صلاح جاهين
صلاح جاهين | |
---|---|
وُلِدَ | 25 أكتوبر 1930 |
توفي | 21 أبريل 1986 |
الجنسية | مصري |
المهنة | شاعر، رسام، ممثل وموسيقي |
محمد صلاح الدين بهجت أحمد حلمي بالإنجليزية Salah Jahin ، المشهور بـ صلاح جاهين (25 ديسمبر 1930 - 21 إبريل 1986 م) شاعر ورسام كاريكاتير وسيناريست مصري التحق بكلية الفنون الجميلة ثم تركها ليلتحق بكلية الحقوق بناءً على رغبة والده والذي كان يعمل بسلك القضاء.
كتب أولى قصائدة عام 1936 في رثاء الشهداء مظاهرات الطلبة في المنصورة.ولم تظهر موهبة الرسم الكاريكاتيري عنده إلا في سن متأخرة.تأثر جاهين بعمل والده كقاضي يجوب المحافظات المختلفة في معرفته بنمط حياة ولهجات مختلفة في مصر.
بدأ صلاح جاهين حياته العملية فى جريدة بنت النيل، ثم جريدة التحرير. وفى هذه الفترة أصدر أول دواوينه "كلمة سلام" فى عام 1955.وفى منتصف الخمسينيات بدأت شهرته كرسام كاريكاتير فى مجلة روز اليوسف، ثم فى مجلة صباح الخير التى شارك فى تأسيسها عام 1957، واشتهرت شخصياته الكاريكاتورية مثل قيس وليلى، قهوة النشاط، الفهامة، درش وغيرها من الشخصيات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نشأته
ولد في شارع جميل باشا في شبرا مصر. كان والده المستشار بهجت حلمى يعمل في السلك القضائي، حيث بدأ كوكيل نيابة و إنتهى كرئيس محكمة استئناف المنصورة. درس الفنون الجميلة ولكنه لم يكملها حيث درس الحقوق.
حياته الشخصية
تزوج صلاح جاهين مرتين، زوجته الأولى "سوسن محمد زكي" الرسامة بمؤسسة الهلال عام 1955 وأنجب منها أمينة جاهين وإبنه الشاعر بهاء جاهين، ثم تزوج من الفنانة منى قطان عام 1967 وأنجب منها أصغر أبنائه سامية جاهين عضو فرقة إسكندريلا الموسيقية.
كتب عنه ابنه بهاء
فى عام 2017 كتب الصحفي بهاء جاهين يقول: رحل أبى صلاح جاهين فى الخامسة والخمسين، وأنا الآن فى الواحد والستين وحين اضبطنى متطلعا إليه رافعا رأسى إلى أعلى كطفل ينظر إلى أبيه ينتابنى العجب، ومع ذلك فمن الطبيعى أن يظل الابن ينظر إلى أبيه نظرة الصغير إلى الكبير، والكائن الأرضى إلى المثل الأعلى.
فما بالكم وذلك الأب هو من هو، ذلك الفنان والإنسان العظيم صلاح جاهين، أو محمد صلاح الدين حلمى ـ الذي رحل فى مثل هذا اليوم عام 1986 ـ كما هو مدون فى الأوراق الرسمية.
أضاف: الإنسان الوديع المتواضع الذى ينطوى فى نفس الوقت على قوة داخلية جبارة صبر وجلد واحتمال رجولى لأعباء الحياة والعمل.
استكمل: ظل صلاح جاهين طوال عهدى به يعمل أكثر من 12 ساعة يوميا ومع ذلك لم أسمع صوته يعلو فخورًا بنفسه أو متباهيا بما أنجز من أعمال، ظل وديعا كعصفور ولم يعرف الغرور يوما سبيلا إلى قلبه.
حكى لى فيما حكى وقال: حين كنت أكتب الرباعيات فى الفترة من 1959 إلى 1963 كنت أحيانا أضبط الغرور يتسلل إلى قلبى فأقوم فورا بزيارة أصدقائى الذين نشأت معهم فى روز اليوسف وصباح الخير من الصحفيين والرسامين والكتاب والذين كانوا يعاملونى كولد من ضمنهم دون تحرج عن شتمى أو استخدام الأيدى معى على سبيل الدعابة الصبيانية، وعلى الفور كان يتم علاجى وشفائى من الغرور.
أضاف: حكاية أخرى شهدتها بنفس، وليس من سمع كمن رأى ، فى أوائل الثمانينات كان المسرح القومى يستعد لتقديم مسرحية ايزيس لتوفيق الحكيم على خشبة المسرح من إخراج كرم مطاوع، وأراد مطاوع ان يجعل ذلك العرض الجديد ذا طابع موسيقى فاتفق مع صلاح جاهين على كتابة أشعار كان عددها كبيرا.
وبعد ذلك الاتفاق أصيب والدى بآلام مبرحة فى العمود الفقرى نتيجة ضغط الدهون على أعصاب فقراته، ولم يكن هناك علاج مباشر لها إلا بجعل الألم محتملا أحيانا عن طريق المسكنات، فالعلاج الوحيد الحاسم كان سيستغرق شهورا طويلة عن طريق التخلص من تلك الدهون الرهيبة المتراكمة بريجيم غذائى طويل المدى ــ وقد تم هذا العلاج فعلا فيما بعد ــ وهو السبب فى أن صلاح جاهين فقد نصف وزنه فى العامين الأخيرين من حياته.
استكمل: المهم كان على والدى إنجاز ذلك العدد الكبير من الاشعار المطلوبة للمسرحية خلال أسابيع للارتباط بموعد افتتاح المسرحية ولابد من تلحين تلك الأشعار، وتسجيل الأغانى ثم إجراء بروفات الاستعراضات.
تابع: كنت أشهد بعينى صلاح جاهين جالسا على الكرسى الأسيوطى المجاور لمكتبه يحاول احتمال الألم المبرح فى ظهره عن طريق الحقن بالنوفالجين ليقوم متحاملا على نفسه حين يقل الألم شيئا فيجلس الى مكتبه ويكتب.
استكمل: كان جاهين هو الفولاذ المحمى معبرا عن ألمه المضنى أكثر من أى شيء آخر لذلك كانت افتتاحية ايزيس يقول فيها: معدن عزمى فولاذ محمى، واختتم: أنا ما زلت أتطلع إلى أبى رافعا رأسى إلى أعلى.[1]
أعماله
أنتج العديد من الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما الحديثة مثل أميرة حبي أنا و فيلم عودة الابن الضال، و لعبت زوجته أدوار في بعض الأفلام التي أنتجها. عمل محررا في عدد من المجلات و الصحف، و قام برسم الكاريكاتير في مجلة روز اليوسف و صباح الخير ثم إنتقل إلى جريدة الاهرام.
كتب سيناريو فلم خلي بالك من زوزو والذي يعتبر أحد اكثر الافلام رواجا في السبعينيات إذ تجاوز عرضه حاجز 54 اسبوع متتالي. كما كتب أيضا أفلام أميرة حبي أنا ، شفيقة ومتولي والمتوحشة. كما قام بالتمثيل في شهيد الحب الإلهى عام 1962 و لا وقت للحب عام 1963 و المماليك 1965.
إلا أن قمة أعماله كانت الرباعيات التي كان يحفظها معظم معاصريه عن ظهر قلب و التي تجاوز مبيعات احدى طباعات الهيئة المصرية العامة للكتاب لها اكثر من 125 الف نسخة في غضون بضعة ايام. هذه الرباعيات التي لحنها الملحن الراحل سيد مكاوي وغناها الفنان علي الحجار.
علاقاته الفنية
ينظر البعض إلى جاهين على أنه متبنى علي الحجار، أحمد زكي و شريف منير. كما أرتبط بعلاقة قوية مع الفنانة سعاد حسني حيث دفعها إلى العمل مع أحمد زكي في مسلسل هو وهي.
جاهين و السياسة
كان حركة الضباط الاحرار و ثورة 23 يوليو 1952 ، مصدر إلهام لجاهين حيث قام بتخليد جمال عبد الناصر فعليا بأعماله، حيث سطر عشرات الاغاني. لكن هزيمة 5 يونيو 1967م، خاصة بعد أن غنت أم كلثوم أغنيته راجعين بقوة السلاح عشية النكسة، أدت إلى أصابته بكآبة. هذه النكسة كانت الملهم الفعلي لأهم أعماله الرباعيات و التي قدمت طروحات سياسية تحاول كشفت الخلل في مسيرة الضباط الاحرار، و التي يتعبرها الكثير أقوى ما أنتجه فنان معاصر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ذكرى عشرون عام على وفاته
قام التلفزيون المصري الرسمي بعرض مسلسل يتحدث عن رباعيات صلاح جاهين في 21ابريل 2005، و ذلك بمناسبة مرور 20 عاما على وفاته.
شاعر الثورة وفيلسوف الفقراء
لا تستطيع ان تستحضر للذاكرة العبقرى المصرى المبدع صلاح جاهين (1930-1986) الا وتحضر معه بالضرورة كوكبة من المبدعين الذين زاملوه واشتركوا معه في صنع السيمفونية الباهرة للثقافة والفنون والفكر التحررى المثير في عصر مصر الذهبى في الخمسينات والستينات من القرن العشرين. فيحضر معه بالضرورة زميلاه الشاعران أحمد عبد المعطي حجازى و صلاح عبد الصبور وكان الثلاثة يعملون في غرفة واحدة تضم مكاتبهم الثلاثة في دار روز اليوسف ويقول حجازى: "كان جاهين أكثرنا نشاطا ومرحا وحضورا، كان يرسم وينظم بالعربية وكان احيانا يغنى بعض الأغنيات الاسبانية من تراث الحرب الأهلية، بالاضافة الى أغنيات روسية، وفى تلك الغرفة سمعت من صلاح جاهين معظم أغنياته التى نظمها في الخمسينات وأوائل الستينات :ويقول حجازى انه رغم بدانة جاهين فإنه هو الذى علمه رقصة الفالس! ويقول حجازى: "لم يكن صلاح جاهين صوتا بسيطا مفردا، وإنما كان مجمع أصوات، كان صوت مصر وصوت البشرية، صوت الجماعة في الواقع وفى الحلم معا، صوت جماعة ناهضة حرة متقدمة سعيدة منتمية لحضارة العصر مشاركة في صنعها. فصلاح جاهين ليس ثمرة تراث قومى مغلق وانما هو ثمرة التراث القومى والتراث الانسانى، وهو يدين للوركا وبول إيلوار بقدر ما يدين لشوقى وبيرم التونسى."
كما لابد أن يحضر معه للذاكرة أيضا شاعر مصر الكبير صلاح عبد الصبور. ليكون هو المقابل المخالف المضاد لصلاح جاهين ربما في كل شئ، روحا وجسدا ، شكلا وموضوعا، فعبد الصبور هادئ حزين متشائم ، يكتب بالفصحى شعرا للنخبة المثقفة عاكسا ثقافة عالمية نخبوية ، بينما جاهين صاخب مرح متفائل يكتب بالعامية لعامة الشعب شعرا وغناء يفوح برياحين صبايا القرى وأحلام رجل الشارع وتعبه اليومى، دون ان يتخلى عن عمق انسانى فلسفى بالغ التأثير. ولايشترك "الصلاحان" – جاهين وعبد الصبور- سوى في أن كليهما استطاع ان يؤثر تأثيرا حاسما على جيله في مجال ابداعه. فيمكن القول أن عبد الصبور قد شكل الذائقة الشعرية والوجدانية لجيل مصرى كامل بقصيدة واحدة هى "احلام الفارس القديم"، والتى اعترف بعض رواد الشعر في الجيل التالى أنهم كانوا يجوبون طرقات القاهرة ليلا منشدين المقاطع الشهيرة لهذه القصيدة بصوت مرتفع.
وبينما قام عبد الصبور بتشكيل الذائقة الشعرية لجيل كامل من الشعراء من بعده، قام جاهين بتشكيل الذائقة الوجدانية لجيل الثورة بأكمله، شعراء وفقراء وبسطاء وعمالا وفلاحين وموظفين وعاشقين وحالمين. من هنا تأتى أهمية هذا الشاعر الشعبى العظيم، ولهذا أقوم بالمقارنة بينه وبين صلاح عبد الصبور، فبينما نال عبد الصبور تقديرا كبيرا مستحقا في الوسط الثقافى المصرى، فإن جاهين في اعتقادى لم ينل مايستحقه من تقدير يناسب انجازاته الهائلة في ميادين الابداع المتنوعة التى طرقها، من الرسم الكاريكاتورى الى شعر العامية والزجل والاغنية والأشعار المسرحية والسينمائية والفوازير التليفزيونية ومسرح العرائس والسيناريو السينمائى فضلا عن الأناشيد الوطنية التى صنع منها جاهين فنا جديدا قائما بذاته .
شاعر الثورة
بينما اجد بعض النقاد يطلقون على صلاح جاهين لقب "شاعر الثورة" لان كل ماكتبه كان يتحول الى أغنيات ثورية شعبية بصوت فنان الثورة عبد الحليم حافظ بألحان الموسيقار الفريد كمال الطويل ، وربما مع بعض التردد في اطلاق لقب شاعر الثورة عليه ، في ميل للإحتفاظ بلقب شاعر لمن يكتبون بالفصحى، الا أننى لاأجد أى محل للتردد في وصف جاهين بشاعر الثورة المصرية، فهو وحده من استطاع ان يترجم مشاعر وأحلام وأفراح ملايين المصريين الى كلمات حية متوثبة مليئة بالدفء والزهو والنشوة. فبينما كتب عبد الصبور وحجازى بعض القصائد الفصحى المعبرة عن بعض جوانب تلك الفترة، فإننا لانجد في قصائدهم تلك حرارة ولهفة وصدق المشاعر اللافحة التى نجدها في كلمات جاهين، كما وكيفا، ولعل من المفارقة ان القصيدة الوحيدة الدافئة الحس المرهفة الصدق التى كتبها حجازى في تلك المرحلة بأسرها هى قصيدته العميقة في رثاء عبد الناصر "مرثية الزمن الجميل" بينما –على العكس- كان رحيل عبد الناصر هو نهاية مرحلة الشعر الثورى لدى جاهين.
فى أشعاره "الثورية" لم يكتب جاهين شعارات باردة جوفاء بل استطاع ان يغوص في اعماق الانسان المصرى المتطلع الى عالم أفضل ليستخرج منه بكلمات عامية بسيطة وبليغة في آن واحد، أجمل ما فيه من أغنيات ومزامير راح ينثر بها البهجة والفرح الحقيقى بالفجر البهى القادم على الأفق. لم تكن في كلماته أية ظلال لافتعال سياسى او تعبوى، بل كانت مشاعر عفوية صادقة ترقص في قلبه المتفائل المحب للحياة فتتحول عبر شاعريته الأصيلة الى أناشيد للفرح والحب واللهفة المتوثبة. ولأن هذه المشاعر كانت تعبيرا صادقا عن الوجدان المصرى الجارف في تلك المرحلة، لم يكن صعبا على مبدع مرهف آخر مثل كمال الطويل أن يضع لها ألحانا نابعة من عمق الوجع المصرى الطويل وصاعدة في نبرات متسرعة لاهثة فرحة متشوقة للغد الأجمل الذى وعدت به القلوب الفائرة الثائرة.
وبهذا الصدق والفرح والتفاؤل كتب جاهين –وغنى عبد الحليم- أناشيد إحنا الشعب (56) وبالأحضان (61) والمسئولية (63) وياأهلا بالمعارك (65) وصورة وناصر وغيرها. وكان من المدهش حقا إستقبال الجماهير لهذه الاناشيد وتجاوبها معها حفظا وغناء وكأنها أغنيات في الحب والصبا والجمال وليس في الثورة والحرية والكرامة بل والسياسة الاقتصادية (على راس بستان الاشتراكية/ واقفين بنهدس ع المية/ أمة أبطال/ علما وعمال / ومعانا جمال..)
مزامير الحب والبهجة
فى نفس الوقت الذى كان يكتب فيه جاهين هذه الأناشيد الوطنية الشعبية الواعدة، كان يكتب أيضا مزامير الزهور والحب والبهجة. فهو عاشق للحياة يحبها بحس شاعر ونزق طفل وتهور شاب مقبل على مباهج الأحلام المنتظرة في فرح حقيقى. ان علاقة جاهين بالفرح علاقة اساسية حميمة.
يقول في رباعياته الشهيرة:
خرج ابن آدم من العدم قلت : ياه
رجع ابن آدم للعدم قلت : ياه
تراب بيحيا ... وحي بيصير تراب
الأصل هو الموت و الا الحياه ؟
عجبي !!!
ضريح رخام فيه السعيد اندفن
وحفره فيها الشريد من غير كفن
مريت عليهم .. قلت يا للعجب
لاتنين ريحتهم لها نفس العفن
عجبي !!!
ياما صادفت صحاب و ما صاحبتهمش
و كاسات خمور و شراب و ما شربتهمش
أندم علي الفرص اللي انا سبتهم
و الا علي الفرص اللي ما سبتهمش
عجبي !!
اتنين صباحاً
النور مـَلـوْ الشـوارع، |
ده أنا م المغرب مواعد ، |
اللي يقول : |
على اسم مصر
على اسم مصر .. صلاح جاهين
على اسم مصر
صلاح جاهين
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
باحبها وهي مالكه الأرض شرق وغرب
وباحبها وهي مرميه جريحة حرب
باحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء
واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
على اسم مصر
مصر النسيم في الليالي وبياعين الفل
ومرايه بهتانة ع القهوة .. أزورها .. واطل
القى النديم طل من مطرح منا طليت
والقاها برواز معلق عندنا في البيت
فيه القمر مصطفى كامل حبيب الكل
المصري باشا بشواربه اللي ما عرفوا الذل
ومصر فوق في الفراندة واسمها جولييت
ولما جيت بعد روميو بربع قرن بكيت
ومسحت دموعي في كمي ومن ساعتها وعيت
على اسم مصر مصر
السما الفزدقي وعصافير معدية
والقلة مملية ع الشباك .. مندية
والجد قاعد مربع يقرا في الجرنال
الكاتب المصري ذاته مندمج في مقال
ومصر قدامه اكتر كلمة مقرية
قريتها من قبل ما اكتب اسمي بإيديا
ورسمتها في الخيال على أبدع الأشكال
ونزلت أيام صبايا طفت كل مجال
زي المنادي وفؤادي يرتجف بجلال
على اسم مصر
شفت الجبرتي بحرافيش الحسين وبولاق
بان البلد ماشي زي النمس في الأسواق
بالفلاحين ع المداخل من بعيد وقريب
بالأرنؤوط بالشراكسة بكل صنف عجيب
مترصصين سور رهيب مزراق
في ريح مزراق
كأنهم لا بشـر ولا خلقـة الخـلاق
ومصر فلاحة تزرق بين رقيب ورقيب
من غير أبو الهول ما ينهض ناهضة
شايله حليب والصبح بدري الجبرتي ينام
وقلمه يسيب
على اسم مصر
والمس حجارة الطوابي وادق بكعابي
يرجع لي صوت الصدى يفكرني بعذابي
يا ميت ندامة على أمة بلا جماهير
ثورتها يعملها جيشها ومالها غيره نصير
والشعب يرقص كأنه عجوز متصابي
إنهض من القبر احكي القصة يا عرابي
يطل لي رافع الطهطاوي م التصاوير
شاحب ومجروح في قلبه وجرح قلبه خطير
وعيونه مغرورقين بيصبوا دمع غزير
على اسم مصر
مالك سلامتك بتبكي ليه يا طهطاوي
قال لك عرابي .. انكسر بسلاح أوروباوي
وسلاح أوروبا ماهواش المدافع بس
ده فكر ناقد مميز للثمين والغث
قلناها ميت ألف مرة ألف مرة بصوت جهيرداوي
بس الحماقة لاليها طبيب ولا مداوي
ولا حد م الخلق بالخطر اللي داخل حس
الغفلانين اللي خلوا العقل صابه مس
قالوا الخطر هو فكر أوروبا لو يندس
على اسم مصر
أحسنت في القول صحيح يا ولد يا متنبي
جبت اللي جوه الفؤاد عن مصر متعبى
وحكمت بالعدل لكن بعضنا انظلموا
" يا أمة ضحكت من جهلها الأمم "
العلم كان عندنا من صغره متربي
لكنه هاجر وعدى البحر متخبي
لما الإيران هجموا ثم اليونان هجموا
ثم الرومان دمروا ثم التتار هدموا
ثم الجميع كل واحد جه مسح قدمه
على اسم مصر
والديك الصفيح
م البيضه بيصيح
ويقول بالصريح
الفكر فوق في الشمال
يا الله الحقوه يا ولاد
لحقوه ولاد من ولاد الأغنيا الأسياد
وهم راجعين رموه في الباخرة
في البحرونزلوا حكموا في ظل الانجليز والقصر
ومصر في الشمس بتغربل كلام منعاد
عن ابن بنت ابن حنت وطارق ابن زياد
والانجليز راضية بالخطباء وخطب الفخر
خطيب يهز الرؤوس وخطيب يهز الخصر
وخطيب يموت موتة الأبطال قتيل القهر
على اسم مصر
هل مصر موميا جميلة صورتها فوق النعش
يعشقها مجنون ينادي عليها ولا تطلعش
هل مصر نار صفصفت والنفخ فيها محال
والأرض نشعت على رمادها استحال أوصال
سألت أنا الرافعي كان عجٌز ولا بيسمعش
لكن عينيه كانوا يحكولي قصص ما اشبعش
يقولولي ماتخافش مصر بخير وعال
العال مصر الجبرتي
ومصر الرافعي حال غير الحال
انظر محمد فريد أعظم وأرقى مثا
لعلى اسم مصر
أنا الذي مشيت ادوٌر باشتياق وحنين
على مصر .. والمشي خدني من سنين لسنين
لحد ماسنيـنهـا وسنـيني بقم واحد
وعاصرتها يوم بيوم لم فاتني يوم واحد
وحضرت شاهد عيان مولد وموت ملايين
مازعلت من كلمة قد البركة في الجايين
مين هم دول يا جدع .. ما توحد الواحد
البركة فينا وفي السامعين بالواحد
أنا قلتها بنرفزة .. من غيرة الواحد
على اسم مصر
مصر الرمال العتيقة وصهدها الجبار
والنيل كخرطوم حريقه وحيد في وسط النار
في إيدين بشر نمل رايحه وجاية
ع الضفةفيهم مطافي وفيهم كدابين زفة
وفيهم اللي تعالى وقال أنا حكمدار
وكل باب م البيبان مقفول على اسرار
وكل سر بحريقة عايزة تتطفا
من أهلي تندهلي وتقوللي تعا اتدفا
أنا اللي عمري انكتب إلى يوم ما اتوفى
على اسم مصر
القاهرة في اكتئاب والأنس عنها غاب
من عتمة تدخل لعتمة كأنها ف سرداب
أو قرية مرمي عليا ضل هجانةالحظر
م المغربية بأمر مولاناومصر في الليل بتولد
والبوليس ع الباب
صبية ولاٌدة يابا ولحمها جلاب
طلع الصباح زغرطت في السكة فرحانه
على كتفها مولودتها لسه عريانه
وف لحظة كانت جميع الدنيا دريانة
على اسم مصر
بوابات الرحيل
ولمـا عديـت بوابـات الرحـيل
وخرجت م العتبات
اتصـوبت نحـوك عيون الحرس
عيـون عنـيفة بـس من سكات
جـامدة كمـثل النحت فى التماثيل
بتـقول كمثل الغولة فى الحكايات
"يـا شاطر احـمد ربنا يحرسـك
ح تـمـر مـن بـاب سر يفقسك
معـاك سـلاح ح يدق لك جرس
ما معاك سلاح ما يدق لك جرس"
.. وان دق لك جرس
أوعى يا ولدى تخاف
ح يفتـشوك يلـقوا قلم حبر جاف
ولـما عديـت بـوابات الرحـيل
ومرقـت زى السهم فى السموات
لنجـمـك الـعالـى
قـلـبـى انفـطـر
أصـل الــضـنـى غــالـى
ابـنـى الكبـير أول وليـد جالى
مجـنون ومثـالى
رايـح يجـيب الغـرب من ديله
والفـجر من ليـله
"سـكـة سـلامة وخـطــر"
قـالـت عيون الجند والمضيفات
مـن لهـفتى سالت دموعى مطر
وانا مانعنى الطبيب
مابكيش ولو لحـظة فراق الحبيب
ح أقـول لك ايـه
الله يبـارك لك فـى هـذا السفر
يا بوابات الرحـيل
جالك منين الاسـم ده المسرحى؟
يحق لك تفرحـى
عداكـى شاعر شاب .. مثله قليل
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مسئولية الكلمة
يعرف صلاح جاهين مسئوليته كمبدع وكشاعر. كثيرا ما يشير الى الصمت في شعره كمرادف للموت، ويشير الى الكلمة كمرادف للحياة. يقول في قصيدة بعنوان "اتكلموا":
- اتكلموا.. اتكلموا.. اتكلموا
- محلا الكلام، ماألزمه، ماأعظمه
- فى البدء كانت كلمة الرب الاله
- خلقت حياه والخلق منها اتعلموا
- فإتكلموا
- الكلمة ايد الكلمة رجل الكلمة باب
- الكلمة لمبة كهربية في الضباب
- الكلمة كوبرى صلب فوق بحر العباب
- الجن ياأحباب مايقدر يهدمه
- فاتكلموا
وفى رباعية جميلة يقول:
- ياعندليب ماتخافش من غنوتك
- قول شكوتك واحكى على بلوتك
- الغنوه مش حتموتك...... إنما
- كتم الغنا هو اللى ح يموتك
فيلسوف الفقراء
ينفرد جاهين بخاصية هامة تمنح شعره –على بساطته وعاميته- بعدا فلسفيا لانعرف له مثيلا لدى شعراء العاميه الآخرين بل ولانعرف له مثيلا لدى شعراء الفصحى المصريين، فيما عدا رفيقه صلاح عبد الصبور الذى إتسمت معظم أشعاره بأبعادها الفلسفية والانسانية الشاملة. وهنا ايضا –وعلى الأخص- لم يحصل جاهين على حقه من التقدير، بسبب النظرة العدائية من الوسط الثقافى النخبوى للعامية، وربما بسبب التحيز للفصحى والخوف عليها، مع قدر من عدم التصديق لإمكانية ان تقول العامية الدارجة معان تقرب من مدار الفلسفة المقدس. ولكن لايصح ان يمنعنا مثل هذا الموقف الاستعلائى الزائف والخائف من ان نخوض في رفق وحدب في أعماق أشعار جاهين لنكتشف مابها من جواهر فكرية ووجدانية بديعة. فإنك لتجد في رباعياته أصداء لفلسفة سارتر الوجودية ولمواقف البير كامي في اغترابه ولجرأة نيتشه الذى لم تكن فلسفته سوى شعرا مكثفا. بالإضافة الى نهل جاهين من التراث الفلكلورى المصرى والعربى الاسلامى والمسيحى. ومزجها كلها في صوت صادق متفرد هو صوته وحده. ولننظر الى بعض رباعياته التى يمكن اعتبار كل رباعية منها أطروحة فلسفية كاملة تطرح كل منها أحد الأسئلة الوجودية الهامة في تصوير بالغ الإيجاز والإيحاء والدهشة:
- عيد والعيال اتنططوا ع القبور
- لعبوا استغماية ولعبوا بابور
- وبالونات ونايلونات شفتشى
- والحزن ح يروح فين جنب السرور!
- عجبى
- الدنيا صندوق دنيا.. دور بعد دور
- الدكة هى .. وهى كل الديكور
- يمشى اللى شاف ويسيب لغيره مكان
- كان عربجى او كان امبراطور
- عجبى
- أنا شاب لكن عمرى ولا ألف عام
- وحيد ولكن بين ضلوعى زحام
- خايف ولكن خوفى مني أنا
- أخرس ولكن قلبى مليان كلام
- عجبى
- علمى ان كان الخلق من أصل طين
- وكلهم بينزلوا مغمضين
- بعد الدقائق والشهور والسنين
- تلاقى ناس أشرار وناس طيبين
- عجبى
وكان هذا الفيلسوف الجميل مفتوح القلب سريع البديهه. وأذكر اننى استمعت اليه مرة في برنامج إذاعى اسمه "جرب حظك" سأله فيه مقدمه عباس أحمد: من في رأيك أعظم رسام كاريكاتير في العالم؟ فأجاب جاهين الذى كان بدينا، قصيرا، أصلعا، وكأنه كرة ضخمة: الحقيقة أني كل ما بصيت في المراية عرفت ان ربنا سبحانه وتعالى هو أعظم رسام كاريكاتور في الدنيا ! فانفجر الجمهور ضاحكا.
عالمى النزعة
رغم ان صلاح جاهين كان يغنى للاشتراكية في إخلاص المثقف المنتمى للفكر اليسارى المنحاز للفقراء والبسطاء بشكل اساسى الا انه كان مثقفاً وليس ايديولوجيا منغلقاً. ويذكر أنه في اليوم التالى لإغتيال الرئيس الامريكى الشاب جون كيندى في عام 1963 قامت جريدة الاهرام التى كانت تنشر لجاهين رسما كاريكاتوريا شهيراً قامت بنشر قصيدة رائعة في رثاء الرئيس الامريكى لم أعد أذكر كلماتها ولم اجدها بعد ذلك ولكنى اذكر جيدا انه ختمها وهو يهتف ملتاعا باسم الرئيس الامريكى قائلا: ياجون.. يايوحنا المعمدان! وقد أثرت في نفس هذه الخاتمة المدهشة للقصيدة. ولم افهم للوهلة الاولى لماذا يخاطبه بيوحنا المعمدان. اذ كنت مازلت طالبا في ذلك الوقت. ولم يكن في ذهنى أن جون هى بالعربية يوحنا. فكانت هذه المقاربة الجميلة في القصيدة والتى تدل على انفتاح جاهين السياسى والدينى معا، فلم تمنعه يساريته الفكرية من التعاطف مع رئيس امريكى شاب كان مثقفا ثقافه انسانية حقيقية وقف امام نفوذ التحالف الصناعى العسكرى في بلده واشاع في العالم كله أملا في مستقبل اجمل.. ولا منعته ثقافته الاسلامية من معرفة واستخدام رمز مسيحى شهير هو يوحنا المعمدان الذى كان يوصف بالصوت الصارخ في البرية لقوته وشجاعته في المجاهرة بالحق حتى اوصله هذا الى تقديم رقبته على طبق هدية لسالومى من الملك هيرودس أنتيبى الذى صرخ في وجهه يوحنا المعمدان يوما: هذا لايحل لك!
فرسان الثورة
إستطاعت الثورة المصرية منذ ولادتها وبسبب اهتمام عبد الناصر بالثقافة والفنون والادب اساسا ان تخلق مناخا إجتماعيا مثيرا لعوامل الابداع الانسانى في جميع المجالات .. وانطلقت مع بداية الثورة وبشكل تلقائى مدهش شرارة الخلق والابداع الفنى والفكرى في عدد هائل من الشباب المثقف الصاعد من قرى ونجوع مصر الزاحف نحو القاهرة والاسكندرية فإذا بمئات ومئات من المبدعين تتصاعد أنجمهم في سماء مصر حاملين رايات ملونة زاهية لأعمال جديدة مدهشة في كل مناحى الابداع. أرصد هذا لأوضح أن صلاح جاهين –وان كان حقا صوتا متفردا مميزا في الشعر وفنانا مبدعا في الرسم وغيره من الفنون – لم يكن وحيدا وانما كان واحدا من "جيش" مدهش من المبدعين المجددين الذين استقوا من ينابيع الجسد المصرى المتفجر بإرهاص الولادات الجديدة ووعود الاحلام المثيرة القادمة في فورة إبداعية نعرف الآن أنها كانت –للأسف- إستثنائية في تاريخ مصر المعاصر.
وقد كان لجاهين شاعر الثورة المصرية وواضع مزاميرها الجماعية المحفزة أثر كبير في حركة النهضة الفكرية التحررية المواكبة، فقد راح في رسومه وكلماته وأناشيده وأشعاره يرسم ملامح المجتمع الحر القادم في عيون شباب وصبايا يعانقون أحلام الحب الجميل والحرية الاجتماعية والتحرر الفكرى البادئ بالذات والممتد نحو الانسان في كل مكان .
وكان لهذه الفورة الابداعية والتفجر الغنى المثير فعل السحر في الشباب المثقف الصاعد الى حد انه حتى المثقفين الذين دخلوا السجون في تلك الفترة بشبهة الميول الشيوعية او اليسارية المتشددة خرجوا منها وهم على إخلاصهم العجيب للثورة التى لم تتورع عن التهام عدة سنوات من شبابهم الحالم، وهى ظاهرة لا نعرف لها مثيلا في التاريخ.
هل خان نفسه ؟
حينما أصيبت الثورة المصرية بجرح هزيمة 67 الغائر، ثم برحيل فارسها عبد الناصر عام 70، شاهد جاهين كل شئ ينهار من حوله، فأصاب شاعر الثورة احباط الانكسار ودخل في صمت المطعون المكلوم. ومع صعود الرئيس "المؤمن" - الذى كان معروفا طوال سنوات الثورة بأنور السادات لنكتشف فجأة ان اسمه الحقيقى هو محمد انور السادات !- أطلقت الاشارة لبدء حركة الهجوم الوحشى والتشويه المجانى لكل جوانب الثورة، المظلم منها والمضئ معا، حتى أن السد العالى نفسه – الذى أعترف العالم مخرا انه اهم عشرة مشاريع هندسية في العالم في القرن العشرين – لم يسلم من حملة التشويه الآثمة لإنجازات الثورة.
ولم يجد شاعر الثورة له مخرجا من نفق الاحباط وظلمة الاحساس بالغبن والضياع وربما لوم الذات وانكار الحلم بل ومعاداته سوى الدخول الى دوامة العمل السينمائى السهل في حركة هى اقرب الى حركات مهرج السيرك الذى يضحك الآخرين بقلب نازف – فكتب لصديقة دربه سعاد حسنى اغنيات فيلمها "خلى بالك من زوزو" الذى حقق نجاحا جماهيريا ساحقا، بين جماهير متغيرة كانت قد تعبت من وطئة احلامها طوال عشرين عاما، وتعبت من الحروب والمعارك والاناشيد، وارادت ان تنسى وترقص وتلهو على انغام تقول لها ان "الدنيا ربيع، والجو بديع، قفلى على كل المواضيع" وهكذا نظر بعض المثقفين في حزن الى شاعر الثورة وفارسها القديم وقد انكسرت قوادم احلامه (كما تنبأ صلاح عبد الصبور) وتحول مغنى الجماهيرالى مضحكها .
وهو دور استنكروه عليه ولكنه لم يستنكره على نفسه فقد كان دائما منحازا الى الجماهير البسيطة يعبر عن أحلامها وآمالها وعن ضحكاتها وأوجاعها . ولم يجد غضاضة في ان ينحاز اليها في لهوها ومزاحها وهو المنحاز أبدا للفرحة والبهجة.
وقد أراد له –وتوقع منه- البعض ان ينخرط –وهو شاعر الثورة- في حركة المعارضة الشعبية والطلابية لنظام السادات قبل حرب العبور كما فعل أحمد فؤاد نجم بأشعاره الجارفة التى لحنها وغناها الشيخ امام والتى دخلا السجون بسببها . ولكن جاهين لم يفعل ولم يكن له ان يسير في درب غير دربه فعالمه الشعرى ليس عالم احتجاج ومعارضة ضد النظام فقد كان منسجما مع النظام الناصرى الذى كان منسجما مع أحلام الفقراء وآمال المثقفين معا، وجاهين المنحاز للفرح في الحياة لم يجد في نفسه طبيعة الصدام والمعارضة والهجوم على الآخرين. بما في هذه من العنف العاطفى والخشونة الوجدانية الضرورية للتحمل والصمود . نعم هو شاعر الحلم الثورى لكنه ليس شاعر الغضب والتصدى والتعدى، ولذلك كانت لأناشيده الثورية دائما جانب الاعراس المحفوف بالأجراس والمزامير والرقصات الشعبية، فليدع التصدى والمقاومة والغضب الشعبى لغيره من الشعراء مثل نجم. فهل كان في هذا خائنا لنفسه أم متسقا معها؟
لاشك ان هذا سؤال سيستدعى إجابات متناقضة من نقاد مختلفين. اما انا الذى طالما اترعت قلبى مما كان يسكب لنا جاهين كل يوم من مياه المحبة والبهجة والأمل المثير فليس عندى له سوى فيضان من مشاعر العرفان والممنونية والإنحياز الحميم.
ولعل أجمل مايعبر عن حالة جاهين تلك بعد أنهيار أحلام الثورة التى شارك في صنعها هى رباعيته التى كتبها عندما أصابه انسداد في شرايين القلب احتاج الى جراحة في صيف 1981:
- يامشرط الجراح أمانة عليك
- وانت في حشايا تبص من حواليك
- فيه نقطة سودة في قلبى بدأت تبان
- شيلها كمان.. والفضل يرجع اليك.
لقد كانت النقطة السوداء قد احتلت قلبه الكبير وراحت تكبر فيه وتنهشه هى نفسها النقطة التى اصابت قلب مصر مع جرح 67 ومع رحيل ناصر وانهيار احلام الجيل الصاعد وتسليم السادات مفاتيح مصر للتيارات الدينية الظلامية التى أطفأت مصابيح مصر واحدا بعد الآخر وحاربت الفن والفكر والابداع والتحرر والمساواة والفرح والبهجة والانطلاق والغناء والرقص والمزامير ، فكانت هى الخاتمة السوداء لاحدى أجمل فترات النهضة المصرية في تاريخها الحديث.
سيظل جاهين صوتا مميزا مزهوا في الوجدان المصرى الى الأبد. فالشاعر الاصيل لايعرف موتا ولاصمتا. وهو الذى قال:
دخل الشتا وقفل البيبان ع البيوت
وجعل شعاع الشمس خيط عنكبوت
وحاجات كتير بتموت في ليل الشتا
لكن حاجات أكتر بترفض تموت.
النهاية
وكان تاريخ5 يونيو 1967 تاريخا فاصلا في حياة جاهين فقد هزمته النكسة مثلما هزمت كل الشعب المصرى ولكن احساس الفنان غالبا ما يكون مضاعف فقد اصيب صلاح جاهين بحالة من الاكتئاب لم يشف منها حتى رحيله، فتوقف عن كتابة الأغاني و الأناشيد الوطنية، و اتجه إلى الكتابة في اتجاهين الشعر التأملي العميق كما في الرباعيات والأغاني الخفيفة و كان أشهرها أغنية سعاد حسني "يا واد يا تقيل" و غيرها والطريف أن ملحن هذه الأغاني هو الموسيقي الكبير كمال الطويل الذي كان في يلحن له أغانيه الوطنية وكان آخرها "راجعين بقوة السلاح" الذى اعتبرها صلاح سبب كآبته لان ام كلثوم غنتها عشية النكسة وتحطمت كلماتها على صخور الواقع والتى يقول فيها:
راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى
راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة
وقد توفى الشاعر العظيم صلاح جاهين 21 ابريل عام 1986 حين ابتلع جرعة زائدة من الحبوب المنومة والتي كان يتناولها للتخلص من مرض الاكتئاب ولكنه اسلم الروح وهو لم يتجاوز السادسة والخمسين من العمر ، مخلفا وراءه ثروة فنية هائلة تمثلت في مئات القصائد ورسوم الكاريكاتير وقد اتهمه كثيرون بالانتحار.
انظر أيضا
وصلات خارجية
- Official website(under construction).
- "Salah Jahin: Balzac holding Rodin's chisel". Al-Ahram Weekly. 2001-04-26. Retrieved 2006-09-29.
- Salah Jaheen في Internet Movie Database
المصادر
- التحليل من مدونة فرانسوا باسيلي
- "Salah Jaheen". Egypt State Information Service. Retrieved 2006-09-30.
- Salah Jahin form arabworldbooks