ارتباط جيني

في مطلع القرن العشرين أوضحت دراسات العالم سَتُون Sutton العلاقات بين الصبغيات chromosomes ومبدأي مندل Mendel: الانعزال segregation، والتوزيع المستقل independent assortment. لكن مشكلة مهمة بدأت في الظهور، وهي الاختلاف الكبير بين أعداد الصبغيات القليلة والأعداد الكبيرة من المورثات (الجينات) genes. وهذا يعني أنه لا توجد أعداد كافية من الصبغيات لتكون كل مورثة واقعة على صبغي خاص بها، فمثلاً لقد تمت دراسة آلاف المورثات في ذبابة الخل Drosophila melanogaster، في حين لا تمتلك هذه الحشرات سوى أربعة أشفاع من الصبغيات: ثلاثة منها جسمانية، وشفع واحد جنسي. ويعني هذا أن مبدأ التوزيع المستقل ليس سارياً دوماً كما كان معتقداً سابقاً، وأنه لابد من أن يمتلك الصبغي الواحد عدداً من المورثات مشكلاً مجموعة ارتباطية لا تتبع في انتقالها من جيل إلى آخر مبدأ التوزيع المستقل. وعلى هذا فإن هذا المبدأ يظل محصوراً في المورثات الكائنة في صبغيات مختلفة، ومن ثم فإن اكتشاف الارتباط linkage بين المورثات الكائنة على الصبغيات نفسها، وتزايد المعرفة الخاصة بصبغيات الجنس sex chromosomes والارتباط بالجنس، وتلك المتعلقة بالدراسات الخلوية (السيتولوجية) للانقسامات الخلوية أدى إلى حل المشكلة المشار إليها.

الإرتباط الكامل.jpg
الإرتباط الجزئي.jpg

عُرف الارتباط منذ عام 1906 عندما وجد بِتسون وبوبَنِت Bateson and Punnet أن شفعين من المورثات في الذرة لم يسلكا سلوك التوزيع المستقل، فإذا كانت المورثتان A وB وصلتا إلى النسل من الأب الأصل (AABB x aabb) فإنهما تميلان إلى البقاء معاً في العروس (الخلية التناسلية) ومن ثم تنتقلان إلى الجيل التالي معاً، أما إذا كانتا من آباء مختلفة (AAbb X aaBB) فإنهما يمكن أن تدخلا في أعراس مختلفة فتكون مستقلة بعضها عن بعض في جزء من الجيل الناتج. وقد عرف ذلك آنذاك بالاقتران coupling والتنافر (أو الصدود) repulsion، على التوالي.

لم يتوافر تفسير لظاهرتي «الاقتران» و«التنافر» حتى فسرهما العالم توماس مورغَن Thomas Morgan عام 1910 بعد عثوره على ظاهرة مماثلة في ذبابة الخل، وحيث تبين له أن ظاهرتي الاقتران والتنافر ليستا سوى وجهين لظاهرة واحدة هي الارتباط linkage، وهما الارتباط الكامل (الشكل 1) والارتباط الجزئي (الشكل 2) الذي يؤدي إلى حدوث ظاهرة العبور crossing-over بين المورثات. وتنشأ ظاهرة الارتباط من وجود المورثات معاً على صبغي واحد حيث تميل إلى البقاء معاً في أثناء تكوين الأعراس. وقد أشار مورغَن أيضاً إلى أن درجة الارتباط أو شدته بين المورثات تعتمد على المسافة الكائنة بينها على الصبغي، فيكون الارتباط قوياً باقتراب المورثات بعضها من بعض على الصبغي، ويكون ضعيفاً بابتعادها عن بعضها.

من المعلوم أن الأعراس التي ينتجها الجيل الأول غير متماثل اللواقح تكون بنسب متساوية في حالة التوزيع المستقل للمورثات. فمثلاً ينتج الفرد ذو الطابع الوراثي BbDd أربعة أنواع من الأعراس بنسب متساوية (1:1:1:1)، هي BD: Bd: bD: bd وتكون المجموعات المظهرية في الجيل الثاني موزعةً بنسبة 9:3:3:1. ولكن نسب توزع أفراد الجيل الثاني المبينة في الشكل (2) لم تكن كذلك بل كانت (4:9:4.9:1.1)، ويعود ذلك إلى ظاهرتي الارتباط بين المورثتين المذكورتين في المثال واللتين أدتا إلى عدم إنتاج أعراس الجيل الأول بنسب متساوية.

يحدث العبور بين المورثات في كل من الجنسين باستثناء حالات قليلة لا يحدث فيها في جنس معين (مثل الذكور في ذبابة الخل). وإذا كان الارتباط بين مورثات واقعة على الصبغي (X) فيدعى مرتبطاً بالجنس sex-linked.

في بحوث التحسين الوراثي للصفات الحيوانية والنباتية المهمة يسعى الباحثون إلى تقصي وجود ارتباط بين الصفات المدروسة (ومن ثم بين المورثات التي تسببها)، فإذا كان الارتباط بينها إيجابياً فإن الاصطفاء لإحداها يمكن أن يحقق تقدماً في الصفة أو الصفات المرتبطة بها. أما إذا كان الارتباط بينها سلبياً فإن الاصطفاء لإحدى الصفات يتبعه تدهور في الصفة أو الصفات المرتبطة بها (الشكلان 3 و4 آ و ب).

التحسين الوراثي والتدهور.jpg

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الارتباط بين الوراثة والبيئة

التحسين الوراثي للصفات الحيوانية والنباتية.jpg

الشكل ( 4 ـ أ)

الدليل الإنتخابي.jpg

الشكل (4 ـ ب)

ليس الارتباط مقصوراً على المورثات في صبغيات معينة بل يمكن الانتقال إلى مفهوم آخر هو الارتباط بين المورثات والبيئةgenetic-environment correlation، فقد يعمل كل منهما مستقلاً عن الآخر وبصورة تجمعية تتراكم فيها آثار العوامل الوراثية أو البيئية معاً بغية إظهار نتيجة ما، وقد ترتبط المورثات والعوامل البيئية معاً فلا تكون آثارها مستقلة بعضها عن بعض. فمثلاً إن الآباء ذوي السلوك الاجتماعي الجيد يورثون أبناءهم مورثاتهم، كما أن الأبناء يتعرضون عادة لسلوك اجتماعي جيد متأثر بمورثاتهم وبالظروف الجيدة المحيطة بهم والتي يوفرها آباؤهم لهم مما يساعدهم على تطوير سلوك جيد لديهم، ويدعى هذا تفاعلاً وراثياً ـ بيئياً منفعلاً passive. ومن جهته فإن طفلاً حسن السلوك والمعشر قد يسعى إلى توفير ظروف جيدة تُزيد من حسن سلوكه، ويُدعى هذا تفاعلاً وراثياً ـ بيئياً فاعلاً active. وفي جميع الأحوال فإن النمط الوراثي للفرد يرتبط بنموذج البيئة التي تحيط به وبنموه وتطوره.


المصادر

  • أسامة عارف العوا. "ارتباط جيني". الموسوعة العربية.