موسى العلمي
موسى العلمي (و. 1897–1984)، هو محامي وسياسي فلسطيني بارز.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
حياته
تلقى العلمي دروسه الأولية في القدس حيث التحق بالمدرسة الدستورية بالقدس وأمضى فيها سنتين، ومنها انتقل الى كلية الفرير بالقدس وقضى على مقاعد الدرس ثلاث سنوات، وبعد نشوب الحرب العالمية الأولى دخل الجندية وتنقل بين دمشق وإسطنبول. وبعد أن وضعت الحرب أوزارها قصد جامعة كمبردج في بريطانيا طلبا للعلم وصرف فيها أربع سنوات (1919-1922)، ثم وتخرج مع معهد حقوق إنر تمپل في عام 1923 وعاد لفلسطين يحمل ماجستير الحقوق في عام 1925. عين عام 1925 في دائرة النيابات العامة بالقدس وبعدها شغل وظيفة محامي الحكومة. التحق بخدمة حكومة الانتداب وكان سكرتيراً للمندوب السامي البريطاني، تعاون مع الحاج أمين الحسيني أثناء ثورة 1936. أقيل عام 1937 من الحكومة ولجأ إلى سوريا والعراق، ثم إلى فلسطين عام 1940.[1]
سمح له بمزاولة المحاماة واختير لتمثيل فلسطين في مؤتمر الإسكندرية الذي عقد عام 1944 لتأسيس جامعة الدول العربية.
وهو صاحب اقتراح تأسيس الصندوق القومي العربي الذي يهدف الى المحافظة على الكيان العربي. ساهم في تأسيس جمعية المشروع الانشائي العربي في القدس وتطلع العلمي الى تأسيس معاهد لأيتام اللاجئين والمعوزين.[2] وفي عام 1925 عين في وظيفة كبرى بدائرة النيابات العامة بالقدس، وظل يعمل فيها لغاية عام 1937، وبعدها شغل وظيفة (محامي الحكومة) وهي أعلى وظيفة اسندت لعربي في فلسطين.
وفي عام 1937 أقاله المسؤولون البريطانيون من عمله ايماناً منهم بعطفه على قضية بلاده وشجبه تهويدها واغراقها بسيل الهجرة اليهودية، فأبعدوه الى بيروت تخلصا منه. وعندما دعت بريطانيا الى مؤتمر فلسطين المنعقد في لندن عام 1939 كان الاستاذ العلمي أحد أعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض. وبعد أن نشبت الحرب العالمية الثانية 1939 أبعدته السلطات الفرنسبة عن لبنان الى العراق.
وظل فيه الى أن دخله الانجليز عام 1940. فعالج مع المسؤولين البريطانيين قضية تشريده عن بلاده. فسمحوا له بالعودة الى فلسطين والاقامة في (شرفات) وهي قرية يملكها الاستاذ العلمي بالقرب من مدينة بيت لحم، اقامة جبرية لمدة سنة.[3]
وبعد أن تلطف الجو السياسي عام 1943 سمح له بالاقامة في القدس ومزاولة المحاماة، وفي خريف عام 1944 كان موضع ثقة الحزب العربي، حزب الدفاع، حزب الاستقلال، حزب الكتلة الوطنية، حزب الاصلاح، حزب الشباب.
ولبعده عن الحزبية اختارته هذه الاحزاب ممثلا لها في المؤتمر المنعقد في الاسكندرية عام 1944 لتأسيس الجامعة العربية، ولخطورة هذا الموضوع يجدر بنا أن نجيء على ذكر بعض التطورات السياسية التي مر بها هذا المؤتمر.
مؤتمر الاسكندرية
في 25 سبتمبر من عام 1944 اجتمعت وفود الدول العربية في الاسكندرية، في مؤتمر عرف فيما بعد بمؤتمر الاسكندرية مع أن اسمه الحقيقي اللجنة التحضيرية للمؤتمر العربي العام واشترك فيه مندوبون عن دول مصر وسوريا والعراق ولبنان والاردن والسعودية واليمن.
أما فلسطين فلم تدع لهذا الاجتماع مع أن قضيتها هي من صميم القضايا العربية بل انها أكثرها خطورة وأبعدها مدى في التأثير على مستقبل العرب وعلى كرامتهم وعلى امكانية تكتلهم وجمعهم في وحده شاملة.
غير أن ذوي الرأي في فلسطين رأوا خلاف رأي الدول العربية وصمموا على ارسال وفد فلسطيني الى هذا المؤتمر ليوضح لرجال الدول العربية حقيقة الموقف في فلسطين وليؤكدوا لهم انه لن تكون هناك وحدة حقيقية اذا لم تكن فلسطين ليست عربية، وان أمرها ومستقبلها لن يثير في العرب اهتماماً.
وبعد تشاور ذوي الرأي في فلسطين قررت الاحزاب الفلسطينية المذكورة ارسال وفد الى الاسكندرية لينوب عنها في إقناع الدول العربية بضرورة اشتراك فلسطين في هذا المؤتمر ثم الدفاع عن قضيتها فيه، فاختارت الاحزاب الستة الاستاذ موسى العلمي ليمثلها بفرده في ذلك المؤتمر، فقصد الاسكندرية وذلل الصعاب التي قامت في وجه قبول (فلسطين) في المؤتمر، وتمكن من اقناع المؤتمرين بقبول وجهة نظر عرب فلسطين، فاشترك في أبحاث المؤتمر ودافع عن أظلم قضية عرفها التاريخ ضمن حدود الميثاق القومي الفلسطيني.
ونجم عن هذه الابحاث وضع بروتوكول الاسكندرية عام 1944 وفيه عهد للدول العربية بإنقاذ فلسطين. لكن الدول العربية لم تف بالعهد المسؤول. وفي هذا المؤتمر بحثت لأول مرة فكرة انقاذ اراضي فلسطين عن طريق تمكين الفلاّح فيها وذلك بتحسين حالة الاراضي وزيادة انتاجها ورفع مستوى الفلاّح اقتصاديا وثقافياً وصحيا. وما لبثت هذه الفكرة أن تبلورت في اللجنة الاقتصادية التابعة ل (الجامعة العربية) في شهر تموز 1945، واخيراً في دستور المشروع الانشائي العربي الذي تبناه مجلس الجامعة.
المشروع الانشائي العربي
تألفت في الاسكندرية لجنة تحضيرية للمؤتمر العربي (من 25 سبتمبر 1944 إلى 7 نوفمبر 1944) بحضور ممثلين عن سبع دول عربية، وكان الاستاذ العلمي ممثلا لعرب فلسطين، وبعد أن وقف وشكر المؤتمرين على قبوله في اللجنة التحضيرية انبرى يشرح ادوار القضية الفلسطينية وما مر بها من ثورات واضطرابات وما يبيت لها في السر والعلن من مؤامرات للأستيلاء على الاراضي الزراعية الخصبة وتسليمها لقمة سائغة للكارن كايميت (شركة الصندوق القومي اليهودي) ومحو القرى العربية من الوجود وتشتيت أهلها وشطب أسمائها من خارطة فلسطين.
وفي الجلسة الثالثة المنعقدة في 1 نوفمبر 1944 اقترح الاستاذ العلمي تأسيس صندوق قومي عربي عام تشترك فيه جميع الاقطار العربية وتشرف على ادارته، فتوقف للعرب – كما يوقف اليهود لليهود – اراضي فلسطين الباقية لتظل في أيديهم. وأنذر العلمي المجتمعين بأن عرب فلسطين اذا حملوا على الخروج منها فلن يتمكنوا من الرجوع اليها، وختم كلامه بقوله:
"والخلاصة اننا نحن عرب فلسطين قد اصابنا من جراء السياسة الصهيونية أكبر ضيم وقمنا بأكبر التضحيات، وقد استشهد منها أكثر من خمسة آلاف شهيد، ونسف لنا عشرة آلاف بيت وهدمت بالمصفحات بيوت صغيرة للفقراء والمساكين، وخسائرنا المادية لا تقدر بالملايين، وتشتت زعماؤنا وأولو الرأي فينا، وما زالت السجون ملأي برجالنا والمعتقلات تضم أبناءنا ... فحملنا ثقيل والطريق شاق.
فاذا سألتموني ماذا نحن بعد ذلك فاعلون ؟ قلت لكم بكل هدوء واطمئنان: "اننا مصممون على الاستمرار في الجهاد حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا، لأننا نرفض الذل ولا نرضى بالاستعباد".
وقبل انفضاض اللجنة التحضيرية في الاسكندرية أبلغ مصطفى النحاس باشا – رئيس وزراء مصر آنذاك – الاستاذ العلمي تعيينه عضوا في اللجنة الاقتصادية التي أشار اليها بروتوكول الاسكندرية، فشرع من توه في درس الموضوع ومراجعة الخبراء، وأخيرا أسمت اللجنة التحضيرية هذا المشروع (المشروع الانشائي العربي) ولهذا المشروع أساسان مهمان:
الأول: أن تقوم به الحكومات العربية دون تفكير بربح أو باسترجاع رأس المال، بل تقوم به على أساس فكرة المحافظة على الكيان ومنع جلاء العرب والحيلولة دون زوالهم من فلسطين.
الثاني: أن المشروع مبنى على العمل لأستئصال المرض من الأصل وليس على فكرة تخفيف وطأة المرض عند حلوله. وبمعنى آخر يجب أن لا ننتظر حتى تقع أرض عربية في خطر البيع فنأتي لأنقاذها وتخليصها من المشتري اليهودي، بل علينا أن نمنع الظروف والاسباب التي تحمل صاحب الارض على بيع أرضه.
وفعلاً تألفت في مدينة القدس جمعية سميت (جمعية المشروع الانشائي العربي) مركزها مدينة أريحا، وسجلت في الدوائر المختصة بموجب قانون الجمعيات، وغاياتها الاساسية:
1- اصلاح القرى العربية ورفع مستواها الصحي والاجتماعي.
2- تحسين حالة المزارعين العرب الاقتصادية والاجتماعية.
3- تحسين الصناعات الزراعية والقروية.
4- تشجيع التشجير على أنواعه.
5- الأخذ بالنظام التعاوني.
6- إنشاء معاهد للتدريب الزراعي والصناعي للأيتام والمعوزين العرب مجاناً.
بعد النكبة الأولى
لكن هذه الاهداف تغيرت بعد وقوع النكبة الفلسطينية المروعة (1948)، فبعد أن فقد العرب مدنا وقرى فلسطينية وخرج حوالي مليون عربي الى التيه .. ترتب على جمعية المشروع الانشائي العربي واجبات جديدة لم تكن تخطر على البال، فالهدف الذي كان (رفع مستوى القرى وتحسين أحوالها) أصبح في عام 1948 جمع الشمل ورفع الروح المعنوية وخلق أمة جديدة واعية.
وبعد توحيد ضفتي الأردن اتصل المسؤولون عن جمعية المشروع الانشائي العربي بالمسؤولين الاردنيين وطلبوا السماح لهم بالاستيلاء على أراض موات تقع بين أريحا – الشونة بقصد احيائها. وفي شهر آب 1949 سمح للجمعية بوضع يدها على تلك الاراضي الموات وبدأ المسؤولون بدرس أحسن الطرق لأحيائها والتنقيب عن المياه الجوفية بآلات وأدوات بدائية. وفي نهاية كانون الثاني 1950 تفجرت المياه الحلوه في تلك الاراضي الموات وتحققت الآمال، وتطلع الاستاذ العلمي وبقية أعضاء جمعية المشروع الى تأسيس معاهد لأيتام اللآجئين والمعوزين.
ففي شهر مارس 1952 افتتح مركز التدريب الزراعي الصناعي لأيواء وتعليم الايتام والمعوزين من اللاجئين.
ويشمل التدريب الزراعي عملية تحلية الارض من الملوحة وتسويتها وزراعة الحبوب والخضار والفواكه وتربية الدواجن والابقار وصنع الالبان.
وبفعل إيمان الاستاذ العلمي استحالت الصحراء الموات الى جنان وارفة الظلال، وبرهن هذا العملاق الفلسطيني على أن الارادة القوية لا تعرف يأساً، فاجترح وحده معجزات عجزت عنها الدول العربية مجتمعة.
وفي عام 1945 على أثر اقرار الجامعة العربية انشاء مكاتب عربية في لندن وواشنطون للدعاية للقضايا العربية، أنشأ الاستاذ العلمي مكتباً في نيويورك وآخر في لندن، وثالثاً في القدس.
والذين عاصروا هذه المكاتب الثلاثة يذكرون نجاحها، اذ لجأ الاستاذ العلمي في توجيهها الى خطة حكيمة هي الاتصال بما يسمونهم (الرجال – المفاتيح) ككبار موظفي الخارجية والساسة والصحفيين، باعتبار أن التأثير في هذه الفئات اختصار للشوط الذي سبقتنا اليه الدعاية الصهيونية.
هناك اجماع كلي على أن الاستاذ العلمي شخصية فذة، وهبها الله قدراً موفوراً من الاخلاص والعلم والذكاء ورجاحة العقل. و(الوطنية) – في مفهومه – تفكير وادراك وعمل لا كلام وشقشقة وثرثرة.
عز على الاستاذ العلمي أن تزدرد الصهيونية العالمية (فلسطين) قلب العالم العربي وتشرد شعبها وتطمس معالم العروبة والاسلام فيها، فهب – وهو الحكيم الرصين – الى معالجة الكارثة الاولى التي عصفت بالعرب عام 1948 بوضع كتاب قيم أسماه (عبرة فلسطين). ولنفاسة الموضوعات التي عالجها الاستاذ العلمي أقبل المثقفون العرب على دراسته ، ونجم عن هذا الاقبال طبع الكتاب ثلاث طبعات في عام 1949.
نموذج من نثره
مرت معركة فلسطين في دورين: ففي الدور الأول كان عبء الدفاع ملقى على عاتق الفلسطينيين. وفي الدور الثاني تناولته الجيوش العربية، لكن العرب لم يحسنوا الدفاع عن فلسطين في كلا الدورين.
في الدور الأول كانت مواطن الضعف الأساسية في الدفاع العربي، أنا كنا على غير أهبة وان لم نؤخذ على غرة، وكان اليهود على أهبة كامله. وإنا سرنا في المعركة على مقياس الثورات السابقة، وسار اليهود فيها على مقياس الحرب الشاملة. وإنا ادرناها على طريقة موضعية دون وحدة ودون شمول ودون قيادة عامة، فكان دفاعنا مفككا، وأمرنا فوضى، كل بلد يحارب وحده، ولم يدخل المعركة الا أبناء المناطق المجاورة لليهود، وأدارها اليهود بنظام موحد وقيادة موحدة وتجنيد عام. وأن سلاحنا كان رديئا وناقصا وكان سلاح اليهود حسناً قوياً. وأن أهدافنا في المعركة كانت مضطربة متباينة، وكان هدف اليهود كسب المعركة.
هذه الثغرات نفسها كانت مواطن الضعف في دفاعنا في الدور الثاني، دور الجيوش العربية: التفكك وفقدان القيادة الموحدة والارتجال وتباين الاهداف، وزاد عليها التخاذل وعدم الجد في الحرب.
وكما أننا لم نحسن العمل في الميدان العسكري، كذلك لم نحسنه في الميدان السياسي، كانت أعمالنا مرتجلة، وكانت تصرفاتنا سلسلة من الاخطاء الكبيرة، ولم يكن لنا هدف واضح ولا خطة معينة، وكانت النتيجة الطبيعية لهذا وذاك أن حلت بنا الكارثة وأضعنا فلسطين.
وانما كانت هذا الثغرات انعكاساً لحالة الأمة العربية والنظم القائمة فيها، فهي في نظامها السياسي مفككة يقوم نظامها على التجزئة، وقد انعكس ذلك على صفوفها في المعركة، فكان هذا التفكك والتخاذل. ثم أن زمامها في أيدي حكومات عاجزة تنقصها الكفاية، والأمه نفسها لا تزال ضعيفة الوعي والنمو)[4]
مأثورات
يحتاج العالم العربي للقيادات المستنيرة على جميع المستويات. نحن نركز على مستوى القرية.
موسى العلمي من أبرز الرجال الذين التقيت بهم في حياتي.
كتب عنه
- آخر العمالقة في فلسطين: موسى العلمي، أ. د. ناصر الدين النشاشيبي.
المصادر
- ^ موسى العلمي، موسوعة المقاتل
- ^ موسى العلمي
- ^ موسى العلمي، موقع عائلة العلمي
- ^ يعقوب العودات، (البدوي الملثم) من أعلام الفكر والادب في فلسطين، 1976م الصفحات 454-457
- ^ Something for Ammi تايم الإثنين 20 يوليو 1953
- ^ نورمان ڤنسنت پيل في Power of the Plus Factor, p. 39
قراءات إضافية
- Alami, Musa. The Lesson of Palestine, Middle East Journal, Vol. 3, No. 4, October 1949, pp. 373–405.
- Gendzier, Irene L. (Ed.) A Middle East Reader Pegasus, 1969 (including: Musa Alami on Palestine)
- Furlonge, Geoffrey W., Palestine is My Country: The Story of Musa Alami (NYC, Praeger Publishers, 1969)
- Alami, Musa (Preface): The Future of Palestine, (Hermon Books, Beirut, 1970)
- Photo