اتفاقية التعايش 1950
إتفاقية التعايش 1950، هي اتفاقية يُزعم أنها أبرمت بين إسرائيل ومصر، وبموجبها تقلص حجم قطاع غزة بحوالي 200 كم²، من المساحة التي نصت عليها اتفاقية الهدنة العامة المصرية الإسرائيلية، وقع الإتفاقية في 22 فبراير 1950. ولكن لم يتم ذكر هذه الإتفاقية رسمياً والمصدر الوحيد الذي تحدث عنها هو سلمان أبو سته، مؤسس ورئيس هيئة أرض فلسطين، لذا يبقى احتمال وجود الاتفاقية فعلياً محل شك. وبحسب سلمان أبو سته، فقد ترأس وفد مصر محمود رياض، فيما ترأس الوفد الإسرائيلي أبراهام شاكارزر، وكان الاتفاق سرياً في حينها ولم يكشف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
خلفية
حرب 48
أثناء حرب 1948، تقدمت القوات المصرية ودخلت لمساحات واسعة من أرض فلسطين، وكانت المساحة التى سيطر عليها الجيش المصرى أكثر من مساحة نصف فلسطين أى حوالى 14 ألف كم مربع. وصلت القوات المصرية إلى إسدود والفالوجة والخليل وبيت لحم، وكانت المنطقة الجنوبية عربية خالصة عدا بعض المستعمرات القليلة. وفي منتصف أكتوبر 1948 وجهت إسرائيل قواتها إلى الجنوب لإحتلاله في مواجهة الجيش المصري، بعد إن إحتلت مساحات واسعة في منتصف فلسطين وشمالها. وفي معركة تلة الخيش الواقعة على تقاطع طرق هام غرب موقع شرطة عراق سويدان، تمكنت القوات الإسرائيلية من إختراق دفاعات الجيش المصري في منتصف أكتوبر 1948 وتدفقت نحو الجنوب، وإحتلت مدينة بئر السبع الإستراتيجية، ثم إتجهت غربآ، ونسفت جسر بيت حانون في محاولة لقطع إمدادات الجيش المصري. فإنسحب الجيش المصري بقيادة اللواء أحمد علي المواوي على طول السهل الساحلي من إسدود إلى غزة. وطوقت إسرائيل جيب الفالوجة المشهور، الذي صمد فيه السيد طه ومساعده جمال عبد الناصر. وبعد أن إحتلت إسرائيل بئر السبع، إحتلت العوجا ودخلت سيناء متجهة إلى العريش، لقطع خط إنسحاب الجيش المصري، إلا إنها تراجعت بضغط بريطاني، فعادت إلى محاصرة ماتبقى من الساحل الفلسطيني في غزة.
بعدها أقيل اللواء أحمد علي المواوي وإستبدل به اللواء محمد فؤاد صادق باشا، الذي أمرته الحكومة المصرية بإكمال الإنسحاب من فلسطين. ولكنه رفض قائلاً: "إزاي أنسحب وأسيب ربع مليون من إخواتي كالفراخ يذبحهم اليهود وينتهكون أعراضهم؟ أتريدني أن أخذهم معي إلى العريش؟ أم أدافع عن رفح؟ كلا لن أنسحب مهما كانت النتيجة؟".
حاولت إسرائيل مرة أخرى مهاجمة الساحل، وشطر قطاع غزة إلى شطرين في موقعة مشهورة تسمى تبة 86 أو تبة الشيخ حمودة. وصمد اللواء صادق باشا بشجاعة، كما أنه أخرج متطوعي الإخوان المسلمين من معتقل رفح، الذين إعتقلتهم فيه حكومة إبراهيم عبد الهادي، وشاركوا في المعركة، ثم أعيدوا إلى المعتقل بعد المعركة. وإنهزم الجيش الإسرائيلي هزيمة منكرة، وقتل قائده الروسي، وبذلك تم إنقاذ ما يسمى الآن بقطاع غزة، الذي يتكدس فيه أهالي 247 مدينة وقرية بجنوب فلسطين، وهم الذين طردتهم إسرائيل، وإحتلت أراضيهم بعد إنسحاب الجيش المصري.
بعد هذه الهزيمة الإسرائيلية، بدأت إسرائيل حملة انتقامية وشنت غارات جوية لإبادة أكبر عدد ممكن من اللاجئين الذين يحاولون العودة إلى ديارهم.
وجاء في تقارير مراقبي الهدنة أنه في الفترة بين 26 – 31 ديسمبر 1948 قصفت إسرائيل جواً مستشفيات ومواقع مدنية في قطاع غزة. وجاء في هذه التقارير تفصيلاً أنه يوم 2 يناير 1949 أغارت 4 طائرات إسرائيلية على مركز توزيع المؤن في خان يونس فدمرته وقتلت 30 مدنياً وجرحت سبعين آخرين.
كما جاء في التقرير الشهري للصليب الأحمر عن شهر يناير 1949 من مكتب غزة إلى جنيف أنه "في يوم الأحد 9 يناير قُصف مركز توزيع المؤن في دير البلح وهو مكتظ باللاجئين وقتل 150 شخصاً (شهود عيان قالوا إن العدد 225). لقد كان مشهداً مريعاً".
لقد كان غرض هذه الأفعال الوحشية هو ترويع الأهالى وردعهم عن محاولة العودة إلى ديارهم وإثبات أن الجيش المصري عاجز عن حمايتهم ودفعه إلى توقيع اتفاقية الهدنة وهو ما حدث في الشهر التالي.
لم تكن توجد مستعمرات اسرائيلية بين غزة وإسدود على السهل الساحلي وهي أخر نقطة وصل إليها الجيش المصري، عدا مستعمرة "يد مردخاي"، التي إحتلها الجيش المصري قرب دير سنيد. وشمل السهل الساحلي من غزة إلى إسدود، والذي كانت ترابط فيه القوات المصرية على مسافة 30 كم من غزة، القرى الفلسطينية الاتية: دير سنيد، دمرة، هربيا، بيت جرجا، بربرة، الخصاص، نعليا، الجية، الجورة، المجدل (عسقلان)، حمامة، إسدود. أما منطقة شرق قطاع غزة حتى بئر السبع على مسافة 50 كم وهى أرض العشائر فلم توجد بها إلا مستعمرتان أو ثلاثة ولا يزيد عدد الجنود في كل منها عن 30 جنديآ.
خط الهدنة 1949
سمح خط الهدنة، الذي تم الإتفاق عليه في إتفاقية الهدنة الموقعة في 24 فبراير 1949 بين مصر وإسرائيل في جزيرة رودس، لإسرائيل من احتلال مساحة 5 آلاف كم مربع من الأرض العربية، لم يكن سجل لها فيها أكثر من 60,000 دنم خلال فترة الانتداب، ولم يسكنها أكثر من 300 جندي في حوالى 11 مستعمرة بنيت قبل سنة ونصف، بالمقابل كانت فيها 200 ألف فلسطيني، هُجّروا إلى قطاع غزة لينضموا إلى 80,000 من أهالى قطاع غزة الأصليين.
وكان هذا مكسباً هائلاً لإسرائيل في معارك محدودة بأقل الخسائر البشرية لها وأكبر الخسائر في الأرض والبشر للفلسطينيين.
لم يكن عند الضباط المصريين المفاوضين في رودس معلومات كافية عن الأرض وأهلها. وكان اهتمامهم الأول بإنقاذ القوات المصرية المحاصرة في الفالوجة، ولذلك تمت الموافقة على خط الهدنة الذى اقترحته إسرائيل كطرف منتصر، خصوصاً وأن تعليمات الحكومة المصرية كانت الانسحاب الكامل من فلسطين، واعتبار أن "كل أرض غير مصرية هى أرض إسرائيلية" كما جاء على لسان أحد المفاوضين المصريين في مذكرات كامل الشريف قائد قوات المتطوعين من الإخوان المسلمين.
ولذلك تم تحديد خط الهدنة كما لو كان سوراً يحيط بقطاع غزة.
الرائد محمود رياض (بشارب بأقصى اليمين) وكان مدير المخابرات الحربية، والعقيد محمد إبراهيم سيف الدين والعقيد محمد كامل الرحماني من الوفد المصري يوقعان اتفاقية الهدنة في رودس، 24 فبراير 1949.
إذ جاء في المادة السادسة من إتفاقية الهدنة الفقرة رقم (1):
"أن خط الهدنة يجب أن يتم بناءآ على قرار مجلس الأمن الصادر في 4 نوفمبر 1948، والمؤكد عليه في مذكرة مجلس الأمن بتاريخ 13 نوفمبر 1948 (أي بإرجاع الوضع كما كان عليه في 15 أكتوبر 1948 أو بمعنى أخر إعادة أهل القرى الفلسطينية الجنوبية إلى ديارهم)".
لكن الإسرائيليين فرضوا خط الهدنة إلى الحد التقريبي الذي وصلت إليه قواتهم. وتمكنوا من تحديد الحد الشمالي لخط الهدنة حسب الفقرة الأولى من المادة السادسة كالآتي: "إنه خط يمتد من مصب وادي الحسي، ويتجه شرقآ خلال قرية دير سنيد، ثم يعبر طريق غزة - المجدل إلى نقطة تبعد 3 كيلومتر شرقى الطريق، ثم في إتجاه موازٍ لطريق غزة المجدل إلى أن يصل إلى الحدود المصرية." وفيما عدا الحد الشمالي الذي يمر بوادي الحسي وديرسنيد، فإن باقي الخط تقريبي، وقد تم تحديده بشكل مفصل في الفقرة الثالثة من المادة السادسة كما يلي:
"لا تتجاوز القوات الإسرائيلية النقاط الأتية، التي يسمح في كل منها بوجود سرية واحدة (30 جندى فقط): ديرسنيد على الضفة الشمالية لوادي الحسي، محجر الكبريت، تل جمة، خربة المعين." وقد أعطيت إحداثيات دقيقة لهذه النقاط، التي تحدد أقصى حد للوجود الإسرائيلي. كما توجب نفس الفقرة على إسرائيل الإنسحاب من نقاط أخرى، موصوفة تعدت فيها هذا الخط، وبحسب هذا الخط يفترض أنه يحدد قطاع غزة بموجب اتفاقية الهدنة، وبحيث تبلغ مساحته 555 كيلو متر مربع.
بعد اتفاقية الهدنة
تنص اتفاقية الهدنة بين إسرائيل وكل الدول العربية الموقعة عليها على أن "خط الهدنة لا يعطي حقآ للقوات المهاجمة ولا يحرم القوات المدافعة من أي حق لها في الأرض موقع القتال". ولذلك فإن خط الهدنة ليست له قيمة قانونية، ولا يعتبر حدوداً، والعبرة في النهاية بما يتفق عليه في معاهدة نهائية تحدد فيها الحدود. أما بالنسبة لأهالي القرى الجنوبية في فلسطين فلم يعني هذا الأمر لهم شيئآ، فقد عاد الشباب منهم إلى ديارهم لإحضار متاع أو لإطعام مواشيهم الباقية هناك أو لجني محاصيلهم، وكانت عملية العبور إلى تلك القرى سهلة، لأن عدد جنود المستعمرين كان قليلآ، ولم يكن بإمكانهم السيطرة على تلك الأراضي الشاسعة التي إحتلوها. ولذلك وضعت إسرائيل الألغام في طريق العائدين إلى ديارهم أو حول مصادر المياه أو حول الأماكن الهامة مثل المخازن وصوامع الغلال، مادفع بعض الشباب لحمل السلاح، وقتلهم من إعترض طريقهم من القوات الاإسرائيلية، ووصل بعضهم إلى الخليل وأحضر بعض أفراد أسرته إلى غزة أو أخذهم من غزة إلى الخليل.
فقام الإسرائيليون بالشكوى من هذه "التعديات"، وأثاروا الموضوع عدة مرات أمام لجنة الهدنة المشتركة، التي كان يمثل الجانب المصري فيها محمود رياض وصلاح جوهر. وخلال ذات الفترة قامت إسرائيل بعمل دراسة جيولوجية بينت أن منطقة وادي الحسي غنية بالمياه الجوفية.
وإنتهزت إسرائيل فرصة الشكاوي المقدمة منها إلى لجنة الهدنة، وطلبت تحديد خط الهدنة بعلامات واضحة لإيقاف "التعديات" التى أدعت أن الأهالي قاموا بها أثناء عودتهم إلى ديارهم، وسمتهم "بالمتسللين" إلى أرض إسرائيل.
وكان الضغط الإسرائيلي للإستيلاء على أراضي عبسان وخزاعة والادعاء بأنه في الجانب الإسرائيلي صوريآ فقط لأن أخر نقطة إسرائيلية مسموح بها في اتفاقية الهدنة تبعد حوالي 2 كيلو متر شرقاً. ولم تكن إسرائيل على أي حال ترغب في الإستيلاء على أرض مع أهلها، ولكن الهدف الحقيقي لإسرائيل كان تقليص مساحة قطاع غزة قدر الإمكان والإستيلاء على المياه الجوفية في شمال القطاع. وعلى ذلك إقترح الإسرائيليون إنشاء خط داخلي (داخل قطاع غزة)، لمنع الإحتكاكات مع الأهالي، وهذا ما تم في اتفاقية التعايش.
الإتفاقية
حددت الإتفاقية ثلاث مناطق في قطاع غزة، ووقعت عليها إحداثيات خط التعايش هذا بدقة.
لاحقاً أصبح هذا الخط هو حدود قطاع غزة الفعلية، إذ وقد جاء في المادة الثالثة من اتفاقية "التعايش": إن إتفاقية التعايش هذه "ذات طابع محلي بحت، وإنها لا تؤثر بأي شكل من الأشكال على إتفاقية الهدنة الرئيسة الموقعة في 24 فبراير 1949. وبوجهً خاص فإن إتفاقية التعايش هذه لا تعتبر في أي بند منها تعديلآ في مواقع أي طرف كماهي مذكورة في إتفاقية الهدنة".
وجرى الاتفاق مع ضباط الهدنة المصريين برئاسة محمود رياض على تقليص مساحة قطاع غزة، وذلك بتحريك خط الهدنة بحيث تقتص مساحة 200 كيلو متر مربع من مساحة القطاع الحالية.
وبما أن إقتطاع 200 كيلو متر مربع من القطاع كان بمثابة قنبلة تنفجر في قطاع غزة، لو علم الناس به. فقد جرى توقيع إتفاقية التعايش في منطقة العوجا سراً. ووقع اتفاقية التعايش الجنرال محمود رياض كممثل لمصر واللفتنانت كولونيل كالمان كيت كممثلاً لإسرائيل. وتبين خريطة الاتفاق، وادي الحسي في الشمال والخط المنقط في الوسط يمثل الخط الحالي، وما بينهما وسميت بالمنطقة A، والتي تمثل الأرض المقتطعة في الشمال. ورغم إن الإتفاقية سجلت لدى مجلس الأمن في 17 مارس 1950، إلا إنه لم يعلن عنها في غزة ولا في الصحف العربية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ردود الفعل
لاحقاً، وعندما ذهبت لجنة الهدنة، التي تشمل ضباط الأمم المتحدة وضباط إسرائيليون ومصريون لوضع علامات الخط الجديد، خرج السكان عن بكرة أبيهم يحملون العصي يصيحون ويصرخون لإبعاد ضباط الهدنة عن أراضيهم. وبحسب محمد أبو دقه، الذي كان مختار عبسان، فقد خرج مع رجال البلاد ونسائها وإعترض طريق هؤلاء الضباط، ورفض أن يتزحزح عن أرضه. وقال شحاده إقديح الذي كان من سكان القطاع حينها "كنت مرافقآ للكوكبة التي حددت خط الهدنة، وكان مختار خزاعة إبراهيم محمد النجار الملقب أبو الأعور يحتج بشدة على تقسيم أرض قريته، فأشار إليه الملازم حسن صبري بالسكوت، وكان الضباط الإسرائيليون هم الذين يسيطرون على الموقف، ويحددون الإتجاهات. وفي ثاني يوم جاءوا ليأخذوا خزاعة فوقفنا لهم لمنعهم، ونتصدى لهم من كل إتجاه برجالنا ونسائنا، وإصرارنا على البقاء. ولولا معارضتنا الشديدة لما أمكن إنقاذ عبسان وخزاعة. وفي سنة 1959، جددوا التخطيط من الجنوب وجاء الخط شرقي خزاعة. وبعد أن أصبحوا شمال القرية اتجهوا نحو الشمال الغربي على السناطي وبها المثلث الباقي من المعين واستمروا شمالاً إلى أن اخذوا سروال إلى جانب إسرائيل".[1]
الكشف عن الإتفاقية
في عام 1993 كتب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس في كتابه "حرب الحدود" أنه وبناءاً على ملفات إسرائيلية فتحت أخيرآ، ومن بينها إجتماع لجنة الهدنة في 6 و10 يناير 1950 توصل إلى مايلي:
"في صيف 1949 بدأ الضباط الإسرائيليون والمصريون محادثات سرية للمفاوضة حول إمكانية تعديل الحدود، بحيث تترك عبسان في الجانب المصري، وتأخذ إسرائيل الجانب الشمالي من القطاع. وكانت حوادث أكتوبر 1949 دافعً للإسراع في هذه الإتفاقية، وإتفق الجانبان على آلية لحل المشاكل المحلية، وتحدد خط جديد ببراميل معدنية فارغة، لكي تستبدل فيما بعد بخندق متصل. كما إتفق الضباط على القيام بعمليات دورية مشتركة مع وجود نقطتين ثابتتين للمراقبة".
وكتب موريس أن إسرائيل قتلت 30-40 عائد شهرياً معظمهم في النصف الأول من الخمسينات وأنها قتلت حوالى 5000 عائد في العقد الأول من إقامة إسرائيل.
أما حوادث أكتوبر التى أشار إليها موريس وخلفية الاوضاع في المنطقة فقد جاء وصفها في تقرير الجنرال رايلي رئيس لجنة الهدنة إلى مجلس الأمن في 12 فبراير 1950 (المسجل برقم 1459/S بتاريخ 1950/2/20)، أى قبل اتفاقية "التعايش" بأيام، على الوجه التالي:
"إن مشكلة حراسة خط التحديد بين قطاع غزة والمنطقة التى تحتها إسرائيل في النقب مشكلة عويصة نظراً لوجود 200,000 لاجئ في القطاع. ومن البديهي أنه يصعب منع هؤلاء الذين يعيشون على الكفاف من محاولة الحصول على كلأ لمواشيهم أو حطب لوقودهم من أراضيهم.
وعالجت اللجنة عشرات الحالات والتى شملت قتلى من العرب والإسرائيليين، ففي 7 و14 أكتوبر 1949 قصفت إسرائيل بالمدافع والرشاشات القرى العربية في بيت حانون وعبسان مما أدى إلى قتل 7 وجرح 20. وبالمقابل اشتكت إسرائيل من حوادث على الحدود أدت إلى مقتل 4 مستوطنين وجرح 20 آخرين.
وستنتهى السنة الاولى من اتفاقية الهدنة في 23 فبراير 1950. وبسبب الشكاوى المتواصلة التى يبدو أنها غير قابلة للحل، فإنه تم العثور على حل ووافق عليه الطرفان (يقصد اتفاقية التعايش)."
وجاء في التقرير العام للجنة التوفيق الخاصة بفلسطين في الأمم المتحدة (UNCCP) للفترة من 1949/12/11 إلى 1950/10/23، فقرة 31 -32، أن الوفد المصري قد طلب ضرورة السماح للاجئين في قطاع غزة بالعودة إلى ديارهم وفلاحة أراضيهم الواقعة إلى شمال وشرق القطاع. لكن الوفد الإسرائيلي رد بأن هذا الموضوع قد تمت تسويته إلى حد كبير في إتفاقية "التعايش"، وأن باقى الأمور ستسوى في معاهدة سلام نهائية. وهكذا توقفت المطالبة بعودة اللاجئين، حتى للمناطق التى اقتطعتها إسرائيل خلافاً لاتفاقية الهدنة.
وكان الوفد المصري قد أصر في رسالته إلى لجنة التوفيق في أكتوبر 1949 (كما جاء في تقريرها السادس المؤرخ في 29 مايو 1950 تحت رقم A/1255) على الآتى:
- ضرورة عودة الأهالي إلى ديارهم وفلاحة أراضيهم في شمال غزة.
- ضرورة عودة اللاجئين في قطاع غزة والمالكين لأراضي شرقى القطاع والسماح لهم بفلاحة أراضيهم.
- ضرورة عودة اللاجئين من قضاء بئر السبع العودة والاستقرار في أراضيهم بشكل مؤقت إلى أن تتم التسوية النهائية.
وكان رد الوفد الإسرائيلي بأن المطالب المصرية قد تحققت إلى أكبر حد ممكن في اتفاقية التعايش، وأن الوفد المصري لم يعبر عن أي تحفظات عند توقيعه الاتفاقية. ولذلك فإن رأي إسرائيل أن كل النقاط التى طرحت قد تمت معالجتها باتفاق الطرفين.
لاحقا، عاد الموضوع إلى العلن عندما كتب الصحفي المطلع عكيفة إلدار في هآريتس في 2005/9/27 مقالاً بعنوان "كيف ضحكنا على المصريين" يقول فيه: "تطوع الكولونيل عاموس هوريف، الذي كان عضوآ في لجنة الهدنة لبيان كرم إسرائيل، وقد بين المسح الجيولوجي أن الكثبان الرملية شمال قطاع غزة ترقد فوق خزانات من المياه الجوفية الطازجة، وهي ضرورية لتطوير المستوطنات الجديدة، التي أقامتها إسرائيل في النقب الشمالي، ولم يكن المصريون على علم بذلك. وكان الإسرائيليون ينتظرون الفرصة المناسبة لتغيير الخط".
كما كتب يورحام كوهين، الذي كان ملحقآ للجبهة الجنوبية في ذلك الوقت، وكان ضابط الإتصال مع المصريين في تلك المحادثات، في يوليو 1984 في مجلة الجيش الإسرائيلي أنه "عند تخطيط الحدود، كانت قرية عبسان الصغيرة في الجانب الإسرائيلي، وهذا يعني أن على أهل هذه القرية التخلي عن بيوتهم ومزارعهم وبساتينهم وتحويلهم إلى لاجئين لا يملكون شيء. وعندما رأوا قافلة سيارات الجيب التي تحمل ضباط الهدنة إجتمع حولهما النساء والأطفال وأثاروا ضجة كبيرة، ووضعت بعض الأمهات أطفالهن في سيارات الجيب بين البكاء والعويل. وفحمى الجنود المصريون ضباط الهدنة، وغادرت القافلة القرية". ويقول كوهين إن محمود رياض كان محرجآ، فيما كان الإسرائيليون ينتظرون هذه الفرصة بفارغ الصبر (لاقتطاع أرض قطاع غزة) ولأن الحكومة المصرية خشيت أن تستغل المعارضة في مصر هذه القصة لإسقاطها. قررت الموافقة سراً على إتفاقية محلية بإسم "التعايش". وقد تردد رئيس لجنة الهدنة التابعة للأمم المتحدة في الموافقة عليها، لإنه لم يجد في إتفاقية رودس أي بند يسمح بتبادل الأراضي، ومع ذلك وقع الطرفان على إتفاقية وأرفقوا بها الخريطة".
أيضاًَ، جاء في وثيقة وزارة الخارجية الأمريكية رقم 46 بتاريخ 1 إبريل 1965 بعنوان "حدود إسرائيل وجمهورية مصر العربية"، إنه بعد حملة السويس في عام 1956 (العدوان الثلاثي) حُفر خندق ليحدد الخط المعدل حسب الإحداثيات المبينة في اتفاقيات التعايش. وجاء في هذه المذكرة أيضآ "أن المنطقة الأن، تقع تحت مراقبة قوات الطوارئ بالأمم المتحدة. وأن الفقرة الثانية من المادة الخامسة في إتفاقية الهدنة الأصلية في رودس تنص على مايلي: أن خط الهدنة يجب أن لا يعتبر بأي شكل من الأشكال حدآ سياسيآ أو جغرافيآ، وإن هذا التحديد يتم بدون الإخلال بحقوق أي طرف لهذه الإتفاقية ولا لمطالباته ولا لوضعه فيما يتعلق بتسوية نهائية لقضية فلسطين".
وبعد العدوان الثلاثي إعتبرت إسرائيل أن الخط المؤقت هو الخط النهائي، وأنشأت فيه عدة مستعمرات منها: في الشمال موشاف ناتيف ها أسارة وكيبوتس إيرتز وقاعدة عسكرية في وادي الحسي، وكيبوتس زكيم الذى اشتهر بوضع الالغام للعائدين الفلسطينيين، وفي الشرق مستعمرة كيسوفيم المشهورة بالإعتداءات على غزة، ونيريم وعين هاشلوشة وأيضآ كرم أبو سالم الذي يستعمل معبرآ من مصر إلى غزة عن طريق إسرائيل.
وقد أعلنت إسرائيل في 21 سبتمبر 2005 أنها تعتبر خط الهدنة (المؤقت) هو خط دولي مع إسرائيل.
الخرق الإسرائيلي لإتفاقية التعايش
لم تكتف إسرائيل بما قضمته من قطاع غزة في اتفاقية التعايش، بل إنها تعدت على الخط الذي رسمته الاتفاقية نفسها. فقد توغلت في موقع شرق أبو مدين بطول 1,600 متر وعمق أقصاه 290 متر، وفي موقع آخر شرق النصيرات بطول 522 متر وعمق أقصاه 122 متر، وفي مواقع أخرى بطول 2,500 متر وعمق أقصاه 112 متر، ليص مجموع الاراضي التي ضمتها بعد اتفاقية التعايش لحوالي 410 آلف متر مربع. كذلك اقتطعت مساحة 8.7 كيلو متر مربع شمال بيت لاهيا لأغراض عسكرية. ومنعت إسرائيل الأهالي من الزراعة والإقتراب من شريط حدودي بطول القطاع بمساحة 25.82 كيلو متر مربع، بعرض نصف كيلو متر وأحيانآ تمتد المساحة المحظورة إلى 51.06 كيلو متر مربع عندما يزداد عرض هذا الشريط المحظور إلى كيلو متر.
وتلخيصاً للوضع، فأن إسرائيل اقتطعت مساحة 193 كيلو متر مربع من قطاع غزة بزحزحة خط الهدنة خلافاً لاتفاقية الهدنة الرئيسة، واقتطعت مساحة 34.5 كم مربع تزيد أحياناً إلى 60 كيلو متر مربع كمناطق محظور على أهالى المنطقة الاقتراب منها. وتعدت على خط الهدنة الحالي نفسه بالتوغل في القطاع بمساحة 408 دونم.
انظر أيضاً
المصادر
- ^ سلمان أبو سته. "إسرائيل الدولة السارقة أبدآ: كيف قضمت إسرائيل قطاع غزة في اتفاقية سرية". هيئة أرض فلسطين.