نظرية الانفجار العظيم
في علم الكون الفيزيائي، نظرية الانفجار العظيم أحد النظريات المطروحة في علم الكون و التي ترى بأن الكون قد نشأ من وضعية حارة شديدة الكثافة تقريبا قبل حوالي 13.7 مليار سنة. نشأت نظرية الإنفجار العظيم نتيجة لملاحظات الفريد هيل حول تباعد المجرات عن بعضها، مما يعني عندما يؤخذ بعين الإعتبار مع المبدأ الكوني أن الفضاء المتري يتمدد وفق نموذج فريدمان-لميتر Friedmann-Lemaître model للنسبية العامة. هذه الملاحظات تشير إلى أن الكون بكل ما فيه من مادة وطاقة انبثق من حالة بدائية ذات كثافة وحرارة عاليتين شبيهة بالمتفردات الثقالية gravitational singularity التي تتنبأ بها النسبية العامة. ولهذا توصف تلك المرحلة بالحقبة المتفردة.
فإذا كان الكون يتمدد فما من شك أن حجمه في الماضي كان أصغر من حجمه اليوم، وأن حجمه في المستقبل سيكون أكبر منهما. وإذا تمكنا من حساب سرعة التمدد يمكننا التنبؤ بالزمن الذي احتاجه الكون حتى وصل إلى الحجم الراهن، وبالتالي يمكننا تقدير عمر الكون وهو 14 مليار سنة تقريباً. تتحدث نظرية الانفجار العظيم عن نشوء وأصل الكون إضافة لتركيب المادة الأولى primordial matter من خلال عملية الاصطناع النووي nucleosynthesis كما تتنبأ بها نظرية ألفر-بثه-گامو Alpher-Bethe-Gamow theory .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
مقدمة تمهيدية
جزء من سلسلة عن |
علم الكون الطبيعي |
---|
|
|
- مقالة مفصلة: انزياح نحو الأحمر
قد تكون بداية التأكيد العملي لنظرية الانفجار العظيم قد بدأت مع رصد الفلكي الأمريكي إدوين هبل للمجرات ومحاولة تعيين بعد هذه المجرات عن الأرض مستخدما مفهوم لمعان النجوم الذي يتعلق بسطوع النجوم وبعدها عنا.
أمر آخر يمكن تحديده بالنسبة للنجوم هو طيف الضوء الصادرعن النجم عن طريق موشور ، فكل جسم غير شفاف عند تسخينه يصدر ضوءا مميزا يتعلق طيفه فقط بدرجة حرارة هذا الجسم. إضافة لذلك نلاحظ ان بعض الالوان الخاصة قد تختفي من نجم لآخر حسب العناصر المكونة لهذا النجم. عند دراسة الأطياف الضوئية للنجوم الموجودة في مجرة درب التبانة، كان هناك فقدانا للألوان المتوقعة في الطيف بما يتوافق مع التركيب المادي لمجرة درب التبانة، لكن هذه ظهرت منزاحة نحو الطرف الأحمر من الطيف. الأمر الذي يذكرنا بظاهرة دوبلر.
في ظاهرة دوبلر: يختلف التواتر للأمواج الصادرة عن منبع موجي ما باختلاف شدة وسرعة هذا المصدر، فمثلا السيارة التي تقترب باتجاهك تكون ذات صوت عالي حاد (تواتر مرتفع) لكن نفس السيارة تصبح ذات صوت أجش (تواتر منخفض) بعد أن تجتازك وتبدأ بالابتعاد عنك. فتواترات الأمواج الصوتية تختلف حسب سرعةالمصدر وسرعة الصوت في الهواء والاتجاه بينك وبين المصدر، لأنه في حالة اقتراب المصدر منك (الراصد) يصلك شيئا فشيئا مقدار أكبر من الأمواج فترصد تواترا أعلى لأمواج الصوت لكن حينما يبتعد المصدر عنك تتلقى تواترا منخفضا .
ينطبق نفس هذا المبدأ على الأمواج الضوئية فإذا كان المنبع الضوئي يبتعد عنا فهذا يعني أن تواترات الأمواج المستقبلة ستكون أقل، أي منزاحة نحو الأحمر. أما إذا كان المنبع يقترب فستكون الأمواج الضوئية المستقبلة منزاحة نحو الأزرق(البنفسجي).
التصور البدئي كان يعتقد أن المجرات تتحرك عشوائيا وبالتالي كان التوقع أن عدد الانزياحات نحو الأحمر سيساوي الانزياحات نحو الأزرق وسيكون المحصلة معدومة (لا إنزياح) لكن رصد هابل بجدولة أبعاد المجرات و رصد طيوفها مثبتا أن جميع المجرات تسجل انزياحا نحو الأحمر أي أن جميع المجرات تبتعد عنا، أكثر من ذلك أن مقدار الانزياح نحو الأحمر (الذي يعبر هنا عن سرعة المنبع الضوئي أي المجرة) لا يختلف عشوائيا بين المجرات بل يتناسب طردا مع بعد المجرة عن الأرض ، أي أن سرعة ابتعاد المجرات عن الأرض تتناسب مع بعدها عن الأرض . العالم ليس ساكنا كما كان الاعتقاد سائدا وإنما آخذ في الاتساع . كانت مفاجأة أذهلت العديد من العلماء.
رغم أن ظاهرة التثاقل الموجودة في الكون كانت كافية لتدلنا أن الكون لا يمكن ان يكون سكونيا بل يجب أن يتقلص تحت تأثير ثقالته ما لم يكن أساسا متوسعا أو يملك قوة مضادة للجاذبية، فإن نيوتن لم يناقش هذه الحالة وحتى أينشتاين رفض فكرة كون غير سكوني حتى أنه أضاف ثابتا كونيا يعاكس الثقالة ليحصل على كون سكوني. الوحيد الذي قبل النسبية العامة كما هي وذهب بها إلى مداها كان ألكسندر فريدمان .
وضع ألكسندر فريدمان فرضيتين بسيطتين :
- الكون متماثل في جميع مناحيه .
- جميع نقاط الرصد متشابهة و يبدو منها الكون بنفس حالة التماثل (فلا أفضلية لموقع رصد على آخر) .
نتيجة ذلك حصل فريدمان على ثلاثة نماذج تناقش حركية الكون و إمكانيات توسعه و تقلصه .
إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
- مقالة مفصلة: إشعاع الخلفية الكونية الميكروي
في معامل بل بنيوجرزي كان أرنو پنزياس وويلسون يختبران كاشفا للأمواج السنتيمترية (أمواج كهرومغناطيسية تواترها عشرة مليارات في الثانية (ميكروويف))، وكانت المشكلة ان جهازهما كان يستقبل إشعاعات مشوشة أكثر مما ينبغي. الإشعاعات المشوشة كانت أشد عندما يكون الجهاز في وضع شاقولي منها عندما تكون في وضع أفقي. أما فرق الشدة بين الوضع الشاقولي وجميع الاتجاهات الأفقية فكان ثابتاً.
كان هذا يعني أن مصدر هذا الإشعاع من خارج الأرض ، وأنه لا يتأثر بحالات الليل والنهار ولا اختلاف الفصول مما يعني أيضا أنه من خارج المجموعة الشمسية، و حتى خارج مجرتنا ، و إلا فإن حركة الأرض تغير جهة الجهاز و من المفروض ان تغير شدة الإشعاع المشوش .
كان هذا الإشعاع غريبا في تماثله في جميع نقاط العالم المرصود فهو لا يتغير من جهة رصد لأخرى و لا من نقطة لأخرى . كان ديك و بيبلز من جهة اخرى يدرسان اقتراح غاموف (تلميذ فريدمان) و الذي يقول أن العالم بما أنه كان عبارة عن جسم ساخن و كثيف جدا و مشع في بداية أمره فإن إشعاعه لا بد أنه باق إلى الان . كما أن توسع الكون لا بد أن ينزاح نحو الأحمر (مفعول دوبلر) وأن يصبح بشكل إشعاع سنتمتري.
عندئذ أدرك بنزياس و ويلسون ان ما رصداه ما هو إلا بقايا إشعاع الكون البدئي الذي أطلق عليه لاحقا اسم : (إشعاع الخلفية الكونية الميكروي ) .
نماذج فريدمان
استنتج فريدمان من فرضيتيه نموذجا واحدا يتحدث عن كون يتوسع كالبالون بحيث أن جميع البقع على سطح البالون تبتعد عن بعضها البعض . لا يوجد في هذا النموذج أي مركز للكون فلا يوجد أي شيء داخل النفاخة و الكون لا يمثل أكثر من هذا السطح المتوسع . يتحدث نموذج فريدمان أيضا عن كون يتوسع بمعدل بطيء بحيث يصل إلى مرحلة توازن ثم يبدأ التثاقل بتقليص الكون ليعود إلى حالته البدئية المضغوطة (في البداية تتزايد المسافات بين المجرات حتى حد أعلى ثم تبدأ بالتناقص بفعل الجازبية لتعود المجرات إلى التلاصق من جديد . ). يتنبأ هذا النموذج أيضا بانزياح طيف المجرات نحو الأحمر بشكل متناسب مع بعد المجرات عنا (و هذا يتلائم مع نتائج رصد هابل) .
عام 1935 أوجد الأمريكي روبرتسون والبريطاني ولكر نموذجان إضافيان انطلاقا من فرضيتي فريدمان نفسهما ، في هذين النموذجين : يبدأ الكون بالتوسع من حالة كثيفة جدا بمعدل توسع عال جدا لدرجة أن التثاقل لا يمكنه إيقاف هذا التوسع فيستمر التوسع إلى ما لا نهاية (استمرار زيادة المسافات بين المجرات) ، في الحالة الأخرى يبدأ الكون بالتوسع بمعدل متوسط إلى ان يصل لمرحلة يتوازن بها التوسع مع التقلص الثقالي فيصبح في حالة ثابته لا تتوسع و لا تتقلص (تصل المسافات بين المجرات إلى قيمة ثابتة لا تتغير بعدها ).
تاريخ الانفجار العظيم
تطورت نظرية الانفجار العظيم من ملاحظات و اعتبارات نظرية. الملاحظات الأولى كانت واضحة منذ زمن و هي ان السدم اللولبية spiral nebulae تبتعد عن الأرض، لكن من سجل هذه الملاحظات لم يذهب بعيدا في تحليل هذه النتائج . في عام 1927 قام الكاهن البلجيكي جورج لميتر Georges Lemaître باشتقاق معادلات فريدمان-لميتر-روبرتسون-ووكر إنطلاقا من نظرية آينشتاين العامة و استنتج بناء على تقهقر السدم الحلزونية spiral nebulae أن الكون قد بدأ من إنفجار "ذرة بدئية" ، وهذا ما دعي لاحقا بالانفجار العظيم Big Bang. في عام 1929 ، أثبت إدوين هابل Edwin Hubble نظرية لميتر بإعطاء دليل رصدي للنظرية . اكتشف هابل أن المجرات تبتعد و تتراجع نسبة إلى الأرض في جميع الاتجاهات و بسرع تتناسب طردا مع بعدها عن الأرض ، هذا ما عرف لاحقا باسم قانون هابل . حسب المبدأ الكوني cosmological principle فإن الكون لا يملك إتجاها مفضلا و لا مكانا مفضلا لذلك كان استنتاج هابل ان الكون يتوسع بشكل معاكس تماما لتصور آينشتاين عن كون ساكن static universe تماما .
مراحل تطور الانفجار
بناءا على قياسات الانفجار الكوني باستخدام مستعر أعظم نمط Iأ Type Ia supernova وقياسات إشعاع الخلفية الميكروية الكونية cosmic microwave background radiation ، و قياسات دوال الارتباط للمجرات، يمكن حساب عمر الكون على أنه 13.7 ± 0.2 مليار عام. توافق هذه القياسات الثلاثة يعتبر دليلا قويا على ما يدعى نموذج لامبدا-سي دي ام Lambda-CDM model الذي يصف تفصيلا طبيعة محتويات الكون.
الكون البدئي كان مملوءاً بشكل متجانس بكثافة طاقية عالية ودرجات حرارة وضغط عاليين. يقوم الكون بالتوسع و التبرد (كنتيجة لتوسعه) ليمر بمرحلة انتقال طور phase transition مماثلة لتكاثف البخار أو تجمد الماء عند تبرده، لكنها هنا انتقال طور للجسيمات الأولية.
تقريبا بعد 10-35 ثانية من فترة بلانك يؤدي الانتقال الطوري إلى خضوع الكون لنمو أسي exponential growth خلال مرحلة تدعى التوسع الكوني cosmic inflation . بعد توقف التوسع ، تكون المكونات المادية للكون بشكل بلازما كوارك-گلوون quark-gluon plasma (انظر [1])
و في حين يستمر الكون بالتوسع تستمر درجة الحرارة بالانخفاض. عند درجة حرارة معينة ، يحدث انتقال غير معروف لحد الآن يدعى اصطناع باريوني baryogenesis ، حيث يتم اندماج الكوراكات و الباريونات معا لانتاج باريونات مثل البروتونات والنترونات ، منتجا أحيانا اللاتناظر الملاحظ بين المادة والمادة المضادة. درجات حرارة أكثر انخفاضا بعد ذلك تؤدي للمزيد من انتقالات الأطوار الكاسرة للتناظر التي تنتج القوى الحالية في الفيزياء والجسيمات الأولية كما هي حاليا .
الجدول الزمني للانفجار العظيم
الأديان و نظرية الانفجار العظيم
آراء المسلمين
يعتقد المسلمون أن الله هو خالق الكون من العدم ، إلا أنهم لا يرفضون نظرية الإنفجار الكبير لاعتقادهم أنه تمت الإشارة إليها في القرآن (وذلك ضمن ما يعرف بالإعجاز العلمي في القرآن.
قال الله تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُون )[الأنبياء:الآية30] .
(الفتق ): فتق الشيء شقَّه .
أما الرتق فهو ضد الفتق ، رتق بمعنى التأم .
تشير الآية إلى أن السماء والأرض كانتا ملتئمتين أي كتلة واحدة ففتقهما الله سبحانه
وقد اخبرنا الله بهذه الحقيقة قبل 14 قرن .
- رأي آخر :
في كتاب حقائق علمية في القرآن الكريم للأستاذ زغلول راغب محمد النجار (رئيس الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة المطهرة في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ) :
أن الكون في القديم كان في حالة الرتق وكان عبارة عن جرم صغير ثم حدث انفجارعظيم أو فتق الرتق بالاستشهاد بالآية السابقة وبدأ بالتوسع وسرعته تقارب سرعة الضوء فقال تعالى : (والسماء بنيناها بأييد وإنا لموسعون)[سورة الذاريات:الآية47]
ويختلف العلماء في هذا الوضع فمنهم من يقول أن الكون مفتوح و سيبقى يتسع لما لا نهاية .
ومنهم من يقول أنه منغلق بمعنى أنه يفقد من قوة الدفع إلى الخارج باستمرار حتى تتوقف عملية الاتساع وحينئذ تبدأ قوى الجاذبية في لم أطراف الكون في عملية معاكسة لعملية انفجار الكون وتمدده يسميها العلماء (عملية الانسحاق الشديد) أو عملية (رتق الفتق) تقوم بإعادة الكون إلى حالة الجرم الابتدائي الأول الذي بدأ منه الخلق ونحن معشر المسلمين ننتصر لتلك النظرية ، ونرتقي بها إلى مقام الحقيقة وذلك انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى:(يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين)[سورة الأنبياء: الآية 104]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وصلات خارجية
مصادر
- الكون - تأليف دافيد برجاميني - مكتبة لايف العلمية - بيروت - 1971م.
- النسبية بين نيوتن وأنشتاين - تأليف د. طالب ناهي الخفاجي - 1978م.
- الكون الأحدب - تأليف د. عبد الرحيم بدر - بيروت - لبنان - 1980م.
- آينشتين والنظرية النسبية - د. محمد عبد الرحمن مرحبا - دارالقلم - بيروت - الطبعة الثامنة - شباط - 1981م.
- الكون الراديوي - تاليف جي. أس . هي -ترجمة عبد الكريم علي - بغداد -1991م.
- موقع الكون
مراجع