تاريخ جبال شمر
يمكن الرجوع في تاريخ ناحية جبال شمر شمالي إقليم نجد إلى عهد الوجود الطائي فيما قبل الإسلام ، ولعدم توافر المصادر الموثوقة فإن التاريخ الحي لهذه الناحية يقتصر على عهد شيوخ آل بعير وما تلاهم حتى يومنا هذا ، حيث قد حدثت متغيرات اجتماعية جوهرية ، تمخضت عن العديد من التحولات العميقة في الواقع الاجتماعي ولعل أبرزها تأثيرا هو ما سوف يتم تناوله ، بصورة تفصيلية وموجزة بقدر الإمكان ، وذلك في عهود ثلاثة كما يأتي :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أولا / العهد القديم ، ما قبل الدعوة السلفية في نجد :
منذ ما قبل الإسلام ، كان إقليم جبال طيء تحت سيادة الطائيين خاصة سلالة الزعيم والقاضي المشهور قيس بن شمرالطائي وكان مركزها صهوة جو نظرا لتميزها بالمنعة والحصانة ، التي انسحبت على جبل أجا(مناع )وعندما تنازعت لاحقا فروع طيء على السيادة انقسمت السلطة بين فرعين من (القيسيين) أنفسهم وهما : بني عقدة من سنبس ، ومركزهم عقدة وبني (أسلم الجرنفش) وضل مركزها صهوة جو ، ومن ثم وقبل ما يقارب خمسة قرون من الآن حصل أيضا نزاع على السيادة من جديد وكان يتمحور حول رفض بعض فروع طيء وأهمها (سنبس) وذلك لوجود الضياغم القحطانيين وحلفائهم ، إلى جوارهم ، وكان يتزعم السلطة في جو أحد أبرز زعماء طيء عبر التاريخ ، وهو ذلك الرجل صاحب المواقف المشهودة ، والذي يكاد يجمع الرواة على أن اسمه الشيخ والقاضي عيسى بن أجود بن أسلم الطائي وهذا قد عمد إلى رفع راية شمر كراية إلزام ، بدلا من راية طيء المتنازع عليها ، ومن هنا فقد أعلن الحرب على كل من لا ينضم تحت لواء هذه الراية الجديدة ، ,هنا انضم إليها الضياغم القحطانيون وحلفاؤهم ، ودارت المعارك ودامت سنين ، و غالبا فقد كان النصر والغلبة من نصيب هذه الراية ، حتى تم كسر وإجلاء كل من وقف ضدها ، وكان آخرهم (حلف بهيج من سنبس) وحلف (آل عروج مقدم بني لام) في هذه الأثناء سقطت (عقدة) وتم نقل مركز السلطة وهي (مشيخة حكم عرفي) من صهوة جو إلى بلدة قفار التاريخية ، وكان ذلك في عهد شيوخ آل بعيِّر من أسرة آل بقار العريقة .
ولقد مضت السنون والعصور حتى أراد الله تغيير الحال ، ذلك عندما انتشرت في إقليم نجد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية فيما بعد (منتصف القرن الثاني عشر الهجري) وكان أهم وأول ما تضطلع به تلك الدعوة إنما يتمثل في تكفير شيوخ العرف القبلي ، واعتبارهم طواغيتا يحكمون بغير ما أنزل الله ، وهكذا فإنهم برأي هذه الدعوة أطغى من كفار قريش وأنجس من أصنام الجاهلية وأن كل ما يخصهم من سلطان ومال وعرض مباح وغنيمة للمسلمين ، وبأن النيل منهم أجر وغنيمة ، كما أوجبت بل وفرضت العمل على حربهم وإسقاطهم ، والتخلص تماما منهم ، من أجل استبدال حكمهم العرفي الكافر ، بحكم إسلامي أصولي ، وكان أهم وأبرز نظامين عرفيين قائمين هما : حكم آل بقار في جبال شمر ويمتد نفوذه شرقا حتى غربي جبل طويق وحكم آل عريعر في الأحساء ويمتد نفوذه غربا حتى شرقي جبل طويق .
مع نجاح الدعوة السلفية في الدرعية وقيام الدولة السعودية الأولى وتمددها كان قد سقط حكم آل عريعر ، وبدأ انحسار نفوذ جبال شمر من ناحية الشرق ، وبدأ أنصار الدعوة الجديدة بالتكاثر ، وكان أهم مراكزهم في قرية حائل لدى شيخ العلم الشرعي محمد بن علي حيث توجد لديه مكتبة وكتاب ومكان لإقامة طلاب العلم ، وقد كان شيوخ آل بعيِّر وهم أهل المقلدات في السلم ، بين قبائل العرب ، يحيلون عليه حالات التقاضي الشرعي ، في بعض القضايا الدينية البحتة ، مثل قضايا الزواج ، والمواريث ..الخ ، وكان يتمتع بمنزلة كريمة لديهم ، والشواهد على ذلك كثيرة ومؤكدة .
قبل نهاية (القرن الثاني عشر الهجري) بقليل وأثناء عهد الشيخ الجليل والمسن جدا حينها إرحمة بن بقار الملقب بكريم سبلاانتهز أنصار تلك الدعوة وجود بعض الخصومات القديمة والحديثة ، وذلك بين شيوخ آل بقار من جهة وبين باقي شيوخ آل بعير لاسيما بعض شيوخ آل قديروكان معهم باقي شيوخ آل أسلم وفي مقدمتهم ابن طواله الذي كان قد بدأ نجمه بالتألق ، وهكذا فقد تم تأجيج الصراعات حتى حصلت فتنة عظيمة فتنة آل أسلم الكبرى وبدأ نزاع (شيوخ آل بقار مع أبناء عمومتهم من شيوخ آل أسلم حتى تم اغتيال الشيخ الهرم كريم سبلا وهو خارج لتفقد العرض أمام القصر صباح يوم عيد الأضحى ، وعندها تمت مبايعة ابنه الشيخ ناصر آل بقار ولكنه كان ضعيفا ، وغير نافذ السلطان ، لتفرق الناس من حوله ، بسبب الانشقاقات والصراعات ، ومع ذلك فقد كان لا يزال حينها يتمتع بالشرعية ، وله العهد والبيعة ، في حمل لواء جبال شمر وهي راية شمر التي ورثها عن الأجداد عبر قرون عديدة ، وإليه كان لا يزال يجبى الخراج والأتاوات وغير ذلك .
وعندما هددهم جيش الدعوة بقيادة سعود بن الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود في وقت كانوا فيه شتى ، فقد انقسمت قيادات شمر إلى قسمين متضادين الأول هو حلف الصايح والثاني حلف آل جربا وفي حدود عام (1205هـ) التقى الجمعان في معركةالعدوة شمالي جبل سلمى فكان الأول : يتمثل بقوات الإمام بن سعود ، مدعومة بجناح الصايح من شمر ، أما الثاني : فيتمل في القوة العسكرية التي حشدها (الشيخ آل جربا) وقد انتهت المعركة بمقتل (الشيخ آل جربا) وهزيمة أنصاره وتفرقهم ، وهجرة غالبيتهم إلى العراق ، بمن فيهم غالبية (آل بعير).. بينما لحق بهم البقية مع هجرة (الشيخ ال صديد) لاحقا ، حيث يقول الشاعر المهاجر :
- من (نجد) جينا معتلينٍ ظهورها موارث (الصيداد) مع (آل بعير)
وهكذا فإنه بسقوط حكم آل بقار ، وبهزيمة الشيخ آل جربا ورحيله ومن معه ثم من لحقوا به من شيوخ آل بعير وآل صديد ، فقد تفككت قبيلة شمر ككيان له نظامه ورايته وسلطته المشرفة ، بحيث يمكن القول بأنها قد أسقطت وربما ماتت في موطنها الأصلي جبال شمر شمالي نجد ، ولكنها قامت وتجددت مرة آخرى تحت زعامة شيوخ آل جربا ، في ديار المهجر (العراق) حيث هاجر حينها ما يقارب من ثلثي القبيلة ، وكانت غالبيتهم من شمر الطائية .
ثانياً: العهد الوسيط ، ما بعد انتصار الدعوة السلفية في نجد وحتى توحيد المملكة العربية السعودية
وحيث قد تحقق النصر في معركة العدوة لجيش الدعوة الدينية التي تناصب البداوة والقبلية العداء ؛ فقد عمد الإمام المنتصر إلى تفويض رجل من الحضر ، وهو شيخ العلم الشرعي محمد بن عبد المحسن آل علي وذلك لرعاية البلاد والعباد في هذا الإقليم ، وقد أطلق عليه مسمى شيخ الجبل وهكذا فقد تم نقل مركز السلطة من بلدة قفار العامرة ، إلى الموقع المسمى مدينة حائل وكانت قرية صغيرة حينها .
كان سلطان (بن علي) ضعيفا ومتخاذلا برأي البعض أمام صولات العشائر البدوية وجولاتها ، فقد استمر النزاع بين شيوخ آل أسلم كما انتهزت فرصة ضعفهم بعض القبائل المجاورة ، وأهمها قبائل عنزة التي بدأت تهدد كيانهم لتحقيق ذلك الحلم القديم في الاستيلاء على هذا الإقليم جبال شمر حيث قد حصلت وقعات كثيرة أهمها مناخ ضفرة الشهير ، فجعل الناس يتذمرون من تخاذل الشيخ محمد بن علي وضعف وطنيته ، وكان في مقدمة من تمردوا عليه بعض أبناء عمومته ، لاسيما ابني ذلك المزارع الحصيف والمتدين والمسالم (علي بن رشيد) وهم كل من ذلك الداهية الثلاثيني عبد الله بن علي آل لرشيد وهو متزوج من سلمى بنت صالح بن علي وكذلك أخيه الفارس الصنديد عبيد بن علي آل رشيد .. وبهدف القضاء على تلك الدعوة السلفية(الوهابية) التي كانت تناصب (العثمانيين) العداء ، وصارت حائل من أهم مراكزها ؛ فإنه في عام (1234هـ1818م) داهمت الإقليم إحدى حملات محمد علي باشا وقطعت رأس شيخ الجبل محمد بن عبد المحسن آل علي وهي ذات الحملة التي غزت (الدرعية) وهدمتها وقتلت من قتلت ، ثم أخذت معها الإمام عبد الله بن سعود لتسليمه إلى الباب العالي في استانبول كما تم أسر البعض من أسرته ، ونقلهم إلى (مصر) وكان من بينهم ، ذلك الشاب النابه فيصل بن تركي وهكذا سقطت الدولة السعودية الأولى في الدرعية .
وقد تولى مشيخة الجبل أخوه صالح بن عبد المحسن آل علي الذي ضاق ذرعا بكل من عبد الله وأخيه عبيد الرشيد ، ولما ضيق عليهما وفي غضون عام (1236هـ1820م) أخذ (عبد الله بن رشيد) زوجته (الحبلى) وبمعية رفيقه وعبده المشهور (حسين) ، وهربوا أولا إلى قرية جبة ومنها إلى (العراق) وأثناء ما هم في طريق الهرب أنجبت زوجته ابنا ، فأوعز إلى رفيقة بأنه إذا تمخضت فليتخلص منه حتى لا يعوقهم فيلحق بهم القوم ، ولكن حسين ، اتفق مع أمه على أن يحملانه بحيث لا يلاحظه عبد الله ، وعندما وصلوا جبه ، ونظرا لماهم فيه من الشقاء والمشقة أسماه (متعب) ولا أعلم هل تركها وابنها في جبة أما أخذهما إلى العراق ، والأرجح بأنه تركهما ، وقد مات هذا الوليد متعب بعد فترة ، وقد تزوج (عبد الله) لا حقا بأم طلال ومتعب ، وهي منيرة ابنة عمه (عبد الرحمن بن جبر آل رشيد) ثم التم شمله بعد عودته بزوجته سلمى بنت صالح بن علي فأنجبت له ابنا أسماه محمدا ، وأما أخيه (عبيد) فقد زبن ولجأ عند آل وهب في جبل سلمى المنيع .
استعاد الإمام تركي بن عبد الله الإمامة وأنشأ الدولة السعودية الثانية والتي أصبح مركزها الجديد في الرياض كما عاد ابنه (فيصل) هاربا من سجن محمد علي باشا في مصر عام (1242هـ) بعد أن أمضى في الأسر ما يقارب التسع سنوات .. وكان ذكيا واعيا ملما بأطراف الأمور ، قد صقلته المعاناة بما يكفي للفوز بحظوة وثقة والده الإمام تركي بن عبد الله.
وعندما وصل المتمرد الهارب عبد الله بن علي آل رشيد إلى مدينة بغداد ضل مع رفيقه الوافي (حسين) في معاناة وصراع مع الحياة ، بحيث لم يتركا وسيلة للكسب لم يفعلاها ، كما قد كونا علاقات قوية ، مع رجال وأبناء (الباشوات العثمانيين) وبعد أن أمضيا ما يقارب السبع سنوات في بغداد ، يقال : بأنهما قد حصلا أو عثرا يوما ما على كمية مغرية من التحف والمجسمات وهي من الذهب الخالص ، وقد عمدا إلى دفنها وتركها ، ليبحثا في إمكانية تسويقها ، ولعلهما يجدان من يمكن مفاتحته في مثل هذه البضاعة الثمينة والخطرة جدا ، وقد تذكرا ذلك الشيخ الوقور والحكيم الذي قد عملا لديه يوما من الأيام ، فقررا الذهاب لمشورته في الأمر ، وهكذا فقد ذهبا إليه ، وقالا له : بأنهما ومن خلال عملهما في الحفر ، قد عثرا على كنز ثمين ، ولكنهما لا يعرفان كيف يتصرفان بأمره ؟! هنا قال الشيخ : من أي بلد أنتم ؟ قالا : بأنهما من ديار نجد ، قال إذا : فما الذي جاء بكما إلى هنا ؟ فسرد (عبد الله بن رشيد) قصته مع شيخ الجبل (ابن علي) وبأنه لو عاد فقطعا سيقتله ، قال الشيخ : وابن علي هذا من الذي ولاه الأمر لديكم ؟ قالا: بأنه والي من قبل (الإمام بن سعود) في (الدرعية) وحاليا أصبح مركزهم في (الرياض) قال الشيخ : وهل ستأخذان بما أراه لكما حيال بضاعتكما المخيفة هذه؟؟ قالا : قطعا لن نخالفك في أمر ما وقد جئنا لنستأنس بما عرفناه من حكمتك وثاقب بصيرتك ، منحك الله الصحة والعافية وجزاك عنا خير الجزاء ، قال : ها إذا احملا بضاعتكما ولتكن غير مرئية ، وانطلقا إلى الإمام في الرياض ، وقدماها هدية ولاء وطاعة وتقرب بين يديه ، وسوف يصلح بإذن الله كل شأنكما وتنتهي معاناتكما ، وهكذا فقد أخذا برأي الشيخ الحكيم فانطلقا إلى الرياض وتمت الأمور كما رأى ناصحهما ، فقد قبل الإمام تركي الهدية وأكرم نزلهما ، كما اتخذ من عبد الله بن علي آل رشيد مرافقا ووجيها مسموع الكلمة ومحترم الرأي لدى ابنه (فيصل) الذي ولشدة إعجابه برجولته ومروءته وشجاعته ورجاحة عقله فقد تزوج بواحدة من أخواته .
وفي (الحادي عشر من شهر صفر 1250هـ/18 يونيو( 1834 قتل العبد المسمى (حمزة) بمدسه عمه الإمام تركي ، وكان ذلك بتوجيه من ابن عمه (مشاري) وهو ألذي كان قد وجهت إليه القصيدة المشهورة لنخوته ، عندما كان فيصل بن تركي أسيرا في مصر ، والتي جاء مطلعها:
- سر يا قلم واكتب على ما تورى أزكى سلام لابن عمي مشاري
عند مقتل الإمام تركي ، كان ابنه فيصلا في طريق العودة ضمن حملة يقودها لتأديب بعض المتمردين في القطيف ، حيث قد استتب له الأمر وعاد ، وأثناء فترة توقف الحملة للغداء ، تلقى خبر مقتل أبيه من ابن عمهم (مشاري) الذي قد بويع بالإمامة من البعض ، ودخل قصر الحكم ، هنا اختصر (فيصل) ببعض رجاله ومن بينهم الرجل الأول لديه (عبد الله بن رشيد) واستشارهم في الأمر ، هنا اختلفت وتضاربت الآراء ، كما لم تكن حازمة ، كما يجب ، في رأي ابن رشيد ، هنا نجده قد توجه بالكلام إلى فيصل قائلا : دع الأمر علي ، ولا أريد منك إلا أن تعطيني حرية التصرف المطلق في هذا الأمر ، على أن يكون ذلك ممهورا منك بعهد الأمان ، قال فيصل: وبعهد الله لك ذلك .. انطلق ابن رشيد ومعه عبده الخاص ، وقيل رفيقه حسين ، ولما وصل إلى الرياض رتب مع بعض من يثق بهم من رجال القصر ، على أنه بعد عودة الإمام الجديد (مشاري) من المسجد لصلاة العشاء مباشرة ، يتم إطفاء جميع مصابيح الزيت المشعلة ، ليصبح القصر ظلاما دامسا ، وحيث كانت لا تزال لدى (ابن رشيد) أداة للتسلق ، وهي عبارة عن خطاطيف أو كلاليب كانا هو ورفيقه يستعملانها أحيانا لتسلق بعض الأسوار في العراق .
ومع انسدال الظلام ، رميا بخطاطيفهما وتسلقا القصر ، الذي يعرفان تفاصيله ، مكثا ينتظران فراغ الإمام من صلاة العشاء وعودته ، لا يحملان معهما سوى حبال وخطاطيف وسيفين ، والمهم أنه عندما دخل الإمام ، وتم إطفاء المشاعل ، ربطا حبلهما وانخرطا من الفتحة الموجودة في سقف غرفة نوم الإمام (السوامة) فأمسك عبد الله بمشاري من الخلف وثبت عضديه ، ولكنه (مشاري) ضل يحز بالسيف على كتف (عبد الله بن رشيد) فأرهقه قبل أن يتدخل صاحبه ، ولكونهم في الظلام ، لذلك كان صاحبه عندما يمسك بعضو يقول: هل هذه منك يا عمي ؟؟ وعندما لا يحس عبد الله بشيء يرد بقوله : إذا بيدك شيء أقطه ، فيقطعه العبد ، حتى انتهى مشاري ومات ، عندها عاد فيصل سريعا وخلف والده بالإمامة ، وذلك في نفس العام (1250هـ) وقد عادت بعد فترة وجيزة ، كل المياه إلى مجاريها ، واستتب له الأمر .
لقد أراد (الإمام فيصل) مكافئة (ابن رشيد) على فعلته ، التي أصيب جرائها إصابة بليغة ، وذات يوم فاتحه الإمام حول هذه الرغبة الخاطرة لديه ، وطلب منه أن يطلب ما يشاء ، ليعطيه مطلبه ، شكره بن رشيد وطلب منه توليته حكم الجبل ، بدلا من الشيخ الحالي (ابن علي) هنا عرض عليه الإمام حكم الأحساء بدلا من الجبل كونه بلدا ثريا بالزراعة ، وقد ألح عليه بذلك ، ولكنه (ابن رشيد) أصر على حكم الجبل ، ولا شيء غيره ، وهنا لم يكن من الإمام فيصل إلا أن يعطيه مطلبه ، ذلك برغم أن زوجته (نورة بنت ابن رشيد) قد حذرته من أن يولي أبيها عبد الله على حكم الجبل ذو التاريخ المعروف بالمنعة والتمكين ، ولكونه (ابن رشيد) رجلا قياديا محنكا (كاريزماتيا) ومن حوله أهله وعزوته ، بما يمكنه من أن يقوى ويتمرد على الإمامة (السعودية) وقد حصل فعلا ما توقعته ابنته (زوجة الإمام) ولكن كان بأسلوب نبيل ندر أن نجد تجربة في السياسة مثلها (كما سنرى) وللزوجة هنا قصيدة مشهورة تلوم على زوجها الإمام ، توليته لأخيها على جبل شمر ، جاء مطلعها :
- حر شلع ما بين (فيصل ودواس) يم (الجبل) طير فروق الحباري
وهكذا فإنه بعد ما يقارب (14 سنة) قضاها هاربا أو لاجئا ، وفي حدود عام (1251هـ) استلم (الأمير عبد الله العلي آل رشيد) خطاب التفويض ، ومضمونه عزل شيخ الجبل (صالح بن عبد المحسن بن علي) وتولية (عبد الله بن رشيد) أميرا محله ، فانطلق هذا الأمير إلى ناحية الجبل ، وتصارع لفترة مع آل علي ، وقد تم استدعاء قوة عثمانية ، وأخيرا استتب له الأمر بمساندة أخيه الفارس عبيد بن رشيد ، وقد نجحت قيادته وقويت شوكته وازدهرت إمارته ، وفي عام (1254هـ) عادت إحدى حملات (محمد علي باشا) وداهمت مركز الإمامة (الرياض) وتمكنت من أسر (الإمام فيصل) ونقله إلى (مصر) وفي هذه الأثناء تعرضت هذه الإمارة للاختبار الأول ، ذلك عندما استغل هذه السانحة (أهل القصيم) ومعهم غالبية (عشائر عنزة) فحشدوا حشودهم وزحفوا لإسقاط هذه الإمارة التي لا تزال فتية في إقليم (جبال شمر) ذا التاريخ المجيد والعريق ، وقد التقى الجمعان في موقع (بقعاء) حيث حقق (ابن رشيد) انتصارا مذهلا وساحقا ماحقا في (معركة بقعاء) الشهيرة وذلك عام (1257هـ) . في تلك المعركة ذائعة الصيت ، والتي كان بطلها الفارس (عبيد العلي الرشيد) الذي قال مخاطبا من تهيبوا عن خوض تلك المعركة لقلتهم في مقابل كثرة الخصم :
- اضرب على الكايد إلى صرت بحلان وعلى الولي وصل الرشا وانقطاعه
- أما تجي بعقود لؤلؤ ومرجان وإلا لشيطانٍ يطير بشعاعه
وعند نهايتها وكان في نشوة النصر ، وحتى قبل أن يغسل الدماء المتجمدة عن كفيه ، من الضرب بالسيف على الرقاب ، قال قصيدته المشهورة التي منها قوله :
- أنا أحمد اللي هبهب الريح يا (حسين) صارت على (القصمان وأولاد وايل)
- واللي ذبحت بشذرة السيف تسعين ألا ولاني عن طردهم بسائل
- نجرهم بالقاع جر الخرافين وأمسى (صفا بقعاء) من الدم سايل
وهكذا وبهذا النصر الحاسم والناجز ، فقد لمع نجم (إمارة الجبل) الناشئة وأصبحت مرهوبة الجانب ،ومع ذلك فقد ضلت هذه الإمارة القوية ، موالية ومدينة منذ نشأتها للإمام بن سعود ، وهكذا فإنه وبعد تسع سنوات من الأسر تمكن (الإمام فيصل) من الهرب مرة أخرى ، من مصر ، وعاد إلى نجد ، وهنا فإنه من الطبيعي والبديهي وكرد للجميل وحفظا للولاء ، فلابد من أن يناصره ويعضده (الأمير بن رشيد) حتى يمكنه من استرداد عمامة الإمامة التي تعاقب على ارتدائها عدد من الخلفاء المتخاصمين ، أثناء فترة أسره في مصر، وبذلك فقد استعاد الإمام فيصل عرشه ، حتى توفي عام (1282هـ).
تجدر الإشارة هنا إلى فائدة حول ظاهرة هامة أسميتها (فتنة النزعتين القبلية المدنية) حيث وجدتها لا بد وأن تستشري وتنخر في كل كيان سياسي ، حتى تفتك به وتقوضه من الداخل ، إلا أنها غالبا ما تكون مستترة خلف السطور ، لاسيما في الاستقراء غير الفاحص للسرد التاريخي البحت ؛ وهي تتجلى في حالة من الصراع والتناحر بين محورين رئيسين متناقضي المصالح ، وفي ذات الوقت عميقين في تكوين الواقع الاجتماعي ، بحيث يؤثران على جميع نواحي الحياة ، ولكن السلطة السياسية نجدها تستجيب لهذه الحالة وتبرز فيها أكثر من غيرها ، لاسيما في إقليم (نجد) قلب جزيرة العرب ، وهذان المحوران هما:
الأول: محور أنصار النزعة البدوية القبلية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وعادات وتقاليد وقيم وأعراف وقناعات وميول مع انتماء لعصبية قبلية وولاء سكاني وحياة بدوية ومشيخة قبلية ...الخ.
الثاني: محور أنصار النزعة الحضرية المدنية والإعلاء من شأن كل ما يتعلق بذلك من : ثقافة وفكر واهتمامات وقيم وعادات وتقاليد وقناعات وميول مع انتماء وطني وولاء مكاني وحياة حضرية ووعي ديني تشريعي ونظام حكم مدني...الخ.
علما بأن الصراع وفقا لهذه النزعة الازدواجية ، إنما يتفجر غالبا في قصور السلطان نتيجة لتعدد الزوجات ، واستخلاف الأبناء من زوجات متعددة ومتمايزة الأصول والولاء والثقافة ، ومن ذلك تاريخيا نجد مثلا ، ما حصل بين أبناء الخليفة العباسي (هارون الرشيد) وهم كل من الأمين والمأمون والمعتصم .
وهكذا فإنه نتيجة لمثل هذه الحالة من الصراع ، ونظرا لعدم تنظيم انتقال السلطة وتداولها سلميا ؛ فإن عرش هذه الإمارة (إمارة الجبل) ومنذ رحيل رائدها الأول (عبد الله العلي الرشيد) في جمادي الأولى سنة 1263هـ/1847م .وحتى حينه فقد تعاقب عليه عدد من الأمراء ، وهم كل من : طلال العبد الله حتى توفي بالدسيسة وقيل بأنه انتحر في قصر برزان وقيل أثناء زيارته للرياض عام (1282هـ) ثم أخيه متعب العبد الله وهذا اغتاله بندر بن (أخيه طلال) عام (1285هـ) وتولى الإمارة ، مما أغضب عليه عمه (محمد العبد الله) الذي غادر إلى العراق ، ومنها إلى الرياض ، حيث مكث فترة لدى الإمام (عبد الله الفيصل) وبعد وفات عمه (الأمير عبيد آل الرشيد) عاد حوالي عام (1286هـ) وتصالح بداية الوقت مع الأمير بندر إلا أنهما قد تنازعا لاحقا بخصوص قافلة لقبيلة الظفير ، فقتله محمد ، وتخلص لاحقا من جميع أبناء أخيه (الأمير طلال العبد الله) ، وهم ستة أبناء بينما سلم منهم الطفل الصغير( نايف) ، وهكذا فقد استلم محمد الإمارة في حوالي عام (1389هـ) ويعتبر درة التاج في العقد الفريد لأمراء آل رشيد النبلاء فله من الألقاب الشرفية الكثير نجد منها مثلا : خيران والمهاد والكبير بل وحتى أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، فقد كان عهده كله خير ورخاء وبركة ، وذلك بصورة فريدة تختلف عن كل ما اعتاده الناس ، لا فيما كان قبله ولا فيما جاء من بعده ..
ونتيجة أيضاء ل (فتنة النزعتين القبلية المدنية) المشار إليها ، فإنه بعد أن توفي الإمام فيصل عام (1282هـ) دب الخلاف بين أبنائه كل من عبد الله وسعود وعبد الرحمن ومحمد ، وعندما طال التطاحن بينهم وصار الصلح فيما بينهم أمرا ميئوسا منه ، وحقنا للدماء ، تدخل الأمير القوي جدا حينها (محمد العبد الله الرشيد) وأطبق على معقل الإمامة في (الرياض) فضمها إلى (إمارة الجبل) وجاء بالبعض من أبناء (الإمام فيصل) وعوائلهم إلى مدينة حائل وأكرم نزلهم ، وقد مكثوا مليا ، ثم نصَّب أمير الجبل (عبد الرحمن بن فيصل) واليا له على الرياض ، وبعد فترة حصل تمرد من أهل القصيم ومعهم بعض العشائر ، طامعين في الاستقلال ، عن سلطان إمارة الجبل ، ولكنه (ابن رشيد) كسر ذلك التمرد ، وشتت شمله في (معركة المليداء) الفاصلة في ( 13/6/1308هـ) وحيث قد علم (الأمير محمد بن رشيد) عن وجود حشد وتحرك من بعض (كبار آل سعود) لنصرة (أهل القصيم) ضده ، عندها تحرك فورا من القصيم ، صوب الرياض ، وعندما علم الحاشدون ضده عن الهزيمة التي حلت بقومهم ، تفرق شملهم ، بينما هرب (عبد الرحمن بن فيصل) ومعه أغلب رجالات (آل سعود) إلى الخليج ثم إلى الكويت ، وهكذا فقد استقلت (إمارة الجبل) فعليا وتماما عن الإمامة الساقطة ، كما استتب الأمر في كل (إقليم نجد) وما جاورها ، لهذه الإمارة ، وكان ذلك هو العصر الذهبي لهذه الإمارة ، ولكنه لم يدم طويلا .
في سنة (1315هـ) توفي أمير الجبل الشهير (الأمير محمد العبد الله الرشيد) وكان عقيما لا نسل له ، وقد خلفه الأمير عبد العزيز المتعب (الجنازة) وهو ابن الأمير متعب الأول ، وكان (الجنازة) شجاعا عاشقا لخوض المعارك ذو شكيمة وبأس لا يهاود ولا تلين له قناة ، وحيث قد ساءت علاقاته مع البريطانيين بعد أن رفض موالاتهم واعتذر عن قبول وجودهم في جزيرة العرب ، فقد عمدوا إلى استفزازه ، حتى غزى الكويت ، بعد ما يقارب العام على استلامه الحكم ، وذلك تماما كما حصل مع الرئيس العراقي صدام حسين ، وهنا وفي عام (1318هـ) حشدت بريطانيا جيشا قوامه (10000) مقاتل ، يتكون من كل قبائل الجزيرة العربية ، وأهالي الخليج والقصيم وغيرهم ، بقيادة أمير الكويت (الشيخ مبارك آل صباح) وكانت المهمة هي الزحف نحو عاصمة ابن رشيد (مدينة حائل) وحصارها حتى إسقاط هذه الإمارة نهائيا ، ولكنهم عندما كانوا في موقع يقال له (الصريف) شمالي القصيم داهمهم فجأة ذلك القائد الفذ المقدام (الجنازة) وذلك فقط بخمسمائة مقاتل انتحاري من أبناء شمر الأشاوس ، وبخطة عسكرية مبتكرة وتوقيت مناسب ، فهزمهم وقتلهم وفرق شملهم وشتتهم ، ثم طرد من بقي منهم على قيد الحياة وهم قليل جدا ، شر طردة ، وكان من بينهم القائد (ابن صباح) ومساعده (عبد العزيز بن سعود) حيث أنقذهما من القتل بعض فرسان شمر النبلاء ، تحت قاعدة "ارحموا عزيز قوم ذل".
يئست بريطانيا ومن يناصرها من هزيمة إمارة الجبل عسكريا ، وهكذا فقد عمدوا إلى بعض الأساليب (المبتكرة) بخلاف المواجهة العسكرية ، من ذلك خطة (الكوماندوز) التي نفذت في مداهمة حاكم الرياض (ابن عجلان) وقتله في سنة (1319هـ) عندما دخل الملك عبد العزيز وبعض رجاله حصون الرياض بحيث استلم الحكم فيها ، وبدأ بالتوسع ، إلا أنه قد اشتد وطال النزاع بينه وبين ابن رشيد حول الاستحواذ على ناحية القصيم ، حتى تم اغتيال (الأمير عبد العزيز المتعب) بمؤامرة من تدبير المستشارين الإنجليز ، وذلك أثناء تعسكر جيشه في (روضة مهنا) عام (1324هـ) وقد خلف (الأمير عبد العزيز المتعب) ابنه (الأمير متعب الثاني) وتراجع الجيش من القصيم إلى جبال شمر ، وحينها دبت تراجيديا فتنة التنازع على السلطة بين (أبناء آل رشيد) تقول الشاعرة بنية الحمود آل رشيد في قصيدة تحذر فيها ابنها الحاكم (متعب الثاني) من المقربين الطامعين في الحكم كان مطلعها :
- أحذرْك يا متعب عن القوم الأدنين كلٍ يبي له خاتم به رشامي
ولكن عن قضاء الله هيهات أن تغني النذر ، حيث أنه وبنفس السنة فقد تم اغتياله ، مع أخوته الأشقاء ، كل من محمد ومشعل وابن عمهم طلال النايف ، بينما نجى الطفل سعود(أبو خشم) وهو أخو متعب غير الشقيق ، وكان ذلك من قبل ثلاثة من أبناء عمومتهم ، وأخوالهم المباشرين ، وهم كل من سلطان وسعود وفيصل (سبيت) أبناء جدهم لأمهم (حمود العبيد ال رشيد) الذي قال بالمناسبة تلك القصيدة المبكية ، في فجيعته وحزنه على فعلة أبناؤه بأحفاده ، والتي جاء منها :
هيضـت مـا كنـيـت وابـديـت ما اخفـيـت ولا نـمـت انــا سايـلـت حـالـي لـحـالـي ولانمـت انـا عقـب الحـرم ثـم سجـيـت (الاربــعـــة) بـالـحـلــم كــلـــن نبــالــي يا لـيـتـنـي قـيـلــت مـعــهــم ولا جــيـــت ولا شـفـت أنــا ذبـحـت (مـحـمـد) قـبـالـي (متـعـب) ولــد بنـتـي بشـوفـه تشـافـيـت لا أبطيـت ما جيتـه هــو الـلـي عنـا لـي و(مشعل) يـداوي الجـرح لـو ما تداويـت لا شــفت زولــه يــردن الـمـاء حبـالـي و(طـــلال) يناجـيـنـي وانـا لــه تـنـاجـيـت وعــزالله انــه مــن نضـايـض حـلالـي وعـــز الله إنـــي لـلـمـراجـل تـقـصـيـت مـار إن جـاء بـوق العهـد مـن عيـالـي وعـــز الله إنـــي بـالـعـهـد مـا تـرديــت مـــع نـســل عـبـد الله قــديــم وتــالــي
إلى أن قال بدعوته عل أبنائه القتلة التي استجيبت سريعا:
- سلط على (سلطان وسعود وسبيت) من بعدهم فارقت أنا كل غالي
أما أخت القاتلين ووالدة المقتولين (بنية الحمود آل رشيد) فقد كانت في الحج ولحق بها والدها حمود العبيد ومعهم الطفل الناجي سعود مع أمه وخاله حمود السبهان ولجئوا إلى المدينة المنورة ، وقد قالت أمهم بالمناسبة أشعارا مبكية تفطر القلب وتلهب الضمائر وتنزف الدموع ، ومنها تلك القصيدة التي جاء في مطلعها :
- تعززوا للي جلت للمدينة اللي (عيال أبوَه) تعشوا (عياله)
وقد تولى الإمارة ، الأمير القاتل سلطان الحمود آل رشيد (1324هـ) بينما ولي القاتل الأخر أخاه فيصل الحمود آل رشيد(سبيت) على (ناحية الجوف) وقد اعتبر هذا الأمير فاقدا للشرعية ولم يلقى قبولا حتى من الأقربين ومما قيل فيه ، قولهم على بحر الحدا :
جيناك يا الشيخ الجديد عن شوفتك نبحث خفاك إن كان نوهاتك بعيد تسري وحنا من وراك وإن كان نوهاتك قريب اقعد يا علك في عماك قطعت ب(عيال الرشيد) من خيبتك وشو بلاك والميد ماهو لك مديد باكر تشقف من (.....)
وبالفعل لم يكن مداه بعيدا ، فبعد أقل من عام تم اغتيال هذا الأمير القاتل وبواسطة إخوته ، فتولاها أخاه ولي عهده ، وهو القاتل الثالث الأمير سعود الحمود آل رشيد ، الذي أمضى فقط ربما عاما واحدا ، حيث تم عزله بنهاية عام (1325هـ) وهكذا نجد أن الإمارة تعود مرة أخرى إلى فرع (آل متعب) بعد أن مكثت مشروعيتها ولأقل من العامين لدى فرع (آل العبيد) .
بعد خلع الأمير سعود الحمود ، لم يعد هنالك في حائل من يتولى الإمارة من فرع (آل عبد الله) وهكذا فقد ضلت شئون القصر ولعدة أشهر تدار من قبل السيدة فاطمة الزامل ال سبهان ، وذلك حتى تم وصول من تم استدعائهم بعد قصيدة السنيدي من المدينة المنورة ، حيث بويع على عرشها بالوكالة في عام (1326هـ) ذلك الغلام (12سنة) الملقب (أبو خشم) وهو (الأمير سعود بن عبد العزيز) الناجي الوحيد من المذبحة التي وقعت لإخوانه ، وبولايته أنقذت هذه الإمارة من حالة التدهور والضعف والتردي ، بحيث استعادة الشرعية والثقة وقويت اللحمة بين رجالها وتكاثر أنصارها ، واشتد صلبها ، وعادت هيبتها ، واستعادة سيادتها شبه المفقودة ، وتراجع في عهده (ابن سعود) عن أي جهد عسكري ، خاصة بعد الصفعة التي تلقاها هذا الأخير عام (1335هـ) في (معركة جراب) لاسيما وأنه في تلك الأثناء قد تحول (الأمير بن رشيد) بالولاء نحو سلطان الباب العالي في استانبول ، وبذلك فقد حصل على دعم عسكري ضخم ، ضمن عدة حملات وصلته الأولى منها عام (1919م) بما فيها أول سيارة تدخل جزيرة العرب كهدية تقديرية للأمير ، وهكذا وبعد ما لا يربو عن عام واحد ، نجده يعقد لواء لجيش بقيادة جد أمه ، ووكيل عرشه زامل السبهان ، حيث تحرك به إلى ناحية الجوف بغرض إخضاعها تحت سلطانه ، وذلك كما كانت تحت سلطان من قبله من أمراء الجبل ، أو شيوخه قبلهم ، ولكن (الجوف) عند تنصيب الأمير سعود ، بعد الأمير القاتل سعود الحمود ، كان الوالي عليها أحد الأخوة الثلاثة ، قتلت إخوته وهو فيصل الحمود (سبيت) وهكذا فقد استقلت الجوف فورا ، جراء فراغ السلطة عند فرار الوالي عليها ، مع تنفيذ حركة شبه انقلابية ، وكانت ظاهريا باسم الشيخ نواف النوري الشعلان ، وقد استمر استقلالها حتى استعادها بعد انتصاره في هذه المعركة (معركة الجوف) وكانت في سكاكا الجوف وذلك مطلع عام (1339هـ) والنصر في هذه المعركة كان يعني الشيء الكثير في حسابات كل من الأمير بن رشيد وأخصامه ، لاسيما وأنها تعد من أكبر المعارك في تاريخ آل رشيد الحربي ربما بعد الصريف أو بعد بقعاء ، ولكن ولسوء الطالع فإنه حينها قد انهزمت دول المحور ومن بينها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى ، وتم تدمير سكة حديد الحجاز وتعطل (ميناء العلا)الجاف ، وبذلك فقد توقف الشريان الرئيس في دعم هذه الإمارة . وتجدر الإشارة إلى أنه عندما لملمت الإمارة المهزوزة شتاتها نتيجة الفتنة الداخلية ، لاسيما بعد أن تولي الأمير الناجح (سعود العبد العزيز) عرش إدارة الأمور فيها ، وحيث قد خبرت بريطانيا ما يؤكد بما لا يدع مجالا للتجربة أنه لا قبل لهم بلقاء جيش جبال شمر ، ذلك نظرا لقوة اللحمة والتكامل بين الولائين القبلي والوطني ، مدعومة بتاريخ حربي تليد ومجيد ، وبقيادة ملهمة وكارزماتية ، ولهذا فقد عمدت في حوالي عام (1330هـ) إلى بعض حيلها الاستعمارية ، وقد تمثلت في تكوين حركة دعوية جهادية ، شعارها الظاهري نصرة عقيدة التوحيد ورفع رايتها (لا إله إلا الله) وتكفير كل خصومها ، بل كل من ليس معها ، أما الغرض المبطن فهو اختراق الوعي القبلي وتحطيم ولائها وكسر لحمتها لتقضي على ذاتها ، أي هزيمتها داخليا ، ومن ثم تشكيلها في إطار توحيدي واحد يمكن السيطرة عليه وتوجيهه والتحكم به ، وكانت تسمى (حركة الإخوان) أي أخوان من طاع الله ، التي تضم (أهل التوحيد) الذين تتم تغذيتهم بنوع من الأيديولوجيا التكفيرية الجهادية ، لندفعوا تحت شعار : لا إله إلا الله ، على الكفار الله أكبر ، والمقصود بالكفار هم كل من ليس معهم ، فحدث أن انقلبوا الناس عقائديا وفكريا على بعضهم البعض ، وفقدت القدوة وانشقت اللحمة ، ودبت بينهم فتنة التقاتل التكفيري ، وكان هدفها بذلك مزدوج ، تنفيذ المذابح على الموالين للإمارة المستهدفة لتشتيت عنصر القوة المتمثلة بثقل قبيلة شمر ، وذلك بعيدا عن مركز الإمارة (حائل) وبنفس الوقت يتم الزحف نحوها لعزلها تدريجيا ، حتى يمكن السيطرة عليها بسهولة ، وجراء ذلك فقد حدثت مذابح مفجعة ، كان من أفجعها مذبحتي خب الشعيبة وخب الجليدة ، فجر يوم 27 رمضان ، والناس في المساجد ، ومذبحة لينة ، ومذبحة كون الروضة وكون السبعان ، وغيرها الكثير . وهنا تروى عن مذابح الإخوان وفجائعهم ، الكثير من القصص والقصائد ، أذكر منها ، تلك القصيدة الملهبة للمشاعر عن (مذبحة الجليدة) للشاعرة نزيلة الأسلمية والتي منها:
من عقب ماني صايمه كنت أصلي جضيت أنا من حر شيءٍ جرى لي ما عاد لا مدْلي ولا من مْدَلي على (الجليدة) لا سقاها الخيالي تسعين لحيه كلهم عزوةٍ لي (عوجان الألسن) ذبحوهم قبالي ما منهم اللي ذل وإلا استذلي ولا منهم اللي إلتجى بجالي وغدانهم بالقيض ماهم ابضلي وحريمهم دجت بليا رجالي اليوم (ضاري) يا بعد كل من لي وين (أخو صلفه) يا عوض من غدا لي اغزوا على (الخوَّان) ثاروا بخلي نبي عليهم مثل يومٍ جرى لي
وعن (مذبحة مساجد الشعيبة) أذكر قصيدة الشاعر ساكر الخمشي ، والشاهد منها قوله :
ذبحة (أهل المسجد) ركوعٍ وسجـاد يأتي لها مـن بعـد ذلـك منـادي يا عل دارٍ حل به ذبح الأجـواد تأخـذ ثمـان سنيـن ما سـال وادي وتأخذ ثمان سنين ما جـاه رعـاد ساكن هواهـا ما يطيـر السمـادي وترخص بها السلعة ويغلى بها الزاد وتذهل بها المرضع جنين الفـوادي
ومن قول الشيخ غضبان بن رمال في ذم المنخرطين في حركة الإخوان:
نكَّاس ل(الخوَّان) دودٍ ولد دود هذاك ودك ينزع الله شبابه تمسي وتصبح شاربك فيك مجرود وتُضرب الى شيفت عليك العصابة
كانت حركة الإخوان عبارة عن جسم وجناحين ، الجسم (تنظيري لوجستي) غير قبلي وغامض التكوين لا يبرز فيه إلا أهل العلم والوعظ ، أما الجناحين التنفيذيين ، فالأول يمثل قبائل البدو الجنوبية بقيادة (سلطان بن بجاد) شيخ فرع برقا من عتيبة ، أما الثاني فيمثل قبائل البدو في الشمال بقيادة (عزيز الدويش) من شيوخ مطير ، والكل منهما متخصص ومتعهد بتطهير ناحيته من أهل الكفر (غير الموالين).
وهكذا ، واستجابة لنخوة الشاعرة الأسلمية بالشيخ ضاري بن طواله (أخو صلفة) فقد سنحت لشمر فرصة الأخذ بالثأر من مطير عندما خرجوا على طاعة القيادة ، بقصد إخضاعهم ، وذلك في (معركة المسعري) بأم رضمة في ذي الحجة من سنة (1348هـ) فقد تم قتل الشيخ الدويش وهزيمة من كانوا معه ، جاء دور أخت الدويش قائد منفذي المذابح ، حيث تقول :
يذكر عزيز عليه غبار بالمسعري تكلح انيابه ضحوا بهم بالنمش وقصار يا سعد من شمر أقرابه اللي علينا عليكم صار من الي علينا فتح بابه
وهنا نجد شاعرتنا نزيلة الأسلمية مبتهجة بخبر النصر وقتل الشيخ الدويش ، وترد على من يقولون بحرمة قتلهم في الشهر الحرام (الأضحى) إذ تقول :
يا ميت يا الي بين الاموات نهاج (أهل الجليدة) خصهم بالسلامي قضى لهم وليهم عجل الافراج يوم جرى بالمسعري له كتامي ميتين مع تسعين والناس حجاج منهم ذبحنا ، ليه؟! قالوا : حرامي ما هو حرام ذبحنا عند الإفجاج الفجر تال العشر شهر الصيامي نسوانهم بحداد..وأمشي بديباج توه برد غلي وعيني تنامي
ومن قصيدة أخرى تقول إحداهن :
- اللي يحرّم دمكم بالضحية ! كيف يحلل دمنا برمضاني ؟!
وقد استمرت هذه الحال من الزحف والعزل بشكل بطيء ، باتجاه تنفيذ حصار مطبق على (مدينة حائل) معقل (ابن رشيد) إلا أنه وفي عام (1339هـ) صدم الناس في جبال شمر بنبأ اغتيال الأمير سعود (أبو خشم) من قبل أحد أبناء عمومته (عبد الله النايف الطلال ال رشيد) ، فتولى الإمارة من بعده ابن أخيه (متعب العبد العزيز) الذي اغتيل من أخواله ، وهو ذلك الأمير ما قبل الأخير (عبد الله المتعب) الذي هرب وهو لم يمضي عاما واحدا في سدة الحكم ، وبقي لاجئا لدى (ابن سعود) في الرياض ، ذلك نظرا لخطورة وضعه ، أمام بعض المتحفزين لشغل المنصب ، وكان في مقدمتهم خلفه مسك الختام من فصول تراجيديا إمارة آل رشيد المجيدة ، ألا وهو (الأمير محمد النايف الطلال) شقيق قاتل الأمير سعود بن عبد العزيز ، وأحد أبناء (نايف الطلال) الناجي الوحيد من أبناء (الأمير طلال العبد الله) الذين تخلص منهم (الأمير محمد العبد الله) وكان هذا الأمير (محمد الطلال) كبقية أمراء آل رشيد شجاعا صارما وقائد فذا مقداما ، ولكنه لم يكن محظوظا وربما كان ينخدع كثيرا بأصحاب المئارب السيئة من البطانة ، وهكذا نجده قد ساهم هو ذاته ولسوء تدبيره في كسب عداء الناس تشتيت من حوله ، ذلك عندما بدأ عهده بتنفيذ عدة حملات عسكرية على عدد من أهل القرى المحيطة به في جبال شمر ، حيث فتك بعدد من علمائها (الإخوان) ، وبالمناسبة يحضرني هنا موقف يقال : بأنه حدث خلال اجتماع عقده هذا الأمير مع رجالات شمر وأهل الجبل للتشاور حول أسلوب مواجهة هذا المد الحركي المخيف ، والذي لا يمكن مواجهته عسكريا ، وكان يحضر الاجتماع الفارس المشهور ندى بن نهير وكان ذو رأي وبصيرة مع قدر من الشجاعة المادية والأدبية ، وإنه قد دار النقاش بالتركيز على أما المواجهة العسكرية أي بالقوة ، أو بالتفاوض الشرعي حول مسألة تكفيرهم وإعلان الحرب عليهم من قبل قيادة الإخوان ، وكان بن نهير يتابع بصمت ، ما لا جدوى منه ، ذلك كما يرى ، وعند نهاية الاجتماع التفت الأمير إليه ، قائلا : هات رأيك يا ابن نهير، وعندما ألح عليه قال : يا كويل العمر (ابن سعود) يبينا نطوي على رؤوسنا خرقه (عمامة) ونقول : أنت الإمام ، ولك منا السمع والطاعة ، وهكذا سيبقى كل منا في مكانه ، محافظا على وضعه، من يدري ربما تنفرج قريبا ، لسبب ما ، فلعل مسدسه هذا (الإخوان) الذي يرهبنا به ، يرتد يوما عليه فيخلصنا من عمائمة (ينقلب السحر على الساحر) كان من بين الحضور رجل يكبر المتحدث (ابن نهير) سنا، ومن كبار البطانة الأميرية الواصلين جدا ، قيل بأنه إما سعود بن سبهان (المتوقد) أو (عقاب بن عجل) خال الأمير عبد العزيز (الجنازة) المهم أنه ، قاطع حديثه بقوله وهو يقبض على نصاب سيفه، وبلهجتة الحائلية : "شف يا وليدي ، الله يصلحك ، حِـنَّا أخذناها ، بحد هالسيف ، ما أخذناها باء تاء ثاء، لكن إذا تبي عمك (ابن سعود) توكل على الله ، هذا هو ، الله يعطيك بركته" هنا قام (ابن نهير) واقفا ، ثم قال بصوت عال: "شف يا عمي ، إذا مشت الأمور على رأيك ، والله ما يمضي عليك سنة ، ألا وأنت هارب من هنا، وتدور لنياقك المعبار مع (شط الفلوجة) أما أنا ، فمن هذا الموقف ، والله ما أجلس إلا عند الإمام (ابن سعود) " ، فخرج من فوره والتحق فعلا بركب إمام الإخوان .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ثالثا/ العهد الحديث ، ما بعد ضم جبال شمر للمملكة العربية السعودية :
وخلال هذه الأثناء من تواصل الزحف والعزل ، وفي اعتدال الجو في فصل الخريف عام (1339هـ) تم استغلال حركة قوافل الحج في الأشهر الحرم بحيث تكاملت روافد هذا الحصار ، ونصبت مصائده تماما ، حول مركز الإمارة (مدينة حائل) وتمت السيطرة والتحكم بجميع المداخل والمخارج ، إلا أنه كان يسمح بمرور الخارجين منها بسلام ، بينما لا يسمح للوافدين إليها أيا كانوا ، وقد كان حصارا تجويعيا استسلاميا ، أهم ما كان يخشى حينه ، في حال ما لو يخرج أفواج الإخوان عن طاعة القيادة الإمامية فيهاجموا المدينة ، فهاهي (الحور تحت السور) كما يرونهن (كذابوهم) يوميا ، وذلك ليستقبلنهم ويباركنهم حال هجومهم المقدس على معقل الشيطان الأكبر ،هكذا أدمنوا التلذذ بنشوة غوايتهم في القتل والبطش والتنكيل وشق البطون وال(...)ب والتدمير والنهب والسلب ، لاسيما من غنائم حائل ومكنوزاتها المهولة والمضخمة أضعافا ، امتد هذا الحصار ، ما يقارب الأربعة أشهر ، وقد تمخض عن (تنفيذ عملية تسليم سلمي سرية) نفذت تدريجيا منذ بداية الحصار ، وقد رتبت بموجب اتفاق تم ما بين (الإمام عبد العزيز) ممثلا في ابن عمه ((سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة)) وبين بعض وزراء الأمير (ابن رشيد) على أن يطال أمد الحصار ، بحيث يرافقه تدريجيا ، العمل على تنفير الحشود المرابطين المتحمسين للدفاع عن المدينة وعن قصر الحكم (برزان) وعن الأمير (محمد الطلال) من خلال العمل على بعث كل دوافع الإحباط فيهم ، وتجويعهم وإرهابهم بإمكانية حدوث هجوم مفاجئ من الإخوان الفوضويين القتلة ، ذلك لخفض معنوياتهم وبث الروح الانهزامية فيهم ، مع فتح المجال بنفس الوقت ومن الطرفين لانسحاب من يرغب ، وكان ذلك يترافق مع سحب المخزون الغذائي تدريجيا من القصر ، وكذلك من السوق ، يروى هنا ، عن الفارسين الشهمين ردن وأخوه رديني من آل أسلم ، وكانا أثناء الحصار إلى جوار الأمير ، بأن وزير الأمير ، في مساء ليلة السقوط ، قد سأل بصوت عالي عن كمية المخزون الغذائي ؟ فجاءه الرد من أحد عماله قائلا : "بس كيس واحد (شعير) " وحينها كان الأمير حاضرا سامع ، وأنه فقط أطرق برأسه دون ابدأ أي استجابة ، وبأنه ليلتها لم يضل من المرابطين في مربعات حماية السور إلا واحدا فقط في كل مربوعة ، وعدد قليل لحماية القصر ، أما إلى جوار الأمير فقد كانوا فقط ستة رجال أسالمة ، منهم هذان الراويان .
وهكذا فإنه في صبيحة يوم 2 من شهر نوفمبر (1921م) في صفر عام (1340هـ) تم تنفيذ أخر خطوة من عملية التسليم ، ذلك أنه ومع بزوغ الفجر تم سحب الحامية من فرسان وحراس سور حائل وقصر برزان (المهدوم) مع استبدالهم بعدد من رجال الخصم (ابن سعود) ثم تمت مداهمة القصر ، وبهدوء تم اعتقال الأمير (محمد الطلال) بمساعدة البعض من رجاله ، بحيث تم تقييده مع الرجال الستة المتبقين من ثقات رجاله ، ومن ثم تم تسليمهم إلى سعود بن عبد العزيز الكبير (العرافة) كونه (ابن رشيد) يثق به ، ويقدره ، وكان ذلك مقابل قطع عهد اليمين بالصفح الأمان ، وعفا الله عما سلف ، مع التعهد الناجز بحفظ مدينة حائل ، وصونها مما يتوعدها به (أخوان من طاع الله) في حال ما لو دخلوها عنوة ، على أن لا يولي على جبل شمر أميرا من غير أهله ، ويقال أنهم عندما قيدوه رفع صوته بالحدا مقهورا ، وكان مما قاله :
- الخيل ترزح بالبلد وأنا أترزح بالحديد
- الحكم يبي له ولد ماهو أنت يا بناخي العبيد
وبعد صلاة العصر ، وصل الوفد لتسليمهم للإمام (ابن سعود) حيث كان ينتظرهم ، وهو خارج أسوار المدينة ، يتصدر محفلا عاما للإخوان ، وبالمناسبة فلقد كان الإخوان يتمنون بل ويتوقعون ويأملون حينها ، قطع رأس الأمير (ابن رشيد) فورا ، ولكن حلت خيبتهم عندما أقبل الوفد ومعهم الأمير (ابن رشيد) وهو يترزح بالحديد ، وفوجئوا بالإمام (عبد العزيز بن سعود) واقفا وهو يرفع يديه مرحبا بقوله : يا هلا يا هلا ، لعانقه ويضمه إلى صدره ، ثم يجلسه إلى يساره ، وكان ابنه (سعود) إلى يمينه ، هنا ضجت حشود الإخوان مرددين بصوت عالي تظاهري قولهم :
"اقطعوا الشجرة الخبيثة أقطعوا الشجرة الخبيثة" عندها وقف الإمام عبد العزيز وقال بصوت عالي : اسمعوا يا ذوي خرقان (عمائم) ذولا ماهم الشجرة الخبيثة ، ذولا هم عنبر نجد ، ثم استطرد وهو يرفع يديه ممسكا بإصبع الخاتم : لكنهم طامعين بذا (الخاتم) وذا ، لو إن ولدي هذا (سعود) يطمع فيه لقطعت رأسه ، وقد جاء الرد بصوت مدوي قائلين : "إقمح يا ذا العَو وو ود" ثم الحق بقوله : "وإنه ومن اليوم فإن حائل وأهلها وما حولها شعرة من شعر وجهي ، وكل من يتعرض لها بسوء فسينال مني أشد عقوبة ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، يكون هذا معلوم للجميع ، والحاضر يبلغ الغائب" ، وقد نقل على الفور الأمير محمد النايف الطلال ال الرشيد للإقامة الجبرية في الرياض حتى قتل في وضع غامض ، قيل بأن عبده الخاص هو من قتله ، فقتل العبد قصاصا ، وكان ذلك في عام (1373هـ).
هكذا تم ضم ناحية جبل شمر (منطقة حائل) شمالي إقليم نجد ، وذلك ضمن توحيد المملكة العربية السعودية ، وقد تمت تولية (إبراهيم السالم السبهان) أميرا في حائل ، وبسقوط هذه الإمارة وضم منطقة جبال شمر فقد دانت كل المناطق شمالها بالولاء لابن سعود كما سهل ذلك بسقوط شريف مكة وضم الحجاز وعسير وبعد سنه تم عزل عزل ابن سبهان وتولية الأمير عبد العزيز بن مساعد بدلا منه ، ووهذا قد ضل في إمارة حائل ما يقارب الخمسين عاما ، ومن بعده تولى الإمارة الأمير فهد بن سعد آل سعود ، ثم ابنه سعد ، وفي عام 1400هـ تولى الإمارة صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود ، حتى خلفه الحالي صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن آل سعود وإلى يومنا هذا ..
- وتجدر الإشارة إلى أنه بعد سقوط إمارة آل رشيد تم نقل جميع أسرتهم (آل عبد الله وآل عبيد وآل جبر ) للإقامة الجبرية في الرياض وبعضهم فر للخارج منهم من عاد لاحقا ومنهم من حيث لا نعلم ، ويبقى دائما ذكرهم العطر في دواوين شمر ومن جاورهم ، كما هو الحال في ذكر من سبقوهم من شيوخ شمر من أمثال آل بقار (خيالة الشعبتي) وآل جربا (مغذية اليتمان)وغيرهم . وبالمناسبة ، نجد هنا إحدى بناتهم وهي الشاعرة نورة آل رشيد ، بعدما جلوا عن حائل ، وعندما طاولها السهر والبكاء ذات ليلة ، وكان عبدها إلى جوارها ، ولكنها ولهلاك عزوتها وتشريدهم ، فقد صارت تناديه (عمي) وكان يحاول الترويح عنها ، ويطلب منها الركون للمنام ، فجاء ردها عليه شعرا ، في قصيدة بكائية رائعة ، كما أملاها الشاعر الشهيد طلال العبد العزيز ال رشيد ، إذ تقول:
- أبكـي هلـي أهـل القـصـور الفسيحـه ولا ألـوم عينـي لـو جرى دمعهـا دم
- وأبكي فراق أهل العلـوم المليحـه إخـوانـي الـلــي لا بـغــوا لازمٍ تـــم
- يا ما انتخوا بإسمـي ليـا حـل صيحـة إلى انتخـوا بـي كافـر الجـن يسـلـم
- وإسمي كمـا نجـمٍ ضـرب قـاع بيحـه أو الصـواقـع يــوم للـضـلـع تـرجــم
- (نــورة) أنــا بـنـت الشـيـوخ الفليـحه أبـوي حاكـم وإخوتـي صفـوة الجـم
- على فراق الـعـز كـبـدي جريـحـة وحـب الوطـن يا العبـد مـن عـصـر آدم
- يـا حيـف (حايـل) فارقـن ريـح شيحـه بذيك الشغايا كن ما قيل لـي سَــم
- وابن طـلال اللـي جـرح للقريـحـة ونـاسٍ بنـا خـانـوا.. ونــاسٍ بـنـا نَــم
- خـانوا ب(حـايـل) كاسبـيـن الفضـيـحـه بأقوال وأفعالٍ بها الله يعلم
- ما مثلهم غير اللوق في ضبيحه يا ليتهم كانوا من البكم والصم
- وأولهم (الملدود) يا ويح ويحه وأهل العمايـم جعلهـم فـي جهنـم
- جميعهم لو يـدعـون النصـيـحـة (جهال بـدوٍ) مـــا تـعــرف التـيـمـم
- والغادرين أهل الوجيه الكليحه الله يشتت شملهم مثل ما لَـم
- معذور من مثلي يميز صحيحه على السهر والحزن واللوم والذم
- عرفت شح أهل النفوس الشحيحه وانجاس ناسٍ ما تطهر بزمزم
- و(العبد) صار (العم) والله فضيحـة يا كبرها يا ليلة الحزن والهم
- يا هَـوْه وين أهل العقول الرجيحه؟ خل السهر لي وأنت يا ا(عَـم) قـم نِم
- إمْن أولٍ نـأمـر تجـيـب الـذبـيحـه واليوم يا عمر الندم صرت (لي عَـم)
المصادر
ألكسي ڤاسيلييڤ (1986). تاريخ العربية السعودية. موسكو، الاتحاد السوڤيتي. {{cite book}}
: Unknown parameter |coauthors=
ignored (|author=
suggested) (help)CS1 maint: location missing publisher (link)
- Agha Ahmed Ahmed, bu geleneksel sistem olduğu için, göçebe kabileler ve kontrol, ve yoksul kentsel alanlarda, İstanbul, 1770.
- Mundhir Gudair düzgün, kapıyı Arap yarımadasının kalbinde, 1612 yılında Shammar Valisi yüksek dağlarda müzakere olduğunu
- فهد العريفي ، سلسلة هذه بلادنا ، حائل .
- عمر رضا كحالة ، معجم قبائل العرب القديمة والحديثة ، خمسة مجلدات .
- عشائر العراق للعزاوي.
- شائم بن لافي الهمزاني ، التغير الاجتماعي في منطقة حائل (رسالة علمية) 1990م.
- الشيخ رشيد بن فريح آل بقار
- الشيخ غياض بن رشيد آل بقار
- خلاصة القول المسنود عن واقع ناحية جبال شمر من آل بعير وحتى آل سعود