الصيف ضيعت اللبن - پوتن في القاهرة
يزور الرئيس ڤلاديمير پوتن مصر اليوم لمدة يومين، رداً لزيارة الرئيس السيسي في 12 أغسطس 2014. وتتسابق الصحف المصرية في امتداح العلاقات الوطيدة بين البلدين، والتغني بعظمة السد العالي ومصنع الحديد والصلب، كما لو أنهم بُنيا البارحة،[1] وكما لو لم تمر مياهاً كثيرة في لجة تزداد اتساعاً تـُباعـِد بين مواقف البلدين. وتركز الصحف الإسرائيلية على الجانب المحتمل من الزيارة[2] في توقع ابرام صفقات كبرى بين البلدين في المجالات العسكرية والصناعية وغيرهم. إلا أنني أخشى أن "الصيف ضيعت اللبن"، كما يقول المثل العربي للفرص التي فات أوانها.[3] ويشاركني الرأي بعض الإعلام الغربي.[4]
سياق الغواية السعودية
ضمن محاولات الأمير بندر بن سلطان الدؤوبة لخلق دور شخصي له، ودور وطني للسعودية على ساحة الأحداث الكبرى في أجندة الاهتمامات الأمريكية، لعب بندر دوراً محورياً في إشعال الحرب في سوريا. وبعد اشتعال الأزمة الأوكرانية يبدو أن بندر لمس رغبة غربية في التراجع من سوريا مقابل تراجع روسيا من أوكرانيا.
فقام الأمير بندر بن سلطان بزيارة بوتن في روسيا في أغسطس 2013، عارضاً صفقات مالية لتغيير مواقف روسيا تجاه سوريا وإيران، مقروناً بوعد ألا ينافس النفط السعودي مبيعات الغاز الروسي- وهو بمثابة تهديد. اللقاء استمر أربع ساعات.[5] إلا أن بوتن رفض العرض. فعاد بندر إلى روسيا في نوفمبر 2013 بعرض مالي أفضل مقروناً بعرض تسليم قوائم المجاهدين الشيشان لبوتن، وهو ما يعني وقف الدعم الغربي للمجاهدين الشيشان. فقوبل العرض برفض حاد من بوتن.[6] في اللقاء الثاني، طلب بندر بن سلطان من پوتن تزويد مصر بصواريخ بالستية متوسطة المدى لضرب إيران، وأن بندر سيتكفل بدفع الثمن. پوتن رد قائلاً أن معاهدة التخلص من الصواريخ البالستية متوسطة المدى بين روسيا وأمريكا تحظر ذلك.[7] الأمر استدعى طيران سعود الفيصل إلى موسكو في نهاية نوفمبر 2013، فرفض بوتن مقابلته، فانصرف غاضباً.[8] واليوم بعد تهاوي أسعار الطاقة بسبب إغراق السعودية للسوق، فلابد أن بوتن يعي أن من أرسل بندر في أغسطس 2013 كان جاداً في انذاره.
السيسي في سوتشي
ثم قام الرئيس السيسي، وثيق الصلة بالأمير بندر بن سلطان، بزيارة إلى روسيا في أغسطس 2014. واشتعلت وسائل الإعلام بتسريبات مفادها أن الأمير بندر قد رصد مليارات الدولارات (بين 2 - 8 مليار) لكي تشتري بها مصر أسلحة روسية. ودارت طاحونة التكهنات حول أنواع الأسلحة التي ستطلبها مصر من روسيا. وكان من الصعب على الروس النظر لقائمة الرغبات المصرية من الأسلحة الروسية- الممولة من الأمير بندر- في معزل عن عرضي بندر السابقين لبوتين. وكنت قد علـّقت وقتها أنه، بالرغم من توافر الأموال، فلا يُنتظر عقد أي صفقات بين البلدين من أي نوع، بسبب الحظر الاقتصادي المفروض من الغرب على أي مشتريات من روسيا. وهذا الحظر مازال قائماً ولن تسمح أمريكا بصفقات تدعم الخزانة الروسية إلا لو كان مقابلها تنازلات روسية في ملفات سوريا-إيران-اوكرانيا.
وبالفعل لم يتم التعاقد على أية صفقات كبيرة في زيارة السيسي لروسيا في أغسطس 2014. وحتى واردات مصر من القمح الروسي فيبدو أنها توقفت، والحجة التي يسوقها المسئولين المصريين هي أن روسيا تفضّل تخزين القمح! وطفا على السطح أخبار شراء مصر للغاز المسال من شركة گازپروم الروسية، إلا أني مازلت أعتقد أن الحظر الغربي على الصادرات الروسية سيمنع ذلك.
تأتي زيارة بوتن الحالية للقاهرة في ظل نفس القيود الآنفة، بل أن أحداث الأسبوعين الماضيين أفرغت الزيارة من فرص النجاح.
- احتدام النزاع في اوكرانيا، مما يجعل أمريكا أكثر تشدداً في فرض الحظر الاقتصادي على روسيا.
- ازاحة بندر بن سلطان من دوائر صنع القرار السعودية، ولو لحين، ويعني ذلك اختفاء التمويل السعودي المحتمل. ولن تطرح الإمارات تمويلاً بديلاً بدون موافقة أمريكية على كافة تفاصيل الصفقة.
انهيار السياحة الروسية لمصر
السياح الروس يشكلون 25% من حجم السياحة في مصر. إلا أن انهيار قيمة الروبل الروسي قد أدت إلى تقلص شديد في عدد السياح الروس.[1]
اقتراح التبادل التجاري بالعملات المحلية
ويقترح د. عزت سعد، سفير مصر الأسبق لدى روسيا التبادل التجاري بالعملة المحلية.[1] ولكن انعدام وجود سوق دولية لبيع أو شراء الروبل والجنيه، سيجعل الاقتراح ممكناً فقط في حال تساول حجم الصادرات والواردات، أي أن الأمر سيصبح مقايضة.
وفي النهاية، نذكـّر أنفسنا وإياكم، لا الزمان هو الزمان، ولا روسيا الحالية هي الاتحاد السوڤيتي ولا مصر هي الجمهورية العربية المتحدة.
هل العطايا المجانية ممكنة
روسيا شديدة الحرص على الظهور بمظهر من لا يخل بالتوازن الدولي - حتى بالتعريف الغربي له. ولذلك فلن تصدر سلاحاً تعتبره أمريكا أو إسرائيل مخلاً بالتوازن. وبالنسبة للعطايا المجانية، أو شبه المجانية، من سلاح أو مصانع، فقد ولى عهدها مع ذهاب خروشوف. ناهيك عن الأزمة الاقتصادية المستحكمة التي تجد روسيا نفسها فيها حالياً بسبب تهاوي أسعار الطاقة. وبالنسبة لمصر، فحتى لو عرضت عليها روسيا أسلحة حديثة - وهذا لن يحدث- فإن مصر لا تستطيع قبولها، بحكم موقعها في المعسكر الغربي.
وتلخص لنا كوكب الشرق الموقف حين قالت:
"عايزنا نرجع زي زمان، قل الزمان ارجع يا زمان."
سؤال الحلقة
أي "صيف" هو المقصود من العنوان "الصيف ضيـَّعـَت اللبن" في هذا المقال:
- يوليو 1972: طرد الخبراء الروس من مصر؟
- يوليو 1975: بيع مصر لأسلحتها الروسية المتقدمة إلى أمريكا والصين في مخالفة لعقد شرائها؟
- يوليو 2014: اشتعال الحرب في شرق اوكرانيا بعد ضم روسيا للقرم؟
- ديسمبر 2014: شراء مصر 400 شاحنة AutoKrAZ روسية من اوكرانيا (المعادية لروسيا).[9]
أظن أن كل صيف مما ذكرت أعلاه كان كفيلاً بتضييع اللبن. فهل نتعلم؟
ثم، من يدري، لعل ذاك اللبن لم يكن صحياً لنا.
المقال لا ينادي بموقف معين، أو اتجاه معين، ولكن يستكشف قيود الحركة على مختلف اللاعبين.
المراجع
- ^ أ ب ت أحمد السيد النجار (2015-02-09). "العلاقات الاقتصادية المصرية-الروسية: الواقع والممكن". صحيفة الأهرام. خطأ استشهاد: وسم
<ref>
غير صالح؛ الاسم "saad" معرف أكثر من مرة بمحتويات مختلفة. - ^ AFP (2015-02-09). "Putin visits Egypt in bid to expand influence, arms deals". تايمز أوف إسرائيل.
- ^ "الصيف ضيعت اللبن" يلخص قصة إمرأة لم يعجبها زوجها الأول الكريم حسن الطبع لدمامة وجهه. فتركته بصيف، وتزوجت بآخر، حسن المحيا، ولكنه بخيل. فأرسلت تطلب من زوجها السابق ناقة حلوب، فقال لها: "الصيف ضيعت اللبن".
- ^ Patrick Kingsley (2015-02-09). "Vladimir Putin's Egypt visit sends message to US". الجارديان.
- ^ "لقاء بوتين – بندر بن سلطان: السعودية تعرض حوافز اقتصادية لروسيا مقابل وقف دعم الأسد وموسكو تنفي". القوات اللبنانية. 2013-08-08.
- ^ "خاص: ماهي كلمة السر بين بوتين والأمير بندر بن سلطان؟". رأي اليوم (صحيفة). 2014-01-03.
- ^ حسين أيوب (2014-01-24). "بوتين لبندر: تطلبون صواريخ بالستية إلى مصر.. لضرب إيران!". صحيفة السفير اللبنانية.
- ^ "سر غضب الأمير سعود الفيصل من الكرملين الروسي وإعتذار بوتين عن إستقباله وخلافات مع الأمير بندر بن سلطان". رأي اليوم (صحيفة). 2013-11-27.
- ^ "مصر : استكمال تسليم باقي عقد شاحنات عسكريه طراز كراز". المنتدى العربي للدفاع والتسليح. 2014-12-29.
<comments />