غوستاف مالر
گوستاف مالر (Gustav Mahler) عاش (كاليشت، بوهيميا 1860 - فيينا 1911) مؤلف موسيقي في العصر الرومانسي، من مواليد بوهيميا. أكمل تسع سيمفونيات، ومات قبل أن يكمل العاشرة، ألف العديد من الأغاني، أغلبها بمصاحبة الأوركسترا. ويكثر في موسيقاه الطابع الديني أو الفلسفي. وتصف أعماله الأولى الطبيعة في الغالب، بينما تصف أعماله المتأخرة كفاح الروح وانتصاراتها. وهناك نغمة حزن واستسلام في كثير من أعماله. تعد سيمفونيات مالر أعمالاً ضخمة تحاول أن تتضمن كل عاطفة إنسانية. وهي تستخدم فرقة موسيقية كبيرة، وتستخدم أربعة منها أصوات مغنين (رقم 2، 3، 4، 8). وعلى الرغم من أن ماهلر كتب موسيقاه لفرقة موسيقية كبيرة، إلا أنه كان يستخدمها غالبًا برقة شديدة. وأغنيات ماهلر أكثر عمقًا في أسلوبها. فمثلاً أغاني في موت الأطفال (1905م)، مجموعة من خمس أغنيات وضع أشعارها فريدريك روكرت. أما أغنية الأرض (1911م)، فهي سيمفونية لأصوات الصادح، والجهير الأول أو الرنان، والأوركسترا. وهي تكشف اضمحلال إنجازات الإنسان، والجمال الثابت للأرض.
وُلد مالر في كاليستي ببوهيميا (جزء من جمهورية تشيكيا حاليا). ودرس في معهد فيينا للموسيقى بالنمسا من عام 1875 إلى 1878م. وقد أمضى كل حياته العملية قائدًا لفرقة موسيقية، ومسرحيات موسيقية. وسلك طريقه صعودًا من وظائف قيادية صغيرة إلى أعلى المناصب المرموقة في عالم الموسيقى. فقد عمل مديرًا لأوبرا ساحة فيينا من عام 1897م إلى 1907م. وبعد أن استقال من هذا المنصب، قاد فرقة الجمعية الموسيقية بنيويورك، كما أخرج أعمالاً في أوبرا متروبوليتان، وعاد إلى فيينا في عام 1911م. وقد ألف العديد من الأغاني بالإضافة إلى عشر سيمفونيات يمكن أن تصنف ضمن تيار الأعمال الشاعرية التي تلت الحركة الرومانسية.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الطفولة، الأعمال الأولى، 1860-1880
ولد جوستاف مالر في كالشت، قرب إجلاو (الآن كاليست، بهلافا)، بوهيميا، في 7 يوليو 1890. كان أبواه يهود، وكان الثاني من 14 طفل والاول من ستة تجاوز سن النضج. والده برنارد، كان رجل ذو أصل متواضع، بالتصميم والقسوة أسس تجارة رابحة تتكون من معصرة وعدة حانات في إجلاو، حيث انتقلت الأسرة في خريف 1860. أتاحت له إجلاو بيئة تضمنت موسيقى عسكرية وشعبية ورفيعة اقتبس منها مالر لاحقا بعد عناصر مفرداته الموسيقية. في طفولته تعلم مجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية، وتلقى تعليم في البيانو ونظرية الموسيقى من عدة موسيقيين محليين تحت توجيههم تطور بسرعة إلى عازف كمان مقتدر وقدم أول حفل امام الجمهور. في العام التالي، في محاولة لتحسين اداءه الأكاديمي العام، أرسل إلى براج حيث التحق بمدرسة نويزيدلر، لكن الخطوة لم تنجح وعاد إلى إجلاو عام 1872. واصل دراساته الموسيقية، فظهر في 3 حفلات عامة وعمل على اوبرا (مفقودة) هي "دوق إرنست من شوابيا". عام 1875 جذبت موهبة مالر انتباه مدير مزرعة، اقنعه برنارد أن ابنة لابد أن يحصل على تدريب موسيقى شديد في فيينا، وبعد مقابلة مع جولياس إبشتاين في سبتمبر هذا، تم قبول مالر كطالب بالكونسرفتوار. هناك درس البيانو مع إبشتيان (1875-1877)، والهارموني مع روبرت فوش (1875-1876) والتأليف الموسيقي مع فرانز كرين (1875-1878). رغم نجاحه كعازف بيانو عام 1876 و1877 في مسابقات الكونسرفتوار، تخلى مالر عن عزف الآلة لصالح التأليف، حيث تخرج عام 1878 بتقديم اسكرتزو لخماسي البيانو (مفقود). مع ذلك، خبرة عزف موسيقى البيانو لبتهوفن وشوبان وشوبرت وشومان تركت انطباعا ملحوظا على موسيقاه. كورس التأليف مزدوج الاهمية لمنته لاحقا، فبعيدا عن التدريس المعتاد، كان يتوقع أيضا من الطلاب إجراء بروفات، وفي بعض الحالات عروض عامة لأوركسترا الطلاب.
المحاولات الاولى لمالر في التأليف ترجع إلى سنوات طفولته في إجلاو، لكن أول أعمال باقية له كتبت خلال الفترة التي قضاها في الكونسرفتوار، والتي ينعكس تأثيرها في التناول اللحني النشط في الحركة لرباعية البيانو (1876-1878). أخذ بعض الالهام والحافز من نطاق واسع لموسيقى مؤلفين آخرين؛ من سابقين له، بما في ذلك بيتهوفن ومندلسون وشوبرت وشومان وفاجنر وفيبر وبتزايد مع تقدمه في العمر يوهان سبياستيان باخ، وكذلك معاصر واحد على الأقل هو ريتشارد شتراوس. أعجب بموسيقى فاجنر قبل وصوله لفيينا، وكان ذلك الاهتمام، إضافة إلى الحضور في حفلات كرين للتأليف، التي على الأرجح شكلت أساس الصداقات المبكرة مع هوجو وولف، ورولدلف كرزيزانوفسكي وهانز روت وأنطون كرسبر؛ وكان اهتمامه بأفكار فاجنر السياسية والفلسفية وفي الأعمال الأولى لنيتشه التي جذبته إلى دائرة تضمنت الساسة الاشتراكيين في المستقبل فيكتور ادلر وإنجلبرت برنرستورفر.
عام 1977 ومرة أخرى عام 1878 و1880 التحق مالر وهو طالب بجامعة فيينا لمجال أوسع من المواد التاريخية والفلسفية التي تدل على مجال اهتماماته الثقافية مدرى الحياة؛ كما حضر بعض محاضرات بروكنر، رغم أنه في سنوات لاحقة ذكر قطعا أنه لم يكن طالب لدى بروكنر. وفي عام 1877 أعد وفي عام 1880 نشر (ربما بمساعدة كرزيزانوفسكي) توزيع دويتو بيانو للسيمفونية الثالثة لبروكنر وعام 1910 تبرع بالأرباح من بيع اعماله للترويج لنوت بروكنر الموسيقية، مع ذلك كمايسترو استخدم نسخ مختصرة بشدة من السيمفونيتين الخامسة والسادسة لبروكنر.
بعد مغادرة الكونسرفتوار عام 1878 حضر مالر محاضرات الجامعة، وعمل مدرس موسيقى وخلال سنوات الشك التي سبقت في الحال بداية مشواره كمايسترو، كتب اول عمل هام له "أغنية الأرض". نص الكانتاتا اكتمل في مارس 1878 وكتابة الموسيقى انتشرت في السنتين التاليتين. في شكلها الأصلي من ثلاث حركات، أرسلت لليش (الذي لم يحب النص) ودخل بها دون نجاح مسابقة جائزة بتهوفن سنة 1881. عام 1892-1893 راجع مالر النوتة، وحذف الجزء الأولى، غير التوزيع وحذف اوركسترا خارج خشبة المسرح (التي استعادها عام 1989-1899 عند مراجعة العمل ثانية للنشر). حتى قبل اكتمال نسختها الاصلية بدأ مالر العمل في أوبرا روبزال، حيث كتب الكلمات، وفي خمسة فصول مع مقدمة، التي يقيت. ناقش فكرة أوبرا من قصة خيالية مع هوجو وولف، الذي بالتالي شعر أن مالر سرق الفكرة منه: ونتيجة سوء التفاهم انتهت صداقتهما. من الواضح أن الكلمات احتفظت بجاذبيتها لمالر، ويبدو مرجح أن بعض موسيقى الاوبرا كتبها في 1880. متصل بهذا العمل ,"أغنية الأرض" 3 أغنيات كتبها مالر عام 1880 خلال قصة رومانسية في الشباب. آخرها استخدم نص (ويرجح موسيقى) من أوبرا "روبزال"، كل المقطوعة مع عدة تعديلات آخر الأمر يشمل "هانزل وجرتيل" في الجزء الاول من "أغنيات وتراتيل"؛اول أغنيتين يستخدمان للمادة اللحنية من الكانتاتا.[1]
باد هول، لايباخ، أولموتز، كاسل، 1880-1885
في أوائل صيف 1880، بناء على نصيحة الناشر راتيج، وجد مالر وكيل وعرض عليه منصب قيادة أوركسترا في مسرح صيفي صغير في "باد هول" في النمسا العليا. كانت الفرقة صغيرة، والمعايير الفنية منخفضة، وبرنامج الحفل مكون كليا من أوبريت؛ لكن بعد أخذ عصا القيادة، لم يتمكن مالر من إنزالها، وطلب من وكيله إيجاد تعيين مماثل لموسم الشتاء. في غياب وظيفة كهذه، مكث في فيينا حيث اكمل "اغنية الأرض، حتى الصيف التالي حين انشغل كقائد الفرقة الموسيقية في مسرح لاندز في لبابلجانا. رغم صغر المسرح أتاح له وسائل أفضل بكثير من بادهول وكذلك برنامج حفلات أكثر اثارة، وهناك قاد مالر اول اوبرا له "تروفاتور" في 3 اكتوبر 1881. حتى في هذه المرحلة الأولى من مشواره الفني، بحثه عن عرض ليس فيه أخطار فنية للاوبرا ميزه النقاد المحليون. لكن مرة أخرى في نهاية الموسم، يجد وظيفة لذا عاد الى فيينا في اوائل الصيف 1882. كرس نفسه لتأليف الموسيقي، وعمل في "روبزال" وربما ألحان ريتشارد ليندار، إلى أن وصل إليه برقية غير متوقعة تستدعيه إلى مسرح ستاد في اولوموتس في 10 يناير 1883. تصادف تعيين مالر مع الرحل المفاجئ لقائد الفرقة السابق. كان للمسرح فرقة أكبر من لايباخ، لكن في الوضع المالي والفني السيء، كان موقف منافس لمايسترو متطلع. الصحافة المحلية نظرت بشكل سلبي للتعين، وموقف مالر المسيطر أبعد عنه بعض المطربين، لكن آخر الامر الانضباط الذي فرضه انعكس في تحسن معايير الاداء. رغم أن الإنجاز كان متواضع، واسعد مالر تفادي إنتاج كبير لأعمال موتسارت وفاجنر في ظل هذه الظروف، جذب عمله مع الفرقة الاقليمية انتباه كارل ابرهورست، منتج في درسدن، لاحقا اوصى له في كاسل.
بالعودة إلى فيينا، تولى مالر وظيفة مؤقتة كقائد جوقة لموسم الأوبرا الإيطالية في مسرح كارل، وفي مايو للتعين قائد موسيقي والكوراس في كاسل بدأت المفاوضات. النجاح في أولمك مهد الطريق لهذا التعيين الجديد، الذي اعتمد على محاولة أسبوع. بعد عرض كفاءته لرضا مديره، عاد مالر إلى إجلاو وفيينا للصيف، بعد عمل رحلة قصيرة لبايروت - الأولى ليشاهد "بارسيفال". وفورة عودة مالر اكتشف ظروف العمل غير المرضية في كاسل. المدير قائد الفرقة فلهيلم تريبر لم يكن متعاطف، واللوائح التي تحكم نشاطه مقيدة، وبرنامج حفلاته تقريبا بشكل كلي أوبرا خفيفة. بعض التعويض الموجود في كاسل بقيادة بولو، التي ألهمت إعجاب مالر الشديد، والفرصة ليقود واحدة من أوبراته المفضلة، "الفرايتشوتز" للمرة الاولى في 10 يناير 1884. الاستقبال النقدي لقيادة مالر كان مختلط: بشكل عام أشيد بدقة المجموعة والحماس، لكن حركاته البريئة المفرطة وإيقاعه غير التقليدي لاقى نقد. خلال مشواره الفني لم يقدر مالر كما يستحق بسبب تفسيره غير التقليدي، وكان يستهدف تغيير الروتين غير المبالي الناتج عن التسليم دون تفكير بالتقاليد الموجودة.
عام 1883-1884 أحب مالر إحدى المطربات في كاسل جوانا ريختر. هذه العلاقة التعسة أدت إلى التأليف، على الأرجح بين ديسمبر 1884 ويناير 1885، لأول مرة تحفة فنية له، مجموعة أغاني "أغاني عابر سبيل"، وتصور السيمفونية الأولى وثيقة الصلة. مثلما في "أغنية الأرض" و"روبزال" كتب نصوصها مالر نفسه. رغم أن الأغنيات مكتوبة للصوت والأوركسترا من الأولى، تأجل التوزيع الموسيقي حتى 1891-1893 والنوتة خضعت للمراجعة أيضا قبل العرض الأول عام 1896. بسبب جدول قيادة مالر المليء، تمت مقاطعة العمل في المقطوعة بتكرار، وأيضا اضطر لكتابة عمل، موسيقى تصويرية لقصيدة الشاعر الألماني "شيفيل بعنوان "عازف ترومبت ساكنجين" (مفقود) للعرض في حفل خيري. نجحت الموسيقى رغم رفض مالر لها لاحقا، وتم تضمين الحركة الأولى في النسخة الأصلية من السيمفونية الأولى.
في ديسمبر 1884 اتصل مالر بنيومان، مدير الأوبرا الألمانية في براج، ثم بوليني في هامبرج وستيجمان في لايبزج، على أمل الحصول على وظيفة جديدة. في نهاية يناير التالي عرض عليه وظيفة كمايسترو ثاني في لايبزج، ليبدأ في يوليو 1886. في فبراير 1885 في موندين، قرب كاسل، قاد أوراتوريو "المواسم" للمرة الأولى، وأساسا بسبب هذا النجاح طلب منه القيادة في حفل الصيف هناك. بما أن أوركسترا مسرح كاسل مقرر استخدامها، كان متوقع أن رئيس الفرقة تريبار يقود، بسبب تعيين مالر، رفضت الأوركسترا، بدافع الولاء لتريبار، وموقف مالر في المسرح صار صعب بتزايد. لم يتحسن الموقف بسبب غياب مالر المتكرر في البروفات لعروض الحفلات لعمل مندلسون "سانت بول"، وتشاجر بتكرار مع الإدارة بشأن مسائل الانضباط. آخر الأمر تم الاتفاق على طلباته لإنهاء تعاقده، وتحدد التاريخ 1 يوليو 1885. لوهلة واجه قضاء عام دون وظيفة، لكن آخر الأمر عينه نيمان مايسترو أول في براج، وهو تعيين جعله يندم على اتفاقه مع ستيجمان. معظم وقته المتقبي في كاسل قضاه يراجع الجوقة لسانت بول، وحصل على مكافأة على جهوده في 29 يونيو حين عرض الأوراتوريو أمام جمهور متحمس.[2]
براج ولايبزج 1885-1888
وصول مالر إلى براج في يوليو 1885 تصادفت مع أنجيلو نومان، الذي انشغل لينقذ مسرح لاندز الالماني من الضرر المالي والفني. مالر انشغل في الاصل مع قائدين آخرين أنطون سيدل ولودفيج سلانسكي. غادر سيدل بعد شهر واحد فحسب وكان يتوقع أن سلانسكي، بوصفه الأقدم، صار المايسترو الرئيسي. قرار نومان أن يشارك القائدان الباقيان برنامج الحفلات بشكل طبيعي أثار المرارة بين معجبين سلانسكي في الصحافة والأوركسترا والمدينة. اثناء هذا العام في براج، قاد مالر للمرة الأولى أعمال المسرح للمؤلفين الذي اتصل بهم بشكل وثيق لباقي مشواره الفني كقائد اوبرا: موتسارت "دون جيوفاني"، وفاجنر "تانهاوزر" و"أساطير الشعر" و"ذهب الراين" و"الفالكيري" وجلوك "يوفجيني في يوليد" وبيتهوفن. قيادة مالر لاقت مدح ونقد في نفس الأحوال مثلما في كاسل، لكن صار مهتم بتزايد بالالتزام الموسيقي والدرامي بالنوتة الموسيقية. وقرب نهاية الموسم شارك كذلك في "جفلين" الثاني تضمن العرض العام الاول لواحد على الأقل من أغانيه. الأشهر الاخيرة في براج خيم عليها خلافات بين نيمان رجل الأعمال ومالر الفنان، مع ذلك حاول مالر إلغاء العقد الذي وافق عليه بسرعة مع ستاجمان المقرر بدءه في يوليو. بعد نهاية موسم براج قضى عطلة قصيرة مع ابويه المعتلين، ثم في يوليو شق طريقه إلى لايبزج.
مسرح ستاد في لايبزج كان مجهز افضل من اي مسرح اخر وظف مالر من قبل، كان فيه اوركسترا كبير بقيادة هنري بيتري والد عازف البيانو ايجون بيتري، واربع قادة اوركسترا. كان آرثر نيكش اكبر من مالر في السن والاقدمية، الذي كان يبدو لمالر بارد كمايسترو وشخص. وحتما اعتبر النقاد المحليون نيكيش معيار يقاس عليه اي مايسترو جديد، وفي ضوء الشخصية المختلفة والمزاج الفني الذي افتقر غليه مالر. عنصر الجذب الرئيسي للموسم كان انتاج أول مجموعة "خاتم النيبلونج" في لايبزج، ولدى معرفته أن نيكيش سوف يقود العمل، قدم مالر استقالته التي لم تقبل. تدخل المصير بعد إنتاج "ذهب الراين" في يناير 1887، حيث مرض نيكيش، حيث ترك مالر يقود "الفالكيري" و"زيجفريد". مع إنتاجه الرائع لزيجفريد في مايو رسخ مالر بإقناع بين النقاد والجمهور عبقريته كفنان يتجرم الاعمال.
شكلت أوبرات "فيبر" جزءا هاما من برامج الحفلات لمسرح ستاد وقاد مالر عدد منهم في ديسمبر 1886. في نحو ذلك الوقت التقى مع كارل فون فيبر حفيد المؤلف، الذي امتلك اسكتشات جده للاوبرا كوميك "الخيول الثلاثة" التي أرسلتها الأسرة إلى مايربير وفرانز لاشنر لإكمالها. لم يرغب أي منهما في القيام بالمهمة، خاصة بما أن تدوين فيبر الموسيقي كان غالبا شديد الصعوبة في فك رموزه، ورد فعل مالر الأول لدى رؤية المسودة كان مماثلا. مع ذلك، اثير حماسه بعد أن صارت له النوتة مألوفة بشكل أكبر، وبعد فهم لغة فيبر وتجديد اهتمام ستاجمان بالمشروع، قضى الصيف وأوائل خريف 1887 يطوع مقطوعات أقل شهرة لفيبر وألف فقرات تعتمد على ألحان فيبر لإكمال العمل. ورغم أنه لم يكن أصلي، كانت أوبرا فيبر هامة لمالر، بسبب عرضها الأول الناجح في يناير 1888 وعروض لاحقة في كل أنحاء المانيا جعلته شهير ووفرت له مصدر دخل مفيد. أيضا النوتة الأوركسترالية، وهي الأولى التي تنشر لمالر 1888، مذهلة للتأمل الذي تتيحه لأسلوبه الأوركسترالي المبكر لكن المميز بالفعل.
العمل في الأوبرا تعلق حتما بالاتصال الوثيق لأسرة فيبر، ومالر أحب زوجة كارل ماريا فون فيبر. هذه العلاقة اليائسة ألهمت مالر فترة من النشاط الإبداعي المكثف، التي شهدت إكمال عملين، قصيد سيمفوني - وهو صار السيمفونية الأولى آخر الأمر - والحركة الأولى من سمفونية في مقام دو الصغير، لم يراجعها حتى فترة هامبورج 1893-1894 وكتب باقي السيمفونية الثانية. القصيد السمفوني في مقام ري خضغ بالمثل لمراجعتين - عام 1893 ونحو 1896 حين حذف الحركة الثانية - قبل مجئ السيمفونية الأولى. نتيجة أخرى لتعرف مالر بأسرة فيبر كان اكتشافه عام 1887 للإمكانيات الموسيقية "نفير الشاب السحري"، وهو مجموعة نصوص اختارها وعالجها أسيم فون أرمين وكلمنز برنتانو لتعكس تصورهما للشعر الشعبي. كان هذا العمل الذي قدم لمالر كل نصوص أغانيه عدا واحدة أثناء 14 عام التالية؛ الثمرة الأولى لهذا التأثير الأدبي كان التاليف بين 1887 و1890 من 9 ألحان تشكل المجلدين الثاني والثالث من "أغاني وتراتيل"، اللذين نشرا بالكامل في 1892.
في الأشهر الأولى لعام 1888 التقى مالر مع مؤلفين موسيقيين اثنين، الأول تشايكوفسكي الذي لم يتعرف على عبقرية مالر كمايسترو إلى أن التقيا ثانية في هامبورج، وريتشارد شتراوس. رغم اختلافهما التام في المزاج، تعرف شتراوس ومالر على عبقرية بعض - التمييز الكامل من جانب شتراوس لطبيعة عبقرية مالر على وجه الدقة - ودامت صداقتهما حتى وفاة مالر.
في مايو ذلك العام، بعد جدال عنيف دار مع مدير المسرح أثناء بروفة لفردناند كورتيز لسبونتيني في لايبزج، مرة أخرى عرض مالر استقالته، وهذه المرة تم قبولها. الحدوث المفاجئ للموضوع ترك مالر دون استعداد ودون وظيفة مناسبة حتى أغسطس، لذا تمكن من تكريس نفسه للعمل دون انقطاع في قصيده السمفوني "الاحتفال بالموت". وظيفة الصيف كانت عمل انشغل ليستعد لعرض براج الأول لعمل "الخيول الثلاثة" وإنتاج عمل كورنيليوس "حلاق بغداد"، لكن التعاون المتجدد مع نيومان دام أقل من شهر حين أقيل مالر بعد خلاف فني. رغم بقاءه مرة أخرى دون وظيفة، لم يعد "الموسيقي المسافر" لكن صار "السيد"، وخلال عدة أسابيع عقد مفاوضات لوظيفة أهم وأكثر جاذبية في بودابست.[3]
بودابست وهامبرج 1888-1897
مثل الكثير من مناسبات أخرى أثناء مشواره كمايسترو، وجد مالر المؤسسة التي عمل فيها في وضع سيء. أوبرا بودابست الملكية، واحدة من أحدث وأفضل المسارح المجهزة في أوروبا الوسطى، كانت تعمل بخسارة، مع برامج حفلات محدودة وفرقة غير منظمة يجب تدعيمها بفنانين ضيوف شرف. أيضا يوجد مطالب متزايدة لتأسيس أوبرا وطنية مجرية، ووضع مالر هذا في ذهنه فبدأ يعمل: مقرر أن تكون العروض بالمجرية، وتقرر تعيين مطربين مجريين قدر الإمكان وأعدوا فرقة وقللوا من إحضار نجوم زائرين. رغم تعيينه في سبتمبر، أجل ظهوره كمايسترو إلى حين العرض الأول ل"ذهب الراين" بترجمة مجرية جديدة في يناير التالي، لكن أثناء ذلك راجع عدة أعمال جديدة. نجاح "ذهب الراين" و"الفالكيري"، عند عرضها في أمسيات متتالية، كافأ جهود مالر، وحقق باقي الموسم الأول نجاحا ساحقا.
العام الأول في بودابست خيم عليه وفاة برنارد مالر في فبراير 1889 والمرض اللاحق لوالدة مالر وأخته لوبولدين، وتوفى كلتاهما الخريف التالي. كان مالر مكتئبا بالفعل، فاضطر لمواجهة المشكلات في الأوبرا، واخطرها عدم قدرته على إيجاد مطربين مجريين موهوبين بما يكفي. إلى جانب هذا كانت مقاومة الجمهور لبرنامج الحفل الألماني في الأساس الذي أجبر تأجيل أعمال جديدة ل"زجفريد" و"غروب الآلهة" لصالح الاوبرا الخفيفة والباليه. الجمهور المحافظ لم يكن مستعد جيدا للعرض الأول للقصيد السيمفوني لمالر (السمفونية الأولى)، في 20 نوفمبر 1889، وأثناء العرض صار الجمهور عدائي تجاه عمل متجدد.
بحثا عن الأعمال الجديدة لأوبرا بودابست، سافر مالر لإيطاليا في صيف 1890؛ اختار "إسرائل" لفرانشيتي و"كافليريا راستيكانا" لماسكانييه، وإنتاج لاحق للأخير بقيادة مالر (26 ديسمبر 1890) كان الأول خارج إيطاليا. لدى عودته إلى المجر بدأ استعداداته لإنتاج جديد لأوبرا "دون جيوفاني"، وكان هذا الإنتاج الذي أثار إعجاب برامز؛ بعد عدة سنوات كانت توصية برامز مع هانسليك، عامل هام لصالح تعيين مالر في فيينا. رغم هذا النجاح، صار موقفه في بودابست صعب بسبب التعيين لكونت جيزا زيتشي مدير. كان اتجاه ديتشي قومي وأشار انه بدلا من مالر لديه السيطرة الفنية للدار. مالر، بعد توقعه الخلاف الحتمي، اتصل ببوليني في هامبرج، عرض عليه وظيفة مايسترو أول هناك، وقبلها.
مالر كان ناجح جزئيا فقط في بودابست، رغم أنه تحت توجيه الأوبرا حقق ربح ومعايير الأداء وبرنامج الحفل تحسن بشكل كبير، ظل الكثير يجب فعله. أيضا جهوده الخارقة كمدير وفنان مترجم للاعمال تمت على حساب التأليف. بعض الالحان الأولى wundhorn من "الألحان والتراتيل" اكتملت في بودابست، مثل تدوين النوتة السيمفونية الأولى، كان هذا إنتاج محدود.
برنارد بولين، الذي كان مدير مسرح "ستادت" في هامبورج، كان متعهد حفلات شهير لديه موهبة لجمع الفنانين الكبار حوله، والنتيجة كانت فرقته لها معيار دولي. وضع مالر كمايسترو أول لم يجعله يسيطر على عرض الأوبرا، وهو جانب أهمله بوليني، واستقلال قليل للمسائل الفنية. مع عروضه الأولى لفاجنر، أقنع مالر الجمهور والنقاد وبوليني بعبقريته كمايستو ماهر؛ في 18 مايو 1891 قاد "تريستان وايزولدة"، واحد من أشهر ترجماته للعمل، للمرة الأولى، رغم أنه وقتها كان يتولى أكثر جدول كثيف في حياته - 19 أوبرا في الشهر - وهذا لم يدع له وقت للبروفات كما يجب. بعد أربعة أعوام من الضغط المستمر قضى صيف 1891 ليس في التأليف، لكن كسائح، يزور بايروت واسكاندينافيا. في الخريف عاد مالر إلى جدول ملئ تضمن إنتاج جديد ليوجين أونيجين لتشايكوفسكي و"الحلم" لبرونو، الذي نال إعجاب مؤلفيهم. كان مالر يقود عدد متزايد من الحفلات، وبعد مرض بولو ووفاته تولى قيادة حفلات الاشتراك في هامبورج 1894. انبهر بولو بإنتاج مالر لأعمال فاجنر وكان معجب مخلص بعبقريته كمايسترو، لكنه فشل في فهم عمله كمؤلف.
في بداية صيف 1892 كان مالر في لندن بدعوة من سير أوجاستاس هاريس ليقود موسم الأوبرا الألمانية. فريق العمل تضمن بعض أفضل المطربين الألمان في عصره، وكانت الأوركسترا مجمعة بشكل خاص في لندن وقدمت العروض في كوفنت جاردن ودروري لين أمام جماهير متحمسة، لكن مالر لم يريد قضاء وقت فيهم الذي كان يمكنه أن يكرسه للتأليف، فنتيجة ذلك لم يقبل عروض هاريس اللاحقة. رغم المناخ الفني الخانق والعمل الكثير في هامبرج، عاد مالر إلى التأليف (ألحان أوركسترالية، السيمفونية الثانية) وبما أنه لا يوجد أي وظيفة أخرى متاحة وقع عقد جديد مدته خمس سنين عام 1894. في ذلك الوقت كان هناك احتمال تعيين شتراوس في هامبرج والعلاقة بين الاثنين كانت وثيقة بشكل خاص. محاولات مالر لعرض جونترام فشلت، لكن تأثير شتراوس حقق عروض القصيد السيمفوني لمالر في وايمار في 3 يونيو 1894 وأول ثلاث حركات من السيمفونية الثانية في برلين في 4 مارس 1895. القصيد السيمفوني عرض بالفعل مرة ثانية في هامبرج العام السابق، وكلاهما هنا وفي فايمار حملوا العنوان الإضافي "تيتان"، وهي إشارة لرواية جان بول، التي تسود روحها العمل.
العمل في السيمفونية الثانية، الذي أكمله عام 1894، تلاه في فصلي الصيف التاليين بتأليف السيمفونية الثالثة الكبيرة، نمط حياة مالر الإبداعية ترسخ: تأليف نوت قصيرة في أشهر الصيف، المراجعة والتوزيع أثناء موسم المسرح. عام 1893 اكتشف مالر منتجع صيفي في شتاينبج في سالزكامرجات، وهناك أكمل العملين. العرض الأول للسيمفونية الثانية الكاملة في برلين في 13 ديسمبر 1895 كان أول نجاح جماهيري كبير لمالر كمؤلف موسيقي، وظلت السيمفونية أحد أشهر الأعمال الكبيرة: مع ذلك، السيمفونية الثالثة احتاجت الانتظار حتى 1902، حين عرضت اول مرة بالكامل في كريفيلد.
أصابت المأساة أسرة مالر مرة أخرى عام 1895، حين انتحر في فيينا أخوه الأصغر أوتو، وهو شاب موهوب موسيقيا. منذ وفاة والديه، أعال مالر أختيه، وشجع أوتو على اتخاذ مهنة في الموسيقى. مسئولية مالر المالية تجاه أختيه إيما وجاستين استمرت إلى أن تزوجا عام 1898 و1902 من أخين، إدوارد وأرنولد روزي، كلاهما عازف وتريات ناجح (كان أرنولد قائد أوركسترا فيينا الفيلهارموني ل50 سنة).
إلى جانب برنامج الحفل الموجود راجع مالر سلسلة من الإنتاجات الجديدة في هامبورج بما في ذلك فالستاف 1894 "الصديق فيتز" لماسكانييه 1893 وهانزل وجريتل 1894 و4 من أوبرات سميتانا. عام 1895 عينت سوبرانو جديدة، أنا فون ميلدبرج، تعرف مالر على موهبتها فكرس الكثير من الساعات ليدربها، وصارت واحدة من أعظم مطربات فاجنر في عصرها. ورغم هذا التعاون الفني الناجح بدأ الشعور بالقلق مرة أخرى وحول انتباه إلى أوبرا فيينا. في ذلك الوقت كان مايسترو دولي (قام بالجولة الأولى له إلى موسكو وميونيخ وبودابست، في أوائل 1897) ومؤلف عرضت أعماله بتكرار متزايد، لكن أصوله اليهودية كانت عائق لتعيينه في فيينا. ولإزالة هذا العائق تحول إلى كاثوليكي في 23 فبراير 1897 وبعد أشهر من المفاوضات تعين قائد الفرقة الموسيقية في فيينا في ابريل 1897.[4]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فيينا 1897-1907
رغم أنه في مايو 1897 نجحت دار أوبرا فيينا في الحفاظ على سمعتها كواحدة من أعظم دور الاوبرا الكبرى في العالم، كانت متجمدة بقيادة مايسترو معتل هو فيلهلم جان. من الثلاثة قادة الآخرين المقيمين، فقط هانز ريختر، الذي سافر لإنجلتزا عام 1900، كان له شهرة عالمية. مع عروض ممتازة لأوبرا لوهنجرين (ظهوره الأول في فيينا، 10 مايو) والناي السحري في 29 مايو، ثبت مالر نفسه في الحال كمترجم لأعمال فاجنر وموتسارت. لكن مرضه منع قيادته بشكل أكثر تكرارا اثناء باقي الموسم؛ قضى الصيف يتعافى ويستعد للموسم المقبل (تعين مايسترو في 8 سبتمبر 1897) الذي كان مقرر أن يشمل مجموعة "خاتم النبلونج" دون حذف للمرة الأولى في سنوات كثيرة. ووولف الذي انبهر من ترجمات مالر، زاره على أمل أن ينتج له Der Corregidor، لكن ثار جدل بشأن المزايا الفنية لعمل "الشيطان" لروبنشتاين (بعد ذلك بوقت قصير أودع وولف المصحة) كان فقط في عام 1904 أن عرض مالر أخيرا أوبرا وولف، ثم في نسخة تمت مراجعتها: رغم جهود مالر (قدمت عروض لاحقة باستخدام النص الأصلي) فشل العمل في دخول برامج الحفلات.
في أواخر 1897 أعد جيدو أدلر، صديق قديم لمالر منحة تسدد نشر نوت السيمفونيات الأولى والثالثة، مع الأجزاء الأوركسترالية من الثانية، وهي لمسة صداقة كانت في وقتها حقا، في ضوء الاهتمام المتزايد لأعماله. تأثير أدلر ايضا ادى لتعيين مالر لمجلس التحرير لمجلة "التحف الأثرية للموسيقى النمساوية الرفيعة"، رغم أن مالر وجد المناقشات التحريرية الطويلة مملة، والموسيقى المنشورة مستوىها متدني.
حين استقال ريختر عام 1898 من قيادة حفلات الأوركسترا الفيلهارموني دعي مالر ليحل محله كقائد حفلات كان مالر بالفعل مثيرا للجدل، واستمر كذلك في فيينا. أثر فوري لتعيينه كان زيادة حجم الجماهير دراميا وهذا إضافة إلى الجولة الناجحة إلى باريس صيف 1900، تركت أثرا جيدا للمستقبل، لكن سرعان ما بدأت العلاقات بين مالر والعازفين تتدهور بسبب موقفه المتسلط وآراءه غير التقليدية. بعد مرضه الخطير عام 1901، خلاله قاد الحفلات قادة من مستوى متدني بالمقارنة به مما أسعد كل من النقاد والعازفين، مما أدى إلى استقالة مالر.
قضى مالر عطلة 1899 في أوسي في منتجع سالزكمرجات في شتاير. أول الأمر بدا أن هذا الصيف لا يزيد إنتاجا عن الصيف السابق، الذي وضع خلاله فقط لحنين wunderhorn (البوق السحري)؛ لكن بعد تأليف "بوق الاستيقاظ" ومع عشر أيام فقط باقية. وجد مالر السيمفونية الرابعة فجأة تبدأ في أخذ معالم محددة. في الأسبوع الأول من الموسم الجديد بحث عن منزل صيفي جديد حيث يمكنه التأليف في سلام، وآخر الأمر اختار موقع في مايرنيخ في ورثير سي في كارنثيا. في العام التالي واصل العمل في السيمفونية الرابعة، وبحلول عام 1901 اكتمل بناء الفيللا حيث كتب كل أعماله الهامة في الخمس أعوام التالية. في الصيف المثمر لعام 1901، وضع مسودات لأربعة من أغاني روكرت، 3 أغاني للاطفال، "الصبي الطبال"، وحركتين من السيمفونية الخامسة.
في خريف 1901 التقى مع مالر وأحب ابنة رسام المناظر الطبيعية النمساوي أنطون شندلار. كانت ألما شندلر أمرأة شابة ذكية تنتمي لدائرة فنية موهوبة وكانت تدرس التأليف الموسيقي مع ألكسندر ڤون زملنسكي. الزواج الذي جرى في 9 مارس 1902، سبب الكثير من الدهشة ضمن أصدقاء الزوجين، ولم تكن حياتهما معا خالية من المشاكل، فمالر تطلب من الحياة أن تدور حول عمله الإبداعي، وأصر أن تتخلى ألما عن التأليف الموسيقي. آخر الأمور الضغوط المفروضة على مواقف كلا الطرفين والفرق في السن بدأ يؤثر على علاقتهما، واستشار مالر فرويد في صيف 1910.
ذهل فرويد من فهم مالر الفوري لمبادئ التحليل النفسي (الذي لم يكن مثير للدهشة باعتبار الاهتمامات الفلسفية للمؤلف ونظرته الفنية)، في حين حصل مالر على بصيرة ليس فقط في مشاكله الزوجية، لكن أيضا في شخصيته الإبداعية. أعاد اكتشاف عمق حبه لألما، كما يظهر من الرسائل المؤثرة الموجهة إليها في مسودة السيمفونية العاشرة التي لم تكتمل.
برنامج حفلات دار أوبرا فيينا اثناء إدارة مالر لم تكن ملحوظة لعدد الأعمال الهامة الجديدة المتضمنة، رغم أنه عام 1902 "ندرة النار" لريتشارد شترواس أنتجت، وتلا ذلك "لويز" لشاربنتييه 1904، وفتزنر "زهرة في حديقة الحب" (فشل مالر في محاولته لعرض سالومي بسبب الرقابة الفيناوية). إنجاز مالر الرئيسي يكمن في إعادة تكوين تحف فنية راسخة في إنتاج متكامل. في هذا الصدد كان زواجه ذو أهمية حاسمة، فخلال ألما اتصل مالر بعدة أعضاء من جماعة فيينا "الفنانين المنشقين". ليس فقط شارك في معرض ماكس كلينجر عام 1902، لكن أيضا دعا عضو من الحركة هو ألفريد رولار، ليصمم إنتاج جديد لترستان وايزولده 1903. هذا مثل بداية الفترة الأكثر بريقا لحكم مالر في فيينا، حين تم تعيين رولار مصمم رئيسي للمسرح عام 1903، جمع بين الحساسية الإبداعية والابتكار مع فهم عميق وتعاطف لمنظور مالر للإنتاج الأوبرالي. معا ابتكر مالر ورولار سلسلة إنتاجات خالدة، "فديليو" 1904، دون جيوفاني 1905، زواج فيجارو 1906، الناي السحري 1906، إفجين في يوليد 1907.
لم يملك مالر طموح ليصبح مدرس أو قائد لمجموعة. مع ذلك أثناء سنواته في فيينا أحيط بدائرة كبيرة بتزايد للمؤلفين الشباب الراديكاليين بما فيهم شونبرج وبيرج وفيبرن وزملنسكي الذي اعتبره ليس مجرد فنان عظيم لكن أيضا مؤيدهم في المؤسسة الموسيقية الفيناوية. رغم أنه ليس دائما يتفق مع آرائهم، عبر مالر عن دعمه خلال العمل في "جمعية الموسيقيين المبدعين" 1904 - 1905 وقدم مساعدة مادية لزملنسكي وشونبرج.
مثلما في هامبورج، انتفعت حياة مالر الإبداعية بشدة من الأمن، الذي وجده في فيينا في زواجه، واثناء عطلات الصيف في مايرنيج كتب أربع سيمفونيات جديدة وعدد من الأغنيات. السيمفونية الخامسة، التي أكملها عام 1902، تلاها في العام التالي حركتين من السادسة. مسودة هذا العمل الذي يجسد "لوحات" موسيقية لألما (الحركة الأولى، الموضوع الثاني مازورة 77) وأطفال يلعبون (الاسكرتزو)، أكملها عام 1904، وهو صيف يتميز بالنشاط إبداعي لا يضاهى شهد أيضا صياغة الاثنين الباقين من "أغاني موت الاطفال" وأيضا حركته موسيقيى مسائية من السيمفونية السابعة. ولكن إكمال الأخيرة ثبت أن به مشاكل، وفقط في نهاية إجازة 1905، بعد بحث طويل عن الإلهام، أن صاغ مسودة الثلاث حركات الباقية. على الأرجح كان ذكرى هذا البحث الذي جذب مالر عام 1906 إلى نصين أصبحا أساس السيمفونية الثامنة: الترنيمة التي تنتمي للعصور الوسطى "تعالى أيها الروح الخالق"، والمشهد الختامي من الفصل الثاني من "فاوست" لجوته، الأولى استدعاء والثانية احتفال للروح الإبداعية. لكل تعقيده، هذا العمل، الذي وصفه مالر وتحت تأليفه بأنه "أعظم عمل كتبته حتى الآن. يختلف تماما في التقابل والشكل حتى أنني لا يمكنني حتى الكتابة عنه"، وضع له اسكتش في ثمانية أسابيع فقط.
الحملة ضد مالر في منصبه كمدير دار أوبرا فيينا، زاد قوة بالتدريج حيث كرس وقتا أكبر للدعاية لموسيقاه التي ألفها، وبشأن هذا أن المسائل أخيرا وصلت للقمة. مالر تمكن من ضحد مزاعم أن غيابه بإذن ادى لانخفاض إيرادات صندوق التذاكر، لكن كل منه والإدارة قررا رحيله، رغم أن هذا لم يحدث رسميا حتى ديسمبر 1907. في يونيو من ذلك العام عين هاينريش كونريد مدير اوبرا متروبوليتان مالر ليقود الأوركسترا هناك من يناير 1908.
سريعا بعد وصولهم إلى مالر في مارنيج في صيف 1907، مرضت ابنة مالر الكبرى. كان مالر يحب كلتا ابنتيه، ماريا وآنا، خاصة ماريا، ووفاتها من الحمى القرمزية بعد عدة أسابيع جعله يشعر بالحزن الشديد. الصدمة الثالثة والاخيرة بعد استقالته وحزنه - وكما تنبأت السيمفونية السادسة وقعت ضحية - كان اكتشاف مالر أنه يعاني من مرض في القلب وعليه التخلي عن هواياته المفضلة وهي المشي وركوب الدراجة والسباحة.
في أكتوبر ونوفمبر التالي قاد مالر آخر أوبرا له في فيينا، فدليو، وفي حفل وداع، سيمفونيته الثانية. قيادته في فيينا كانت علامة في الحياة الثقافية لهذا العصر، التعاون من رولار حجر زاوية في تاريخ عرض المسرح في الأوبرا وعصره في أوبرا فيينا كان واحد من اكثر عصورها مجدا في تاريخها.[5]
نيويورك وأوروبا 1907-1911
الأحداث المتازمة لسنة 1907 كانت مسئولة عن إحداث تغيير سيئ في موقف مالر نحو الحياة والفن وانعكس هذا في عمله في اوبرا متروبوليتان. الفرقة التي وجدها كانت عكس النوع الذي سعى باستمرار لتكوينه في الماضي، رغم تكوينها من نجوم أوبراليين كبار بدلا من فريق متكامل؛ وكان التأكيد على العروض الصوتية. مع ذلك لم يحاول مالر كثيرا تعديل هذاا لوضع بل حتى وافق على عمل حذف كبير في اعمال فاجنر. عرضه الاول في نيويورك كان تريستان وايزولده في 1 يناير 1908، الذي تلاه دون جيوفاني والفاكليري وزجفريد وفديليو (الأخيرة استخدم تصميم المناظر الأصلية لرولار).
قضى ربيع وصيف 1908 في اوروبا يقود الحفلات، بما في ذلك العرض الأول للسيمفونية السابعة في براج، ويؤلف في منتجع صيف جديد في توبلاش (الآن دوبياكو) في الدولوميت. سواء أكان من الرغم من أو بسبب المأساة، لم يظل صيف 1907 غير مثمر بالكامل، وبدأ مالر في كتابة اسكتشات لافكار لعمل جديد. بعد ذلك بوقت قصير، قدم مجلد من أشعار صينية بترجمة ألمانية لهانزر بيثج، "الفلوت الصيني"، ومن هذه المجموعة اختار النصوص السبعة "أغاني الأرض". مع تقدم العمل اصبحت المقطوعة سيمفونية من نطاق كبير للتينور والكونترالتو (او الباريتون) والاوركسترا، لكن مالر، مقتبسا أمثلة بيتهوفن وشوبرت وبروكنر، رفض أن يرقمها ضمن سيمفونيته، آملا بذلك خداع القدر.
وسرعان بعد وصول مالر في نيويورك، استقال كونريد كمدير ودعى جيليو جاتي-كسازا ليحل محله. اول الامر نظر مالر للتغييرات برفض: آخر الأمر قرر العودة العام التالي، حين وصل المدير الجديد، مع توسكانيني، من لاسكالا. أثناء موسم 1908-1909 قاد مالر عملين جديدن، فيجارو و(الخطية المباعة)، إلى جانب ترسيتان، وأيضا ثلاث حفلات اوركسترا نيويورك السيمفوني، وعلى الأرجح هذه الفرصة هي التي اقنعته بالغاء تعاقده مع المتروبوليتان. ظهوره الأخير هناك عام 1910، وهو يقود إنتاج جديد لملكة البستوني، كان كفنان عظيم. دليل آخر على تغير مواقف مالر تراه في برامج حفلاته الأمريكية، التي عكس حفلاته الأوروبية الأولى، ضمت عددا كبيرا من الأعمال الجديدة. اعترف أن سروره الرئيسي كان في عمل بروفات على أعمال غير مألوفة له، وأعماله الأخيرة تعكس آثار من تأثير موسيقى ديبوسي الأوركسترالية وأعمال مثل "طقوس الربيع" لسترافنسكي و"أيبريا" لجرانداوس قادها في موسم 1910-1911. هذا الاهتمام بالموسيقى الجديدة أدى أيضا إلى اشتعال انبهاره بموسيقى الماضي، بعضها قاده في سلسلة حفلات تاريخية وآخر الأمر بسبب توزيعه لأربع حركات من باخ إلى متتالية أوركسترالية.
شهد صيف 1909 إكمال السيمفونية التاسعة، لكن العام التالي بقاء مالر في أوروبا كان مشحونا بشكل كبير. عندما لا يقود حفلات (باريس، رومان كلونيا) او يكتب مسودة السيمفونية العاشرة، كان مشغولا في الاستعداد العرض الأول للثامنة في ميونيخ. العمل الذي عرض في 12 و13 سبتمبر أمام جمهور مميز، لاقى استقبال حافل، مما أكد شكوك مالر التي عبر عنها، لاقى استقبال حافل، مما أكد شكوك مالر التي عبر عنها عام 1909: "هذا العمل دائما يترك انطباع قوي. غريب إذا فهم الناس أهم أعمالي بسهولة".
عاد مالر إلى نيويورك لموسم الشتاء وقاد سلسلة حفلات شاقة مع أوركسترا نيويورك الفيلهارموني، التي تضمنت عرضين لسيمفونيته الرابعة في يناير 1911. الشهر التالي مرض وكان يعاني من عدوى بالبكتريا لا أمل في الشفاء منها. لذا قرر العودة إلى فيينا، حيث توقف أولا في باريس حيث تأكد التشخيص. وصل إلى فيينا في 12 مايو وتوفى هناك في 18 مايو 1911، بعد عدة أسابيع من بلوغه 51 عاما.
لا يمكن التكهن بالكثير عن الصفة الفعلية لقيادة مالر للأوركسترا، رغم أنه لا شك أبدا عن اثرها على معاصريه. امر واحد مؤكد، أن عروضه لموسيقى أشخاص آخرين كانت إعادة إبداع بدلا منها ترجمة لها. أي أنه تناول الأعمال التي قادها كأنه ألفها بنفسه واجتهد ليحقق الدقة والوضوح والتشخيص الحي الذي أصر عليه في عروض موسيقاه التي ألفها؛ وهذا واضح في التدوين الواضح لنوته الموسيقية التي تحاول إيجاد علامة لأبسط فروق. إذا فهمنا هذه الروح الإبداعية في الأساس، أي شيء آخر سوف يتضح، خاصة انشطة كمحرر أو معد. سمعته لإعادة توزيع أعمال بيتهوفن لعروضه أو مثال آخر مختلف تماما، وضعه لرسيتاتيف جديد طويل لفيجارو لموتسارت (اعتمادا على مشهد المحاكمة المحذوف من بومارشيه)، لا يجب النظر إليه كتدخل أو دليل على اعتقاده في التفوق التكنولوجي أو الفني للقرن ال19، لكن تعديلا تمت في صوة ممارسته الخاصة للتأليف وقناعاته، حيث كان شغفه بالوضوح، سواء الصوت أو الحبكة الأوبرالية، له أكبر اهمية.[6]
انظر أيضا
الهامش
وصلات خارجية
- مواليد 1860
- وفيات 1911
- مؤلفون موسيقيون كلاسيكيون في القرن 20
- مؤلفون موسيقيون نمساويون
- قادة موسيقى نمساويون
- يهود نمساويون
- كاثوليك رومان نمساويون
- متحولون إلى الكاثوليكية الرومانية من اليهودية
- يهود تشيك
- كاثوليك تشيك
- يهود نمساويون تشيك
- وفيات بتسمم الدم
- موسيقيون كلاسيكيون يهود
- مؤلفون موسيقيون وكاتبو أغاني يهود
- أشخاص من مقاطعة بلهرموف
- مؤلفون موسيقيون رومانسيون
- خريجو جامعة ڤيينا
- مؤلفون موسيقيون كلاسيكيون