن حتى ولو كانت بتبرعات الافراد فهي لا زالت ثروات المسلمين. وحتى الدول الفقيرة تحاول استثمار اوال طائلة في تجميل مدنها فقيمة عمود اضاءة واحد بين المطار ومدينة بنغلادش مثلا كافي لاسكان عشرات العوائل. لنتذكر بان الجميع أعيان هذه المنطق هي في الاذعاني المشتت فالفريق المستخدم هم الناس والفريق المسيطر هم موظفو البلديات والفريق المالك هي الدولة أي ان المجتمع استثمر جزءا من ماله في الاذعاني المشتت.
لناخذ الاشجار كمثال: في البيئة التقليدية نجد ان معظم او حتى جميع الاشجار متواجدة في العقارات الخاصة أي في المناطق الاكثر استخداما كساحات المنازل والمدارس ، بينما طرقها خالية من الاشجار ، اما في البيئة المعاصرة فنجد الكثير من الاشجار في المناطق العامة وبالذات الطرق . فكل شجرة تزرع في المناطق العامة هي في الاذعاني المشتت وبحاجة لموارد مالية للاهتمام بها. فهناك شركات متخصصة لري وقص الاشجار وهذه المبالغ مصروفة هي اصراف لاموال المسلمين. من جهة اخرى تقوم السلطات باعادة تخطيط وبناء بعض المناطق في المدن لتنظيم البيئة وبالذات مراكزها. وبالطبع لا تتم هذه الا بنزع ملكيات الافارد او باصدار اوامر للملاك بتنفيذها، وذلك لان المنطقة المراد تخطيطها تعج بالسكان . على ايه حال،فهناك كثير من المسؤولين الذين يتنازلون مثلا عن قرارات المخططين تحت ضغوط مختلفة كتهديدات الشركات التي اعانتهم في الانتخابات أي انهم يخالفون التخطيط واهدافه . هناك الكثير من القصص التي تمكن فيها المسؤلون من تسير مشاريع تخدم اغراضهم الخاصة .
اما الطريقة الثانية للوصول لبيئة منظمة فهي السيطرة على البيئة من خلال القوانين اما في البيئة التقليدية فان الوسيلة متبعة هي القواعد او المبادىء الناهية التي تقول للناس مالا يفعلون. فالانسان مطلق التصرف في ملكه طالما انه لم يفعل كذا وكذا. والفرق بين الوسيلتين شاسع. فالقوانين الامرة تؤدي في النهاية الى اضعاف سيطرة الفريق الساكن لانها تقول له ما يجب عليه ان يفعل هذا بالاضافة الى انها تقلل او حتى تزيد الاتصال بين الجيران. وعلى النقيض من هذا بالمبادىء النهاية التي تقول للناس مالا يفعلون (البيئة التقليدية) ستزيد من الاتصال بين الفرق الساكنة .
الاتزان في البيئة
علم التبيؤ هو علم دراسة العلاقات بين الكائنات الحية والبيئة وقد اصبح هذا التخصص علما ياخذ بمبادئه في مجالات متعددة . فقد قام كل من هولنج وجولد بردج باسداء نصيحة للمخططين بان عليهم ان يحاولوا اكتشاف وترلافي الضرر غير المتوقع الناتج عن قراراتهم التخطيطية بدلا من السعي وراء اثبات مدى نجاح تخطيطهم. وقد ندرك ما قصده هذان العالمان من خلال المثال التالي عندما يتدخل الانسان في نظام بيئي متزن : في جزيرة بورنيوا باندونسيا ، عندما قرر العلماء قتل البعوض الذي ينقل الملاريا قامت منظمة الصحة العالمية برش القرى بمادة ددت في تلك المنطقة ورغم ان هذا رفع من المستوى الصحي للسكان الا انه في الوقت ذاته جلب معه مشاكل بيئية اخرى لم يتوقعها احد . فقد كانت هناك مجموعة من الحيوانات التي كونت نظاما بيئيا متزنا بينها فالقطط والصراصير والسحالي. فلاذي حدث هو ان الصراصير تعرضت بشكل بسيط لمادة ددت وعندما اكلتها السحالي تركزت فيها هذه المادة اكثر فاكلت القطط هذه السحالي وتسممت وماتت. والذي ظهر بعد ذلك : كثرت الفئران أي ان نظام البيئي اختل وحل مكانه نظام اخر فتكاثرت حشرات اخرى تعيش متطفلة على الفئران كالقمل والبراغيث وهذا ادى الى ظهور اخطار صحية اخرى وتفاقم الامر لدرجة ان الحل كان في انزال قطط بالمظلات من الطائرات . ومن جهو اخرى فان رش المادة ددت ادى الى قتل حشرات كانت تاكل اليرقات الفراشات وعندما كثرت اليرقات بدات تاكل اجزاء الاسقف القشية من الاكواخ التي بدات في السقوط.
بالرجوع الى امثلة مشابه من مجال التخطيط استنتج كل من هولنج وجولد بردج ان معظم التدخلات في مجال التخطيط تتصف بثلاث صفات : الصفة الاولى هي ان المشكلة تعزل عن محيطها كما حدث في المثال السابق والصفة الثانية هي ان الهدف يحدد عادة بضيق في الافق كمكافحة المرض في المثال السابق والصفة الثالثة هي ان تدخل لحل المشكلة غالبا ما يكون بسيطا ومباشرا كما كان رش المادة المبيدة في المثال . لنتذكر ما قلناه في الفصل الثالث عن الاجارة في مصر هذه الصفات الثلاثة تتوفر في تدخل الدولة في الايجارات فبدل ان تحل ازمة الاسكان تفاقمت وتشتت مسؤولية العقارات المستاجرة وسائت احوالها . لذا يمكن القول بان السبب وراء هذه النتائج غير المتوقعة هو ان البيئة العمرانية معقدة جدا بانها مكونه من عدة نظم اقتصادية وجغرافية واجتماعية متداخلة في عدة مستويات مختلفة يعتمد كل منها على الاخر وهذه النظم تعتمد على احداث غير مرئية وغير متتالية. أي ان من صفات النظم في العادة امتصاص التدخلات البسيطة المتتالية ورفض التدخلات الكبيرة المفاجئة ، القوانين التي تصدرها السلطات لتنظيم البيئة هي تدخلات فجائية وذات نطاق كبير .
فهناك الكثير من الاشياء ذات الوظائف المخفية التي لا نراها كتعرج خطوط الملكيات البيئة التقليدية فحتى يكون هناك مجتمع منتج لا بد من اتاحة الفرصة لجميع افراده وازالة جميع العقبات ومن اهمها العقبة الاقتصادية التي تقف في وجه من اراد العمل وايجاد المكان لذلك كالمصنع او المكتب او المحل التجاري او المنزل . وحتى يتمكن كل من كانت لديه الهمة في الانتاج لا بد وان تكون التركيبة الاقتصادية في المجتمع تركيبة لا تجعل للارض قيمة فاذا اراد المجتمع تذليل هذه العقبة الاقتصادية لا بد من ايجاد نظام يتمكن فيه المجتمع من تمليك من لديهم الهمم الارض دون عقبات وهذا النظام هو الاحياء . فعندما نرى اعوجاج الخطوط الفاصلة بين العقارات علينا ان ندرك بان لهذه الخطوط وظيفة (كما كان للقطط وظيفة) .
ظهور قيمة شرائية للارض قيدت ايدي الناس لارتفاع اسعارها وبهذا ظهرت البطالة وتاثر الاقتصاد وكثرت المشاكل الاجتماعية من الفقر الناتج عن البطالة وقل انتاج المجتمع. اذا ارادنا بيئة عمرانية تنمو بالتزان ودون أي تدخل خارجي بحيث يكون لكل فريق الحرية الكاملة بالتصرف بعد التقيد بافعال من سبقوه فيجب علينا ان ننظر للبيئة على انها سلسلة متتالية من القيود.
الاتفاقات بين الفرق الساكنة
من النتائج غير المتوقعة للتدخلات الخارجية في الاتزان البيئي عن طريق القوانين هي , الغاء الاتفاقات بين الفرق الساكنه وهذا اثر في نوعية البيئه وجودتها اجتماعيا وعينيا بطريقة سلبيه . فقد تمخضت عن اتفاقات نقاط التماس في البيئه التقليديه ( مجرى الماء والحائط المشترك ) ربط الفرق المتجاوره من خلال الاعيان المشتركه بينهم. وكما رأينا فقد وضعت الشرريعه هذه الاعيان اما في الاذعاني الترخيصي المتميز بالاتفاق ببين الطرفين, وإما في الاذعاني المتحد المتميزباشتراك افراد الفريق في المصلحه . فعدم وجود القوانين يؤدي الى ظهور الخلاف بين الفرق الساكنه والذى ينتهي بالاتفاق عادة , وضرر هذا اقل بكثير من ضررايجاد قوانين بيروقراطيه تؤدي الى تشتت وتبعثر المسؤوليه والى سوء حالة الاعيان , اى أن البيئة ستستقر بالاتفاقات بين الجيران إذا لم توجد القوانين وإلا فالفوضى ستعم البيئه بأن يأكل القوى الضعيف , ولكن الشريعه ضمنت عدم حدوث ذلك بوضع السيطره في أيدى جميع الناس بالتساوى . هذا من جهه , ومن جهه اخرى فأنني لم أتحدث عن الخلافات الا بأنها دونت . فمعظم الحالات لم تدون بأنها مبنيه على الاتفاق بين الجارين أصلاًً . ورغم ان هذه القوانين اصدرت بعد دراسات مستفيضه الا أنها لاتشبع الرغبات المختلفه . لذلك نقول بأن سياسة البيئه المعاصره هي حل واحد مفروض على الكل , وسياسة البيئه التقليديه هي حل مختلف لكل حاله . ولكن إذا كانت سياسة البيئه التقليديه حلاً مختلفاً لكل حاله وكان للناس حرية التصرف الكامله , لماذا اذاً هذا التجانس الكبير بين مباني البيئه التقليديه ؟ .
الأعراف
إن العرف يحتمل ثلاث معاني بالنسبه للمسائل ألبيئية . الأول هو ما يقصده الفقهاء في استنباط الأحكام فيما ليس فيه نص من المسائل العامه التي قد تؤثر في البيئه العمرانيه كعتدة اهل بلدة ما . والمعنى الثاني للعرف هو اقرار الشريعه بما هو متعارف عليه بين الجيران لتحديد الاملاك والحقوق . وقد تحدثنا عنه في الفصل الثاني وقلنا بأنه لم تكن هناك صكوك لتدوين حدود وحقوق كل عقار في البيئه التقليديه , ولكن المجتمع إعتمد على الاعراف بين السكان . الاحتمال الثالث بمعنى العرف هو الانماط البنائيه , وهو اكثر الانواع تأثيرا في البيئه العمرانيه . فعندما يتصرف الناس بالبناء بطريقه متشابهه نقول بأن هناك عرفاً بنائياً او نمطاً ما . فسكان منطقه ما قد يستخدمون مواد بناء متشابهه فيكثر الخشب في واجهات مدينة جده مثلاً ويندر في واجهات مدينة الرياض , وقد يضع السكان بعض الغرف في مناطق معينه من منازلهم بطريقه متشابهه , فالكل يضع المجلس بجانب المدخل في هذه المدينه , والكل يضعه في الدور الأعلى بجانب بهو الدرج في تلك المدينه . لذلك نعرف العرف بأنه مجموعه من الافعال المتشابهه في منطقه ما , في زمن معين والمؤديه الى نمط بنائي معروف . ولتوضيح دور الأعراف في صيافة البيئه التقليديه , لنتذكر وقوف المصلين حول الكعبه في الحرم المكي , فهم قبل الصلاة يطوفون حول الكعبه ةوبطريقه لاتبدو منظمه , وعند إقامة الصلاه ترى الجميع قد أخذوا اماكنهم مكونين حلقات دائريه منتظمه حول الكعبه وكل هذا يحدث بأقل من دقيقه . وما حدث هذا بهذه السرعه والكفاءه الا لأن كل مصلي يعرف تماما ماعليه فعله . فتصور ان المصليه لايعرفون كيف يقفون وان جهه خارجيه ما تحاول تنظيمهم , فكم من الوقت ستستغرق هذه العمليه ؟ , وهكذا الاعراف في بناء البيئه , فكل فرد يعرف دوره في البيئه التقليديه سواء كان مالكاً او بناءاً او مستخدماً . لقد تشابهت القرى في كل المستويات , من إحتيار الموقع والشكل العام للقريه إلى طريقة بناء الأبواب تقنياً . فجميع القصور التي تقع بالقرب من وادي ضرعه جميعها محصنه ومربعة الشكل ولها أبراج للمراقبه وطرقها على شكل شبكه من المربعات التي تتفرع منها الطرق غير النافذه وتكثر بها السباطات . وكل منزل مكون من دورين وبه ساحه داخليه محاطه بأربعة الى ثمانية اعمده وتتدخله اضاءه خفيفه من فتحة الدور العلوى . وكثرة الساطات والسيطره على ضوء الساحه ادتا الى بيئه تقل بها الاضاءه وتنخفض بها الحراره . فمتوسط درجة الحراره داخل المنازل هو مابين خمسة عشر إلى ثمانية عشر درجه مئويه طوال العام بينما تصل في الخارج الى سبعة واربعون في فصل الصيف وثد ت قل الى ثلاث درجات في الشتاء ويقال أن سبب تقليل الاضاءه هو مكافحة الذباب فالسكان يعملون في الوادي ويعيشون على زراعة النخيل . فنظراً إلى اعتماد السكان على التمر في الغذاء ولأن التمريكثر عليه الذباب , وحيث أن الذباب يتلافى المناطق المظلمه ولطبيعة حرارة المنطقه وجفافها فقد اكثر السكان من استخدام السباطات وقللوا من فتحات ساحات الدور للتغلب على الذباب وتلطيف الجو وبالنسبه للاماكن داخل كل قريه فهناك تشابه عجيب : هناك مدخل واحد او مدخلان للقريه وتقع في العاده الى جهة الوادى وعند المدخل الرئيسي تقع القصبه وهي المكان الذي يجلس فيه رجال القريه يتبادلون فيه السلع مع القرى الاخرى . فهي كمجلس عام للقريه وعادة ماكانت تحفظ مقتنيات القريه في الدور العلوى من القصبه . وبالقرب من القصبه يقع المسجد والحمام وبجانبهما تقع سقيفة القريه حيث تعقد بها إجتمات القريه المهمه . وبالنسبه للاسطح فهناك اسوار تفلصل اسطح الدور بعضها عن بعض , وعلى الاسوار ابواب تمكن السكان من الانتقال من دار لاخرى عن طريق طح وبالذات بين الاقارب . وكإن السطح طريق مرتفع ويستخدم السكان الدور الأرض للبهائم اما الدور العلوي فهو لمعيشة السكان و يخزن التمر في الساباطات . و تتشابه الكره ايضا في تقنية البناء وفي طريقة الزخرفه. أي ان الاعراف ادت الى بيئه ملائمه لظروف السكان في \لك الوقت . ان العوامل التي ادت الى تطور الاعراف البنائيه او الانماط هي كثيره بلا شك ولكن ثلاثه هي الاهم , فالعالمل الاول هو الحاجه فالسكان يضيفون و يعدلون في اعيان بيئتهم لتلائم متطلباتهم أي في حدود ما يعتقدون انه مناس لهم . العامل الثاني هو الابتكار : فالفريق الساكن في الموقع الذي يعيش مشكله ما و يشعر بها في كل لحظه سيبتكر الحل المناسب . ففي منطقة الفاخريه في الرياض طلب احد سكان من البلديه ان تزيل الرصيف ليستخدمها السكان كمواقف و ذلك ان عرض الطريق كان عشرة امتار و عرض الرصيف متران من كل جانب و بذلك يكون عرض الطريق ستة امتار و هذا لا يكفي لمرور السيارات باتجاهين مع وقوفها . العامل الثالث لتطور الانماط هو المثال المقنع : فالسكان عادة ما يثقون بالحل البيئي عندما يرونه و يفهمونه و يتأكدون انه الافضل لهم . فالابتكارت السابقه قد تعجب احد السكان فيقوم ببنائه ثم ينقله ثالث و هكذا ينتشر ذلك الحل . البحث الجماعي عن الحل لقد دفعت المبادئ الناهيه للشريعه الاسلاميه الفرق المستوطنه الى ايجاد حلول افضل . فكما رأينا في الفصول السابقه عند اختلاف الفريقين الساكنين حول فتح الباب او الحانوت او تغيير مواضعهما . ورأينا في بعض النوازل كيف ان الفريق اللذي حاول تغيير مسكنه الى فرن مثلا امر بالتحايل على ضرر الدخان فاذا تمكن من ذلك سمح للفرن بالبقاء . فالفرق الساكنه تكتسب بذلك تجارب عديده تحفزها للتفكير لايجاد مخرج لمشاكلها و يوسع من دائرة تجارب المجتمع . وعلى النقيض من ذلك فان قوانين بيئتنا المعاصره الامره تضيق من تجارب المجتمع لانها لا تتيح مثل هذه الفرق المستوطنه . التقنين في البيئه المعاصره قتل التجربه فحل مكانها قانونا مستنبطا من دراسات او تجارب قد لا تكون هي الافضل لتلك الحاله و ان كان ذلك القانون مخطا او مستنبطا من اقليم اخر كما هو الحال في اكثر القوانين فان الخطا سيعم و ينتشر في البيئه . اما في البيئه التقليديه فان المالك او البناء ان اخطأ فان اخطا هو في موقع واحد يراه الكل و يعتذر منه و يكون بذلك درسا و عبره خاطئه على طريق ايجاد الحل الملائم لظروف تلك المنطقه . و كان البيئه معمل كبير للتجارب لايجاد حلول مختلفة لكل مشكلة. عندما الحل ياتي من فريق مستخدم فلا بد و ان يكون اقتصاديا في تكلفته وسهلا في تنفيذه و ملائما لظروف المنطقة ذاتها . و عند انتشار الحل سيحسنه الاخرون في تطويره الا ان يقترب الى مرحلة الكمال لظروف تلك النطقة. الحركية الثانية هي الفعل دون الترخيص : فكما راينا في الفصلين السادس و السابع فان الفريق الساكن لم يطالب باذن مسبق لفعله ، كما هو الحل في ايامنا هذه لكنه تصرف و فعل ما اراد ، فاذا ظهر الضرر و احتج الجار وثبت الضرر امر الفريق الفاعل بازالة الضرر و هذا اعطى السكان فرصة لتطبيق الابتكارات المختلفة للمشاكل المختلفة ثم اختيار الافضل من بينها لينتشر و يصبح عرفا او نمطا بينائيا. الحركية الثالثة هي الخلافات المؤدية الى بلورت الاعراف : ان تصادم المصالح بين الفرق السكانية في التواجد المستقل ادت الى بلورت الاعراف و تنقيتها فاذا اراد فريق ما تغيير وظيفة مسكنه الى مكان حداده مثلا ، و علم ان جيرانه سيعترضون على فعله، واقتنع ان مسكنه افضل موقع لهذه الصنعة فسيحاول التحايل على الضرر. فان لم يستطع ، فسيحاول اقناع جيرانه بقبول تغيير المحدث عليهم . أي ان هناك مميزات ايجابية و سلبية لموقع عقاره و صلاحيته للحدادة لا يراها الا هو لانه حداد و يعرف اسرار مهنته ومتطلباته. ثم تتابع تغيرات المساكن المجاورة الا محلات حدادة لان تلك المنطقة هي من انسب المناطق لهذه الوظيفة في المدينة. و بهذا يتغير الحي الا منطقة للحدادين. و هذا مع الوظائف الاخرى. أي ان قرار وضع الحدادين في منطقة معينة من المدينة التي بفعل الفرق السكانية، فالقرارات اتت بذلك من الاسفل الى الاعلى, وتراكمت القراراات الصغيرة وكونت القرار الاكبر. ولهذا نقول بان ال ين جددوا المواضع الوظائف المختلفة سواء كانت سكنبية او تجارية او صناعية في المدينة التقلبدية, هي الفرق المستوطنة المدركة لامكانيات موقعها, وليس المخططون او متخذين القرارات الذين اتو باحصائياتهم وجداولهم وتنبئاتهم. أما اذا لم يتمكن الحداد من الاستمرار, وتمكن السكان من ايقافة وازالة الضرر, فهذا يعني ان ذلك الموفع انسب للسكنى من الحدادة او غيرها من الوظائف, لأذلك وقف الجيران امامة, فالشد بين الفرق المستوطنة لحل مشاكلهم, أدى الى تحديد شكل المدينة من حيث توزيع الوظائف بها ضمن حدود معطيات كل مدينة وظروفها الفريدة التي تختلف عن المدن الاخرى, وهذا هو الحل الافضل , لأن اصحاب المصالح العالمين باسرار مصالحهم اختاروا تلك المناطق. ولهذا تتشابهة بعض المدن الاسلامية في توزيغ وظائفها, رغم انها لم تخطط ولم يقم احد بالسيطرة عليها, وهذا امر حير الكثير من المستشرقين. كما ان ه ذة الطريقة التي وضعتها الشريعة ستئدي الى اجياء سكنية مستوفية بالخدمات التي يحتاحها الحي, اذا طبقت بالبيئة المعاصرة. فالقوانين الامرة التي اصدرتها الصلتات منعت الابتكارات وقلصت دور وتأثير الفرق السكانية ولغت االتفاقات الامر الذي ادى الى عزل الفرق بعضها على بعض. وابختصار كلما كثرت القوانين التي تصدرها الفرق البعيدة التي قد لا تشعر بحجات الفرق الساكنة, وكلما تشددت المسؤولية, كلما ضعف العرف وتلاشى. وبالنقيض, كلما قلت القوانين المفروضة على الفرق الساكنة وتوحدت المسؤولية بيدها, كلما قويت الاعراف وتبلورت. أي أن المركزية تدمر الاعراف. فبسخام نفس المباء المناخي ( كالملقف مثلاُ) طور سكان كل اقليم, بل كل قلية, افضل حل يلائم بيئتهم وعاداتهم ومنخهم ومواردهم الاقتصادية والتصنيعية. لقد اعيدت دراسة تخطيط مدينة الرياض, واعيدت معها قوانين البئية, فالغيت الارتدادات الجانية والخلفية لبعض المناطق. الا انة في الواقع ليس الا استبدالا لمجموعة قوانين اخرى سبقتها. فالفرق المستوطنة هي التي تتحرك لحماية انفسها , لا القوانين. فستبدال القوانين باخرى لا يجدي شيئاً ولا يحسن البيئة, الا اذا اخذ المستوطن في الحسبان كفريق مسؤول.
أي تجسيد الاعراف في قوانين ومن ثم ارغام الناس على استخدامها. فأقول ان هذا ليس تجسيدأ ولكنه تجميداً, لان الناس يتغيرون, وتتغير تبعاً لذلك طريقة الحياة وطريق تفكير الناس ووسائل التقنية, ولهذا لا بد ان تتغير الاعراف. فليس من المنطق ان تستخلص القوانين من الاعراف التقليدية, ولا ان تسخلص انماطاً بنائية من المباني التقليدية كما يفعل بعض المهندسيين. تمكنت الفرق الساكنة من صياغة الاتفاقات فيما بينها فستتغير الاعراف بذلك تغيراً تدريجياً لتواكب تغير المجتمع دون أي تدخل مفاجىء لتلائم الظروف المختلفة. وأخيراً لا بد من توضيح دور المعماري في لبيئة التقليدية, فهناك شواهد تشير على انهم ابدعوا في التصاميم. فمن هؤلاء عمر الوادي مولى عثمان بن عفان, وعبدالله بن محرز الذي كان احد الذين هندسوا بغداد، وابي الوفاء البوزجاني عالم الرياضيات . الا انهم ليسوا بمعمارين في المفهوم الحديث فهم البنائون الذي اتبعوا الانماط البنائية وبالذات التقنية فهم يحومون داخل علقو العرف الذي بلورته الفرق المستوطنة .
الخطط
لقد وضحنا في الفصل الخامس التركيب الخطي للمدن الاسلامية الاولى وفي الفصل السابع اكدنا ان المناطق العامة في المدينة التقليدية كانت في الاذعاني المتحد وفي هذا الفصل راينا ان عناك تنظيما اجتماعيا بين سكان الحي او الطريق غير النافذ لعدم وجود قوانين بان السكان هم المسيطرون . وكل هذه الاشارات الى ان هناك علاقة قوية بين التركيب الخطي والتركيب الاجتماعي في المدينة التقليدية . فمن اهم المضاعفات هي تدخل السلطات وسيطرتها على البيئة تمزق التركيب الخطي الذي كان في البيئة التقلدية ومن ثم ضياع التنظيم الاجتماعي . فالحي او الحارة لم يعد لها وجود كوحدة خطية واجتماعية ، اما الشوارع والطرق غير النافذه فقد قفزت من الاذعاني المتحد الى نماذج مسؤولية اخرى من فعل القوانين. باثبات السابق لنجب على ها السؤال اولا: هل التركيبة الخطية للمدينة اثرت وكونت التنظيم الاجتماعي ؟ ام ان الذي حدث هو العكس؟ أي هل ان سكان الطرلايق غير النافذ والحارة اقاربا لانهم سكنوا في طريق واحد؟ ام ان جماعة من الاقارب اجتمعوا مع بعضهم وبنوا دورا وتركوا بينهم الطريق غير النافذ ؟ يقول لابيدوس في وصف الحارات في العصر المملوكي: قسمت المدن الى مناطق سميت حارات ومحلات او اختات وكانت هي احياء سكنية ذات اسواق محلية وكان العديد من الاحياء يكون مجمعات متجانسة ووثيقة الصلة بين افرادها. فكان في القاهرة لكل طائفة مسيحية او يهودية شارعها الخاص بها مثل الارمن والموارنة والتركمان . فتجمع القروين مع ابناء عمومتهم وهناك ايضا اسس اقتصادية يبنى عليها تجانس احياء معينة فبعض الاحياء كانت تسمى باسماء الاسواق او احدى الحرف وقد ولد التضامن في بعض المناطق عداوات شرسة بين الاحياء . نلاحظ ان لابيدوس يحاول ان يظهر المدينة الاسلامية على انها صراع طبقي ، فنظرا لنتشار فكرة الصراع بين الطبقات في الفكر الغربي بعد كتابات كارل ماركس وان هذه الصراعات تصيغ المجتمعات وتؤثر عليها . أي ان المستشرقين يقولون بطريقة غير مباشرة : ان التركيب الخطي كون التنظيم الاجتماعي والا كيف تجمعت كل هذه الفئات المختلفة كل في حارته؟. فالنسبة الى التنظيم الاجتماعي فقد وجدت في المدينة الاسلامية كل انواع الحارات بكل التقسيمات المهنية والعرقية والدينية مما يعني عدم ثبوت الحي على التنظيم الاجتماعي الواحد. وبالنسبة الى ثبوت التركيب الخطي فلقد راينا في الفصول السابقة انه غير ثابت ايضا فكيف ذلك؟. لقد استنتجنا من تكون المدن في الفصل الخامس ان المدن الاولى كانت عبارة عن خطط متجاورة وكل خطة تحوي خططا صغيرة وهكذا (انظر الشكل 9-6) وقلنا ايضا ان كل خطة تسكنها قبيلة أي ان التركيب الخطي ان ذاك هو التنظيم الاجتماعي . الا ان هذا التركيب الخطي تغير مع نمو السكان فمع الزمن امتلات الفراغات بين الخطط وتلاصقت المباني (الشكل 9-7). وكما راينا في الفصل السابع فان الفريق غير الساكن في الطريق غير النافذ يصبح عضوا في فريق ذلك الطريق بعد شراؤه لعقار فيه وبهذا تغير التركيب الخطي المبني على التنظيم القبلي بسبب التغير البنائي .
البوابات
فالابواب نوعا الاول ابواب بين خطط من نفس المستوى وهذه نادرة ، وابواب بين خطط في مستويات مختلفة وهي المنتشرة (النوع الثاني). ومن الامثلة المعروفة للابواب بين خطتين من نفس المستوى الباب بين الغرفيتين المتجاورتين في الفندق ، فحتى تتصل الغرفتان لا بد وان يتفق الطرفان على فتحه، وهذا بالطبع يختلف عن سائر الابواب بين الخطط في المستويات المختلفة (النوع الثاني) والتي تفتح او تغلق بقرار فريق واحد ومن جهو واحدة وهو الفريق الساكن. فان انتشرت مثل هذه البوابات في البيئة التقليدية هذا يعني ان السلطات لم تتدخل في شؤون الفرق الساكنة خلف البوابة ولم تتمكن من الدخول من تلك المنطقة . وتكون بالتالي صيانة تلك المناطق وبناؤها وهدمها من مسؤوليات اؤلئك الساكنين خلف البوابة . فالبوابة اذن رمز استقلالية من يسكنون خلفها وكثرة البوابات باي بيئة عمرانية دليل على التواجد المستقل . وجود البوابات تحجم الفرق المسيطرة في المدينة على المناطق العامة باحجام مختلفة تتناسب مع حجم المكان. ففريق الطريق غير النافذ اصغر حجما من فريق الطريق النافذ.
بوابات البيئة التقليدية
لقد كثرت البوابات في البيئة التقليدية واهتم السكان بها فكانت من اكثر الاعيان نقشا وزخرفة ، فكانت البوابات على انواع : بوابات للمدن وبوابات داخل المدن وبوابات تفصل الاسواق وبوابات تفصل الحارات السكنية عن الاسواق . الهدف من بناء بوابات الطرق غير النافذة هو تعليم حدود ذلك الطريق او الحي هذا بالاضافة الى ابتغاء السكان للامن . اما الهدف الاساسي من بناء بوابات الحارات والاسواق والمدن فهو الامن فقد كانت بوابات المدن والحارات تترك مفتوحة اثناء النهار وتقفل في الليل. ان ثبوت وجود البوابات من كتب التراث ومن كتب الواقع مسالة مهمة لموضوع المسؤولية . ووجود البوابات حتى اوائل هذا القرن الحالي يعني ان الامكان في البيئة التقليدية كانت في الاذعاني المتحد. فالمنازل والطرق غير النافذة والدروب والازقة والحارات والاحياء كانت كلها تحت سيطرة الفرق الساكنة وهذا يعني ان السلطات سيطرت على القليل من الاماكن العامة في البيئة التقليدية .
هدم البوابات
لقد قامت السلطات بتكسير البوابات وذلك للسيطر على الاحياء وبالذات الطرق التي بداخلها. فلان البوابة رمز للتواجد المستقل فلا بد لها ان تختفي باندثار البيئة ذات التواجد المستقل . واول تدخل السلطات حدث على يد الفرنسين في مص ولعله حدث في الجزائر قبل ذلك. ومن الامثلة الاخرى لاندثار التواجد المستقل اسماء المناطق للبيئة العمارنية ، في البيئة التقليدية كانت وصفية تصف السكان او الموقع كحالة الاكراك او ضرب النجارين . أي ان السكان في البيئة التقليدية هم الذين وضعوا اسماء الخطط بناء على هوية ساكني الخطط. اما في البيئةئ المعاصرة فقد تدخلت السلطات في التسمية وغيرتها من اسماء خطية الى اسماء ذات خطوط مستقيمة كشارع الملك الحسن او طريق الجمهورية ...الخ. وللتلخيص : لقد كانت نسبة الاماكن العامة في البيئة التقليدية قليلة جدا مقارنة بمساحة المدينة، وكانت المسؤولية واضحة في جميع الاماكن في تلك البيئة لانها في ايدي الفرق الساكنةزو أي ان البيئة مان مستقرة من حيث المسؤولية . وعلى النقيض من ذلك نجد ان البيئة المعاصرة تعكس سيطرت وهيمنة السلطات الشديدة على المناطق العامة. فجميع الاماكن الخاريجة عن المنازل تعتبر مناطق عامة تملكها وتسيطر عليها السلطة المركزية ولا اثر للبوابات فيها ويندر وجود الطرق غير النافذة وشوارعها فسيحة، فهي اذن بيئة منظمة الا ان جميع اعيان هذه المناطق في الاذعاني المشتت فهي برغم تنظيمها ليست بالضرورة بيئة مستقرة ولا بد ان يكون لكلا التركيبين المختلفين للمدينة تاثير كبير على مبادرة السكان وتصرفاتهم وهذا يؤثر على مدةى اهتمامهم واهمالهم لبيئتهم.
المبادرة والمسؤولية
لقد أثبتنا الفرق بين البيئتين التقليدية والمعاصرة من حيث المسؤولية والان نأتي لمرحلة ثانية وهي نوعية البيئة مقارنة بمبادرة الافراد واهتمامهم بالبيئة. قلنا سابقا ان هناك غريزة قوية لدى البشر بالاهتمام بما يملكون اكثر مما لا يملكون ولان جميع خطط المدينة في الإذعاني المتحد, فحال المدينة لا بد وان يكون في افضل وضع ممكن بالنسبة لإمكانيات السكان الاقتصادية والتقنية انذاك. كان هناك عدة قواعد اتبعت لتوزيع المسؤولية المشتركة للمدينة:
- على كل فرد ان يشارك في بناء وصيانة الاعيان العامة ذات النفع الجماعي كجسور المدينة. ففي عام 792 مثلاً قام سكان حلب بإعادة بناء سور المدينة.
- توزيع المهام ذات الصالح العام على السكان, مثل إضائة المدينة ومكافحة الحريق, مثل كنس الشوارع او بوضع ازيار مليئة بالماء لمكافحة الحريق.
- كل فريق مسؤول عن مخلفات أفعالة. بالنسبة لمخافات العقارات الخاصة فهي بالتأكيد من مسؤوليات السكان, وعليهم التخلص من فضلاتهم دون الاضرار بغيرهم.
- اشتراك السكان في صيانة العين او المكان وتحمل مسؤوليته, مثل الطريق غير النافذ.
هناك اتفاقا على ان صيانة واصلاح خطط المدينة التقليدية سواء كانت سكنية او طرقا او كانت أعيانا كالجسور والمساجد هي من مسؤوليات الفرق الساكنة والاختلافات هي في كيفية توزيع ذلك . أي ان فرق التواجد المستقل هي التي بادرت على القيام بمتطلبات البيئة في جميع المستويات من المنزل الى الطريق ولكن هل كان هذا هو الحل الافضل بيئيا للسكان؟.
ان القواعد السابقة التي القت المسؤولية على فرق التواجد المستقل انتجت افضل حل بيئي في ظل معطيات ظروف المكان والزمان لسكان تلك البيئات. عندما نستخدم معايير تقنية اليوم الحكم على بيئة كان المفروض ان تحتمل عشر سكانها الحاليين فان المقارنة ستكون مجحفة في حق البيئة التقليدية وفي حق النماذج المسؤولية . ففي العالم الإسلامي تدفق الناس من الأرياف على المدن بحثا عن العمل وسكن المدن التقليدية، فلم تتمكن السلطات من التعامل مع الوضع والسيطرة عليه من جهة ومن جهة اخرى فقد فقد السكان الأصليون السيطرة على البيئة التقليدية فالفريق المستوطن اصبح مشغولا وبذلك ساء حال البيئة التقليدية. ولكن اذا كانت قواعد توزيع المسؤولية المشتركة هي الأنسب الى البيئة التقليدية فهل بالإمكان تطبيقها في البيئة المعاصرة؟.
البنية الاساسية
لقد قلنا بان جميع اعيان البيئة التقليدية وضعت في الاذعاني المتحد وهذا ينطبق ايضا على البنية الاساسية ( enfrasticuar) فهي قد وضعت ايضا تحت سيطرة الفريق المالك المستخدم فلا يمكن لاحد من السكان الجدد استخدام البنية الموجودة دون اذن الملاكين المستخدمين لانها في الاذعاين المتحد وهذا يعني انها لم تكن في يوم ما مستنهكه او حملت ما لا تطيق وهذا بالتالي سيطر على الكثافة السكانية للمدينة التقليدية. وهذا عكس بيئتنا المعاصرة التي حاولت بها القوانين السيطرة على الكثافة البنائية وليس السكانية من خلال فريق بعيد لا يعلم ما يجري في الموقع. فانت ممنوع من تعليت دارك مثلا اما اذا اجرت دارك لبعض العمال وسكن بها عشرات الافراد فلا يحق لاحد منعك في ايامنا هذه رغم ان اؤلئك العشرات سينهكون البنية الاساسية للمدينة فهي في الاذعاني المشتت. برغم ان المسؤولية مشتته في التواجد التبعي لبيئتنا المنظمة الا ان الكثير من الناس يعتقدون ان البيئة ملائمة لظروف المسلمين الحالية ولكن السؤال هو: كم كلفت هذه البيئة وكم ستكلف مجتمعاتنا مستقبلا مقارنة بالتواجد المستقل؟. ان ارتفاع المبلغ المخصص لنظافة المدينة دليل على قذارة السكان واهمالهم . فعلى الشركات التي وقعت تلك العقود ان تلتقط ما يرمية اؤلئك اللامبالون بالمسؤولية ونظافة المدينة.الم ترى الكثير من الناس يرمون فضلاتهم من نوافذ سيارتهم دون ادى مبالاة بما يفعلون . فان معظم عمال النظافة ومسؤوليها قد لا يكترثون بنظافة المدينة قدر اهتمامهم بتنفيذ شروط العقد فهم ليسوا كالفريق الساكن الذي يحرص للوصول لانظف بيئة باقل مجهود. لقد عرضت سابقا اربع قواعد انبثقت من الشريعة وزعت بموجبها صيانة الامكان العامة والاعيان في البيئة التقليدية على فرق المستوطنة . والان لنتخيل ان هذه القواعد طبقت في ايامنا هذه فماذا سيحدث يا ترى؟ سيكون توفير البنية الاساسية كشبكات المجاري من مسوؤليات السكان لانهم هم المحتاجون اليها ولانها ضرورة لهم وستكون صيانة هذه البنيا من مسؤولياتهم لان تلفها سينتج من استخدامهم لها كما في الارصفة وشبكات المجاري وستكون اضاءة وتشجير الشوارع من مسؤوليات السكان ايضا فسيكون على كل ساكن ان ينير الجزء المقابل له في الطريق وتشجير ذلك المكان وهذه التخيلات مبنية على الافتراض ان الاماكن العامة ليست في الاذعاني المتحد اما اذا كانت كذلك فان السلطات لن تقوم بتسوية الطرق ولكنها قد تطلب من السكان القيام به وبذلك يكون على السكان ايضا رصف الشوارع الرئيسية وتوفير الطرق السريعة فعلى جميع السكان المساهمة في تكلفة بناء هذه الطرق او المشاركة بمجهودهم العضلي او خبرتهم الفكرية . ان تفكير بعض القراء مغروس فس اطار البيئة المعاصرة بحيث يصعب عليهم الخروج منه من التفكير بحرية ساحاول الان اخراجهم من ذلك الاطار بغض النظر عن العقبات الاقتصادية . ان البنية الاساسية في بيئتنا المعاصرة عبارة عن شبكات من الاعيان في الاذعاني المشتت وتحت سيطرة المؤسسات الحكومية كمصالح المياه والمجاري والكهرباء وهذه الشبكات ليست خطية ولكنها على شكل خطوط تشق الشوارع . كل مؤسسة حكومية تسيطرعلى جميع اعيان الشبكة التابعة لها في المدينة فهناك عمود للكهرباء وبجانبه اخر للاضاءة وثالث للهاتف ورابع لاشارة المرور ...الخ. وهذه تكاثرت لان جهات مختلفة تسيطر عيها.اما اذا كانت خطية فقد يقوم الفريق المستوطن بوضع اكثر الخدمات قدر المستطاع لعمود واحد.
مثال اخر ان الانانبيب من كل شبكات المياه والمجاري تسيران في خندقين متوازيين في الشوارع وذلك لانهما يتبعان لتخصصين مختلفين . لنتخيل ان المجاري في الاذعاني المتحد والسكان هم المسؤولون عن عملية التخلص من الفضلات فسيحاولون القاء العبىء المالي الاكبر لمن يلقي فضلات اكثر تماما كالهرباء فمن يستهلك تيارا اكثر يدفع مالا اكثر وقد يتعدى ذلك الى محاولة السيطرة على نوعية الفضلات حتى لا تتضر انانبيب وقنوات المجاري. ولان السكان هم الملاك لهذه الشبكة فان أي محاولة لتوصيل لهذه الشبكة لن تتم الا بموافقة السكان المالكين للشبكة فلا يستطيع شخص ما تعليه مبناه لان السكان سيمنعونه من تصريف فضلات سكان ذلك العلو خوفا من ازدياد الحمل على الشبكة . أي ان قرب الفريق المالك للشبكة سيؤدي الى سيطرته عليها سيطرة تامة للحفاظ عليها قدر المستطاع فالاذعاني المتحد خفض التكلفة مقارنة بسيطرة الفريق البعيد كما هو الحال في ايامنا هذه .
وضع البنية الاساسية في الاذعاني المتحد يمكن ان يؤدي الى حفر خندق واحد تدفن فيه جميع الانانبيب والاسلاك في مستويت مختلفة لان هذا التنظيم سيكون تكلفة على السكان الذين سيحاولون تلافي اكبر قدر من الحفر.
ولنفرض ان السكان لا يملكون المهارات للقيام بذلك, فالذي يحدث هو ظهور شركات صغيرة تقوم بهذة الاعمال للسكان . والذي يحدث حينئذ هو ان السكان سيحاولون الحصول على افضل نوعية من الخدمات باقل تكلفة ممكنة لانها منهم واليهم .
نظرة سريعة لاي صورة جوية للمدن المعاصرة نلاحظ الالاف من الكيلوميترات المربعة للاراضي البيضاء داخل المدن دون ما ادنى استغلال برغم توصيل الخدمات اليها والسبب في هذا هو وجود قيمة شرائية للارض ، بالاضافة الى ان هذه الاراضي تتمتع بالخدمات المجانية من الدولة وتنتظر الزبون الذي سيدفع الاكثر لاستغلالها . والتحول للاذعاني المتحد سيقلل هذا كله .
نلاحظ الكثير من المنازل الجيدة التي هدمت لا لسبب الا لان موقعها اصبح متميزا للتجارة مثلا . وهذا لم يحدث في البيئة التقليدية الا نادرا. لنفترض ان نظام الاحياء مطبق الان وبذلك لن تكون للارض قيمة الا اذا كانت في موقع متميز او لان عليها اعيان ذات قمة كمصنع او نخيل . فعندما تشتري الارض انما تشتري ما على الارض من مباني . ولان للارض قيمة تفوق ما تنتحة الارض الزراعية قام السكان باهمال ارضهم ليموت الزرع وقام البعض الاخر بحرقه حتى يتمكنوا من تقسيم الارض وبيعها ليلحقوا بركب الاثرياء . ان لم يكن للارض قيمة شرائية فلن يشتري للناس ارض بيضاء الا ان لم تكن في موقع متميز لتستغل في وظائف اخرى كبناء محل تجاري مثلا . فالناس سيحيون الاراضي الموات للسكنه ولن تشتروها فهذا امر طبيعي . وبهذا تنتشر المدن افقيا أي انها تنمو في جميع الاتجاهات الصالحة للعمران بدل ان تزدحم ببناء ادوار علوية او بالبناء في الاراضي المنخفضة . فلن تجد مدن تقتل بساتنها لتبني عليها ولن ترى فردا قد اصبح ثريا فاجئة لانه باع الارض ذات الموقع المتميز وثرائه المفاجىء سيؤثر على بعض افراد المجتمع نفسيا لانهم يودون ان يكونوا اثرياء مثله دون أي مجهود .
هل للاحياء يؤدي بالضرورة الى الطرق المتعرجة والضيقة في ايامنا هذه كما يضن البعض ؟ بالطبع لا . اذا جمعت اخي القارىء فيما قلناه في الاحياء من حريم الارض وحقوق الارتفاق نستنتج ان الطريق كان متعرجا في البيئة التقليدية لان السكان لم يحتاجوا الى مدن طرقها مستقيمة وفسيحة لانهم كانوا يستخدموا للبهائم في تنقلاتهم. اما باستخدام متطلبات اليوم فعندما يقوم شخص بالاحياء فمن المنطق ان ترسم حدود الطريق لتسع سياراته وعشرات من السيارات لان هذه الطرق هي من حريم اراضيهم المحياه . ولادراكهم ان شبكات المجاري تكلف اقل اذا كانت الشوراع مستقيمة فسيقومون بذلك لانها على نفقتهم .
التعليم
لقد كتب مفكر الماني اسمة شوماخر كتابا تحدث فيه عن العالم الثالث : ان مشكلة هذه الشعوب ليست في فقرها وقلة مواردها او عدم توفر البنية الاساسية بها ولكن مشكلتها في جهلها . ان المصنع لم ينبع من فكر شخص واحد ولكنه تطور عبر الزمن فقد بدا بداية بسيطة ثم اضيفت اليه تعديلات وبالتدريج ومن خلال التحسينات عبر عشرات السنين وصل الى ما هو عليه الان من تطور ودقة ولكن ما نراه من ذلك المصنع اليوم امام اعيننا لا يوضح لنا ما كل ما مر به من تطور واحتياجات أي ما نراه وكراس الجبل الجليدي لان الزائر من المصنع لا يرى الا راس الجبل الجليدي ولا يرى القاعدة فهناك عشرات من امثال هذا المصنع من مؤسسات لا نراها في المجتمع الغربي والذي بدونها ما نتج هذا المصنع واذا لم توجد دول العالم الثالث العشرات من مثل هذه المؤؤسات التي تدعم وجود المصنع فلن يعمل هذا المصنع على الاطلاق واذا عمل فسيكون جسما غريبا دخيلا على المجتمع الذي استورده كتلة جاهزة وسيعتد المصنع في تشغيلة على الايدي الاجنبية. وهذ هو حالنا اليوم في العالم الاسلامي فقد كان اهتمامنا الاول في مسائل البيئة أي (التركيز على راس الجبل الجليدي). أي اننا بيننا الظاهر وهو الطريق المرصوف او المطار الفخم او شبكات التصريف ونسيننا المخفي وهو من يبني الظاهر ويجعلة مستمرا وناميا . عندما نزور الغرب ونرى المنشات نعتقد اننا سنلحق بهم بمجرد بناء ما بنوه باموالنا . فما هو اذن هذا الشيىء الخفي او قاعدة الجبل الجليدي الذي يدعم الظاهر ؟ يقول شوماخر بانها ثلاث دعائم: التعليم والتنظيم والتهريب او المبادرة . التطور لا يبدا في المنشات بل بالناس وتعليمهم وتنظيمهم وتهذيبهم . فالتعليم معروف للجميع, والتنظيم هو أداة لكي يتفاهم افراد المجتمع فيما بينهم ويزيد انتاجهم, أما التهذيب فهو زرع روح الاخلاص والمبادرة للعمل . وخير مثال لاهمية هذه الدعائم الثلاث هو ما حدث في الدول التي دمرت بعد الحروب العالمية كاليابان والمانيا. فهذه الشعوب كانت تتمتع بدرجة عالية من التعليم والتنظيم والمبادرة وعندما دمرت منشاتها وقفت بعدها واعادت بناء نفسها في فترة قصيرة جدا وبطريقة افضل مما كانت عليه قبل الحرب . فيجب علينا ان نبدا بالانسان وليس بالمنشات والخدمات التي تدلل الشعوب وتصبح امما مستهلكة. فكيف نربط التعليم اذن بعلم العمارة ؟.
استعابية البيئة
أي بيئة تتعرض لاستخدامات مختلفة من الافراد، وكل فرد له طريقته التي تناسبة في الاستخدام بناء على حاجاته ومقدراته في تطويع تلك البيئة وبناء على خياله الذي يقترح له الحلول . والمبنى الذي بني ليكون للسكن قد يتحول الى مستوصف او محل تجاري وهكذا . وكل استخدام ياتي به الفريق يعبر عن جاجة ذلك الفريق . ود سمي ذلك الاستخدام بالبيئة الشخصية .فاذا تمتع الفريق الساكن بحرية التصرف فستكون هذه الحرية حافزا له لتغير بيئته لتلائم رغباته المتغيرة، وبذلك يظهر عدد لا نهائي من البيئات الشخصية . أي ان الاعيان التي هي في الاذعاني المتحد لها قابلية اعلى لتلبية رغبات السكان. جميع هذه النظيرات تلتقي في نقطة واحدة وهي ان تراكم التجارب بين الاجيال هي التي اوجدت حجم الاماكن وتنسيقها من خلال الاعراف لتعطي المجتمعات بيئة ذات عطاء اكبر لتفي باكبر قدر ممكن من البيئات الشخصية. ولكن للعماري الان التدخل في التصميم لاعادة بناء بيئة ذات عطاء اكبر ؟ وكيف نستفيد من تجارب من سبقونا بنائيا ؟.
ما العمل؟
هناك اقتناع ان التخطيط مجال مبني على وضع اهداف مستقبيلة وخطوات للوصول لتلك الاهداف. وهذا مستحيل كما وضحنا سابقا بالامثلة لاستحالة توقع ما يمكن ان يحدث في المستقبل رغم نجاح بعض التخطيطات المدن هنا وهناك ، فلا احد يعلم او يسيطيع قياس نتائج ما اذا طبقت الشريعة في تلك المدن المخططة ؟ أي هل ستكون نتائج ذلك التخطيط افضل، ام ان نتائج تطبيق الشريعة افضل ان اتيحت لها الفرصة وطبقت في المدن التي خططت ؟ ومن جهة اخرى فان نجاح تلك المدينة المخططة ستكون على حساب مدن اخرى لان ذلك التخطيط سيستنزف من موارد الامة على حساب مواقع اخرى ، اما تطبيق الشريعة فسيؤدي الى تحسين حال الكل. ومن أهم مشاكل التخطيط انهم بحاجة الى التنفيذ وهذا بحاجة الى السيطرة وهذه تكسر معادلة العدل وينهار الوضع .لاعطاء بعض الامثلة: ان نظريات التخطيط اتية من الغرب وجذورها مغروسة في وحل منطق العدالة والحقوق عندهم ولقد راينا ان هذا لا يكون في البيئة الاسلامية وحيازة الضرر تعني ان عقارا افضل من عقار اخر أي لا تساوي هناك وهذا منطق مرفوض لدى الغربين الا انه ضرورة لا بد منها اذا ما اريد من نظام الاحياء التطبيق لتبقى الارض دون قيمة مادية . جميع نظريات التخطيط المعاصرة مبنية اساسا على العامل الاقتصادي . واسعار الاراضي هي من اهم شراين الاقتصاد في التخطيط . فاي تخطيط لا يعتبر العامل الاقتصادي في النظام الراسمالي هو تخطيط فاشل ولقد راينا كيف ان ذلك كان مختلفا في المدينة الاسلامية ، حيث ان النظانم الاقتصادي هو ان الارض ليست ذات قيمة شرائية الا اذا كانت ذات موقع متميز . وراينا كيف ان الاحياء انتقص ايضا من اسعار تلك الاراضي ذات الموقع المتميز . كما ان النظام الراسمالي يعتمد على استثمار المال كيفما كان لذلك فهو شديد الانتاج وفي الوقت نفسه يتصف بالعمى ازاء الخير. بالنسبة الى النظريات النابعة من الدول الاشتراكية فلا داعي للخوض فيها قد ماتت في مهد حضارتها . والاسلام وضع في ايدينا اقوى نظام كما راينا وقد ان الاوان لننظر الى تراثنا التخطيطي بجدية اكبر . اما بالنسبة الى علم العمارة الوضع مختلف بعض الشيىء وذلك لانه تخصص متعلق بموقع غالبا اكثر من تخطيط بيئة بكاملها ، فاذا كانت هناك اخطاء فهي اقل الى من اخطاء اتخاذ قرار تخطيطي. اذا اراد المعماري تحسين بيئتة والتي تغيب فيها الاعراف وتطبيقات الشريعة, فعليه ايجاد الاعراف الملائمة لعصرنا . فكيف نوجد الاعراف . ان العراف البنائية في البية التقليدية كانت وسائل مكنت الجميع من البناء ولكن كان لكل نوع من المباني عرفة الذي يميزه. فهناك اعراف للمسجد ، للمدرسة، للدار وهكذا.الا ان هذه الاعراف تجمعت من اعراف اخرى استخدمت في جميع المباني فعرف اتصال الغرف بساحة الدار هو عرف استخدم في كل المباني وعرف المشربيات وعرف مساخة الرواق وشكله حول الفناء الداخلي ، الاعرف التقنية كطريقة بناء القبة مثلا . أي ان الاعراف سلسلة من المعلومات التي تسخدم لاي موقع ، وعلى البناء اختيار بعضها بالاتفاق مع الفريق المالك والمسيطر للمبنى. فالاختلاف بين المباني ليس في العرف ولكن في طريقة تجميع هذه الاعراف ليتكون المبنى. وهذا عكس ما يحاول ان يفعلة المعماري اليوم فطريقته في التصميم هي الابتكار قدر المستطاع وليس النقل والتجميع كما فعل بناؤوا البيئة التقليدية. فالوظيفة للمبنى كما راينا في البيئة التقليدية او المعاصرة دايمة التغير فالمنزل يتحول الى مكتب والمدرسة الى فندق باستثناء بعض الوظائف كالمساجد وهذا عكس ما يقوم به المعماريون اليوم ، والنتيجة هي مباني غير قابلة للتغير وهذا اهدار لثروات المسلمين . فهم يتحدثون عن وظيفة واحدة ولا يتعاملون معها كعامل متغير . وهذا متوقع لان نظيرات التصميم اتية من الغرب الذي يرى ان البيئة غاية. ومن الواجب علينا ان نحلول الوصول لبيئة ذات عطاء اعلى باقل تكلفة ممكنة لاننا نؤمن ان البيئة وسيلة وليست غاية . لذلك علينا ان نجد وسائل تمكننا من بناء منشات ذات بيئات شخصية اكثر . من افضل التصماميم قبل التنفيذ احيانا هي من اسوء المنشات بعد البناء . وعلى النقيض، نجد ان فكرة تراكم القرارات تعني اتخاذ عدد صغير من القرارات على الواقع الموجود لان القرارات التي قبلها او هي اكبر منها قد بنيت او جربت والكل يرى مشاكلها وعيوبها ،وياتي الحل المقترح سليما وعمليا، كما ان فكرة تراكم القرارات تعني بناء الفرق الساكنة للبيئة تدريجيا ، وانها تاتي من فرق الاذعاني المتحد للك نتوقع انها افضل حل ممكن في حدود امكانيات الفريق . لقد قسمنا الاعراف التي تؤثر في البيئة سابقا الى ثلاثة انواع وقلنا ان النوع الاكثر تاثيرا في البيئة هو الاعراف او الانماط البنائية اما الان فسنقسم هذا النوع الى ثلاثة اقسام : الاول هو اعراف التصنيع فقد كانت مواد البناء صغيرة في حجمها ويمكن تجميعها لتعطي اشكالا مختلفة من الاماكن . فهي سهلة النقل الى الموقع وسهلة التركيب والكل يعلم كيف تجمع هذه المواد لتكون عينا واحدة . وهناك اعيان اخرى تركب في مكان الانتاج لصعوبة تكوينها في موقع البناء كالابواب والنوافذ . وهنا ياتي دور باحثي التقنية فعليهم ان يبحثوا عن وسائل تمكنهم من انتاج اعيان تلائم اكبر عدد ممكن من المواقع والمباني وبحيث تكون على اكبر قدر ممكن من الحلول المختلفة وان تكون سهلة في النقل والتركيب ليتمكن كل ساكن من تجميعها دون الكثير من العناء والتكلفة. والقم الثاني هو عرف الغراف: ما هي انواع الغراف ذات العطاء الاكثر؟ فما هي انسب المساحات للغراف وكم نوعا من الغراف محتاج وكيف ننسق بينها لنحصل على اكبر عطاء ممكن؟ فاذا كانت هناك غرفة ارضها 5 امتار فقد لا تكون ملائمة اذا ما قسمت لغرفيتين مستقبلا . اما اذا كانت 6 امتار فقد تعطينا غرفتين بثلاثة امتار كل منهما ويمكن استغلالهما اذا ما تغيرت وظيفة المبنى وهكذا كانت البيئة التقليدية سلسلة من عدد بسيط من الغرف ذات الاحجام المختلفة. الغرفة تزيد استيعابيتها بعم الالغرف المجاورة لها. لان الغرفة الصفيرة ستستوعب وظائف تدعم الغرفة الكبيرة . فاذا نظرنا الى مسقط افقي لمبنى حديث فستجد عددا كبيرا من الغرف ذات المقاسات المختلفة فهو عكس المباني التقليدية حيث نرى عددا محدودا من الغرف المختلفة ولكنها منسقة بطريقة تزيد من عطاءها باقل مساحة ممكنة. ومن اهم الاعراف في هذا القسم اللمسات الانسانية التي تقوم بها الفرق الساكنة لايجاد بيات شخصية. فالقسم الثالث فهو العرف لانماط المباني والفرق بين هذا القسم من الاعرافف والسابق هو ان تلك تركز على احجام الغرف وعلاقتها ببعضها واستيعابية كل غرفة. اما هذا النوع فيركز على مجموعة الغرف لتكون مبنى ما .فالساحة المكشوفة داخل المنزل مثلا تزيد من عطاء الغرف المحيطة بها لانها تجعلها مستقلة ولانها تمتص حركة الناس داخل المنى دون الحاجة لبناء الممرات ولانها تستوعب ما تحتاجة الوظائف الجديدة عند تحول استخدام المبنى من وظيفة لاخرى . قارن هذه السياسة التي تحترم الاعراف بتلك لبيئتنا المعاصرة فهي العكس تماما فالتركيز في البيئة المعاصرة على السيطرة على التصميم من خلال رخص البناء اكثر من السيطرة على مواد البنءا ومواصفاتها وبهذا تضيع الاعراف التي تبعتها الفرق الساكنة .
الفروق الظاهرة
هناك بالظاهر ثلاث فروق بين البيئتين التقليدية المعاصرة : الفرق الاول هو التجانس بين مباني البيئة التقلدية او البيئة التي تبع فيها عرفا ما لتواحد اعيانهم في التواجد المستقل وعلى النقيض فهناك تنافر بين مباني التواجد التبعي التي ادت فيها المركزية الى فرق لا تتبع عرفا ولكنها تتبع قوانين. وبهذا كانت البيئة ذات اختلافات ولن تتطابق برغم تشابهها وهذا خلاف البيئة المعاصرة حيث المباني التي بناها السكان تجدها متنافرة ولا تششابه بينها . ولان السكان التي لا عرف لهم اسطفوا مواصفات مبانيهم من كل ركن في العالم ، اما المباني التي بنتها السلطات كمشاريع الاسكان فتجدها متتطابقة تماما وتجلب الملل من كل من ينظر اليها . الفرق الثاني من حيث المظهر بين البيئتين هو ان نسبة الاماكن العامة مقارنة بتلك الخاصة في البيئة التقليدية المستقرة منخفضة جدا مقارنة بالبيئة المعاصرة وذلك لان الفرق المستوطنة هي التي تصون وتنفق على الناكن العامة فتحاول الاقلال منها قدر المستطاع فتنظر الساحات وتكثر الطرق غير النافذة والبوابات بينما تزيد مساحات المنازل والحدائق الخاصة والمدارس ونحوها مقانة بالمناطق العامة.اما في البيئة المعاصرة فتحاول السلطة المركزية الاكثار من هذه الاماكن العامة والانفاق عليها قدر المستطاع لتنظيم البيئة ، فتجد الشوارع العريضة والساحات الفسيحة بينما تقل الطرق الغير نافذة وتنعدم حقوق الارتفاق والبوابات. اما الفرق الثالث من حيث المظهر بانجذاب اعيان الامم للعقارات الاكثر استخداما في البيئة التقليدية وان انجذابها للاماكن العامة في البيئة المعاصرة .
اخيرا
لقد تميزت البيئة التقلدية فيما راينا بسهولة في التركيب مع كمال في تلبية متطلبات السكان وجمال رفيع المستوى فعلى النقيض نجد ان التصاميم المعاصرة معقدة . وبالطبع فان فكرهم عاجز عن ادراك تعقيدات البيئة فتلك البساطة والسمو في توزيع المسؤولية والكمال في البيئة التقليدية التي كان المجتمع باسره وراء بلورته يتطلب نوعا من العمق في الفهم والتجربة التي تحتاج الكثير من الوقت . هل يبرر التطور التقني وجود ما يسمى بالحركات المعمارية في العالم الاسلامي؟ ام هل التقنية وجدت لخدمة متطلبات الانسان؟ ففي العالم الاسلامي نجد مع الاسف ان الحركات المعمارية السائة في الغرب ونظرياتها المبنية على الطرز والاشكال والواجهات تشد انتباه المعمارين والمسؤولين اكثر من حاجات مجتمعاتهم بان البيئة اصبحت غاية في انظارهم. هذا الكتاب وضح في معظم اجزاءه ان الشريعو وحدت المسؤولية في ايدي الفرق المستوطنة فمبادىء الملكية والاحياء والاقطاع والاحتجار والاجاره وحيزات الاماكن في الاسواق والمساجد والاختطاط زالسيطرة الاجماعية والجماعية على الاماكن العامة والة=وراثة والهبة والشفعة كلها ادت الى توحيد المسؤولية في ايدي الفرق المستوطنة . كما ان مبدا الضرر ادى الى الافعال الضارة والافعال التي قد تضر والى حيازة الضرر الذي ادى الى تركيب الحقوق كقيود لتتراكم القرارات ولتستقر البيئة في التواجد المستقل .كما ان فرق التواجد المستقل التي ملكت اعيانا بالاذعاني المتحد كانت على صلة مع بعضها البعض عن طريق اعيان وضعتها الشريعة في الاذعاني الترخيصي كالحائط المشترك وحق المرور. والاهم من هذا كله هو ان الفرق بين البيئتين التقليدية والمعاصرة هو في نسبة الفرق المالكة والتي تسيطر وتستخدم فهي مرتفعة جدا في البيئة التقليدية بالنسبة للبيئة المعاصرة. كما راينا ان الاعراف التي صاغة البيئة التقلدية استبدلت بالقوانين التي قطعت الحوار بين الفرق الساكنة وبهذا توقفت التجارب فخسر المجتمع واختفت الاعراف. ومن جهة ثانية فان القوانين تدخلت بين الفرق كما في الاجارة وبين الفرق المتجاورة وبمنع الاتفاقات ساء حال الاعيان وتحولت المسؤولية من الفرق الساكنة الى الفرق البعيدة . بالنسبة الى حجم الفريق والذي حدث هو انعدام الاتزان بين حجم الفريق وحجم العين واصبحت الفرق ذات احجام لا تناسب اعيان البيئة وبذلك تبعثرت المسؤولية وظهرت مؤسسات للحفاظ عليها وصيانتها ودخلت البيروقراطية وجلبت معها امراضا لا تحصى من طبقات اجتماعية لا تنتج الى ايجاد قيود تكبل الايدي من اراد الانتاج وظهرت الرشاوي وما الى ذلك من مضاعفات وبذلك ظهر الفقر والتخلف والجهل والذي جلب معه الانحطاط لامة الاسلام لان افرادها اصبحوا اناسا يعيشون وراء لقمة العيش وتامين سقف ينامون تحته منشغلين رغما عنهم عن المشاركة عن احداث امتهم وبذلك سهد انصياعهم باهواء غيرهم . فبعد ان فتحت الشريعة جميع الابواب لمن اراد العمل والانتاج واقفلت كل باب يؤدي الى تشتيت ثوات المسلمين ، اتقنت بيئتنا المعاصرة عكس ذلك. هذه هي البيئة التقليدية، هذه هي البيئة الاسلامية التي نفق امامها مبهرون من اتقان تركيبها وكلما اكتشفنا سرا نتضاءل اما رفعتها معجبين بكمال نظامها البيئي . وهذا الكتاب ما هو الا خطوة واحدة للطريق الطويل لمعرفة سمو الشريعة في صياغة البيئة .