دائرة الطباشير القوقازية
دائرة الطباشير القوقازية The Caucasian Chalk Circle | |
---|---|
كتبها | برتولت برخت |
تاريخ أول عرض | 1948 |
مكان أول عرض | كلية كارلتون، منسوتا، الولايات المتحدة |
اللغة الأصلية | الألمانية (إلا أن أول عرض للمسرحية كان بالإنگليزية) |
الموضوع | الأمومة، التملك، الحرب |
الصنف | المسرح الملحمي |
المشهد | جورجيا |
بروفيل IBDB |
دائرة الطباشير القوقازية Der kaukasische Kreidekreis ثاني أهم مسرحيات برتولت برخت بعد الأم شجاعة، وهي من نمط المسرح الملحمي الذي اعتمده برخت. تقوم هذه المسرحية على عدد هائل من الشخصيات ليس لديها أبعاد نفسية إنما تشكل أفعالها غستوس يؤدي إلى معرفة مفولة المسرحية (الأمثولة) التي يطرحها برخت علنا على لسان المغني في النهاية. أما من حيث الحبكة فالمسرحية ليس فيها صراع إنما يدور ضمن لوحاتها قصتان منفصلتان تلتقيان في نهاية المسرحية ومنها نر أن مبدأ بريخت أن يروي حكاية تحث المتلقي على التفكير ليصل إلى الأمثولة بعد أن فكر هو بها.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ملخص القصة
تلخص المسرحية في قصة الملكة التي كانت لها طفل صغير قامت الخادمة بتربيته ورعايته منذ صغره، ولكن ثورة شعبية أطاحت بحكم الملك والملكة فهربا إلى خارج البلاد بينما ظلت الخادمة تسهر على رعاية الطفل ليل نهار، وتشاء الظروف بعد عدة سنوات أن يعود الملك والملكة إلى حكم البلاد، ومن ثم تطالب الملكة بطفلها من الخادمة جروشا فترفض تسلمه لها فيرفع إلى القضاء، ويقوم القاضي وهو في حيرة من أمره لمن يحكم بأحقية الطفل فيستعين بتجربة دائرة الطباشير. وطالب الملكة الأم الحقيقية للطفل والخادمة الأم التي سهرت على رعايته منذ صغره وحتى بلوغه سن الرشد بأن يجذبانه بالقوة إلى خارج الدائرة.[1]
أحداث المسرحية
تدور أحداث المسرحية الحقيقة بين الأم الحقيقة والأم الخادمة Grusha Vashnadze وتنتهي أحداث التي غير المتوقعة بانتصار الأم الملكة التي جاهدت في جذب ابنها من خارج الدائرة بينما الخادمة الأكثر رأفة وحناناً لم تستطع فعل ذلك خشية من أن يؤذى الصغير. وهنا رأى القاضي أن الأم الخادمة كانت أكثر حنانا من أمه الحقيقة، على عكس الأم الملكة التي تعاملت مع الأمر بلغة القوة والقسوة، فحكم للأم الخامة برعاية الطفلة.
وقد عكس برخت في مسرحيته نتيجة الحكم، فحكم لجروشا الخادمة أن يكون الطفل من نصيبها وهي التي أنقذت الطفل بعد الثورة على أبيه الحاكم. وأشرفت على تربيه، وليس للأم التي تخلفت عنه. وأعتقد أن بريخت يرمي لمعنى واضح أن من له القدرة الكافية على الاحتفاظ بالشيء والاهتمام به هو الأحق به.
كتب المسرحية عام 1933 بعد أن ترك برخت ألمانيا مهاجراً لعدة سنوات لاجئ الي سويسرا وفرنسا والدانمرك وفنلندا وروسيا قبل أن يستقر في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كتب فيها العديد من المسرحيات الحياة الخاصة للعرق السائد، وألام شجاعة وأطفالها وحياة گاليليو والمرأة الطيبة من ستوزان والسيد بونتيلا وخادمة ماتي والصعود المقاوم لأرتو أوي، لكن من بين هذه النصوص ظهرت مسرحية دائرة الطباشير القوقازية. وتطرح المسرحية مضمون يحمل الجوانب الأيديولوجية لمسرح بريخت في أنضج مراحله الفنية من خلال مقدمة استهلالية كجزء لا يتجزأ من فصولها الخمس علي خلفية عنوان لكل فصل منها، وهي:
- الفصل الأول: الطفل النبيل
- الفصل الثاني: الفرار إلى الجبال الشمالية
- الفصل الثالث: حكاية القضاية
- الفصل الرابع: دائرة الطباشير
وهذه التقسيمات تخدم الهدف الأساسي الذي يسعي المغني أو الراوي لتوصيله في مسألة أساسية تتعلق بالأحقية في الملكية التي طرحها برخت علي مستويين.
يدور الفصل الأول في امتلاك الأرض علي وفق المبدأ القائل الأرض لمن يزرعها. والفصل الثاني حول الأمومة لمن يرعاها ويؤدي واجبها من غير رابطة الدم التي وظفها برخت من خلال حكاية صينية قديمة تشبه أحد أحكام الإمام علي ابن أبي طالب في القضاء، وسبب في ذلك أن العالم العربي الإسلامي عرف العدالة والمساواة قبل غيره من الأمم بقرون، في وقت ولم يكن للماركسية أو غيرها من أثر في الفلسفة الإنسانية الي جوار التشابه مع حكاية عبرية (عن سليمان الحكيم) التي تروي أن الملك سليمان يقترح شطر طفل الي شطرين علي أثر أدعاء كل من امرأتين متنازعتين بأنه أبنها، فأبت الأم الحقيقية أن يشطر الطفل وآثرت التنازل عنه، وتبين لسيلمان أنها ألام الحقيقية وحكم لها بحاضنته.
أما الحكاية الصينية فقد أقترح القاضي رسم دائرة طباشير يوضع الطفل فيها، وطلب من السيدتين أن تسحب الطفل إليها، فمن استطاعت أن تخرجه من دائرة الطباشير تكون الأم الحقيقية له، لكن توظيف برخت لهذه الحكاية الصينية جاء بشكل مغاير، لأنه لم يحكم للأم الحقيقية، بل حكم القاضي أزداك للخادمة جروشا، التي تبنت الطفل وعنيت بتربيته، لأنها هي التي اهتمت به ورعته بينما هربت أمه وتركت طفلها حين اندلعت الثورة وقتل زوجها الحاكم في إحدى مدن القوقاز.
تبدأ المسرحية على لسان مغني يروي أحداث المسرحية وهو يقرأ من كتاب حول حاكم يدعي جورجي أبشفيلي له زوج جميلة كان يستمتع بالدنيا وينعم.
"في صباح الفصح، مصحوباً بأهله
ذهب الحاكم جورجي للكنيسة"
ويبدأ مشهد نري فيه مجموعة من الشحاذين والفقراء وهم يلوحون بأطفال مرضي وعكازات وعرائض ومن خلفهم جنديان ثم أسرة الحاكم بملابس فاخرة ويعلق المغني علي أحداث فيها أو يروي بعضها، فيما تتضمن الفصول الخمسة قسمين الأول يتعلق بالمواجهات التي تعرضت لها الخادمة جروشا في هربها من أعين الجنود، أما القسم الثاني يتحدث عن وصول أزداك الي منصب القضاء وأحكامه التي لا تتطابق مع القانون لأنها تنصف عامة الشعب أما جروشا تجد نفسها وحيدة مع طفل بعد أن كانت أمه مشغولة بما تحمله من ثياب فاخرة قبل أن تفر حين اشتعلت الثورة وقتل زوجها، فتحمل جروشا الطفل وتهرب به الي أخيها في أعألي الجبال وقبل الهرب من المدينة تعاهد احد الجنود سيمون علي الزوج بعد أن يعود من الحرب، إذ أراد برخت في هذا المشهد أن يؤكد جانب العاطفة ودورها في السطوة علي الإنسان، أي أن صراع بين العقل والعاطفة ينتهي بأنتصار كتلة الانفعال الإنساني أمام المواقف التي لا يستطيع الفرد التخلص منها في أي زمان ومكان، وهنا قصة سيمون وجروشا تضفي جوا شاعرياً من خلال عهد جروشا لسيمون بالحفاظ علي حبهما.[2]
"فإذا رجعت من القتال
فلن تري بالباب أحذية هناك
والي جوار وسادتي ، ستري الوسادة خالية
وتري شفاهي لم يقبلها أحد"
إن برخت تهيمن عليه فكرة الحرب بسب دارسته الطب والخدمة في المستشفيات العسكرية خلال الحرب، أو أنه ساهم في قطع وبتر الأرجل والأيدي من المصابين في المعارك، ويمكن القول أن كل هذه الصور ظلت في ذاكرته مُشكلة ردود فعل معاكسه باتجاه الحب الخاص والعام التي تنعكس في أعماله المسرحية، بعيدا عن مواقف اندماجية في شخصيات التي يصورها في مثل هذه المشاهد، بل أن بريخت وفق التزامه السياسي وجد ألحاضنه الماركسية تدعوه الي تحطيم وهم المحاكاة وحث الجمهور علي أعلي مستويات المشاركة الفاعلة حتي في عودة سيمون من الحرب، بعد وصول جروشا الي بيت أخيها في الجبال وصدامها مع زوجته المتدينة التي يورادها الظن ،أن الطفل ابن غير شرعي ولم تستطيع جروشا أن تصفح عن نسبه لكي لا يتعقبها جنود الأمير، أثرت علي نفسها المساس بالشرف من أجل الحفاظ علي حياة الطفل، وتنازل لأخيها في زواج من فلاح يدعي المرض هروباً من خوض الحرب، فتحمي بذلك سمعتها وحياة الطفل.
شخصية جروشا عند برخت هنا تتجلي في جملة من الصراعات بين الدين والتقاليد والسلطة لذلك هي أسيرة مجتمع قروي يحاول هدم شعور الأمومة عند جروشا بينما هي تكافح من أجل إبقاء هذا الشعور الطبيعي في الحياة وبناء إنسان جديد تمثل بالطفل، إذ أن برخت وظف الفكر الصراعي بين شخصية جروشا وطفلها بالتبني والمجتمع من خلال قوتان؛ الأولي تحاول الهدم وأخري تدعو إلي إعادة البناء، أي أن المجتمع يكون بين الاختلال والبحث عن توازن جديد الذي يبرهنوه وصول أزداك إلي منصب القضاء في القسم الثاني من المسرحية، إذ المؤلف يروي كيف أخفي أزداك الدوق عندما كان كاتب عمومي في القرية حتي تسني له الهرب، ثم يصوره للقارئ أنه قاضيا يستغل نفوذه الوظيفي من أجل الفساد والرشوة الي جوار ميله العفوي إلي إنصاف المظلوم والحكم بالعدل، بطريقة طريفة وصفات المتناقضة.
"أزداك : ياوكيل النيابة ! سطل نبيذ للزائر! من أنت؟
قاطع الطريق: راهب سائح يا صاحب السعادة،
وأشكرك علي هذه الهدية اللطيفة. سطلاً آخر !"
إذ بمكن القول بأن تخريجات برخت لشخصية أزداك توضح علاقاته بالمجتمع الأول ويبرر الحكم الذي أصدره للخادمة جروشا ثانياً التي تبنت الطفل وعنيت بتربيته، لأنها هي التي اهتمت به ورعته بدائرة الطباشير التي رسمها في قاعة المحكمة، وهنا يبغي المؤلف استثارة عقل المشاهد في طرح العديد من التساؤلات، بعد أن يكشف فحوي المسرحية علي لسان المغني فيقول:
"أنتم يا من سمعتم قصة دائرة الطباشير،
أحفظو حكمة الأقدمين:
أن الأشياء ينبغي أن تعطي للذين يقومون عليها خير قيام:
فأولاد للأمهات اللواتي يرعينهم خير رعاية حتي يشبوا ويترعرعوا، ...
والوادي للذين يحسنون سيقه حتي ينتج خير الثمار"
نقد
الحكم الذي أصدره أزداك ليس مجرد إثارة نقدية للمتلقي بقدر ما هي طرح سؤال علي الرأي العام لتحريك الجماعات الضاغطة في المجتمع لتغير القوانين والأعراف، ونصرة المظلوم بأحقية الملكية بين المالك والمملوك، وهي وهم برخت الأيديولوجي في تحقيق العدالة وهو يعيش في مجتمع أمريكي رأسمالي. إذ تبدأ المسرحية من قصة صراع بين جماعتين متنازعتين من الفلاحين حول وادً، كانت قد رحلت عنه أحدي المجموعتين عندما زحف الجيش ألماني علي روسيا، ثم عادت بعد هزيمة ألمانيا تطالب بواديها، فنازعتها جماعة أخري تطالب بملكية هذا وادي خصب، فأن للقسم التمهيدي قرار بإعطاء هذا الوادي لزارعي الفواكه لأنهم الأكفأ علي صعيد الإنتاج وسط احتفال يرقص فيه المزارعون بعد إرسال الحكومة مبعوثاً لحسم النزاع فينجح في حل ألازمة سلمياً، وهنا تظهر الايديولجية الماركسية من خلال الصراع الاجتماعي للعامل الاقتصادي ونظام الملكية التي يتبناها برخت في طروحاته، وما بين حاضنة الطفل والصراع علي الوادي يعرض المغنون حكاية دائرة الطباشير لكي يثبتوا الحكم القائل بأن من يرعي الشيء هو الأحق به، ويأتي هذا الحكم علي خليفة ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية التي كتب فيها نص مسرحيةدائرة الطباشير القوقازية وهي أحد إسقاطات برخت إلي المجتمع الذي هاجر إليه، إذ دخلت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية صراعاً مع البلدان الغربية علي صعيد الإنتاج والعلم، وهي أهم الفترات في بناءها الاقتصادي عن طريق استقطاب العقول من أوروبا والبلدان الأخري أو ما يسمي هجرة الأدمغة وهو نوع من الصراعات حول الاختصاصات في الغرب، بأجتذاب الكوادر التخصصية عالية التأهيل باتجاه الولايات المتحدة الاميركية الذي ينعكس علي حقولها الاقتصادية المنتجة، فقد تمكنت من الحصول علي أمتيازات متوفقة عن البلدان أوربا، فيما تشير الإحصائيات إلي 540.000 ألف اختصاصي هاجر من أوربا الي الولايات المتحدة الاميركية بينهم 92.000 من رجال العلم والمهندسين خلال عقدي الأربعينات والخمسينيات من القرن الماضي، وتجتذب أمريكا 15- 20 ألف عالم ومهندس وطبيب ومدرس من بلدان العالم الرأسمالي سنوياً ويعتقد الباحث أن مثل هذه الظروف الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في أمريكا، ألهمت برخت بفكرة دائرة الطباشير بإطار الصراع الفكري الماركسي الذي انعكس في نص مسرحية دائرة الطباشير القوقازية.
الهامش
- ^ وقفات.. دائرة الطباشير. "وقفات.. دائرة الطباشير". الجزيرة. Retrieved 2013-09-30.
- ^ محمد عبد الزهرة الزبيدي (2010-04-16). "جماليات الأستجابة في دائرة الطباشير القوقازية ..( برتولد بريخت ) أنموذجاً". الحوار المتمدن. Retrieved 2013-10-01.
وصلات خارجية
- Songs from Chalk Circle by Mark Nichols
- The Caucasian Chalk Circle, Heinemann edition, 1960, in Google Books. (Some pages are not part of this book preview)