علي سعاوي
علي سعاوي Ali Suavi | |
---|---|
وُلِد | 1838 |
توفي | 1878 |
الوظيفة | معلم |
العرق | عثماني |
علي سعاوي (و. 1838- 1878)، هو ناشط سياسي، معلم، عالم أديان، وإصلاحي ومفكر عثماني. كان سعاوي من أصول يونانية، أُجبرت عائلته على الدخول للإسلام منذ أجيال. كان مدرساً في مدرسة ابتدائية في بورصة، ويلقي خطب دينية في مسجد شهزاده في إسطنبول، كتب لصحيفة مُخبر لفليپ أفندي، وعمل في مناصب مختلفة بمكاتب في سيماڤ، پلوڤديڤ، وصوفيا. كان عضواً في العثمانيون الشباب ورئيس تحرير جريدتها الرسمية. نُفي إلى كاستمامونو بسبب كتاباته المعارضة للسلطان العثماني عبد العزيز الأول.
شهدت الدولة العثمانية في القرن الثالث عشر الهجري-التاسع عشر الميلادي أحداثًا عظيمة تسببت في تغيير كبير في شكل الدولة. فمع إصدار فرمان التنظيمات عام 1839، دخلت الدولة عصرًا جديدًا على المستوى الفكري والعملي، وبدأت الإدارة العثمانية في اقتباس ونقل النُظم الإدارية والقانونية والتعليمية من أوروبا؛ رغبة منها اللحاق بقاطرة الحضارة والمدنية الأوروبية.
كانت نتيجة هذه التغيرات أن ظهرت تيارات فكرية-سياسية تُعارض الحكومة والإدارة وتطالب بإصلاحات وفقًا لاتجاهاتهم الفكرية، فكان ظهور الفكرة العثمانية، والفكرة القومية، والفكرة الإسلامية التي كان لها السبق في المناداة بالإصلاح السياسي عبر تيار عُرف في التاريخ العثماني باسم تيار العثمانيين الشباب الذي هدف إلى إصلاح النظم السياسية للدولة عبر استمداد القيم والمبادئ الحاكمة من الإسلام وتراثه، وهو تيار يتم الخلط بينه وبين العثمانيون الشباب الذين انبثقت عنهم لاحقًا جمعية الاتحاد والترقي.
كان لتيار العثمانيين الشباب العديد من الرموز يأتي على رأسهم علي سعاوي، والشاعر الأديب نامق كمال، وضياء باشا، ورغم وجود تفاوت في الأفكار بينهم قد يزداد في جوانب ويقل في أخرى إلا أنهم يشتركون جميعًا في المبادئ العريضة لأساس الإصلاح. ولكون سعاوي شخصية مركزية عند الحديث عن التيار وأفكاره، فإن التعريف به وبمكانته العلمية وأفكاره السياسية ركن لا يمكن إغفاله عند الحديث عن تاريخ التيارات الفكرية في الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سيرته
ولد علي سعاوي عام 1839 في حي جرَّاح پاشا بإسطنبول لرجل يعمل كبائع للورق، وقد التحق بالمدرسة الابتدائية كما درس في المدرسة الرشدية التي افتتحتها الدولة على النظام الأوروپي وتخرج فيها وهو في الرابعة عشرة من عمره وتم تعيينه في وزارة الحربية وهو في تلك السن. ترك سعاوي العمل في وزارة الحربية وقام برحلة للحج زار من خلالها العراق والشام ومصر والجزيرة العربية وهو في السابعة أو الثامنة عشرة، كما يذكر أنه وفي سن السابعة عشرة قام بتأليف أول عمل له وكان تعليقات على كتاب في «علم أصول الفقه» على أصول مذهب الإمام أبي حنيفة.[1]
حفظ سعاوي مجموعة كبيرة من الأحاديث النبوية، ويذكر في إحدى مقالاته التي كتبها عن تأثره بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى مقاومة الظلم ومجابهته، كما أنها أسهمت فيما بعد في تشكيل نظرته السياسية. عُيّن سعاوي مُدرسًا في العديد من المدارس الرُشدية في أكثر من مدينة مثل صوفيا وبورصة وفِلبه، وقد أثّر بخطبه التي كان يلقيها في جامع شهزاده بإسطنبول منتقدًا سياسات الحكومة مكونًا بها جمهورًا عريضًا من الناس حوله، كما كان يحضرها بعض من رجال الدولة.
عمل سعاوي في جريدة مُخبر واستخدمها كمنبر لنشر أفكاره وآرائه السياسية إلا أنها أُغلقت بسب الانتقادات التي وجَّهها للحكومة، كما تم نفيه إلى مدينة قسطمونو على إثر آرائه، فاستدعاه الأمير مصطفى فاضل باشا شقيق الخديوي إسماعيل إلى باريس لإعادة فتح الجريدة، فسافر سعاوي وتم فتح الجريدة، وصدر في عددها الأول كلمة ذَكَرَ فيها أن الجريدة عادت لتعمل وأنها تَصدُر بواسطة مجتمع مسلم يهدف للارتقاء بالتعليم والحضارة في الدولة العثمانية ومقاومة الهيمنة الأوروبية على الشرقيين؛ إلا أن الأمير مصطفى فاضل لم يكن يدفع إليه بسبب الحديث عن التعليم وتطويره بل كان غرضه انتقاد الحكومة العثمانية بشكل أساسي، لذا لم يستمر الدعم المالي للجريدة من الأمير بشكل مستمر.
أصدر سعاوي من باريس جريدة علوم التي ظهرت خلال العامين 1869 و1870 وكانت تختلف عن مخبر بطبيعة مواضيعها التي ركزّت الحديث على القضايا العلمية والفكرية دون الشأن السياسي. عاد سعاوي إلى إسطنبول عام 1876 بدعوة من السلطان عبد الحميد بعد صعوده على العرش، وقام بتعيينه كرئيس لمكتبة القصر، كما عينه كمعلم شخصي للأمراء الصغار وأضاف عليهم منصب مدير مدرسة گلاطة سراي.
فكره السياسي: السيادة والوحدة والإصلاح
دارت أفكار سعاوي السياسية الثورية حول إصلاح الدولة العثمانية من أجل استعادة قوتها مرة أخرى، فدعا إلى الإصلاح السياسي من أعلى كمدخل إلى نهوض الدولة وذلك عبر اعتماد الأفكار الأوروبية من وجود تمثيل نيابي ديمقراطي يحفظ للأمة حقها وللشريعة تطبيقها، وهو في نفس الوقت لم يقتبس هذه الأفكار من أوروبا بفلسفاتها، بل وجدها آليات يمكن استخدامها لتطبيق فلسفة الإسلام في الحكم، مع قيامه بانتقاد سياسات الدولة العثمانية من اقتباس كل أنظمة الدولة وقوانينها من الغرب.
ولسعاوي آراء في كثير من المسائل السياسية التي منها سيادة الشعب والعدالة ومكانة الخليفة في النظام العثماني، ووجهة نظر خاصة في النهوض بالدولة، فيقول عن مصطلح «سيادة الشعب» الذي ظهر في أوروبا وانتقل إلى كتابات العثمانيين: «إن المصطلح في أصله فرنسي مترجم وهو في لغته الأصلية souveraineté du peuple، لذا دعونا الآن نشرح معنى هاتين الكلمتين الفرنسيتين فما الذي تعنيه «souveraineté»؟
إن أصلها يعود إلى كلمة soprenos اللاتينية والتي تعني «أن يقوم بما يرغب»، أي سيد نفسه الوحيد، صاحب الصلاحيات المطلقة، والفاعل المختار …». وقد اعترض سعاوي على هذه السيادة فيقول إن هذه السيادة تعني «فعل كل شيء يريده الشخص بشكل مطلق» وأن هذه السيادة ليست للبشر بل لـ الله الذي يمتلك العلم المطلق والحقيقة المطلقة والسيادة المطلقة.
أما عن «العدالة»، فيرى أن العدل والحرية والمساواة تتحمل الحكومة مسئولية نشرها بين جميع أفراد الشعب وفق قواعد الشريعة الإسلامية العادلة، وإن العدالة التي تتحدث عنها السياسية الغربية ليست إلا قيمًا زائفة؛ فالعدل يجب أن ينطلق من الرأس إلى أسفل، أي يبدأ من الحكومة نزولًا لأسفل وليس العكس. أما دخول هذه العدالة حيز التطبيق فيجب أن يتم بتوازن بين الحاكم والمحكوم وأن هذا التوازن هو الذي يحفظ الحكم من أن يكون «حُكمًا مطلقًا»، وأنه في حالة سيطرة الحُكام على الشعب وميل هذا الميزان باتجاه الحكام فإن هذا سوف يزعزع استقرار النظام الإسلامي وفي هذه الحالة يجب على الشعب أن يثور لاستعادة حقوقه.
وفي حديثه عن شكل الحكومة الإسلامية يقول: «وفقًا للإسلام فإن شكل الحكومة لا يقتصر على أوامر الشريعة فقط، بل يعتمد على رؤى السياسيين والحُكماء…»، لذا فقد اقترح نظام التمثيل النيابي للأمة، وأن تختار الأمة من ينوب عنها في القيام بمصالحها، ويتولى تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، فيوضح هذا بقوله: «…فإن حقوق الشعب مضمونة بتطبيق الشريعة والأنظمة. حسنًا ومن يضمن تطبيق الشريعة والأنظمة إن لم يكن هناك مجالس نيابية؟ فإن هذا الأمر يستتبع أن تكون المجالس هي الضامن غير المباشر لحقوق الشعوب…».
وعن مسألة العرق والهوية والتحديث يقول: «…في الشرق، لا يوجد ما يسمى بالعرقية، بل يوجد التوحيد، فإن الأصل العرقي لا يعطي لك السيادة بل الهوية الإسلامية هي التي تعطيها لك، غير أن السيادة في أوروبا هي للعرق لا للدين، وهنا يختلف الشرق عن الغرب…».
وعن تقليد أوروبا في أسلوب الحياة؛ الأمر الذي يرى أنه قد أضعف الأمة العثمانية، يقول: «لكل أمة سماتها المتجذرة في دينها وعالمها المميزة لها عن الأقوام الآخرين، ولو تم هجر هذه السمات فيمكن الحكم عليها بأنها فقدت خصائصها القومية، وقامت باتخاذ خصائص وسمات قوم آخرين…». كما يقترح أن تعود الأمة العثمانية للنهوض اعتمادًا على ذاتها وتراثها وليس باستيراد الأنظمة من الخارج، فكانت عبارته: «إن الأمة العثمانية اليوم ليست بحاجة إلى التقدُم بإرشادات أحدهم كما في الأيام الماضية، وليست بحاجة كذلك إلى تأثيرات أوروبا، إنما هي بحاجة إلى تقدم داخلي اعتمادًا على قوتها الذاتية بشكل كامل».
حادثة چراغان: هل كان سعاوي جاسوسًا إنگليزيًا؟
في مايو عام 1878، اقتحم سعاوي مع مئات من مهاجري البلقان قصر چراغان حيث يقيم السلطان السابق مراد الخامس مع صيحات تتردد «عاش السلطان مراد»، فتصدى لهم حُرَّاس القصر والشرطة وفتحوا عليهم النار، فقُتل وجرح العشرات وكان نصيب سعاوي ضربة بقضيب على رأسه أردته قتيلًا في الحال.
بناء على هذه الحادثة، تناولت أقلام المؤرخين الرجل بكثير من الاتهامات، فمنهم من وصفه بالمختل عقليًا، ومنهم من وصفه بالجاسوس الإنگليزي، وقال ثالث، إنه كان ماسونيًا، بل وصل الحال بأن يتم الطعن في عِرضه كون زوجته سيدة إنگليزية. وعلى النقيض، فقد وُصف من بعضهم بالوطني وأحد دعاة القومية التركية الثائر ضد حكم السلطان عبد الحميد، وهي مجموعة آراء انبنت على تفسير خطأ مقتطَع لا يقرأ الرجل وفكره في السياق الكامل.
أما عن اتهام الرجل بأنه كان جاسوسًا إنگليزيًا، فلا يوجد عليه دليل، كما أن طلب أهل زوجته الاتصال ببنتهم عبر السفارة الإنگليزية بعد مقتل زوجها للإطمئنان عليها أمر طبيعي، ورجوعها إلى إنگلترا بعد موته لا يدل بأي شكل على عمالته، بل كل آرائه وأفكاره السياسية تدل بوضوح على إخلاص واضح للدولة العثمانية وللفكرة الإسلامية حتى آخر حرف خطّه بقلمه.
ولا نعرف بدقة ما الذي كان يدور في رأس سعاوي عند قيامه بهذه الفعلة، إلا أن العقود الأخيرة قدم فيها مجموعة مؤرخين تفسيرًا ينبني على فرضية منطقية مُدلل عليها؛ فقد أقدم سعاوي على اقتحام القصر بسبب قيام السلطان عبد الحميد بالقبول بمعاهدة سان ستيفانو التي تم توقيعها مع روسيا في 3 مارس 1878، وتم بموجبها التخلي عن قسم عظيم من أراضي الدولة في البلقان مثل انفصال البوسنة والهرسك بتأسيس حكم ذاتي، وإعطاء رومانيا والجبل الأسود وصربيا استقلالًا عن الإدارة العثمانية، فكان سعاوي يهدف إلى عزل عبد الحميد ووضع مراد بدلًا عنه لقيادة المقاومة؛ بسبب ما رآه من عدم إقدام السلطان على تقديم الدعم الكامل لمسلمي البوسنة في مقاومة الهابسبورغ، أو دعم المسلمين في «جبال رودوب» في بلغاريا ضد الروس والبلغار.
ووفقًا لتقرير كتبه السفير الإنگليزي في إسطنبول هنري لايرد – وكان له يد في الضغط على الحكومة لعزل سعاوي من إدارة مدرسة گلاطة سراي – فإن سعاوي كان يحاول مع صديق آخر له استنهاض السلطان لإعلان الجهاد وحشد المسلمين لمواجهة روسيا، وذلك في أثناء استمرار توافد المُهجَّرين على إسطنبول بعد احتلال روسيا لأراضيهم، وبقاء جزء منهم في اشتباكات مع القوات الروسية في بلغاريا رغم إبرام المعاهدة بين الدولة وروسيا، فحاول القيام بهذا الفعل رغبة في إنقاذ أراضي الدولة والمسلمين هناك، إلا أن تقديره كان خاطئًا مع الأسف، وكلفه في النهاية حياته التي بلغت تسعة وثلاثين ربيعًا فقط.
مؤلفاته
تدل مؤلفات الرجل وكتاباته وترجماته على أن لديه شغفًا معرفيًا متنوعًا، فهو يستطيع الكتابة والقراءة والتحدث بالتركية والعربية والفارسية والفرنسية والإنگليزية. وقد بدأ فترة حياته الأولى وحتى عام 1866 [وعمره حينها 27 عامًا]، بوضع 127 عملًا لم يبق منهم إلى الآن إلا أربعة أعمال فقط نُشر ثلاثة منها في سلسلة مقالات في الجرائد في حياته، والرابع تم طبعه في كُتيب بعد وفاته بأكثر من ثلاثة عقود، وهي غالبًا ترجمات وكتابات قصيرة كان يتم تداولها بين أيدي طلابه في نسختها المخطوطة.
أما أعماله الباقية، فيذكر منها محمد طاهر البورسوي في كتابه «المؤلفين العُثمانيين» 23 عنوانًا ما بين مقال وكتاب، شملت موضوعات السياسة والفقه والتاريخ والعلوم، ومنها «تاريخ كريت»، و«نصف فقيه يعني ضياع الدين»، و«علم أصول الحقوق»، و«تحريات سعاوي على تاريخ التُرك»، وذيل على كتاب «تقويم التواريخ» لحاجي خليفة ولم يُكمله، وترجمة «مختصر إحياء علوم الدين» عن الفارسية، وترجمة «ترتيب العلوم» لساچقلى زاده عن العربية، كما له ترجمة عن العربية لجزء من إحياء الغزالي بعنوان «حقوق الشوارع»، وهو من ضمن ما نجا من تراثه الذي وضعه في مقتبل حياته، وهو جزء يتحدث عن آداب الشوارع والطرقات، كما قام بنقل رسالة في أصول الفقه من العربية إلى التركية، بخلاف ما كتبه في مقالات مهمة في فترة المنفى في إنگلترا وفرنسا.
أما أكبر نتاج سعاوي حجمًا فكان دائرة المعارف التي أصدرها تحت عنوان «قاموس العلوم والمعارف» بالتركية العثمانية، وقد صدر من هذا المشروع الذي لم يُكتب له الاكتمال 5 مجلدات مُرتبة على الحروف الألفبائية، فيورد الكلمة وسطرًا تعريفيًا عنها أو بضعة سطور، ويَذكر أصلها العربي أو التركي أو الفارسي أو اللاتيني، ويذكر موقعها من خريطة المعارف البشرية وموضع استعمالها؛ إلا أن هذا المعجم يَغلُب عليه الطابع المختصر المحدود، كما أن نوعية مواده غير متصلة فقد تجد الكلمة التي تُعرِّف بعالم أو مؤرخ يتبعها كلمة تشترك معها في بداية الحرف ولكنها تتحدث عن نوع من الأطعمة.
اقتباسات
المصادر
- ^ "علي سعاوي: مفكر إسلامي في عهد التنظيمات العثمانية". إضاءات. 2018-03-22. Retrieved 2018-06-26.