من أقطاب الأمة في القرن العشرين (كتاب)
من اٌقطاب الأمة في القرن العشرين كتاب من تأليف محمد خالد ثابت يتناول سير ثلاثة من أقطاب الأمة في القرن المنصرم :الرابع عشر الهجرى -العشرين الميلادى، وهم:
- الشيخ أحمد رضا خان البريلوى من الهند.
- الشيخ صالح الجعفرى من مصر.
- الشيخ أحمد بمب من السنغال.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
المقدمة
يقول فيها المؤلف إن القرن العشرين ؛ قرن الهزائم والانتكاسات للأمة الإسلامية, الذي شاهد سقوط الخلافة الإسلامية, وشاهد هيمنة الغرب وتسلطه على بلاد الإسلام, وسقوط فلسطين في يد اليهود... هو نفسه القرن الذي بزغت فيه شموس أعلام من رجال الأمة, بهم ثبت الله المؤمنين, وحفظ الإسلام في الأرض ووسع رقعته.. رجال من أقطار شتى منهم الأبيض والأسود, والأحمر والأصفر.. "هؤلاء الرجال -يقول المؤلف- هم بحق ثروة الأمة.. لا يصح أن يوضع أحدهم في كفة وشئ من هذه الدنيا -مهما بلغ- في الكفة المقابلة. ذلك لأن مهمتهم التي أقامهم الله فيها ههى النيابة عن رحمة الله للعالمين محمد. فهم أرحم عباد الله بعباد الله, وأنصحهم لهم, يقومون ليل نهار على ما قام عليه خاتم المرسلين الذي قال:
"مثلى ومثلكم كمثل رجل أوقد نارا, فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها, وأنا اّخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدى"(رواه مسلم)
ثم يقول: "إنها الرحمة التي تشمل الدنيا, ويذهب أثرها إلى أبد الآبدين.. " ويقول إنه كان قد وقع اختياره على سبعة من هؤلاء الأبرار ممن سعد بهم القرن الرابع عشر الهجرى, العشرين الميلادى, وكانت نيته أن يكتب عنهم جميعاً إلا أن الكتابة عن الثلاثة الأول منهم قد طالت حتى بلغت الحد الذي جعله يتوقف عنده.
الكتاب الأول: الإمام العلامة المجدد أحمد رضا خان البريلوى (1340 هـ-1921 م)
افتتح الكاتب حديثه عنه بقوله: "لم أصادف قط -فيما قرأت- عبارة أجمل وأدق في وصف كمال الإيمان وجدته من تلك التي قالها سيدى أحمد رضا خان البريلوى إمام أهل السنة والجماعة في الهند في قرنها العشرين حين قال:
" لو قسم قلبى إلى جزئين لكان أحدهما مكتوبا عليه: لا إله إلا الله, والآخر مكتوبا عليه: محمد رسول الله"
ثم مضى في الحديث عن أسرته، ومولده، ونشأته, وتلقيه العلم والتربية على يد جده وأبيه؛ جده الشيخ رضا على خان الذي كان من كبار العلماء والصلحاء الذين قضوا حياتهم في زهد وعبادة وأظهر الله على أيديهم الكرامات.
و أبوه الشيخ محمد نقى على الذي كان من علماء الأحناف الكبار, واشتهر بالزهد والورع وسعة العلم والاستغناء عن الناس.
ولد ببلدة "بريلى" وإليها ينسب, وقد حاطته -كما يقول المؤلف- العناية الإلهية منذ الصغر, ونشأ في بيئة طاهرة, وتلقى العلم والتربية على أيدى الربانيين وكان من أبرزهم الشيخ "اّل رسول المارهروى"
و يذكر المؤلف أن الله قد أفاض عليه بعلوم كثيرة وقدرة فائفة على التأليف, ونقل عن الدكتور حسين مجيب المصرى في تقديمه لترجمة "المنظومة السلامية" قوله: "إنه يختلف عن كثير من أقطاب العلماء والفقهاء بكثرة ما أخرج من كتب قيل إنها تجاوزت الألف, وهذا مالا علم لنا بمثله عند من سواه من أهل العلم".
أهداف حياته الثلاث
ويقول المؤلف إن الإمام سخر هذه العلوم والمؤلفات في خدمة ثلاثة أهداف وهب لها حياته كلها وقد بينها في أحد مصنفاته وهو: "الإجازات المتينة لعلماء مكة والمدينة". وهذه الأهداف هي:
- حماية جانب النبى من تطاول الوهابية.
- الرد على المبتدعين في الدين.
- الإفتاء على المذهب الحنفى (انظر كتاب إنصاف الإمام للمؤلف)
من مناقبه
و يتعرض المؤلف للفترة -من تاريخ الهند- التي تمخضت عنها الثورة على الإنجليز سنة 1857 وما أعقبها من اّثار ومستجدات, وكيف كان موقف الإمام أحمد رضا خان راسخاً مبنياً على اليقين والثقة بالله, حيث كان يقول: "أعرضوا أيها المسلمون عن تبديل الأحكام الإلهية.. وتشبثوا بذيل محمد، فإن الدين الإسلامى إذا ظفرنا به وبوسيلته السنية فلا حاجة لنا إلى هذه الدنيا ومغرياتها"
و يتطرق المؤلف أيضا إلى مدحه للنبى صلى الله عليه وسلم في اللغة العربية والأردية والفارسية وكيف ذاعت قصائده بين الناس حتى أن القصيدة السلامية أصبخت تنشد في المحافل والبيوت وعلى الماّذن وفي المساجد, ولا ينشدها الناس إلا وهم وقوف, تعظيما لها ولمن قيلت في حقه (أنظر على اليو تيوب عدة أفلام فيديو تصور إنشاد القصيدة السلامية في أماكن ومناسبات مختلفة).
يختم المؤلف هذه الترجمة بذكر بعض الكرامات التي اشتهرت عن الإمام وسجلت في الكتب, ثم وفاته في يوم الجمعة 25 صفر سنة 1340 هـ الموافق 28 أكتوبر سنة 1921بمدينة "بريلى".
الكتاب الثانى: الشيخ صالح الجعفرى إمام المحبين وقدوة الصالحين (1399 هـ-1979 م)
ينتمى الشيخ صالح الجعفرى إلى بيت النبوة -كما ذكر المؤلف- وقد نشأ في بيت صالح وكان مولده في "دنقلا" بالسودان سنة 1910, وكان والده قد نذر إن رزق ولدا أن يهبه لله, فرزقه الله به بعد انقطاع ثمانية سنوات. فلما شب ولده أراد أن يعلمه التجارة, والصبى يهرب منها إلى المسجد وحلقة القراّن, وكان بالمسجد الشيخ محمد الشريف القائم على الطريقة الإدريسية اّنذاك
فلما فشلت محاولات الوالد مع ولده في دفعه للعمل بالتجارة ذهب يشكوه إلى الشيخ محمد الشريف الذي قال له: أنسيت أنك قد وهبته لله تعالى؟ أرسل ولدك إلى الأزهر.
يصف المؤلف كيف كانت حياة الشيخ صالح في الأزهر, وكيف أحب الأزهر وشيوخه محبة عظيمة, ويقول: "لقد اقترنت محبته للأزهر بمحبته لأهل البيت, فهما في واقع الأمر شئ واحد, لا انفصال بينهمافى قلب المؤمن قط"
يقول الشيخ صالح في هذا المعنى مخاطبا الزهراء بنت النبى التي سمى الأزهر على اسمها:
- فيا زهراء أزهركم منير... ومن بركات والدكم تشعب
- و عم العالمين سنا ضياه... فكل المسلمين إليه تطلب
- سألت الله يكلؤه بنصر... ومن يبغى له الإذلال ينكب
و يستعرض الفصل مشايخه الذين قابلهم وتلقى على أيديهم في الأزهر.. يصفهم الشيخ صالح بقوله: "و عندما جئت إلى الأزهر وجدت عند كل عمود شيخا يدرس العلم, وكانت دموعنا تسيل من دروس العلماء ومن لمعان وجوههم, لهم طريقة في التدريس والكلام تقشعر لها القلوب.. ".
من هؤلاء الشيوخ: الشيخ محمد إبراهيم السمالوطى والشيخ محمد نجيب المطيعى, والشيخ حبيب الله الشنقيطى, والشيخ يوسف الدجوى والشيخ على الشايب, وقد قدم المؤلف ترجمة مختصرة لكل منهم.
ثم يتطرق إلى مشايخه في الطريق الذين كان لهم الفضل في تربيته وإرشاده قبل أن يجئ إلى الأزهر, وظل يعيش في كنفهم ويستمد من أنوارهم طوال حياته -عل حد تعبير المؤلف- وهم القطب السيد أحمد بن إدريس وولده عبد العالى وحفيده محمد الشريف, وكتب ترجمة لكل منهم
ثم تكلم عن علوم الشيخ ومؤلفاته, وديوانه الكبير في مدح النبى واّل البيت وأولياء الله الصالحين وغير ذلك من أغراض.. وتكلم عن زهد الشيخ وعن أخلاقه وطريقته الصوفية التي استمدها من شيخه القطب أحمد بن ادريس.
و ذكر أشياء عن تصدى الشيخ لبدع الوهابية والشيعة وبثه عقيدة أهل السنة في كتبه وشعره مثل قصيدة "مفيدة العوام", وتكلم أيضا عن كرامات الشيخ ثم ختم بوفاته مساء يوم الإثنين 18 من جمادى الأول سنة 1399 هـ الموافق 16أبريل سنة 1979 م, وقد دفن بمسجده بالدراسة, ومقامه -اليوم- ظاهر يزار.
الكتاب الثالث: الشيخ أحمد بمب خادم الرسول وسيد الناس (1346 هـ-1928 م)
يبدأ المؤلف هذا الكتاب الثالث بالحديث عن كيفية تعرفه على الشيخ أحمد بمب عن طريق كتاب مصور باللغة الإنجليزية عنوانه: A saint in the city أى: "ولى بالمدينة", وقال إن هذا الكتاب يهتم أساساً بالظاهرة الفنية الفريدة التي أنشأها محبوا الشيخ ومتبعوا طريقته في شكل لوحات أبدع الشعب السنغالى في صنعها في مختلف الأشكال وبمختلف الأدوات والوسائط. إلا أن المؤلف استشف مما قرأ في الكتاب أمورا جعلته يدرك أن وراء هذا الرجل شأن عظيم, منها محبته للنبى محبة عظيمة حتى أسمى نفسه بخادم الرسول, ومدحه بقصائد كثيرة باللغة العربية.
يقول المؤلف إنه أخد يبحث عما يزيده معرفة به, حتى التقى في يوم من الأيام بطالب من نيجيريا, فسأله إذا كان سمع عن ولى لله في السنغال اسمه أحمد بمب. وبعد أيام اتصل به ذلك الطالب ومعه زميل اّخر من السنغال أمده ببعض المعلومات عن الشيخ.
يقول المؤلف: "و اليوم أحمد الله تبارك وتعالى, وأسجد له شكرا على نعمته الجزيلة, فقد عرفنى بواحد من رجاله العظام وأوليائه الصالحين المصلحين".
خلفية تاريخية
بعد هذه المقدمة, يقدم الكاتب بمقدمة أخرى عبارة عن خلفية تاريخية عن غرب أفريقيا وتاريخها مع الاستعمار الفرنسي ومقاومة الطرق الصوفية له بالسلاح, ثم يقول: "من مشايخ الصوفية من لم يرفعوا سيفا ولا بندقية في وجه أعداء الله, ولكنهم راحوا في ثبات عظيم يشيدون بناء الإسلام في القلوب, ويوسعون رقعته, ويبنون قلاعاً من الإيمان واليقين.. من هؤلاء: صاحب هذه الترجمة الشيخ سيدى أحمد بمب"
نشأته
تكلم الكاتب عن نشأته في بيت من بيوت العلم والصلاح, وعن تفوقه منذ الصغر في حفظ القراّن وتحصيل العلوم حتى ذاع صيته وأطلق عليه البعض "سيد العلماء".. ثم عن زهده وكثرة مؤلفاته, ثم خروجه للسياحة -على طريقة الصوفية- وطلبه لمشايخ التربية, وذكر منهم الشيخ "سيديا بابا" الذي وصفه صاحب كتاب "الوسيط في أوباء شنقيط" بقوله: "هو العلم الذي رفع على أهل قطره, واستظل به أهل دهره, وماذا أقول في رجل اتفق على أنه لم يظهر مثله في تلك البلاد"
يقول المؤلف: "ظل الشيخ أحمد بمب مصاحب لشيخه الشيخ سيديا ينهل من علومه ويستمد من أنواره حتى وقعت هذه الحادثة التي قطعت الشيخ عن أستاذه وعن كل أستاذ بعده." وبين هذه الحادثة بأنها تلقيه مباشرة من النبى حتى أنه أعطاه في اليقظة لا في المنام الورد الذي سيلتزم به أتباعه. ثم يعلق على ذلك بقوله:
"و كما استعصت معجزة الإسراء والمعراج على فهوم البعض فأنكروهها, فكان إنكارهم لها سبب في خرو جهم من الإسلام بعد أن كانوا دخلوا فيه على الرغم من صحبتهم للنبى، كذلك تستعص بعض عطاءات الله لأوليائه على فهوم ضعاف القلوب, فينكرون ويجحدون"
النفى والإقامة الجبرية
ثم يتكلم عن اعتقال السلطات الفرنسية للشيخ ونفيه خارج البلاد إلى "جابون" وكيف توالت عليه العطائات في تلك الظروف الشديدة, لذلك جعل عنوان ذلك الفصل: "يا أيام العسرة والشدة.. كم لك على أمة الحبيب من أياد!", ويذكر جملة من الكرامات التي اشتهرت عن الشيخ, وينتقد من يعرضون عن ذكر الكرامات عند الحديث عن رجال الله فيقول: "هل أصبح المسلمون اليوم يستحون من ذكر كرامات الأولياء التي وهبها الله لهم علامة على صدقهم, وتثبيتا لأهل الإيمان, والتي ما أبرزها الله إلا لينتفع بها, ولو شاء لأخفاها. لقد انخدع كثيرون منا بظن أن المنهج العلمى هو الذي ينأى بنفسه عن ذكر الغيبيات. وهذا من أعظم الخطأ, إذ أن الإيمان بالغيبيات زيادة في العلم, وما علمه الناس في كل زمان ومكان في جنب مالم يعلموا يشبه أن يكون قطرة في بحر"
جهود الشيخ في الإصلاح
و يذكر الكاتب جهود الشيخ في الإصلاح, وينقل عن الشيخ محمد المحمود الطوبوى في كتابه "النهج القويم في سيرة الشيخ الخديم" قوله: "كان يملأ السنغال كله اللهو واللعب والخرافات.. فجاء الشيخ الخديم ودعا الناس إلى الله بإخلاص العبادة له وحده, وترك البدع والخرافات, والتخلق بمكارم الأخلاق, والإعراض عن هذه الدنيا الفانية, والإقبال على الله بالكلية." مما حدا بالشيخ "تيورو أمباكى" أن يقول في قصيدة يمدحه بها:
- والله لولاه مات الناس كلهم... على طريقة ابليس الذي سمجا
و يعرف الكاتب بالطريقة المريدية التي أسسها الشيخ, والتي يتبعها اليوم الملايين في غرب أفريقيا وعن تعميره لطوبا التي كانت صحراء جرداء وهي اليوم واحدة من أكبر مدن أفريقيا.
وفاة الشيخ
توفى الشيخ بعد ثلاثين عاما أمضاها في المنفى والإقامة الجبرية في يوم الأربعاء 20 محرم سنة 1346 هـ الموافق19 يوليو سنة 1927 م. يقول المؤلف: "بنى تلاميذه ومحبوه على قبره مسجداً هو اليوم من أكبر مساجد القارة الأفريقية.. وفي يوم 18 صفر من كل عام تشهد مدينة طوبا -التي دفن بها- مشهدا يشبه يوم الحج الأكبر، إذ يتوافد إليها أعداد كبيرة من المريدين من كل مكان تتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين, يحتفلون بذكرى شيخهم, وبالتحديد ذكرى اليوم الذي ركب فيه السفينة إلى منفاه في جابون, ونال فيها من ربه ما نال.
ثم يختم المؤلف الكتاب بقوله: "و لا يزال سيدى أحمد بمب كنزاً مخبوءً, لم تفتح بعد كل مغالقه, وأمة الإسلام في أمس الحاجة اليوم إلى جواهره ولآلئه."
وصف الكتاب
صفحات الكتاب 448 صفحة من القطع المتوسط (17×24), ويتكون من ثلاث كتب: كل كتاب يبدأ بفهرس الموضوعات وينتهى بقائمة المراجع الخاصة به.
صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في أبريل 2007, وكانت أصغر حجماً, تقع في 220 صفحة من القطع المتوسط (14×20).
و كذلك الطبعة الثانية في 2008.
ثم حصل المؤلف -كما قال في المقدمة- على مزيد من المراجع وفي ذلك قال: "و جدت في هذه المراجع أشياء مهمة لا يجدر بى أن أتغافل عنها مادمت قد تعرضت للكتابة عن هؤلاء الثلاثة من أقطاب الأمة "، وذكر تلك المراجع الجديدة في المقدمة في مواضعها في اّخر كل كتاب مع سائر المراجع
صدرت الطبعات الثلاثة عن دار المقطم للنشر والتوزيع بالقاهرة, والطبعة الثالثة الموسعة في محرم 1430 هـ-يناير 2009 م